تصحيح المفاهيم الخاطئة عن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى كرمز ذو دلالات متعددة
تصحيح المفاهيم الخاطئة عن القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى كرمز ذو دلالات متعددة
د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
تمهيد: تهدف هذه الدراسة إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة عن طبيعة الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين، والموقف من المسجد الأقصى كرمز ذو دلالات متعددة وتحرير فلسطين ، والتي تؤدى إلى اتخاذ مواقف سالبه من القضية الفلسطينية وحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني.
أولا:تصحيح المفاهيم الخاطئة عن طبيعة الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين: هناك تفسيرات متعددة لطبيعة الصراع التي تثيره مشكله فلسطين. :
ا/ تفسيرات خاطئة:
1/ التفسير اللاهوتي” الصليبى” : ويرى أن مشكله هي مشكله صراع بين الأديان ، وقال بهذا التفسير الكنيسة الكاثولوكيه في أوربا في العصور الوسطي خلال فتره الحملات الصليبية. تناقض التفسير اللاهوتي مع التفسير الاسلامى الصحيح: رغم أن بعض المسلمين يقر بصحة التفسير اللاهوتي – بدون وعى أو قصد – بتقريرهم ان الصراع حول مشكله فلسطين قائم بين المسلمين من جهة واليهود من جهة أخرى لمجرد أنهم يهود، إلا أن هذا التفسير يتناقض مع التفسير الاسلامى الصحيح لطبيعة الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين، لان الإسلام لم يأذن للمسلمين بقتال غير المسلمين إلا في حالتي إكراههم على الردة أو إخراجهم من ديارهم ، فالتالي فان التفسير الاسلامى الصحيح ينطلق من أن الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين ليس قائما بين المسلمين من جهة واليهود من جهة أخرى لمجرد أنهم يهود ، بل لان بعض اليهود اغتصبوا ارض فلسطين،ذلك أن الإسلام لم يأذن للمسلمين بقتال غير المسلمين إلا في حالتي إكراههم على الردة أو إخراجهم من ديارهم ، فالإسلام يحرم الاعتداء ولو كان من مسلم ويوجب قتاله ﴿ وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله﴾. أما الاحتجاج بكون الصراع ديني بلعن الله اليهود، فان الله تعالى قد حكم على اليهود بان لا يكونوا امة تختص بديار لأنه حكم تاريخي ينصب على سائر اليهود، أما لعنة الله لليهود فهو حكم ديني متعلق بالاخره وينصب على من استكبر منهم بدليل تمييز القرآن بينهم ﴿ ومن أهل الكتاب من أن تؤمنه بقنطار يؤده إليك ومن أن تامنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما ﴾(آل عمران : 75)، والدليل على ذلك ان لعنه الله لهم لتحريفهم العقيدة الصحيحة لم يحول دون أن يقبل الرسول أن يكونوا مواطنين في دولة المدينة ( أن اليهود من بني عوف امة مع المؤمنين).
2/ التفسير الليبرالي (العلماني) : وهو تفسير القائم على أن حل مشكله فلسطين يكون باقامه دوله علمانية تفصل الدين عن الدولة.
نقد: ان هذا التفسير رغم انه يختلف عن التفسير اللاهوتي في الحل المقدم للمشكلة ، إلا انه يلتقي معه في التحديد الخاطئ لطبيعة المشكلة، إذ يفترض أنها مشكله صراع بين الأديان. كما أن هذا التفسير يعني استبعاد الإسلام عن حل المشكلة ، في حين آن تعرب فلسطين أرضا وبشرا إنما تم تحت راية الإسلام. كما أن هذا التفسير يتجاهل عده حقائق منها:
•أن الليبرالية التي أتت بالعلمانية، أتت أيضا بالراسماليه كنظام اقتصادي تطور إلى استعمار قديم ،هو الذي أقام دوله إسرائيل كحارس للتجزئة فيهذه المنطقة، واستعمار جديد هو الذي يتولى حمايتها. وان هذا النظام الاقتصادي هو الذي اتاح للصهيونية التحكم في موقف الدول الغربية الليبرالية من الصراع العربي الاسلامى / الصيونى لصالح الصهيونية بواسطة الاستيلاء على البنوك والمؤسسات المالية وأجهزه الإعلام.
