أكذوبة دخول الجيوش العربية إلى فلسطين عام 1947 وتعطيل وتبديد قوى الشعب الفلسطيني
دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين بهدف انقاذ أهلها وحمايتهم من العدوان والمذابح اليهودية, وكان دخول تلك الجيوش بناءً على قرار جامعة الدول العربية في جلستها التي عقدت في لبنان في الفترة بين 7-15 أكتوبر/1947م. وجاء نبأ القرار الذي أصدره مجلس الجامعة في 12/إبريل/1948 والذي جاء فيه أن دخول الجيوش العربية فلسطين لإنقاذها يجب أن ينظر إليه كتدبير موقت خال من كل صفة من صفات الاحتلال أو التجزئة لفلسطين وأنه بعد إتمام تحريرها تسلم إلى أصحابها ليحكموا كما يريدون( ) وعلى أن تحشد الدول العربية قطعاً من جيوشها على حدود فلسطين وأن تقدم السلاح إلى عرب فلسطين الذين يقطنون في المناطق المتاخمة لليهود وأن تخصص من أجل ذلك عشرة آلاف بندقية مع ذخائرها وتدريب الشباب في المناطق غير المتاخمة لليهود وتعبئتهم للمعركة المقبلة وإن تكون قيادة عربية تتولى هذه الأمور وأن ترصد مبلغاً من المال يوضع تحت تصرفها لا يقل عن مليون جنيه وقد تشكلت لجنة عسكرية لتحقيق هذه الأهداف وتكونت من مندوبين عن العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين ولكن مندوب الأردن تغيب ولم يشترك في نشاط اللجنة وقد اتخذت اللجنة مدينة دمشق مركزاً لها.
واختارت العميد طه الهاشمي مسئولاً عن شئون التدريب والتعبئة وقد أنشأ معسكراً لتدريب المتطوعين ومدرسة في قطنا لتخريج الضباط الفلسطينيين وكان مركز التدريب يعد الأفواج ويرسلها إلى فلسطين وقد بدأت الأفواج بدخول فلسطين منذ الأشهر الأولى لعام 1948م واحتملت سوريا القسط الأوفر من مسئولية التدريب والإعداد والتجهيز كانت الهيئة العربية العليا موافقة على قرارات مجلس الجامعة الأخير خاصة وأنها تمثل وجهة نظرها ولأنها تزودها بالمعونة المادية والمعنوية دون أن تفقدها السيطرة على توجيه المعركة في فلسطين وعلى هذا الأساس أخذت تعمل على تهيئة المنظمات وشراء الأسلحة وإدخالها إلى فلسطين ولم تلبث أن عينت عبد القادر الحسيني أحد قادة ثورة عام 1936م ورئيس أحد الأفواج التي جهزتها اللجنة العسكرية في دمشق قائداً عاماً لقوات الجهاد المقدس التي أنشأتها ثم عادت الدول العربية فغيرت موقفها وقررت في 12/إبريل/1948م أي قبل نهاية الانتداب بشهر وثلاثة أيام إدخال جيوشها النظامية إلى فلسطين( ).
كانت في فلسطين قيادتان أولاهما: قيادة الجهاد المقدس وهي تابعة للهيئة العربية العليا والثانية هي قيادة جيش الإنقاذ المؤلف من متطوعين عرب والذي كان قائده العام إسماعيل صفوت ومن أبرز قادته في فلسطين فوزي القاوقجي.
مثلت القيادة الثانية وجهة النظر العربية الرسمية ومن هنا بدأ التنافس بينها وبين القيادة الأولى ولقد حسم دخول الجيوش العربية في 15/مايو/1948 الموقف لمصلحة الحكومات العربية عندما أعلن قرار التقسيم واندلعت الثورة في فلسطين في حين لم يكن عرب فلسطين قد استعدوا مع أنهم كانوا يعلمون مدى استعداد اليهود وتآمر الدول الاستعمارية على رأسها بريطانيا والولايات المتحدة معه.
انفجرت الثورة دون تنظيم ودون إعداد ونشأت لجان قومية في البلاد أخذت تجمع الأموال وتشتري الأسلحة بمقادير قليلة ولكن الوضع كان سيئاً ولا نستطيع أن نقول إنه كان هنالك نوع من الاستعداد حتى أنه لم تكن في مدينة حيفا عند إعلان قرار التقسيم وبدء الانفجار الشعبي بندقية واحدة وكان السلاح الموجود عبارة عن عدد من المسدسات والقنابل اليدوية( ) وأنشأت الهيئة العربية العليا قيادة عامة للعمليات وقسمت فلسطين إلى سبع قيادات عسكرية يتولى أمر كل منها قائد عسكري وهذه القيادات هي:
1- قيادة القدس.
2- قيادة بيت لحم.
3- قيادة رام الله.
4- قيادة المنطقة الغربية الوسطى (يافا والرملة واللد ووادي الصرار والمجدل).
5- قيادة الجنوب.
6- قيادة طولكرم–جنين.
7- قيادة المنطقة الشمالية( ).
كانت قوات المناضلين ثلاثة أصناف:
الأول: القوى المنظمة وعددها حوالي عشرة ألاف رجل تقدم لهم الهيئة العربية العليا كل عتادهم وأسلحتهم وتدفع لهم رواتب شهرية ضئيلة.
الثاني: قوى ترابط في مناطقها وتسهم الهيئة العربية العليا في تسليحها وتقدم لها بعض المعونات المالية وبلغ عدد أفراد هذه القوة خمسة وعشرين ألف رجل.
