دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (1)
د. محمد أبو صعيليك
كان الأستاذ حسني أدهم جرار رحمه الله تعالي قامة فكرية ودعوية كبيرة، ساهمت في مجالات التربية والتعليم والتوجيه والدعوة والثقافة في المنطقة العربية بشكل عام وفي فلسطين والأردن بشكل خاص، وتجلى هذا في:
1- انشغاله بالتدريس في فلسطين والأردن ودول الخليج في مختلف المراحل الدراسية.
2- العمل التربوي الدعوي الذي مارسه لمدة طويلة تقارب ستة عقود من عمره المبارك.
3- الانشغال بتأليف الكتب، حيث إنه قد ألف ما يقارب سبعين كتاباً، وهذه الكتب تصنف إلى الزمر التالية:
أ- كتب دعوية: أمثال القدوة في الدعوة، الدعوة الإسلامية.
ب- كتب تاريخية عامة: أمثال جبل النار.
ت- كتب تاريخية مختصة بالتاريخ لفلسطين: حيث ألف مجموعة من الكتب الدائرة في هذا الفلك ومنها:
1- صحابة مجاهدون في فلسطين. 2- نكبة فلسطين. 3- ثورة الشيخ عز الدين القسام 4-الشهيد الدكتور عبدالله عزام.. وغيرها.
أ. مذكرات: حيث كتب مذكرات شخصية له حيث صدر له: ذكريات الوطن والغربة: رحلتي مع الوطن والدعوة والتأليف.
وقد أسهم الرجل مع إخوة له في إعادة كتابة تاريخ فلسطين بنفس إسلامي (إسلامية فلسطين) وهذا جانب مهم في التاريخ لفلسطين لأنه:
1. يقرر إسلامية قضية فلسطين والتي ثبتت بالوحي عبر كتاب الله تعالى حيث فيه قول تعالى (سبحن الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصر).
وثبت في سنة النبي صل الله عليه وسلم ما يشير إلى فضل فلسطين عامة والمسجد الأقصى بشكل خاص.
2- يبني على هذا أن فلسطين ملك لجميع المسلمين، وهذا يتيح للشعوب الإسلامية فرصة الدفاع عنها، إذا لم يستطع أهل فلسطين ذلك، وهذا ما فهمه المسلمون في شتى فترات التاريخ حيث دافع عن فلسطين وحررها العرب من خارج فلسطين، والكرد المسلمون والترك والمغاربة والمصريون، ولم ير أحد من الناس أن هؤلاء يتدخلون في شأن ليس لهم.
3- وعلى هذا تصبح قضية فلسطين وتاريخها قضية عالمية لتقابل ذلك الكيد العالمي الذي به أخذ اليهود فلسطين فلا يرد ما فرط به العالم الظالم بوعوده وإجراءاته إلا بجهد عالمي ولا يتحقق ذلك إلا بالمناداة بإسلامية فلسطين تاريخاً ونضالاً وقضية في كل المحافل التي يمكن أن تعمل على إنصاف هذه القضية.
4- وفي هذا من رفع مكانة فلسطين وتاريخها ما فيه لأن المسلم يؤرخ لفلسطين ديانة، ويعمل لها عقيدة ويتجه قلبه إليها عبادة، وهذا كله لا يتحقق إلا بإسلامية قضية فلسطين وتاريخها بما يحقق لها حفظاً في النفوس، وقراراً في القلوب، ويلزم كل مسلم بأن يعرف عنها كما يعرف عن بلده، وإن شطت به الديار، وتباعدت عنه الأخبار
دور العلامة حسني جرار في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين وقضيتها (2)
د. محمد أبو صعيليك
ولئن كان هذا حال هذا الرجل المؤرخ الذي سماه الدكتور القرضاوي: مؤرخ الدعوة، فهذه صفحات تبين دوره في تقرير إسلامية تاريخ فلسطين، وهذا ما أشير إليه كما يلي:
- التآمر على التاريخ الإسلامي:
كان مما يلي به التاريخ الإسلامي في العصر الحديث أنه قد تخصص في الكتابة فيه أقوام ليسوا من أهل هذه الملة فقاموا بما يلي:
أ. تشويه مقاصد المسلمين في الفتوح: حيث وجد من يجعل الدافع الاقتصادي سبباً رئيسياً للفتوح الإسلامية كما فعل جون كلوب في كتابه الفتوحات العربية، وفيليب حتى في كتابه تاريخ العرب -المطول- وانضاف إليهم بعض الكتاب العرب، أمثال عبدالمنعم ماجد في كتبه عن قيام الدولة العربية، ونبيه عاقل في كتابه عن تاريخ العرب وسواهم، حتى وجدت هيئة لكتابة تاريخ المسلمين ببعد قومي في سوريا والعراق في عقد السبعينيات من القرن الماضي.
ب. تشويه صور أعلام المسلمين في التاريخ: كما فعل جرجي زيدان في رواياته وكتاباته التاريخية حيث صور هارون الرشيد الخليفة العباسي راقصاً ماجناً مع أنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً، مما زهّد الناشئة في أمثال هؤلاء الكبار القادة والخلفاء.
