منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Empty
مُساهمةموضوع: دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري   دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Emptyالثلاثاء 31 يوليو 2018, 8:57 pm

دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري

د. الزبير خلف الله - دراسة خاصة بترك برس
١- العمق الاستراتيجي والحضاري لتركيا في السياق التاريخي:
أ- العمق الاستراتيجي:
هناك المئات من الدراسات والابحاث التي اهتمت بتركيا، وتناولت الأهمية الاستراتيجية التي يحتلها هذا البلد الذي يقع في قلب العالم، ويجمع بين كل الممرات البرية والبحرية، الى درجة أن نابليون بونبارت اعتبر أن مركز العالم هي استانبول، هذه المدينة التي تختزل في داخلها كل مظاهر الصراع بين كل القوى عبر التاريخ، و تشكل المحور الاستراتيجي لكل القوى الدولية والتوازنات الإقليمية والعالمية. تركيا بعمقها الاستراتيجي كانت و لاتزال محط أطماع كل الدول الراغبة في السيطرة على العالم من خلالها.
لقد لعبت تركيا عبر التاريخ دورا استراتيجيا في التأثير على السياسة الدولية وفي طبيعة التوازنات الاقليمية والدولية . لذلك كانت خصوصا في عهد االدولة العثمانية أهم محور استراتيجي استطاع من خلال موقعه الجغرافي أن يتمدد في أعماق القارة الآسيوية والإفريقية والأوروبية، ويهزم عدة قوى دولية كبرى .
 لقد أدرك العثمانيون منذ أن كانوا إمارة صغيرة أهمية هذه المنطقة من الناحية الاستراتيجية، وأنها تمثل أهم مركز استراتجي يمكن أن يتحكم في كل دول العالم، وكانت هذه القناعة راسخة في عقول وفي وجدان كل السلاطين العثمانيين. وما كان إصرار محمد الفاتح على فتح مدينة القسطنطينية إلا نابعا من قناعة أن السيطرة على هذه البقعة من العالم تعني السيطرة على الخارطة الجغرافية والاستراتيجية لكل الصراعات في العالم .
يمكننا القول إن العثمانيين كانوا يملكون تفكيرا استراتيجيا عميقا أهلهم إلى بناء دولة كبيرة سيطرت على أهم المناطق المهمة في العالم، وتحكمت في كل التوازنات الدولية، ولعبت دورا أساسيا في صياغة نظام عالمي كانت تركيا والدولة العثمانية هي مركزه الاستراتيجي والمتحكم في كل سياساته.
 وقد استفادت أوروبا كثيرا من الاستراتيجة العثمانية، وأسست مراكز دراسات اعتنت بشكل خاص بالتفكير الاستراتيحي للدولة العثمانية وفهم الياته وأسسه. وعلى عكس الدراسات والأبحاث التي تنسب ظهور  التفكير الاستراتيجي الى الأوروبيين فاننا نجزم بأن مدرسة التفكير الاستراتيجي ظهرت في منطقة الأناظول وتطورت مع الدولة العثمانية. وكان السلاطين العثمانيون من أمثال الغازي عثمان ومحمد الفاتح والسلطان ياووز والسلطان سليمان القانوني وصولا الى السلطان عبد الحميد الثاني كانوا هم رواد هذه المدرسة الاستراتيجية التي نشأت وترعرعت بشكل عملي في واقع يكتسي أهمية استراتجية كبيرة للخارطة الجيوستراتجية والجيوسياسية في العالم.
من جهة أخرى استطاع الغرب الذي طور تفكيره الاستراتيجي أن يهزم الدولة العثمانية وينهيها من خلال خلق ما يسمى بالاستراتيجية المضادة التي نجحت في تقسيم الدولة العثمانية واضعاف الفعل الاستراتيجي لتركيا، وتحويلها الى ممر وكوريدور دولي تستخدمه القوى الاستعمارية للهيمنة على العالم الاسلامي. وتجلى هذا الأمر مع الانقلاب الذي قادته جماعة الاتحاد والترقي ضد السلطان عبد الحميد الثاني صاحب مشروع الجامعة الاسلامية.
كما تجلت هذه الاسترتيجية المضادة أكثر مع ظهور الجمهورية التركية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك والتي كانت بمثابة الاعلان عن موت تركيا استراتيجيا وتحويلها الى أداة يستخدمه الاستعمار للهيمنة على المنطقة. لقد ساهم قادة الجمهورية الكمالية في إضعاف تركيا استراتيجيا وإفقادها أي دور ريادي في السياسة الدولية حتى أصبحت تركيا منذ 1952 هي القاعدة العسكرية التي تحاك فيها كل المؤامرات والاستراتيجيات الغربية للتحكم في العالم الاسلامي، واستسلمت تركيا للقوى الاستعمارية.
 وساهمت كل المحاولات الانقلابية في تركيا بقيادة الجيش في تهميش دور تركيا استراتيجيا رغم أن هناك محاولات من بعض القادة السياسيين من أمثال عدنان مندريس، وطورغت أوزال، ونجم الدين اربكان الذين أرادوا تفعيل دور تركيا استراتيجيا لكنهم فشلوا في ذلك لأن حجم التوازنات الاقليمية والدولية كانت أكثر تعقيدا واكثر تشابكا ، وكذلك لغياب إرادة سياسية حقيقية تؤمن بإعادة صياغة سياسة استراتجية جديدة لتركيا في المنطقة وفي العالم.
ب- العمق الحضاري:
لقد زامن هذا العمق الاستراتيجي لتركيا في السياق التاريخي عمق اخر مهم أهملته أغلب الدراسات الحضارية، ولم توله اهتماما كبيرا وهو العمق الحضاري لتركيا في منطقة الأناظول وفي العالم منذ قرون عديدة .
وقد عرف هذا العمق الحضاري ذروته مع بروز الدولة العثمانية التي ورثت تراكمات حضارية قديمة في منطقة الأناظول، وعرفت كيف توظف هذه التراكمات الحضارية التي تعود الى فترة الفتوحات الاسلامية  فالدولة الأموية والعباسية مرورا الى الدولة السلجوقية، ثم الدولة البيزنطية التي قامت على أنقاضها الدولة العثمانية.
 ولم تعمد الدولة العثمانية الى إلغاء هذا المزيج الحضاري التراكمي، بل نجحت في إعادة تشكيله وترسيخه داخل هوية الدولة وهوية المجتمع التركي العثماني. وقد كان الإسلام هو الحاضن لمختلف هذه الأمزجة الحضارية وصهرها في مسار واحد دون أن يتم إقصاء أي طرف أو إلغاء أي هوية، فكانت الحضارة العثمانية ثرية بجملة من الثقافات وغنية بمختلف الفنون والعلوم والتصورات.
ووجدت كل الشعوب والفرق والإثنيات والأديان المنضوية تحت حكم الدولة العثمانية الاسلامية نفسها حرة تمارس ثقافتها بكل حرية، وتعمل على تقديم إضافات مهمة جدا للحضارة العثمانية التي ترتكز في أساسها على الهوية الاسلامية. هذا التنوع الثقافي والاثني والديني شكل لدى تركيا عمقا حضاريا كبيرا، وتحولت الى مركز حضاري عالمي يشد اليه الرحال كل المبدعين والمفكرين والعلماء والتجار والرحالة والسياسيين ورجالات الاصلاح.
لقد نجح العثمانيون والأتراك في صياغة نموذج حضاري عريق يتسم بالتسامح وبالإبداع وبالحرية والجمالية. وأكبر دليل على ذلك هذه الجمالية الحضارية التي نلمحها ونراها في مساجد استانبول وكل اثارها التاريخية المختلفة تحكي قصة حضارة ولدت من رحم حضارات ماتت في سياقها الزمني لكنها ظلت روحها منبعثة مع الحضارة العثمانية، وتؤكد للعالم أجمع أن الحضارة الاسلامية لم تبن على محو حضارات أخرى، بل حافظت عليها وجعلتها جزءا منها، فكانت النتيجة هي ظهور نموذج حضاري عالمي إنساني يوحد البشرية، ويؤصل لفلسفة عميقة تعد ركنا أساسيا من أركان الاسلام والحضارة الاسلامية، وهي فلسفة التعايش والتسامح التي لن تجدها في أي حضارة أخرى.
إنه التعايش بمفهومه الواسع والتسامح في بعده الديني والإنساني. تعايش الأفكار والأعراق والأديان والمذاهب والشعوب المختلفة ضمن سياق حضاري وسياسي يعترف بخصوصية كل واحد من هذه التشكيلات المختلفة، بل يسعى الى تشريكها نحو المساهمة في الفعل الحضاري العالمي.
لقد أفرز هذا التنوع الثقافي والعرقي والديني داخل الدولة العثمانية نموذجا حضاريا عالميا ساهم في تشكيل عمق حضاري لتركيا بالتزامن مع العمق الاستراتيجي. وأصبحت تركيا لعصور طويلة مركز العالم حضاريا واستراتيجيا.
ونجح الأتراك في تحمل مسؤوليتهم الحضارية العالمية. وكان لهم السبق في الحفاظ على موروث الثقافات المندثرة ضمن سياق فلسفة التعايش والتسامح التي استمرت حتى فترة 1909 تاريخ الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني وانهاء الدورة الحضارية العثمانية فعليا. واستبدلت ثقافة التعايش والتسامح بثقافة التتريك والطورانية، وبدأت عملية التصفية الثقافية والاستهداف لهوية الشعب التركي المسلم، كما تم فصل تركيا تماما عن عمقها الحضاري العربي والاسلامي، وتحولت تركيا الى يتيمة متشردة  تبحث عن فتات من بقايا وفضلات الحضارة الغربية التي تأسست على أساس فلسفة تصادم الحضارات والبقاء للاقوى.
وقد زاد يتم تركيا حضاريا مع إلغاء الخلافة الاسلامية، واستبدالها بالجمهورية الكمالية، والقطع تماما مع موروث تركيا الحضاري الاسلامي القائم على التعايش والتسامح، وارتمت تركيا في أحضان أعدائها، وفقدت كل مقومات عمقها الحضاري بعد أن فقدت مقومات عمقها الاستراتيجي.
ولم يكن الانقلاب التاريخي الذي قام به مصطفى كمال أتاتورك سنة 1928 المتمثل في تغيير حروف اللغة العثمانية  من الحروف العربية الى الحروف اللاتينية، وتغيير الأذان بالتركية، ومنع كل الفعاليات الاسلامية والدينية اإا مظهرا من مظاهر استهداف العمق الحضاري لتركيا التي ظلت منفصلة عن العالم الاسلامي وفاقدة لكل هوية حضارية على مدار أكثر من قرن كامل من الزمان.
ج- الغرب ومستويات استهداف تركيا استراتيجيا وحضاريا:
نجحت استراتيجية الغرب إذن في ضرب العمق الاستراتيجي والحضاري لتركيا التي ظلت لأكثر من ستة قرون تمثل مركز الحضارة الاسلامية، وتتحكم في النظام الاقليمي والدولي. ولم تنجح الاستراتيجية الغربية في استهداف تركيا استراتيحيا وحضاريا الا بواسطة التآمر الداخلي مع جهات تعمل لصالح أجندة استعمارية حاقدة، خططت بكل دقة في ضرب تركيا قلب الحضارة الاسلامية ومركز محورها الاستراتيجي . .
ورغم أن محاولات الاستهداف للعمق الاستراتيجي والحضاري كان قديما إلا أنه بدأ التفكير فيه بجدية منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر في مؤتمر برلين الذي عقد بين ألمانيا وفرنسا وانجلترا سنة 1878م، وتم الاتفاق بشكل عملي على إنهاء أي دور استراتيجي وحضاري لتركيا والدولة العثمانية.
وقد تمت عملية الاستهداف هذه على مستويين كبيرين:
المستوى الداخلي تكفلت به حركات سياسية تابعة للغرب وفي مقدمتها حركة تركيا الفتاة أو جماعة الاتحاد والترقي التي نجحت سنة 1909 في الانقلاب على عبد الحميد الثاني صاحب مشروع الجامعة الاسلامية الداعي الى توحيد الأمة الاسلامية، وإعادة بعث الحياة فيها من جديد سياسيا واستراتيجيا وحضاريا. وقد استمرت عملية الاستهداف الداخلي الحاسمة عبر انقلاب اتاتورك على مركز الخلافة الاسلامية والغائها واستبدالها بالجمهورية الكمالية، وتبنت النظام العلماني والغيت كل المظاهر التي تعكس هوية تركيا الاسلامية التي دخلت منذ 1923 الى نفق مظلم عزل تركيا والشعب التركي عن العالم العربي والاسلامي في محاولة منه لتغريب تركيا، وسلخها حضاريا، وجعلها مممرا وحديقة خلفية يستخدمها الغرب لمواجهة الخطر السوفياتي في اسيا.
ولم تتوقف عملية الاستهداف على المستوى الداخلي من قبل عملاء الغرب الى يومنا هذا حيث شهدت تركيا انتكاسات سياسية كبيرة بسبب الانقلابات الداخلية التي حصلت في أربع محطات عصفت بأي مشروع وطني ديمقراطي حضاري تحرري من أجل إحباط أي محاولة لنهوض تركيا من جديد، وضرب أي إرادة سياسية لتفعيل دورها استراتيجيا وحضاريا.
أما المستوى الثاني من الاستهداف الحضاري والاستراتيجي لتركيا فقد كان خارجيا، وتكفلت بلعب دوره القوى الاستعمارية التي كانت طرفا فاعلا في إحداث ثورات في عدة مناطق من الدولة العثمانية ،وحرضتها على الاستقلال والانفصال. ونجحت هذه القوى الاستعمارية خصوصا فرنسا وانجلترا من احتلال مناطق شاسعة من اراضي الدولة العثمانية، وجاءت اتفاقية سايكس بيكو لتعيد صياغة خارطة جيوسياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي، وخرجت كل هذه المناطق من تركيا، وأصبحت خاضعة لفرنسا وانجلترا.