الثالث: وكان هنالك حوالي أربعين ألفاً وستمائة بندقية فقط أما الهيئة العربية العليا فقد قدمت خمسة آلاف وثلاثمائة وسبعاً وتسعين بندقية وأربعمائة وسبعة وسبعين مدفع رشاش وثلاثمائة وأربعة وستين بندقية توميو وثلاثمائة وتسعة مسدسات ومائة وأربعة وعشرين مدفعاً مضاداً للمصفحات وستة وستين مدفعاً مضاداً للدبابات وثلاثة وعشرين مدفع هاون وألفاً وستمائة وتسعة من الصناديق المتفجرة وستاً وأربعين ألف وسبعمائة وأربعون قنبلة وثلاثة آلاف وثمانمائة وسبعة وستين لغماً جاهزاً وكميات لا بأس بها من الذخيرة والتجهيزات( ).
قامت قوات الجهاد المقدس بدور في الدفاع عن فلسطين ولكنها لم تستطع حماية فلسطين من الغزو الصهيوني ويرجع ذلك إلى ما يلي:
أولاً: لم تكن القيادة السياسية في مستوى الأحداث ذلك أنها لم تستطع أن تعبئ الشعب تعبئة مناسبة وكافية لمجابهة الأخطار وكان العدو معداً ومهيأً وكانت مجابهته توجب وضع كل طاقات الشعب المادية والمعنوية في خدمة المعركة ولقد داهمهم الخطر فلم تفعل القيادة شيئاً مهماً بل اكتفت بأعمال جزئية في جميع الميادين ولقد كانت أمور القيادة السياسية منوطة بالحاج أمين الحسيني الذي كان في القاهرة ولم يستطع دخول أرض فلسطين خلال وجود الانتداب أو بعد خروجه في 15/أكتوبر/1948 ولهذا فقد انبثقت في المدن لجان وطنية كتلك التي نشأت عام 1936م وتولت أمور المقاومة كل واحدة في منطقتها وقد ساعد عدم وجود تنظيم شعبي على العفوية والارتجال والفوضى وأوجد حالة من التفكك وتبديد القوى.
ثانياً: لم تكن في فلسطين منظمات عسكرية تعمل على تدريب الشباب وتسليحهم فلقد كانت منظمة الشباب العربي حديثة العهد ولم تكن قادرة على القيام بعملية تدريب واسعة وكانت الحلقات الدفاعية التي أنشأتها الهيئة العربية العليا محدودة وحديثة وغير قادرة على تعبئة الجماهير.
بدأت اللجنة العسكرية ترسل أفواجها في أوائل عام 1948م كان الوقت متأخراً جداً كما أن الهيئة العربية العليا لم تستطع أن تنظم قوات عسكرية قبل أواخر عام 1947م كما أن امدادها لم يتناسب مع حجم المعركة ضد القوى الصهيونية العسكرية المنظمة ثم إن القيادة العسكرية لهذه القوات لم تستفد من الحماسة الشعبية المتزايدة بل اكتفت بإنشاء سراياها المنظمة ولم تعطِ القوى الشعبية الأخرى الاهتمام الذي يستحق ولم تعمل على تنظيمها وقد كان في فلسطين أكثر من ستين ألف مسلح يرابطون في قراهم ويعمل قسم منهم دون نظام وكان بالإمكان خلق قوى منظمة من هؤلاء.
فإن مدناً وقرى كانت تسقط بيد الصهيونيين وعشرات الألوف من المسلحين قابعون في قراهم لا يعرفون ماذا يفعلون وكانت المواقع الأمامية ترهق خلال صراعها من أجل دفع خطر الغزو وهنالك قوى كبيرة تطلق النار في الهواء تضامناً مع المواقع الأمامية الباسلة لقد اكتفت القيادة العسكرية بقواتها المحدودة مع أنها كانت تستطيع أن تحشد قوى هائلة تمنع سقوط أي موقع على الأقل إن لم تكن قادرة على التقدم واحتلال مواقع العدو كما أن القيادة العسكرية اكتفت بإمكانياتها المادية المحدودة لأنها رضيت بالتبرع والإحسان بدلاً من أن تسخر موارد البلاد كلها لخدمة المعركة.
ثالثاً: كانت فلسطين محاصرة حصاراً بدءً الحصار الذي فرضه الاستعمار البريطاني منذ عام 1917م ولم تستطع الهيئة العربية العليا في السنوات السابقة للنكبة أن تخترق هذا الحصار اختراقاً يسمح لها بإدخال ما تشاء من العتاد والرجال فلقد كانت تواجه بالمقاومة دائماً وكان الحصار العربي ذلك أن دول الجامعة العربية فرضت على نفسها وعلى فلسطين أن تكون وصية عليها فقررت في البدء تشكيل لجنة عسكرية ثم قررت دخول جيوشها وكانت الأردن تطمع بالحصول على جزء من فلسطين وكانت تعمل على تحقيق ذلك بكل الوسائل ولقد أسهمت اللجنة العسكرية كما أسهمت جيوش الدول العربية فيما بعد في تقييد طاقات الشعب الفلسطيني وحرمانهم من الدفاع عن بلادهم.
مع وجود قيادة اللجنة العسكرية في دمشق ومع تدريبها للمقاتلين الفلسطينيين إلا أن أميل خوري يقول أنها منعت السلاح من التدفق إلى فلسطين وكدسته في مخازنها في دمشق( ) حين يكون المناضلون الفلسطينيون في أشد الحاجة إليها إن التدخل الرسمي العربي كان ضاراً بمقدار ما استقبل بترحيب في فلسطين والبلاد العربية الأخرى ذلك أنه استهدف أول ما استهدف محاصرة الشعب الفلسطيني وتعطيل قواه.
