من ريجان إلى أوباما.. حوار مع مترجم الروءساء الأمريكيين
أجرت الحوار: سوزى الجنيدى
جمال هلال: كنت شاهدا على الرفض الفلسطينى لمقترحات كلينتون للسلام
كنت المترجم المصرى الوحيد لفترة طويلة حتى جاءت دينا باول
مترجم اجتماعات ترامب - بوتين لا يمكنه الإفصاح عن فحواها حتى لو استدعاه الكونجرس
ترامب ينظر للأمور ببساطة سياسية.. والنظرة الأمريكية لأهمية مصر تغيرت بعد 2011
يحكى جمال هلال، المترجم والدبلوماسى بالبيت الأبيض، على مدى خمسة رؤساء أمريكيين فى حديثه لـ «الأهرام العربى» عن بعض ذكرياته ورؤيته لأهمية العلاقات المصرية - الأمريكية، وقد عمل جمال هلال كمترجم ومستشار بالبيت الأبيض منذ عهد الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان فى الثمانينيات وحتى العام الأول للرئيس السابق باراك أوباما، حيث قام بترجمة كل الاجتماعات التى تمت بين الرؤساء والزعماء العرب ورؤساء أمريكا فى تلك الفترة، وعمل أيضا فى ملف عملية السلام والمفاوضات بين الجانب الفلسطينى والإسرائيلى فى كامب ديفيد، كما عمل فى الملف العراقى، وأشار إليه الرئيس الأسبق بيل كلينتون فى عدة فقرات فى كتابه -حياتى-، كما أشار مستشار وزير الخارجية أرون كيللر 1978 - 2003 ، إلى أنه كان من القلائل الذين كان يمكنهم معارضة الرئيس الأمريكى ويستمع له الرئيس ولنصائحه، وقد اختارته إحدى المجلات الأمريكية عام 2008، كواحد من أكثر خمسين شخصية أمريكية مؤثرة فى القرار فى مجال السياسة الخارجية.
ويرى هلال أن هناك تطلعا أمريكيا لتلعب مصر دورا أقوى فى استقرار بعض الدول فى المنطقة، وأنه من المهم التشاور المستمر مع كل المؤسسات الأمريكية وليس البيت الأبيض فقط، لأن البعض يخطئ فى تصور أن الاتفاق مع ترامب كاف للاتفاق مع أمريكا ككل، كما أكد أن كل ما يقال عن صفقة القرن مجرد تخمينات.
توجد مطالبات من الكونجرس الأمريكى باستدعاء مترجم البيت الأبيض الذى قام بترجمة قمة ترامب بوتين لسؤاله حول حقيقة ما دار فى اللقاء الثنائى،فهل واجهت موقفا مشابها لهذا طوال فترة عملك الطويلة كمترجم بالبيت الأبيض؟
لم أواجه فى الحقيقة موقفا مثل هذا، وممنوع على المترجم الإفصاح عن فحوى أى محادثات، كما أن وزارة الخارجية الأمريكية تحمى المترجم، والذى عليه أن يحمى أسرار ما دار فى الاجتماعات، لهذا فإن المترجم إذا تم سؤاله سيرد بضرورة أن توجه الأسئلة إلى الرئيس ترامب وليس إليه هو.
إذن ليس من حق الكونجرس سؤال أو استجواب المترجم حول حقيقة ما حدث؟
من حق الكونجرس سؤال المترجم، لكن من حق المترجم ألا يفصح عن أية معلومات ويلتزم الصمت.