كما كانت اتفاقية لوزان سنة 1923 والتي ألجمت تركيا وقيدتها عن التحرك خارج حدودها المرسومة لها، وحرمتها من حق التنقيب على النفط في الأراضي التركية على مدار مئة عام، ومنعتها من أخذ رسوم على السفن التي تعبر مضيق البوسفور والدردنيل، كما فرضت عليها شروطا أخرى مجحفة قبلت بها تركيا مكرهة. ونتج عن هذا الاستهداف الخارجي تحجيم دور تركيا داخل الساحة الدولية واضعاف قدراتها الاستراتيجية والحضارية وتحويلها الى دولة مسلوبة الارادة.
استمر هذا الاستهداف الخارجي متزامنا مع الاستهداف الداخلي عبر لوبيات وحركات سياسية ونخب تتبنى خيار التبعية الغربية، وانفصلت تركيا بشكل يكاد يكون كليا عن القضايا العربية والاسلامية، وتم وأد دورها الاستراتيجي والحضاري لمدة أكثر من قرن من الزمان. بل تحولت تركيا الى الدولة التي يتم من خلالها ضرب العالم العربي والاسلامي، حيث كانت تركيا في حرب العراق الأولى سنة 1991 القاعدة العسكرية التي تنطلق منها الطائرات الأمريكية والتحالف الدولي لضرب العراق وشعبه وتهديم كل ثرواته.
وخلاصة القول فإن عملية الاستهداف الداخلي والخارجي نجحت بامتياز على مدار عمر الجمهورية الكمالية، وذلك لوجود انسجام وتوافق بين القوى الحاكمة الداخلية وبين الأطماع الغربية التي لا تريد لتركيا أن تعود لدورها الاستراتيجي والحضاري . كما سهل هذا الاستهداف الداخلي والخارجي غياب مشروع وطني حقيقي يعيد لتركيا حيويتها وديناميتها الحضارية. واستمرت هذه الوضعية السلبية للدور التركي الى حدود سنة 2002 حيث سيظهر عامل جديد داخل الساحة التركية، وسيقلب موازين القوى ويرسم خارطة جديدة لتركيا جديدة بدأت ملامحها تبرز على مدار ثلاثة عشر عاما، ويتمثل هذا العامل الجديد في فوز حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان الذي نجح بشكل قياسي وخلال مدة وجيزة في إحداث تغيير جذري في السياسة التركية الداخلية والخارجية، وتحولت تركيا الى رقم صعب في المعادلة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي الساحة الدولية.
2-ملامح العمق الاستراتيجي والحضاري لتركيا في السياق الزمني الراهن:
أ- احتضار الجمهورية التركية والمنعطف الجديد:
تعد سنة 2002 منعطفا مهما في تاريخ تركيا الحديثة التي كانت وصلت فيها الدولة الى حافة الانهيار والافلاس وتراكم الديون الخارجية لدى صندق النقد الدولي، ودخلت البلاد في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة جراء فشل الأحزاب السياسية في إيجاد  مخرج للوضع المتأزم في تركيا.
وقد بدأت مظاهر الأزمة في تركيا الجمهورية تشتد أكثر مع تعطل المسار الديمقراطي في تركيا بسبب انقلاب 28 شباط 1997 الذي أجبر فيه العسكر الزعيم الاسلامي نجم الدين أربكان رئيس الحكومة الائتلافية آنذاك على تقديم استقالة حكومته، مما اضطر نجم الدين اربكان الى تقديم الاستقالة خوفا من وقوع انقلاب عسكري مباشر وحتى لا تتكرر مأساة الانقلابات الماضية 1960،1970، 1980 التي دفعت فيها تركيا والتجربة الديمقراطية والشعب التركي ثمنا باهضا، وافقد تركيا أي قوة استراتيجية او حضارية.
هذا الوضع الصعب الذي دخلت فيه تركيا المتهالكة اقتصاديا وسياسيا أعطى الفرصة لعدة قوى داخلية من مافيا وبارونات المال وشبكات الفساد للهيمنة على كل المفاصل الأساسية للدولة بل التحكم في الوضع السياسي القائم في تلك الفترة.
أما على المستوى الخارجي فقد أصبحت تركيا مرتهنة لدى صندوق النقد الدولي والى القوى الغربية التي باتت توظف تركيا في تطبيق استراتيجياتها الاستعمارية للتدخل في منطقة الشرق الأوسط، وذلك باثقال كاهل تركيا المأزومة بالديون التي وصلت سنة 2002 الى 23 مليار دولار أمريكي.
ودخلت الجمهورية الكمالية في مرحلة الموت السريري استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا وحضاري، ويطلق على هذه المرحلة مرحلة احتضار الجمهورية التركية، وفشل العلمانيين في إنقاذ ماتبقى من جمهوريتهم الكمالية التي ولدت بالأساس ضعيفة ومترهلة وفاقدة لمقومات العمق الاستراتيجي والحضاري.
في ظل هذه الأزمة العميقة التي تشهدها تركيا الجمهورية وقعت انتخابات برلمانية سنة 2002 وكانت النتيجة صادمة لكل القوى الداخلية والخارجية ، فقد فاز حزب العدالة والتنمية المحافظ الذي أسسه رجب طيب أردوغان مع عبد الله غل قبل سنة من إجراء هذه الانتخابات.
رجب أردوغان وعبد الله غل اللذان كانا عنصرين أساسيين في حزب الرفاه بقيادة المرحوم نجم الدين اربكان انسحبا بعد ذلك من حزب الفضيلة الذي تأسس بعد استقالة حكومة اربكان وغلق حزب الرفاه، و كان تأسيس حزب العدالة والتنمية بعد خروج أردوغان من السجن يعد تصورا جديدا واقعيا للتعامل مع ملفات جد متشابكة داخل تركيا وخارجها.
وما إن تم الاعلان عن نتائج فوز العدالة والتنمية إلا و بدأت كل القوى الداخلية المحسوبة على العلمانيين واليساريين ووسائلهم الاعلامية بتشويه أردوغان وحزبه متهمين إياه بالرجعية والماضوية. وقد سمح عدد الأصوات التي أحرز عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات بتشكيل حكومة بمفرده، الأمر الذي سهل عليه قيادة البلاد وفق تصوره الحزبي، ودخلت تركيا منذ عام 2002 في مرحلة جديدة، وتحولت خلال ثلاثة عشرة سنة الى نموذج عالمي بسبب نجاح حزب العدالة والتنمية في إخراج تركيا من الأزمة التي كانت تتخبط فيها، وإعادتها قوية الى الساحة الدولية من جديد.
ب- حزب العدالة والتنمية والتحديات الاستراتيجية والحضارية لتركيا:
نريد أن نشير هنا الى كون تجربة حزب العدالة والتنمية لم تولد من فراغ، وإنما سبقتها محاولات أخرى جادة سعت نحو إعادة تركيا الى عمقها الاستراتيجي والحضاري. ورغم أن هذه التجارب لم تحقق نتائجها المرجوة إلا أنها شكلت رصيدا مهما استفاد منه حزب العدالة والتنمية كثيرا في صياغة رؤيته السياسية والاستراتيحية والحضارية.
من أهم رواد هذه التجارب على مستوى الفعل السياسي نجد في بداية الخمسينات تجربة رئيس الوزراء عدنان مندريس الذي أعاد الأذان الى اللغة العربية بعد أن منعه اتاتورك واستبدله باللغة التركية لمدة 18 سنة، كما قام مندريس بفتح معاهد الأئمة والخطباء التي درس فيها اردوغان، اضافة الى كون حكومة مندريس انفتحت عن العالم العربي ودعمت الثورة الجزائرية بالسلاح، الا ان تجربة مندريس على الرغم من انها حاولت اعادة تركيا الى عمقها الحضاري لكنها باءت بالفشل جراء التحديات الداخلية الكبرى وتحكم المؤسسة العسكرية التي أعدمت مندريس بعد الانقلاب الذي وقع سنة 1960.
وكذلك نجد في النصف الثاني من الثمانينات تجربة تورغت أوزال الذي يعد مهندس النهضة الاقتصادية في تركيا و أول من فتح تركيا على العالم خصوصا على المستوى الاقتصادي، حيث عرفت تركيا في عهده انطلاقة اقتصادية ودخول الاستثمار الأجنبي إليها، وبدأت تتشكل بنية اقتصادية هائلة للبلد الا أن هذه التجربة الاوزالية تراجعت أيضا، وأصيبت بانتكاسة وذلك بوفاة تورغت أوزال في ظروف يكتنفها كثير من الغموض والشكوك، إذ تؤكد العديد من التقارير أنه مات مقتولا بالسم بعد أن فشلوا في قتله بالرصاص خلال محاولة الاغتيال التي دبرت ضده أثناء تجمع جماهيري كبير.
أما التجربة الثالثة فهي تجربة الزعيم الاسلامي المرحوم نجم الدين أربكان الذي يعد أب التيار الاسلامي في تركيا، حيث دخل هذا الرجل المعترك السياسي بداية من الستينات بعد عودته من المانيا، وقد استطاع أن يصل الى نائب رئيس للحكومة في السبعينيات. كان هو أول من أمر بتدخل الجيش التركي في شمال جزيرة قبرص حين أرادت اليونان احتلالها كاملة. تجربة أربكان استمرت ليصبح في سنة ١٩٩٥ رئيسا لحكومة ائتلافية سعى من خلالها الى إزالة اليتم الحضاري والاستراتيجي عن تركيا وإرجاعها الى الحاضنة العربية و الاسلامية، وشكل مع ثمان دول عربية واسلامية مجموعة مايسمى الكمنولث الاسلامي  ، وهي مجموعة اقتصادية اسلامية أراد لها أربكان أن تكون قوة اقتصادية اسلامية. واقترح فكرة إيجاد عملة اسلامية موحدة لها وهي الدينار الذهبي الاسلامي. وقد لاقى مشروع الكمونولث الاسلامي معارضة شديدة من قبل الغرب، ورأوا فيه تحديا مباشرا له ولمصالحه الاقتصادية في المنطقة العربية والاسلامية, كما رأت فيه الأحزاب العلمانية الداخلية ضربا للعلمانية و للجمهورية الكمالية. فتوحدت القوى الداخلية والخارجية ضد أربكان، ووقع انقلاب ٢٨ شباط ١٩٩٧ الأبيض، وأجبر أربكان على الاستقالة، وتم منعه من السياسة لأكثر من خمس سنوات، وتم وأد مشروع الكومنولث الاسلامي نهائيا.
ذكرنا هذه التجارب الثلاث السابقة لكي نؤكد أن تركيا في عهد الجمهورية الكمالية ورغم انفصالها تماما عن عمقها الاسلامي، وهيمنة ايديولوجية متطرفة تعادي كل ما يتصل بالاسلام وبتاريخ تركيا الحضاري العثماني، وتحالفها استراتيجيا مع قوى غربية لا ترغب في نهوض تركيا من جديد، الا انه في ظل هذه الظروف وجدت محاولات إصلاحية مهمة تعرضت في مجملها الى تحديات داخلية وخارجية كبيرة أعاق نضجها وأفشلتها.
 وكان أردوغان وعبد الله غل مؤسسا حزب العدالة والتنمية من الذين عاصروا على الأقل تجربة تورغت أوزال ونجم الدين أربكان، وعايشا حجم التحديات الكبرى التي تعرضت لها هاتان التجربتان اللتان نجحتا على الأقل من ناحية التصور والأهداف لكنهما فشلتا من حيث المنهج والآلية. ورغم إيمان أردوغان بمجموع اهداف التجربة الأربكانية الا انه اختلف مع استاذه أربكان في المنهج والالية والخطاب، وانسحب من حزب الفضيلة ليشكل مع رفيقه عبد الله غل حزب العدالة والتنمية الذي بني في تصوراته والياته على انقاض التجارب السابقة.
لقد قرأ حزب العدالة والتنمية الواقع السياسي التركي جيدا، وفككه وأعاد تركيبه من جديد في جملة من التصورات والأهداف والأولويات والاليات الجديدة التي سينطلق بها الحزب لادارة تركيا الغارقة سنة ٢٠٠٢ في أزمة عميقة تهدد كيانها الداخلي والخارجي. ويبدو أن أردوغان استفاد بشكل جلي من تجربة المرحوم مندريس في مسألة الاصلاحات الديمقراطية، ومن تجربة تورغت أوزال في الاصلاحات الإقتصادية ومن تجربة أربكان خصوصا في مسألة عودة تركيا إلى عمقها الحضاري الإسلامي.
 وقد قدم حزب العدالة والتنمية نفسه وزعيمه أردوغان على انه حزب علماني وليس إسلاميا، وانتهج خطابا مغايرا تماما عن خطاب المرحوم أربكان، الأمر الذي طمأن الغرب نوعا ما, كما أنه قدم تركيا على اأها دولة تنتمي الى العمق الاوروبي. ونجح في توظيف مسألة انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، وحقق من خلالها جملة من الاصلاحيات الجوهرية، أهمها إخراج تركيا من الأزمة الأقتصادية، وفتحها على أسواق اقتصادية عالمية جديدة مثل السوق العربية والاسلامية والاسوية، وجلب استثمارات اجنبية كبيرة عادت بالنفع على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تركيا، وقللت من نسبة البطالة، وتحقيق نمو اقتصادي هائل. كما تم تحييد المؤسسة العسكرية عن القرار السياسي، وتصفية الدولة العميقة، والقضاء على بارونات المال والفساد والمافيا التي أنهكت تركيا وأفقدتها كل مقومات النهوض والإصلاح.