• أن الحركة الصهيونية تضم دعاه دوله دينيه وكذلك علمانيين، وان اغلب مؤسسي هذه الحركة كانوا علمانيين وبعضهم كانوا ملحدين.
• أن النظام السياسي لدوله إسرائيل هو نظام علماني ليبرالي رغم قيامه على فلسفه سياسية تخلط بين الدين والقومية.
3/ التفسير الماركسي (الشيوعى):: وهو تفسير قائم على أن الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين هو صراع حول ملكيه أدوات الإنتاج بين طبقات تنتمي إلى ذات المجتمع.
نقد: وجه الخطأ في هذا التفسير أن الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين هو صراع حول مصادر الإنتاج(اى حول ارض مغتصبه) بين مجتمعات(اى بين مجتمع هو صاحب الأرض وجماعات من مجتمعات شتى تسعى لاغتصاب هذه الأرض)، وليس بين طبقات تنتمي إلى ذات المجتمع.
4/ التفسير الدولي البحت : وهو تفسير قائل أن مشكله فلسطين ثائرة فيما بين الدول ،أو بين الامه العربية والمجتمع الدولي فقط.
نقد: ووجه الخطأ في هذا التفسير انه إذا كانت الدول تتدخل في مشكله فلسطين انتصارا للحق الفلسطيني أو دعما للعدوان الصهيوني، فان الذي يحركها هي مصالحها الخاصة.
5/ التفسير الشعوبي: وهو تفسير قائم على أن مشكله فلسطين مشكله خاصة بشعب فلسطين.
نقد: أن هذا التفسير يعنى التنصل والهروب من المسؤوليات القومية والدينية ، فقضية الصراع حول ارض فلسطين هي قضيه كل العرب، لان فلسطين ليست كل قائم بذاته ، بل هي جزء من كل – يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه – هو الأمة العربية ، فاغتصاب فلسطين هو اغتصاب واقع على جزء من الوطن العربي . كما أنها قضيه كل المسلمين في جميع أنحاء الأرض، لأنه صراع يتصل بمشروعيه الفتح الاسلامى، وحق المسلمين في العيش بسلام على الأرض التي اسلموا فيها أو حملهم الإسلام منذ 14 قرنا.فالتفسير الشعوبي ينطلق من موقف مناهض للعروبة والإسلام- سواء وعى أصحابه بهذه المناهضة أو لم يعوا-
6/ التفسير الصهيوني :وهو تفسير قائم على أن فلسطين هي ارض اغتصبها العرب من الشعب اليهودي منذ الفتح الاسلامى، اى أن فلسطين الأرض اغتصبت من أربعه عشره قرنا وأخليت من الشعب اليهودي إلا القليل ،وان الشعب اليهودي نشتت في أقطار الأرض إلى أن قادته الحركة الصهيونية إلى فلسطين لاستردادها خاليه من الشعب ،وأقام عليها دوله إسرائيل. وانه طبقا لهذا التفسير فان الفتح الاسلامى ليس إلا غزوا وعدوانا غير مشروع مجرد من الفاعلية الحضارية ،بل معطل للتطور الحضاري ،وبالتالي فان من حق اليهود أن يقاتلوا الغزاة ويطردوهم من الأرض ويستردوها ليستأنفوا مسيرتهم الحضارية.
نقد: هذا التفسير قائم على إلغاء التاريخ الحضاري الاسلامى لفلسطين منذ الفتح الاسلامى.
ب/ التفسير الصحيح : إن التفسير الصحيح لمشكله فلسطين هو التفسير الذي يتناول المشكلة بأبعادها المتعددة ، اى الذي ينظر إليها باعتباره مشكله حقوق وطنيه(فلسطينيه) وقوميه(عربيه) ودينيه(إسلاميه) وإنسانيه (عالميه) يجب العمل على استردادها .
