(( نعمة الذرية وحجم المسؤولية ))
قواعد في تربية الأبناء
إن نعمة البنين والبنات من أجلّ النعم الحسية، وحب الأولاد مغروس في الطباع الإنسانية، فهم زينة الحياة الدنيا وبهجتها، وكمال السعادة ومتعتها،
قال تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ } آل عمران: 14.
إلا أن هذه النعمة وهذه الزينة لا تكتمل إلا بصلاح الأبناء واستقامتهم على الدين وحسن الخلق وأدب الإسلام، وإلا كانوا نقمة وعناء على أهليهم، من أجل ذلك كانت تربية الأبناء مسؤولية شاقة وأمانة كبيرة، ولن تبرأ ذمة إنسان كائناً من كان إلا بأداء هذه الأمانة إلى أهلها،
قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا }
(النساء: 58)
وأهلها في هذا الموضوع هم أبناؤنا وفلذات أكبادنا.
و تربية الأبناء مسؤولية الأبوين أولاً وآخراً،
قال تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } النساء:11،
وقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (التحريم: 6).
قال أهل التفسير: علموا بعضكم بعضاً ما تقون به من تعلمونه النار وتدفعونها عنه وقالوا: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب.
هكذا نقي أنفسنا وأهلينا وأولادنا عذاب النار، أما من أهمل تربية أبنائه وانشغل بدنياه عن إصلاحهم وتركهم يرتعون في مراتع الضلال والفسوق والانحلال؛ فيحاسب يوم القيامة على ذلك ويحمل من أوزار أبنائه بقدر تفريطه بتربيتهم.
يقول النبي صل الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل عبد عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) رواه النسائي وصححه الألباني،
ويقول النبي صل الله عليه وسلم: (والأمير راع، والرجل على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفقٌ عليه.
و لن ينفع يومئذ الاحتجاج بالقدر أو إلقاء المسؤولية على الأولاد أو المجتمع، فإن المخاطب الأول بهذه المسؤولية هم الآباء.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (إذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل للآباء).
لكن ليس معنى ذلك تبرئة الجهات الأخرى المؤثرة في العملية التربوية من المسؤولية، كالمدرسة، ووسائل الإعلام المختلفة، والمجتمع خارج المنزل، فإنها مسؤولة أيضاً أمام الله عز وجل لعموم حديث النبي صل الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) كيف لا وهي تنازع الأبوين دورهما في التربية أشد المنازعة