كان للحكومة الأردنية دوراً سلبياً فلم تتوان الحكومة الأردنية عن احتلال مقر قيادة الجهاد المقدس في بيرزيت وحل تنظيماتها في القسم المتبقي من فلسطين.
رابعاً: ولم يقم الفلسطينيون عامة بما كان يتوجب عليهم أن يقوموا به فلقد تحمسوا واشترى الكثير منهم الأسلحة بأسعار باهظة وكذلك لم يشترك القسم الأكبر من المقاتلين في المعارك وظلوا في أماكن إقامتهم ولم يعبئوا كل قواهم المعنوية والمادية ولم يحسنوا الدفاع عن مواقعهم في أكثر الأحيان وفقد دب الذعر فيهم وتركوا بيوتهم بدون تنظيم مع أن المعركة كانت تقتضي ألا يبرح إنسان مكانه وكان عدم وجود تنظيم جماهيري يضبط الأمور وانتظار الجماهير دخول الجيوش العربية في وقت قريب جعلهم لا يعولون على الثبات في مواقعهم ما يستحق من عناية.
الجيوش العربية تجتاز حدود فلسطين
عبرت الجيوش العربية في 15/مايو/1948 حدود فلسطين بغية إنقاذها وكانت بعض الدول العربية تنوي القتال حتى النهاية وبعضها كان ينوي أن يقف عند الحدود التي رسمتها هيئة الأمم في قرار التقسيم.
عقدت سوريا النية على الجهاد وزحف الجيش السوري صوب فلسطين ولم يكن العدد الذي زحف إلى فلسطين يزيد عن ألف وخمسمائة مقاتل وأما لبنان فما كان باستطاعته أن يفعل شيئاً لأن جيشها ضعيف أصلاً ووقف الجيش اللبناني على خط الدفاع عند الحدود بألف مقاتل ومنذ البدء عقد العراق النية على إنقاذ فلسطين غير أن الأمير عبد الإله الوصي على العرش ونوري السعيد ربطوا أنفسهم بعجلة الأردن ودخل الجيش العراقي الميدان عند بدء القتال ألفاً وخمسمائة مقاتلاً وازداد عدداً فبلغ عند إعلان الهدنة خمسة آلاف رجلاً وكان الأردن يملك جيشاً كفئاً للقتال إلا أن الجيش والحكومة والملك مرتبطين ببريطانيا ولا يستطيعوا أن يفعلوا إلا ما ترضاه وكان عدد رجال الجيش العربي الذين خاضوا معارك فلسطين في البدء أربعة آلاف وخمسمائة من مجموع الجيش الذي بلغ عدد رجاله اثني عشر ألف كانت المملكة العربية السعودية مرتبطة بالولايات المتحدة وشركات البترول الأمريكية والتي لها في تلك المملكة مصالح تجارية وما كان العاهل السعودي شديد الرغبة في دخول الحرب الفلسطينية شأنه في ذلك شأن الحكومة المصرية التي ترددت في بادئ الأمر ولما رأت أن الرأي العام المصري يريد الحرب أعلنت الحرب وحذت المملكة السعودية حذو مصر فاشتركت في القتال.
قال فؤاد حمزة أحد الرجال السوريين المقربين من ابن السعود إلى محسن البرازي وزير الخارجية السورية عند زيارته الرياض في 25/يناير/1948 ليبحث مسألة فلسطين: لا أنكر عليك أنني لمست تهاوناً من حكومتنا بشأن فلسطين وشعرت بتردد في المبادرة إلى إرسال السلاح بالرغم من قرار مجلس الجامعة لقد وصل عدد السعوديين الذين حاربوا في فلسطين ألف وخمسمائة ولقد حارب هؤلاء في قطاع غزة وكانوا تابعين لقيادة الجيش المصري.
بادئ الأمر رأت الحكومة المصرية أنه ليس من مصلحتها وهي تقف مع الإنجليز وجهاً لوجه أن تزج بجيشها في قتال وأنه إذا كان لا بد من العمل لنصرة فلسطين فليكن ذلك بإرسال المال والأسلحة والمتطوعين ولكنها غيرت رأيها فقررت مشاركة جيشها أسوة بالجيوش العربية الأخرى.
ولما سأل عبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة العربية محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزارة المصرية كيف ولماذا غير رأيه قال له هذا "إنني لم أر مفراً تحت ضغط الأحداث والرأي العام وحالة الأمن الداخلي وكرامة مصر أمام العالم الإسلامي واعتزام الدول العربية الأخرى خوض المعركة الفلسطينية ولذلك أمرت الجيش بالاشتراك في القتال كبقية الجيوش العربية".
قال الفريق محمد حيدر باشا القائد العام للقوات المصرية المسلحة أن الجامعة العربية هي التي طلبت دخول مصر إلى فلسطين بوصفها زعيمة الدول العربية وكان لزاماً على مصر الاستجابة لهذا الطلب وأنه هو شخصياً ما كان يرغب في دخول الحرب بسبب النقص الملحوظ في العتاد.
وفي 15/مايو/1948 يوم إعلان مصر الحرب ودخول جيشها أراضي فلسطين حينها قال الفريق عثمان المهدي باشا رئيس أركان حرب الجيش المصري أنه ورجال الجيش الآخرين فوجئوا بحملة فلسطين ولم يكونوا على أهبة الاستعداد لها وأنه عارض في دخول مصر الحرب لعدم وجود العتاد الكافي وأنه أبدى رأيه هذا في اجتماع حضره رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي باشا ورئيس ديوان الملك إبراهيم عبد الهادي ووكيل الديوان حسن يوسف وأضاف الفريق عثمان المهدي أن الذي كان يطالب بدخول الحرب هو الملك فاروق بوصفه القائد الأعلى للجيش وكذلك مجلس البرلمان والجامعة العربية والصحف والرأي العام.
وهناك من يقول أن الإنجليز كانوا يريدون أن تدخل مصر للقتال وذلك لأنهم عرفوا عن طريق بعثتهم التي كانت تعمل في مصر قبل ذلك أي في عام 1946 أنهم بسبب قلة جنودهم وقلة اسلحتهم سيخسرون الحرب لا محالة وكان الإنجليز يريدون أن تعرف مصر قدر نفسها فتقف عند حدها ولا تطالبهم بالخروج من بلادها.
كان عدد الجنود الجيش المصري الذين دخلوا فلسطين عند بدء القتال ستة آلاف وازداد هؤلاء في معارك النقب فبلغوا عشرين ألفاً يدخل في ذلك المتطوعون من الإخوان المسلمين وهم خليط من المصريين والسودانيين والليبيين ولقد تم تدريب هؤلاء المتطوعين على القتال في معسكرات أعدت لهذه الغاية في مرسى مطروح وهاكستب.
ويمكننا تلخيص الأرقام المتقدم ذكرها بقولنا أن مجموع المقاتلين التابعين للجيوش العربية النظامية عندما اجتازت تلك الجيوش حدود فلسطين كما يلي: 1500 الجيش السوري و1000 الجيش اللبناني و1500 الجيش العراقي و4500 الجيش العربي الأردني و1500 الجيش السعودي و10000 الجيش المصري يدخل في ذلك المتطوعون.
كانت الخطة التي رسمها رؤساء أركان حرب الدول العربية في اجتماع عقدوه في مدينة الزرقا إلى الشمال من عمان في أواخر نيسان تقضي بأن تدخل الجيوش فلسطين في 15/مايو/1948 وأن يزحف الجيش اللبناني من رأس الناقورة نحو الساحل الفلسطيني باتجاه عكا وأن يقوم جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي بغارات على منطقة حيفا التي كانت تحت سيطرة اليهود وأن يزحف الجيش السوري من مرتفعات بانياس وبنت جبيل نحو صفد والناصرة والعفولة وأن يزحف الجيش العراقي عن طريق جسر اللنبي على نهر الأردن باتجاه غور بيسان فالعفولة وأن تزحف بعض قطاعات الجيش الأردني من جسر دامية وجسر الشيخ حسين علي النهر نفسه باتجاه جنوب بيسان فشمال جنين إلى العفولة أن تزحف نحو الساحل فتحتل منطقتي الخضيرة وناتانيا اليهوديين وبذلك تشطر اليهود إلى شطرين شطر في الشمال حيفا وصفد وطبريا وبيسان وشطر في الجنوب تل أبيب وملبس وديران وكان على الجيش المصري أن يجتاز الحدود الفلسطينية عند رفح والعوجا ثم يزحف في محاذاة غزة ومجدل عسقلان وبهذا يشطر اليهود هناك إلى شطرين شطر عند دير البلح والمستعمرات المجاورة لها وشطر في أقصى الجنوب عند القطاع المسمى بالنقب وكان على المتطوعين المصريين أن يصلوا عن طريق الخليل وبيت لحم إلى القدس فيطوقوها من ناحيتها القبلية بينما يطوقها الأردنيون من ناحيتها الشمالية والشرقية وأما القدس نفسها فقد اتفق على تجنيبها ويلات القتال.
كانت الخطة التي رسمها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في الاجتماع الذي عقد في مدينة الزرقا وقد أسندت القيادة العليا إلى جلالة الملك عبد الله وكان ذلك بطلب منه وإصرار من وزارة الخارجية البريطانية والطلب محفوظ في ملفات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة وعين الجنرال العراقي نور الدين محمود قائداً عاماً تابعاً للملك عبد الله.
ولم ترق الخطة المتعلقة للفريق غلوب باشا فاستبدلها بوصفه رئيساً لأركان حرب الجيش العربي الأردني بخطة أخرى وما كان لأحد أن يعترضه إذ كان يصدر أوامره باسم القائد الأعلى الملك عبد الله.
ولقد تم هذا الاستبدال قبل الميعاد المقرر للزحف بثمان وأربعين ساعة فدخل الجيش السوري الحدود من ناحية تقع إلى الجنوب من بحيرة طبريا واحتل سمخ.
وعبر الجيش المصري الحدود عند رفح وراح يزحف نحو الشمال إلى أن وقف عند اسدود وكانت كتائب المتطوعين المصريين والسودانيين والليبيين قد سبقته عن طريق بئر السبع إلى قطاع الخليل وجنوب القدس.
وعبر الجيش العراقي الحدود عند جسر المجامع فاحتل مشروع روتنبرغ وراح يحاصر كيشر وكانت هذه محمية بخط منيع هو الذي كان البريطانيون يسمونه ب خط إيدن وزحف الجيش العربي الأردني على ذراعين ذراع اجتاز جسر اللنبي وراح يتأهب للزحف صوب القدس وذراع اجتاز جسر دامبة باتجاه نابلس وهنا انشطر إلى شطرين شطر بقى مرابطاً في ذلك القطاع وآخر أم باب الواد عن طريق رام الله أما الجيش اللبناني فقد بقى مرابطاً عند الحدود متخذاً لنفسه خط الدفاع وفي رأي الخبراء في الشؤون العسكرية أن تغيير الخطة الأصلية والنتائج السيئة التي أدى إليها هذا التغيير بزج الجيوش العربية مقصوداً وأن الذي اقترحه غلوب باشا كان يرمي إلى زج الجيوش العربية في مآزق لا قبل لها به من ذلك ما قاله الزعيم منير أبو فاضل من أن غلوب هذا كان يرمي إلى كشف الجناح الأيسر للجيش السوري.
وقال شكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية أنه عندما اجتمع بالملك عبد الله في درعا وكان ذلك في 19/مايو/1948 وحضر الاجتماع كل من رياض الصلح وجميل مردم وعبد الرحمن عزام وسعد الدين صبور تساءل عن الأسباب التي أدت إلى تغيير الخطة فقال له الملك سأحتل القدس غداً وتل أبيب بعد أسبوع وأكد قوله هذا بشهادة سعد الدين صبور ضابط الارتباط المصري الذي أكد للقوتلي أن لدي الجيش العربي عتاداً لا ينضب وأنه يملك ما يقرب من 260 مدرعة.
أعلن اليهود استقلالهم وسادت في البلاد أنباء تقول أن بعض الدول العربية غير راغبة في القتال ومن ذلك ما قيل عن مصر من أنها لا تريد الحرب وأن النقراشي ممثلها في مؤتمر بلودان قال لزملائه أن بلاده لا تملك من القوة ما يؤهلها لكسب الحرب وما قيل عن العاهل السعودي الملك عبد العزيز آل سعود من أنه أبرق إلى ممثله في ذلك المؤتمر يقول أن بلاده ليست على استعداد لخوض الحرب وأنه ينصح الفلسطينيين أن يكونوا أكثر تعقلاً وأن يقبلوا بالأمر الواقع وكان قد ذاع أيضاً أن الملك عبد الله كان غير راغب في الحرب وأن بينه وبين اليهود اتفاقاً مسبقاً يقضي بأن يقتسم هو واليهود البلاد فيأخذ كل منهما شطراً.
هذه الأنباء كانت قد انتشرت بسرعة البرق حيث تلقى عرب فلسطين عامة وسكان بيت المقدس أنباء زحف الجيوش العربية بالرضا وانتظروا سقوط القدس وسقوط تل أبيب وخلاص البلاد من محنتها.
ولكن عندما اجتاحت الجيوش العربية الحدود الفلسطينية تلاشت هذه المخاوف وحل محلها الاغتباط والرجاء وبدأ اليهود بتغيير خططهم إذ كانت الدلائل كلها تشير إلى اتحاد العرب وأن لهم خطة عسكرية موحدة ولم يكن عند اليهود أكثر من ثمانية آلاف مقاتل نظامي ليست لديهم مدافع ثقيلة وأسلحتهم الخفيفة محدودة فاجتمع على اثر ذلك تسعة من كبار قادة الهاغانا في منزل بن غوريون بتل أبيب وبدئوا في وضع خطة حيث أن قواتهم موزعة في جميع أنحاء فلسطين من فقد قوتهم ولم يكن في مقدورهم أن يجمعوها في أماكن معينة.
اشترى اليهود من براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا طائرات ولم يستطيعوا جلبها إلى إسرائيل عن طريق الجو إذ أن الحكومة اليونانية رفضت أن تسمح لهذه الطائرات بالنزول في مطاراتها والتزود بالبنزين منها واضطر اليهود أن يرسلوا هذه الطائرات أجزاء وفي طائرات من نوع داكوتا وكانت العملية صعبة وصلت هذه الطائرات متأخرة ولم تتمكن من الاشتراك في قتال ضد الجيش المصري إلا بعد شهر وكان يدير الطائرات اليهودية رجال من قوة الطيران الإنجليزي القدامى( ).
اختلاف الآراء وتعدد الجهات والاتجاهات في غزة
اللجنة القومية في غزة: تنادى زعماء غزة فيما بينهم وألفوا لجنة لإدارة شؤون النضال وقد سموها اللجنة القومية تألفت من خمسة وخمسين رجلاً من أبناء المدينة (نذكر من أعضاء اللجنة الآتية أسماءهم: موسى الصوراني ورشدي الشوا ورجب أبو رمضان وعبد الخالق أبو شعبان وحسني خيال ومحمد أبو شعبان وعاصم بسيسو ومحمد دلول وموسى حلس ويوسف الصايغ وحمدي الحسيني ورشاد الطباع ومنير الريس ورأفت البورنو والشيخ عبد الله القيشاوي وإبراهيم الصوراني وعيسى سيسالم وعبد القادر حتحت وأحمد سكيك, الإثني عشر الأولون تولوا إدارة الشؤون السياسية والسبعة الباقون للشؤون المالية وانتخب رشاد الطباع أميناً للسر ورشدي السقا مساعداً له), وكان الأعضاء كلما اجتمعوا ينتخبون واحد من بينهم لرئاسة الجلسة ولكن هؤلاء الأعضاء لم يكونوا متحدين ولا متجانسين وبعضهم يحترمون الهيئة العربية العليا ويميلون للأخذ برأيها.
كانوا يسيرون على الخطة التي يرسمها لهم رئيسها الحاج أمين الحسيني والبعض الآخر يكرهون تلك الهيئة ولا يميلون للأخذ برأيها وكان هناك فريق ثالث لا يميل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وهذا ما جعل اللجنة كثيرة التردد في قراراتها وهو الذي حال دون نجاحها في كثير من الأمور ومع ذلك فمن الإنصاف أن نذكر أن اللجنة قدمت لبلدها خدمات لا بأس بها.
إن زعماء غزة لم يغادروا مدينتهم أثناء النضال ولم تلهيهم عن واجباتهم الغارات الجوية المتواصلة التي كان يقوم بها اليهود أثناء معارك النقب وأن الأمن غزة وقطاعها كان مستتباً وأن الفضل في ذلك يعود للتدابير التي اتخذتها اللجنة القومية كان أول عمل قامت به تلك اللجنة هو جمع التبرعات من القادرين على الدفع ولما رأت أن المبالغ التي جمعتها عن تلك الطريق لا تفي بالمرام راحت تفرض على السكان بعض الضرائب لكي تتفق على المتطوعين وأنفقت جزءاً كبيراً منه في ثمناً للسلاح وكانت الصفقة الأولى من الأسلحة التي اشترتها عبارة عن ستين بندقية إيطالية.
دعت اللجنة القومية أبناء غزة للتطوع فتقدم أربعين جندي وكانوا هؤلاء هم النواة الأولى لحامية المدينة وازداد عددهم بعد حين فبلغ المائة وكثيراً ما جاوز المائتين ولكن هذا العدد لم يكن دوماً ثابتاً فكثيراً ما كان ينقص ويزداد تبعاً للظروف والأحوال وثبات المتطوعين وتم تنظيم المتطوعين بعد قليل فألفت منهم فرقة أسموها فرقة الجهاد المقدس ألفت من مائة وتسعون من غزة وتسعة مصريين وخمسة سوريون وثلاثة يوغسلافيون واثنان عراقيان ولبناني واحد وألباني واحد والباقون وعددهم خمسة وخمسون من مدن فلسطين وقراها الأخرى( ).
كان منهم خمس عشرة ضابطاً وسبع وثلاثون صف ضابطاً ومائة وثلاثة وثلاثين جندياً أما قائدهم فهو المقدم عبد الحق العزاوي العراقي الجنسية الذي عهدت إليه الهيئة العربية العليا بقيادة هذه الحامية.
كان يعمل معه الرئيس الأول محمد عليم تراجارني وهو ألباني الجنسية و الدكتور محمود كمال مفتيش وهو يوغوسلافي الجنسية والملازم الأول جمال الصوراني من غزة والملازم الأول مالك الحسيني من القدس والملازم الثاني خليل عويضة من غزة والملازم الثاني خالد وناس المغربي من القدس وانتدبت اللجنة القومية السيد سعيد العشي ليساعد العزاوي في أعماله الإدارية.
قسمت قوة الجهاد في غزة إلى ثلاث سرايا فعهد بقيادة السرية الثالثة (بنادق المشاة) إلى الملازم الأول راسم مصطفى علي من يوغسلافيا والسرية الثامنة إلى الملازم الثاني إبراهيم محمود السعدني من يافا وأما السرية التي كان يقودها الملازم الأول عبد الحفيظ العسيلي من الخليل فكانت تعمل في دير البلح.
وزودت الهيئة العربية تلك الفرقة بـ:
واحد وسبعون بندقية إنجليزية وتسعة وثلاثين بندقية ألمانية وبندقيتين أمريكيتين وبندقيتين إيطاليتين وبندقيتين روسيتين وثمانية برنات وستة ستنات وأربعة تومي وخمسة عشر مسدساً ورشاشين من طراز لويز وأربعة مدافع مضادة للدبابات من نوع بويز.
وانضم إلى المناضلين المتقدم ذكرهم بعد قليل عدد من المتطوعين جاءوا من مصر بقصد الجهاد وأول من جاء منهم هم من الإخوان المسلمون المصريون عبد المنعم النجار وبعد ذلك بقليل جاء اليوزباشي كمال صدقي.
جاء في أعقاب ذلك رجل يدعى الحاج حسني الميناوي وهو مصري فتولى هذا قيادة المناضلين الغزيين وعمل مع المناضلين الفلسطينيين جنباً إلى جنب في عرقلة سير القوافل اليهودية وتخريب الأنابيب التي تسيل فيها المياه من بيت حانون إلى المستعمرات اليهودية الكائنة في الجنوب إلى أن جرح في معركة وقد أصيب في عدة مواضع من جسده وفقد إحدى عينيه وعاد إلى مصر ومنهم المناضلين الفلسطينيين الذين استشهدوا بينما كانوا يحاربون معه مدحت الوحيدي ويوسف داود وعبد ربه الإفرنجي.
جاء فريق من الإخوان المسلمين المصريين يقودهم الشيخ محمد فرغلي وعددهم حوالي الثمانين أرسلهم المرشد العام حسن البنا وقد عسكر هؤلاء في معسكر النصيرات على مقربة من دير البلح واشتبكوا في قتال مع اليهود في كفار داروم واستشهد منهم عشرون رجلاً.
جاء بعدهم البيكباشي الورداني من جماعة أحمد عبد العزيز ومعه حوالي مائتي متطوع معظمهم من الليبيين وصلوا من العريش إلى خان يونس عن طريق الشاطئ ولكنهم لم يمكثوا في قطاع غزة حيث رابطوا في عراق سويدان وسافر فريق منهم مع أحمد عبد العزيز إلى قطاع الخليل وجنوب القدس.
أرسلت الهيئة العربية العليا من مصر ستة من الألمان الذين تطوعوا للقتال في صفوف العرب وقد أرسلتهم خصيصاً لتدريب المناضلين على الألغام وطرق استعمالها.
كانت أسلحة المناضلين عبارة عن بنادق إنجليزية وإيطالية وفرنسية وعثمانية أكثرها قديم وبعضها حديث وأما عتاد الجميع فضئيل واشترت اللجنة القومية رشاشين من طراز برن ورشاشاً من طراز تومي وبندقية مضادة للدبابات (بويز) وكان لديها أربع سيارات للنقل واثنتان صفحتا واستعملتا بقصد الحراسة وسيارة لشؤون الإسعاف.
واتخذ المناضلون مطار غزة الكائن على بعد ميل واحد من مدينتهم إلى الجنوب مقراً لهم وكان البريطانيون قد سلموا هذا المطار العسكري إلى بلدية غزة قبل جلائهم عن المدينة بخمسة أيام وهي بدورها سلمته إلى اللجنة القومية.
