هل مشروع الاسلام السياسي كان صناعة انجليزية ورثها الامريكان عنهم كما ادعى مدير المخابرات الخارجية الروسية..
وهل كانت الحركات القومية افضل حالا؟
وما هو دور “الاخوان” في الربيع العربي؟
September 19, 2018
د. عبد الحي زلوم
استطاع الاستعمار الاجنبي لبلادنا بشكل مباشر او عبر من خلفهم من وراءه تضييق (هوية) الافق السياسي تدريجيا من امة اسلامية من مشارق الارض الى مغاربها، الى امة عربية واحدة ( من المحيط الى الخليج ) ذات رسالة خالدة سالت كثيرا ما هي ولم اجد جوابا لها، ثم الى امة المشرق العربي في الهلال الخصيب حسب مشروع الحزب القومي السوري وفصل المغرب العربي عنه، ثم الى مصر اولا، والاردن اولا، ثم الى ال سعود اولا، وال نهيان اولا، وعشائر تكريت اولا، وعشائر العلويين اولا، ثم الى حارتنا اولا، ثم الى انا اولا واخيرا.
من الواضح ان هذا التطور بل التدهور حصل خلال المـئة سنة ما بعد الدولة الاسلامية العثمانية والتي علمنا الاستعمار انها كانت هي الاستعمار بعينه وأنه جاء لترقيتنا لاستيعاب حضارته !
من المفيد أن نبين بداية ان الاحزاب التي رفعت الشعارات ووضعت الاهداف التي كان يتم تقزيمها سنة بعد سنة لم يكن بطريقة عفوية وانما نتيجة عملية ممنهجة عبر برامج مدروسة من خبراء في علم النفس والاجتماع.
ما نبتغيه هنا هو عصف فكري نأمل أن ينتج عنه انارة الطريق لمستقبل افضل.
ـ ادعاءات ميخائيل فرادكوف: ادعى مدير المخابرات الخارجية الروسية في محاضرة القاها بحضور السفراء الروس في الدول العربية والاسلامية أن الانجليز اثناء حكمهم مصر سنة 1928 هم من تبنوا تأسيس جماعة الاخوان المسلمين وذلك كجزء من سياسة (فرق تسد) لاستعمالهم ضد القومية العربية . ويدعي ايضاً أنه حينما ورثت الامبراطورية الامريكية ارث بريطانيا العجوز كانت الجماعة من ذلك الارث .
انا لا اتفق مع هذا الطرح وارجح أن قيادة الجماعة آنذاك اجتهدت ولربما ظنت امكانية وجود تقاطع مصالح. ولعل مقاومة الاخوان المسلمين المسلحة ضد القوات الانجليزية في قناة السويس هو دليلٌ على ترجيح هذا الرأي. الا أنني كنت اتساءل ولا أجد سبباً مقنعاً عن تشجيع الانتداب البريطاني في فلسطين على تأسيس فرع الجماعة هناك . اذكر انه في سنة 1945/1946 اصطحبني والدي لحفل تدشين الجماعة في القدس وكان الحفل منقولاً من دار الاذاعة الفلسطينية في القدس ومديرها العام بريطاني . وما زلت اذكر اسم المذيع وهو (عصام حماد).
ـ الاخوان المسلمين والناصرية:
حركة 23 يوليو 1952 كانت انقلاباً شارك به الاخوان المسلمون في بدايته ثم اختلفوا مع العساكر . كان الشاب جمال عبد الناصر ذو الاثنين والثلاثين سنة شاباً وطنياً بامتياز وكان انقلابه محدود الاهداف بإخراج الانجليز من مصر. وبخبرته المحدودة آنذاك ظن ان الولايات المتحدة كأنها (جمعية خيرية ) ستساعده في تحقيق هدفه. كان كيم روزفيليت عميد الـCIA في الشرق الاوسط له مكتب بجانب مكتبه .
