الكيان يعتبرها تهديدًا إستراتيجيًا: تنامي ظاهرة هجرة الأدمغة الإسرائيليّة وتزايد كبير بنسبة هجرة المُستوطِنين المتعلِمين إلى الخارج
الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
قبل عدّة سنواتٍ قامت في كيان الاحتلال الإسرائيليّ حركة احتجاجيّة ضدّ سياسة الحكومة الاقتصاديّة وغلاء المعيشة المُرتفِع جدًا، ولكنّ مظاهرات مئات ألآلاف من المُواطنين الإسرائيليين ضدّ سياسة حكومة بنيامين نتنياهو في المجال الاقتصاديّ لم تُجدِ نفعًا، فاللجنة التي شكلّتها الحكومة الإسرائيليّة، والتي ناقشت وبحثت المشكلة، لا بلْ المعضلة، قدّمت توصياتها إلى المُستوى السياسيّ، ولكنّ التوصيات بقيت حبرًا على ورق، ولم تخرج إلى حيّز التنفيذ بتاتًا.
وجاء ردّ المُواطنين الغاضبين في بدء الهجرة إلى الدول الأوروبيّة، وتحديدًا ألمانيا، وهي الحركة الاحتجاجيّة التي عُرِفت بحركة احتجاج الكوتج، وهو لبنٌ إسرائيليٌّ، تبينّ لقادة الحركة الاحتجاجيّة أنّه يُباع في أوروبا بأسعارٍ مُنخفضةٍ جدًا، مُقارنةً مع سعره في سوق كيان الاحتلال، ولم تتمكّن الحكومة من إقناع المُهاجرين الجدد من وقف الهجرة إلى أوروبا، الذين عادوا وأكّدوا أنّ الأمر لا يقتصِر على سعر اللبن الذي تُنتجه إسرائيل، بل يشمل العديد من السلع الضروريّة لكلّ مُواطنٍ في الدولة العبريّة، وهذا الأمر إنْ دلّ على شيءٍ، فإنّه يدُلّ على عدم وجود أيّ انتماءٍ للأرض وللدولة العبريّة، التي أُقيمت في العام 1948 على أنقاض الشعب العربيّ-الفلسطينيّ في أبشع جريمةٍ ارتُكبت في التاريخ.
ومع كلّ ذلك، لم تتوقّف الهجرة المُعاكِسة بتاتًا، بل على النقيض استمرّت وبوتيرةٍ عاليّةٍ، وفي هذا السياق، أشارت صحيفة “هآرتس” العبريّة إلى تزايدٍ كبيرٍ في نسبة هجرة المستوطنين المتعلمين إلى الخارج، موضحةً في الوقت عينه أنّ كلّ شخصٍ أكاديميٍّ يعود إلى الدولة العبريّة يُغادِر مُقابلة أربعة أشخاص آخرين، كما أكّدت الصحيفة العبريّة.
ونقلت الصحيفة عن الخبير الاقتصاديّ الإسرائيليّ البروفيسور دان بن دافيد قوله إنّ الإسرائيليين”الأكثر تعلّمًا وأصحاب المؤهلات الأكثر حيويةً لنجاح الاقتصاد يهاجرون إلى الخارج بوتيرة متزايدة، مُحذرًا في الوقت عينه من أنّ سياسة حكومة بنيامين نتنياهو الحالية تُبعِد هؤلاء المتعلمين والمؤهلين، بدلاً من تحفيزهم على البقاء أوْ العودة إلى الدولة العبريّة، على حدّ قوله.
وأكّدت الصحيفة العبريّة على أنّ البروفيسور بن دافيد، أعدّ بحثًا حول موضوع هجرة الإسرائيليين إلى خارج كيان الاحتلال، ركّز فيه على ثلاثة شرائح سكانية: الباحثون الأكاديميون، الأطباء، وموظفو صناعة الهايتك (التكنولوجيا المُتقدمة)، وقد بلغ عدد هؤلاء 130 ألفًا من بين سكّان دولة الاحتلال.
وذكر البروفيسور أيضًا في سياق حديثه مع الصحيفة العبريّة، ذكر أنّه على الرغم من عددهم القليل، إلّا أنّ التفوق النوعيّ للاقتصاد الإسرائيليّ يستند ويعتمد عليهم، وحجم الهجرة بينهم ينبغي أنْ يُثير قلق صناع القرار في تل أبيب، مضيفًا في الوقت ذاته أنّه بسبب الحجم الهش لهذه المجموعة، فإنّ مغادرة كتلة هامة بينهم – حتى لو شملت عدة عشرات الآلاف – يمكن أنْ ينطوي على عواقب كارثية على الدولة العبريّة كلّها، كما قال.
بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، لفتت الصحيفة العبريّة في سياق تقريرها إلى أنّ البروفيسور بن دافيد أعرب عن قلقه من الوضع وسط المتعلمين، مشيرةً إلى أنّ معطيات الدائرة المركزية للإحصاء، وهي هيئة رسميّة تابعة للحكومة الإسرائيليّة، تُظهِر أنّه في عام 2017 غادر إسرائيل أربعة من أصحاب الشهادات الأكاديمية مقابل كلّ أكاديميٍّ عاد إليها، وقبلها بثلاث سنوات كانت النسبة 2 مقابل 1، كما أكّد.
عُلاوةً على ذلك، تحدثت الصحيفة العبريّة عن مغادرة أطباء إسرائيليين إلى الخارج، الأمر الذي أدّى إلى نقصٍ في موارد تأهيل الأطباء، مضيفة أن المواطنين المهتمين بتعلم الطب، يتجهون إلى الدراسة في الخارج، وكثيرون منهم لا يعودون إلى الدولة العبريّة بعد إنهاء دراستهم، كما أكّدت.
وبحسب البروفيسور بن دافيد، فإنّ الأولويات تقود إلى تقليص نسبة مغادرة متزايدة للإسرائيليين الأكثر تعلّمًا، إلّا أنّه استدرك قائلاً إنّ الحوافز غيرً كافيةٍ لتغيير هجرة الأدمغة، على حدّ تعبيره.
على صلةٍ بما سلف، ذكرت القناة “13” بالتلفزيون العبريّ أنّ البرتغال تحولت مؤخرًا إلى البلد المفضل لدى الإسرائيليين للهجرة إليه، على الرغم من اقتصاده المتعثر. القناة عزت أسباب هجرة الإسرائيليين إلى هذا البلد إلى توفر جواز السفر البرتغالي لعشرات آلاف الصهاينة الذين طردوا من إسبانيا، وبأسعار زهيدة، ولفتت إلى أنّه بسعر غرفة في تل أبيب بالإمكان شراء مزرعة كاملة من عشرات الدونمات في البرتغال، أوْ قصرًا فارهًا مع مسبح كبير في قرية.
وتابعت القناة قائلةً إنّ الجالية اليهودية الصغيرة في البرتغال والتي كانت معتادة على الاهتمام بشؤونها بهدوء خلف الأسوار وكاميرات الحماية لا تعرف كيف ستواجه الضغط الذي وجدت نفسها أمامه، وذلك بسبب كثرة طلبات الإسرائيليين الراغبين في الحصول على شهادة تؤكد أنّه تمّ طردهم من إسبانيا، مؤكّدةً وجود تخوّفٍ من جزع الحكومة البرتغاليّة، ما يدفعها لإيقاف هجرة الإسرائيليين إلى هذا البلد.