ثانيا: تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الموقف من المسجد الأقصى كرمز ذو دلالات متعددة :هناك مواقف متعددة من المسجد الأقصى كرمز ذو دلالات تكليفيه “دينيه” وتكوينيه ” وطنيه وقوميه “،ترتبط ببعض تفسيرات طبيعة الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين – اشرنا إليها أعلاه –
أولا: مواقف خاطئة :
1- تجاهل الدلالات ألتكليفيه “الدينية”: فهناك الموقف الذي يتجاهل الدلالات ألتكليفيه “الدينية” للمسجد الأقصى كرمز .وهذا الموقف يلزم من التفسير الليبرالي “العلماني” لطبيعة الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين.
2- تجاهل الدلالات التكوينية”الوطنية والقومية ” : وهناك الموقف الذي يحيل المسجد الأقصى من معنى “رمز” إلى مبنى، ويركز على الدلالات ألتكليفيه”الدينيه” للمسجد الأقصى كرمز ،ويتجاهل دلالاته التكوينية”الوطنية والقومية”. وهذا الموقف يلزم من التفسير الذى يقول به بعض المسلمين لطبيعة الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين، والقائم عل افتراض انه صراع ديني بين المسلمين من جهة واليهود من جهة أخرى لمجرد أنهم يهود. وقد أوضحنا تناقض هذا التفسير مع التفسير الاسلامى الصحيح
3- محاوله إلغاء الأقصى كرمز ذو دلالات تكليفيه وتكوينيه : وهناك الموقف الذي يحاول إلغاء الأقصى كرمز ذو دلالات تكليفيه وتكوينيه ؟،وهو الموقف الذي يلزم من التفسير الصهيوني لطبيعة الصراع الذي تثيره مشكله فلسطين وبناء على هذا الموقف نفهم محاولات الصهاينة منذ تأسيس دوله إسرائيل تدمير المسجد الأقصى ، كرمز للفتح الاسلامى، وفاعليته الحضارية التي نقلت فلسطين من ساحة للصراع القبلي بين الكنعانيين والإسرائيليين… إلى جزء من الأمة العربية المسلمة، وأقامه هيكل سليمان محله كرمز للتفسير الصهيوني ، القائم على إلغاء التاريخ الحضاري الاسلامى لفلسطين منذ الفتح الاسلامى
وفى هذا السياق نفهم محاوله إسرائيل جلب الاعتراف الدولي بالقدس كعاصمة لإسرائيل، واحتفائها بقرار الريس الامريكى ترمب بنقل السفارة الامريكيه من تل أبيب إلى القدس.
ثانيا:الموقف الصحيح: اما الموقف الصحيح فهو أن المسجد الأقصى معنى لا مبنى: اى انه رمز ذو دلالات :تكليفيه “دينيه”( فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين…)، ودلالات تكوينية”سياسية “( وطنيه و قوميه) ( فهو رمز لوطن مغتصب يجب تحريره ،وحقوق وطنيه وقوميه يجب استردادها..).
ثالثا:تصحيح المفاهيم الخاطئه عن تحرير فلسطين : واخيرا فان هناك العديد من المفاهيم الخاطئة عن تحرير فلسطين،التي يجب تصحيحها .
أولا: تعطيل الجهاد لتحرير فلسطين لحين مجيء المهدي: من هذه المفاهيم تعطيل الجهاد لتحرير فلسطين لحين مجيء المهدي المنتظر أخر الزمان ، استنادا إلى الأحاديث التي تفيد محاربه المهدي لليهود ، وهذا المفهوم يناقض مع النصوص التي تفيد مع ان طائفة من المسلمين سيقاتلون حتى قيام الساعة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة …) (رواه مسلم) .
ثانيا: تعطيل الجهاد لتحرير فلسطين لحين نزول عيسى(عليه السلام) : ومن هذه المفاهيم الخاطئة تعطيل الجهاد لتحرير فلسطين لحين نزول عيسى(عليه السلام) وقتاله للدجال وأعوانه من اليهو د، لكن العلماء المتقدمين لم يفهموا من الأحاديث الدالة على نزول عيسى عليه السلام ما يفيد تعطيل فريضة الجهاد لحين نزوله، ينقل القرطبي احد أوجه تفسير قتال عيسى للدجال( ان قتاله للدجال يجوز ان يكون من حيث انه إذا حصل بين ظهراني الناس وهم مفتونون قد عم الجهاد أعيانهم وهو احدهم لزمه من هذا الفرض ما يلزم غيره)(التذكرة، ص611) .
ثالثا:تعطيل الجهاد لتحرير فلسطين لحين قيام الساعة : ومن هذه المفاهيم الخاطئة تعطيل الجهاد لتحرير فلسطين لحين قيام الساعة ، استنادا إلى تفسير خاطئ لوعد الآخرة الوارد في سوره الإسراء بان المراد به يوم القيامة ( الحياة الاخره ) ، وهو تفسير خاطئ لان كل المفسرين قالوا ان المقصود بوعد الاخره مرحله الإفساد الأخرى اى الثانية ، يقول ابن كثير (وَقَوْله ” فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة ” أَيْ الْكَرَّة الْآخِرَة أَيْ إِذَا أَفْسَدْتُمْ الْكَرَّة الثَّانِيَة وَجَاءَ أَعْدَاؤُكُمْ لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ ” أَيْ يُهِينُوكُمْ وَيَقْهَرُوكُمْ ” وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد ” أَيْ بَيْت الْمَقْدِس “)، و هذا التفسير الخاطئ يقوم على ان المراد بأولى المرتين فتح عمر بن الخطاب( رضي الله عنه ) القدس، وان أخراهما لم يأت وعدها بعد، غير ان هذا التفسير مخالف لما ذهب إليه الأئمة والتابعين وكبار المفسرين، ومراجع التاريخ الإسلامي تدل على ان عمر بن الخطاب دخل القدس سلما لا حربا،وان هيكل اليهود المقدس كان مدكوكا كما عند ابن الأثير والطبري وابن كثير في فتح القدس.وأورد الحسن بن احمد ألمهلبي (ولما وصلت هيلانة إلى القدس بنت كنيسة القيامة على القبر الذي زعم النصارى أن عيسى قد دفن به، وضربت بيت المقدس إلى الأرض،وأمرت أن تلقي في موضعه قمامات وزبيلة، وبقى الحال على ذلك حتى قدم عمر وفتح القدس فدله بعضهم على موضع الهيكل، فنظفه عمر من الزبايل و بني به مسجدا).أما الاستدلال على صحة هذا التأويل بان قوله تعالى “عبادا لنا” لا تنطبق إلا على المؤمنين، وهؤلاء وثنيين فغير صحيح، اذ ورد إطلاق اللفظ على المؤمن والكافر كما في قوله تعالى “ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول: أأنتم أضللتم عبدي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كنا نتخذ من دونك من أولياء”، وقوله تعالى “إن تعذبهم فهم عبيدك”، وقوله تعالى “ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض”. فالاشاره إلى تحرير فلسطين في عصرنا متضمن في قوله تعالى(وان عدتم عدنا) وليس في قوله تعالى ( فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة ) .
رابعا:الخلط بين مراحل الاستكبار اليهودي: ومن هذه المفاهيم الخاطئة – التي ترتب عليها المفهومين الخاطئين السابقين – الخلط بين مراحل الاستكبار اليهودي التي أشار إليها القران الكريم .
مراحل الاستكبار اليهودي في القران الكريم :
ا/ وعد أولاهما ( الإفساد الأول لليهود وبعث جالوت وجنوده ): أول مرحل الاستكبار اليهودي هي التي أشار إليها القران الكريم ب” وعد اولاهما ” ، وقد اختلف المفسرين في المقصود بالعباد أولى إلباس الشديد الذين بعثهم الله تعالى عليهم فيها فجاسوا خلال اليار، ولكن اغلب المفسرين قالوا أن المقصود بهم جالوت وجنوده ، يقول ابن كثير ( وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف فِي هَؤُلَاءِ الْمُسَلَّطِينَ عَلَيْهِمْ مَنْ هُمْ ؟ فَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة أَنَّهُ جَالُوت الْجَزَرِيّ وَجُنُوده سُلِّطَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ثُمَّ أُدِيلُوا عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ)، ويقول الطبري (ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { أُولِي بَأْس شَدِيد } فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلهمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى فِي بَنِي إِسْرَائِيل حِين بَعَثُوا عَلَيْهِمْ , وَمِنْ الَّذِينَ بُعِثَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْآخِرَة , وَمَا كَانَ مِنْ صُنْعهمْ بِهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ الَّذِي بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى جَالُوت.
ب/ وعد الاخره( الإفساد الثاني لليهود ومجي بختنصر): ثاني مراحل الاستكبار اليهودي هي التي أشار إليها القران الكريم ب”وعد الاخره” ، وقد اختلف المفسرين أيضا بالمقصود بالذين يسيئوا وجوه اليهود وَِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا ، ولكن اغلب المفسرين قالوا ان المقصود بهم بختنصر وجنوده ، يقول الطبري (وَقَوْله : { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة } يَقُول : فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْمَرَّة الْآخِرَة مِنْ مَرَّتَيْ إِفْسَادكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْأَرْض فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَة بُخْتَنَصَّرَ الْمَجُوسِيّ الْبَابِلِيّ , أَبْغَض خَلْق اللَّه إِلَيْهِ , فَسَبَى وَقَتَلَ وَخَرَّبَ بَيْت الْمَقْدِس , وَسَامَهُمْ سُوء الْعَذَاب . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنْي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : فَلَمَّا أَفْسَدُوا بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّة الْآخِرَة بُخْتَنَصَّرَ , فَخَرَّبَ الْمَسَاجِد وَتَبَّرَ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا )،
ج/العود الأول( الإفساد الثالث لليهود وبعث الرسول”صلى الله عليه وسلم”) : ثالث مراحل الاستكبار اليهودي ، متضمنة في قوله تعالى (وان عدتم عدنا) ، وفصلها المفسرون فقالوا أن العود اليهودي ( للاستكبار والإفساد في الأرض ) يتمثل فيها في غدر اليهود بالمسلمين ، بنقضهم عهدهم معهم ، في زمن الرسول ” صلى الله عليه وسلم” ، وان العود الالهى ( لمعاقبه اليهود) يتمثل فيها في بعث الله تعالى عليهم الرسول ” صل الله عليه وسلم” والمسلمين، يقول ابن كثير ( …وَقَالَ قَتَادَة قَدْ عَادَ بَنُو إِسْرَائِيل فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ) ، ويقول القرطبي ( قَالَ قَتَادَة : (َ فعَادُوا فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَة بِالصَّغَارِ ; وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَهَذَا خِلَاف مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث وَغَيْره وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ حَلَّ الْعِقَاب بِبَنِي إِسْرَائِيل مَرَّتَيْنِ عَلَى أَيْدِي الْكُفَّار , وَمَرَّة عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ . وَهَذَا حِين عَادُوا فَعَادَ اللَّه عَلَيْهِمْ ).
د/العود الثاني( الإفساد الرابع لليهود” دوله إسرائيل” وتحرير فلسطين): أما رابع مرحل الاستكبار اليهودي فهي متضمنة أيضا في قوله تعالى (وان عدتم عدنا)، ويتمثل العود اليهودي ” إلى الاستكبار والإفساد في الأرض” يتمثل فى اغتصاب فلسطين ، و قيام دوله الكيان الصهيوني ” اسرائل ” عام 1948، من خلال تحالف بين المنظمة الصهيونية العالمية وقوى الاستعمار القديم ” بريطانيا” والجديد”الولايات المتحدة الامريكيه”، أما العود الالهى فيتمثل في تحرير فلسطين ، وتفكيك اسرئيل كدوله قائم على شكل من أشكال الاستكبار اليهودي ” الصهيونية ” ، وهضم الحقوق الوطنية والقومية والاسلاميه للشعب الفلسطيني . وذلك عند الالتزام بشروط العود الالهى وأهمها توحد الاراده الفلسطينية والعربية والاسلاميه، يقول الطبري ( { وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } قَالَ : عَادَ الْقَوْم بِشَرِّ مَا يَحْضُرهُمْ , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَث مِنْ نِقْمَته وَعُقُوبَته . ثُمَّ كَانَ خِتَام ذَلِكَ أَنْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب , فَهُمْ فِي عَذَاب مِنْهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَة أُخْرَى { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لِيَبْعَثَن عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } . … 7 167 الْآيَة , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب . 16684 – حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ { عَسَى رَبّكُمْ أَنْ يَرْحَمكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } فَعَادُوا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ …) .
ه/ العود الأخير( الإفساد الأخير ” آخر الزمان وظهور اشراط الساعة الكبرى” ) : أما آخر مراحل الاستكبار اليهودي فمتضمنة أيضا في قوله تعالى(وان عدتم عدنا)، وتمثل الإفساد الأخير لليهود ، وتتصل بظهور اشراط الساعة الكبرى من ظهور المهدي ونزول عيسى (عليه السلام)… وقد سبق الاشاره إلى أن الأحاديث التي تفيد محاربه المهدي لليهود أخر الزمان لا يترتب عليها تعطيل الجهاد في عصرنا أو اى عصر آخر، لتواتر النصوص التي تفيد أن طائفة من المسلمين سيقاتلون حتى يوم القيامة ،.كما أن العلماء المتقدمين لم يفهموا من الأحاديث الدالة على نزول عيسى عليه السلام ما يفيد تعطيل فريضة الجهاد لحين نزوله.
خامسا: الخلط بين مراحل تحرير فلسطين “الممكن وما ينبغى ان يكون “: ومن هذه المفاهيم الخاطئة الخلط بين مراحل تحرير فلسطين ، حيث يجب التمييز بين مرحلتين من مراحل تحرير فلسطين :
أولا: مرحله ما ينبغي أن يكون: فالنصر النهائي ، والمتضمن استعاده كل الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني العربي المسلم ، لن يتم إلا عند توحد الاراده الفلسطينية والعربية الاسلاميه
ثانيا:مرحله ما هو ممكن : أما ما هو ممكن فيأخذ شكل حرمان إسرائيل من الأمن والاعتراف، حتى لا يتحول الصهاينة إلى امة ، ذلك أن غايه الصهيونية هو محاولة تحويل الجماعات القبلية اليهودية، المنتمية إلى أمم شتى إلى امة واحده، بان تستولي على ارض فلسطين لتكون ديارها ، ولابد لكي تم ذلك من أن تستقر على الأرض وتختص بها، وهذا الاستقرار يقتضي توافر أمران هما الأمن والاعتراف. وهنا نستند إلى قاعدة النهى عن موالاة الذين أخرجونا من ديارنا: ﴿ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ﴾ ، وهذه القاعدة تأخذ أشكال عديدة منها :
• عدم الاعتراف بإسرائيل كدوله ومؤسسه سياسية ، تقوم على اغتصاب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني .
• رفض كافه أشكال التطبيع.
• عدم التنازل عن الحقوق الوطنية والقومية والدينية للشعب الفلسطيني، ورفض مشاريع التسوية التي لا تقود إلى الاعتراف بهذه الحقوق .
• دعم سعي ممثلي الشعب الفلسطيني للحصول على حقوق جزئيه، بشرط عدم استبدالها بالحقوق الكاملة.
• مقاطعه دوله إسرائيل والدول والشركات والمؤسسات التي تدعمها.
• مقاطعه السلع والبضائع والمنتجات الامريكيه، بهدف حمل حكومة الولايات المتحدة الامريكيه على التراجع عن مواقفها المنحازة الى الكيان الصهيونى.
• اعتبار المقاومة خيار استراتيجي في هذه المرحلة ، مع التأكيد على أن الضمان لاستمرار المقاومة هو أن تكون شعبيه ، فالرهان في هذه المرحلة على الشعوب وليس على النظم السياسية، ورفض احتكار اى فصيل أو نظام سياسي فلسطيني أو عربي أو اسلامى للمقاومة أو احتكار التحدث باسمها..
• دعم المقاومة ماديا ومعنويا .
• العمل على إلغاء – أو تقليل – الحواجز بين فلسطين وأمتها العربية المسلمة.
• الدفاع عن الحقوق الفلسطينية أمام المجتمع الدولي، و إقرار ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.
• الضغط على الحكومات العربية بأساليب سلميه، لاتخاذ مواقف أكثر ايجابيه تجاه القضية الفلسطينية .
• ضرورة انطلاق مبادرة شعبيه عربيه –إسلاميه، لمناهضه محاولات تهويد القدس، وإلغاء هويتها العربية إسلاميه ، وتدمير المقدسات الدينية “الاسلاميه والمسيحية” بالمدينة.