استعدادات الذكرى 25 لاتفاقية السلام وسؤال “المصلحة الأردنية” يتصاعد: مصير اللبدي ومرعي على المحك وإسرائيل تهدد شرعية النظام الهاشمي.. سياسيون يطالبون بمصارحة للشارع عن الأزمة مع الرياض وتل ابيب وبانفتاح حقيقي مع طهران وبالتالي بغداد ودمشق
لا يزال الساسة الأردنيون يتساءلون عما كسبه بلدهم من 25 عاما هي عمر اتفاقية السلام مع إسرائيل (في 26 أكتوبر 1994)، خصوصا والذكرى تمر هذا العام تزامنا مع حملات مختلفة تطالب بالافراج عن مواطنين أردنيين باتا في السجون الإسرائيلية.
وتقبع الأردنية هبة اللبدي (32 عاماً) في سجن تل ابيب وتحت تحقيق قاسٍ وفق عدد من وسائل الاعلام، قررت اثره خوض اضراب عن الطعام تجاوز يومه العشرين، ويعرض حياتها للخطر وفق ما اعلنه ذووها.
بالتزامن أيضا تم احتجاز المعتقل حديثاً عبد الرحمن مرعي (29 عاما) والذي يعاني من مرض السرطان دون ان يجد أي منفذ لاتمام علاجه وفق تقارير إعلامية من الجانبين الأردني والفلسطيني.
في هذا السياق انطلقت عدة حملات تناشد وزارة الخارجية الأردنية للتدخل في حالتيهما بينما لم تفلح المحاولات الأردنية في حث إسرائيل على الافراج عن الشابين، وهو الامر الذي يكرّس الشعور بان العلاقات الأردنية الإسرائيلية اليوم تعيش أسوأ مراحلها.
معنى ذلك ان الجانبان على الاغلب لن يتمكنا من إقامة احتفالات على غرار ما قامت به السفارة الإسرائيلية في مصر قبل عدة اشهر، ما يثير مجددا تساؤلات محلية عن جدوى اتفاقية السلام وان كانت تصب في مصلحة عمان من حيث المبدأ.
وتعتبر عمان ان مصالحها باتت اقل تفهما بالنسبة للاسرائيليين خلال السنوات الأخيرة، فعلى سبيل الافراد فقد تعرض احد أبناء الأردن للموت في سجون إسرائيلية (وائل علان عام 2014) بينما لم تقدم أي جهة للمحاكمة اثر ذلك، ثم تبعته حادثة السفارة الإسرائيلية حيث اطلق حارس إسرائيلي النار على مواطنين أردنيين وقتلهما ثم لم يتعرض لاي محاسبة أيضا، ثم اليوم تقبع قضيتا اللبدي ومرعي قيد الدراسة.
مقابل ذلك، وحتى على الصعيد السياسي، يؤكد السياسيون الأردنيون ان عمان تخسر من التلاعب الإسرائيلي بأمن المقدسات في القدس وغيرها، إذ يضرب ذلك الوصاية الهاشمية بعرض الحائط، كما يعرض الإصرار الإسرائيلي على اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل كل الاستقرار الأردني للخطر باعتبار الشرعية الدينية التي تتمتع بها العائلة المالكة في عمان منبعه أصلا هو الوصاية على المقدسات في القدس.
إضافة الى ذلك، تتقاسم جهات دبلوماسية اردنية وأوروبية المخاوف من خطوة إضافية قد يخطوها نتنياهو لها علاقة في ضم الضفة الغربية وتحديدا مناطق غور الأردن والبحر الميت للسيادة الإسرائيلية، وهو الامر الذي يزيد الازمة بين الجانبين، اذ لا ترى عمان الا المزيد من الازمات التي تنعكس عليها جراء خطوة كهذه.
في الاثناء تنظر عمان بعين الريبة والشك أيضا للعلاقات التي بدأت تظهر للعيان بين إسرائيل وعدد من الدول العربية الأخرى، سواء الخليجية او غيرها، تارة تحت اسم الناتو العربي الذي كان يفترض له التشكل في وارسو، وأخرى اليوم تحت مسمى التحالف الأمني الاستراتيجي المائي الذي يفترض ان تبدأ اجتماعاته بعد نحو أسبوع في المنامة.
عمان في هذا السياق ترى ان دورها وبرغبة إسرائيلية عربية مشتركة يتقلص لصالح دول أخرى وهو الامر الذي ليس من السهل على العاصمة الأردنية التسليم به.