لقد انطلق حزب العدالة والتنمية من أولويات واقعية تحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تركيا، وتساعدها على العودة مجددا الى عمقها الاستراتيجي والحضاري . وفعلا نجحت تركيا خلال الثلاثة عشرة سنة الماضية في تحقيق انجازات هائلة لم تحقق خلال ثمانين عاما من تاريخ الجمهورية. وأصبحت ثاني أكبر دولة عالمية من حيث النمو الاقتصادي بعد الصين. وانتقلت من رتبة ١١٦ عالميا الى الرتبة ١٢, وتمكنت خلال هذه الفترة من دفع كل ديونها لدى صندوق النقدي الدولي, بل انتقلت تركيا من دولة مديونة الى دولة مانحة أقرضت خمسة مليارات دولار الى صندوق النقد الدولي السيف الذي كان مسلطا عليها ولازال مسلطا على رقاب بقية الدول النامية و الضعيفة.
 ورغم التحديات الصعبة داخليا وخارجيا فقد تحولت تجربة حزب العدالة والتنمية الذي فاز في الانتخابات البرلمانية بأغلبية ساحقة على مدار ثلاث مرات الى نموذج عالمي ناجح، أبهر كل العاملين في العمل السياسي من اسلاميين وعلمانيين، وحول تركيا الى قبلة تتدفق عليها الاستثمارات الأجنبية، خصوصا الاستثمارات العربية والإسلامية التي عرفت حكومة أردوغان كيف تنفتح عليها، وتستفيد منها بشكل كبير في مشروعها التنموي الاستراتيجي والحضاري.
لقد أزعج النجاح التركي عدة قوى دولية خصوصا الاوروبية التي حاولت أن تعرقل انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، وانتقلت الى توتير الوضع السياسي في تركيا. وكانت أحداث غيزي بارك هي مؤشر كبير على انزعاج القوى الاوروبية وبعض الدول العربية من تركيا التي أعلنت على القيام بجملة من المشاريع العملاقة مثل المطار الثالث الذي سيكون أكبر مطار في العالم، وكذلك مشروع قناة استانبول الذي سيجعل تركيا متنفذة بشكل كبير على كل السفن التي تعبر منها، وسيدر عليها أموالا طائلة، وكذلك مشروع المفاعل النووي الذي بدأت فيه، ومشاريع التصنيع في الأسلحة والأقمار الصناعية، إضافة الى موقع تركيا الاستراتيجي الذي يعد أهم معبر لأنبوب الغاز من آسيا الى أوروبا. تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية شهدت مسيرة نجاحها تحديات كبرى داخليا وخاريجا وسترى تحديات أكبر على المدى القريب والبعيد إذا استمرت في هذا المنهج النهضوي الحضاري والاستراتيجي.
ج- تركيا و تحديات المستقبل استراتيجيا وحضاريا:
إن المتأمل في كتاب" تركيا والعمق الاستراتجي " لرئيس الوزراء الحالي و المفكر الاستراتيجي أحمد داوود أوغلو يدرك جيدا فلسفة النهضة التركية الجديدة وأبعادها العميقة وقوة النضج السياسي الذي يتمتع به صناع القرار في تركيا الراهن التي أصبحت أكبر قوة إقليمية في منطقة الشرق، وباتت تشكل محورا استراتيجيا في المعادلات الاقليمية والدولية. لقد مثل كتاب داوود أوغلو خلاصة فلسفة تركيا الجديدة في السياق الزمني الراهن وفي المرحلة القادمة على المدى القريب والبعيد.
نجحت تركيا أخيرا ولو بنسبة مئوية متوسطة في استعادة عمقها الاستراتيجي من خلال قوتها الاقتصادية التي حولتها الى اكبر منافس للقوى الدولية في منطقة الشرق الاوسط وفي اسيا وأوروبا وفي افريقيا بل وفي القارة الامريكية. ولعبت دورا مهما في طبيعة الصراع الجاري الان في كثير من مناطق العالم مثل القضية الفلسطينية والسورية والعراقية والمصرية والليبية واليمنية.
كما نجحت تركيا في استعادة عمقها الحضاري بنسبة متوسطة أيضا من خلال عودتها للتصالح مع هويتها الاسلامية، وإحداث مصالحة وطنية مع كل كيانات المجتمع التركي المتعددة، ورفع الحظر على تعليم اللغة العربية والكردية، وإدخال منهج تدريس التربية الاسلامية ومادة القرآن الكريم والسيرة النبوية في المدارس، وجعل درس اللغة العثمانية درسا إجباريا، وانفتحت على العالم على العربي ومساندة دول الربيع العربي في ثوراته ضد الظلم والاستبداد والوقوف بجانب اللاجئين السوريين واستقبالهم ومساعدتهم.
كل هذه الانجازات جعلت تركيا تدخل في مرحلة جديدة وفي موقع قوي يختلف تماما عن تركيا الجمهورية الكمالية. مما جعل الكثير من المراقبين والمحللين يعتبرون فترة حزب العدالة والتنمية هي ولادة لجمهورية تركيا الثانية، بل هي نهوض العملاق العثماني من جديد الذي بات الغرب والكثير من القوى الدولية تنظر اليه على أنه يمثل المارد الذي يطمح في استعادة مجد الدولة العثمانية من جديد. خصوصا اذا ما حاولنا أن نفهم رمزية إعادة أردوغان لطبيعة تشريفات الحرس الرئاسي على الطراز العثماني، وما يرمز اليه رقم ١٦ في عدد عساكر التشريفات، وجعل اللغة العثمانية لغة اجبارية في معاهد الأئمة والخطباء، واستخدام خطاب مفعم بروح الافتخار بالأجداد العثمانيين وبتاريخهم العثماني مثلما رأيناه أخيرا في العملية العسكرية التي نظمها الجيش التركي في الأراضي السورية لحماية ضريح سليمان شاه جد مؤسس الدولة العثمانية عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية وماتحمله هذه العملية من دلالات في المستقبل.
كل هذه المظاهر تعكس رؤية صناع القرار الأتراك إلى تركيا في المستقبل، والدور الذي ستلعبه تركيا على الساحة الإقليمية والدولية، وحجم تأثيرها على طبيعة التوازنات الاستراتجية في النظام العالمي القادم الذي دعت تركيا مرارا إلى صياغته من جديد ، لأن النظام الدولي الراهن انتهت صلاحيته وفشل في تحقيق السلام العالمي .
ويبقى السؤال المهم في هذا السياق وهو: ما هي التحديات التي ستواجهها تركيا مستقبلا على المستوى الاستراتيجي والحضاري؟ وهل ستنج في تجاوزها؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نذكر بأن نوعية المشاريع العملاقة التي ستقوم بها تركيا و المشاريع التي هي بصدد انجازها تساعدنا على قراءة أو فهم رؤية صناع القرار الأتراك لمستقبل تركيا داخليا وخارجيا.
أهم هذه المشاريع نجد أولا مشروع المطار الثالث الذي سينتهي سنة ٢٠١٧ ، وسيكون أكبر مطار في العالم متقدما من حيث طاقة الاستيعاب على مطار فرانكفورت في ألمانيا، وستصبح الخطوط الجوية التركية الأولى عالميا من حيث حجم أسطولها الجوي، وستنافس أكبر الشركات الجوية العالمية. وقد أثار هذا المشروع انزعاج بعض الدول الغربية خصوصا ألمانيا التي يوجد فيها مطار فرانكفورت أكبر مطار في العالم الان.
ثانيا مشروع قناة استانبول التي ستكون بديلا عن مضيق البوسفور الذي سينتهي مهمته سة ٢٠٠٢٣ وفق مانصت عليه اتفاقية لوزان سنة ١٩٢٣ ، وستتحول قناة استانبول إلى أهم قناة تربط بين بحر مرمرة والبحر الاسود، وستستفيد تركيا كثيرا من الناحية الاقتصادية من هذه القناة، وستؤثر قناة استانبول على تحويل كل المناطق المحاذية لها من نقطة انطلاقها على البحر الاسود الى بحر مرمرة الى منطقة جذب واستثمار عالمي كبير مما سيحول استانبول الى مركز اقتصادي مهم جدا في العالم.
ثالثا هناك عدة مشاريع اخرى عملاقة كمشروع جسر ياووز سليم ومايحمله اسم هذا الجسر من حساسية تجاه العلويين و إيران وريثة الدولة الصفوية التي حاربها ياووز سليم وكاد ينهيها من الوجود. كذلك مشاريع أنفاق الطرق السريعة تحت البحر مما يعني أن تركيا  تدرك أهمية هذه المعابر تحت الماء في صورة ما اذا تم ضرب الجسور الرابطة بين القسم الاوروبي والآسيوي في استانبول. كما نجد أن تركيا دخلت عالم صناعة التسليح الحربي والنووي و على مستوى الاتصالات كالاقمار الصناعية وغيرها من المشاريع التي جعلت من تركيا قوة منافسة للدول المصنعة الكبرى في العالم.
كل هذه المشاريع العملاقة جعلت الغرب والدول الصناعية الكبرى تنظر إلى تركيا على أنها المارد الإسلامي الذي نهض من جديد، وقد يتحول إلى مصدر تهديد لها في المستقبل ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط بل في العالم الإسلامي، حيث تتواجد المصالح الغربية هناك.
تركيا الراهن لم تعد في نظر الغرب تركيا الجمهورية القديمة التي تم سلخها حضاريا، وفقدت كل مقومات العمق الاستراتيجي في المنطقة. تركيا اليوم أصبحت عاملا فاعلا في التوازنات الإقليمية والدولية. لذلك حاولت هذه الدول أن تربك الوضع السياسي داخل تركيا من خلال احداث غيزي بارك التي بينت التحقيقات تورط عدة دول أجنبية فيها ومنظمات دولية وبالتعاون مع بعض قوى المعارضة الداخلية في ذلك. لكن تركيا الجديدة استطاعت أن تتجاوز هذه التحديات والمؤامرات وتصر على الاستمرار في طريقها النهضوي والمضي قدما لكي تكون من مجموعة الدول الكبار في العالم.
إن مجموعة المشاريع المتنوعة التي ذكرناها سابقا على كافة المستويات تندرج ضمن ما يسمى مشروع تركيا الجديدة التي يسمى بتركيا سنة ٢٠٢٣ حيث سينتهي ١٠٠ عام على قيام الجمهورية التركية وانتهاء اتفاقية لوزان التي شكلت ضربة قاصمة لتركيا سنة١٩٢٣ وحرمتها من كل فاعلية استراتيجية وحضارية.
مشروع تركيا الجديدة التي تحدث عنه اردوغان سيكون عبر ثلاث محطات كبرى هي تركيا سنة ٢٠١٣ ، وتركيا سنة ٢٠٥٣، وتركيا سنة ٢٠٧٥. هذه المحطات تعكس بشكل جدي الرؤية الاستراتيجية والحضارية التي يعمل من اأجلها صناع القرار الاتراك الذين يدركون جيدا تحقيق هذه المحطات سيتعرض إلى تحديات كبيرة سواء داخليا من قبل بعض القوى المناهضة للمشروع الحضاري التركي ذي المرجعية الإسلامية، أو على المستوى الخارجي من قبل الدول الغربية والحضارة الغربية التي ترفض ان تلعب تركيا أي دور يساهم في تشكيل دورة حضارية إسلامية في العالم العربي والإسلامي.
نحن إذن أمام مشهد تكتنفه جدلية الاستراتيجية والحضارة في تشكيل ملامح المشروع الحضاري التركي الجديد الذي يتبنى ضمنيا نظرية الجامعة الاسلامية التي كان السلطان عبد الحميد الثاني قد دعا اليها، ثم فشل بسبب مؤامرة الانقلاب التي دبرتها القوى الداخلية مع القوى الغربية ضده.
تركيا أصبحت تتحدث مع الغرب ندا لند، وباتت تتمدد في العديد من المناطق في العالم ، وتهيمن على أسواق كبرى في الجمهوريات التركية في آسيا وفي المنطقة العربية وفي افريقيا و اميركا الجنوبية وفي منطقة البلقان واوروبا الشرقية. وهذه المناطق بقدر ماهي تمثل أسواقا اقتصادية مهمة الا أنها في الآن نفسه تمثل نفوذا استراتيجيا وحضاريا يساهم في تشكيل المشروع التركي في المستقبل. 
وطبعا سيتعرض هذا التمدد التركي إلى التصادم مع عدة قوى إقليمية ودولية طامعة في النفوذ والتمدد وأهمها إيران التي تسعى إلى الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الدول الغربية التي ستحاول إيقاف التمدد التركي ولجمه للحفاظ على مصالحهم في مناطق التمدد التركي.
تركيا وحسب الدراسات الغربية نفسها ستصبح في المستقبل قوة كبرى في العالم، وستكون فاعلا مؤثرا على طبيعة التوازنات في العالم وفي النظام العالمي الجديد الذي يسعى الغرب ان يشكله وفق معاييره ومصالحه وهو الامر الذي سيجعله يصطدم فيه مع تركيا الجديدة لاختلاف المصالح والأهداف.
خلاصة القول يمكننا أن نقول إن تركيا على الرغم من أنها خطت خطوات جبارة في إعادة عمقها الاستراتيجي والحضاري إلا أن المسافة أمامها مازالت طويلة جدا نحو تحقيق مشروعها الحضاري الذي آمن به صناع القرار لأتراك الحاليين. خصوصا إذا ما اعتبرنا أن حجم التحديات المستقبلية ستكون كبيرة جدا في ظل الأحداث الجارية الآن في منطقة الشرق الاوسط التي تتعرض إلى مخطط للتقسيم واعادة صياغتها من جديد، قد تكون تركيا إحدى هذه الدول المعرضة له. لقد حاولنا في هذه الدراسة ان نجمع بين ثنائية الاستراتيجية والحضارة لقراءة ملامح المشروع الحضاري التركي القادم في سياقه التاريخي وفي سياقه الزمني الراهن وملامحه في المستقبل وما ستكون عليه تركيا والمنطقة والعالم بشكل عام جيوسياسيا وجيوستراتيجيا. 

عن الكاتب

دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري 10609150_10152608518538150_1443413949_n

د. زبير خلف الله

كاتب - المركز العربي التركي للتفكير الحضاري

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري   دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Emptyالثلاثاء 31 يوليو 2018, 8:59 pm

دراسة: اتجاهات السياسة الخارجية التركية بعد انقلاب 15 تمسعيد الحاج - مركز الجزيرة للدراسات

مقدمة
منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة عام 1924 على يد مصطفى كمال، اتجهت السياسة الخارجية التركية نحو الغرب بالتناغم مع الرؤية التي سادت حينها بتفوق النموذج الغربي في الإدارة والسياسة الداخلية(1). وقد كان التهديد السوفيتي لتركيا ومطالبته بالسيادة على المضايق وبعض المدن التركية بعد الحرب العالمية الثانية عاملًا مساهمًا في انضمام تركيا بشكل نهائي للمحور الغربي أولًا من بوابة الحماية الأميركية(2)، ثم من خلال عضوية حلف الناتو عام 1952، التي كانت إعلانًا رسميًّا عن انتماء أنقرة للكتلة الغربية كقاعدة متقدمة للناتو لوقف التمدد الشيوعي خلال الحرب الباردة(3).
جاء حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002 بعد انتهاء الحرب الباردة وفق رؤية تحاول نقل تركيا من دولة تلعب دور الجسر بين الشرق والغرب إلى "دولة مركز" ذات تأثير ودور في محيطها يعززان من مكانتها الدولية(4). وقد عملت تركيا على مدى سنوات طويلة وفق نظريات مهندس سياستها الخارجية، البروفيسور أحمد داود أوغلو، على انتهاج سياسة متعددة المحاور في محاولة لمنحها بعض التوازن وزيادة هامش المناورة والاستقلالية لديها(5).
بيد أن عددًا من المتغيرات، في مقدمتها: الانقلاب في مصر، وتعقُّد الأزمة السورية، وتصعيد حزب العمال الكردستاني، وتسارع المشروع السياسي الكردي في شمال سوريا أدَّى إلى إخفاقات تركية متلاحقة على الصعيد الإقليمي وإلى عزلة عانت منها تركيا، وعمَّق من آثارها التوتر مع حلفائها الغربيين. الأمر الذي دفع بها إلى مراجعات وتراجعات في سياستها الخارجية وفق مبدأ "زيادة عدد الأصدقاء وتخفيض عدد الخصوم" مع تولِّي بن علي يلدرم رئاسة حزب العدالة والتنمية الحاكم والحكومة في مايو/أيار 2016(6)، وتجلَّى ذلك سريعًا في عودة سفير دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أنقرة واتفاق المصالحة مع تل أبيب وتسارع عملية التقارب مع روسيا.
الانقلاب والسياسة الخارجية
لا تقتصر تأثيرات المحاولة الانقلابية على المشهد السياسي الداخلي لتركيا، بل تؤثِّر أيضًا في سياستها الخارجية لعدة اعتبارات، أهمها:
أولًا: السياسة الخارجية هي في أحد أبعادها انعكاس للمشهد السياسي الداخلي كأحد عناصر قوتها.
ثانيًا: كانت سياسة تركيا الخارجية أحد أهم أسباب الانقلاب، نظريًّا وواقعيًّا حسب البيان الأول للانقلابيين(7).
ثالثًا: يسعى من يقوم بانقلاب عسكري إلى السيطرة الميدانية في الداخل والاعتراف به من الخارج، ولذلك فلا يمكن تصور التخطيط لانقلاب عسكري دون الحصول على دعم خارجي ولو على شكل ضوء أخضر بالحد الأدنى، وبالتالي يحمل الانقلاب رسالة خارجية لها تداعياتها على السياسة الخارجية للبلاد.
رابعًا: أدت الإجراءات الحكومية في مرحلة ما بعد الانقلاب إلى تغييرات جذرية في عدد من مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، وطالت قطاعات وشخصيات مسؤولة عن ملفات خارجية في مقدمتها الملف السوري، بما يؤثِّر بشكل مباشر في إمكانات وبالتالي في دور تركيا في هذه الملفات. 
ويمكن تناول تأثير الانقلاب الفاشل على السياسة الخارجية التركية في ثلاثة مستويات زمنية:
1- المدى القريب: سِمَته الرئيسة انكفاء السياسة الخارجية التركية على مدى أسابيع تحت ضغط الملفات الداخلية، وفي مقدمتها: ضبط الأمن، وتسريع ملف التحقيق في قضية الانقلاب، وتصفية أنصار "تنظيم غولن" من مؤسسات الدولة، وإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية.
2- المدى المتوسط: استئناف أنقرة لنشاط سياستها الخارجية في سياق التهدئة وتخفيف حدَّة الاحتقان مع مختلف الأطراف خصوصًا دول الجوار بحيث تتجنب مزيدًا من الضغوط في الفترة الانتقالية، مع توتر متوقع بدرجة ما في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
3- المدى البعيد: إثر المواقف التي اعتبرتها أنقرة رمادية أو مخيِّبة للآمال من حلفائها الغربيين، يمكن توقع سعيها للعودة إلى السياسة الخارجية متعددة المحاور التي انتهجتها لسنوات طويلة، بتطوير العلاقات مع كلٍّ من روسيا والصين وإيران، وهي السياسة التي تعرضت لانتكاسة بعد القطيعة مع روسيا إثر إسقاطها لمقاتلتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
حلفاء تركيا الغربيون
انضمت تركيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952 واعتبرت منذ ذلك الحين قاعدة الحلف المتقدمة في مواجهة المدِّ الشيوعي، وتقدمت بطلب عضوية الجمعية الأوروبية عام 1959، وهو المسار الذي اختُتِم ببدء مفاوضات العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي عام 2005.
وبقيت العلاقات التركية-الأميركية تتراوح بين الانفتاح والتأزم طيلة فترة الحرب الباردة، ثم تقارَبَ الطرفان بعد انتهائها وأعلنا "شراكة استراتيجية"(Cool عام 1995، قبل أن يؤزِّم الغزو الأميركي للعراق العلاقات الثنائية إثر رفض تركيا المشاركة والسماح باستخدام قواتها(9)، ثم بشَّر الرئيس الأميركي، أوباما، العالم الإسلامي بـ"النموذج التركي"(10) عام 2009، قبل أن تختلف الرؤى مرة أخرى بعد الثورات العربية وخصوصًا السورية.
إضافة إلى العلاقات التركية المتوترة مع حلفائها الغربيين، بسبب الخلافات في الرؤى حول الأزمة السورية وقضايا المنطقة المختلفة واتفاق الإعادة الخاص باللاجئين وغيرها من الملفات، فقد وضعت المحاولة الانقلابية الفاشلة هذه العلاقات أمام تحديات إضافية، أهمها:
1- الموقف من الانقلاب وتبعاته: صدرت مواقف رسمية وتسريبات إعلامية تركية تتهم الولايات المتحدة تحديدًا بالتواطؤ مع الانقلابين مستعينة بتاريخ الانقلابات التركية الأربعة التي كانت واشنطن عادة خلفها ومن بعض التفاصيل التي سُرِّبت عن ليلة الانقلاب وأهمها انطلاق طائرات من قاعدة إنجيرليك لتزويد المقاتلات المشاركة في الانقلاب بالوقود(11)، حتى وصل الأمر بصحيفة محسوبة على الحكومة التركية إلى اتهام البنتاغون والجنرال جون كامبل، قائد القوات الدولية في أفغانستان (?SAF)، بالتخطيط للانقلاب(12). كما انتقد أكثر من مسؤول تركي التفاوت بين مستوى المواقف الأوروبية من الانقلاب ومن الإجراءات الحكومية التي تلته(13). وفي المقابل، صدرت مواقف وتصريحات رسمية أميركية تحمل تحذيرًا مبطنًا للحكومة التركية من مغبة الزجِّ باسم واشنطن في قائمة المتورطين في المحاولة الانقلابية(14). 
2- تسليم غولن: تطالب أنقرة واشنطن بتسليمها فتح الله غولن باعتباره رأس التنظيم المصنَّف إرهابيًّا في تركيا والمسؤول عن المحاولة الانقلابية تخطيطًا وتنفيذًا، بينما تطالب الأخيرة بأدلة قانونية قبل تسليمه وفق اتفاقية "إعادة المجرمين، والمساعدة المتبادلة في الجرائم الجنائية" الموقَّعة بينهما عام 1979، الأمر الذي اعتبره المسؤولون الأتراك مماطلة وتفضيلًا أميركيًّا لغولن على العلاقات مع تركيا(15).
3- العلاقة مع روسيا: سرَّع الانقلاب، وخصوصًا الموقف الروسي المتقدم والسريع منه في مقابل المواقف الغربية غير المُرضِية لأنقرة، من خطوات المصالحة بينها وبين موسكو، فزار الرئيس التركي روسيا للقاء بوتين واتفقا على إعادة العلاقات الاقتصادية وتشكيل لجنة ثنائية لدراسة التعاون في سوريا(16). كما زار وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنقرة ولقي حفاوة واضحة من المسؤولين الأتراك؛ الأمر الذي أثار نقاشات في الغرب حول دور تركيا وموقعها في المنظومة الغربية، بين تحليلات ترى أنها لم تعد شريكة موثوقة للولايات المتحدة والغرب(17)وتصريحات رسمية أكدت على أهمية عضويتها في حلف الناتو(18).
4- الإجراءات الحكومية وعقوبة الإعدام: أبدت عدَّة شخصيات ومؤسسات أوروبية قلقها من توسع الحكومة التركية في عمليات التوقيف على ذمة التحقيق بالانقلاب والعدد الكبير من الموقوفين مؤقتًا من أعمالهم في مختلف المؤسسات التركية(19). وأدَّى تلويح القيادات السياسية التركية بإمكانية إعادة حكم الإعدام تجاوبًا مع المطالب الشعبية إلى تهديدات أوروبية بإغلاق ملف عضوية تركيا تمامًا باعتبار أن الحكم كان قد أُلغي في تركيا عام 2004 ضمن بروتوكولات موقَّعة مع الاتحاد في سياق المواءمة مع الشروط الأوروبية(20). وقد قوبلت هذه المواقف الأوروبية بتصريحات تركية حادَّة من قبيل التهديد بعمل استفتاء شعبي للعدول عن مسار دخول الاتحاد الأوروبي أو عدم تطبيق الجزء المتعلق بتركيا من اتفاق الإعادة الخاص باللاجئين إن لم يحرر الاتحاد فيزا شينغن(21).
وأبدى مسؤولون أميركيون انزعاجهم من العدد الكبير من العسكريين من الرتب العليا الذين أُقْصُوا من المؤسسة العسكرية خشيةً من تأثر العمليات التركية-الأميركية المشتركة ضد تنظيم الدولة(22)، ووصل بعض التصريحات حدَّ التهديد بإخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي(23)، فضلًا عن بعض التقارير والدراسات التي أشارت إلى قلق واشنطن على الرؤوس النووية الموجودة في قاعدة إنجيرليك العسكرية بعد الانقلاب(24).
العلاقات مع روسيا وإيران
رغم تاريخها الحافل بالحروب مع روسيا ثم المواجهة معها كجزء من حلف الناتو طوال فترة الحرب الباردة، وضمن سعيها لإضفاء شيء من التوازن على سياستها الخارجية، طوَّرت تركيا في عهد العدالة والتنمية علاقاتها مع كل من موسكو وطهران، خاصة الاقتصادية منها، بل وخرجت عن أطر السياسة الخارجية المعتمدة أوروبيًّا وأميركيًّا بالتعامل معهما؛ إذ خرقت الحظر المفروض على إيران وأبرمت معها ومع البرازيل اتفاقًا لتصدير اليورانيوم(25)، ولم تلتزم تمامًا بالعقوبات الأوروبية الاقتصادية على روسيا.
ضمن هذه السياسة، وخصوصًا مع جمود ملف عضويتها في الاتحاد الأوروبي، سعت أنقرة لدخول منظمة "شنغهاي" التي أضحت "شريكًا للحوار" فيها عام 2013 وتقدمت لعضويتها عام 2014(26). كما سعت لشراء منظومة صاروخية دفاعية بعيدة المدى من الصين، قبل أن يتعرض المساران لانتكاسة مع أزمة إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت(27).
دوافع التقارب التركي مع روسيا وإيران
وتقف دوافع عديدة وراء التقارب التركي مع كلٍّ من روسيا وإيران، أهمها:
أولًا: الخسائر الاقتصادية التي تعرضت لها تركيا بعد الأزمة من روسيا، حيث تراجع حجم التبادل التجاري بينهما من 32 مليار دولار عام 2013 إلى 24 مليار دولار عام 2014(28)، وتوقَّف تدفق السياح الروس الذين كانوا يشكلون الكتلة الثانية بعد الألمان بعدد يقارب 4.5 ملايين سائح وعائدات قُدِّرت بـ 3 مليارات دولار، كما جُمِّدت مؤقتًا مشاريع استراتيجية بالنسبة لتركيا مثل مشروعي محطة "أك كويو" للطاقة النووية و"السيل التركي" (Turkish Stream) للغاز الطبيعي اللذين يبلغ حجم الاستثمار الإجمالي فيهما 40 مليار دولار.
ثانيًا: ارتباط أمن الطاقة التركي بالدولتين إلى حدٍّ كبير؛ حيث تستورد تركيا 55% من حاجتها من الغاز الطبيعي و7% من حاجتها من النفط من روسيا(29)، وتستورد 16% من حاجتها من الغاز الطبيعي و26% من حاجتها من النفط من إيران(30).
ثالثًا: موقف كلٍّ من روسيا وإيران السريع والواضح الداعم للحكومة التركية في مواجهة الانقلاب، إضافة للدعوة الروسية لأردوغان لزيارة سان بطرسبورغ وزيارة ظريف لأنقرة.
رابعًا: خيبة الأمل التركية من المواقف الغربية إثر الانقلاب والتي اعتبرتها غير كافية ومتأخرة(31).
خامسًا: رغبة أنقرة بالعودة للتوازن في محاور سياستها الخارجية بالاتجاه شرقًا في ظل شعورها بعد الاطمئنان للمواقف الغربية إلى جانبها، أولًا إثر إسقاط المقاتلة الروسية ثم لاحقًا مع الانقلاب العسكري.
سادسًا: في ظل انكفاء تركيا على ملفاتها الداخلية سيناسبها تهدئة بعض الملفات الخارجية المتأزمة وفي مقدمتها الملف السوري الذي تملك روسيا تحديدًا كلمة نافذة فيه، سيما في جزئية الفصائل الكردية المسلحة التي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية وترى مشروعَها في شمال سوريا خطرًا على أمنها القومي.
جاءت تقييمات الطرفين الروسي والتركي لزيارة أردوغان إلى روسيا إيجابية، في ظل الاتفاقات الاقتصادية، وبذور التفاهم حول سوريا، وصولًا لتصريحات تركية بإمكانية فتح قاعدة إنجيرليك ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للناتو أمام المقاتلات الروسية(32).
لكن هذا الانفتاح التركي على كلٍّ من روسيا وإيران تعترضه عقبات رئيسة، منها:
1- ما زالت الأطراف في بداية الطريق لتصويب العلاقات، في ظل أزمة ثقة تسبَّبت بها أزمة إسقاط المقاتلة الروسية.
2- ليس لدى تركيا ضمانات حول ما يمكن أن تقدِّمه لها روسيا أبعد من الملف الاقتصادي خصوصًا في الأزمة السورية؛ مما يجعل الخطوات التركية حذرة وبطيئة خشية استغلال موسكو للتقارب معها دون مكاسب حقيقية لها.
3- الملفات الخلافية الكثيرة، وفي مقدمتها الأزمة السورية وإقليم ناغورنو كاراباخ والقرم وغيرها.
