مأزق الأردن مع الرئيس عباس… «لا بديل عنه ولا يمكنه الاستمرار»
تبادل المجاملات لكنه خفف من المشاورات... حوارات «في العمق» ورسائل «عتب» بين الضفتين
بسام البدارين
عمان- «القدس العربي» : لا يمكن تفكيك ألغاز الحماس الذي أظهره الرئيس الفلسطيني محمود عباس تجاه الكلام الوحدوي عن العلاقة ومستقبلها مع الأردن خلال مناسبة احتفالية نظمت في رام الله مؤخراً بحضور شخصيات أردنية بارزة.
في واحدة على الأقل من المناسبات وحضور السياسي الأردني المخضرم طاهر المصري أظهر الرئيس عباس جملة حماسية تجاه مضمون خطاب عن وحدة مصير الشعبين الأردني والفلسطيني. لحظتها صفق عباس بحرارة ثم تقدم بمداخلة من الطراز نفسه. لافت جداً ان ذلك حدث بعد ان بدأ موظفون أردنيون من الدرجتين الثالثة والثانية في وزارة الخارجية الأردنية يلمحون إلى ان اوراق الرئيس عباس شارفت على الخروج من اللعبة، بناء على التسريبات الأمريكية والإسرائيلية.
كما حدث قبل أيام من زيارة قام بها لعمان القيادي الفلسطيني البارز اللواء جبريل الرجوب تخللها التقدم بالكثير من الايحاءات. بالنسبة للموقف الرسمي الأردني والثابت وكما يعبر عنه وزير الاتصال الناطق الرسمي الدكتور محمد المومني امام «القدس العربي» عنوان الشرعية الفلسطينية واضح وواحد حيث اتصالات تنسيقية على مدار الساعة مع السلطة وقيادتها وحيث كلمة أردنية لا تقبل القسمة على اثنين في هذا السياق. وحيث- وهذا الأهم – شرعية لا تقبل الاجتهاد وشراكة حقيقية بعنوان دعمها وإسنادها.
لكن كلام موظفين من مستوى أقل في الجهاز الدبلوماسي يعكس وعندما يبدأ بالتسرب إلى سفراء أجانب تحديداً جناحاً في المؤسسات الأردنية يتقبل الطروحات الأمريكية والإسرائيلية بسرعة اكثر من غيره حيث تقديرات تتحدث عن خيارات بديلة عن عباس وعن تقدم كبير لمستشاره الامني اللواء ماجد فرج في مستوى الخيارات الأمريكية والاكثر حساسية عن استعداد الأردن لمواصلة التنسيق مع اي لاعب جديد يمثل المؤسسة الفلسطينية. من المرجح ان تسريبات وانباء من هذا النوع يلتقطها الرئيس عباس او تصل اليه وإن كان الحريصون في المؤسسة الأردن يعتبرونها محاولة بائسة على مستوى وظيفي فقط للاجتهاد في تفسير الاتجاه الأمريكي.
من المرجح ان شخصيات قيادية مغتاظة لأسباب عدة من الأردن تتقصد ايصال رسائل محددة في حوارات مع مسؤولين واصدقاء أردنيين. وهي رسائل تريد التأكيد على ان الجنرال فرج ليس اكثر من موظف يعمل تحت امرة الرئيس عباس. وتسعى للتأكيد ايضاً بالتوازي على ان عباس رقم صعب لا مجال للحديث فلسطينياً عن اي خيارات تحاول تجاوزه او تقترح التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني أصلاً. التلميحات وصلت إلى ان مجموعة قيادية فتحاوية مقربة من عباس تحاول تنشيط ذاكرة عمان بالرسالة السياسية التي تتحدث عن مستويات اتصال كبيرة في هذه المرحلة بين الرئيس عباس والسلطة من جهة والمجموعة العربية النافذة بقيادة مصر والأمير محمد بن سلمان من جهة أخرى.
