عمران خان
من المؤسس “الشيعي” الى “تلميذ قم”.. من محمد علي جناح إلى عمران خان! وماذا نحن فاعلون؟
August 5, 2018
ديانا فاخوري
لعله كان هروبا من او ربما تصديا للنرفانا في الوعي، أو اللاوعي، الهندوسي ان ابتعد المؤسس “محمد علي جناح” بباكستان عن تاريخ شبه الجزيرة الهندية فاوكل الى المفكر النمساوي ليوبولد وايس الذي اعتنق الاسلام، و سمي محمد الأسد، أن يستخلص من القرآن والحديث، هيكلية الدولة .. بعد عامين من التنقيب و البحث في النصوص، وفي ما وراء النصوص، لم يتم العثور على ذلك الشيء الذي يدعى النظام الاسلامي فكان ان اعتمدت العبارة الفضفاضة اياها “الاسلام دين الدولة” .. الدولة التي ولدت حديثاً، “اسلامي جمهورية باكستان” بالاردية، و ما ان ظهر أسامة بن لادن في أفغانستان، ومعه تنظيم القاعدة، حتى كان لنخب اسلامية، متشددة في مواجهة التعصب الهندوسي، ولقبائل متداخلة، أن تتفاعل مع تلك الهيستيريا الديماغوجية!
واليوم يبرز “تلميذ قم” كما يطلق عليه كتبة المحور “الصهيواعروبيكي” .. اعني “عمران خان” المعارض للمدارس الوهابية والرافض للمشاركة الباكستانية في الحرب على اليمن وللسياسات الأميركية في المنطقة، صاحب الدعوة لإنهاء الحرب في أفغانستان وللتعاون الإقليمي بين باكستان و ايران .. يحظى عمران خان بتأييد قيادات الجيش والنخب الثقافية و تدعمه أغلبية نيابية تخوّله قيادة البلاد .. و باكستان دولة “إسلامية” كبرى بمئتي مليون نسمة و تعدد مذهبي يجمع بين السنة (ثلاثة أرباع السكان) و الشيعة (ربع السكان) يبعدهم خان – باستئصال “الوهابية” – عن الفتن و ينأى بهم عن الحروب الداخلية .. و بعد، فباكستان جارة لإيران و أفغانستان و الهند والصين و تنفرد عن الدول الاسلامية بامتلاكها السلاح النووي و “وتخادم تكتي استراتيجي” أمريكي في وجه التقدم و التحرر والاشتراكية عداك عن “جيوش العمالة” الباكستانية في دول الخليج العربي!
فهل يقوم عمران خان باستدارة باكستانية بمحاذاة الاستدارة التركية ضمن التحولات الجيوستراتيجية في العالم واصطفاف المصالح السياسية الجيوستراتيجية لكل من روسيا والصين وايران وبالتالي لدول اسيا الوسطی – كما كررت مرارا؟ وها هو مؤتمر طهران القادم يعكس التقاء مبادرة “الحزام والطريق” الصينية مع مبادرة ” الاتحاد الاقتصادي الاوراسي” الروسية والموقع الايراني الاستراتيجي كمركز للتجارة والطاقة، وكحصن منيع في مجابهة الجهادية التكفيرية التي يتلاعب بها الغرب ! وعليه جاءت الاستدارة التركية لتتوائم مع مبادرتي “الحزام والطريق” و”الكتلة الاوراسية” الامر الذي يملي “سوريا عربية علمانية موحدة” تضم الی حضنها لواء الاسكندرون، شاء من شاء وابى من ابى .. فسوريا هي خالقة الأزل، وهي محكومة بالمقاومة والممانعة منذ الأزل، وهي تصنع مستقبلها ومستقبل المنطقة برمتها .. اما الأردن فسيبقى وقف الله، أرض العزم .. وطنا بهيا شريفاً لا نبغي ولا نرضى عنه بديلا، ولا نرضاه وطنا بديلا! و لن تقوى قوى “الصهينة” و “الصندقة” بخشنها و ناعمها على تحويل الاردن من وطن الى جغرافيا والاردنيين من مواطنين الى سكان!
