مخاطر تهدد أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
عبد معروف
Sep 29, 2018
بيروت ـ «القدس العربي»: يتابع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بقلق شديد ما تتخذه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» من إجراءات أدت حتى الآن إلى تخفيض خدمات ومساعدات طبية وتعليمية وإغاثية هامة خاصة بعد القرار الأمريكي الأخير بتقليص دعمها للوكالة الأممية من 360 إلى 60 مليون دولار فقط.
وكانت وكالة الأونروا تأسست عام 1949 من أجل إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين وقدّمت مساعدات وخدمات شملت التعليم والرعاية الصحيّة والإغاثة والدعم المجتمعي لأكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني من أصل خمسة ملايين مسجّلين لاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا.
اعتمد تمويل الوكالة الأممية خلال فترة عملها على تبرّعات تقدّمها الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي قرّرت إدارة رئيسها دونالد ترامب تقليص مساهمتها في ميزانية الوكالة ونتج عن ذلك أزمة ماليّة خانقة تهدّد وجودها وأثّرت على خدماتها ومن أهمّها التعليم والصحة.
وتسيطر حالة من الخوف والقلق داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، بعد أن بدأت وكالة الأونروا بتقليص خدماتها ومساعداتها الطبية والتعليمية والإغاثية، وتصاعدت مخاوف اللاجئين الفلسطينيين بعد القرار الأمريكي الأخير بوقف دعمها المالي للوكالة الأممية ما أدى إلى تقليص قدرة الأونروا على تلبية احتياجات اللاجئين كما كانت خلال السنوات الماضية.
إزاء هذا الموقف المفاجئ للإدارة الأمريكية وانعكاسه المباشر على موازنة الأونروا وخدماتها، اتخذت الوكالة إجراءات قاسية كخطوات أولية تجاه تخفيض خدماتها ومساعداتها للاجئين الفلسطينيين في لبنان والتي شملت إلغاء بعض المدارس وتخفيض العمل في بعض العيادات ودمجها بعيادات في مناطق أخرى، إلى جانب وقف جميع العمال المياومين في جميع قطاعات الخدمات، وتخفيض نسبة الكتب المدرسية في مدارس الأونروا إلى 5 في المئة فقط وعدم تشغيل مولدات الكهرباء في المدارس والمؤسسات الأخرى إلا في الظروف القصوى.
وقررت الوكالة في إطار تخفيض خدماتها، عدم تجديد عقود الأطباء الإخصائيين (قلب وعيون والسكري والغدد) ووقف تغطية إجراء عمليات الأنف وتحويل بعضها إلى تعاقد على أساس أعمال المياومة.
وأعلنت الأونروا وجود مخاطر حقيقية تهدد ملايين المستفيدين من خدماتها بعد تقليص الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لها، وقال المفوض العام للوكالة، بيير كرينبول، إن تقليص الدعم الأمريكي يُدخل في دائرة الخطر كرامة وأمان الملايين من لاجئي فلسطين المحتاجين للمساعدات الغذائية الطارئة في كل من الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة.
وأطلق المفوض العام سلسلة من النداءات العاجلة للدول المانحة كي تسارع لإنقاذ الأونروا وسد العجز المالي كي تتمكن من الاستمرار في تقديم خدماتها الإغاثية والتعليمية واستمرار التغطية الصحية للمرضى من اللاجئين. كما أطلقت الأونروا في كانون الثاني/يناير الماضي حملة «الكرامة لا تقّدر بثمن
#Dignity Is Priceless» بهدف جمع مبلغ 500 مليون دولار، من أجل توفير التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية الطارئة، والمساعدات العينية للاجئين في مناطق عملياتها كافة. هذا إضافة إلى توجيه نداء طارئ لجمع مبلغ 800 مليون أخرى لتمويل برامجها الطارئة في سوريا والأراضي المحتلة سنة 1967 وللنازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان.
وأعربت الأونروا عن أملها أن تزيد الدول العربية نسب دعمها (7.8 في المئة) من إجمالي موازنة الأونروا التي تعهّد بها مجلس الجامعة العربية منذ سنة 1987. وطالبت الأونروا من دول البريكس الخمس (روسيا، والصين، والهند، والبرازيل، وجنوب افريقيا) الصاعدة اقتصاديا، زيادة مساهمتها في موازنة الأونروا.
وتنديدا بالقرار الأمريكي خفض المعونات المقدمة للوكالة، خرج اللاجئون الفلسطينيون إلى الشوارع والساحات العامة وعمت المسيرات والاعتصامات مخيمات وتجمعات الفلسطينيين، رفعوا خلالها شعارات وهتافات تطالب باستمرار عمل الأونروا.
وأطلقت قيادات وفعاليات وفصائل فلسطينية التصريحات وأصدرت بيانات منددة بالمحاولات القائمة لإلغاء دور الأونروا ووقف خدماتها، واعتبرت أن ذلك سيؤدي حتما إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وخطوة جديدة في طريق تصفية القضية الفلسطينية.