ت. الخلط المتعمد في التعامل مع مصادر الثقافة والمعرفة والتاريخ الإسلامي، فنجد أن بعضهم ينقل وقائع تاريخية من كتب لا علاقة لها بالتاريخ، فقد تكون كتب أدب أو فكاهة أو لكتاب غير موثوق بهم، ويقال في ذلك بأن هذا تاريخ إسلامي وتاريخ لإعلام المسلمين كما فعل أبو رية المصري في كتاباته عن الحديث النبوي عامة وعن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه.
التآمر على القضية الفلسطينية:
- ولئن تآمر أعداء الأمة على التاريخ الإسلامي عموماً فقد تآمروا على تاريخ فلسطين وقضيتها وكان هذا التآمر من خلال ما يلي:
أ. ادعاء أن فلسطين عربية فقط/ وبالتالي فلا دخل لغير العرب من المسلمين بأجناسهم الكثيرة فيهان ويبقى على هذا ما يلي:
- حرمان المسلمين من غير العرب من شرف الجهاد في فلسطين، والعمل على حمياتها بزعم أن هؤلاء ليسوا عرباً وأن هذه القضية لا تخص إلا العرب فقط مع الناظر في فترات التاريخ الإسلامي والفلسطيني السابقة، يجد أن الذين تصدوا لحملات الصليبيين على فلسطين هم من غي العرب كالأكراد والأيوبيين والأتراك وسواهم.
- تعميق النظرة القومية إلى فلسطين فالعربي معني بفلسطين بغض النظر عن ديانته.
وهذا يقدم العربي المسيحي على المسلم غير العربي في الاهتمام بفلسطين وتاريخها، مع أن المسلم لا يحمله على حب فلسطين والجهاد لأجلها والكفاح عنها إلا دينه بينما الآخر تحمله قوميته فإذا تعارضت مع مصلحته الخاصة رمى بها وتناسى تلك القضية وأهلها ومسخ ذلك التاريخ وعند النظر في التاريخ الحديث نجد أن القومية العربية بشتى فروعها هي من أضاع القضية الفلسطينية وشوه صورتها عند الناس.
ب. أن فلسطين ملك لأهل الشام: وهم أهل سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وبالتالي فلا حق للعرب من أهل غير هذه البلاد في الدفاع عن فلسطين والاهتمام بتاريخها وهذا يحرم عرب كل من العراق والجزيرة العربية ومصر والسودان وباقي البلاد العربية من شرف الدفاع عن فسلطين، وبركة الجهاد فيها لأنها ليست لهم.
مما أفقد قضية فلسطين وتاريخها العمق العربي الكبير المتمثل في سكان تلك البلاد التي ادعي عدم اختصاصهم بها.
كما أفقدها القوة العربية الضاربة التي يمكن لها أن تساعد أهل فلسطين في الوقوف أمام الكيد العالمي الكبير الذي يسند اليهود ودولتهم الناشئة في فلسطين.
ت. أن فلسطين هي لأهل فلسطين فقط وعلى هذا فلا شأن لغير أهل فلسطين من العرب والمسلمين في قضية فلسطين، وليس لهم المطالبة بها ونصرة أهلها والدفاع عنها.
وقد حرم هذا فلسطين عمقها العربي والإسلامي وسهل للأعداء عملية ابتلاع فلسطين بغير حساب ودونما رقيب.
ث. أن فلسطين هي ملك لفصيل فلسطيني واحد متغلب ولم يقف الحال عند المصائب السابقة بل تعداه إلى ما هو أسوأ أو أضعف حيث حصر أم أمر فلسطين في اختصاص فصيل من أهل فلسطين قدر له أن يتغل على إدارتها. وبالتالي حرم المسلمون العرب وباقي فصائل أهل فسلطين من الاهتمام بها، والحديث عن مصيرها والجهاد في سبيل الله تعالى فيها.
وبني على هذا ما يلي:
1. كتاب تاريخ فلسطين من وجهة نظر قومية قطرية تناسب نظرة ذلك الفريق المتغلب على الأمر في فلسطين، فيجعل تاريخ فلسطين تاريخا له واعلامه رموزاً لفلسطين، وتصاغ القضية والتاريخ والأمجاد والجغرافيا لخدمة ذلك الفريق فلا تعرف فلسطين إلا بهم، ولا مجد فيها إلا لهم ولا بطولة لأحد فيها إلا لهم، وعليه فقط حرم من فلسطين أحرارها وخيارها وتمزق تاريخها وتفرق عظمتها.
2. أن هذا الفريق قد تباعد عن ثوابت الأمة في الفكر والعقيدة واتخذ من القومية منهاجاً للحياة ودستوراً لها فتباعد الحال بين المسلمين والعرب وباقي أهل فلسطين وفصائلها لأن النظرة القطرية الضيقة هي التي كانت تحكم، وعليه فلا دخل للآخرين بفلسطين وقضيتها ما دام أن هذا الفصيل هو حامي تلك القضية ومالك صك ملكيتها.
3. أن هذا الفريق قد أصبح ألعوبة في يد الآخرين المؤثرين في مواقفه المضعفين لها وبالتالي ترك المطالبة بحقوق أهل فلسطين، والعمل المناسب لردها وانضوى تحت لواء الحل السلمي وقرارات الغرب في تمزيق باقي القضية الفلسطينية.