ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري الثلاثاء 31 يوليو 2018, 8:59 pm | |
| دراسة: اتجاهات السياسة الخارجية التركية بعد انقلاب 15 تمسعيد الحاج - مركز الجزيرة للدراساتمقدمةمنذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة عام 1924 على يد مصطفى كمال، اتجهت السياسة الخارجية التركية نحو الغرب بالتناغم مع الرؤية التي سادت حينها بتفوق النموذج الغربي في الإدارة والسياسة الداخلية(1). وقد كان التهديد السوفيتي لتركيا ومطالبته بالسيادة على المضايق وبعض المدن التركية بعد الحرب العالمية الثانية عاملًا مساهمًا في انضمام تركيا بشكل نهائي للمحور الغربي أولًا من بوابة الحماية الأميركية(2)، ثم من خلال عضوية حلف الناتو عام 1952، التي كانت إعلانًا رسميًّا عن انتماء أنقرة للكتلة الغربية كقاعدة متقدمة للناتو لوقف التمدد الشيوعي خلال الحرب الباردة(3).جاء حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002 بعد انتهاء الحرب الباردة وفق رؤية تحاول نقل تركيا من دولة تلعب دور الجسر بين الشرق والغرب إلى "دولة مركز" ذات تأثير ودور في محيطها يعززان من مكانتها الدولية(4). وقد عملت تركيا على مدى سنوات طويلة وفق نظريات مهندس سياستها الخارجية، البروفيسور أحمد داود أوغلو، على انتهاج سياسة متعددة المحاور في محاولة لمنحها بعض التوازن وزيادة هامش المناورة والاستقلالية لديها(5).بيد أن عددًا من المتغيرات، في مقدمتها: الانقلاب في مصر، وتعقُّد الأزمة السورية، وتصعيد حزب العمال الكردستاني، وتسارع المشروع السياسي الكردي في شمال سوريا أدَّى إلى إخفاقات تركية متلاحقة على الصعيد الإقليمي وإلى عزلة عانت منها تركيا، وعمَّق من آثارها التوتر مع حلفائها الغربيين. الأمر الذي دفع بها إلى مراجعات وتراجعات في سياستها الخارجية وفق مبدأ "زيادة عدد الأصدقاء وتخفيض عدد الخصوم" مع تولِّي بن علي يلدرم رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم والحكومة في مايو/أيار 2016(6)، وتجلَّى ذلك سريعًا في عودة سفير دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أنقرة واتفاق المصالحة مع تل أبيب وتسارع عملية التقارب مع روسيا.الانقلاب والسياسة الخارجيةلا تقتصر تأثيرات المحاولة الانقلابية على المشهد السياسي الداخلي لتركيا، بل تؤثِّر أيضًا في سياستها الخارجية لعدة اعتبارات، أهمها:أولًا: السياسة الخارجية هي في أحد أبعادها انعكاس للمشهد السياسي الداخلي كأحد عناصر قوتها.ثانيًا: كانت سياسة تركيا الخارجية أحد أهم أسباب الانقلاب، نظريًّا وواقعيًّا حسب البيان الأول للانقلابيين(7).ثالثًا: يسعى من يقوم بانقلاب عسكري إلى السيطرة الميدانية في الداخل والاعتراف به من الخارج، ولذلك فلا يمكن تصور التخطيط لانقلاب عسكري دون الحصول على دعم خارجي ولو على شكل ضوء أخضر بالحد الأدنى، وبالتالي يحمل الانقلاب رسالة خارجية لها تداعياتها على السياسة الخارجية للبلاد.رابعًا: أدت الإجراءات الحكومية في مرحلة ما بعد الانقلاب إلى تغييرات جذرية في عدد من مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، وطالت قطاعات وشخصيات مسؤولة عن ملفات خارجية في مقدمتها الملف السوري، بما يؤثِّر بشكل مباشر في إمكانات وبالتالي في دور تركيا في هذه الملفات. ويمكن تناول تأثير الانقلاب الفاشل على السياسة الخارجية التركية في ثلاثة مستويات زمنية:1- المدى القريب: سِمَته الرئيسة انكفاء السياسة الخارجية التركية على مدى أسابيع تحت ضغط الملفات الداخلية، وفي مقدمتها: ضبط الأمن، وتسريع ملف التحقيق في قضية الانقلاب، وتصفية أنصار "تنظيم غولن" من مؤسسات الدولة، وإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية.2- المدى المتوسط: استئناف أنقرة لنشاط سياستها الخارجية في سياق التهدئة وتخفيف حدَّة الاحتقان مع مختلف الأطراف خصوصًا دول الجوار بحيث تتجنب مزيدًا من الضغوط في الفترة الانتقالية، مع توتر متوقع بدرجة ما في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.3- المدى البعيد: إثر المواقف التي اعتبرتها أنقرة رمادية أو مخيِّبة للآمال من حلفائها الغربيين، يمكن توقع سعيها للعودة إلى السياسة الخارجية متعددة المحاور التي انتهجتها لسنوات طويلة، بتطوير العلاقات مع كلٍّ من روسيا والصين وإيران، وهي السياسة التي تعرضت لانتكاسة بعد القطيعة مع روسيا إثر إسقاطها لمقاتلتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.حلفاء تركيا الغربيونانضمت تركيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952 واعتبرت منذ ذلك الحين قاعدة الحلف المتقدمة في مواجهة المدِّ الشيوعي، وتقدمت بطلب عضوية الجمعية الأوروبية عام 1959، وهو المسار الذي اختُتِم ببدء مفاوضات العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي عام 2005.وبقيت العلاقات التركية-الأميركية تتراوح بين الانفتاح والتأزم طيلة فترة الحرب الباردة، ثم تقارَبَ الطرفان بعد انتهائها وأعلنا "شراكة استراتيجية"( عام 1995، قبل أن يؤزِّم الغزو الأميركي للعراق العلاقات الثنائية إثر رفض تركيا المشاركة والسماح باستخدام قواتها(9)، ثم بشَّر الرئيس الأميركي، أوباما، العالم الإسلامي بـ"النموذج التركي"(10) عام 2009، قبل أن تختلف الرؤى مرة أخرى بعد الثورات العربية وخصوصًا السورية.إضافة إلى العلاقات التركية المتوترة مع حلفائها الغربيين، بسبب الخلافات في الرؤى حول الأزمة السورية وقضايا المنطقة المختلفة واتفاق الإعادة الخاص باللاجئين وغيرها من الملفات، فقد وضعت المحاولة الانقلابية الفاشلة هذه العلاقات أمام تحديات إضافية، أهمها:1- الموقف من الانقلاب وتبعاته: صدرت مواقف رسمية وتسريبات إعلامية تركية تتهم الولايات المتحدة تحديدًا بالتواطؤ مع الانقلابين مستعينة بتاريخ الانقلابات التركية الأربعة التي كانت واشنطن عادة خلفها ومن بعض التفاصيل التي سُرِّبت عن ليلة الانقلاب وأهمها انطلاق طائرات من قاعدة إنجيرليك لتزويد المقاتلات المشاركة في الانقلاب بالوقود(11)، حتى وصل الأمر بصحيفة محسوبة على الحكومة التركية إلى اتهام البنتاغون والجنرال جون كامبل، قائد القوات الدولية في أفغانستان (?SAF)، بالتخطيط للانقلاب(12). كما انتقد أكثر من مسؤول تركي التفاوت بين مستوى المواقف الأوروبية من الانقلاب ومن الإجراءات الحكومية التي تلته(13). وفي المقابل، صدرت مواقف وتصريحات رسمية أميركية تحمل تحذيرًا مبطنًا للحكومة التركية من مغبة الزجِّ باسم واشنطن في قائمة المتورطين في المحاولة الانقلابية(14). 