حكاية حسين أحمد مع البن اليمني
أسس مقهى في طوكيو ويمضي معظم وقته في مَزارع البن
أحمد الأغبري
Apr 28, 2018
صنعاء ـ «القدس العربي»: في أحد شوارع الحي السياسي في صنعاء يقع مقهى «موكا هونترز» والذي يتكون من حجرة صغيرة تضم ثلاث طاولات ومنصات عرض البن وتجهيز القهوة، حيث بإمكانك هناك، وربما لأول مرة في اليمن، أن تطلب قهوتك بأيٍ من أنواع البن اليمني، ليتم وقتئذ طحن الحبوب وتجهيز وتقطير القهوة في خلاصة لقصة حسين أحمد، مع البن اليمني، وهو يحمل شهادة دولية في التذوق ومعرفة وخبرة بخريطة جودة البن في بلاده، ويمضي معظم وقته متنقلاً بين مَزارعه في البلاد، وإرسال العينات للتجار في أنحاء العالم، في تجربة استأنفها تحت قصف الحرب.
يتحدث حُسين عن قصته مع البن بحذاقة امتلكها من تجربته مع وسائل الإعلام التي ما زالت تحتفي بحكايته في خدمة مشروب القهوة من خلال البن اليمني الذي كان الزمن قد تجاوزه، ليأتي هذا الرجل وخلال فترة حرب في بلاده ليُدشن تجربة جديدة تحت عنوان «موكا هونترز». وموكا هي تسمية إنكليزية ارتبطت قديماً باسم البن اليمني الذي كان يُصدّر من ميناء المخا أو موكا على البحر الأحمر.
حُسين، الذي هو أحد اثنين في اليمن لديهما شهادة التذوق الدولية، مرت قصته مع البن بعددٍ من المحطات بدءاً من صنعاء إلى اليابان، حيث افتتح مقهى يمنيّ شهير في طوكيو، وصولاً إلى الولايات المتحدة حيث أنشأ شركة «صائدو البن» وعاد إلى صنعاء، واستأنف حكايته مع البن والقهوة اليمنية عام 2017.
«كنت في طفولتي اشتري لعائلتي البن وارتبطت بذهني رائحته حتى عندما هاجرت إلى أوروبا في شبابي خلال التسعينيات، كنتُ أطلب من عائلتي أن يرسلوا لي بنا، إلا أن البن الذي كان يصلني لم يكن بتلك الرائحة والجودة. حتى بعدما تخرجت في الجامعة في بريطانيا، وانشأت شركة لحجز الدورات والتسجيل في الجامعات هناك، ظل البن في ذهني».
شاءت الأقدار أن يتزوج حُسين عام 2007 من يابانية، وعندما استقر معها في صنعاء عام 2008 كان يفكر في مشروعه مع البن اليمني الفاخر، فأمضى ذلك العام في البحث العلمي في جغرافية البن اليمني وفصائله ومشاكله حتى تكونت لديه خريطة لجودة ذلك البن، ثم بدأ، في إرسال عينات من البن لتجار في اليابان، وعندما انتقل إلى هناك عام 2009 بدأ في متابعة ردود فعل الشركات اليابانية تجاه العينات وكان تفاعلها ممتازا كما يقول.
«كنتُ أزور اليمن كل أربعة شهور واتنقّل بين مزارع البن أشتريه من المزارعين وأبيعه في اليابان، إلى أن افتتحت عام 2011 مقهى للبن اليمني في طوكيو، وحقق شهرة كبيرة» يضيف لـ«القدس العربي».
ظل العمل في اليمن يلحّ عليه حتى عاد عام 2013 «لأنه كان لدي هدف أريد تحقيقه، وهو إعادة الاعتبار للبن اليمني الفاخر، إلا أن الأوضاع في اليمن كانت قد بدأت في التوتر عام 2014 وزبائني الذين كنت أشحن لهم البُن كانوا مترددين في إرسال المال لليمن. حينها زرتُ الولايات المتحدة للمشاركة في معرض عالمي للبن في واشطن، وتعرفتُ على عالم جديد، ونسجت علاقات جيدة، وبسبب الحرب في اليمن اضطررت للبقاء والعمل هناك».
من حسن حظ حُسين هناك أنه التقى برجل أعمال يمنيّ اسمه أدهم الجهمي كان عاشقا للعمل في مجال البن، وكان سمع بحكاية حُسين مع البن، وأسسا معاً شركة «موكا هونترز». يقول: «حصلنا على تمويل من «سيلكون فالي» بمئة وخمسين ألف دولار في 2016 وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتني عند عودتي لليمن بسبب الحرب، إلا أننا استطعنا أن نصدر بنا للصين وأمريكا أكثر من طنين خلال عام 2017 ولدينا الآن طلبات في أنحاء مختلفة في العالم».
للبن اليمني أنواع تختلف نكهته حسب المنطقة التي يٌزرع فيها، ومن أنواعه: الفضلي، الحيمي، المطري، الإسماعيلي، الحرازي، الحمادي، الحواري، العديني، الصعدي والمحويتي. أنواع كثيرة يستطيع حُسين أن يتذوقها ويميزها، «كل البن اليمني ممتاز، لكن أهم شيء هو أن المزارع يأخذ الحبة الحمراء ويجففها بشكل صحيح وبمستوى معين، ومن حسن الحظ أن المزارعين اليمنيين لديهم تاريخ في الاحتراف».
وأضاف «يتميز بالغرسة والبيئة الجبلية وأيضاً المزارع المحترف». مشيراً إلى أن بعض الأدلة تذهب إلى أن البن نبته افريقية، لكن الثابت كما يؤكد «أن أول مَن زرع البن وشربه وحوله إلى منتج…هم اليمنيون».
كان العالم يعتمد بدرجة رئيسية في قهوته على البن اليمني الذي ينتج بجودة عالية جعلته سلعة رائجة وخاصة ما بين القرن السابع عشر والتاسع عشر ميلادي، ومن ثم شهد تراجعاً حتى غاب عن السوق الأوروبية. ويعزو حُسين تراجع مكانة البُن اليمني في الأسواق العالمية إلى ما اعتبره طفرة البترول في الخليج، ويقول «كان اليمنيون يبيعون الحبوب الميتة لعشائر بلدان الجوار الذين كانوا يضيفون له الزِر والهيل لاستساغة الطعم، ومع نهضة سوق الخليج زاد شراء البن من اليمن لكنهم كانوا يشترونه بالوزن غير مهتمين بالجودة، لأنهم كانوا يستخدمون معه المُحسنات، فتحول البن اليمني من سوق أوروبا إلى سوق الخليج وأصبح التاجر اليمني لا يهتم بالجودة، يضاف إلى ذلك هجرة الشباب اليمنيّ للعمل في دول الجوار، وبسبب ذلك لم يجد الآباء مَن ينقلون إليهم ثقافة البن. حدث في النصف الثاني من القرن العشرين، فحصلت ثغرة معرفية في زراعة البن أثرت سلباً على جودته، ولهذا جاءت تجربتنا بهدف إعادة جودة البن إلى ما كان عليه في السابق».
وأضاف: «نحن نتنقل بين المزارع في مناطق اليمن ونعطي المزارعين تعليمات لإنتاج البن وندفع لهم مقابل ذلك مالاً أكثر لأننا نهتم بالبن الفاخر».