وأعلن بيير كرينبول المفوّض العام للأونروا، أن الوكالة تعاني من نقص هائل في مواردها الماليّة، وانّها في خطر لأن قدراتها التمويليّة لم تعد تكفي لإدارة عمليّاتها وهي في حاجة إلى 217 مليون دولار إضافيّة ليس لضمان فتح مدارسها فحسب، بل لضمان استمرارها حتى نهاية هذا العام. وأشار إلى أن الأونروا قررت إلغاء خدمات نحو ألف موظّف في مناطق عملها الخمس.
وأعربت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان عن قلقها من مخاطر القرار الأمريكي على وضع الأونروا وتساءلت، هل السبب الذي يقف وراء هذا التراجع في خدمات الأونروا يعود إلى مشكلة جمع الأموال أم أن هناك قرارا سياسيا يقضي بتفريغ الوكالة من مضمونها والتخلص من الشاهد الوحيد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم؟
وشددت المؤسسة على أن الأونروا هي ضرورة ملحة لعموم اللاجئين الفلسطينيين سواء على الصعيد الإنساني أو السياسي، وأن الحفاظ على مؤسساتها وموظفيها ودورها هي مسؤولية جماعية. وأكدت على أحقية اللاجئ الفلسطيني في الحصول على الخدمات التي يستحقها. وطالبت المؤسسة، الأونروا بتحسين الخدمات وتطويرها لتتماشى مع حاجات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والنازحين من سوريا وظروفهم الصعبة.
وحذر أبو إياد الشعلان أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان من تصفية الأونروا وإلغاء دورها وخدمتها الإنسانية والإغاثية، واعتبر أن ذلك يشكل خطرا إنسانيا على اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام وعلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكل خاص بسبب الظروف الاقتصادية والإنسانية التي يتعرضون لها.
وطالب الشعلان بتحرك دولي عاجل لمنع إلغاء الأونروا والاستمرار بدورها إلى حين عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.
كما حذر الوزير اللبناني السابق حسن منيمنة رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني من ان تكون القرارات الأمريكية ممرا لشطب قضية اللاجئين وإلغاء حق العودة الأمر الذي يرفضه الفلسطينيون واللبنانيون بمختلف مكوناته السياسية، رافضا المبررات التي تسوقها وتتذرع بها إدارة الأونروا من أجل تقليص خدماتها، داعيا إلى مضاعفة الجهود واستمرارها وتوسيع دائرة التحركات على مستوى الخارج وإثارة هذه القضية دوليا.
ورأى الوزير، إنّ قرار الإدارة الأمريكية وقف تمويل الأونروا له انعكاسان الأول عامّ، يتعلّق بالتضييق على الأونروا بهدف إيقافها، وإلغاء حقّ العودة للفلسطينيين، والدفع نحو توطينهم في البلدان حيث يوجدون. أما الثاني، فسيكون على واقع عيش الفلسطينيين في لبنان.
ورأى منيمنة أنّه إذا دخل المشروع الأمريكي حيّز التنفيذ، فسيرتد ذلك سلباً على التقديمات الاجتماعية التي تؤمنها الأونروا لجمهور فلسطيني واسع سيُحرم من مصدر العيش، ما سيؤدي إلى كوارث. لافتا إلى أن ذلك يجعل لبنان أول المدافعين عن الأونروا.
وقال ليس بالضرورة أن ينجح المخطط الأمريكي الهادف إلى إلغاء الأونروا، لأنّ هذا القرار يعود إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أنشأت الوكالة. ورأى أن أكثرية الدول في الأمم المتحدة لا تزال داعمة لدور وكالة الأونروا. مشيرا إلى أن استغلال هذا العامل، مع بعض الجُهد لتأمين مصادر للتمويل من دول مانحة جديدة، وزيادة مساهمات الدول المانحة الصديقة، قد يكون هو البديل.
ويبدو أن حجم الاستهداف المتسارع لوكالة الأونروا سيقود إلى وقائع تتهدد قضية اللاجئين وحق العودة بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام وعليه، ستتعرض قضية اللاجئين إلى انتكاسات خطيرة أبرزها توقف الأونروا عن تقديم خدماتها لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس من الاستشفاء والإغاثة والبني التحتية وتحسين المخيمات والتعليم المجاني بالإضافة الى توفير فرصة عمل لآلاف الموظفين الفلسطينيين.
كما أن إلغاء الأونروا يعني حتما تصفية الشاهد الأممي على جريمة النكبة وإنشاء المخيمات، وسيكون الحل إما بتوطين اللاجئ في أماكن اللجوء، أو تحويل الخدمات إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
وهذا بدوره سيرفع من نسبة الفقر والبطالة والأميّة والتسرب المدرسي وعمالة الأطفال، وسيساهم في تشكيل مناخ يجري فيه استغلال شريحة كبيرة من اللاجئين لا سيما في أوساط الشباب والتسبب بالانحراف الفكري والاجتماعي والجنوح إلى ارتكاب الآفات الاجتماعية والانخراط في المشاكل الأمنية والفوضى، والتي لن يقتصر انعكاسها على اللاجئ الفلسطيني نفسه وإنما كذلك على الدول المضيفة.