2- تسليم غولن: تطالب أنقرة واشنطن بتسليمها فتح الله غولن باعتباره رأس التنظيم المصنَّف إرهابيًّا في تركيا والمسؤول عن المحاولة الانقلابية تخطيطًا وتنفيذًا، بينما تطالب الأخيرة بأدلة قانونية قبل تسليمه وفق اتفاقية "إعادة المجرمين، والمساعدة المتبادلة في الجرائم الجنائية" الموقَّعة بينهما عام 1979، الأمر الذي اعتبره المسؤولون الأتراك مماطلة وتفضيلًا أميركيًّا لغولن على العلاقات مع تركيا(15).3- العلاقة مع روسيا: سرَّع الانقلاب، وخصوصًا الموقف الروسي المتقدم والسريع منه في مقابل المواقف الغربية غير المُرضِية لأنقرة، من خطوات المصالحة بينها وبين موسكو، فزار الرئيس التركي روسيا للقاء بوتين واتفقا على إعادة العلاقات الاقتصادية وتشكيل لجنة ثنائية لدراسة التعاون في سوريا(16). كما زار وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنقرة ولقي حفاوة واضحة من المسؤولين الأتراك؛ الأمر الذي أثار نقاشات في الغرب حول دور تركيا وموقعها في المنظومة الغربية، بين تحليلات ترى أنها لم تعد شريكة موثوقة للولايات المتحدة والغرب(17)وتصريحات رسمية أكدت على أهمية عضويتها في حلف الناتو(18).4- الإجراءات الحكومية وعقوبة الإعدام: أبدت عدَّة شخصيات ومؤسسات أوروبية قلقها من توسع الحكومة التركية في عمليات التوقيف على ذمة التحقيق بالانقلاب والعدد الكبير من الموقوفين مؤقتًا من أعمالهم في مختلف المؤسسات التركية(19). وأدَّى تلويح القيادات السياسية التركية بإمكانية إعادة حكم الإعدام تجاوبًا مع المطالب الشعبية إلى تهديدات أوروبية بإغلاق ملف عضوية تركيا تمامًا باعتبار أن الحكم كان قد أُلغي في تركيا عام 2004 ضمن بروتوكولات موقَّعة مع الاتحاد في سياق المواءمة مع الشروط الأوروبية(20). وقد قوبلت هذه المواقف الأوروبية بتصريحات تركية حادَّة من قبيل التهديد بعمل استفتاء شعبي للعدول عن مسار دخول الاتحاد الأوروبي أو عدم تطبيق الجزء المتعلق بتركيا من اتفاق الإعادة الخاص باللاجئين إن لم يحرر الاتحاد فيزا شينغن(21).وأبدى مسؤولون أميركيون انزعاجهم من العدد الكبير من العسكريين من الرتب العليا الذين أُقْصُوا من المؤسسة العسكرية خشيةً من تأثر العمليات التركية-الأميركية المشتركة ضد تنظيم الدولة(22)، ووصل بعض التصريحات حدَّ التهديد بإخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي(23)، فضلًا عن بعض التقارير والدراسات التي أشارت إلى قلق واشنطن على الرؤوس النووية الموجودة في قاعدة إنجيرليك العسكرية بعد الانقلاب(24).العلاقات مع روسيا وإيرانرغم تاريخها الحافل بالحروب مع روسيا ثم المواجهة معها كجزء من حلف الناتو طوال فترة الحرب الباردة، وضمن سعيها لإضفاء شيء من التوازن على سياستها الخارجية، طوَّرت تركيا في عهد العدالة والتنمية علاقاتها مع كل من موسكو وطهران، خاصة الاقتصادية منها، بل وخرجت عن أطر السياسة الخارجية المعتمدة أوروبيًّا وأميركيًّا بالتعامل معهما؛ إذ خرقت الحظر المفروض على إيران وأبرمت معها ومع البرازيل اتفاقًا لتصدير اليورانيوم(25)، ولم تلتزم تمامًا بالعقوبات الأوروبية الاقتصادية على روسيا.ضمن هذه السياسة، وخصوصًا مع جمود ملف عضويتها في الاتحاد الأوروبي، سعت أنقرة لدخول منظمة "شنغهاي" التي أضحت "شريكًا للحوار" فيها عام 2013 وتقدمت لعضويتها عام 2014(26). كما سعت لشراء منظومة صاروخية دفاعية بعيدة المدى من الصين، قبل أن يتعرض المساران لانتكاسة مع أزمة إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت(27).دوافع التقارب التركي مع روسيا وإيرانوتقف دوافع عديدة وراء التقارب التركي مع كلٍّ من روسيا وإيران، أهمها:أولًا: الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها تركيا بعد الأزمة من روسيا، حيث تراجع حجم التبادل التجاري بينهما من 32 مليار دولار عام 2013 إلى 24 مليار دولار عام 2014(28)، وتوقَّف تدفق السياح الروس الذين كانوا يشكلون الكتلة الثانية بعد الألمان بعدد يقارب 4.5 ملايين سائح وعائدات قُدِّرت بـ 3 مليارات دولار، كما جُمِّدت مؤقتًا مشاريع استراتيجية بالنسبة لتركيا مثل مشروعي محطة "أك كويو" للطاقة النووية و"السيل التركي" (Turkish Stream) للغاز الطبيعي اللذين يبلغ حجم الاستثمار الإجمالي فيهما 40 مليار دولار.ثانيًا: ارتباط أمن الطاقة التركي بالدولتين إلى حدٍّ كبير؛ حيث تستورد تركيا 55% من حاجتها من الغاز الطبيعي و7% من حاجتها من النفط من روسيا(29)، وتستورد 16% من حاجتها من الغاز الطبيعي و26% من حاجتها من النفط من إيران(30).ثالثًا: موقف كلٍّ من روسيا وإيران السريع والواضح الداعم للحكومة التركية في مواجهة الانقلاب، إضافة للدعوة الروسية لأردوغان لزيارة سان بطرسبورغ وزيارة ظريف لأنقرة.رابعًا: خيبة الأمل التركية من المواقف الغربية إثر الانقلاب والتي اعتبرتها غير كافية ومتأخرة(31).خامسًا: رغبة أنقرة بالعودة للتوازن في محاور سياستها الخارجية بالاتجاه شرقًا في ظل شعورها بعد الاطمئنان للمواقف الغربية إلى جانبها، أولًا إثر إسقاط المقاتلة الروسية ثم لاحقًا مع الانقلاب العسكري.سادسًا: في ظل انكفاء تركيا على ملفاتها الداخلية سيناسبها تهدئة بعض الملفات الخارجية المتأزمة وفي مقدمتها الملف السوري الذي تملك روسيا تحديدًا كلمة نافذة فيه، سيما في جزئية الفصائل الكردية المسلحة التي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية وترى مشروعَها في شمال سوريا خطرًا على أمنها القومي.جاءت تقييمات الطرفين الروسي والتركي لزيارة أردوغان إلى روسيا إيجابية، في ظل الاتفاقات الاقتصادية، وبذور التفاهم حول سوريا، وصولًا لتصريحات تركية بإمكانية فتح قاعدة إنجيرليك ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للناتو أمام المقاتلات الروسية(32).لكن هذا الانفتاح التركي على كلٍّ من روسيا وإيران تعترضه عقبات رئيسة، منها:1- ما زالت الأطراف في بداية الطريق لتصويب العلاقات، في ظل أزمة ثقة تسبَّبت بها أزمة إسقاط المقاتلة الروسية.2- ليس لدى تركيا ضمانات حول ما يمكن أن تقدِّمه لها روسيا أبعد من الملف الاقتصادي خصوصًا في الأزمة السورية؛ مما يجعل الخطوات التركية حذرة وبطيئة خشية استغلال موسكو للتقارب معها دون مكاسب حقيقية لها.3- الملفات الخلافية الكثيرة، وفي مقدمتها الأزمة السورية وإقليم ناغورنو كاراباخ والقرم وغيرها.4- الوضع الميداني في سوريا الذي يضع البلدين عمليًّا وجهًا لوجه من خلال تقدم المعارصة المدعومة تركيًّا، وقصف الطائرات الروسية لها.5- الموقف الأميركي والأوروبي المتوجس من التقارب التركي-الروسي في ظل توتر العلاقات مع أنقرة، والمشكِّك في مصداقية النوايا الروسية.6- تضع تركيا في حسبانها مواقف الدول الداعمة للمعارضة السورية، مثل السعودية وقطر، التي قد لا تؤيد تقاربها مع موسكو.السيناريوهات المستقبليةبالنظر إلى المسار التاريخي للسياسة الخارجية التركية ورؤية العدالة والتنمية لها، ثم متغيراتها ما قبل المحاولة الانقلابية والتداعيات بعدها، وبعد انقضاء المرحلة الأولى التي ركزت فيها أنقرة على المشهد الداخلي بشكل شبه حصري، يمكن القول بأنها ستستمر على المدى المتوسط في مسيرة المصالحات مع مختلف الأطراف لتخفيف الضغط الخارجية عنها.