حظر ترامب تسليم طائرات «إف 35» لتركيا سيوقف صناعتها ويكبد الشركاء خسائر بمليارات الدولارات
خشية واشنطن من وصول موسكو لتقنيات الطائرات أحد أبرز أسباب القرار
إسماعيل جمال
Aug 21, 2018
إسطنبول ـ «القدس العربي»: كان يعتقد على نطاق واسع أن تركيا هي عبارة عن مشتر عادي للطائرة الحربية الأحدث في العالم (إف 35) أو ما تعرف بـ«الشبح»، إلا أن التطورات الأخيرة أظهرت التفاصيل الكاملة لبرنامج صناعة الطائرة والذي تعتبر تركيا أحد أركانه الأساسية.
وقبل أيام، ومع تصاعد أزمة غير مسبوقة بين واشنطن وأنقرة على خلفية رفض الأخيرة إطلاق سراح الراهب الأمريكي أندرو برانسون، صادق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على مشروع قانون موازنة الإنفاق الدفاعي لعام 2019، والذي يتضمن «الإيقاف المؤقت لعملية تسليم طائرات الإف35 المقاتلة إلى تركيا، إلى أن يتم عرض التقرير على الكونغرس»، في خطوة اعتبرت عقابية ضد تركيا.
لكن سياسيين ومختصين أكدوا أن قرار ترامب في حال المصادقة عليه من الكونغرس بشكل نهائي سوف يؤدي إلى وقف إنتاج الطائرة بشكل فعلي، أو إعاقة إنتاجها لقرابة العامين بالحد الأدنى كون تركيا شريكة في المشروع وعنصر رئيسي في صناعة الطائرة.
وكان من أبرز المعارضين لهذه الخطوة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الذي بعث برسالة إلى الكونغرس في 7 تموز/ يوليو الماضي، عارض فيها محاولات وقف بيع تركيا مقاتلات «إف 35» وحذّر من أن هذه الخطوة ستثير أزمة في سلسلة التوريد وسترفع من سعر المقاتلات.
وقال ماتيس في رسالته: «إن وقف تسليم تركيا مقاتلات إف 35 قد يدفع تركيا إلى وقف تزويد شركة لوكهيد مارتن بقطع الغيار، ما سيوقف إنتاج المقاتلات، أو سيؤخر الإنتاج وسيستغرق تعديل الوضع وتوفير إمدادات القطع التي تصنعها تركيا من 18إلى 24شهراً».
وحسب المعلومات المعلن عنها رسمياً لحتى الآن، فإن صناعة هذه الطائرة تتم عبر برنامج مشترك لعدد كبير من الدول وهي «تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وهولندا وكندا وأستراليا والدنمارك والنرويج»، إلا أن ثلاثة من هذه الدول التسعة لم تشارك في المشروع بشكل مباشر وهي إسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية.
وتقول مصادر تركية إن أنقرة شاركت في برنامج مقاتلات «إف ـ 35» منذ انطلاقه عام 1999، ولعبت الصناعات الدفاعية التركية دورا فاعلافي إنتاجها، حيث تشارك 10شركات تركية للصناعات الدفاعية في صناعة أجزاء من هذه الطائرات تتعلق بالجزء الأوسط من الطائرة ومحركها بالإضافة إلى الأنظمة الكهربائية الخاصة بها.
ومثلاً، تطور شركة «أسيلسان» للصناعات الدفاعية التركية قطع مهمة في نظام «إليكتروبتيكال» للتهديف في المقاتلة وتشارك إلى جانب شركة أمريكية في تطوير جهاز مراقبة إلكتروني، كما تشارك شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية «توساش» بشكل أساسي في صناعة الجزء الأوسط من المقاتلات.
كما تتولي باقي الشركات التركية مهام متعددة منها إنتاج الغلاف الخارجي وأبواب قسم الذخيرة والقنوات الهوائية،
وتطوير وإنتاج صواريخ موجّهة حساسة من طراز «Stand ـ Off» المقرر استخدامها في مقاتلات «إف ـ 35»، كما تم تهيئة المقاتلة الجديد لتكون قادرة على إطلاق صواريخ تركية الصنع من طراز «كيتي» و«سوم ـ جي».
وإلى جانب المساهمة المشتركة في تطوير وصناعة الطائرة، فإن الدول المشاركة يحق لها شراء الكمية التي تريدها مقابل سعر محدد لكل طائرة يقترب من 100مليون دولار، وأعلنت تركيا منذ سنوات أنها ستشتري 100طائرة على الأقل من هذا الطراز بقيمة إجمالية تصل إلى 16 مليار دولار، وقدمت دفعات تصل إلى مليار دولار مقابل حصولها على الدفعة الأولى من طلبيتها الكبيرة.
وقبل أسابيع، تسلمت تركيا التي ساهمت بمرحلة تطوير الطائرة بقرابة 1.2مليار دولار أول مقاتلة في مراسم أقيمت في منشأة «لوكهيد مارتن» الأمريكية في مدينة «فورت وورث هو» في ولاية تكساس، بحضور نائب مستشار الصناعات الدفاعية التركية، سردار دميريل الذي عبر عن فخر تركيا بكونها «جزء من مشروع تصنيع هذه المقاتلة»، لكن هذه المقاتلة لم تصل تركيا بعد، حيث من المقرر أن تتسلمها فعلياً عام 2020 عقب إتمام عمليات تدريب الطيارين الأتراك عليها في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن توقيع ترامب على توصية الكونغرس جائب في إطار الإجراءات الانتقامية من تركيا بفعل الأزمة الأخيرة بين البلدين، إلا أن التحركات الأولية لهذا القرار كانت بهدف معاقبة تركيا على شرائها منظومة إس 400الدفاعية من روسيا ورفضها التخلي عن هذه الصفقة وخشية جهات عسكرية أمريكية من أن تصل تقنيات الطيارة الأحدث في العالم إلى روسيا من خلال تركيا التي تقاربت معها بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
والأحد، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاووش اوغلو على أن بلاده تواصل صناعة أجزاء من طائرة إف ـ 35على أراضيها، مذكراً بأنّ مشروع الطائرة مشترك بين عدة دول، وليس مشروعا يمكن لطرف ما أن يعلن انسحابه منه.
وقال الوزير: «تركيا ترجح دائما حل كافة المشاكل العالقة مع واشنطن عن طريق الدبلوماسية، ولكن الولايات المتحدة اختارت لغة التهديد، وتركيا تعارض عقلية فرض الإملاءات».
فيما لوح سابقاً المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين بأنه «في حال اتخاذ أي خطوة باتجاه منع أو تأخير تسليم الطائرة إلى تركيا، فأول طريق ستسلكه تركيا هو القانون والتحكيم الدولي»، مضيفاً: «ينبغي على الجميع معرفة أن تركيا ليست دولة يتم التضحية بها بسهولة، سواء في مسألة مقاتلات إف ـ 35 أو بمواضيع أخرى، فتركيا ليست بدون بدائل»، وذلك في إشارة إلى تهديد تركي سابق بالحصول على طائرات حربية روسية متطورة كبديل عن طائرات إف 35.
ورغم قرار ترامب الأخير، فقد نقلت وكالة الأناضول التركية عن مكتب برنامج تصنيع مقاتلات «إف 35» المشترك تأكيده أن الخطط الراهنة للبرنامج ستتواصل مع كافة الشركاء، وسيتم الامتثال للتعليمات السياسية المستقبلية، في حين أكدت مصادر تركية أن برنامج تدريب الطيارين الأتراك على استخدام هذا النوع من الطائرات ما زال متواصلاً دون إعاقات.
ويستبعد مراقبون أن توافق وزارة الدفاع الأمريكية على تمرير قرار ترامب الأخير وتجنب توجيه ضربة كبيرة للمشروع الأضخم تمويلاً في تاريخ وزارة الدفاع الأمريكية، ففي حال استبعاد تركيا بشكل نهائي من البرنامج سوف يتكبد الشركاء الآخرون في صناعة الطائرة خسائر بمليارات الدولارات بالإضافة إلى زيادة الأعباء المالية عليهم، إلى جانب خسارة بيع تركيا قرابة 100طائرة بقيمة تصل إلى 16مليار دولار، كل ذلك إلى جانب تعرض البرنامج إلى انتكاسة كبيرة بفعل توقف الشركات التركية عن تزويده بالقطع التي تصنعها هي من الطائرة وبالتالي من المتوقع أن يتوقف البرنامج إلى أشهر طويلة إلى حين تأمين قطع بديلة.
وإلى جانب ذلك يتوقع أن تخوض تركيا معركة قانونية مع الإدارة الأمريكية من خلال القضاء الدولي كونها شريك أساسي في المشروع وساهمت في مراحل التطوير بمبالغ مالية كبيرة إلى جانب دفعها قرابة مليار الدولار مقابل استلامها أول مجموعة من هذه الطائرات.