عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: مواطنون دونما وطن الأربعاء 15 أغسطس 2018, 9:11 am
نزار قباني - مواطنون دونما وطن
قصيدة سياسية ذات جراة استثنائية ، كادت ان تودي بحياة صاحبها - في هذا الزمن الذي كثر فيه الشعراء المداحين و المطبلين و الغوغائيين - و قد احدثت يومها ضجة كبيرة داخل الأوساط الأدبية و الثقافية العربية لجرأتها ، و تم التعتيم عليها ، و منعت من النشر في الصحف و المجلات، و صودر الشريط الذي سجلت عليه في مكتب لطيف نصيف جاسم وزير الثقافة العراقي آنئذ كي لا تتسرب.
و القصة ان نزار قباني كان قد القى قصيدته هاته لاول مرة في مهرجان المربد الخامس عام 1985 بالبصرة في حضور اعضاء وزارة الاعلام العراقيين الذين سببت لهم احراجا عظيما ، خاصة انهم كانوا ينتظرون شعرا غزليا رقيقا عاطفيا من شاعر كبير عهد فيه أنه لا يكتب سوى عن المراة وغنجها ودلالها ، و لولا ان شفاعة منزلته كشاعر عربي كبير ، و قامته الاجتماعية ، و وزنه الشعري المائز لكان لقي ما لقي من اهانة و تعنيف ، خاصة في بلد عربي كالعراق تحسب فيه كل نأمة و كل نفس على صاحبها ، و مباشرة بعد القاء القصيدة جاء من ينصح الشاعر الكبير بمغادرة العراق فورا دون ابطاء ، و قبل ان يصل الامر الى الجهات العليا فيكون ما لا تحمد عقباه ، و يقال ان طارق عزيز هو الذي تدخل بدل وزير الثقافة - و نصح نزارا بالمغادرة فورا حفاظا على سلامته.
مواطنون دونما وطن نزار قباني
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن مسافرون دون أوراق.. وموتى دونما كفن نحن بغايا العصر كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن نحن جوارى القصر يرسلوننا من حجرة لحجرة من قبضة لقبضة من مالك لمالك ومن وثن إلى وثن نركض كالكلاب كل ليلة من عدن لطنجة ومن عدن الى طنجة نبحث عن قبيلة تقبلنا نبحث عن ستارة تسترنا وعن سكن....... وحولنا أولادنا احدودبت ظهورهم وشاخوا وهم يفتشون في المعاجم القديمة عن جنة نظيرة عن كذبة كبيرة... كبيرة تدعى الوطن
************
مواطنون نحن فى مدائن البكاء قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء حنطتنا معجونة بلحم كربلاء طعامنا.. شرابنا عاداتنا.. راياتنا زهورنا.. قبورنا جلودنا مختومة بختم كربلاء لا أحد يعرفنا فى هذه الصحراء لا نخلة.. ولا ناقة لا وتد.. ولا حجر لا هند.. لا عفراء أوراقنا مريبة أفكارنا غريبة أسماؤنا لا تشبه الأسماء فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا ولا الذين يشربون الدمع والشقاء
*** معتقلون داخل النص الذى يكتبه حكامنا معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا معتقلون داخل الحزن.. وأحلى ما بنا أحزاننا مراقبون نحن فى المقهى.. وفى البيت وفى أرحام أمهاتنا !! حيث تلفتنا وجدنا المخبر السرى فى انتظارنا يشرب من قهوتنا ينام فى فراشنا يعبث فى بريدنا ينكش فى أوراقنا يدخل فى أنوفنا يخرج من سعالنا لساننا.. مقطوع ورأسنا.. مقطوع وخبزنا مبلل بالخوف والدموع إذا تظلمنا إلى حامى الحمى قيل لنا: ممنـــوع وإذا تضرعنا إلى رب السما قيل لنا: ممنوع وإن هتفنا.. يا رسول الله كن فى عوننا يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة أو نكتب الوصية الأخيرة قبيل أن نموت شنقاً غيروا الموضوع
********** يا وطنى المصلوب فوق حائط الكراهية يا كرة النار التى تسير نحو الهاوية لا أحد من مضر.. أو من بنى ثقيف أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف زجاجة من دمه أو بوله الشريف لا أحد على امتداد هذه العباءة المرقعة
**********
أهداك يوماً معطفاً أو قبعة يا وطنى المكسور مثل عشبة الخريف مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا مهجرون من أمانينا وذكرياتنا عيوننا تخاف من أصواتنا حكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق فى عروقهم ونحن نسل الجارية
************* مهاجرون نحن من مرافئ التعب لا أحد يريدنا من بحر بيروت إلى بحر العرب لا الفاطميون... ولا القرامطة ولا المماليك… ولا البرامكة ولا الشياطين... ولا الملائكة لا أحد يريدنا لا أحد يقرؤنا فى مدن الملح التى تذبح فى العام ملايين الكتب لا أحد يقرؤنا فى مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب
************ مسافرون نحن فى سفينة الأحزان قائدنا مرتزق وشيخنا قرصان مكومون داخل الأقفاص كالجرذان لا مرفأ يقبلنا لا حانة تقبلنا كل الجوازات التى نحملها أصدرها الشيطان كل الكتابات التى نكتبها لا تعجب السلطان
************ مسافرون خارج الزمان والمكان مسافرون ضيعوا نقودهم.. وضيعوا متاعهم !! ضيعوا أبناءهم.. وضيعوا أسماءهم.. وضيعوا إنتماءهم وضيعوا الإحساس بالأمان فلا بنو هاشم يعرفوننا.. ولا بنو قحطان ولا بنو ربيعة.. ولا بنو شيبان ولا بنو ' لينين ' يعرفوننا.. ولا بنو ' ريجان ' يا وطني.. كل العصافير لها منازل إلا العصافير التى تحترف الحرية فهى تموت خارج الأوطان