فالصينيون قادمون وبعضنا غارق في أوهامه .. ها هي الصين تقوم بتنفيذ وتمويل وتغطية انبوب الغاز بين ايران وباكستان. رغم ولادة هذا المشروع اواسط تسعينات القرن الماضي لجدواه الاقتصادية ولحاجة البلدين، ورغم تنفيذ ايران للجزء الخاص بها حيث أوصلت الأنبوب الى الحدود الباكستانية! هكذا تستعيد كل من روسيا والصين تراثها القومي و حضورها الدولي على شكل امبراطوريات جديدة، و هنا أعيد التكرار ان “البريكس الروسي الصيني” و الانبعاثات الامبراطورية تدفع بايران وتركيا و “باكستان خان” الى مقدمة القوى في منطقتنا .. فماذا نحن فاعلون؟! المشروع الصهيواعروبيكي يتخبط، والاستدارات التركية و الباكستانية على الأبواب .. و لا معنى ولا قيمة للمواطنة و الحرية والعقد الاجتماعي الا في سياق مشروع التحرر الوطني و القومي .. تماماً كما ان غياب الربط بين الديموقراطية والاشتراكية/ الماركسية في عصرنا، يعني معالجة مسألة الديموقراطية والعلمانية خارج سياقها التاريخي، وخارج البيئة التي تحتضنها والتي تتمثل بالعصر الإمبريالي/ الرأسمالي تحت قيادة النظام الأميركي الذي تكرست قيادته للنظام الإمبريالي بعد حربين عالميتين. فوجود هذه البيئة المعينة يفترض تحليلاً للديموقراطية والعلمانية يأخذ بالاعتبار فك الارتباط بين الديموقراطية والليبرالية البورجوازية في العصر الإمبريالي .. و هنا لا بد من اعادة التأكيد ان طرح الديموقراطية في معزل عن الاشتراكية/ الماركسية في العصر الإمبريالي/ الرأسمالي يعني تماماً تحويل الديموقراطية إلى نوع من أنواع الاحتيال الطبقي، وإلى خداع الوعي الاجتماعي. فضرورة الاشتراكية للديموقراطية كضرورة العلمانية للديموقراطية خاصة و ان الامبراطوريات الرأسمالية والرجعية والاصوليات التكفيرية ان هما الا وجهان لعملة واحدة، هي الامبريالية المعاصرة!
“تصهينوا” ما شئتم و “صندقوا” او “زندقوا” ما بدا لكم ..
لن نتمكنوا من إخضاعنا لرهاب التكفير وابتزاز العناوين الليبرالية والمفاهيم النيوليرالية من مفرزات مراكز أبحاث البنك الدولي و صندوق النقد الدولي، و مؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع المدني .. و بئس تهويلكم بالنعوت والمصطلحات الذرائعية من حقوق الانسان و حرية التعبير و حرية الصحافة و محاربة الارهاب .. فهلا اقتديتم بابن خلدون و بالامام علي – وهذه مجرد أمثلة لما راكمته حضارتنا تأسيسآ لعلم الاقتصاد السياسي فعلآ تنظيريآ (ما اغتنى غني الا بفقر فقير), وفعلآ تنظيميآ (لو كان الفقر رجلآ لقتلته)؟ الم يأتكم خبر أبي ذر الغفاري يتعجب لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج شاهرآ سيفه على الناس!؟ و هلا تخطيتم محاولات الترهيب الفكري التهويلية البائسة و “التخشيبية” اليائسة التي تضع نهاية للتاريخ بالدولة الرأسمالية كما نظر (بالشدة على الظ) فوكوياما؟.. تعلمون ان عمرها لن يطول ب “صراع الحضارات” كما نظر هنتنغتون .. فالأزمة الرأسمالية ما فتئت تتفاقم وبلغت أعلى مراحل توحشها واستذئابها و استغلالها الطبقي أيآ كان لبوسه (ديني، طائفي، مذهبي، عرقي) .. و من مظاهر هذا التوحش اغتصاب رأس المال للطبيعة واستنزافها .. فمحاربة “الفساد” الحقيقية لا تتم الا عبر محاربة الرأسمالية والتحرك الجدي من مجرد التفسير الى التغيير والتحول الجذري للمجتمع ككل فينتصر الانسان العربي والمجتمع والطبيعة، و تسقط – بالضرورة وبالمحصلة – صفقة القرن!
نعم نحن في خضم التحولات الجيوستراتيجية و السياسية الكبرى، والمشروع الصهيواعروبيكي يتخبط، و الاستدارات التركية و الباكستانية على الأبواب .. فأما المشروع التحرري الوطني القومي والدولة الاشتراكية الديموقراطية او اسرائيل العظمى على حساب القوى العربية، وذلك بتحويل مئوية سايكس بيكو ووعد بلفور الى محطة لمزيد من تشظية و تفكيك الحواضر العربية الاساسية (دمشق، بغداد، القاهرة) و “كنتنة” الدول المستهدفة و “تطييف” الدساتير و “مذهبتها” بتوسل نعومة الخصخصة و “الصندقة” حيثما و حينما تخفق آليات التمزيق الداعشية والاسلام الصهيواعروبيكي مثلا!
كاتبة من الاردن