استحقاقات شهر مايو وأبعادها السياسية في رسم خريطة المنطقة
May 7, 2018
جمال الكندي
تتزاحم في شهر مايو مسارات واستحقاقات سياسية مهمة لها أبعادها الاستراتيجية في رسم خطوط جديدة للأجندات السياسية، وذلك حسب ما تتمخض عنه من نتائج بين قوى مؤيدة لتيار معين يصنف بأنه خارج الصندوق الأمريكي وحلفائه في المنطقة، وبين تيار يحمل الرؤى التي تتناغم بشكل أو بآخر مع النظرة الغربية في الساحة العربية.
هذه الاستحقاقات السياسية تتمثل في الانتخابات البرلمانية في لبنان والعراق، وفي مسألة الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة (5+1)، والأهم من هذا كله هو يوم الثاني عشر من مايو، ففي هذا اليوم سوف يتم الاحتفال بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف، وبداية رسم خارطة طريق جديدة تعرف بصفقة القرن، ولكن هل سيحصل هذا على أرض الواقع، أم أن لأيام القادمة حبلى بالمفاجئات السياسية.
قبل الحديث عن هذه الاستحقاقات السياسية لابد لنا أن نعرج على الضربة الأمريكية الأوربية الأخيرة على سوريا لأن فشلها أو نجاحها سوف يؤثر على خارطة مايو السياسية بنسب متفاوتة.
إن العدوان الثلاثي على سوريا لم يحقق الهدف المنشود له، فمن الناحية الاستراتيجية لم يتغير شيء على الأرض، فقد كان يعول على هذه الضربة أن تغير الخارطة العسكرية والتي هي مدخلاً للتغير السياسي الجديد في الشرق الأوسط.
هذه الضربة كان يراد لها أن تحقق أهدافاً استراتيجية معينة، فقد كانت المدخل للاستحقاقات والمسارات السياسية والعسكرية في شهر مايو، وهي بدورها كانت، وأقصد هنا الضربة الثلاثية عاملاً مسانداً لم يخطط من قبل الغرب في شهر مايو.
في هذا الشهر هنالك الانتخابات البرلمانية العراقية، التي تأتي بعد الانتصار الكبير للجيش العراقي والحشد الشعبي، على “داعش”، والتي أظهرت اللحمة الشعبية بين كافة شرائح المجتمع العراقي في تطهير الكيان الذي صنعته أمريكا على أرض الرافدين، هذا النصر الكبير قضى على آمال أعداء العراق في زيادة جذوة نار الفتنة الطائفية، فجاءت هذه الحرب عكسية على من كان يريد تقسيم العراق على أساس طائفي وإثني، وهذا الأمر كان ومازال يخيف أعداء العراق.
هذه الانتخابات يعول عليهاً كثير في الغرب والداخل العراقي ستخرج عراقاً جديداً، بعد أن نفض غبار “داعش” عنه، وهنا يأتي دور الوفاق السياسي بعد النجاح الكبير الذي حققته اللحمة الشعبية العسكرية التي طردت “داعش”، لذلك فالعنوان البارز لمخرجات الحكومة العراقية القادمة، هي أن تتناغم مع المنجز العسكري الكبير الذي تحقق في العراق لإيجاد أغلبية نيابية تحافظ على المنجز الوطني وتخطط لاستراتيجية عسكرية وسياسية للعراق بعد “داعش” يكون إنهاء الوجود الأمريكي في العراق من أولوياتها مع خطة البناء والتعمير على أساس وحدة العراق من شماله إلى جنوبه.
أما عن الاتفاق النووي الإيراني مع مجوعة (5+1) فله مسارات وسياقات مهمة في شهر مايو، وربما يلاقي فشل الضربة الصاروخية على سوريا بظلاله على التوجهات الأمريكية الصهيونية الداعية إلى تغيير هذا الاتفاق. إن خروج الضربة عن إطار السيناريو المخطط لها سيبرز الجانب الإيراني قوياً متمسكاً بثوابت هذا الاتفاق والمسرحية التي أعدها رئيس وزراء إسرائيل “نتينياهو” لم تلاق التأييد الداخلي عوضاً عن أن تلاقي صداً عند الأوروبيين. وقد رأينا التأييد المطلق عند من وقعوا هذه الاتفاق في مجموعة (5+1) ماعدا الأمريكان، وهذا الأمر يضع الرئيس “ترامب” وحده في وجه المدفع أمام إصرار حلفائه من الغرب على عدم تغيير الاتفاق النووي الإيراني.
هنا تأتي المعضلة فلا توافق أوروبي في حددوه الدنيا مع أمريكا في تغيير هذا الاتفاق، والتصريحات الأوربية الأخيرة كانت واضحة في هذا الشأن،لاسيما قول الرئيس الفرنسي ماكرون “من احتمال نشوب حرب إذا انسحب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” من الاتفاق النووي مع إيران مستبعداً في الوقت نفسه أن ترامب يريد حرباً” هذا بحسب ما نقلته وكالة رويتر.
يعتبر هذا الاتفاق أكبر إنجاز تم تحقيقه مع الإيرانيين، والتهريج الإسرائيلي الأخير هو موجه للحليف الأمريكي، فالخوف من أن يغير “ترامب” موقفه، خاصة بعد الفشل الكبير في سوريا، وعدم الرغبة الأوربية بالوقوع في صدام سياسي وربما عسكري مع إيران والحليف الروسي .
إن التهديد الإيراني واضح، وخروج أمريكا من الاتفاق يعني خروج إيران، وهذا ما لا يريده الأوربيين لأنهم سيخسرون الاستثمارات الاقتصادية ما بعد الاتفاق .
الإسرائيلي والأمريكي، ومن سار على دربهم في قضية الاتفاق النووي مع إيران يغردون خارج السرب الأوروبي والدولي والدوافع معروفة لكل واحداً منهم، ولكن هل يقبل الأوروبيين بالضغوط الأمريكية على حساب السلم السياسي و العسكري والاقتصادي الذي سوف يحدثه الاتفاق النووي مع إيران؟.
أما من حيث قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كإحدى مسارات مايو السياسية المهمة، والتي أدى فشل الضربة العسكرية في سوريا إلى أن تكون له انعكاسات سلبية على من يتبنى هذا القرار ويطرح حل القضية الفلسطينية بصفقة يسميها صفقة القرن يتم من خلاله التنازل عن القدس، وفشل الضربة يقوي هذا المحور المعادي لنقل السفارة، وربما سيعيد الحسابات “الترامبية” -إن صح التعبير- لتأجيل اتخاذ هذا القرار، فإن له تبعات خطيرة على الساحة الفلسطينية والعربية،ومسيرات العودة في كل جمعة زادت الضغط على أمريكا لتأجيل نقل السفارة خاصة، وأن المجتمع الدولي بدأ في إرسال رسائل الانزعاج من ردة الفعل الإسرائيلية العدوانية تجاه المتظاهرين.
شهر مايو يحمل الكثير كما قلنا من الاستحقاقات السياسية، ويعتقد الكثير أن فشل الضربة الصاروخية على سوريا سوف يحدث أثراً سلبياً على سير هذه المسارات السياسية في المضمار الأمريكي.
نحن الآن أمام محاور تصادم في سوريا والعراق ولبنان، وفي مسألة قضية الاتفاق النووي الإيراني، وعوامل فشل الضربة سيترجم في استحقاقات مايو الجاري، والعالم ينتظر ما ستؤول عليه العملية الانتخابية في العراق ولبنان، ومسالة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهل ستنسحب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني؟ الانتظار هو سيد الموقف ولا نملك حالياً سواه.