عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: فيلم «ملف في الآداب»:رعب الدولة والمجتمع الجمعة 13 يوليو 2018, 6:54 am
فيلم «ملف في الآداب»:رعب الدولة والمجتمع
زيد خلدون جميل
Jul 13, 2018
من النادر أن يثير فيلم جدلا واسعا كما حدث للفيلم المصري «ملف في الآداب» الذي أنتج عام 1985، فقد تناول الفيلم موضوعا جريئا وجديدا في عالم السينما ولكن هذا الموضوع كان قديما في تاريخ أي مجتمع أو دولة. ونتكلم هنا عن أمكانية اضطهاد رجل السلطة لمواطن عادي لا حول له ولا قوة ولا ذنب أقترفه لأسباب غير سياسية. يبدأ الفيلم بضابط الشرطة «سعيد» (صلاح السعدني) وهو يعد كمينا محكما لشبكة دعارة تقودها «علية المرموطي» (تغريد البشيشي) وتتم مداهمة الشقة التي تستعملها الشبكة والقاء القبض على أعضائها بنجاح. وكانت العملية بأكملها دقيقة من الناحية القانونية، ولذلك فقد كان الضابط مطمئنا بالنسبة لإمكانية أثبات الاتهام والادانة في المحكمة. ولكن الأمر تطور في اتجاه مغاير ومفاجئ لما كان الضابط يتوقعه حيث اتصل به رئيسه (شفيق الشايب) ليأمره ليس باطلاق سراح المتهمين فورا فحسب بل بالأعتذار لزعيمة الشبكة لاتهامها بأنها قوادة. وينصدم الضابط «سعيد» بكل ذلك، ويرفض تقديم الاعتذار، ولكنه يجد نفسه مجبرا على اطلاق سراح أعضاء الشبكة وزعيمتها في نهاية المطاف على الرغم من احتجاجه المتواصل وفي أثناء كل هذا كان رئيس الضابط يعامل زعيمة الشبكة بكل احترام ويدعوها «هانم». وتتحول هذه القضية الى عقدة نفسية لدى الضابط «سعيد» وتجعله مصمما على التعويض عنها واثبات كفاءته امام الجميع والتمتع بلذة الانتصار. ينتقل الفيلم الى مكان آخر وهو المنطقة التجارية في العاصمة المصرية القاهرة، حيث تتكون صداقة وطيدة بين ثلاث موظفات، وهن «مديحة» (مديحة كامل) و»عايدة» (ألفت الأمام) و»رجاء» (سلوى عثمان)، ويعملن في ثلاث شركات مختلفة واقعة في نفس العمارة. وكانت من عادة الموظفات الثلاث قضاء الوقت بين أوقات الدوام الصباحي والمسائي في تناول طعام الغداء في مطعم معين والنظر الى واجهات المحلات التجارية لاستحالة الذهاب الى المنزل والعودة الى العمل في تلك الفترة القصيرة خاصة انهن ينتمين الى الطبقة الفقيرة وتكاليف المواصلات مرتفعة بالنسبة لهن. وفي هذه الأثناء تلاحظ الموظفات أن «كمال» (أحمد بدير)، وهو أحد زملاء «مديحة»، يتبعهن في تلك الفترة بشكل يومي ومن الواضح انه معجب بها. ولم تكن الموظفات يشعرن بالضيق منه نظرا لكونه لا يتجاوز حدود الأدب ألا أنهن وجدنه مثيرا للضحك أيضا. ولما كانت «رجاء» تعمل في شركة للأنتاج السينمائي و»مديحة» تمتلك آلة طابعة في منزلها، فقد كانت «رجاء» تعطي «مديحة» سيناريوهات لطبعها خارج أوقات العمل لقاء أجر. يقوم الضابط «سعيد» بالاتصال بنادل (وحيد سيف) يعمل في المطعم الذي تجتمع فيه الموظفات. ولم يكن ذلك الاتصال عشوائيا لأن ذلك النادل ذو سوابق في عالم الدعارة. ولذلك هدد الضابط ذلك النادل باشد العواقب ان لم يزوده بأية معلومات عن أية عضوات في شبكات الدعارة يرتدن المطعم. ونجح الضابط في بث الرعب في قلب النادل خاصة أن الضابط ذكره بأنه يملك له ملفا في شرطة الآداب، ولذلك أراد النادل ارضاء الضابط بأي شكل كان. وكان النادل يعمل في الخفاء كقواد حيث يدير شبكة دعارة من المطعم نفسه، ولكنه بالطبع لم يكن يريد أطلاع الضابط على ذلك. ولذلك فقد أدعى أن الموظفات الثلاث في الحقيقة من العاملات في ذلك المجال. وأثار ذلك حماس الضابط الذي قرر مراقبتهن بشدة وأمر»مدكور» (محمود العراقي)، وهو من رجال الشرطة، بتتبعهن وقام «مدكور» بمهمته بطريقة متحمسة وساذجة الى درجة أن الموظفات اعتقدن أنه صعلوك يحاول التحرش بهن، فكن غليظات معه. وفي تلك الأثناء يتصل «كمال» بمدير «مديحة» «رشاد» (فريد شوقي) طالبا مساعدته في خطبتها. ووافق «رشاد» بسرور وأخذ يسدي النصيحة له للتعامل مع هذا الأمر بحذر وحسب التقاليد المعروفة. وكان رأي «رشاد» أن من أهم الميزات التي يتمتع بها «كمال» هي امتلاكه لشقة قريبة من محل العمل كان قد ورثها، وهذا كان سيقنع «مديحة» بكون «كمال» الرجل المناسب لها حسب رأي «رشاد» أيضا. ومع تطور الموقف يقترح «رشاد» على «كمال» أن يقوم بدعوة الفتيات الى شقته تلك وأن يشمله في الدعوة بالاضافة الى صديق له لجعل الدعوة تبدو أكثر قبولا. وفي تلك الأثناء كان الجميع تحت المراقبة الدقيقة من قبل رجال الضابط دون معرفتهم. ويجتمع الجميع في شقة «كمال» وتسير الأمور بسلاسة وإذا بباب الشقة ينفتح فجأة على مصراعيه ويندفع الضابط ورجاله داخل الشقة ملقين القبض على الجميع بتهمة استعمال الشقة لإدارة شبكة للدعارة وسط دهشة الضحايا، ويجر الجميع الى مركز شرطة الآداب أمام الجيران والناس. وفي مركز الشرطة يجبر الضابط الجميع على التوقيع على اعترافات مختلقة وافادات دون السماح بقراءتها، بعد أن ضغط عليهم وهددهم بأثارة الفضائح أن لم ينصاعوا لرغباته. ولكن الفضائح هي التي كانت من أهداف الضابط حيث اتصل بصديقه الصحافي «محسن» (أحمد صيام) والذي يعمل في احدى الصحف المهتمة بالفضائح، وطلب منه نشر تفاصيل العملية مع ذكر أسم الضابط ورؤسائه. و يشك الرئيس المباشر للضابط، وهو غير الذي ظهر في بداية الفيلم، وأحد زملائه بجدية الاتهامات ولكن الضابط يصر على موقفه وتحال الأوراق الى المحكمة في نهاية المطاف. وفي المحكمة ينجح محامي المتهمين بدحض الأدلة الواهية التي قدمها الضابط ورد الصاع صاعين مستخفا بالمخبرين الذين تعتمد عليهم الشرطة للحصول على المعلومات واصفا إياهم بالمأجورين والقوادين. وفي نهاية هذه المواجهة تعلن المحكمة براءة جميع المتهمين، ولكن الموظفات يصرخن بالقاضي أنهن على الرغم من براءتهن في المحكمة فماذا عن المجتمع الذي لا يعرف الرحمة، وسينظر اليهن الجميع وكأنهن عاملات في شبكة للدعارة فعلا الى الأبد. ولكن المشكلة لم تنته قانونيا، فلكل المتهمين الآن ملفات لدى شرطة الآداب وستبقى هذه الملفات تهديدا على رقابهم طوال حياتهم. ومهما كان قرار المحكمة فإن المتهمين من الناحية العملية مدانون من قبل الرأي العام الذي لا يعترف بقرار القانون مهما قالت السلطات والصحف، فوصمة العار ستلاحقهم الى الأبد مهما فعلوا لأثبات براءتهم، ولن يعطيهم الناس حقهم في حياة كريمة وعادلة. ولا تقتصر الوصمة على الموظفات الثلاث، بل شمل الأمر الرجال أيضا لأنهم جميعا يعملون في وظائف محترمة مع زملاء سينظرون اليهم دائما بنظرة الاتهام والسخرية منهم وتتوسع الدائرة لتشمل أبناءهم، وفي هذه الحالة أولاد «رشاد» الذي قال في المحكمة أن الجميع يسخر من أولاده. كان جميع من مثل في الفيلم بارعا في عمله ونجح المخرج والممثلون في اقناع المشاهد كأنه يشاهد شخصيات حقيقية وليس ممثلين وكان تطور الأحداث مشوقا. وكذلك نجح الفيلم في أكتساب تعاطف المشاهد مع شخصيات الفيلم، فقد ظهروا كأناس طيبين وخفيفي الظل يصارعون ظروفهم القاهرة بكل جهد ومحاولين البقاء ضمن حدود مجتمعهم لتحسين أوضاعهم. ونحن لا نتكلم عن الذين يذهبون الى النوادي أو يسافرون لقضاء العطلة في دولة أوروبية، بل عن الطبقات الكادحة التي تمثل الأغلبية الساحقة من المجتمع المصري وغيرها من الدول العربية. كان مؤلف قصة الفيلم الأديب المصري المعروف «وحيد حامد» الذي يعد أشهر من كتب للسينما في العالم العربي وكانت قصصه مادة لأشهر الأفلام المصرية مثل «المنسي» و»الأرهاب والكباب» وغيرها الكثير. وأما المخرج فقد كان الراحل «عاطف الطيب» (1947 – 1995) الذي كان ينتظره مستقبل باهر لولا وفاته المفاجئة بالسكتة القلبية. يمثل الموضوع الذي تناوله الفيلم حقيقة مخيفة في أي مجتمع في العالم وليس فقط في العالم العربي. وإذا كان ضابط شرطة صغير قادرا على فعل كل هذا، فماذا يستطيع ضابط كبير القيام به. وهناك سؤال أكثر أهمية، وهو ماذا تستطيع أية حكومة فعله إذا أرادت تحطيم مواطن عادي. وعلى عكس الأفلام السينمائية التي ينتصر فيها البطل على الأغلب ويتعاطف المشاهد معه، فالواقع مختلف تماما. وقد أثبت التاريخ استحالة نجاح المواطن في الدفاع عن نفسه، وكذلك استحالة تعاطف الناس مع قضيته، فما ان يعرف الناس عن اتهام ما مخل بسمعة أحدهم حتى يترسخ هذا في عقولهم دون التساؤل حول صدق ما سمعوه. وهنا يعمل الكثيرون على التنكيل بالضحية. كاتب من العراق