أنت شاهد على العلاقات المصرية والعربية - الأمريكية، حيث عملت مترجما بالبيت الأبيض منذ عهد الرئيس الأمريكى رونالد ريحان حتى السنة الأولى لحكم باراك أوباما، حيث شهدت العلاقات فترة ازدهار منذ بداية التسعينيات.. فكيف ترى الفرق بين تناول كل رئيس أمريكى فى تلك الفترات لأهمية العلاقات مع مصر والتعامل الحالى لإدارة ترامب؟
ربما يجب التفريق بين كل الإدارات التى عملت معها وبين الوضع الحالى، حيث يوجد اختلاف تقريبا فى كل شيء، فالإدارة الأمريكية الحالية مختلفة فى منهجها وفى نظرتها وفى تقييمها للمنطقة، وتقليديا كل الإدارات الأمريكية كانت تنظر إلى مصر من منظور مصر كدولة، والدور الإقليمى لمصر، وكانت هناك نقطتان أساسيتان تعتبران من الأسس والقواعد فى التعامل مع مصر، الأولى أن مصر هى مفتاح السلام، وبالتالى فإن مصر تلعب دورا مهما فى توسيع قاعدة السلام بين الدول العربية وإسرائيل والنقطة الثانية، أنه كان ينظر لمصر على أنها ركيزة للاستقرار فى المنطقة، حيث كانت مصر تلعب دورا إقليميا يَصْب فى مصلحتها، لأن الاستقرار فى المنطقة دائما من مصلحة الأمن القومى المصرى، كما أنه يَصْب فى نفس الوقت فى مصلحة الولايات المتحدة أو أطراف أخرى، وظل ذلك الفكر موجودا حتى إدارة أوباما.
لكن مع التغيرات التى حدثت فى مصر عام 2011 بدأ هذا المنظور يتغير، وتعاملت إدارة أوباما مع مصر بشكل مختلف، وأعتقد أن التغير بدأ ولكن بتحفظ شديد من قبل أحداث 2011، فقد كان منظور إدارة أوباما فى بدايتها هو نفس المنظور للإدارات الأخرى بالنسبة لأهمية مصر إقليميا، وقد جئت مع الرئيس أوباما عندما ألقى كلمته فى جامعة القاهرة، ولكن مع التغيرات الشديدة فى مصر قبل وأثناء يناير 2011 بدأت الأمور تختلف، وأصبح هناك تقييم مختلف وقتها لمدى قدرة مصر على الاستقرار.
إذن فأحداث يناير وما بعدها أدت إلى تغيير الفكر الأمريكى حول أهمية الدور المصرى إقليميا؟
أستطيع أن أصف ما حدث فى يناير 2011 بأنه زلزال سياسى، لأنه هز أركان الدولة المصرية، وهز المجتمع المصرى نفسه وحدثت انقسامات فيه، وأثر ذلك كله على المنظور الأمريكى لمصر القائم على دور مصر فى عملية السلام ودورها فى الاستقرار الإقليمى، ولكن لا يزال هناك تطلع لتلعب مصر دورا أقوى فى استقرار منطقة الشرق الأوسط.
وماذا عن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظرتها لأهمية الدور المصرى؟
ربما ينظر الرئيس ترامب إلى الأمور بمفهوم قد يبدو أكثر بساطة وبغاية الوضوح،أى ماذا ستقدمه لى وما الذى سأقدمه أنا، ودائما ما كنت أرى أنه ليس من المفروض على أى عاصمة عربية بما فيها القاهرة، أن تنتظر ماذا سيقدم الأمريكيون لها، فهذا المنهج التفكيرى خاطئ، لأن الأهم هو ماذا تريد القاهرة من واشنطن؟ وليس ماذا ستقدم لها واشنطن، فيجب تحديد الاحتياجات وما الذى يمكن تقديمه نظير ما ستطلبه، خصوصا أن الرئيس ترامب أوضح بشكل صريح أنه لن يعطى أى شيء بلا مقابل، والعلاقات طريق ذو اتجاهين وليس اتجاها واحدا، وبالتالى فإن بعض الدول فى الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل ارتكبت خطأ بانتظار ما ستقدم أمريكا لهم، ثم تحديد ما الذى يمكن فعله أو قبوله، وبالطبع فإن العلاقات المصرية - الأمريكية قديمة، على الأقل منذ الاتفاق على فض الاشتباك الذى وضعه هنرى كسينجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق فى السبعينيات، ثم تطورت العلاقات مع كامب ديفيد، وأصبحت العلاقات مهمة وبدأت المعونات الاقتصادية والعسكرية وكانت هناك فائدة مشتركة، ويعتقد البعض أن العلاقة بين رئيسى الدولتين كافية، لكن فى الحقيقة ذلك غير كاف على الإطلاق، والولايات المتحدة سواء قبلنا أم رفضنا دولة مؤسسات، ولكل مؤسسة تأثيرها فى عملية صنع القرار، فالولايات المتحدة لا تدار فقط من قبل الرئيس، فهو يمثل رئاسة السلطة التنفيذية التى ليست طليقة اليدين فى تحديد ما تريده، فهناك الكونجرس والسلطة القضائية، لهذا تخطئ بعض الدول عندما تتصور أن مجرد الاتفاق مع الرئيس الأمريكى كاف، للاعتقاد أنها اتفقت مع الولايات المتحدة الأمريكية ككل، وبالطبع فإن الرئيس الأمريكى له صلاحيات كبرى بحكم الدستور، خصوصا فى مجال السياسية الخارجية، لكن أيضا تحكمه ضوابط وقوانين ومصالح خاصة بوزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخزانة وغيرها.