عندما اكتشف عبد الناصر مآرب الامريكان قاومها بشدة وبدأ مشروع الانقلاب يتحول الى (محاولة ثورة ) تبدأ باصلاح اجتماعي زراعي ثم بتأسيس منظومات سياسية تساعد في تطبيقات مبادئ الثورة . فمن بعد ان كان حليفاً للولايات المتحدة اصبح عدوها اللدود. لكن نظامه كان شمولياً بكل مساوئ مثل هذه الانظمة . كان رئيس جيشه (حشاشاً )وكان كأكثرية بطانة الحكم يقضون اوقاتهم مع الفنانات في وسط فاسد كان مرتعاً للمخابرات الاجنبية قبل المحلية. وكان الغرب يقرأ عبد الناصر ككتاب مفتوح يستطيع أن يحركه بواسطة فعل كانوا مدركين لرد فعله المطلوب . ومن مثل ردود الفعل هذه كانت حرب 1967 والذي تم جره اليها ولم يكن يريدها . كانت تلك الحرب في اساسها حرب مخابرات لدرجة (اسكار)طياري سلاح الجو نفس ليلة الهجوم. حتى في ساعة الصفر رتبوا أن يكون المشير الخطير في الجو فاقداً الاتصال مع غرفة العمليات وهكذا كان الجيش بلا قيادة .
سنوات عبد الناصر الثلاثة بعد 1967 كانت سنوات ثورة حقيقية لو قيض الله له ولها البقاء لغيرت التاريخ بنى خلالها جيشاً هو الذي اقتحم تحصينات خط برليف وبدأ يُنظف بطانته . ولكن كل ذلك تم شطبه بقرار واحد هو تعيين (الرئيس المؤمن) انور السادات نائباً له
ـ الاخوان المسلمين والناصرية:
هل كان اصطفاف جماعة الاخوان المسلمين في مصر تحديداً وبقية الحركات الناصرية (القومية ) نتيجة العقلية الجاهلية التي تقول عليّ وعلى اعدائي أو سأتحالف مع الشيطان ضد من نكل بي أم انها كانت عمالة كما يدعي ميخائيل فرادكوف ؟ اياً كان السبب فإن اصطفافهم مع أنور السادات لمسح انجازات عبد الناصر الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية امراً كارثياً لانه نتج عنه كما ادعى ميخائيل فرادكوف و كما اعتقد ارتماء مصر في احضان الولايات المتحدة وبالتالي اسرائيل وتغيير نهج مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي الى ما اوصل مصر العظيمة التي كانت تقود العالم العربي ليتم قيادتها من مشيخات !! اضافة الى أن نتائج كامب ديفيد كانت كارثيةً على العالم العربي وكافة قضاياه .
يعتقد ميخائيل فرادكوف ان تنظيم الاخوان كان الوحيد القادر على افشال كامب ديفيد ولكنه لم يفعل
ـ الاخوان المسلمين والاردن والمخابرات الامريكية:
يقول ميخائيل فرادكوف أن قيادات الإخوان المسلمين في الاردن وقد ذكر اسماءهم وكانوا 6 (ولا داعي لان اذكر اسماءهم ) اجتمعت مع المخابرات الأمريكية سنة 1982 وفي هذا اللقاء، تقرر فرز عبد الله عزام كقناة اتصال وتنسيق بين الإخوان المسلمين والمخابرات الأميركية بغرض التعاون في التصدي للنفوذ السوفييتي في أفغانستان إسلاميا دون الحاجة إلى تدخل أميركي مباشر. من المثير أن ميخائيل فرادكوف لم يذكر شيئاً عن دور السعودية ومخابراتها في هذا الموضوع علماً بان عبد الله عزام كان يعمل في السعودية والتي (تطوعت) أن تساهم في تكاليف الحرب في افغانستان دولاراً مقابل كل دولار تدفعه الولايات المتحدة وأن بدايات اسامة بن لادن كانت عن طريق المخابرات السعودية وتحديداً عن طريق رئيسها آنذاك تركي الفيصل. وقد انشئ عبد الله عزام بالتعاون مع اسامة بن لادن والمخابرات الحليفة للولايات المتحدة منظمة القاعدة وتم اغتيال عبد الله عزام في مرحلة لاحقة من السوفييت . وتم اغتيال اسامة بن لادن كما الحال مع اكثر حلفاء الولايات المتحدة ! وبالرغم من النيات والتي قد تكون بريئة أو لا تكون لكن في المحصلة كانت هذه حرباً بالوكالة لصالح ال CIA. واذا كان الموضوع موضوع الجهاد في سبيل الله ففلسطين المحلتة اقرب الى الاردن من افغانستان . اتمنى على السادة اعضاء الجماعة الاحياء الخمسة ممن كانوا في اجتماع 1982 أن يُبدو وجهة نظرهم فقد يكون لديهم اسباباً ومبررات نجهلها.
