إندبندنت
ماذا يحدث بالبصرة وما تداعيات ذلك على المنطقة؟
التاريخ:8/9/2018
ويقول كوكبيرن في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الاحتجاجات الحالية في العراق هي الأكثر خطورة التي يشهدها البلد من سنوات، وتجري في قلب أكبر مناطق النفط في العالم، حيث هاجم المتظاهرون مقرات الحكومة في البصرة وحرقوها، وكذلك مقرات الأحزاب السياسية والمليشيات، التي حملها السكان المحليون مسؤولية البؤس الذي يعانون منه، وأغلق المتظاهرون الميناء الرئيسي في أم قصر، الذي يستورد من خلاله معظم الحبوب التي يحتاجها العراق، وأطلقت قنابل الهاون على المنطقة الخضراء في بغداد، ولأول مرة منذ عدة أعوام، وقتل برصاص قوات الأمن 10 أشخاص على الأقل، وذلك في محاولة لقمع الاحتجاجات المستمرة منذ أربعة أيام".نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب باتريك كوكبيرن، تحت عنوان "على العالم أن يقلق من احتجاجات البصرة"، يعلق فيه على آخر التطورات التي حدثت في مدينة البصرة العراقية.
ويجد الكاتب أنه "لو اندلعت هذه التظاهرات في عام 2011، أي في ذروة تظاهرات الربيع العربي، لكانت على رأس أجندة الإعلام حول العالم، وكما هو الحال فقد حظيت التظاهرات الحالية بتغطية إعلامية محدودة من وسائل الإعلام، التي تركز على ما يجري في محافظة إدلب السورية لا الأحداث في العراق".
ويقول كوكبيرن إن "العراق سقط مرة أخرى من خريطة الإعلام في اللحظة التي غرق فيها في أزمة قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة كلها. إن قلة اهتمام الحكومات الغربية ووسائل الإعلام هي نذر شؤم عما حدث قبل خمسة أعوام عندما تجاهلت هذه تقدم تنظيم الدولة، وقبل سيطرته على الموصل، وقلل الرئيس باراك أوباما من خطر التنظيم، ووصفه في كلمات ندم عليها لاحقا، بأنه يشبه فريق كرة سلة للناشئين".
ويرى الكاتب أن "سبب التظاهرات الحالية واضح، وهو أن العراق تحكمة طبقة سياسية تتعامل مع أجهزة الدولة العربية على أنها آلة للنهب، ورغم أن الدول الأخرى تعاني من الفساد، خاصة تلك الغنية بالنفط أو المصادر الطبيعية، وأصبح فيها أصحاب العلاقات السياسية أثرياء فوق ما يمكن تخيله، إلا أن العمولات غير الشرعية مهما كانت قد بنيت عليه".
ويستدرك كوكبيرن بأن "العراق لا يعمل بهذه الطريقة، ومن بين الغاضبين على 15 عاما من السرقة بالجملة، هناك مليونا شخص يعيشون في البصرة، وفي يوم من الأيام وصفت بأنها مدينة البندقية في الخليج، وتحولت قنواتها المائية اليوم إلى مصارف صحية مفتوحة، وأصبحت مياهها ملوثة إلى درجة لم تعد فيها صالحة للشرب وسامة".
ويشير الكاتب إلى أن "التظاهرات هذا العام اندلعت بسبب نقص الكهرباء والمياه والوظائف، والخدمات التي تقدمها الحكومة كلها، والظلم بات واضحا أكثر؛ لأن شركات النفط القريبة من البصرة تصدر النفط بمعدلات عالية، ووصل مستوى الإنتاج في آب/ أغسطس إلى أربعة ملايين برميل في اليوم، بشكل عاد على الحكومة في بغداد بـ7.7 مليار دولار في الشهر".