أما على المدى الاستراتيجي، فثمة عوامل ثلاثة رئيسة محدِّدة لمسار سياسة تركيا الخارجية:- الرؤية التركية لسياستها الخارجية. - السقف الروسي في احتواء تركيا بعيدًا عن الناتو. - الموقف الأميركي-الغربي من التقارب التركي-الروسي.ويمكن رصد ثلاثة سيناريوهات محتملة لبوصلة السياسة الخارجية التركية على المدى البعيد:الأول: الاتجاه شرقًا لتحسين علاقتها مع الغرب، بمعنى أن لا يكون التقارب مع موسكو وطهران قرارًا استراتيجيًّا للفكاك من المحور الغربي، بل للضغط على واشنطن والمحور الأوروبي-الأطلسي، طبقًا لنظرية "القوس والسهم" التي اجترحها داود أوغلو(33). وهو السيناريو الأوفر حظًّا لعدة أسباب، أهمها: عمق العلاقات التركية-الغربية، ومصالح حلف الناتو في تركيا، التي منها: قاعدة إنجيرليك العسكرية، وصعوبة التغييرات الجذرية في السياسة الخارجية وكلفتها، وتعارض مصالح تركيا مع مصالح كل من روسيا وإيران في معظم الملفات ذات الاهتمام المشترك.الثاني: موازنة محاور السياسة الخارجية، لتعود مجددًا متعددة المحاور بما يعطي لتركيا مساحة من الاستقلالية النسبية في قراراتها المتعلقة بعدد من الملفات كقضايا الإقليم الخلافية مع معظم الأطراف. وفق هذا المسار يمكن لأنقرة أن تبقى عضوًا في حلف الناتو وضمن مسار عضوية الاتحاد الأوروبي بالإضافة لسعيها لدخول منظمة شنغهاي وزيادة وتيرة التعاون الاقتصادي مع كلٍّ من روسيا والصين وإيران. وهو سيناريو أقل حظًّا من سابقه، ويمكن أن يحظى بفرصة فقط في حال وجود رغبة قوية لدى الطرفين التركي والروسي بتعاون حقيقي، وتعزز من فرصه الخلافاتُ التركية-الأوروبية الآخذة بالاتساع، وأي حلٍّ للأزمة السورية قد يُنهي التناقض بين الطرفين فيها.الثالث: رسم مسار مستقل للسياسة الخارجية التركية، يمكن أن يخرجها من عضوية أحد المحورين أو التبعية له، لتكون رائدًا لمحور إقليمي يضم كلًّا من السعودية وقطر وقد يُضمُّ له لاحقًا بعض دول الخليج و/أو مصر، أو محور دولي يضم الدول النامية البعيدة عن استقطاب المحاور، مثل: الصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا. وهو سيناريو ضعيف الاحتمال لعدة سياقات، أهمها: محدودية إمكانات الدول الإقليمية المذكورة وضعف التنسيق بينها وبين تركيا، وصعوبة تشكُّل محاور خارج دائرة الاستقطاب الأميركي-الروسي.السياسات الإقليميةسارت تركيا قبل المحاولة الانقلابية في طريق المصالحات مع عدة أطراف في الإقليم، الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي وروسيا، مع إشارات على مصالحات أو متغيرات محتملة مع دول أخرى، مثل: مصر والعراق وسوريا.أما بعد الانقلاب، فستتشكل سياسات أنقرة الإقليمية وفق المحددات التالية:1- المحددات العامة للسياسة الخارجية التركية، مثل: الموقع الجيوبوليتيكي، والقوة والمصالح الاقتصادية، والخلفية التاريخية للسياسة الخارجية ومحاورها، والأمن القومي، ورؤية القيادة السياسية، وغيرها.2- تغليب التركيز على المشهد السياسي الداخلي.3- التأثر بالمسار الرئيس للسياسة الخارجية ببُعدها الدولي على مستوى العلاقة مع كل من واشنطن وموسكو.4- التناغم مع استحقاقات التقارب مع روسيا.5- مواقف الدول الإقليمية خلال المحاولة الانقلابية وما بعدها.وعليه، فالمتوقع في سياسات تركيا الإقليمية، سيما المتعلقة بالمنطقة العربية، ما يلي:أولًا: دعم عملية المصالحات بما قد يشمل سوريا والعراق(34).ثانيًا: الانكفاء والبُعد عن التأثير في قضايا عربية معينة، في مقدمتها: الفلسطينية واليمنية والمصرية.ثالثًا: البعد عن المواقف الحادة والسقوف العالية في الخطاب فيما يتعلق ببعض الدول الإقليمية سيما إيران ومصر، خصوصًا بعد الإشارات الإيجابية التي صدرت عن القاهرة مؤخرًا(35).رابعًا: انخفاض سقف الشروط التركية لحل الأزمة السورية بما يتوافق مع متطلبات التقارب مع روسيا ومع أولوية الملف الكردي في سوريا بالنسبة لأنقرة، بما في ذلك الرضى الضمني ببقاء الأسد على رأس السلطة لفترة قادمة(36).خامسًا: التركيز على الملف الاقتصادي وتنمية التعاون مع مختلف الأطراف في المجالات التجارية، سيما روسيا وإيران.خاتمةافتتح فشل المحاولة الانقلابية في الخامس عشر من يوليو/تموز الماضي، مرحلة جديدة ومختلفة في السياسة الداخلية التركية على مستوى العلاقات المدنية-العسكرية وعلاقة الحزب الحاكم بالمعارضة وبنية النظام السياسي بالإجمال. وأدَّى أيضًا إلى انعكاسات عميقة على السياسة الخارجية التركية بما هي انعكاس -بدرجة أو بأخرى- للمشهد السياسي الداخلي وبما تضمَّنه الانقلاب من رسائل من الخارج فضلًا عن تأثيره على علاقات تركيا مع مختلف الأطراف تبعًا لمواقفها خلال الانقلاب وبعده.وإن كانت تركيا قد تخطَّت على مدى الأسابيع القليلة الماضية المرحلة الأولى التي انكفأت فيها تمامًا على السياسة الداخلية، فقد بدأت المرحلة الثانية باستئناف مسيرة المصالحات مع مختلف دول المنطقة. بينما سيكون عليها في المرحلة الثالثة -على المدى البعيد- أن ترسم معالم سياستها الخارجية استراتيجيًّا.وبالنظر إلى الخلفية التاريخية لعلاقات تركيا الغربية واستحقاقات تموضعها في حلف شمال الأطلسي منذ بداية الحرب الباردة وحتى الآن إضافة إلى واقع الملفات الخلافية مع المحور الروسي-الإيراني، فإن المنتظر من أنقرة هو العمل على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع هذا المحور قدر الإمكان واستثمار العلاقات النامية معه للضغط لتحسين موقعها في المنظومة الغربية على المدى البعيد من ناحية أخرى، فيما سيبقى الدور التركي في قضايا الإقليم (سيما العالم العربي) فرعًا من التصور العام للسياسة الخارجية التركية وتبعًا لمسارات التهدئة والتقارب مع روسيا.مراجع1- محفوظ، عقيل سعيد، السياسة الخارجية التركية الاستمرارية-التغيير، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2012)، ص 40-42.2- Uslu, Nasuh, The Turkish-U.S. Relationships Between 1947 and 2003: The History of a Distinctive Alliance, (Nova Science Publishers ?nc., New York, 2003), p. 111.3- Ceylan, Musa, Yeni Nato So?uk Sava?tan S?cak Sava?a, (Ülke Kitaplar?., ?stanbul, 1999), p. 20.4- داود أوغلو، أحمد، العُمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة: محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل، (مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2010)، ص 608-611.5- المصدر السابق، ص 614-615.6- يلدريم: سنزيد أصدقاء تركيا ونقلِّص أعداءها في المنطقة والعالم، وكالة الأناضول للأنباء، 16 يونيو/حزيران 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/CuSrPs 7- ذَكَر البيان "إعادة كسب المكانة الدولية التي خسرتها الدولة" ضمن أهداف الانقلاب. انظر مثلًا:نص بيان انقلاب تركيا الفاشل، الجزيرة نت، 17 تموز/يوليو 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/dNHzRS 8- TÜS?AD ABD Temsilcili?i De?erlendirme Raporu, ‘’Türk- Amerikan ?li?kilerine Bak??: Ana Temalar ve Güncel Geli?meler’’, Temmuz 2002, p. 3. at: http://goo.gl/qLjx6E 9- Hale, William, Turkey, the US and ?raq, (SOAS Middle East Series, SAQI in association with London Middle East ?nstitute SOAS, London, 2007), p. 114.10- Remarks By President Obama To The Turkish Parliament, The White House, 6 April 2009, (Entrance Date: 17 August 2016):http://goo.gl/jcKC3U 11- تركيا.. طائرات انطلقت من «إنجرليك» زوَّدت مقاتلات الانقلاب بالوقود جوًّا 20 مرة، الخليج الجديد، 30 يوليو/تموز، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://thenewkhalij.org/ar/node/42956 12- صحيفة تركيَّة: هكذا قاد الجنرال الأميركي الانقلاب في تركيا، عربي 21، 26 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/QwiZaF 13- وزير تركي: من ينتقد تركيا الآن عليه توجيه هذه الانتقادات للسيسي الانقلابي في مصر، TRT العربية، 23 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/VFTROl 14- واشنطن ترد على الاتهامات التركية بدعم الانقلاب الفاشل، الحرة، 10 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://www.alhurra.com/a/us-response-military-coup/318494.html 15- يلدريم: قد نعيد النظر في علاقتنا مع واشنطن إذا رفضت تسليمنا غولن، ديلي صباح العربية، 18 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/D2vxI4 16- أردوغان وبوتين يتفقان على إنشاء لجنتين لبحث الأزمة السورية، العالم، 10 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://www.alalam.ir/news/1849027 17- COOK, Steven, and KOPLOW, Michael J., Turkey is No Longer a Reliable Ally, The Wall Street Journal, 10 August 2016, (Entrance Date: 17 August 2016): http://goo.gl/bg1y8N 18- الناتو: عضوية تركيا في الحلف ليست موضع نقاش، الجزيرة نت، 10 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/AZuX48 19- بروكسل تحذِّر أنقرة بتجميد مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، روسيا اليوم، 29 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): https://goo.gl/dj27DV 20- موغيريني تحذِّر تركيا من تفعيل عقوبة الإعدام، الميادين، 22 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/52pe2H 21- جاويش أوغلو يلوِّح مجددًا بإمكانية تراجع تركيا عن "إتفاقية إعادة اللاجئين"، تركيا بوست، 1 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://www.turkey-post.net/p-145897/ 22- جنرال أميركي: حلفاؤنا في الجيش التركي في السجون، الجزيرة نت، 29 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/2g8oTT 23- Kerry Warns Turkey That Actions Could Have NATO Consequences, Foreign Policy, 18 July 2016, (Entrance Date: 17 August 2016): http://goo.gl/Edp1Ow 24- US nukes in Turkey vulnerable to ‘terrorists & other hostile forces’ – think tank, RT, 15 August 2016, (Entrance Date: 17 August 2016): https://goo.gl/kzfC5c 25- اتفاق تركي-إيراني-برازيلي لتبادل اليورانيوم بالوقود النووي، فرانس 24، 17 مايو/أيار 2010، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/LR7RJf 26- تركيا تنضم "كشريك حوار" لمنظمة شنغهاي وتقول إن مستقبلها في آسيا، رويترز، 26 إبريل/نيسان 2013، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/AC66pt 27- الحاج، سعيد، "انعكاسات الأزمة مع روسيا على تركيا استراتيجيًّا"، الجزيرة نت، 14 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/f7pbSu 28- اقتصاد الاتحاد الروسي، موقع وزارة الخارجية التركية، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016): http://www.mfa.gov.tr/rusya-ekonomisi.tr.mfa 29- تركيا تحتاج 72 مليار متر مكعب من الغاز بحلول 2030، وكالة الأناضول للأنباء، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/CnirYc 30- ?NAT, Kemal, Türkiye – ?ran Ekonomi ?li?kileri, (SETA, ?stanbul, July 2015): http://goo.gl/pnCo7e 31- أردوغان: من نصبوا فخ الانقلاب لتركيا وقعوا فيه، ديلي صباح العربية، 30 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/kKiZTI 32- هل ستسمح تركيا للطائرات الحربية الروسية باستخدام قاعدة "إنجيرليك" الجوية، تركيا بوست، 17 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://www.turkey-post.net/p-148626/ 33- داود أوغلو، العمق الاستراتيجي، ص 145.34- يلدريم: سنشهد تطورات جميلة في سوريا مثلما حلَلْنا مشاكلنا مع إسرائيل وروسيا، رأي اليوم، 10 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://www.raialyoum.com/?p=496834 35- الخارجية المصرية: نرحب بأي جهد جاد وحقيقي للتقارب مع تركيا، وكالة الأناضول للأنباء، 14 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/pMRPUJ 36- رئيس الوزراء التركي: اقتربنا من الحل للأزمة السورية، سبوتنيك نيوز، 15 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/cAQH6n عن الكاتب باحث في الشأن التركيوزنشر بتاريخ 01 سبتمبر 2016 |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري الثلاثاء 31 يوليو 2018, 9:00 pm | |
| دراسة: خمس أسئلة حول محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تمفيصل قورت - سيتا1- ما هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي الذي كان العامل الأساسي في محاولة الانقلاب العسكري ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز؟ ولماذا حاول القيام بانقلاب؟ 2- ما هي الأسباب التي أدت لفشل محاولة الانقلاب هذه؟ 3- هل تم دحر الانقلاب بشكل كام والتخلص منه ؟ ولماذا الناس في الشوارع حتى الآن؟ 4- كيف يمكن تفسير البعد الدولي لهذه المحاولة الانقلابية؟ 5- كيف ينبغي تقييم مسألة إعادة الولايات المتحدة الأمريكية لـ"فتح الله غولن"؟ 1- ما هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي الذي كان العامل الأساسي في محاولة الانقلاب العسكري ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز؟ ولماذا حاول القيام بانقلاب؟ في ليل الخامس عشر من يوليو، حاولت مجموعة من العسكريين داخل القوات المسلحة التركية القيام بانقلاب عسكري بهدف السيطرة على النظام السياسي الديمقراطي في تركيا، عن طريق أساليب إرهابية. وصرح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن هذه المجموعة تُدار من قبل تنظيم فتح الله غولن الإرهابي. وبعد تصريح رئيس الجمهورية جاء تصريح أخر من رئاسة الأركان. ووصف التصريح المنشور على الموقع الرسمي لرئاسة الأركان هذه المجموعة بمحاولات الإرهابيين الخونة المنتسبين لعصابة غير شرعية تغلغلت داخل القوات المسلحة التركية. عبارات مشابهة وردت في أقوال بعض القادة ذوي الرتب العالية المشاركين في محاولة الانقلاب، والتي أدلوا بها للنيابة بعد القبض عليهم. وطبقاً للأخبار التي نشرتها الصحافة فقد اعترف كبير المرافقين العسكريين (كبير الياوران) لرئيس الأركان خلوصي آقار، بأنه عضو بتنظيم فتح الله غولن الإرهابي، وأنه كان يتنصت على رئيس الأركان بناء على تعليمات من أحد مديري التنظيم (الأخ الكبير). علاوة على ذلك صرح كل من رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، وئيس حزب الحركة القومية (معارض) دولت بهتشلي بأنهم متفقان في الرأي بخصوص ذلك الأمر. هذه التصريحات تظهر بوضوح أنه هناك إجماع على أن العامل الرئيسي وراء تلك المحاولة هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي. ويمكن القول بأن هذا التنظيم الذي تحرك ليل الخامس عشر من يوليو كان يتحرك في إطار خطة من ثلاث مراحل. المرحلة الأولى كانت السيطرة على رئاسة الأركان. لهذا السبب حاولوا إجبار قادة القوات وعلى رأسهم رئيس الأركان، على التوقيع على بيان الانقلاب. وبهذا كانوا سيزعمون أن الانقلاب تم في إطار التسلسل القيادي داخل الجيش. المرحلة الثانية كانت تأمين السيطرة الميدانية في كل أرجاء البلاد. وكانت العديد من الوحدات المؤيدة للمجموعة الانقلابية ستتحرك وتمنع المقاومة لحركة الانقلاب في كل تركيا. وكان قصف مباني الوحدات المسلحة التي يمكنها مقاومة الانقلاب مثل القوات الخاصة وقوات التدخل السريع والمخابرات لتحييد تلك الوحدات هو جزء من تلك المرحلة. في الوقت نفسه تم إغلاق الجسور باسطنبول بهدف قطع طرق الامدادات للتحرك المضاد للانقلاب وخلق حالة من الذعر لدى المواطنين. وكان هجومهم على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية TRT وإجبارهم إحدى المذيعات على قراءة بيان الانقلاب بالقوة مناورة منهم لخلق تصور بأن الانقلاب قد نجح. ولكي تنجح المجموعة الانقلابية التي تدار من قبل تنظيم فتح الله غولن الإرهابي، في محاولتها للانقلاب قامت بقصف بعض المنشآت والمباني العامة وعلى رأسها البرلمان والمجمع الرئاسي، كما استخدموا السلاح في ضد المدنيين وقوات الأمن المقاومين للانقلاب. وعلاوة على كل ذلك نظم الانقلابيون عملية لاغتيال رئيس الجمهورية أثناء تواجده في "مرمريس" وأسفرت تلك التحركات المسلحة عن استشهاد 208 من قوات الأمن والمدنيين، وإصابة 1491 شخصاً. أما المرحلة الثالثة فكانت إقامة نظام سياسي واجتماعي جديد عن طريق تأسيس قيادات الأحكام العرفية. إلا أن المقاومة التي أبدتها الاستخبارات والقوات الخاصة والتدخل السريع والشعب، والخطة لا تزال في مرحلتيها الأولى والثانية أفشلت الموجة الأولى من محاولة الانقلاب. ظهر تنظيم فتح الله غولن الإرهابي منذ بدايات الثمانينات كجماعة يتزعمها فتح الله كولن استخدمت الخطاب الديني للتغلغل في كل المجالات البيروقراطية والسياسية والاجتماعية والحياة العملية.واستغلت المجموعة المذكورة إمكاناتها وكونت تنظيماً موازياً داخل مؤسسات الدولة خاصة داخل سلكي الأمن والإدارة المدنية. وتحركت هذه الجماعة السرية والمنغلقة لسنوات مثل جماعة مسيانية أكثر من كونها جماعة دينية، واستطاعت التوغل داخل مؤسسات القطاع العام. واتضح أن هذا التنظيم دخل في صراع على السلطة في تركيا لأول مرة مستخدماً وسائل غير مشروعة عندما سعى لاعتقال رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية هاقان فيدان. وفي السابع عشر والخامس والعشرين من ديسمبر/كانون أول عام 2013 قام التنظيم بتحريك خلاياه النائمة داخل سلكي القضاء والأمن، وتحول هذا التنظيم إلى واحد من أهم مصادر الوصاية البيروقراطية في تركيا. وكانت محاولة الانقلاب في السابع عشر والخامس والعشرين من ديسمبر هي محاولة من التنظيم نفسه لإسقاط السلطة باستخدام القضاء. وبعد هذه المرحلة بدأت تظهر العديد من المؤامرات وعمليات الابتزاز التي قام بها التنظيم بدأ يفقد مشروعيته في نظر السياسة والمجتمع. أجريت عمليات ناجحة في السنوات الثلاث الأخيرة ضد هذا التنظيم الذي يعرف باسم الكيان الموازي. وبدلاً من أن يحاول المنتسبون لهذا التنظيم إثبات برائتهم في القضايا التي رفعتها المؤسسات القضائية بالدولة ضد التنظيم، فروا إلى خارج البلاد وقاموا بأنشطة اللوبيات. وقام التنظيم بمحاولات عدة من أجل الهدف نفسه ولكنه لم يستطع أبداً أن يحقق النتيجة التي يرجوها، فبدأ في التطرف أكثر يوماً عن يوم، وحاول أن يعرقل الحكومة حتى حربها ضد الإرهاب. ولم تفلح كل جهود التنظيم للإطاحة بالحكومة عن طريق الوسائل غير المشروعة لذا قام باتخاذ خطوة جديدة في الخامس عشر من تموز كانت بمثابة الهجمة الانتحارية الأخيره له. فقام منتسبو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي داخل الجيش بمحاولة القيام بانقلاب عسكري خارج إطار التسلسل القيادي بالجيش. وكانت هذه المحاولة الانقلابية أكبر دليل على أن تنظيم فتح الله غولن الإرهابي قد أصبح تنظيماً مسلحاً. مثل هذه المحاولة لم تحدث في تركيا في أي من الانقلابات التي شهدتها البلاد في أعوام 1960، و1971، و1980، و1997. 2- ما هي الأسباب التي أدت لفشل محاولة الانقلاب هذه؟ يمكن تقييم فشل محاولة الانقلاب هذه في إطار أربعة عوامل العامل الأول هو تعبير الشعب عن إرادته الرافضة للانقلاب وخروجه للشوارع والميادين استجابة لدعوة رئيس الجمهورية أردوغان. فمنذ الساعات الأولى تجمع الشعب في الأماكن والنقاط الحساسة التي احتلتها وحدات الانقلابيين وقاوموهم. وحال وضع المعدات والسيارات الشخصية أمام الثكنات العسكرية دون خروج المزيد من الوحدات العسكرية من ثكناتها. كما منعت المقاومة المدنية للشعب في النقاط الحساسة التي تمت السيطرة عليها مثل المطار والجسور ووحدات الأمن، من أن يكون للانقلاب تأثير في تلك المناطق. والأكثر من ذلك، أن وقوف الشعب في وجه الوحدات الانقلابية المزودة بأسلحة ثقيلة وعدم تراجعهم رغم النيران التي أطلقت عليهم، ساهم بشكل كبير في إكساب قوات الأمن الأخرى الأفضلية ضد قوات الانقلابيين. لا جرم أنه من الإشارات المهمة التي أظهرت إرادة الشعب التركي القوية، عدم تراجع المواطنين للوراء رغم إجبار الانقلابيين، العاملين في قناة التلفزة الرسمية (تَ رَ تَ) على قراءة بيان الأحكام العرفية، ودخول أفراد الشعب، القناة المذكورة، ومساعدتهم في القبض على الجنود الانقلابيين. خلاصة القول، الشعب التركي أظهر نموذجا مشرفا في المقاومة المدنية المؤثرة دون اللجوء للسلاح، ودون الإضرار بالممتلكات العامة ولا سيما الخاصة منها أما العنصر الثاني، فهو الزعامة القوية التي يتمتع بها الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ خرج في عدد من قنوات التلفزة، عبر الهاتف، وأعلن أنه ضد هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، ودعا الناس للخروج إلى الميادين، وكانت هذه أمور بمثابة نقطة تحول قلبت السحر على الساحر. والأكثر من ذلك أن مخاطرته بحياته كرئيس، حينما قرر المجيء إلى مدينة اسطنبول بالطائرة، غير عابئ بتحليق طائرات (إف 16) التي استولى عليها الانقلابيون في الأجواء، وكذلك