القمم العربية ولعنة وثيقة السفر الفلسطينية
يلحظ المتابع لمقررات القمم العربية، تأكيدها على مركزية القضية الفلسطينية، في وقت اشتدت وتشتد فيه معاناة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده دون دعم عربي حقيقي يرقى إلى حجم التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية من كل حدب وصوب، وكعادة القمم العربية نسمع جعجعة ولا نرى طحينا. والماثل للعيان أن المشهد الذي يمر به الفلسطينيون إنما هو فصل من فصول الترانسفير التي لم تتوقف أصلاً منذ عام 1948،وبات الفلسطيني الذي يحمل وثيقة سفر أو جواز سفر، أو هوية مؤقتة تشي أنه عربي فلسطيني عرضة للإهانة والسباب والابتزاز المالي والنفسي والطرد، وصولاً إلى إطلاق النار عليه عندما يحاول الهروب والفرار من هذا البلد العربي إلى آخر، أو من الدول العربية، التي باتت معابرها موصدة بوجه الفلسطيني، إلى بلد أوروبي كملاذ آمن بعد ركوب البحر وموت المئات.
رحلة الرحيل القسري
يلاحظ المتابع بشكل جلي أن رحلة الرحيل القسري لا تزال تلاحق الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية وفي منافيه العربية. وهذا يقودنا إلى الحديث عن أهمية سياسة طرد العرب الفلسطينيين من وطنهم فلسطين، حيث تعتبر تلك العملية من ركائز المشروع الصهيوني، وفي هذا السياق أكد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق مناحيم بيغن في مذكراته أن المنظمات الصهيونية العسكرية قد قامت بطرد العرب وهي التي نظمت عملية القتل و الطرد، وتشير الدراسات إلى أن عدد المذابح التي أمكن تسجيلها وصل إلى /34/ مذبحة منها/24/ في منطقة الجليل وخمس مذابح في وسط فلسطين وخمس مذابح في منطقة الجنوب، وثمة سبع عشرة مذبحة نفذت في ظل وجود القوات البريطانية قبل عام 1948، ودون تدخل يذكر منها وسبع عشرة بعد إنهاء الانتداب البريطاني، ومن أشهر المذابح دير ياسين، ومجزرة الطنطورة وقرية بلد الشيخ، والصفصاف، وعيلوط، وعرب المواسي، لكن أكبرها كانت مجزرة الدوايمة، وتبعاً لتلك المجازر تم طرد 850 ألف فلسطيني في عام 1948، أصبح مجموعهم في عام 2019 ستة ملايين لاجئ، وتكرر مشهد الترانسفير «الإسرائيلي» ضد الفلسطينيين المباشر وغير المباشر في حزيران/يونيو من عام 1967 أثناء احتلال الجيش «الإسرائيلي» للضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تم طرد 460 ألف فلسطيني من المنطقتين، أصبح مجموعهم الآن في عام 2019 مليوناً وسبعمائة ألف نازح فلسطيني، ولهذا يمكن القول أن سياسات الترانسفير «الإسرائيلية» أدت إلى طرد نحو سبعين في المائة من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ (13،1) مليون فلسطيني.
تداعيات النكبة الكبرى
من أهم تداعيات النكبة الكبرى في عام 1948، بروز قضية اللاجئين وتغير الخريطة الديموغرافية للشعب الفلسطيني وتكشف الحقائق والمعطيات حجم القضية الناشئة نتيجة الطرد القسري الصهيوني لنحو نصف الفلسطينيين في العام 1948، وفي هذا الإطار تشير المعطيات الإحصائية إلى أن عدد سكان فلسطين قد بلغ في نهاية الانتداب البريطاني (2،1) مليون نسمة، بينهم (30،9) في المائة من اليهود، و(69،1) في المائة أصحاب الأرض الأصليين من العرب الفلسطينيين، أي كان هناك مليون وأربعمائة وخمسين ألف عربي فلسطيني، في مقابل /650/ ألف مستوطن يهودي حتى عشية النكبة في الخامس عشر من أيار/ مايو 1948، وقد لوحظ وجود ميل سياسي في أثناء تقدير اللاجئين تبعاً لخلفية الباحث أو الجهة التي أعدت تقديراً حول اللاجئين، وقد راوح التقدير بين (960) ألف لاجئ فلسطيني حسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين وتشغيلهم عام 1949، و (940) ألفاً حسب الجامعة العربية، و(726) ألفاً حسب معطيات الأمم المتحدة.