ويستدرك الكاتب بأنه "للمفارقة، فإن البصرة الغنية بالنفط تواجه خطر انتشار مرض الكوليرا، وذلك بحسب المسؤولين الصحيين فيها، وفي الأسابيع القليلة الماضية استقبلت مستشفيات البصرة 17500 حالة يعاني أفرادها من إسهال مزمن وأوجاع في المعدة، بعدما أصبحوا مرضى من شرب المياه الملوثة، واختلطت المياه المالحة مع العذبة، ما جعلها مالحة، وقلل من أثر الكلور الذي يقتل عادة البكتيريا، وهناك الكثير من البكتيريا؛ لأن نظام المياه لم يتم تحديثه منذ 30 عاما، وبسبب اختلاط مياه الصرف الصحي الخارجة من الأنابيب المنفجرة مع مياه الشرب".
ويقول كوكبيرن: "الحكومات العراقية لا تستطيع التعامل جيدا مع هذه الأزمات في الأوقات العادية، وجاءت هذه الاحتجاجات في وقت سيئ، خاصة أن الكتلتين السياسيتين فشلتا في تشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد الانتخابات التي جرت بعد 12 أيار/ مايو، وفشل البرلمان ولأول مرة في انتخاب رئيس له، وقرر تعليق العمل لمدة 10 أيام، وسيعقد اجتماعا طارئا اليوم لمناقشة الأزمة في البصرة".
ويذهب الكاتب إلى أنه "حتى لو تم تشكيل الحكومة الجديدة في ظل رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، أو أي شخص آخر، فإن ذلك لن يحدث فرقا، فالكتلة التي حصلت على نتائج جيدة في الانتخابات هي تلك التابعة لمقتدى الصدر، الذي تحالف مع الحزب الشيوعي الصغير، مؤكدا علمانيته ولا طائفيته وتقدميته، فيما يقول نقاده إن النواب الصدريين كانوا في الحكومات السابقة فاسدين مثل غيرهم، والمشكلة ليست أفرادا فاسدين، لكن الآلية السياسية بشكل عام، فالوزارات تقوم على المحاصصة الحزبية، التي تستخدمها على أنها بقرة حلوب ووسيلة لتوظيف أتباعها، وبحسب مستشار العبادي، مظهر صالح، فإنه دون تغيير النظام السياسي فلن تتم محاربة الفساد".
ويعتقد كوكبيرن أن "هذا النظام، القائم على منح الوظائف للموالين دون الأخذ في عين الاعتبار المهنة والكفاءة، يترك أثره المدمر على العراقيين العاديين، فالكثير من الذين صعدوا إلى قطار العسل خلال الـ15 عاما الماضية لا يستطيعون تحسين الأوضاع حتى لو أرادوا، وقام محافظ سابق للبصرة بإعادة الميزانية كلها للحكومة لأنه لم يجد أي شيء يمكنه إنفاقها عليه".
ويتساءل الكاتب عن العوامل التي أدت إلى هذا الوضع، مشيرا إلى مواجهة تنظيم الدولة، "لكن الحرب قد انتهت، ولم يعد العراقيون مهددين به، ولهذا أخذوا يركزون على الجسور والطرق المدمرة، وضرورة تحسين الطاقة الكهربائية، في بلد تصل فيه درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية في الصيف".
ويلفت كوكبيرن إلى أن "الكثير من العراقيين يفضلون تغييرا جذريا للوضع، لكنهم يعترفون بصعوبة تحقيق ذلك، فالنخبة السياسية ليست وحدها التي تستفيد من موارد النفط، بل هناك 4.5 مليون موظف يعتمدون في رواتبهم على الدولة، ولهذا فإن من مصلحتهم بقاء الوضع القائم".
ويقول الكاتب إن "العراق سيظل محكوما بحكومة عاجزة وفاشلة، بشكل يفتح المجال أمام مخاطر أخرى؛ فتنظيم الدولة هزم لكنه لم ينته، بالإضافة إلى تزايد الانقسامات بين الشيعة".
ويختم كوكبيرن مقاله بالقول إن "مشكلة يتزايد خطرها في العراق لن تبقى مقتصرة عليه، وعلى العالم تعلم هذا الدرس، خاصة بعد غزو العراق عام 2003، وعادة ما يحاول المسؤولون العراقيون الحصول على دعم القوى الخارجية، وقد تحول العراق إلى ساحة للمواجهة المتزايدة بين أمريكا وإيران، ومثل وباء الكوليرا في البصرة فإن الأزمة العراقية غالبا ما ستنتشر لبقية المنطقة وسريعا".