ـ مشروع الربيع العربي:
يصل ميخائيل فرادكوف الى النتيجة أن الربيع العربي كان مؤامرةً امريكية، ويصل الى استنتاج انه تم اختيار تونس لانها الحلقة الاضعف في سلسلة مخطط الدول العربية المستهدفة وكذلك لان حزب النهضة (الاخوان المسلمين) والذي يراسه الغنوشي كان حزبا جيد التنظيم .
يقول ميخائيل رادكوف ان الولايات المتحدة كانت ايضاً وراء الاحداث في مصر وأن حسني مبارك وبالرغم من أنه كان اداة امريكية الا انه كان اخر من يعلم . ويقول ان الولايات المتحدة قد ضغطت على المجلس العسكري لإجراء انتخابات مبكرة وهم يعلمون ان التنظيم الوحيد القادر على تنظيم الصفوف والفوز هم جماعة الاخوان المسلمين . واضاف ان الغرب وامريكا ارادوا ان تكون ليبيا مخزناً للجهاديين والاسلحة لنقلهم لمناطق اخرى في الوقت المناسب وقد تم نقل كثيرين منهم الى سوريا .
ـ سوريا وتركيا
قال مدير المخابرات الروسي بأن حزب اردوغان اُنشئ بالتوافق والتنسيق مع الولايات المتحدة. ويضيف ان استراتيجي التخطيط في الولايات المتحدة الذين يأتمر بأمرهم الحزبين الامريكيين اياً منهما كان في السلطة كانت استراتيجيتهم هي تمكين الاخوان المسلمين للوصول الى الحكم في مخطط مؤامرة الربيع العربي وذلك بصفتهم جماعة منظمة ولها جمهور وحضور كبيرين في اكثر البلدان العربية بالاضافة الى علاقتهم القوية بالولايات المتحدة، وان انظمة الحكم القائمة والشمولية قد شاخت وجاء اوان تغييرها.
يرى ميخائيل فرادكوف أن الولايات المتحدة كانت تأمل أن تكون تركيا المزدهرة اقتصادياً والمنظمة حزبياً نموذجاً اسلامياً (معتدلاً ) لبقية دول العالم الاسلامي . بالنسبة لاردوغان فقد طور اقتصاده بأكثر مما يحب الغرب المهوس بالاسلامفوبيا. زاد في مشكلاته مع الولايات المتحدة انه بدأ يبدي استقلالية في قراراته فحاولوا الانقلاب عليه بل اغتياله. اردوغان برأيي هو مثالٌ ممن تعاملوا مع الولايات المتحدة بهدف أن يكونوا حلفاء لتقاطع المصالح فتبين لهم أنها تريد عملاء لا حلفاء وهو ليس عميلاً.
دعني اقارن معلومات مدير المخابرات الخارجية الروسي مع ما كتبته قبل محاضرته . في مقال لي في راي اليوم بتاريخ 29/8/2018 جاء فيه : ” كان هناك جناح في الولايات المتحدة يدعو الى اسلام علماني متحالف مع الامبراطورية الامريكية … فالادارة الامريكية لا تمانع باسلام سياسي على الطريقة التركية الاتاتوركية … يتقبل المبادئ الرأسمالية الامريكية اقتصادياً وسياسياً . من هذا المنظور أو كما افترض الامريكان شكل اردوغان حزب العدالة والتنمية بالتحالف مع جماعة فتح الله غولن وهي جماعة مرتبطة بــCIA .الا أن دولة الاحتلال واللوبيات الصهيونية كانت ترى في الحركات الاسلامية تهديداً لأمنها لانها تعتبر ان الاسلام اياً كان لونه هو العدو فغيرت الولايات المتحدة استراتيجيتها “
بالنسبة للربيع العربي كتبت في صفحة 28 من كتابي (الربيع العربي : ثورة أم فوضى غير خلاقة) ما نصه:” ولو اردت ان ابدي رايا لجماعة الاخوان المسلمين لسألتهم ان يقوموا بتحليل لتاريخهم من حيث تكرار استعمالهم واستخدامهم من قبل الانظمة ثمّ تخلي هذه الأنظمة عنهم، لا بل والتنكيل بهم أحياناً، وقد حدث مثل ذلك ثلاث مرات عبر تاريخهم في العقود القليلة :
ساعدوا جمال عبد الناصر وجماعته من الضباط في ثورة 1952 تم نكل بهم أيّما تنكيل.