كان من أهم أسس العلاقات المصرية - الأمريكية على مدى سنوات هو العلاقة مع وزارة الدفاع البنتاجون ولم نركز بقوة على العلاقات مع الكونجرس.. فهل هذا صحيح؟
سؤالك فى محله، لكن دائما الولايات المتحدة عندما تبدأ علاقاتها بأى دولة ليس لها علاقات بها، تبدأها بالعلاقات العسكرية، وعندما تنهى علاقاتها مع أى دولة لديها معها علاقات متشعبة، تكون آخر علاقة تقطعها معها هى العلاقات العسكرية، ولدينا فى صناعة القرار فى أمريكا ثقل هائل تقوم به المؤسسة العسكرية الأمريكية، على الرغم من أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإنه فى القرارات العسكرية والأمنية يستمع لنصائح وزير الدفاع ورئيس الأركان، لهذا فإن العلاقات العسكرية مهمة، ودائما هناك حرص شديد على حماية هذه العلاقات بين الطرفين.
هل نحتاج للتركيز أكثر على ملف العلاقات الثنائية المصرية - الأمريكية أم نحتاج لزيادة الدور الإقليمى لاستعادة زخم العلاقات؟
هذا سؤال معقد، ولست فى وضع يسمح لى بتقديم النصيحة لأى طرف، ولست مؤهلا لهذه المهمة، لكن أعتقد يجب أن تكون هناك رؤية مصرية للدور الإقليمى، والعلاقات ليست فقط مع أمريكا لكن مع جميع دول العالم، والسياسة لا تؤخذ بمنطق القبلية لكنها لغة المصالح، ونظرة الولايات المتحدة لمصر تغيرت منذ زيارة الرئيس أنور السادات للقدس عام 1978، ومن ينكر هذا فهو جاحد، وقد قلبت هذه النظرة الفكر الأمريكى رأسا على عقب، وتغيرت جميع التصورات القديمة عن مصر وبقيت الصورة سنوات بعدها، بسبب دور مصر فى عملية السلام ودورها الإقليمى للاستقرار فى الشرق الأوسط، ولا بد من وجود تواصل مستمر حاليا لتقوية العلاقات بين البلدين، ويأتى التواصل من الزيارات والتشاور المستمر.
يرى البعض أن الولايات المتحدة تركز فقط فى الشرق الأوسط حاليا على الملف الإيرانى فهل هذا صحيح؟
إيران من أهم القضايا التى تشغل بال الإدارة الأمريكية، وقد كان الرئيس السابق أوباما على قناعة أنه أفضل منهج للإبطاء على الأقل من عملية بناء قدرة نووية إيرانية هو الوصول لاتفاق مع طهران، وترامب وحتى قبل ترشحه لحملته الانتخابية، كان معارضا تماما لهذا المنهج، وهو ينظر لإيران كعنصر من عناصر عدم الاستقرار فى المنطقة، وأنه من الخطأ الفادح أن يتم مكافأتها والاتفاق معها، وعندما تولى ترامب الحكم سمح بتمديد الاتفاق النووى الإيرانى مرة واحدة فقط، ثم قرر الخروج منه، لأنه يعتبره اتفاقا فاشلا لأنه يسمح لإيران ببناء قدرتها النووية ربما على فترة زمنية أطول، كما أن الاتفاق تجاهل تماما الأعمال الإيرانية التى تدعو لعدم الاستقرار فى المنطقة وتدخلها فى شئون دول أخرى، وأعتقد أن اهتمام ترامب بالملف الإيرانى سيستمر مادام موجودا فى منصبه.