تلك التلميحات تحاول لفت النظر إلى ان المؤسسة الفلسطينية تملك القدرة على القرار المستقل ولم تعد تقبل بعلاقة التبعية لأي دولة عربية شقيقة مع التذكير بأن عباس نفسه المح بذلك في خطابات عدة والتذكير بجهل بعض الحكومات العربية بمعادلة الواقع الفلسطيني حيث يستحيل ان يترأس السلطة الفلسطينية أي شخصية من خارج مربع الإطار القيادي الأهم في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وحيث يستحيل بالمقابل التقدم بأي شخصية بديلة عن عباس من خارج الضفة الغربية. تلك التلميحات عرضت كنصائح على سياسيين ومسؤولين أردنيين ويبدو ان التلويح الأهم فيها هو تلك الجملة التي تتحدث عن علاقة قوية مع العهد السعودي الجديد.
الحكومة الأردنية من جهتها لم تعلن أي موقف سلبي أو ينطوي على تدخل في المؤسسات الفلسطينية بل تحرص دوما على ان تكون الطرف الوحيد عملياً الذي يدعم الشرعية الفلسطينية ودون أدنى مجال للشك بدليل رفض كل محاولات إقامة اتصال وعلاقة مع حركة حماس او حتى مع التيارات المناهضة لعباس في عمق المعادلة الفلسطينية وتحديداً الفتحاوية .
لا أحد يجلس في التصور الاستراتيجي الأردني بدلاً من عباس حتى الان على الاقل وفي نظرالعمق الفلسطيني ثمة قناعات بان فرصة اللواء فرج «تقدم» كخيار محتمل يقترحه الأمريكيون والإسرائيليون لكنها لا تستطيع تجاوز المكانة الرفيعة للرئيس عباس الموصوف أردنياً بالعبارة التالية..» من الصعب توفير بديل عنه الآن ولا يمكنه الاستمرار». وذلك بحكم المأزق الاستراتيجي الذي وضعه نفسه فيه وهو يرفض المظلة الأمريكية وبحكم حالته الصحية وعمره الذي يتقدم.
رغم ذلك يشكك بعض المقربين من عباس بالموقف الرسمي الأردني بناء على تسريبات هنا أو هناك في الوقت الذي اظهر فيه هو شخصياً جملة الحماس التكتيكي الملحوظة أمام المصري وغيره للعبارات التي تتحدث عن وحدة المصير ومستقبل العلاقة بين الشعبين. وهي عبارات يتصور المراقبون ان عباس قد يحتاجها لاحقا خصوصاً وان خيارات السلطة محدودة جداً عندما يتعلق الأمر بالنقاش الساخن مع الأردن أو غيره تحت عنوان قرار عباس ضد المظلة الأمريكية الراعية للمفاوضات والمنحازة لإسرائيل.
وبالرغم من ان الرئيس عباس لجأ مؤخراً إلى ما يشبه الحد من مساحة التشاور المألوفة مع الأردن الا أن عمان رسمياً وأمنياً تتحدث مع كل الأطراف ولا تتبنى خيارات من أي نوع وان كانت مؤسساتها تظهر القلق الاكبر على الفراغ المحتمل في حال استمرار الضغط على الرئيس عباس وعدم تقديم المظلة الأمريكية وإسرائيل لمخرج استراتيجي يساعده في مواجهة الاستعصاء.
يعزل الأردن نفسه تماماً عن كل مظاهر الجدل المتعلقة بخلافة عباس. لكن مصالحه الحيوية تتطلب الانتباه لكل التفاصيل وعلى رأسها وأولها الصراع الخفيف المحتدم خلف ستارة حركة فتح وبين اقطاب الحركة بعنوان الشخصية التي يمكن ان تخلف عباس الذي أربك بدوره الأردن وغيره عندما عبر عن رغبته علناً بالانسحاب من المشهد رافضاً التنازل المطلوب منه للمضي قدماً. ومتفاعلاً مع السيناريو السعودي دون الموافقة على السيناريو الذي يقترح على الرئاسة الفلسطينية دخول التاريخ الحديث عبر القبول بدولة فلسطينية في قطاع غزة وعلى بحرين هما المتوسط والاحمر… تلك في حد ذاتها قصة أخرى