[rtl]خطيئة أوسلو[/rtl]يبدو أن اتفاق أوسلو كان مثل حصان طروادةكيف ينبغي تسمية اتفاقات أوسلو التي يمر على التوقيع عليها هذه الأيام 25 سنة، وقد ضخت إلى البلاد الآلاف من مخربي عرفات؟ فقد أحبطت منذ البداية نوايا رابين الذي آمن ـ بسذاجته ـ بأن عرفات نفسه سيصفي الإرهاب «بدون بتسيلم وبدون المحكمة العليا». لعل هذه «السياسة» جديرة بأن تسمى على اسم كتاب بلزاك «أوهام ضائعة»، ولعلها على اسم «مسيرة السخافة» لبربارة توخمان، الكتاب الذي يتحدث عن غباء سياسيين ينتهجون سياسة تتعارض مع المصلحة القومية لبلادهم.
لقد ولدت الاتفاقات في العقل اليقظ لبضعة أذكياء في نظر أنفسهم. أحدهم ـ رون بونداك ـ أراد أن يغير الصهيونية وأغوى يوسي بيلين بأييده ـ وهذا أغوى شمعون بيرس ـ والأخير أغوى إسحق رابين، الذي كان في البداية قد ركل الفكرة قليلاً، إلا أنه اقتنع بأن نية عرفات طيبة، فسمح له بأن ينفذ عمليًا «حق العودة» في أنه أعاده إلى بلاد إسرائيل مع آلاف المخربين وعائلاتهم. وبدلاً من أن يقف بيرس ورابين في حينه كسلسلة القيادة لدولة إسرائيل، وقعا ضحية سلسلة الإغواء لليسار.
إن خطأ بيرس ورابين الكارثي كان في أنهما قدما للمنظمة الإرهابية م.ت.ف قاعدة إقليمية داخل بلاد إسرائيل، وهكذا أدخلا الإرهاب إلى بلادنا ووفرا له شرعية دولة.
خطأ آخر كان في أن الفرصة النادرة للصهيونية للسيطرة على البلاد كلها، من البحر حتى النهر، أحبطت عندما اصطدم الاستيطان في يهودا والسامرة بمصاعب رهيبة. كما أثرت روح أوسلو على الجهاز القضائي في الدولة ـ النيابة العامة، الاستشارة القانونية ومحكمة العدل العليا ـ إلى درجة أنه بدلامن القضاء التوراتي، «صهيون بالقضاء تُفدى»، بات من الجدير استبدالها بـ «صهيون بالقضاء تُستعبد»، وأكثر من ذلك أن « أوسلو زرعت أوهامًا في الشعب، وكأن التنازل والمصالحة سيجلبان السلام».
العمى الذي أدى إلى الاتفاق يشبه غباء زعماء طروادة الذين أدخلوا الحصان إلى مدينتهم
بعد وقت قصير من اغتيال رابين، اعترف بيرس في الحكومة بأنه بخلاف ما اتفق عليه مع عرفات، فإنه بالفعل يعنى بالإرهاب ويقف خلفه. ولكن الأوان كان قد فات، لأن ثمن عماه السياسي وعمى رابين يشبه عمى زعماء طروادة الذين أدخلوا حصان طروادة إلى مدينتهم وتسببوا بهزيمة شعبهم.
إن الزعماء الأذكياء لا يفشلون بالعمى السياسي، ولكن يبدو أن بيرس ورابين على حد سواء فشلا في اختبار الذكاء الذي يتطلب أن يرى السياسي بعيد النظر، مسبقًا، نتيجة المخاطر التي يأخذها على حساب شعبه. لقد سبق أن كتب عن هذا الكاتب الراحل نتان شوحم في كتابه «حتى الملك»، بأن التاريخ هو موضوع حزين نتعلم منه أن «العميان دومًا يسيرون خطوة واحدة قبل الأذكياء».
في المئات الأخيرة من السنين كانت هناك أعمال عمى سياسي أخرى؛ فمثلاروسيا حتى اليوم تندم على أن النظام القيصري باع ألاسكا للولايات المتحدة. وهي لا بد نادمة أيضًا من أن خروتشوف اعترف بنوع من الحكم الذاتي لأوكرانيا التي لم تكن دولة مستقلة. كما أن ترك شرق أوروبا كله للسيادة الشيوعية على مدى نحو خمسين سنة كان خطأ جسيمًا لروزفلت في اتفاقات يالطا مع ستالين. ولكن لا يوجد ما يشبه خطأ عمى بيرس ورابين، اللذين فوتا الفرصة التي جاءت للصهيونية مرة في ألفي سنة في أن يعيش اليهود أسيادًا في بلادهم. لقد عملا برأيي بخلاف مصلحة دولة إسرائيل والصهيونية. هذا إخفاق سياسي بحجوم تاريخية. صحيح أنهما لم يبذرا بذور الكفر اليساري الأولى في الصهيونية، ولكنهما تسببا بانتصارها المؤقت.
أهرون بابو