4- الوضع الميداني في سوريا الذي يضع البلدين عمليًّا وجهًا لوجه من خلال تقدم المعارصة المدعومة تركيًّا، وقصف الطائرات الروسية لها.
5- الموقف الأميركي والأوروبي المتوجس من التقارب التركي-الروسي في ظل توتر العلاقات مع أنقرة، والمشكِّك في مصداقية النوايا الروسية.
6- تضع تركيا في حسبانها مواقف الدول الداعمة للمعارضة السورية، مثل السعودية وقطر، التي قد لا تؤيد تقاربها مع موسكو.
السيناريوهات المستقبلية
بالنظر إلى المسار التاريخي للسياسة الخارجية التركية ورؤية العدالة والتنمية لها، ثم متغيراتها ما قبل المحاولة الانقلابية والتداعيات بعدها، وبعد انقضاء المرحلة الأولى التي ركزت فيها أنقرة على المشهد الداخلي بشكل شبه حصري، يمكن القول بأنها ستستمر على المدى المتوسط في مسيرة المصالحات مع مختلف الأطراف لتخفيف الضغط الخارجية عنها.
أما على المدى الاستراتيجي، فثمة عوامل ثلاثة رئيسة محدِّدة لمسار سياسة تركيا الخارجية:
- الرؤية التركية لسياستها الخارجية. 
- السقف الروسي في احتواء تركيا بعيدًا عن الناتو. 
- الموقف الأميركي-الغربي من التقارب التركي-الروسي.
ويمكن رصد ثلاثة سيناريوهات محتملة لبوصلة السياسة الخارجية التركية على المدى البعيد:
الأول: الاتجاه شرقًا لتحسين علاقتها مع الغرب، بمعنى أن لا يكون التقارب مع موسكو وطهران قرارًا استراتيجيًّا للفكاك من المحور الغربي، بل للضغط على واشنطن والمحور الأوروبي-الأطلسي، طبقًا لنظرية "القوس والسهم" التي اجترحها داود أوغلو(33). وهو السيناريو الأوفر حظًّا لعدة أسباب، أهمها: عمق العلاقات التركية-الغربية، ومصالح حلف الناتو في تركيا، التي منها: قاعدة إنجيرليك العسكرية، وصعوبة التغييرات الجذرية في السياسة الخارجية وكلفتها، وتعارض مصالح تركيا مع مصالح كل من روسيا وإيران في معظم الملفات ذات الاهتمام المشترك.
الثاني: موازنة محاور السياسة الخارجية، لتعود مجددًا متعددة المحاور بما يعطي لتركيا مساحة من الاستقلالية النسبية في قراراتها المتعلقة بعدد من الملفات كقضايا الإقليم الخلافية مع معظم الأطراف. وفق هذا المسار يمكن لأنقرة أن تبقى عضوًا في حلف الناتو وضمن مسار عضوية الاتحاد الأوروبي بالإضافة لسعيها لدخول منظمة شنغهاي وزيادة وتيرة التعاون الاقتصادي مع كلٍّ من روسيا والصين وإيران. وهو سيناريو أقل حظًّا من سابقه، ويمكن أن يحظى بفرصة فقط في حال وجود رغبة قوية لدى الطرفين التركي والروسي بتعاون حقيقي، وتعزز من فرصه الخلافاتُ التركية-الأوروبية الآخذة بالاتساع، وأي حلٍّ للأزمة السورية قد يُنهي التناقض بين الطرفين فيها.
الثالث: رسم مسار مستقل للسياسة الخارجية التركية، يمكن أن يخرجها من عضوية أحد المحورين أو التبعية له، لتكون رائدًا لمحور إقليمي يضم كلًّا من السعودية وقطر وقد يُضمُّ له لاحقًا بعض دول الخليج و/أو مصر، أو محور دولي يضم الدول النامية البعيدة عن استقطاب المحاور، مثل: الصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا. وهو سيناريو ضعيف الاحتمال لعدة سياقات، أهمها: محدودية إمكانات الدول الإقليمية المذكورة وضعف التنسيق بينها وبين تركيا، وصعوبة تشكُّل محاور خارج دائرة الاستقطاب الأميركي-الروسي.
السياسات الإقليمية
سارت تركيا قبل المحاولة الانقلابية في طريق المصالحات مع عدة أطراف في الإقليم، الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي وروسيا، مع إشارات على مصالحات أو متغيرات محتملة مع دول أخرى، مثل: مصر والعراق وسوريا.
أما بعد الانقلاب، فستتشكل سياسات أنقرة الإقليمية وفق المحددات التالية:
1- المحددات العامة للسياسة الخارجية التركية، مثل: الموقع الجيوبوليتيكي، والقوة والمصالح الاقتصادية، والخلفية التاريخية للسياسة الخارجية ومحاورها، والأمن القومي، ورؤية القيادة السياسية، وغيرها.
2- تغليب التركيز على المشهد السياسي الداخلي.
3- التأثر بالمسار الرئيس للسياسة الخارجية ببُعدها الدولي على مستوى العلاقة مع كل من واشنطن وموسكو.
4- التناغم مع استحقاقات التقارب مع روسيا.
5- مواقف الدول الإقليمية خلال المحاولة الانقلابية وما بعدها.
وعليه، فالمتوقع في سياسات تركيا الإقليمية، سيما المتعلقة بالمنطقة العربية، ما يلي:
أولًا: دعم عملية المصالحات بما قد يشمل سوريا والعراق(34).
ثانيًا: الانكفاء والبُعد عن التأثير في قضايا عربية معينة، في مقدمتها: الفلسطينية واليمنية والمصرية.
ثالثًا: البعد عن المواقف الحادة والسقوف العالية في الخطاب فيما يتعلق ببعض الدول الإقليمية سيما إيران ومصر، خصوصًا بعد الإشارات الإيجابية التي صدرت عن القاهرة مؤخرًا(35).
رابعًا: انخفاض سقف الشروط التركية لحل الأزمة السورية بما يتوافق مع متطلبات التقارب مع روسيا ومع أولوية الملف الكردي في سوريا بالنسبة لأنقرة، بما في ذلك الرضى الضمني ببقاء الأسد على رأس السلطة لفترة قادمة(36).
خامسًا: التركيز على الملف الاقتصادي وتنمية التعاون مع مختلف الأطراف في المجالات التجارية، سيما روسيا وإيران.
خاتمة
افتتح فشل المحاولة الانقلابية في الخامس عشر من يوليو/تموز الماضي، مرحلة جديدة ومختلفة في السياسة الداخلية التركية على مستوى العلاقات المدنية-العسكرية وعلاقة الحزب الحاكم بالمعارضة وبنية النظام السياسي بالإجمال. وأدَّى أيضًا إلى انعكاسات عميقة على السياسة الخارجية التركية بما هي انعكاس -بدرجة أو بأخرى- للمشهد السياسي الداخلي وبما تضمَّنه الانقلاب من رسائل من الخارج فضلًا عن تأثيره على علاقات تركيا مع مختلف الأطراف تبعًا لمواقفها خلال الانقلاب وبعده.
وإن كانت تركيا قد تخطَّت على مدى الأسابيع القليلة الماضية المرحلة الأولى التي انكفأت فيها تمامًا على السياسة الداخلية، فقد بدأت المرحلة الثانية باستئناف مسيرة المصالحات مع مختلف دول المنطقة. بينما سيكون عليها في المرحلة الثالثة -على المدى البعيد- أن ترسم معالم سياستها الخارجية استراتيجيًّا.
وبالنظر إلى الخلفية التاريخية لعلاقات تركيا الغربية واستحقاقات تموضعها في حلف شمال الأطلسي منذ بداية الحرب الباردة وحتى الآن إضافة إلى واقع الملفات الخلافية مع المحور الروسي-الإيراني، فإن المنتظر من أنقرة هو العمل على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع هذا المحور قدر الإمكان واستثمار العلاقات النامية معه للضغط لتحسين موقعها في المنظومة الغربية على المدى البعيد من ناحية أخرى، فيما سيبقى الدور التركي في قضايا الإقليم (سيما العالم العربي) فرعًا من التصور العام للسياسة الخارجية التركية وتبعًا لمسارات التهدئة والتقارب مع روسيا.
مراجع
1- محفوظ، عقيل سعيد، السياسة الخارجية التركية الاستمرارية-التغيير، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2012)، ص 40-42.
2- Uslu, Nasuh, The Turkish-U.S. Relationships Between 1947 and 2003: The History of a Distinctive Alliance, (Nova Science Publishers ?nc., New York, 2003), p. 111.
3- Ceylan, Musa, Yeni Nato So?uk Sava?tan S?cak Sava?a, (Ülke Kitaplar?., ?stanbul, 1999), p. 20.
4- داود أوغلو، أحمد، العُمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة: محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل، (مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2010)، ص 608-611.
5- المصدر السابق، ص 614-615.
6- يلدريم: سنزيد أصدقاء تركيا ونقلِّص أعداءها في المنطقة والعالم، وكالة الأناضول للأنباء، 16 يونيو/حزيران 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/CuSrPs  
7- ذَكَر البيان "إعادة كسب المكانة الدولية التي خسرتها الدولة" ضمن أهداف الانقلاب. انظر مثلًا:
نص بيان انقلاب تركيا الفاشل، الجزيرة نت، 17 تموز/يوليو 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/dNHzRS  
8- TÜS?AD ABD Temsilcili?i De?erlendirme Raporu, ‘’Türk- Amerikan ?li?kilerine Bak??: Ana Temalar ve Güncel Geli?meler’’, Temmuz 2002, p. 3. at: http://goo.gl/qLjx6E  
9- Hale, William, Turkey, the US and ?raq, (SOAS Middle East Series, SAQI in association with London Middle East ?nstitute SOAS, London, 2007), p. 114.
10- Remarks By President Obama To The Turkish Parliament, The White House, 6 April 2009, (Entrance Date: 17 August 2016):http://goo.gl/jcKC3U  
11- تركيا.. طائرات انطلقت من «إنجرليك» زوَّدت مقاتلات الانقلاب بالوقود جوًّا 20 مرة، الخليج الجديد، 30 يوليو/تموز، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://thenewkhalij.org/ar/node/42956  
12- صحيفة تركيَّة: هكذا قاد الجنرال الأميركي الانقلاب في تركيا، عربي 21، 26 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/QwiZaF  
13- وزير تركي: من ينتقد تركيا الآن عليه توجيه هذه الانتقادات للسيسي الانقلابي في مصر، TRT العربية، 23 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/VFTROl  
14- واشنطن ترد على الاتهامات التركية بدعم الانقلاب الفاشل، الحرة، 10 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://www.alhurra.com/a/us-response-military-coup/318494.html  
15- يلدريم: قد نعيد النظر في علاقتنا مع واشنطن إذا رفضت تسليمنا غولن، ديلي صباح العربية، 18 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/D2vxI4  
16- أردوغان وبوتين يتفقان على إنشاء لجنتين لبحث الأزمة السورية، العالم، 10 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://www.alalam.ir/news/1849027  
17- COOK, Steven, and KOPLOW, Michael J., Turkey is No Longer a Reliable Ally, The Wall Street Journal, 10 August 2016, (Entrance Date: 17 August 2016): http://goo.gl/bg1y8N  
18- الناتو: عضوية تركيا في الحلف ليست موضع نقاش، الجزيرة نت، 10 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/AZuX48  
19- بروكسل تحذِّر أنقرة بتجميد مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، روسيا اليوم، 29 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): https://goo.gl/dj27DV 
20- موغيريني تحذِّر تركيا من تفعيل عقوبة الإعدام، الميادين، 22 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/52pe2H  
21- جاويش أوغلو يلوِّح مجددًا بإمكانية تراجع تركيا عن "إتفاقية إعادة اللاجئين"، تركيا بوست، 1 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016):http://www.turkey-post.net/p-145897/  
22- جنرال أميركي: حلفاؤنا في الجيش التركي في السجون، الجزيرة نت، 29 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/2g8oTT  
23- Kerry Warns Turkey That Actions Could Have NATO Consequences, Foreign Policy, 18 July 2016, (Entrance Date: 17 August 2016): http://goo.gl/Edp1Ow  
24- US nukes in Turkey vulnerable to ‘terrorists & other hostile forces’ – think tank, RT, 15 August 2016, (Entrance Date: 17 August 2016): https://goo.gl/kzfC5c 
25- اتفاق تركي-إيراني-برازيلي لتبادل اليورانيوم بالوقود النووي، فرانس 24، 17 مايو/أيار 2010، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/LR7RJf  
26- تركيا تنضم "كشريك حوار" لمنظمة شنغهاي وتقول إن مستقبلها في آسيا، رويترز، 26 إبريل/نيسان 2013، (تاريخ الدخول: 17 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/AC66pt 
27- الحاج، سعيد، "انعكاسات الأزمة مع روسيا على تركيا استراتيجيًّا"، الجزيرة نت، 14 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/f7pbSu  
28- اقتصاد الاتحاد الروسي، موقع وزارة الخارجية التركية، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016): http://www.mfa.gov.tr/rusya-ekonomisi.tr.mfa  
29- تركيا تحتاج 72 مليار متر مكعب من الغاز بحلول 2030، وكالة الأناضول للأنباء، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/CnirYc  
30- ?NAT, Kemal, Türkiye – ?ran Ekonomi ?li?kileri, (SETA, ?stanbul, July 2015): http://goo.gl/pnCo7e  
31- أردوغان: من نصبوا فخ الانقلاب لتركيا وقعوا فيه، ديلي صباح العربية، 30 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/kKiZTI  
32- هل ستسمح تركيا للطائرات الحربية الروسية باستخدام قاعدة "إنجيرليك" الجوية، تركيا بوست، 17 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://www.turkey-post.net/p-148626/  
33- داود أوغلو، العمق الاستراتيجي، ص 145.
34- يلدريم: سنشهد تطورات جميلة في سوريا مثلما حلَلْنا مشاكلنا مع إسرائيل وروسيا، رأي اليوم، 10 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://www.raialyoum.com/?p=496834  
35- الخارجية المصرية: نرحب بأي جهد جاد وحقيقي للتقارب مع تركيا، وكالة الأناضول للأنباء، 14 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016):http://goo.gl/pMRPUJ  
36- رئيس الوزراء التركي: اقتربنا من الحل للأزمة السورية، سبوتنيك نيوز، 15 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 18 أغسطس/آب 2016): http://goo.gl/cAQH6n 

عن الكاتب

دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري 10001333_627900503948167_1754359438_n

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي

وز

نشر بتاريخ 01 سبتمبر 2016
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري   دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Emptyالثلاثاء 31 يوليو 2018, 9:00 pm

دراسة: خمس أسئلة حول محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تمفيصل قورت - سيتا​

1- ما هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي الذي كان العامل الأساسي في محاولة الانقلاب العسكري ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز؟ ولماذا حاول القيام بانقلاب؟
2- ما هي الأسباب التي أدت لفشل محاولة الانقلاب هذه؟
3- هل تم دحر الانقلاب بشكل كام والتخلص منه ؟ ولماذا الناس في الشوارع حتى الآن؟
4- كيف يمكن تفسير البعد الدولي لهذه المحاولة الانقلابية؟
5- كيف ينبغي تقييم مسألة إعادة الولايات المتحدة الأمريكية لـ"فتح الله غولن"؟
 
1- ما هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي الذي كان العامل الأساسي في محاولة الانقلاب العسكري ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز؟ ولماذا حاول القيام بانقلاب؟
في ليل الخامس عشر من يوليو، حاولت مجموعة من العسكريين داخل القوات المسلحة التركية القيام بانقلاب عسكري بهدف السيطرة على النظام السياسي الديمقراطي في تركيا، عن طريق أساليب إرهابية. وصرح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن هذه المجموعة تُدار من قبل تنظيم فتح الله غولن الإرهابي. وبعد تصريح رئيس الجمهورية جاء تصريح أخر من رئاسة الأركان. ووصف التصريح المنشور على الموقع الرسمي لرئاسة الأركان هذه المجموعة بمحاولات الإرهابيين الخونة المنتسبين لعصابة غير شرعية تغلغلت داخل القوات المسلحة التركية. عبارات مشابهة وردت في أقوال بعض القادة ذوي الرتب العالية المشاركين في محاولة الانقلاب، والتي أدلوا بها للنيابة بعد  القبض عليهم. وطبقاً للأخبار التي نشرتها الصحافة فقد اعترف كبير المرافقين العسكريين (كبير الياوران) لرئيس الأركان خلوصي آقار، بأنه عضو بتنظيم فتح الله غولن الإرهابي، وأنه كان يتنصت على رئيس الأركان بناء على تعليمات من أحد مديري التنظيم (الأخ الكبير). علاوة على ذلك صرح كل من رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، وئيس حزب الحركة القومية (معارض) دولت بهتشلي بأنهم متفقان في الرأي بخصوص ذلك الأمر. هذه التصريحات تظهر بوضوح أنه هناك إجماع على أن العامل الرئيسي وراء تلك المحاولة هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي. 
ويمكن القول بأن هذا التنظيم الذي تحرك ليل الخامس عشر من يوليو كان يتحرك في إطار خطة من ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى كانت السيطرة على رئاسة الأركان. لهذا السبب حاولوا إجبار قادة القوات وعلى رأسهم رئيس الأركان، على التوقيع على بيان الانقلاب. وبهذا كانوا سيزعمون أن الانقلاب تم في إطار التسلسل القيادي داخل الجيش.
المرحلة الثانية كانت تأمين السيطرة الميدانية في كل أرجاء البلاد. وكانت العديد من الوحدات المؤيدة للمجموعة الانقلابية ستتحرك وتمنع المقاومة لحركة الانقلاب في كل تركيا. وكان قصف مباني الوحدات المسلحة التي يمكنها مقاومة الانقلاب مثل القوات الخاصة وقوات التدخل السريع والمخابرات لتحييد تلك الوحدات هو جزء من تلك المرحلة. في الوقت نفسه تم إغلاق الجسور باسطنبول بهدف قطع طرق الامدادات للتحرك المضاد للانقلاب وخلق حالة من الذعر لدى المواطنين. وكان هجومهم على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية TRT وإجبارهم إحدى المذيعات على قراءة بيان الانقلاب بالقوة مناورة منهم لخلق تصور بأن الانقلاب قد نجح. ولكي تنجح المجموعة الانقلابية التي تدار من قبل تنظيم فتح الله غولن الإرهابي، في محاولتها للانقلاب قامت بقصف بعض المنشآت والمباني العامة وعلى رأسها البرلمان والمجمع الرئاسي، كما استخدموا السلاح في ضد المدنيين وقوات الأمن المقاومين للانقلاب. وعلاوة على كل ذلك نظم الانقلابيون عملية لاغتيال رئيس الجمهورية أثناء تواجده في "مرمريس" وأسفرت تلك التحركات المسلحة عن استشهاد 208 من قوات الأمن والمدنيين، وإصابة 1491 شخصاً.
أما المرحلة الثالثة فكانت إقامة نظام سياسي واجتماعي جديد عن طريق تأسيس قيادات الأحكام العرفية. إلا أن المقاومة التي أبدتها الاستخبارات والقوات الخاصة والتدخل السريع والشعب، والخطة لا تزال في مرحلتيها الأولى والثانية أفشلت الموجة الأولى من محاولة الانقلاب.
ظهر تنظيم فتح الله غولن الإرهابي منذ بدايات الثمانينات كجماعة يتزعمها فتح الله كولن استخدمت الخطاب الديني للتغلغل في كل المجالات البيروقراطية والسياسية والاجتماعية والحياة العملية.واستغلت المجموعة المذكورة  إمكاناتها وكونت تنظيماً موازياً داخل مؤسسات الدولة خاصة داخل سلكي الأمن والإدارة المدنية.
وتحركت هذه الجماعة السرية والمنغلقة لسنوات مثل جماعة مسيانية أكثر من كونها جماعة دينية، واستطاعت التوغل داخل مؤسسات القطاع العام.
 واتضح أن هذا التنظيم دخل في صراع على السلطة في تركيا لأول مرة مستخدماً وسائل غير مشروعة عندما سعى لاعتقال رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية هاقان فيدان. وفي السابع عشر والخامس والعشرين من ديسمبر/كانون أول عام 2013 قام التنظيم بتحريك خلاياه النائمة داخل سلكي القضاء والأمن، وتحول هذا التنظيم إلى واحد من أهم مصادر الوصاية البيروقراطية  في تركيا. وكانت محاولة الانقلاب في السابع عشر والخامس والعشرين من ديسمبر هي محاولة من التنظيم نفسه لإسقاط السلطة باستخدام القضاء. وبعد هذه المرحلة بدأت تظهر العديد من المؤامرات وعمليات الابتزاز التي قام بها التنظيم بدأ يفقد مشروعيته في نظر السياسة والمجتمع.
أجريت عمليات ناجحة في السنوات الثلاث الأخيرة ضد هذا التنظيم الذي يعرف باسم الكيان الموازي. وبدلاً من أن يحاول المنتسبون لهذا التنظيم إثبات برائتهم في القضايا التي رفعتها  المؤسسات القضائية بالدولة ضد التنظيم، فروا إلى خارج البلاد وقاموا بأنشطة اللوبيات. وقام التنظيم بمحاولات عدة من أجل الهدف نفسه  ولكنه لم يستطع أبداً أن يحقق النتيجة التي يرجوها، فبدأ في التطرف أكثر يوماً عن يوم، وحاول أن يعرقل الحكومة حتى حربها ضد الإرهاب. ولم تفلح كل جهود التنظيم للإطاحة بالحكومة عن طريق الوسائل غير المشروعة لذا قام باتخاذ خطوة جديدة في الخامس عشر من تموز كانت بمثابة الهجمة الانتحارية الأخيره له. فقام منتسبو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي داخل الجيش بمحاولة القيام بانقلاب عسكري خارج إطار التسلسل القيادي بالجيش. وكانت هذه المحاولة الانقلابية أكبر دليل على أن تنظيم فتح الله غولن الإرهابي قد أصبح تنظيماً مسلحاً. مثل هذه المحاولة لم تحدث في تركيا في أي من الانقلابات التي شهدتها البلاد في أعوام 1960، و1971، و1980، و1997.
2- ما هي الأسباب التي أدت لفشل محاولة الانقلاب هذه؟
يمكن تقييم فشل محاولة الانقلاب هذه في إطار أربعة عوامل
العامل الأول هو تعبير الشعب عن إرادته الرافضة للانقلاب وخروجه للشوارع والميادين استجابة لدعوة رئيس الجمهورية أردوغان. فمنذ الساعات الأولى تجمع الشعب في الأماكن والنقاط الحساسة التي احتلتها وحدات الانقلابيين وقاوموهم.
وحال وضع المعدات والسيارات الشخصية أمام الثكنات العسكرية دون خروج المزيد من الوحدات العسكرية من ثكناتها. كما منعت المقاومة المدنية للشعب في النقاط الحساسة التي تمت السيطرة عليها مثل المطار والجسور ووحدات الأمن، من أن يكون للانقلاب تأثير في تلك المناطق. والأكثر من ذلك، أن وقوف الشعب في وجه الوحدات الانقلابية المزودة بأسلحة ثقيلة  وعدم تراجعهم رغم النيران التي أطلقت عليهم، ساهم بشكل كبير في إكساب قوات الأمن الأخرى الأفضلية ضد قوات الانقلابيين.
لا جرم أنه من الإشارات المهمة التي أظهرت إرادة الشعب التركي القوية، عدم تراجع المواطنين للوراء رغم إجبار الانقلابيين، العاملين في قناة التلفزة الرسمية (تَ رَ تَ) على قراءة بيان الأحكام العرفية، ودخول أفراد الشعب، القناة المذكورة، ومساعدتهم في القبض على الجنود الانقلابيين. خلاصة القول، الشعب التركي أظهر نموذجا مشرفا في المقاومة المدنية المؤثرة دون اللجوء للسلاح، ودون الإضرار بالممتلكات العامة ولا سيما الخاصة منها
أما العنصر الثاني، فهو الزعامة القوية التي يتمتع بها الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ خرج في عدد من قنوات التلفزة، عبر الهاتف، وأعلن أنه ضد هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، ودعا الناس للخروج إلى الميادين، وكانت هذه أمور بمثابة نقطة تحول قلبت السحر على الساحر. والأكثر من ذلك أن مخاطرته بحياته كرئيس، حينما قرر المجيء إلى مدينة اسطنبول بالطائرة، غير عابئ بتحليق طائرات (إف 16) التي استولى عليها الانقلابيون في الأجواء، وكذلك استقباله بحفاوة من قبل الشعب، كان من شأنه أن يشكل زخمًا وحراكًا مناهضًا للحركة الانقلابية. هذا إلى جانب أن رفض هذه المحاولة من قبل القوات المسلحة، وجهاز الاستخبارات، ومديرية الأمن، أمور أدت جميعها إلى رفع الروح المعنوية، وتحقيق إدارة قيادية فاعلة ومؤثرة.