ساعدوا أنور السادات في التخلص من نظام عبد الناصر وتغيير المنهج الاقتصادي إلى الانفتاح على الراسمالية بأعلى وأوسخ مراتبها ثم تمّ التخلي عنهم وبقوا معه ومع خليفته مبارك بين مدّ وجزر، كجماعة غير قانونية يتم استعمالها متى كان للنظام فائدة بذلك .”
في ندوة نظمتها قناة الجزيرة في تاريخ 16/3/2013 عن الربيع العربي حضرها اكثر قادة الاخوان المسلمين كنت احد المدعوين المستقلين .سلمت نسخة من كتابي المذكور الى قادة الاخوان المسلمين في تلك الندوة بمن فيهم راشد الغنوشي .
توصل ميخائيل فرادكوف من أن مشروع الاخوان المسلمين قد انتهى. ولدي وجهة نظر اخرى.
– الاحزاب القومية
من المفيد ربما ان نبين ان حال الاحزاب القومية لم تكن احسن حالا من الاخوان المسلمين. فلنبدأ باكبرهم حزب البعث . فلناخذ شعار الحزب (وحدة حرية اشتراكية). دفع الحزب لوحدة سورية مع مصر وكان اول من ايد الانفصال وساعد عليه. حكم حزب البعث كل من سوريا والعراق قرابة اربعين سنة . كانت النتيجة لا وحدة ولاحرية ولا اشتراكية بل حارب جيش البعث السوري تحت قيادة الولايات المتحدة ضد جيش حزب البعث العراقي !. .ولنزيد الشعر بيتا قال علي صالح السعدي القيادي البعثي العراقي عن وصولهم الى السلطة فقال” جئنا للسلطة على قطار امريكي “. وقال الملك حسين لهيكل كما كتبه بعموده الاسبوعي (بصراحة): ” اعلم يقينا ان محطة ال CIA في الكويت كانت ترسل باللاسلكي اسماء وعناوين الاشخاص المطلوب اعتقالهم او تصفيتهم لانقلابي البعث” .كما وقرات الشيء نفسه من مصادر اخرى. اما عن شعار الحرية فكانت الانظمة شمولية قبلية عائلية.
اخيرا اقول : يجب ان لا يدعوا كل ذلك للاحباط. فقد نشأت تلك الاحزاب ايام حكم الاستعمار المباشر وغير المباشر للانظمة التي استخلفها . ولقد انكشفت الاقنعة عن الوجوه.
علمنا التاريخ ان امتنا تجدد نفسها بعد كبواتها. دمر المغول بغداد وقتلوا خليفتها وحرقوا مكتاباتها لكن الحضارة العربية الاسلامية احتوتهم فحاربوا من اجلها ! و هناك جيل صاعد واعي مكنته ثورة المعلومات ان يعرف الخبيث من الطيب. وفي عالم ثابته الوحيد هو التغيير فالتغيير قادم لا محاله ضمن اطار ايديولوجي يعيد توسيع محتوى الدولة الذي ضيقه الاستعمار ليهذب (الانا والانانية ) وليحتوي من جديد القوميات ( ولقد خلقناكم شعوباً) والعشائر ( وقبائل) وتكوين امة منفتحة على الاخر لها دينها ولهم دين.
مستشار ومؤلف وباحث