وإذا أخذنا أقل التقديرات للاجئي العام 1948، فإنه من بين مجموع الشعب الفلسطيني في عام 1949 البالغ /1466/ ألف فلسطيني، ثمة /726/ ألف لاجئ، أي أصبح أكثر من 50 في المائة من سكان فلسطين العرب لاجئين، استأثرت الضفة الغربية بنحو (38) في المائة، في حين تركز (26) في المائة من اللاجئين في قطاع غزة الذي لا يتعدى مساحته /365/ كيلو متراً مربعاً، واضطر (6،13) في المائة من اللاجئين الذهاب إلى لبنان، وإلى سوريا (11،5) وإلى الأردن (9،5) في المائة، وفرت أعداد قليلة إلى مصر لا تتعدى واحداً في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين، واستحوذ العراق أيضاً على نحو نصف في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين، وغالبية الذين تركزوا في العراق من مثلث حيفا الساحلية، أي من قرى عين غزال وقرية عين حوض، وقرية جبع وغيرها من قرى مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني. وحصلت عملية ترانسفير كبيرة لغالبية فلسطينيي العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق في ربيع عام 2003، حيث تمّ ارتكاب مجازر بحقهم على يد ميليشيات طائفية موتورة ، ليصبحوا لاجئين في أكثر من أربعين دولة أوروبية وأسيوية وعربية ولاتينية. ويشار إلى أنه لا يوجد خدمات للأونروا بين تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الذين تركزوا في العراق بعد نكبة عام 1948.
تشير وكالة «اونروا» إلى وجود نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني في سجلاتها في عام 2019، وثمة/41/في المائة منهم يتركزون في المملكة الأردنية الهاشمية، و(22) في المائة في قطاع غزة الذي يضم ثمانية مخيمات بائسة، في حين تستحوذ الضفة الغربية على (16) في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الاونروا، في مقابل ذلك تستأثر سوريا على (10،5) في المائة وكذلك هي الحال بالنسبة للبنان. ويلحظ المتابع لقضية اللاجئين أن عمليات ترانسفير كبيرة طالت أعدادا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ بداية الحرب الأهلية في عام 1976، وكذلك اللاجئين الفلسطينيين في سوريا منذ تموز عام 2012، حيث بات أكثر من مائة وخمسين ألف لاجئ فلسطيني من سوريا في مناطق لجوء جديدة عربية وأوروبية وخاصة في دولة السويد والمانيا وهولندا وغيرها من الدول، التي استصدرت قرارات من شأنها لم الشمل لمن يصل أراضيها من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا.
اللاجئون قضية أمنية
يعاني اللاجئون الفلسطينيون الذين نزحوا من سوريا إلى دول عربية، مثل لبنان والأردن ومصر من تعامل غير إنساني على الإطلاق،حيث اعتبرت قضيتهم أمنية وليست إنسانية. و في ظل استمرار رحلة الرحيل القسري للاجئين الفلسطينيين ، يبرز سؤال برسم الإجابة، هل الشعب الفلسطيني ضلع قاصر، وما هي السبل حتى ينال معاملة إنسانية في المنافي العربية، فهل من جواز سفر فلسطيني جديد يخول اللاجئين عبور القارات في جهات الأرض الأربعة فهو إنسان في الدرجة الأولى قبل إطلاق الشعارات القومجية بشأن مركزية قضيته.