مَعرَكة خِلافَة حفتر تَشتعِل داخِل ليبيا وخارِجها.. وفُرَص سيف القذافي تتعزَّز في حالِ اختفائِه عن السَّاحة.. والتَّوافُق المِصري الإماراتي قد يُحدِّد هَويّة الوَريث
April 20, 2018
لم يَقُض مَضاجِع العقيد معمر القذافي ويُهدِّد حُكمه الذي امتدَّ لأكثر من أربعينَ عامًا، شَخص أكثر من المشير خليفة حفتر، لما يتمتّع بِه من خِبرةٍ عسكريّة، وطُموحٍ سِياسيٍّ وعَسكريٍّ كبير، فالعقيد، ثم الفَريق، وأخيرًا المشير حفتر، كان يَعتبِر نفسه الرَّجل الأكثر كَفاءةً في تولِّي الزَّعامة في ليبيا، ولكن، وحَسب الأنباء المُتضارِبة عن حالَتِه الصِّحيّة، القادِمة من العاصِمة الفرنسيّة باريس حيث يتلقّى العِلاج من سَكتةٍ دِماغيّةٍ في أحد أهم مُستشفياتِها تُؤكِّد أنّه لم يَعُد يَملُك الكَثير من الوقت لتَحقيق هذا الطُّموح الذي اقترب مِنه عِدّة مرّات طِوال السَّنوات السَّبع الماضِية بعد الإطاحة بالعَقبة الأكبر، أي قتل العقيد القذافي، وإطاحَة حُكمِه، بمُساعَدة طائِرات حِلف “الناتو” في الجَو، وقُوّات خاصّة أردنيّة وقطريّة وإماراتيّة وبريطانيّة وفرنسيّة على الأرض، إلى جانِب ثُوّار مُسلَّحين وميليشيات ليبيّة.
الأنباء تتضارب حول أحوال المشير حفتر الصِّحيّة، خاصَّةً بعد صُدور تقارير إعلاميّة أكّدت وفاته، وهو ما نَفته أُسرَتُه والسُّلطات الفرنسيّة أيضًا، التي قالت أنّ صِحّته تتحسّن، ولكنّه لم يَظهر في العَلن مُطلقًا مُنذ ثلاثة أسابيع ليُبَدِّد هذهِ الشَّائِعات الأمر الذي زادَها اشتعالاً.
المشير حفتر يُنظَر إليه على أنّه “الرَّجُل الأقوى” في ليبيا لأنّه أسّس جيشًا وطنيًّا قويًّا، وحَظِي بدَعم البرلمان المُنتَخب، وحكومة عبد الله الثني المُنبَثقة عنه، واستطاع أن يَفرِض سيطرته على مُعظَم الشَّرق اللِّيبي (منطقة برقة)، حيث تُوجَد مُعظَم احتياطات النِّفط الليبيّة الرئيسيّة، بعد مَعاركٍ شَرِسة مع الجَماعات الإسلاميّة المُتشدِّدة، الأمر الذي أكسبه تأييدَ دُوَلٍ غربيٍة رئيسيّة مِثل فرنسا وبِريطانيا، إلى جانب روسيا ومِصر ودولة الإمارات العربيّة المتحدة.
المُشكَلة الأكبر التي واجَهت المشير حفتر ابن أجدابيا الساحليّة، وَسط الشَّمال الليبي بين طرابلس وبنغازي، فَشِل في السَّيطرة على العاصِمة طرابلس وإحكام سَيطرتِه على مِنطقة مصراتة، عَسكريًّا أو سِياسيًّا، رُغم الدَّعم الكَبير الذي حَصل عليه غَربيًّا (أمريكا بريطانيا، فرنسا)، وعَربيًّا (مِصر والإمارات).
القادِمون من باريس إلى لندن يَقولون أنّ المَسألة الأهم التي باتَت مَطروحةً حاليًّا، ليست حياة أو مَوت المشير حفتر، إنّما خِلافته، والحَيلولة دُون حُدوثِ فراغٍ عَسكريّ بعد وفاتِه، أو انهيار القُوّات المُسلَّحة التي يَتزعّمها، بسبب وُجود تنافُس على السُّلطة والمَناصِب الكُبرى بين بعض قِياداتِها.