إذن الملف الإيرانى سيتصاعد فى أهميته خصوصا إذا نجح ترامب فى الفوز بفترة ولاية ثانية؟
الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تحددها السياسة الخارجية على الإطلاق، وهى ليس لها دور كما يتوهم البعض، وقد سقط الرئيس بوش الأب فى الانتخابات وهو فى أوج انتصاره بعد تحرير الكويت وتحقيق انتصار يعتبر من أبرع الانتصارات العسكرية، ويتم تدريسه نظرا للنسبة القليلة من الخسائر الأمريكية، وإعادة انتخاب ترامب أمر مربوط بالسياسة الداخلية مثل الضرائب والوضع الاقتصادى، والملف النووى الإيرانى مهم للغاية للولايات المتحدة.
يوجد لوبى يهودى قوى للغاية فهل يمكن إيجاد لوبى عربى قوى داخل الولايات المتحدة؟
تكوين اللوبى فكرة تسيطر عليها دوافع وقناعات قوية وإيمان بقضية معينة، وقد يصعب حاليا داخل الجامعة العربية ذاتها إيجاد اتفاق عربى، فكيف بالله عليك تصور وجود لوبى عربى داخل أمريكا، على الرغم من أن مصالح الدول العربية ليست واحدة، ومن يدعى أن المصلحة العربية واحدة كاذب.
ما أكثر دولة عربية ناجحة فى تكوين لوبى لها داخل أمريكا؟
المملكة العربية السعودية هى أكثر الدول نجاحا فى التأثير على الإدارة الأمريكية والكونجرس وتأتى بعدها دولة الإمارات العربية.
هل رؤية ترامب الحالية بأن روسيا قد تصبح صديقة وأن الصين هى المنافس وأن أوروبا لم تعد الحليف الأساسى وأنه يمكن احتواء كوريا الشمالية تعتبر انقلابا فى السياسية الخارجية الأمريكية؟
كل دولة تسعى لحماية مصالحها، وقد كانت هناك حرب باردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى لعقود، لكن أمريكا وروسيا حاليا تدركان التكلفة الباهظة للدخول فى حرب، وإدارة السياسة الخارجية الأمريكية تتطلب أحيانا الشدة وأحيانا اللين، ورأينا ذلك فى التعامل مع كوريا الشمالية مثلا، وكذلك العلاقة مع روسيا، وقد تستخدم تلك العلاقات من قبل البعض لضرب الرئيس ترامب واتهامه باللين والمرونة مع روسيا، ولا توجد صداقة أو عداوة دائمة، فالأمر يتوقف على المصالح.
يدور حديث حاليا عن صفقة القرن فهل لديك معلومات حولها؟
أعتقد أنه لا يستطيع أن يدعى أى شخص خلاف من يعملون على هذا الملف ادعاء معرفة ما هى صفقة القرن وكل ما يقال مجرد تسريبات بعضها مضحك أو سخيف، وبعضها قد يكون واقعيا، لكن كله يندرج تحت بند التخمينات، وسنعرف ما هى صفقة القرن عندما نشاهد ورقة مطبوعا عليها المقترحات، وأعتقد أنه ليس من الحكمة الإسراع فى الحكم على شىء لم نطلع عليه بعد، ولا أعتقد أنه حتى الدول المعنية على علم بكل التفاصيل لكن ربما ببعض أجزاء منها، وما ينشر كله تخمينات، وعملية توقيت إعلان الأفكار متروكة بالكامل للرئيس ترامب ومن يعملون معه فى هذا الملف، وهناك عمل حالى للتجهيز، لأنه ليس من مصلحة الإدارة أن تقدم مقترحات لن يدعمها أحد، وقد قدمت الكثير من المقترحات على مدى الثلاثين عاما الماضية، وقد يكون مصير صفقة القرن مثلها، ولعل أبرزها أفكار الرئيس الأسبق بيل كلينتون التى قطعت شوطا كبيرا، فإنها رفضت من الجانب الفلسطينى، وقد قضيت حياتى كلها فى ملف عملية السلام وأرى أن هذا الرفض الفلسطينى وقتها فى ديسمبر 1999 كان خطأ فادحا، وأراه مماثلا لنكسة 48، وقد اقترح الرئيس الأسبق مبارك بعد هذا الرفض الفلسطينى أن تأتى الأطراف إلى طابا لمزيد من التفاوض، لكن رفض كلينتون المشاركة الأمريكية قبل نهاية ولايته بأيام ولم تصل الأطراف فى طابا إلى اتفاق، وأنا لا أميل للوم طرف معين، لكن أكبر طرف خاسر كان هو الطرف الفلسطينى.