أما العنصر الثالث الذي أفشل المحاولة الانقلابية، فهو ثبات الحكومة. ففي ساعات الانقلاب الأولى، تحدث رئيس الوزراء بن علي يلدريم، عبر الهاتف مع القنوات التلفزيونية، وقال إنهم يعارضون الانقلاب، وحذا حذوه وزراء حكومته، إلى جانب حشد كل الإمكانات المتوفرة لديهم للخدمة العامة لمواجهة الانقلاب. ولقد كان لتولى رئيس البلاد، ورئيس وزرائه بنفسيهما إدارة العملية، أهمية كبيرة من حيث تواصلهما مع الرأي العام في سياق إدارة الأزمة، ومن حيث الإشراف بشكل كامل على سير الأحداث المناهضة للانقلاب الفاشل.
وبخصوص العنصر الرابع الذي أدى إلى عرقلة الانقلاب، هو المبادرة التي قامت بها وحدات الأمن. فلا شك أن الوحدات الأمنية التابعة لمديرية الأمن، وفي مقدمتها الوحدات الخاصة، وكذلك قيام جهاز الاستخبارات بتعبئة كافة الإمكانيات الموجودة لديه، أمران مثلا قوة ضاربة ضد الانقلابيين الذين كانوا يحملون أسلحة ثقيلة. كما أن مقاومة وحدات في الجيش بما في ذلك العمليات الخاصة، للطغمة المنقلبة، هذا إلى جانب إعلان عدد من قادة الجيش في وسائل الإعلام رفضهم للمحاولة الانقلابية. وبذلك يمكننا أن نفهم أن تمكن كل هذه العناصر مجتمعة من عرقلة الانقلاب ودحره، يؤكد بما لا يدع مجالا للشكل، أن السياسة في تركيا لا يمكن أن تتم إدارتها بمثل هذه المحاولات.
3- هل تم دحر الانقلاب بشكل كام والتخلص منه ؟ ولماذا الناس في الشوارع حتى الآن ؟
عندما ننظر في الأحداث التي جرت من حولنا في التاريخ القريب، نجد أن هناك محاولات انقلابية نجحت في موجتها الثانية؟ فعلى سبيل المثال، نجد أن الشعب الإيراني قاوم لعدة أيام، العملية الانقلابية التي استهدفت رئيس وزرائهم في عام 1953 محمد مصدق، وحينما استقرت في قناعته أن الخطر زال، وأن رئيس الوزراء باقٍ في السلطة، انسحب من الشوارع، فجاءت على إثر ذلك الموجة الثانية من المحاولة الانقلابية، والتي أدت إلى الإطاحة برئيس الوزراء. وفي تركيا أيضا حدثت موجه أولى من انقلاب عام 1971 يوم 9 مارس، لكن الموجة الثانية في 12 من الشهر ذاته حققت الهدف من الانقلاب.
ومن الجدير بالذكر أنه منذ الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية، بدأ على الفور يظهر تأثير المقاومة التي أبداها رئيس الدولة، والشعب، وقوات الأمن، ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وكان كل هذا سببا في دحر العسكر من الأماكن التي استولوا عليها، وانسحابهم من الشوارع.  ولعل انسحاب الجنود من فوق جسر البسفور، إشارة إلى أن قوات الأمن باتت مسيطرة بشكل كامل على المكان. لكن من اللافت أن رئيس البلاد ناشد الشعب البقاء في أماكنه التي كان فيها، فاستجاب له الشعب ولم يبارح الشوارع.
ومن الأمور التي دعت الشعب إلى التصرف بحذر خلال تلك الأحداث، ما يعلمه ذلك الشعب جيدًا من الخراب الذي يحل مع قدوم العسكر للعمل في السياسة، وكذلك الأساليب التي وضعتها قيد التنفيذ، جماعة فتح الله غولن العقل المدبر والفاعل الرئيسي لهذه المحاولة الانقلابية. وإذا كانت المحاولة الانقلابية قد تمت السيطرة عليها، لإغنه ليس من السهل أيضًا أن نقول إن خطر الانقلاب بكافة أبعاده قد زال. فبالرغم من دحر الموجة الأولى من هذه المحاولة، إلى أننا شاهدنا عدة نماذج كالتحركات العسكرية في القاعدة الجوية السابعة في ولاية ملاطية، والثالثة في قونية، إلى جانب قيام قائد قوات الدرك الذي قاوم قرار توقيفه، بإعطاء الأوامر لجنوده بإطلاق النار في مطار "صبيحة غوكتشن" بمدينة اسطنبول. والرأي العام التركي في البلاد، بات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة شاهدًا على الطريقة المتكاملة التي تعمل بها جماعة "فتح الله غولن". لذلك بات من الضروري تطهير كافة مؤسسات الدولة بما في ذلك القضاء، من الأشخاص المنتمين لتلك الجماعة. هذا الأمر بات مطلبًا للشعب الذي ينتظر محاكمة الانقلابيين على ما أقدموا عليه، وكذلك نتظر اتخاذ تدابير رادعة لأي محاولات انقلابية محتملة قد تقع مستقبلا. كما أن الشعب الذي يعتبر أهم عامل دحر المقاومة الانقلابية الفاشلة، قد أعلن صراحة ملطبه المتعلق بإعادة تنفيذ عقوبة الإعدام.
4- كيف يمكن تفسير البعد الدولي لهذه المحاولة الانقلابية ؟
يمكننا تقييم البعد الدولي للمحاولة الانقلابية من خلال شقين:
أول شق، الرسالة التي تم تكوينها بشأن تركيا في فترة ما قبل الانقلاب. ففي هذا الإطار كانت هناك محاولات كبيرة لدى الرأي العام الدولي لاتهام تركيا بمساعدة تنظيم "داعش" الإرهابي، وكان الهدف من ذلك هو النيل من مشروعية رئيس البلاد وحكومته، وهما من تم انتخابهما من قبل الشعب بطرق ديمقراطية. هذا إلى جانب أن الصحافة الأمريكية خلال الأشهر القليلة الماضية، دأبت على تناول خطابات انقلابية بلغة مستفزة، وكانت هذه الخطابات بمثابة عمليات تكمل بعضها البعض، ومن الصعب القول بإن هذه العمليات تم التخطيط لها، وأنها وضعت للتنفيذ بشكل متتابع. لكن يجب أن نضع في الحسبان "اتهام تركيا بمساعدة تنظيم داعش"، وأن الأشخاص ووسائل الإعلام التي قادت الخطابات الانقلابية في أمريكا، كانوا شكلا واحدا ولم يتغيروا. ومن المثير للانتباه أيضا في هذا السياق، أنه في الوقت الذي يقاوم فيه الشعب في تركيا ضد المحاولة الانقلابية، خرج فتح الله غولن في 16 يوليو الجاري، ليقول في مقابلة صحفية إن "الرئيس أردوغان يدعم تنظيم داعش".
أما المرحلة الثانية، فكانت ردود أفعال الفاعلين الدوليين اعتبارًا من اللحظات الأولى التي بدات تنتشر فيها أنباء المحاولة الانقلابية، ليلة 15 يوليو. وكان لا بد من سماع تصريحات قوية تدعم القيم الديمقراطية من الولايات المتحدة وغيرها من الدولي الأوروبية التي تمتلك تركيا معها علاقات قوية. لكن مع الأسف هذه الدول لم ترغب في تقديم هذا الدعم، ولم يدعموا الديمقراطية ولا الحكومة الشرعية في حينه.
وجاء أول تصريح من الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها "جون كيري" الذي قال "أتمنى الحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن في تركيا"، وهذه الكلمات لم تشر إلى كون الانقلاب مشكلة أو أزمة، وكانت بعيد تمام البعد عن دعم الحكومة الشعرية المنتخبة في البلاد. وكان ينبغي أن تكون تصريحات الرئيس باراك أوباما التي دعم فيها الحكومة، أول تصريحات الولايات المتحدة بشأن الأحداث، فتصريحات الولايات المتحدة جاءت متأخرة، وضعيفة. كما أن بعض الجنرالات رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الأمريكية، نشروا إشاعات تفيد نجاح الانقلاب في تركيا، وهذه أمور تعني أنهم كانوا يتمنون نجاح الانقلاب، وخالفوا بها الإرادة الشعبية في تركيا، وليس الحكومة المنتخبة ديموقراطيا فحسب. أما مشروع قرار مجلس الأمن الدولي لإدانة المحالوة الانقلابية في عارضته مصر التي يحكمها السيسي الانقلابي. وكانت هذه المؤسسة التي طالما صدعتنا بالحديث عن الديمقراطية والليبرالية، بعيدة كل البعج عن تطمين الرأي العام التركي بخصوص رفضها للمحاولة الانقلابية. وبينما قال السياسيون في البلاد أنهم بصدد تقييم مطلب الشعب المتعلق بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام في تركيا، جاءت ردود أفعال الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد سريعة وواضحة إلى حد كبير.
وفي المقابل نجد ردود الأفعال الأولية الرافضة للمخاولة الانقلابية، التي جاءت من أذربيجان للصومال، ومن أفريقيا للشرق الأوسط، على المستويين الشعبي والرسمي، داعمة للرئيس المنتخب وحكومته الشرعية. وعندما ننظر إلى كيان جماعة فتح الله غولن كتنظيم دولي، يمكننا أن ندرك حساسية تركيا في هذا السياق. وطالما ظل خطر الانقلاب مستمرًا ولم يتم دحره، دخلت عوامل جيدة دولية في مجرى الأحداث. فعلى سبيل المثال قام مركز الدراسات الاستيراتيجي "ستراتيجيك فوركاستينغ" بعرض إحداثيات متعلقة باتجه طائرة الرئيس أردوغان الذي تعرض لمحاولة اغتيال في "مرمريس" ليلة 15 يوليو، وهى في طريقها إلى مدينة اسطنبول، وما قام به هذا المركز الاستيراتيجي بمثابة تهديد فظ. وصباح 18 يوليو أعلن موقع ويكليكس أنه بصدد نشر 100 ألف وثيقة متعلقة بتويتر على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وذكر أن هذه الوثائق ستؤثر على الصراع في تركيا. فكل هذه الأمور، تشير إلى أن المحاولة الانقلابية كان لها بعد دولي عملياتي. في حين أن تركيا كانت لديها تطلعا محددة من قبل المؤسسات الدولية والجهات الفاعلة في المحافل الدولية.
5- كيف ينبغي تقييم مسألة إعادة الولايات المتحدة الأمريكية لـ"فتح الله غولن"؟
أحد أهم أبعاد تصفية التنظيمات الإرهابية، السيطرة على الكادر القيادي بها. ولا شك أن دحر المخاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، سيكون من شأنه تسريع عملية التخلص من جماعة فتح الله غولن. ولا شك أن استعادة فتح الله غولن من الولايات المتحدة، يحمل أهمية كبيرة بخصوص التخلص من جماعته، وتصفيتها. وكان الرئيس رجب طيب أردوغان حريصا في أول خطاب يوجهه للشعب يوم السبت 16 يوليو عقب المحاولة الانقلابية، على توجيه رسالة إلى الإدارة الأمريكية، ذكر خلالها بالشراكة النموذجية بين البلدين، وطلب منها "‘إعادة الشخص الذي يتزعم الجماعة التي أدارت المحاولة الانقلابية". كما أن وزير العدل "بكر بوزداغ" قال إنهم اتخذوا كافة الإجراءات اللازمة من أجل إعادته.