استقباله بحفاوة من قبل الشعب، كان من شأنه أن يشكل زخمًا وحراكًا مناهضًا للحركة الانقلابية. هذا إلى جانب أن رفض هذه المحاولة من قبل القوات المسلحة، وجهاز الاستخبارات، ومديرية الأمن، أمور أدت جميعها إلى رفع الروح المعنوية، وتحقيق إدارة قيادية فاعلة ومؤثرة. أما العنصر الثالث الذي أفشل المحاولة الانقلابية، فهو ثبات الحكومة. ففي ساعات الانقلاب الأولى، تحدث رئيس الوزراء بن علي يلدريم، عبر الهاتف مع القنوات التلفزيونية، وقال إنهم يعارضون الانقلاب، وحذا حذوه وزراء حكومته، إلى جانب حشد كل الإمكانات المتوفرة لديهم للخدمة العامة لمواجهة الانقلاب. ولقد كان لتولى رئيس البلاد، ورئيس وزرائه بنفسيهما إدارة العملية، أهمية كبيرة من حيث تواصلهما مع الرأي العام في سياق إدارة الأزمة، ومن حيث الإشراف بشكل كامل على سير الأحداث المناهضة للانقلاب الفاشل. وبخصوص العنصر الرابع الذي أدى إلى عرقلة الانقلاب، هو المبادرة التي قامت بها وحدات الأمن. فلا شك أن الوحدات الأمنية التابعة لمديرية الأمن، وفي مقدمتها الوحدات الخاصة، وكذلك قيام جهاز الاستخبارات بتعبئة كافة الإمكانيات الموجودة لديه، أمران مثلا قوة ضاربة ضد الانقلابيين الذين كانوا يحملون أسلحة ثقيلة. كما أن مقاومة وحدات في الجيش بما في ذلك العمليات الخاصة، للطغمة المنقلبة، هذا إلى جانب إعلان عدد من قادة الجيش في وسائل الإعلام رفضهم للمحاولة الانقلابية. وبذلك يمكننا أن نفهم أن تمكن كل هذه العناصر مجتمعة من عرقلة الانقلاب ودحره، يؤكد بما لا يدع مجالا للشكل، أن السياسة في تركيا لا يمكن أن تتم إدارتها بمثل هذه المحاولات. 3- هل تم دحر الانقلاب بشكل كام والتخلص منه ؟ ولماذا الناس في الشوارع حتى الآن ؟ عندما ننظر في الأحداث التي جرت من حولنا في التاريخ القريب، نجد أن هناك محاولات انقلابية نجحت في موجتها الثانية؟ فعلى سبيل المثال، نجد أن الشعب الإيراني قاوم لعدة أيام، العملية الانقلابية التي استهدفت رئيس وزرائهم في عام 1953 محمد مصدق، وحينما استقرت في قناعته أن الخطر زال، وأن رئيس الوزراء باقٍ في السلطة، انسحب من الشوارع، فجاءت على إثر ذلك الموجة الثانية من المحاولة الانقلابية، والتي أدت إلى الإطاحة برئيس الوزراء. وفي تركيا أيضا حدثت موجه أولى من انقلاب عام 1971 يوم 9 مارس، لكن الموجة الثانية في 12 من الشهر ذاته حققت الهدف من الانقلاب. ومن الجدير بالذكر أنه منذ الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية، بدأ على الفور يظهر تأثير المقاومة التي أبداها رئيس الدولة، والشعب، وقوات الأمن، ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وكان كل هذا سببا في دحر العسكر من الأماكن التي استولوا عليها، وانسحابهم من الشوارع. ولعل انسحاب الجنود من فوق جسر البسفور، إشارة إلى أن قوات الأمن باتت مسيطرة بشكل كامل على المكان. لكن من اللافت أن رئيس البلاد ناشد الشعب البقاء في أماكنه التي كان فيها، فاستجاب له الشعب ولم يبارح الشوارع. ومن الأمور التي دعت الشعب إلى التصرف بحذر خلال تلك الأحداث، ما يعلمه ذلك الشعب جيدًا من الخراب الذي يحل مع قدوم العسكر للعمل في السياسة، وكذلك الأساليب التي وضعتها قيد التنفيذ، جماعة فتح الله غولن العقل المدبر والفاعل الرئيسي لهذه المحاولة الانقلابية. وإذا كانت المحاولة الانقلابية قد تمت السيطرة عليها، لإغنه ليس من السهل أيضًا أن نقول إن خطر الانقلاب بكافة أبعاده قد زال. فبالرغم من دحر الموجة الأولى من هذه المحاولة، إلى أننا شاهدنا عدة نماذج كالتحركات العسكرية في القاعدة الجوية السابعة في ولاية ملاطية، والثالثة في قونية، إلى جانب قيام قائد قوات الدرك الذي قاوم قرار توقيفه، بإعطاء الأوامر لجنوده بإطلاق النار في مطار "صبيحة غوكتشن" بمدينة اسطنبول. والرأي العام التركي في البلاد، بات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة شاهدًا على الطريقة المتكاملة التي تعمل بها جماعة "فتح الله غولن". لذلك بات من الضروري تطهير كافة مؤسسات الدولة بما في ذلك القضاء، من الأشخاص المنتمين لتلك الجماعة. هذا الأمر بات مطلبًا للشعب الذي ينتظر محاكمة الانقلابيين على ما أقدموا عليه، وكذلك نتظر اتخاذ تدابير رادعة لأي محاولات انقلابية محتملة قد تقع مستقبلا. كما أن الشعب الذي يعتبر أهم عامل دحر المقاومة الانقلابية الفاشلة، قد أعلن صراحة ملطبه المتعلق بإعادة تنفيذ عقوبة الإعدام. 4- كيف يمكن تفسير البعد الدولي لهذه المحاولة الانقلابية ؟ يمكننا تقييم البعد الدولي للمحاولة الانقلابية من خلال شقين: أول شق، الرسالة التي تم تكوينها بشأن تركيا في فترة ما قبل الانقلاب. ففي هذا الإطار كانت هناك محاولات كبيرة لدى الرأي العام الدولي لاتهام تركيا بمساعدة تنظيم "داعش" الإرهابي، وكان الهدف من ذلك هو النيل من مشروعية رئيس البلاد وحكومته، وهما من تم انتخابهما من قبل الشعب بطرق ديمقراطية. هذا إلى جانب أن الصحافة الأمريكية خلال الأشهر القليلة الماضية، دأبت على تناول خطابات انقلابية بلغة مستفزة، وكانت هذه الخطابات بمثابة عمليات تكمل بعضها البعض، ومن الصعب القول بإن هذه العمليات تم التخطيط لها، وأنها وضعت للتنفيذ بشكل متتابع. لكن يجب أن نضع في الحسبان "اتهام تركيا بمساعدة تنظيم داعش"، وأن الأشخاص ووسائل الإعلام التي قادت الخطابات الانقلابية في أمريكا، كانوا شكلا واحدا ولم يتغيروا. ومن المثير للانتباه أيضا في هذا السياق، أنه في الوقت الذي يقاوم فيه الشعب في تركيا ضد المحاولة الانقلابية، خرج فتح الله غولن في 16 يوليو الجاري، ليقول في مقابلة صحفية إن "الرئيس أردوغان يدعم تنظيم داعش". أما المرحلة الثانية، فكانت ردود أفعال الفاعلين الدوليين اعتبارًا من اللحظات الأولى التي بدات تنتشر فيها أنباء المحاولة الانقلابية، ليلة 15 يوليو. وكان لا بد من سماع تصريحات قوية تدعم القيم الديمقراطية من الولايات المتحدة وغيرها من الدولي الأوروبية التي تمتلك تركيا معها علاقات قوية. لكن مع الأسف هذه الدول لم ترغب في تقديم هذا الدعم، ولم يدعموا الديمقراطية ولا الحكومة الشرعية في حينه. وجاء أول تصريح من الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها "جون كيري" الذي قال "أتمنى الحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن في تركيا"، وهذه الكلمات لم تشر إلى كون الانقلاب مشكلة أو أزمة، وكانت بعيد تمام البعد عن دعم الحكومة الشعرية المنتخبة في البلاد. وكان ينبغي أن تكون تصريحات الرئيس باراك أوباما التي دعم فيها الحكومة، أول تصريحات الولايات المتحدة بشأن الأحداث، فتصريحات الولايات المتحدة جاءت متأخرة، وضعيفة. كما أن بعض الجنرالات رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الأمريكية، نشروا إشاعات تفيد نجاح الانقلاب في تركيا، وهذه أمور تعني أنهم كانوا يتمنون نجاح الانقلاب، وخالفوا بها الإرادة الشعبية في تركيا، وليس الحكومة المنتخبة ديموقراطيا