إذن هل تعتقد أن حل الدولتين قد انتهى؟
بمفهومه القديم نعم، لكن قضية الشعب الفلسطينى لم تنته، لكن حلولها على الأسس القديمة انتهت.
ما الاختلافات بين الرؤساء الأمريكيين الذين عملت معهم فى التعامل الشخصى؟
أعتبر نفسى محظوظا على المستوى الشخصى، لأن علاقتى بهم جميعا كانت رائعة، بدءا من الرئيس ريجان ومرورا ببوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأوباما وهى علاقة كانت مبنية على الثقة، ولم أر من أى منهم أى شىء سلبى، وبالطبع كان هناك اختلاف بينهم فى التعامل واُسلوب التفكير، وهناك رئيس يؤمن بفكرة إعطاء الصلاحيات للوزراء والمؤسسات للعمل بحرية بناء على رؤيته التى وضعها مثل الرؤساء ريجان وبوش الابن، وهناك رئيس يفضّل التركيز والسيطرة إلى حد ما على التفاصيل، مثل الرئيس بيل كلينتون الذى كان يهتم بالتفاصيل، وكنت أحد أعضاء فريقه فى ملف عملية السلام، وكنّا نتشاور معه فى التفاصيل، أما الرئيس أوباما فكان خليطا بين الاثنين، لكن كان لديه عقيدة أيديولوجية أقوى ويؤمن بأفكاره الخاصة التى لا يريد تغييرها لكنه يستمع للجميع، أما بوش الأب فكان بمثابة الرئيس التقليدى، فكان يعطى كل الصلاحيات فى مجال السياسة الخارجية لوزير خارجيته وصديقه جيمس بيكر، وأتصور أن وزارة الخارجية تكون فاعلة، عندما تكون العلاقة الشخصية بين الرئيس ووزير خارجيته علاقة صداقة قوية، وعندما لا يتوافر ذلك يكون هناك دور أكبر لمجلس الأمن القومى،وعلى المستوى الشخصى كان الرئيس ريجان مثلا لديه روح الدعابة - ودمه خفيف جدا - وبالمناسبة جميع الرؤساء، الذين عملت معهم كانوا أيضا كذلك وربما باستثناء بوش الأب، وأذكر العديد من المواقف الطريفة مع جميع الرؤساء الذين عملت معهم، لكننى أتحفظ فى التحدث عن هذه المواقف لأنها أسرار،ورئيس الجمهورية فى النهاية بشر، وواهم من يتخيل أن رئيس أمريكا سوبرمان،بل هو فى النهاية بشر، وأنا أعرف مدى ثقل مهمة اتخاذ قرار الحرب، فقد كنت بجوارهم فى تلك اللحظات، وهى من أصعب القرارات.
هل كنت الأمريكى الوحيد من أصول عربية فى البيت الأبيض؟ وكيف حصلت على وظيفة مترجم بالبيت الأبيض فى الثمانينيات؟
كنت المصرى الوحيد لفترة، وكانت أيضا دينا باول رئيس هيئة الموظفين، وهى من أصول مصرية. وقد تركت مصر من أربعين عاما، حيث درست فى أمريكا دراسات عليا وماجستير فى الدراسات الدولية من جامعة فيرمونت حول التفاعل والتواصل بين الثقافات المختلفة، وبدأت عملى كمترجم بالبيت الأبيض مع الرئيس الأمريكى ريجان عام 1988، وخدمت مع الرئيس بوش الأب ومع الرئيس بيل كلينتون ثم الرئيس بوش الابن، وأخيرا خدمت مع الرئيس أوباما لمدة عام ثم تقاعدت، والوظائف بالولايات المتحدة يتم الحصول عليها بالامتحانات - لا توجد حاجة اسمها وساطة - لأنه فى أمريكا فرق كبير بين الحصول على الوظيفة والاستمرار فيها، فإذا لم أكن جيدا طوال فترة عملى، كان يمكن ومن حق أى رئيس عملت معه أن ينهى خدماتى بالبيت الأبيض، وأنتظر كموظف بالخارجية لانتخاب رئيس جديد وربما العودة مجددا، لكننى والحمد لله استمريت فى عملى سواء مع رؤساء جمهوريين أم ديمقراطيين.