في حقيقة الأمر، تركيا منذ فترة طويلة تطالب الولايات المتحدة بإعادة فتح الله غولن، لكن واشنطن لا تستجيب. ولم يتضح بعد كيف سيكون رد أمريكا على هذا الطلب بعد هضه المحالوة الانقلابية. ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية "كيري" استعدادهم للمشاركة في التحقيقات المتعلقة بمحاولة الانقلابية، ذكر بخصوص استعادة "غولن"، أن عملية إعادته تحتاج "أدلة ملموسة"، وأن القضية بات لها بعد قانوني. وفي ذات السياق أدلى السفير الأمريكي لدى أنقرة "جون باس" بتصريحات لفت خلالها الانتباه إلى ثلاث نقاط رئيسية: أولها التضليل الإعلامي لمؤيدي فتح الله غولن، ثانيها انزعاجهم مما استقر لدى قناعات البعض بأن بلاده تقف وراء المحاولة الانقلابية، ثالثها استعدادهم التعاون في عملية إعادة "غولن" حال اتخاذ ضروريات اتفاق استعادة المتهمين الموقع مع الولايات المتحدة منذ عاك 1980. لذلك يمكننا القول إن أرضية عملية استعادته موجودة، لكن المسألة لها ماهية سياسية، وينبغي على دوائر القرار في الولايات المتحدة، إبداء نوع من المبادرة السياسية، لاتخاذ قرار في هذا الشأن. ومن الجدير بالذكر أنه من الصعب على الولايات المتدة أن تفهم حالة المقاومة التي يعيشها الشعب التركي. وبات على الإدارة الأمريكية ترجمة ما قاله "كيري" و"باس" بخصوص التعاون مع تركيا، على واقع فعلي، وتنفيذ تطلعات الشعب التركي. وبسبب إقامة "غولن" في الولايات المتحدة، فإن الرأي العام التركي، مقتنع أن أمريكا هي التي تقف وراء المحاولة الانقلابية -وهذا ما أزعج سفيرها لدى أنقرة باس-. ولعل أهم خطوة يتعين على "أوباما" اتخاذها لكسر هذه القناعة، هي إعادة "غولن" لتركياوز/ يوليو ​

نشر بتاريخ 15 أغسطس 2016
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري   دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Emptyالثلاثاء 31 يوليو 2018, 9:02 pm

دراسة: انعكاسات الاستفتاء على السياسة الخارجية التركية

نشر بتاريخ 16 مايو 2017
جسور للدراسات
لم يكن استفتاء 16 نيسان/أبريل في تركيا شأناً تركياً داخلياً خالصاً، فقد ارتبط بقضايا السياسة الخارجية في عدة أبعاد، ومن المرجح أن تكون النتائج الناجمة عنه مرتكزاً لانعكسات مهمة على السياسة الخارجية التركية، خاصة أن تركيا تًدرك القصور الذي يعتري سياستها الخارجية بسبب مشاكل نابعة من نظامها السياسي البرلماني الحالي؛ وعدم التحكم الكامل من السلطة المدنية في كل قرارات السياسة الخارجية.حيث تُعاني الدولة التركية من وطأة البيروقراطية والبطء في اتخاذ القرارات، ولا تعطي العلاقة بين مؤسسات الدولة زخماً كبيراً في القضايا الخارجية، وقد تضعفها في كثير من الأوقات
وتعتمد الدبلوماسية التركية نظراً لهذه العلاقة بين مؤسسات الدولة على القوة الناعمة، في الوقت الذي يعتمد فاعلون آخرون في المنطقة، من دول وفاعلين دون مستوى الدولة، على القوة الصلبة لتثبيت الحقائق على الأرض، مما أضعف من موقف تركيا وأدى إلى محدودية خياراتها وإلى غياب التوازن في حركتها الخارجية .
كما أن الدبلوماسية التركية تتصف باعتمادها على أدوات تقليدية تحتاج للتحديث والتقوية؛ وعلى كوادر وموارد بشرية تحتاج للتأهيل والخبرة، وهو عامل شكّل عائقاً أمام تفعيل السياسة الخارجية للدولة التركية.
ويضاف إلى ماسبق أيضا تعرض البلد لكوابح داخلية بسبب المعارضة والمظاهرات التي بدأت في 2013 في أحداث غيزي بارك والأزمات المتعاقبة التي تعرضت لها الحكومة والتفجيرات التي قام بها تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني والمعركة مع جماعة فتح الله غولن وصولاً إلى محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016. وقد كان لكل ذلك تأثير على سلوك الدولة في الأزمات التي واجهتها في واقع إقليمي مليء بالاضطرابات وفي ظل الاختلاف مع قوى إقليمية وعالمية ودولية.
ويُشكّل الانتقال إلى المرحلة الرئاسية مرحلة جديدة في شكل الدولة التركية ككل، وسينعكس ذلك على مختلف سياساتها وبرامجها. وسوف نحاول في هذا التقرير قراءة الأثر المتوقع لهذا التحول على السياسة الخارجية التركية. 
كيف ستتأثر السياسة الخارجية؟
سيوفر تحول تركيا إلى النظام الرئاسي عددًا من العوامل التي ستساهم في تغيير شكل السياسة الخارجية التركية، ويمكن إجمال هذه التغيرات فيما يلي: 
1- سيوفّر النظام الجديد مركزية للقرار السياسي، حيث سيكون الرئيس هو القائد العام وهو المسؤول عن توجيه السياسة الخارجية، بما سيساعد على انسيابية دائرة صنع القرار، والتخفيف من وطأة البيروقراطية
2- سيؤدّي تغيير شكل منظومة القرار إلى زيادة التنسيق الفعال والسريع بين مؤسسات الدولة ذات العلاقة وتوحيد جهودها لتصب في صالح تحقيق الهدف العام .
3- القدرة على إحداث مؤسسات لازمة أو انشاء قوى مطلوبة.
4- سترتفع سلطة الجهاز السياسي على المؤسسة العسكرية، بما يمكّنه من إصدار القرارات المتعلقة بتنفيذ خطط وعمليات خارج الحدود أو فيما يتعلق بالتحالف العسكري مع الدول الأخرى، في الوقت الذي كان النظام السابق يتطلّب الحصول على إذن من البرلمان، وهو ما قد لا يتحقق في حال معارضة الأحزاب الكبيرة.
ونظراً لأن الرئيس سيكون هو القائد العام والمسؤول نظرياً وفعلياً عن توجيه السياسة الخارجية، فإن صلاحياته ستمكّنه من معالجة الإشكاليات وإزالة العقبات التي كانت تقيد حركة السياسة الخارجية التركية.
الانعكاس على أجندة السياسة الخارجية 
سيبدأ التطبيق الرسمي للتعديلات الدستورية بما فيها التحول إلى النظام الرئاسي في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2019، فيما ستكون الفترة الحالية حتى ذلك التاريخ هي فترة انتقالية للسياستين الداخلية والخارجية، حيث سيتم فيها التحضير بشكل مكثف للمرحلة القادمة.
ومنذ نهاية الاستفتاء، بدأ ظهور ملامح سياسة خارجية تركية نشطة، حيث حضرت القوة الخشنة إلى جانب القوة الناعمة، كما ظهرت الدبلوماسية التركية في أعلى درجات فاعليتها. 
فبعد أقل من عشرة أيام على الاستفتاء، قام الطيران التركي باستهداف مواقع لوحدات حماية الشعب في سورية ومواقع لحزب العمال الكردستاني في العراق، وأكدت تركيا أنها مستعدة للذهاب حتى النهاية لمنع إقامة دولة كردية في المنطقة، وأنها بدأت في تنفيذ استراتيجية استباقية في مواجهة الصعود الكردي (1) .

كما تم الإعلان عن سلسلة من الزيارات الرئاسية لمحطات إقليمية ودولية مؤثرة، ليكون بذلك شهر أيار/مايو من أعلى الشهور فاعلية من الناحية الدبلوماسية الرئاسية، حيث تتضمّن أجندته زيارة هي الأولى إلى الهند، ولقاء هو الأول من الرئيس الأمريكي الجديد، وزيارة إلى روسيا والصين، وحضوراً لقمة الناتو في بروكسل، وزيارات لعدّد من دول الخليج العربي.
وتشير طبيعة الدول المستهدفة في هذه الزيارات إلى ترتيبات سياسية واقتصادية كبيرة ومؤثرة على مستقبل السياسة الخارجية. ويحظى لقاء أردوغان –ترامب بأهمية خاصة بطبيعة الحال، ويبدو أن الجانب التركي يذهب إليه بسقف توقعات مرتفع، وستؤثّر نتائجه على شكل وطبيعة السياسة الخارجية التركية. 
سوريا: العلاقة مع الولايات المتحدة وروسيا
يحظى ملفا اعتماد واشنطن على القوات الكردية في سورية وملف جماعة غولن على أهمية خاصة في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة. ويمتلك الملف الأول حساسية وخطورة أكبر بالنسبة لأنقرة.
وتحاول تركيا في هذا المجال البحث عن حالة توازن بين المصالح الأمريكية الراغبة في التخلص من تنظيم داعش، والمصالح التركية في عدم إقامة كيان كردي على حدودها مع سورية. 
ورغم أن الإدارة الأمريكية، وتحديداً وزارة الدفاع، ما زالت ترى في قوات سورية الديموقراطية الشريك المناسب لعملية الرقة، فإنّ أنقرة تراهن على تغيير هذه المعادلة خلال اللقاء المرتقب مع ترامب. 
وبكل الأحوال فإن من المتوقع أن يتصاعد الانخراط العسكري التركي في سورية، وربما تتحرك تركيا بشكل فردي عسكرياً أو تدخل في عملية مشتركة مع قوات كردستان العراق ضد حزب العمال في سنجار، كما لا يستبعد أن تقوم بشن حملة على القوات الكردية بين تل أبيض والرقة (2) . 
وإلى جانب تفعيل قوتها الصلبة، يتوقع أن تقوم تركيا ببناء علاقات أكثر قوة وتنظيماً مع المعارضة ومع العشائر، وستحاول فرض رؤيتها بالشمال بشكل أكثر قوة وحسماً.
العلاقة مع روسيا

أما فيما يتعلق في العلاقة مع روسيا فإن السياسة التركية تؤكد أنها لا تنظر إلى موسكو وواشنطن كبديل لبعضهما البعض بل تتبنى معادلة توازنية في إدارة العلاقة بينهما، وستحاول بعد نتيجة الاستفتاء أن تناقش مع روسيا مستقبل الأسد في ظل موقف الأسد الحالي، كما تركز أيضاً على استمرارية العلاقات التجارية والمشاريع الاقتصادية بين البلدين.
العلاقة مع أوروبا
لعل أبرز الملفات التي طفت على سطح أجندة السياسة الخارجية قبل الاستفتاء هو ملف التوتر التركي الأوروبي الذي ترافق مع منع دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا والنمسا لمسؤولين أتراك على رأسهم وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو من اللقاء بالناخبين الأتراك في هذه الدول، حيث يشكل الأتراك في الخارج كتلة تصويتية أثبتت أن لها تأثير مهم في النتيجة خاصة في حالة التقارب الذي شهدها الاستفتاء الذي أسفر عن نتيجة في صالح تطبيق التعديلات الدستورية في نهاية 2019 بنسبة تصويت بلغت 51.4% . 
وقد استمرّ التوتر في العلاقات التركية الأوروبية بعد الاستفتاء، وإن كان بوتيرة أقل، وتبع ذلك انتقال للحديث عن ملف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقد هدد أردوغان الاتحاد الأوروبي بأنه إذا لم يقم " بفتح فصول جديدة في مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد، فإن هذا سيكون بمثابة نهاية لمحاولات تركيا في الانضمام". 
كما رفضت تركيا الطلبات الأوروبية والغربية بإلغاء حالة الطوارئء، مطالبة الأوروبيين بتقديم طلب ممثال لباريس لإلغاء حالة الطوارئ قبل تركيا (3) ، وبالرغم من هذه اللهجة إلا أن سياسة تركيا الخارجية التي اكتسبت زخماً أكبر بعد الاستفتاء- ستعمل ربما على إدارة العلاقة بطريقة أكثر عقلانية مع أوروبا، حيث تنطلق تركيا في ذلك من خلال التهديدات والمصالح المشتركة بين الطرفين.
العلاقة مع دول الإقليم
ستتبع السياسة التركية ضمن خط عام سياسة تكثير عدد الأصدقاء، وقد انتهجت هذه السياسة مع إسرائيل والإمارات، ومع حرص تركيا على إدارة علاقاتها مع إيران بشكل غير طائفي بالرغم من الخلافات السياسية إلا أن العلاقة  يبدو أنها متجهة إلى التوتر، لذلك فإن هذه السياسة ستكون في حالة اختبار في المرحلة القادمة 
كما يتوقع أن تتجه علاقات تركيا إلى التحسّن مع دول الخليج عموماً، خاصة إذا ما تمّ كسر الجليد بشكل تام مع الإمارات العربية المتحدة، ونقل العلاقة التركية-السعودية إلى مستوى استراتيجي، وهو ما تحتاجه الرياض وأنقرة على حدّ سواء. 

خاتمة

يعد النظام الرئاسي في تركيا أحد عوامل الاستقرار الداخلي على مستوى النظام السياسي وهو ما سيوفر استقراراً أكبر في شكل واتجاه السياسة الخارجية، لكن هذا يعتمد أيضاً على طبيعة الجهات والأزمات الخارجية التي ستتعامل معها تركيا، أما في ظل قضايا الواقع الحالي فإن النتيجة تبدو كفرصة جيدو لصانع القرار التركي لاستدراك نقص وعيوب السياسة الخارجية السابقة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Empty
مُساهمةموضوع: رد: دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري   دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري Emptyالثلاثاء 31 يوليو 2018, 9:05 pm

تعرف على النظام الرئاسي القادم في تركيا


دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري 390856546
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
دراسة: تركيا من العمق الاستراتيجي إلى العمق الحضاري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: