الجهل القانوني والفقر وطول أمد التقاضي تحد من توجه مواطنين للمحاكم
غادة الشيخ
عمان- عدم الاعتماد على المحاكم للتظلم، وضعف الثقافة القانونية، والابتعاد عن التقاضي جراء الفقر، أو طول أمد التقاضي، من القضايا التي ما تزال عالقة في ثقافة التقاضي لدى مواطنين.
وتحيل هذه المسألة لما نشرته منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية بالتعاون مع شركة درة المنال للتنمية والتدريب، من نتائج تقرير "درجة الرضى والتصور العام بخصوص قطاع العدل في الأردن" في آذار (مارس) الماضي.
وكشف التقرير أيضا أن المحاكم الدينية نالت نسبة رضى لدى مواطنين أعلى من المدنية (النظامية)، الى جانب إظهار مشاركين في الدراسة، ميلا الى عدم الاعتماد على المحاكم كوسيلة للتظلم، أو على الأقل، تصوروا بأن قضاياهم، لا تحتاج لمحاكم وتقاض، ولم يقدم على إحالة قضاياهم للمحاكم سوى 24 ٪ منهم.
الدراسة أكدت أن احتمالية لجوء المرأة للمحاكم كوسيلة للتظلم، أقل من الرجل، وقد تكفل مركز العدل للمساعدة القانونية في هذا النطاق، بمتابعة قضية امرأة مطلقة، تعرضت للتهديد والابتزاز من طليقها، الذي أراد اختلاق قصص وهمية تطعن بأخلاقها، وهذا من أسباب طلاقها أساسا، بخاصة وأنه مصاب بمرض الشك، لكن تخوفها منه، منعها من اللجوء للقضاء لرفع قضية لأخذ حضانة أبنائها ومؤخرها والنفقة.
لكن بعد زيارة للمركز، اقتنعت باللجوء للقضاء الذي أنصفها، ونالت كافة حقوقها، وأهمها حضانة أبنائها.
وتفصح قصة رجل اتهم بتزييف عملة، من دون ان يكون هناك دليل على قيامه بذلك الجرم، ولجهله القانوني، تبع آراء محيطين به بعدم اللجوء لمحام للدفاع عنه، والقبول بالحد الأدنى من العقوبة وهي ثلاثة أشهر، وهو ما فعله، لكنه لم يكن يعلم بأن ذلك، سيمنعه من نيل عدم محكومية بعد خروجه من السجن، ما سيصعب فرص حصوله على عمل.
كما تؤشر على ذلك، قصة الطفلة سدين الفسفوس (9 أعوام) التي رحلت عن عالمنا قبل أكثر من عام؛ نتيجة تضخم في حجرات القلب، وإصابتها "بتوسع في حجرات الدماغ"، دون أن تتمكن من نيل رعاية صحية، لعدم توافر العلاج في مستشفى الأميرة رحمة الى المنطقة ذاتها في التخوف من التقاضي لدى المواطنين.
وقد تحدثت عائلة سادين لوسائل إعلامية عن تعرض ابنتهم لاهمال صحي تسبب بوفاتها، لكن ذلك لم يدفع والدتها وسام الفسفوس للجوء الى القضاء، لكنها عادت عن ذلك، حين اتصلت بها والدة طفل، كان يرقد في سرير مجاور لسرير سدين، وأبلغتها بأن ابنتها تركت لها قرطها امانة.
هذا الاتصال دفع بوالدة سدين للتوجه نحو رحلة إرجاع حق ابنتها، وبالفعل بعد نحو أحد عشر شهرا على وفاة سدين، أحال مدعي عام إربد القاضي ناصر طراد القاضي الطبيب الذي أشرف على حالة سدين بالمستشفى إلى محكمة صلح جزاء إربد، لمحاكمته عن جرمي "التسبب بالوفاة والإهمال الوظيفي".
وما تزال الام متمكسة "أكثر من أي وقت، باعادة حق ابنتي لأن عندي أبناء غير سدين، ولا أريد أن أخسر أحدا منهم".
وفي هذا النطاق، تقول المحامية نور الإمام، إن "هنالك اسبابا متعددة تجعل الاردنيين مترددين في اللجوء للتقاضي، ابرزها؛ ضعف الوعي القانوني لدى شرائح من المجتمع، ونعني بالوعي القانوني، معرفة اجراءات التقاضي، اذ تغلب لدى الاردنيين فكرة نمطية حول طول امد التقاضي، برغم وجود حزمة تشريعات عدلت مؤخرا لضمان سرعة التقاضي، لكن ذلك لم يرافقه حملات توعية، برغم أهميته في تعزيز الثقة باللجوء للقضاء.
وأضافت الامام "بالطبع، قد تكون كلفة التقاضي، سببا مضافا تجعل أشخاصا يفضلون انهاء نزاعاتهم او فقدان حقوقهم، لعدم تمكنهم من تحملها"، برغم وجود قانون الوساطة، الذي يقلل من مدة التقاضي وتكلفته، لكن الغالبية لا يلجأ إليه، مع انه عند صدوره، رافقته حملات لتوعية حول أهميته، فأسهم بانهاء عدد كبير من القضايا.
بدورها؛ ترى المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز، أن الجهل القانوني وعدم الثقة وطول أمد التقاضي، من أهم العوامل التي تخيف أردنيين من اللجوء للمحاكم للتظلم، فضلا عن عامل رئيس وهو كلفة أتعاب المحامين.
وفي ورشة عمل خاصة بالتثقيف القانوني، ضمن تعزيز الدعم العام لتطوير قطاع العدل، أعدتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، أطلقت رسائل اعلامية لتعزيز التثقيف القانوني، مثل "لانه وقتك ثمين وتعبت من طول مدة التقاضي: اعلم تم تعديل الاختصاص في نظر الدعاوى المدنية والجزائية".
كما جرى تعديل اجراءات الطعن بالاحكام المدنية والجزائية والمدد المستحدثة في قانون محاكم الصلح.
وحقق ادخال التكنولوجيا لاعمال المحاكم قفزة مهمة في توفير الخدمات الالكترونية وتمديد ساعات الدوام، وخدمة الاستفسار عن القضايا والطلبات ومعاملات كاتب العدل عبر موقع الوزارة الالكتروني.
ومن ضمن الرسائل "اطلب حقك وادفع لاحقا"، و"لا تجعل فقرك أو ضعفك المادي، سببا في خسرانك حقك الخاص، واعلم أنه يمكنك التقدم بطلب لتأجيل الرسوم القضائية"، و"يمكنك طلب الحجز امام محكمة الاستئناف دون كفالة بالدعاوى المستعجلة".