بالمقابل، يلوم مسؤولون سابقون دولتهم وخارجيتهم على المواقف الأردنية الباهتة إزاء ما يعتبرونه تماديا إسرائيليا في تعريض مصالح الأردن للخطر، معتبرين ان ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال كان يتخذ مواقفا اقسى مع إسرائيل وهو الامر الذي سهل حماية مصالح الأردن في ذلك الوقت.
الموقف المحسوب بالضرورة لصالح الأردن في الفترة الأخيرة باعتباره ردا بصورة او بأخرى هو انهاء عمان العقود التأجيرية للباقورة والغمر وهما اراضٍ اردنية كانت عمان قد اجرتهما بملحق للاسرائيليين مع معاهدة السلام، الا ان ذلك وحده بالنسبة للاردنيين لم يعد كافيا خصوصا في ضوء شعورهم باستهتار سياسيي إسرائيل بمصالحهم ومواطنيهم.
بكل الأحوال، يطالب ساسة اردنيون بلادهم بمواقف اقوى واهمها التوجه لطهران وفتح باب العلاقات معها وبالتالي مع سوريا والعراق، في محاولة للجم السلوكيات الإسرائيلية التي تستهر بمصالح الاردنيين. إلى جانب ذلك يطالب سياسيون مخضرمون الساسة في بلادهم بمصارحة اكبر مع الشارع ليعي فيها حجم الازمة التي تعيشها عمان في محيطها كله، معتبرين ان ذلك قد يسهل على الأردنيين تفهم المشهد الكامل ويزيد توحدهم والتفافهم خلف قيادتهم.
وبالمناسبة هنا لا تتحدث الصالونات السياسية والشخصيات العميقة في الدولة الأردنية عن إسرائيل وحدها وانما تضعها ضمن محور متكامل مع السعودية ويستشهدون ببرود العلاقات وبمعتقلين أردنيين أيضا في الرياض لم تقبل الرياض حتى اللحظة الافراج عنهم وتظل عمان في سياقهم تأخذ ذات السياق الخجول معهم.
25 عامًا على الـ”سلام” بين إسرائيل والأردن: تنسيقٌ أمنيٌّ تكتيكيٌّ وإستراتيجيٌّ بارزٌ وفي جميع المجالات الأخرى المشاريع عالقة والرأي العّام بالمملكة يُعيق التطبيع بين الشعبين
في تل ابيب يوجد شبه إجماع لدى دوائر صناعة القرار فيما يتعلّق بالسلام المُبرم بين إسرائيل والأردن: على الرغم من أنّ السلام بين الشعبين الإسرائيليّ والأردنيّ لم ولن يتحقق في المُستقبل المنظور، إلّا أنّ العلاقات الأمنيّة بين كبار القادة في البلدين ما زالت قويّةً جدًا، وتُحافِظ على مصالحهما، وهذا الأمر بالنسبة لتل أبيب هو الهدف الإستراتيجيّ المنشود، بحسب ما نقلته المُراسِلة السياسيّة لصحيفة (هآرتس) العبريّة، نوعا لانداو، عن مصادر واسعة الاطلاع في الدولة العبريّة.
وشدّدّت المُراسِلة نقلاً عن المصادر عينها على أنّ معظم الأشخاص المُطلِّعين على ما يجري الآن من وراء الكواليس يُوافِقون على أنّ التعاون الأمنيّ–الاستخباريّ، الذي بدأ بشكلٍ سريٍّ قبل التوقيع على اتفاق السلام، المعروف باتفاق (وادي عربة)، تحسّن وتطوّر مع مرور السنين، مُضيفين أنّ حدود إسرائيل مع الأردن تُعتبر آمنة نسبيًا، وأذرع الأمن المختلفة في علاقةٍ وثيقةٍ بينها، وثمة تنسيق تكتيكيّ وإستراتيجيّ بارز، طبقًا لتوصيفهم.
وتابعت المصادر في تل أبيب قائلةً للصحيفة العبريّة إنّ كلمة المفتاح لكلّ ذلك هي السريّة، وبما يُشبِه الادعاءات التي تُسمَع عن العلاقات الدبلوماسيّة بين إسرائيل ومصر، أيضًا في محور عمان-تل أبيب يُفضِّلون التعاون الهادئ بين السلطات المسؤولة عن الأجهزة الأمنية، مؤكِّدةً في الوقت عينه على أنّه خلافاً للمجال الاجتماعيّ–الاقتصاديّ، فالعلاقات بين الشعبين بعيدة المدى، ومعظم المشاريع عالقة، والأمر الشاذ في هذا المجال هو مشروع تشغيل العمال الأردنيين في الفنادق بإيلات (أم الرشراش)، الذين ارتفع عددهم من 500 إلى 2000 عامل خلال السنين، والآن ثمة خطة لتوسيع المشروع إلى البحر الميت، كما قالت المصادر الرفيعة في تل أبيب.
ولفتت المُراسِلة السياسيّة في الصحيفة العبريّة إلى أنّ هذا الوضع يخلق نظرية “البيضة والدجاجة” في العلاقات، فكلّما تدهور الرأي العام الأردنيّ تجاه إسرائيل سيصعب على الدولة الدفع بمشاريع مشتركةٍ دوليّةٍ، يمكنها تحسين العلاقات المدنية، والاعتماد الحصري للعلاقات السرية على السلطات، وغياب الاستثمار في ما تُسّمى بـ”القوة الناعمة” المدنية، قد يضر إذا ما استُبدِلت القيادة ذات يوم.
عُلاوة على ما ذُكر آنفًا، قالت المصادر إنّ قضية التوتر بين السلطات الأردنية والرأي العام في المملكة الهاشميّة بالنسبة لإسرائيل أوْ الفجوة بين العلاقات العلنيّة والعلاقات السريّة بين الدولتين عادت وظهرت في جميع المحادثات التي أجرتها الصحيفة العبريّة خلال الشهر الجاري مع عددٍ من الخبراء وأصحاب المناصب الرفيعة في الجانب الإسرائيليّ والجانب الأردنيّ، بمناسبة مرور 25 سنة على إنشاء العلاقات الرسمية، وعبارة “تفويت الفُرص” ذُكِرت عدّة مرّاتٍ، وليس مُدهِشًا أنْ يتنازل الطرفان عن مراسم الاحتفال بالذكرى الـ 25 لاتفاق السلام الذي تمّ توقيعه برعايةٍ أمريكيّة في العام 1994، على حدّ تعبير المصادر بتل أبيب.
ورأت المصادر واسعة الاطلاع في كيان الاحتلال الإسرائيليّ إنّ الأسباب والعوامل التي تؤدّي إلى إعاقة السلام مع المملكة الأردنيّة الهاشميّة تتلخّص في التالي: التركيز على المجال الأمنيّ-السريّ عوضًا عن العلاقات العلنيّة بين تل أبيب وعمّان، العامِل الثاني هو التباطؤ في تنفيذ مشاريع مدنيّةٍ مُشتركةٍ، الثالث، الجمود السياسيّ بين إسرائيل والفلسطينيين والإعلان عن ضم غور الأردن إلى السيادة الإسرائيليّة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إضافة إلى الحديث الدائم عمّا يُسّمى “الوطن البديل”، أيْ أنْ تُقام الدولة الفلسطينيّة في الأردن بدلاً من فلسطين، وهو ما يذهب الكثر إلى تسميته بـ”الخيار الأردنيّ”.
وتابعت المصادر بتل أبيب قائلةً إنّ الرأي العام في الأردن ضدّ سياسة إسرائيل في المناطق الفلسطينيّة المُحتلّة، بالإضافة إلى ذلك، ذكرت تل أبيب أنّ سببًا إضافيًا لإعاقة السلام يتمثل في تآكل مكانة العائلة المالِكة الأردنيّة في منطقة الحرم القدسيّ الشريف، بالإضافة إلى حادثة إطلاق النار من قبل الحارس في السفارة الإسرائيليّة على مواطنين أردنيين اثنيْن وقتلهما، وذلك في الـ23 من شهر تموز (يوليو) من العام 2017، وخلُصت المصادر إلى القول إنّ السبب الأخير الذي يُساهِم في إعاقة السلام بين البلدين يعود إلى انسحاب الولايات المتحدة الأمريكيّة من منطقة الشرق الأوسط بقرارٍ من الرئيس دونالد ترامب، كما أفادت الصحيفة العبريّة.
وكان رئيس الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) الأسبق، إفراييم هليفي، قال بمُناسبة مرور 25 عامًا على توقيع اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن، إنّه يرى خطرًا كبيرًا على اتفاق السلام مع الأردن، و”لا أتهِّم المملكة بذلك، بل أُوجِّه أصابع الاتهام لإسرائيل”. وأضاف الرجل، الذي قاد المحادثات والمفاوضات السريّة مع الأردنيين، والتي أدّت لتوقيع الاتفاق عام 1994، أضاف أنّه في السنوات الأخيرة ابتعدت الحكومات الإسرائيليّة على اختلافها عن المملكة الهاشميّة، بالإضافة إلى احتقار الأردن والتقليل من وزنه والاستخفاف به، وذلك في نفس الوقت الذي تحوّل وضع المملكة الجيو-سياسيّ إلى سيءٍ للغاية، على حدّ قوله.