وما كاد العرب يتسلمون مطار غزة حتى جاء اليهود سكان المستعمرات المجاورة يريدون الاستيلاء عليه واشتبك الفريقان من اجله ولكن الغلبة كانت للعرب فاندحر اليهود تاركين وراءهم عدداً من القتلى وأعطبت مصفحة إلا أن اليهود تمكنوا من جرها وسحب قتلاهم .
كان يقود المناضلين المقدم عبد الخالق العزاوي في غزة وطارق الإفريقي في المجدل ووضع الاثنان في فترة قصيرة من الوقت تحت إمرة اللواء عبد الواحد سليمان سبل باشا الذي أرسلته الجامعة العربية من مصر لقيادة المعارك في جنوب فلسطين وجاء معه اثنان من كبار الضباط المصريين هما: اليوزباشي مصطفى كمال صدقي واليوزباشي عبد المنعم النجار ولكن اللواء عبد الواحد سليمان سبل لم يمكث في غزة سوى بضعة أيام فعاد إلى مصر عندما رأى قلة السلاح والعتاد ورأى فوق هذا وذاك الفوضى ضاربة أطنابها في كل ناحية.
ولما اشتد القتال في قطاع غزة ورأت اللجنة القومية أن عبد الخالق الغزاوي لا يصلح للقيادة انتدبت وفداً مؤلفاً من ثلاثة أشخاص فزار الوفد عمان وبيروت والشام والقاهرة كان ذلك في أوائل إبريل عام 1948 وبعد أن تحدث الوفد إلى المسئولين في العواصم العربية وأوضح لهم حقيقة الوضع في فلسطين عاد خائب الأمل وكل ما استطاع أن يحمله معه مائة بندقية ومائة ألف طلقة منها ما هو إنجليزي ومنها ما هو ألماني وعدداً من قنابل اليد ألمانية وإيطالية ومائة جندي يقودهم العقيد عاهد السخن وأتى الوفد معه بمدفع واحد من مدافع الهاون إلا أن اللجنة العسكرية عادت فاستردت هذا المدفع وبعثت به إلى يافا.
قام الحاج أمين الحسيني بتزويد اللجنة القومية بالرصاص والقنابل اليدوية وأما الجنود والبنادق فقد زودتهم بها اللجنة العسكرية بدمشق ووعدهم عبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة بمائة ألف جنيه وبطارية مدافع لكنه لم ينفذ وعده غادر العقيد السخن دمشق قاصداً غزة وقد وصلها عن طريق العقبة وتسلم حاميتها وفي البيان الأول الذي أذاعه على الناس بوصفه مساعد الحاكم العسكري لمدينة غزة ولوائها قال: إن قيادة جيش الإنقاذ هي التي انتدبته وقد وقع بيانه الثاني بوصفه قائد اللواء الجنوبي انتدبت القيادة عبد الخالق الغزاوي مساعداً له وأما المائة جندي الذين دخلوا معه فقد كانوا خليطاً من المتطوعين الفلسطينيين والليبيين والأردنيين والمصريين والسوريين الذين كانوا قد دربوا على القتال في معسكر قطنا وقد اتخذوا مطار غزة مقراً لهم.
وما أن وصلوا حتى انضم إليهم مائة متطوع من أبناء غزة فأصبحوا مائتين وقصارى القول كان عدد المناضلين قبل انسحاب الإنجليز من البلاد كما يلي: مائة وتسعة غزيون جهاد مقدس وستة وسبعون متطوعون من أبناء فلسطين وسوريا والعراق وليبيا وألبانيا ويوغسلافيا أرسلتهم الهيئة العربية مع عبد الحق الغزاوي وثمانون إخوان مسلمون مصريون جاءوا بقيادة الشيخ محمد فرغلي أرسلهم المرشد العام حسن البنا ومائة غزيون جيش الإنقاذ ومائة متطوعون من أبناء فلسطين وسوريا والأردن وليبيا جاءوا مع العقيد عاهد السخن وستة ألمان متطوعون.
تألفت في بعض الأحياء المحلية بالإضافة إلى حامية المدينة فرقاً صغيرة مستقلة كالفرقة التي تألفت في حارة الزيتون وقد سموها الفرقة المحمدية مهمتها حراسة الحي إنها وإن لم تكن تابعة للجنة القومية إلا أنها تتعاون معها وكانت هذه تمدها بالعتاد عند اللزوم.
وأما عدد المناضلين في القرى التابعة لغزة فكان كما يلي: مائة وثلاثين من قرية بربر وكان حولها عشيرتان من الثوابتة والسواركة في كل منهما عشرون مسلحاً وخمسون من قرية سمسم وثلاثون من قرية دمرة و عشرون من قرية نجد وعشرون من قرية حليقات وعشرة من قرية المنصورة و خمسون من قرية عراق سويدان
وكانت هناك في غزة وفي أواخر عهد الانتداب 9/إبريل/1948 سرية أردنية هي السرية السادسة مشاة من سرايا الجيش العربي يقودها ضرغام الفالح ومعه اثنان من الضباط الأردنيين هما: مصطفى الجبور وعيسى الزعمت وكثيراً ما آزرت هذه السرية المناضلين من أبناء غزة والقرى المجاورة لها في أعمالهم التي أزعجت اليهود وكانت تمد المناضلين بالعتاد حتى أنها أي السرية الأردنية اشتركت في ضرب مستعمرة بيرون اسحق بمصفحاتها وكان رجالها يلبسون الثياب المدنية وفيما كان المناضلون يقومون بأعمال الحراسة داخل المدينة كانت السرية الأردنية تتولى حراسة أبواب المدينة وكان ضرغام يشرف على أعمال المناضلين بوجه عام ولكن هذه السرية انسحبت من البلاد مع الجيش البريطاني عند انتهاء الانتداب في 15/مايو/1948.
انحصرت أعمال المناضلين في هذا القطاع في عرقلة سير القوافل اليهودية والحيلولة دون وصول المؤن والأسلحة إلى المستعمرات الواقعة جنوب فلسطين( ).
الهدنة الأولى
أعلن رسمياً في 10/يونيو/1948 أن الفريقين العرب واليهود قبلا اقتراح مجلس الأمن بوقف القتال وأن القتال سيقف في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي.
أصدرت قيادة الجيش العربي وفي 11/يونيو/1948 في عمان وقيادات الجيوش العربية الأخرى أوامرها بوقف القتال وأعلن رسمياً أن هدنة مدتها أربعة أسابيع قد بدأت وأن الوسيط سيسعى خلال هذه المدة لإيجاد حل لقضية فلسطين.
يقول مناحم بيغن ما أن تم الإعلان عن الدولة اليهودية حتى دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين أما جيش إسرائيل فلم يكن لديه سوى 8000 مقاتل وقد أحس حكام تل أبيب بالخطر ووجه بن غوريون نداء إلى العالم يطلب فيه مساعدة الدول الصديقة وتواردت الأنباء من جميع المدن والمستعمرات اليهودية أن الشعب اليهودي أصابه الخوف وخصوصاً أهل القدس الذين شهدوا فشل القوات اليهودية في فتح طريق باب الواد وتموينهم وكان الجيش العربي قد دخل القدس وبدأ يقصف أحياءنا بمدافعه الثقيلة.
قام الشعب اليهودي بالمظاهرات الصاخبة داعياً إلى إنهاء الحرب بأي ثمن وكان الشعب اليهودي في القدس ثائر يطالب بالخلاص فأعلنت الأحكام العرفية ومنع التجول.
كانت الدوائر الصهيونية تعمل لإرسال رسول سلام إلى فلسطين وعقد هدنة مؤقتة ووردت الأنباء بأن رسول السلام في طريقه إلى فلسطين وتمت الهدنة وتم تزويد يهود القدس بالطعام و الماء وكانت الهدنة في صالحنا فاستعددنا وجلبنا الأسلحة والعتاد والمتطوعين والمحاربين من الخارج.
ولا نعرف حتى الآن كيف ولماذا قبلت الدول العربية الهدنة وقد كان الوضع بوجه عامة في صالحها وساد الاعتقاد يومئذ أن الدولة التي أرادت الهدنة وعملت لها أكثر من غيرها هي المملكة الأردنية وثبت بعد حين أن الحكومة المصرية أيضاً كانت تواقة لعقد الهدنة نزولاً على رغبة قادة الجيش المصري( ).
كذلك التقرير الذي وصفته لجنة التحقيق النيابية في قضية فلسطين ذلك التقرير الذي رفعته إلى مجلس النواب العراقي بتاريخ 4/سبتمبر/1948 أن الفريق الركن نور الدين محمود فاه ببيان أمام اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية جاء فيه أنه لم تكن هناك أسباب ملحة تلجئ الحكومات العربية إلى التماس الهدنة أو قبولها.
وجاء في التقرير نفسه أيضاً ما يلي المفهوم أن الدول العربية تعرضت لضغط سياسي شديد من الدول الكبرى بقصد حملها على قبول الهدنة.
وقالت الوزارة العراقية أنه لا علم لها بالعوامل السياسية التي حدت بالحكومات العربية لقبول الهدنة وأنه ليس لديها ما تقوله بشأن الكيفية التي تم بها هذا الضغط.
وقال رياض الصلح رئيس وزراء لبنان في كتابه الذي أرسله إلى مزاحم الباججي رئيس وزراء العراق بتاريخ 14/أغسطس/1948 أن ممثلي شرق الأردن بلغونا قبل قرار مجلس الأمن وعند الاجتماع في عالية أن شرق الأردن لا يمكنه أن يرفض قرار هذا المجلس حتى ولو رفضته جميع الدول العربية.
وقال أيضاً أن القيادة العراقية أعلنت عندئذ أن الجيش العراقي في حالة انسحاب الجيش الأردني ينسحب هو أيضاً من الميدان دون ريبة وهذا ما وقع.
وقال عبد الرحمن عزام الأمين العام لجامعة الدول العربية بعد أر رفع استقالته إلى مجلس الجامعة في 10/سبتمبر/1952 وقبلت أنه لم يوافق على الهدنة الأولى بعد ما ثبت له من المعارك الأولى أن العرب يستطيعون قهر اليهود ولما أعلنت الهدنة الأولى ضد رأيه كتب استقالته من الجامعة في اليوم نفسه ولكنه عاد فاستردها نزولاً على رغبة النقراشي رئيس وزراء مصر.
قال فارس بك الخوري ممثل سوريا قي هيئة الأمم وكان عند فرض الهدنة الأولى عضواً في مجلس الأمن أنه العضو الوحيد الذي خالف قرار الهدنة وأن القرار أعطى بأكثرية سبعة أصوات وليس بصحيح ما قيل عنه من أنه نصح حكومته بقبول الهدنة والحقيقة هو أنه لا هو ولا أحد من زملائه ممثلي الدول العربية في هيئة الأمم نصح بقبول الهدنة وكل ما قالوه لحكوماتهم عندما استشيروا في الأمر أن قبول الهدنة ورفضها متوقف على الوضع العسكري في فلسطين فإذا كانت الجيوش العربية قادرة على القتال فلترفض الهدنة وإلا فلتقبلها( ).