رقص ترامب وحنجلة الجبير
رأي القدس
اعتاد الأمريكيون والعالم على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتغايرة صعودا وهبوطا وعلى تغريداته الفريدة من نوعها والتي تتنقل بين عوالم السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والاجتماع فتضرب أخماسا بأسداس وتحدث ردود فعل عنيفة في كل شأن تتعرض له.
معروف في الوقت نفسه أن ترامب يحاول، ما استطاع، تطبيق برنامجه الانتخابي الذي وعد جمهوره به، رغم تعرض هذا البرنامج لعقبات سياسية وقانونية واقتصادية كبيرة، وقد بدأ أجندته الشعبوية بحظر دخول سكان عدد من الدول الإسلامية، ثم استدار نحو جارته المكسيك لتدفيعها ثمن جدار يمنع هجرة مواطنيها إلى بلاده، وطعن الفلسطينيين طعنة كبرى بقراره إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، وضيق الخناق على كوريا الشمالية لمنعها من استكمال مشروعها النووي والصاروخي، وهو يقترب من لقاء زعيمها كيم جونغ أون قريبا، كما أنه يستعد لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران رغم المقاومة الشديدة من أوروبا وروسيا والصين، وهو، بكل ذلك، يثبت أنه يحاول تنفيذ وعوده الانتخابية ومقتنع بها، رغم العقبات الهائلة التي يواجهها، وعدد الاستقالات والإقالات الهائل جرّاءها في إدارته، وفوق كل ذلك المطاردة القانونية التي يتعرض لها لكشف تواطؤه، أو تواطؤ مقربين منه، في التدخل الروسي ضد المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون، وكذلك الفضائح الجنسية العديدة المرتبطة به والتي لا تكف عن الانكشاف يوما بعد يوم.
تسيطر على الرئيس الأمريكي فكرة الصفقات والأموال وتدفيع الآخرين الثمن ما دام في موقع القوة لفرض ذلك، وضمن هذا الإطار فاجأ ترامب العرب والعالم قبل فترة بالقول إنه يريد إخراج قواته من سوريا «فورا»، وحين اعترض عليه دبلوماسيو الخارجية وضباط البنتاغون قفز إلى فكرة جديدة: على «الدول الغنية» العربية أن ترسل قواتها إلى سوريا، وأن تدفع تكاليف وجود قواته، وقد التقطت المملكة العربية السعودية، حينها، الرسالة بسرعة وأعلنت موافقتها على إرسال قوات كما وردت أنباء أنها باشرت بعد ذلك «الطلب» أو التهديد، بتقديم دعم لقوات الأكراد الموالين لأمريكا في سوريا.
وبعد ابتلاعها السنارة شدّ الرئيس / التاجر الخيط مجددا نحو وجهة لم تتوقعها الرياض حين قال أول أمس إن بعض البلدان في الشرق الأوسط يمكن أن تسقط خلال أسبوع لولا الحماية الأمريكية لها، وهو ما أدخل الدبلوماسية السعودية في حرج كبير، فالدعوة لإرسال قوات، والابتزاز المالي، شيء، أما الحديث عن سقوط أنظمة عربية خلال أسبوع، إذا رفعت واشنطن الحماية عنها، فشيء آخر.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بادر إلى رفع الحرج عن المملكة بالاستدارة إلى قطر، معتبرا إياها المقصودة بالحديث عن السقوط خلال أسبوع، وليس السعودية، المهددة من الحوثيين في اليمن، ومن الميليشيات الشيعية في العراق، ومن التيارات والتنظيمات السلفية المسلحة السنية داخلها، ومن حركات الاستياء والتمرد في المدن والبلدات الشيعية، وفوق ذلك التوتر داخل العائلة والنخب الحاكمة، والانقسامات التي خلقتها حملة «مكافحة الفساد» المزعومة واستهدفت النخب المالية في السعودية.
وحسب الجبير فإنه إذا أقفل الأمريكيون قاعدتهم الاستراتيجية الكبيرة في قطر فإن الإمارة ستكون مهددة بالسقوط، والكلام الذي يبطنه هذا التصريح العدواني يكشف ما أعلنته قطر سابقا من محاولات بعض دول الحصار لتغيير النظام فيها.
يبدو أن تصريحات ترامب لامست عصبا عاريا لدى القيادة السعودية، مما أخرج رجل الدبلوماسية السعودية عن طوره ففقد توازنه المعروف وبدأ بإلقاء الكلام على عواهنه، فقرار وجود القاعدة الأمريكية في «العيديد» لم يتخذ، اساساً، لحماية قطر من إخوتها (أو خصومها) الافتراضيين بل هو أمر يتعلق باستراتيجية انتشار الجيش الأمريكي في العالم، وهذه الاستراتيجية لا تتغير بناء على أفكار رغبوية، أو بتغير الرؤساء الأمريكيين وأمزجتهم.
وبغض النظر عن وجود القاعدة الأمريكية فإن الدولة القطرية ومؤسساتها العسكرية والأمنية قادرة بالتأكيد على حماية شعبها وتراب بلادها، كما أنها قادرة على رد أي اعتداء حقيقي أو رمزي، والأولى بالجبير، أن يتوقف عن «الحنجلة» المفتعلة على أنغام ترامب عبر هذا الشرح المضحك لمعاني كلمات الرئيس الأمريكي، وإذا لم يكن هو معنيا بأمن وسلامة بلد وجار شقيق، فالأولى أن يلتفت للدفاع عن بلده الذي لا يتمنى له الأشقاء القطريون ولشعبه، بالتأكيد، إلا الخير.