فحسب. أما مشروع قرار مجلس الأمن الدولي لإدانة المحالوة الانقلابية في عارضته مصر التي يحكمها السيسي الانقلابي. وكانت هذه المؤسسة التي طالما صدعتنا بالحديث عن الديمقراطية والليبرالية، بعيدة كل البعج عن تطمين الرأي العام التركي بخصوص رفضها للمحاولة الانقلابية. وبينما قال السياسيون في البلاد أنهم بصدد تقييم مطلب الشعب المتعلق بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام في تركيا، جاءت ردود أفعال الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد سريعة وواضحة إلى حد كبير. وفي المقابل نجد ردود الأفعال الأولية الرافضة للمخاولة الانقلابية، التي جاءت من أذربيجان للصومال، ومن أفريقيا للشرق الأوسط، على المستويين الشعبي والرسمي، داعمة للرئيس المنتخب وحكومته الشرعية. وعندما ننظر إلى كيان جماعة فتح الله غولن كتنظيم دولي، يمكننا أن ندرك حساسية تركيا في هذا السياق. وطالما ظل خطر الانقلاب مستمرًا ولم يتم دحره، دخلت عوامل جيدة دولية في مجرى الأحداث. فعلى سبيل المثال قام مركز الدراسات الاستيراتيجي "ستراتيجيك فوركاستينغ" بعرض إحداثيات متعلقة باتجه طائرة الرئيس أردوغان الذي تعرض لمحاولة اغتيال في "مرمريس" ليلة 15 يوليو، وهى في طريقها إلى مدينة اسطنبول، وما قام به هذا المركز الاستيراتيجي بمثابة تهديد فظ. وصباح 18 يوليو أعلن موقع ويكليكس أنه بصدد نشر 100 ألف وثيقة متعلقة بتويتر على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وذكر أن هذه الوثائق ستؤثر على الصراع في تركيا. فكل هذه الأمور، تشير إلى أن المحاولة الانقلابية كان لها بعد دولي عملياتي. في حين أن تركيا كانت لديها تطلعا محددة من قبل المؤسسات الدولية والجهات الفاعلة في المحافل الدولية. 5- كيف ينبغي تقييم مسألة إعادة الولايات المتحدة الأمريكية لـ"فتح الله غولن"؟ أحد أهم أبعاد تصفية التنظيمات الإرهابية، السيطرة على الكادر القيادي بها. ولا شك أن دحر المخاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، سيكون من شأنه تسريع عملية التخلص من جماعة فتح الله غولن. ولا شك أن استعادة فتح الله غولن من الولايات المتحدة، يحمل أهمية كبيرة بخصوص التخلص من جماعته، وتصفيتها. وكان الرئيس رجب طيب أردوغان حريصا في أول خطاب يوجهه للشعب يوم السبت 16 يوليو عقب المحاولة الانقلابية، على توجيه رسالة إلى الإدارة الأمريكية، ذكر خلالها بالشراكة النموذجية بين البلدين، وطلب منها "‘إعادة الشخص الذي يتزعم الجماعة التي أدارت المحاولة الانقلابية". كما أن وزير العدل "بكر بوزداغ" قال إنهم اتخذوا كافة الإجراءات اللازمة من أجل إعادته.
في حقيقة الأمر، تركيا منذ فترة طويلة تطالب الولايات المتحدة بإعادة فتح الله غولن، لكن واشنطن لا تستجيب. ولم يتضح بعد كيف سيكون رد أمريكا على هذا الطلب بعد هضه المحالوة الانقلابية. ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية "كيري" استعدادهم للمشاركة في التحقيقات المتعلقة بمحاولة الانقلابية، ذكر بخصوص استعادة "غولن"، أن عملية إعادته تحتاج "أدلة ملموسة"، وأن القضية بات لها بعد قانوني. وفي ذات السياق أدلى السفير الأمريكي لدى أنقرة "جون باس" بتصريحات لفت خلالها الانتباه إلى ثلاث نقاط رئيسية: أولها التضليل الإعلامي لمؤيدي فتح الله غولن، ثانيها انزعاجهم مما استقر لدى قناعات البعض بأن بلاده تقف وراء المحاولة الانقلابية، ثالثها استعدادهم التعاون في عملية إعادة "غولن" حال اتخاذ ضروريات اتفاق استعادة المتهمين الموقع مع الولايات المتحدة منذ عاك 1980. لذلك يمكننا القول إن أرضية عملية استعادته موجودة، لكن المسألة لها ماهية سياسية، وينبغي على دوائر القرار في الولايات المتحدة، إبداء نوع من المبادرة السياسية، لاتخاذ قرار في هذا الشأن. ومن الجدير بالذكر أنه من الصعب على الولايات المتدة أن تفهم حالة المقاومة التي يعيشها الشعب التركي. وبات على الإدارة الأمريكية ترجمة ما قاله "كيري" و"باس" بخصوص التعاون مع تركيا، على واقع فعلي، وتنفيذ تطلعات الشعب التركي. وبسبب إقامة "غولن" في الولايات المتحدة، فإن الرأي العام التركي، مقتنع أن أمريكا هي التي تقف وراء المحاولة الانقلابية -وهذا ما أزعج سفيرها لدى أنقرة باس-. ولعل أهم خطوة يتعين على "أوباما" اتخاذها لكسر هذه القناعة، هي إعادة "غولن" لتركياوز/ يوليو نشر بتاريخ 15 أغسطس 2016 |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري الثلاثاء 31 يوليو 2018, 9:02 pm | |
| دراسة: انعكاسات الاستفتاء على السياسة الخارجية التركيةنشر بتاريخ 16 مايو 2017 جسور للدراسات لم يكن استفتاء 16 نيسان/أبريل في تركيا شأناً تركياً داخلياً خالصاً، فقد ارتبط بقضايا السياسة الخارجية في عدة أبعاد، ومن المرجح أن تكون النتائج الناجمة عنه مرتكزاً لانعكسات مهمة على السياسة الخارجية التركية، خاصة أن تركيا تًدرك القصور الذي يعتري سياستها الخارجية بسبب مشاكل نابعة من نظامها السياسي البرلماني الحالي؛ وعدم التحكم الكامل من السلطة المدنية في كل قرارات السياسة الخارجية.حيث تُعاني الدولة التركية من وطأة البيروقراطية والبطء في اتخاذ القرارات، ولا تعطي العلاقة بين مؤسسات الدولة زخماً كبيراً في القضايا الخارجية، وقد تضعفها في كثير من الأوقات وتعتمد الدبلوماسية التركية نظراً لهذه العلاقة بين مؤسسات الدولة على القوة الناعمة، في الوقت الذي يعتمد فاعلون آخرون في المنطقة، من دول وفاعلين دون مستوى الدولة، على القوة الصلبة لتثبيت الحقائق على الأرض، مما أضعف من موقف تركيا وأدى إلى محدودية خياراتها وإلى غياب التوازن في حركتها الخارجية . كما أن الدبلوماسية التركية تتصف باعتمادها على أدوات تقليدية تحتاج للتحديث والتقوية؛ وعلى كوادر وموارد بشرية تحتاج للتأهيل والخبرة، وهو عامل شكّل عائقاً أمام تفعيل السياسة الخارجية للدولة التركية. ويضاف إلى ماسبق أيضا تعرض البلد لكوابح داخلية بسبب المعارضة والمظاهرات التي بدأت في 2013 في أحداث غيزي بارك والأزمات المتعاقبة التي تعرضت لها الحكومة والتفجيرات التي قام بها تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني والمعركة مع جماعة فتح الله غولن وصولاً إلى محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016. وقد كان لكل ذلك تأثير على سلوك الدولة في الأزمات التي واجهتها في واقع إقليمي مليء بالاضطرابات وفي ظل الاختلاف مع قوى إقليمية وعالمية ودولية. ويُشكّل الانتقال إلى المرحلة الرئاسية مرحلة جديدة في شكل الدولة التركية ككل، وسينعكس ذلك على مختلف سياساتها وبرامجها. وسوف نحاول في هذا التقرير قراءة الأثر المتوقع لهذا التحول على السياسة الخارجية التركية. كيف ستتأثر السياسة الخارجية؟ سيوفر تحول تركيا إلى النظام الرئاسي عددًا من العوامل التي ستساهم في تغيير شكل السياسة الخارجية التركية، ويمكن إجمال هذه التغيرات فيما يلي: 1- سيوفّر النظام الجديد مركزية للقرار السياسي، حيث سيكون الرئيس هو القائد العام وهو المسؤول عن توجيه السياسة الخارجية، بما سيساعد على انسيابية دائرة صنع القرار، والتخفيف من وطأة البيروقراطية 2- سيؤدّي تغيير شكل منظومة القرار إلى زيادة التنسيق الفعال والسريع بين مؤسسات الدولة ذات العلاقة وتوحيد جهودها لتصب في صالح تحقيق الهدف العام . 3- القدرة على إحداث مؤسسات لازمة أو انشاء قوى مطلوبة. 4- سترتفع سلطة الجهاز السياسي على المؤسسة العسكرية، بما يمكّنه من إصدار القرارات المتعلقة بتنفيذ خطط وعمليات خارج الحدود أو فيما يتعلق بالتحالف العسكري مع الدول الأخرى، في الوقت الذي كان النظام السابق يتطلّب الحصول على إذن من البرلمان، وهو ما قد لا يتحقق في حال معارضة الأحزاب الكبيرة. ونظراً لأن الرئيس سيكون هو القائد العام والمسؤول نظرياً وفعلياً عن توجيه السياسة الخارجية، فإن صلاحياته ستمكّنه من معالجة الإشكاليات وإزالة العقبات التي كانت تقيد حركة السياسة الخارجية التركية. الانعكاس على أجندة السياسة الخارجية سيبدأ التطبيق الرسمي للتعديلات الدستورية بما فيها التحول إلى النظام الرئاسي في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2019، فيما ستكون الفترة الحالية حتى ذلك التاريخ هي فترة انتقالية للسياستين الداخلية والخارجية، حيث سيتم فيها التحضير بشكل مكثف للمرحلة القادمة. ومنذ نهاية الاستفتاء، بدأ ظهور ملامح سياسة خارجية تركية نشطة، حيث حضرت القوة الخشنة إلى جانب القوة الناعمة، كما ظهرت الدبلوماسية التركية في أعلى درجات فاعليتها. فبعد أقل من عشرة أيام على الاستفتاء، قام الطيران التركي باستهداف مواقع لوحدات حماية الشعب في سورية ومواقع لحزب العمال الكردستاني في العراق، وأكدت تركيا أنها مستعدة للذهاب حتى النهاية لمنع إقامة دولة كردية في المنطقة، وأنها بدأت في تنفيذ استراتيجية استباقية في مواجهة الصعود الكردي (1) . كما تم الإعلان عن سلسلة من الزيارات الرئاسية لمحطات إقليمية ودولية مؤثرة، ليكون بذلك شهر أيار/مايو من أعلى الشهور فاعلية من الناحية الدبلوماسية الرئاسية، حيث تتضمّن أجندته زيارة هي الأولى إلى الهند، ولقاء هو الأول من الرئيس الأمريكي الجديد، وزيارة إلى روسيا والصين، وحضوراً لقمة الناتو في بروكسل، وزيارات لعدّد من دول الخليج العربي. وتشير طبيعة الدول المستهدفة في هذه الزيارات إلى ترتيبات سياسية واقتصادية كبيرة ومؤثرة على مستقبل السياسة الخارجية. ويحظى لقاء أردوغان –ترامب بأهمية خاصة بطبيعة الحال، ويبدو أن الجانب التركي يذهب إليه بسقف توقعات مرتفع، وستؤثّر نتائجه على شكل وطبيعة السياسة الخارجية التركية. سوريا: العلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا يحظى ملفا اعتماد واشنطن على القوات الكردية في سورية وملف جماعة غولن على أهمية خاصة في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة. ويمتلك الملف الأول حساسية وخطورة أكبر بالنسبة لأنقرة. وتحاول تركيا في هذا المجال البحث عن حالة توازن بين المصالح الأمريكية الراغبة في التخلص من تنظيم داعش، والمصالح التركية في عدم إقامة كيان كردي على حدودها مع سورية. ورغم أن الإدارة الأمريكية، وتحديداً وزارة الدفاع، ما زالت ترى في قوات سورية الديموقراطية الشريك المناسب لعملية الرقة، فإنّ أنقرة تراهن على تغيير هذه المعادلة خلال اللقاء المرتقب مع ترامب. وبكل الأحوال فإن من المتوقع أن يتصاعد الانخراط العسكري التركي في سورية، وربما تتحرك تركيا بشكل فردي عسكرياً أو تدخل في عملية مشتركة مع قوات كردستان العراق ضد حزب العمال في سنجار، كما لا يستبعد أن تقوم بشن حملة على القوات الكردية بين تل أبيض والرقة (2) . وإلى جانب تفعيل قوتها الصلبة، يتوقع أن تقوم تركيا ببناء علاقات أكثر قوة وتنظيماً مع المعارضة ومع العشائر، وستحاول فرض رؤيتها بالشمال بشكل أكثر قوة وحسماً. العلاقة مع روسيا أما فيما يتعلق في العلاقة مع روسيا فإن السياسة التركية تؤكد أنها لا تنظر إلى موسكو وواشنطن كبديل لبعضهما البعض بل تتبنى معادلة توازنية في إدارة العلاقة بينهما، وستحاول بعد نتيجة الاستفتاء أن تناقش مع روسيا مستقبل الأسد في ظل موقف الأسد الحالي، كما تركز أيضاً على استمرارية العلاقات التجارية والمشاريع الاقتصادية بين البلدين. العلاقة مع أوروبا لعل أبرز الملفات التي طفت على سطح أجندة السياسة الخارجية قبل الاستفتاء هو ملف التوتر التركي الأوروبي الذي ترافق مع منع دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا والنمسا لمسؤولين أتراك على رأسهم وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو من اللقاء بالناخبين الأتراك في هذه الدول، حيث يشكل الأتراك في الخارج كتلة تصويتية أثبتت أن لها تأثير مهم في النتيجة خاصة في حالة التقارب الذي شهدها الاستفتاء الذي أسفر عن نتيجة في صالح تطبيق التعديلات الدستورية في نهاية 2019 بنسبة تصويت بلغت 51.4% . وقد استمرّ التوتر في العلاقات التركية الأوروبية بعد الاستفتاء، وإن كان بوتيرة أقل، وتبع ذلك انتقال للحديث عن ملف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقد هدد أردوغان الاتحاد الأوروبي بأنه إذا لم يقم " بفتح فصول جديدة في مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد، فإن هذا سيكون بمثابة نهاية لمحاولات تركيا في الانضمام". كما رفضت تركيا الطلبات الأوروبية والغربية بإلغاء حالة الطوارئء، مطالبة الأوروبيين بتقديم طلب ممثال لباريس لإلغاء حالة الطوارئ قبل تركيا (3) ، وبالرغم من هذه اللهجة إلا أن سياسة تركيا الخارجية التي اكتسبت زخماً أكبر بعد الاستفتاء- ستعمل ربما على إدارة العلاقة بطريقة أكثر عقلانية مع أوروبا، حيث تنطلق تركيا في ذلك من خلال التهديدات والمصالح المشتركة بين الطرفين. العلاقة مع دول الإقليم ستتبع السياسة التركية ضمن خط عام سياسة تكثير عدد الأصدقاء، وقد انتهجت هذه السياسة مع إسرائيل والإمارات، ومع حرص تركيا على إدارة علاقاتها مع إيران بشكل غير طائفي بالرغم من الخلافات السياسية إلا أن العلاقة يبدو أنها متجهة إلى التوتر، لذلك فإن هذه السياسة ستكون في حالة اختبار في المرحلة القادمة كما يتوقع أن تتجه علاقات تركيا إلى التحسّن مع دول الخليج عموماً، خاصة إذا ما تمّ كسر الجليد بشكل تام مع الإمارات العربية المتحدة، ونقل العلاقة التركية-السعودية إلى مستوى استراتيجي، وهو ما تحتاجه الرياض وأنقرة على حدّ سواء. خاتمة
يعد النظام الرئاسي في تركيا أحد عوامل الاستقرار الداخلي على مستوى النظام السياسي وهو ما سيوفر استقراراً أكبر في شكل واتجاه السياسة الخارجية، لكن هذا يعتمد أيضاً على طبيعة الجهات والأزمات الخارجية التي ستتعامل معها تركيا، أما في ظل قضايا الواقع الحالي فإن النتيجة تبدو كفرصة جيدو لصانع القرار التركي لاستدراك نقص وعيوب السياسة الخارجية السابقة. |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |