الحروب الدينية في اوروبا .. وواقعنا العربي – تقرير
من ينظر لواقعنا العربي وما يحدث على الساحة السياسية الآن يتجلى امامه كم اننا غارقون في بحار من الجهل والتخلف، حروب طائفية في كل مكان، مشاحنات وسفك دماء وإنتهاك حريات، وكل هذه الأفعال تُمارس تحت مسمى الدين.أشخاص لا نعلم من أين جاؤونا يتمتعون بسلطة مطلقة، وبمنتهى السادية يقررون ذبح هذا وسجن ذاك، يتشدقون بإسم الدين، وبأنهم مختارون من الله لتطهير هذا الكوكب من العفن الذي يعيشه!حسناً .. هذا الجهل الذي تراه ليس حكراً على عالمنا العربي فقط، فالغرب قد سبقونا بمثل هذه الأفكار في القرون الوسطى وما بعدها، لذلك ما تراه الآن هو إعادة للتاريخ، فقد قامت الكثير من الحروب في أوروبا بدافع الدين فقط ولاشيء سواه. - اقتباس :
- ” أيها المراؤون .. توقفوا عن الدفاع عن الله بقتل الانسان، ودافعوا عن الإنسان كي يتمكن من التعرف إلى الله.”
جبران خليل جبران
القرون الوسطى ( القرن الـ 5 – الـ 15 )
سادت الحروب ذات الطابع الديني اوروبا في القرون الوسطى، حيث كان الدافع الرئيسي لهذه الحروب هو الدين، فكانوا يرون انها تطبيق لإرادة الرب، وانه طاعة للرب وإستجابة لنداءه عليك خوض هذه الحرب..هذه الفترة تحديداً غنية بالحروب الدينية التي إستمرت لعشرات السنين، وجدير بالذكر ان الكنيسة في هذه الفترة كانت تسيطر بشكل كبير على مجريات الأمور في اوروبا، لم تكن نفوذها دينية فقط، بل كان لها نفوذ ورؤى وقرارات سياسية واقتصادية وعسكرية ايضاً، حيث كان في إمكانها عزل الملوك والأمراء عن طريق سحب الثقة منهم وفصلهم من الكنيسة، ما يعني إفتقادهم لثقة وطاعة الشعب الذي يثق كل الثقة بالكنيسة.
ومن هنا أصبحت الكنيسة تمثل الحاكم الحقيقي لمعظم دول أوربا خلال فترة القرون الوسطى ..
ومن أهم الحروب الدينية في هذه الفترة :
حرب الـ 30 عاماً – المانيا (البروتستانت والكاثوليك)
حرب الثلاثين عاماً هى حرب قامت بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن الـ 17 في ألمانيا، استمرت هذه الحرب ثلاثين عاما وإنتهت بأوبئة ومجاعات وتدمير شامل بكافة النواحي عام 1648 م.
بدأت الكنيسة الكاثوليكية بما يسمى الحرب الدينية المقدسة ضد البروتستانية، حيث أبادت 40% من شعوب أوروبا الذين ينتمون للبروتستانت، وما يقرب من نصف سكان ألمانيا تحديداً، والسبب الأصلي في إندلاع هذه الحرب هى حركة الاصلاح البروتستانتية، التي قام بها الراهب الكاثوليكي “مارتن لوثر” عندما انتقد الكاثوليكية ورفض أفكارها التي يرى انها تنافي المنطق كما يرى.
خاصة صكوك الغفران، وامكانية شراء المناصب الدينية العليا كالمطران والباباوية، فقام البابا بإستدعاءه إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية فرفض لوثر، فقام البابا بعزله من الكنيسة ، كما أمر بإحراق كل ما خطه قلمه.
وبمرور الوقت أصبحت البروتستانية هى الأغلبية في ألمانيا، فما كان من الكنيسة الكاثوليكية إلا استخدام محاكم التفتيش لبث الرعب في نفوس الناس وردعهم عن الخروج عن الكاثوليكية، ومحاكمة الهراطقة والمرتدين والمخالفين لأوامر الكنيسة ، فقامت بإبادة الملايين بالخنق والإحراق والإغراق والإعدام شنقا وكافة وسائل التعذيب المروعة المتبعة في محاكم التفتيش آنذاك.
وبدءا من تلك اللحظة انقسم العالم المسيحي في أوروبا إلى قسمين: قسم كاثوليكي وقسم بروتستانتي، ودارت بينهما المعارك والحروب التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، وآلاف اخرى تم تعذيبها عن طريق محاكم التفتيش التي أنشئت في الاصل لمحاكمة الهراطقة ، وبمرور الوقت أصبحت وسيلة لمن يرفض اعتناق المسيحية ،كما تم تعذيب المسلمين بعد سقوط الاندلس ووقوعهم في قبضة المسيحيين.
ويقول المؤرخ الفرنسي ” غوستاف لوبون” عن محاكم التفتيش : في كتابه “حضارة العرب:
- اقتباس :
- «يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين، فلقد عمدوهم عنوة، وسلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع، واقترح القس “بليدا” قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء والأطفال، وهكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي.»
[size]
حروب فرنسا
بلغت الحرب يبين بين الكاثوليك والبروتستانت ذررتها في فرنسا في عام 1562 وإستمرت قرابة الـ 40 عاماً ، ثماني حروب قضت على مملكة فرنسا، عندما هجمت الجماهير الكاثوليكية على الاقلية البروتستانتية في مختلف المدن والأرياف الفرنسية.
ونتج عن هذه المواجهة الكثير من المعارك، من اشهرها تلك المجزرة الشهيرة باسم مجزرة سانت بارتيليمي التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسة آلاف شخص، فما كان من البروتستانت الفرنسيون إلا الفرار إلى مختلف أنحاء أوروبا.
الحروب الصليبية
الحروب الصليبية هى سلسلة من الصراعات العسكرية ذات الطابع الديني الذي خاضته الكثير من دول أوروبا المسيحية ضد المشرق.
في نوفمبر 1095م تحديداً عُقد العزم على قتال المسلمين في الشرق، وذلك عندما ناشد البابا “أوربان الثاني” رجال الدين وأمراء أوروبا بشن حرب على المسلمين لتخليص الأرض المقدسة من سيطرتهم إرضاءاً للمسيح.
ومن الأفكار التي أشاعها البابوات آنذاك لحث الناس على المشاركة في هذه الحملات؛ اقتراب يوم القيامة ، وإنتهاء الحياة الدنيا وربطوا ذلك بمرور ألف سنة على نهاية عهد المسيح ، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل كانوا يفسرون كل الظواهر الكونية والطبيعية كالزلازل والبراكين، في ذلك الوقت على أنها أدلة على نهاية الكون.
وكان لهذه الشائعات أثر كبير في إحداث حالة من الرعب والهلع عند عموم الناس خوفاً من ذنوبهم التي ارتكبوها، كما كان لها الأثر في تقوية دور البابوات والقساوسة والكنيسة بصفة عامة الذين طمئنوا الناس كونهم قادرين على تخليصهم هذه الذنوب.
لعب رجال الدين على هذا الوتر بذكاء، وإستغلوا ثقة الناس بهم في توجيههم إلى ما يريدون وتحريكهم وفقاً لأهواءهم، حيث كان من أهم الوسائل للتخلص من هذه الذنوب دفع الأموال للكنيسة، وهو الأمر الذي تطور بعد ذلك إلى صكوك الغفران، التي ثار عليها بعد ذلك مارتن لوثر مؤسِّس البروتستانتية.
بالإضافة إلى حثهم على الذهاب إلى الأراضي الفلسطينية للحج، ليكفروا عن ذنوبهم وليساعدوا اخوتهم المسيحين الذين يواجهون أشد أنواع العذاب تحت الحكم الاسلامي، مقابل حماية الكنيسة لذويهم وممتلكاتهم في حين هم يقاتلون المسلمين في فلسطين.
كل هذه الأسباب ساعدت في التمهيد لفكرة الحروب الصليبية وغزو فلسطين، بالإضافة رغبة بعض بابوات روما في ضم الكنيستين الغربية الكاثوليكية والشرقية الأرثوذكسية تحت سقف واحد، يحكمه الكاثوليكيون بالطبع.
ويجدر بنا الإشارة إلى هذه الحملات سريعاً ؛
الحرب الصليبية الأولى كانت عام 1096 م بقيادة بطرس الناسك بتحريض من رجال الدين لاحتلال بيت المقدس..
ثم جاءت الحرب الصليبية الثانيه عام 1147 م بقيادة ملك ألمانيا إنتهت بسقوط الصليبيين على يد السلاجقة الذين انهكوهم بغاراتهم المتواصلة..
والحرب الصليبية الثالثة كانت عام 1187 م بقيادة ريشارد قلب الأسد ملك انجلترا، وفيليب ملك فرنسا بحجة استعادة بيت المقدس بعد الانتصارات التي حققها البطل المجاهد صلاح الدين الأيوبي..
ثم كانت الحرب الصليبية الرابعة عام 1202 م بقيادة أمراء فرنسيين انتهت بالفشل..
أما الحرب الصليبية الخامسة فكانت عام 1213م على مصر، نادى بها البابا انوسنت الثالث، وإنتهت بمحاصرة المصريين لهم عن طريق فتح مياه السد مما تسبب في غرق المئات منهم ..
ثم الحرب الصليبية السادسة عام 1228م بقيادة ملك ألمانيا انتهت بتسليم بيت المقدس إلى الصليبيين..
والحرب الصليبية السابعة عام 1248 م بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع ، الذي توجه بحملته على مصر وإستمرت 6 أعوام، لكن المسلمين بقيادة السلطان الصالح نجم الدين ايوب نجحوا في تدمير قوات الصليبيين وفي حصر بقاياها في المنصورة حتى استسلموا، ووقع الملك لويس في الأسر..
أما الحرب الصليبية الثامنة قامت عام 1270م بقيادة الملك لويس التاسع في تونس، الذي تمكن من السيطرة على قلعة قرطاجا بتونس، وحقق نجاحات إنتهت بتوقيع معاهدة صلح مع المستنصر الزمتة بدفع جزية مضاعفة إلى ملك الصقليتيين، كما شملت حقوقا تجارية متبادلة، وبعد 17 يوما من التوقيع، ركب الصليبييون السفن وغادرو.
ما بعد القرون الوسطى …
يعتبر القرن الـ 20 واحد من أكثر القرون دموية في تاريخ البشرية، ورغم ذلك يصّر بعض المفكرين على ان الايدولوجيا كانت هى السبب الرئيسي والدافع وراء حروب القرن الـ 20 ، صحيح ان اغلب الحروب في هذه الفترة لم تكن مرتبطة بالدين، ولكن هذخ الحروب لا تشمل الهولوكست حيث يزعم البعض ان السبب وراء محرقة اليهود هو ايدولجيا النازية التي تهدف إلى التخلص من الأجناس الأقل شأناً، وكذلك مذابح الارمن لم يكن سببها الرغبة في سيادة العالم بل كان هدفها الاساسي هو تخليص الدولة العثمانية من المسيحيين ..
محرقة اليهود
في اوائل القرن الـ 20 سادت موجة كراهية اليهود واتخذت اشكالاً عدة، تمثلت في محاولة إستئصالهم من أوروبا في ظل النظام النازي الذي يسعى للوصول لعرق آري نقي.
بلغت كراهية هتلر لليهود ذروتها، مما دفعه إلى القيام بما يعرف بـ (الهولوكوست) ليشفي غليله، مصطلح الهولوكست يوناني الأصل يعنى (الحرق تضحية من أجل الله ) أى حرق اليهود فى أوربا تضحية من أجل الرب، حيث اقام لهم افراناً خاصة لحرقهم ، حيث كان يتم حرق 2000 يهودي داخل الفرن الواحدة، هذا فضلاً الحجرات الخاصة الممتلئة بالغاز السام التي تم اعدادها في معسكراتهم.
منذ أن جاء هتلر الى السلطة وشغله الشاغل هو مطاردة اليهود وتضييق سبل الحياة عليهم ، فسلبهم حقهم في العمل، وطالبهم بضرائب اضافية ،وفي عام 1938 بدأت السلطات ألالمانية تقوم بهدم منازلهم وممتلكاتهم ، مما دفع الآلاف إلى النزوح إلى ،ولكن هتلر لم يدعهم وشأنهم بل استمر في مطاردتهم.
كان لهتلر وجهة نظر واسباب لإبادته لليهود أهمها ؛ انه يرى ان تعاليم اليهودية تدعو للإرهاب، بالاضافة الى تعمد اليهود لتخريب الاقتصاد الالماني ومساهمتهم في صوغ الاتفاقيات والمعاهدات التي عملت على تفكيك وحدة الشعب الالماني واذلاله كما يرى هتلر ، فضلاً عن اعمال التجسس – لصالح خصومه- التي قاموا بها وساهمت بشكل كبير في اشعال الحرب العالمية الاولى.
أستمرت عملية ابادة اليهود حتى سنة 1945 حيث استطاعت القوات الامريكية والانجليزية الوصول الى معسكرات القتل وتحريرها وكان منظر القتلى في بعض المعسكرات بشع للغاية حيث وجدت قوات الحلفاء اكواماً من جثث اليهود عارية تماما وتطهر عليها اثار التعذيب، حيث كان يعامل النازييون اليهود بمنتهى الوحشية، فكانوا يستخدمونهم في اختبارات وابحاث كما لو كانوا فئران تجارب.
وصل عدد القتلى إلى ثلاثة ملايين يهودي من بولندا ومليون وربع يهودي من اوروبا الغربية، بألاضافة الى عشرات آلالاف الذين ماتو من الضعف والمرض والهلاك الذي لاقوه على يد القوات النازية.
يرى البعض ان هذه المحرقة هى السبب في تأسيس دولة إسرائيل، بسبب قيام دولة اسرائيل بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى بـ 3 سنوات، وهو ما يثير الشك بأن هذه المحرقة تم ابتداعها او المبالغة فيها إلى حد كبير من قبل اليهود لكسب التعاطف الدولي، ومعاونتهم على إقامة دولتهم على الأراضي الفلسطينية.
مذابح الأرمن
بدأت عمليات إبادة الأرمن عام 1894 المعروفة بالمجازر الحميدية نسبة إلى عبد الحميد الثاني أول من قام بتنفيذ المجازر وعمليات الابادة بحق المسيحين الذين تحت الحكم العثماني، حيث قام بتحريض القبائل الكردية على مهاجمة القرى المسيحية والفتك بها، وبالفعل قاموا يإقامة هذه المجازر مما نتج عنها مئات آلاف من القتلى ، وذلك لأسباب دينية أولاً وأخيراً.
ومع نشوب الحرب العالمية الاولى تطلعت العديد من الشعوب التي كانت خاضعة لسيطرة الدولة العثمانية حينها، في نيل الاستقلال وتشكيل بلد قومي لها وكان الارمن من ضمن هذه الشعوب التي كان تطمح بإقمة وطن قومي لها .
في عام 1915 م قامت جيوش الامبراطورية الروسية بالزحف نحو الدولة العثمانية واحتلت جوله ميرك وفرشين التي تقع حاليا في جنوب شرق تركيا، ثم اتجهت إلى مدينة العمادية، وفي عام 1916 قامت بإحتلال بلدة راوندوز بصحبة المتطوعين من الارمن، الذين قاموا بقتل 5000 شخص من اهالي راوندوز والمناطق المجاورة لهما بسبب انحيازها لجانب الدولة العثمانية في تصدي الهجوم الروسي على هذه المناطق .
خلال فترة الحرب العالمية الأولى قام الأتراك بالتعاون مع عشائر كردية بإبادة مئات القرى الارمنية لمنعهم من التعاون مع الروس والثوار الأرمن، وفي العام 1915 قام العثمانيون بجمع المئات من أهم الشخصيات الأرمنية في إسطنبول وتم اعدامهم في ساحات المدينة.
بعدها تم ترحيل كافة العائلات الأسر الأرمنية من تركيا، مجبرين على ترك ممتلكاتهم والانضمام إلى القوافل التي تكونت من مئات الالآف من النساء والأطفال في طرق جبلية وعرة وصحراوية قاحلة، وغالبا ما تم حرمان هؤلاء من المأكل والملبس، ومات خلال حملات التهجير هذه حوالي 75% ممن شارك بها.
يتفق معظم المؤرخين على أن عدد القتلى من الأرمن تجاوز المليون، غير أن الحكومة التركية وبعض المؤرخين الأتراك يشيرون إلى مقتل 300,000 آلاف أرمني فقط،بينما تشير مصادر ارمنية إلى سقوط أكثر من مليون ونصف أرمني.
بسبب هذه المذابح هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم من ضمنهم أرمن سوريا، لبنان، مصر، العراق، ولا يزال الأرمن يحيون تلك الذكرى في 24 أبريل \ نيسان من كل عام، ولكن حتى الآن لا تعترف دولة تركيا بهذه المذبحة، وتقول أن اعداد القتلى لا تتجاوز الـ 300 ألف، كما انهم لقوا حتفهم أثناء ترحيلهم وليس هناك ما يسمى بعملية إبادة للأرمن.
ومن المعترف به على نطاق واسع ان مذابح الارمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث،حيث يشير الباحثون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمة التي نفذت من عمليات قتل هدفها القضاء على الأرمن، وتعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكست.
بعد كل هذه المجازر والحروب البشعة .. علينا إعادة النظر فيما يحدث في أوطاننا، علينا ترتيب أوراقنا من جديد والبحث عن مخرج من هذه الكوارث التي نعيشها حتى لا تتفاقم وتبتلعنا .. فوحدنا نحن من سندفع الثمن ![/size]