أوساط التَّواصُل الاجتماعي الليبيّة مَليئةٌ بالإشاعات، أبرزها الحَديث عن اجتماعات في أبو ظبي والقاهِرة يَنخرِط فيها قادَة مُخابَرات مِصر ودَولة الإمارات وشخصيّات سياسيّة وعَسكريّة بحثًا عن الوَريث المُلائِم، كما حَفِلت بعض وَكالات الأنباء الروسيّة بينها وكالة “سبوتنيك” بتقاريرٍ إخباريّة تُفيد بأنّ لِقاءاتٍ مُماثِلة عُقِدت في باريس بإشرافِ الحُكومةِ الفَرنسيّة.
من بين الشَّائعات واحِدة تقول أن السيد عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق طار إلى أبوظبي والتقى الشيخ محمد بن زايد، وليّ العهد، ولكن مكتب صالح نَفى هذا النَّبأ، وشائِعة أُخرى تقول أنّ اجتماعًا سِرِّيًّا انعقد في القاهِرة بحُضور الشيخ طحنون بن زايد، مُستشار الأمن القوميّ الإماراتي، واللواء عباس كامل رئيس المخابرات المِصريّة العامّة، ومحمود حجازي رئيس اللَّجنة المِصريّة حامِلَة الملف الليبي سابِقًا، للبَحث عن البَديل.
هُناك عِدّة أسماء مُرشَّحة لخِلافة المشير حفتر في حال لم تتحسَّن صِحّته، ولم يُعَد قادِرًا على القِيام بمَهامِه بالتَّالي، هي نَجليه خالد وصدام، وعقيلة صالح، وأبرز قادَة جيشه مِثل الفريق عبد الرزاق الناظوري، وعوض الفرجاني، وهُناك انقسام حَول هذهِ الأسماء في جيش حفتر، وربّما كانت مُحاوَلة اغتيال الأوّل في بنغازي يوم الأربعاء الماضي التي نَجا مِنها بأُعجوبَة أحد صُوَر هذا الصِّراع على الخِلافة.
تأزُّم الحالة الصحيّة لحفتر شَكّل ضَربةً قويّةً لحُلفائِه العَرب والغَربيين الذين استثمروا فيه المِليارات نقدًا، أو على شَكلِ عتادٍ عَسكريّ، وأثارَت حالةً من الارتياح عند خُصومِه الإسلاميين المُتشَدِّدين والميليشيات العَسكريّة في طرابلس ومِصراتة ودرنة.
الشَّيء الوَحيد المُؤكَّد أنّ سيف الإسلام القذافي الذي يُريد تَرشيح نفسه سيَجِد في اختفاء المشير حفتر تَعزيزًا لفُرَصِه، رُغم ما يُقال عن وجود تَحالفٍ خَفيّ بين الاثنين، فقد باتَ بلا مُنافِس على الإطلاق، أمّا غُرفَة ثُوّار طرابلس، وكتائب مِصراتة فتستعد لنَصب سرادِق الأفراح واستقبال المُهنِّئين.
ليبيا تعيش حاضِرًا صعبًا عُنوانه الانقسام والفَساد، وسيطرة الميليشيات، وانقسام النُّخبة السياسيّة، سياسيًّا ومَناطِقيًّا وقَبليًّا، ومن غير المُعتَقد أن يتغيّر هذا الوَضع المأساوي في حالِ وفاة المشير حفتر، أو عَجزِه عن مُمارَسة مَهامِه، ولا نُبالِغ إذا قُلنا أنّ حالة عدم الاستقرار الرَّاهِنة ربّما تتفاقَم في المُستَقبل المَنظور على الأقل، فربّما تُوجَد قِوَى تُوازِي قِوَى حفتر، عَسكريًّا على الأقل، ولكن لا يُوجَد شخص يَملُك الكارِيزما التي يَتمتّع بِها، وقادِر على نَسج التَّحالُفات القبليّة والعَسكريّة والسِّياسيّة التي نَسَجَها.
مِصر والإمارات ربّما يَكونا من بين الخاسِرين آذا لم يتم إيجاد البَديل المُتَّفق عليه للمشير حفتر، فقد استثمرا كثيرًا فيه طِوال السَّنوات السَّبع الماضِية، ووضَعَتا كُل ثُقلِهما خَلفه، وراهَنتا عليه كحِصانٍ رابِح، ولهذا قد يكون لهُما الرأي الأهَم في اختيار خَليفَتِه..