الخلافة الإسلامية هل هي دينية أم تاريخيه ؟
في عام 1925 اصدر الشيخ الازهري علي عبد الرازق كتابه الشهير “الاسلام واصول الحكم “ الذي رفض فيه فكرة الخلافة كنظام للحكم داعيا الى دولة مدنية، وقال ان الخلافة ليست اصلا من اصول الدين الاسلامي ولم يرد لا في القران ولا في السنة نص عليها ، بل ترك الاسلام للناس حق اختيار نظام الحكم الذي يرونه مناسبا لهم باعتباره امرا سياسيا دنيويا .
تعرض الشيخ عبد الرازق لحملة شعواء وخاصة من هيئة كبار العلماء في الازهر، فيما دافع عنه مفكرون كبار . ويرى البعض ان الملك فؤاد الاول هو من كان وراء هذه الحملة، لان الكتاب افسد عليه خططه للسعي الى اختياره خليفة للمسلمين، بعد ان الغى كمال اتاتورك الخلافة قبل ذلك بعام واحد .
مسالة الخلافة في الاسلام لاتزال موضع جدل حول كونها اصلا من اصول الدين ام انها وضعية بشرية اقتضتها ظروف المسلمين بعد وفاة الرسول الكريم . البعض يتحدث في هذا الصدد عن الاية الكريمة التالية في سورة البقرة . قال تعالى “واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة “ . وقد استخدم تنظيم داعش الارهابي هذه الاية عندما اعلن خلافته من الموصل للدلالة على دينية الخلافة وبالتالي الزاميتها . والمقصود بالاية الكريمة باجماع المفسرين هو ان الله سبحانه وتعالى اراد للبشر، ان يهبطوا الى الارض ليعمروها ويعبدوا الله فيها الى يوم يبعثون، ولم يكن المقصود بمصطلح الخليفة في الاية الكريمة ،الحاكم بالمعنى السياسي لها . فعلى من سيصبح ادم حينئذ حاكما في الارض ؟.
ولو كان في القران الكريم ما ينص على الخلافة كنظام حكم ، لكان رسول الله “ صل الله عليه وسلم “اول من التزم به ، بل رفض مرارا ان يسمى ملكا او رئيسا ، محددا هويته بكونه نبيا رسولا لاغير. كما ان اتباعه لم يكونوا ينظرون الى انفسهم ولم يكن خصومهم ينظرون اليهم على انهم مرؤوسون محكومون، بل كانوا يسمون انفسهم باسم لايحمل من معنى حكم الرئاسة شيئا . لقد كانوا اصحاب محمد .
وعندما توفي الرسول ولم يعين من سيخلفه وترك اصحابه ولسان حاله يقول في حديثه الشهير “ انتم ادرى بشؤون دنياكم “ فيما ليس فيه نص. اجتمع الانصار في سقيفة بني ساعده لاختيار من يخلف الرسول. وكادوا ان يختاروا سعد بن عبادة زعيم الخزرج ، لولا ان علم نفر من المهاجرين بالاجتماع وعلى راسهم ابو بكر وعمر وابو عبيدة . ودار حوار ساخن في السقيفة ، وكان حوارا قبليا وليس دينيا حول احقية المهاجرين ام الانصار بخلافة الرسول . وكادت السيوف تخرج من اغمادها ، لولا ان الاوس انشقوا على الانصار الخزرج وتمت البيعة لابي بكر .
وبقي النموذج الذي يمكن استخلاصه من عهد النبوة وطبق في عهد ابو بكر وعمر ، بقي نموذجا مفتوحا . اذ لم يكن هناك نص تشريعي من القران او من السنة يشرع لمسالة الحكم كما هو الشان في العبادات وبعض المعاملات المنصوص عليها. بل ظل المبدا الغالب في هذا الشان هو الاجتهاد في غياب النص .ولذلك كان موضوع الخلافة موضع خلاف واختلاف . واذا كان الاختلاف قد تمت تسويته بصورة سلمية وايجابية زمن ابي بكر وعمر ، فان الخلاف الذي ظهر في اواخر عهد الخليفة عثمان قد تفاقم الى صدام وقتال ، مما كشف عن ثغرات واسعة كان عدم سدها هو السبب الحقيقي فيما حدث من فتنة قتل الخليفة، وبعدها معركتي الجمل وصفين في حرب اهلية طاحنة، الى ان انتهى الامر الى ما سمي بـ “ملك عضوض” اقامه الامويون والعباسيون من بعدهم .
ويقول الدكتور محمد عابد الجابري رحمه الله في كتابه نقد العقل السياسي العربي “ اذا كنا نريد ان نستخلص الدروس السياسية من احداث فتنة قتل عثمان ، وجب القول ان ما حدث بتعبيرنا العصري، انه كان نتيجة فراغ دستوري كبير في نظام الحكم الذي قام بعد وفاة النبي، ويتجلى الفراغ في عدم اقرار طريقة واحدة مقننة لاختيار الحاكم ، اذ كل خليفة اختير بطريقة مختلفة عن الاخرين ، وخاصة الخلفاء الراشدين ، وعدم تحديد مدة ولاية الخليفة . وكذلك عدم تحديد اختصاصات الخليفة التي كانت مطلقة وغير محددة .
لقد رفض سيدنا عمر بن الخطاب بشكل ضمني ان يطلق عليه لفظ خليفة خليفة رسول الله ، وفضل ان يطلق عليه مصطلح امير المؤمنين . وظلت جميع مراسلاته الداخلية والخارجية تتضمن ذلك خالية من لفظ الخليفة ، ومن ثم اعتاد الخلفاء من بعده على طلب البيعة لهم كامراء للمؤمنين .
لقد سحب لقب الخليفة من التداول منذ ان قتل هولاكو اخر خلفاء بني العباس. وخلافا لاي رواية تاريخية، فان سلاطين بني عثمان لم يحملوا قط لقب خليفة . واول سلطان عثماني لقب نفسه باسم الخليفة هو عبد الحميد الثاني 1876ـ1909 . واخر الخلفاء هو عبد المجيد الثاني قبل ان يلغي اتاتورك الخلافة .
ان اعادة بناء الفكر السياسي في الاسلام ، يجب ان تنطلق كما يضيف الدكتور الجابري من اعادة تاصيل الاصول التي تؤسس النموذج الذي يمكن استخلاصه من مرحلة الدعوة المحمدية “ وامرهم شورى بينهم “ و “ انتم ادرى بشؤون دنياكم “ وذلك بسد الفراغ الدستوري الذي ادى الى فتنة قتل الخليفة عثمان والتي لانزال نعاني من تبعاتها الى اليوم . ولاشك ان بعضا ممن يكتبون في الفكر الاسلامي السياسي ما زالت نظرتهم الى الامور واقعة تحت تاثير نظريات الماوردي وغيره من الفقهاء ، وهي اراء ليست ملزمة لنا ، لانها اراء سياسية املتها ظروف سياسية معينه . كما انها لاتمثل راي الاسلام ، لسبب بسيط هو انه ليس هناك نص تشريعي من القران والسنة ينظم مسالة الحكم ، بل ان المسالة مسالة اجتهادية يجب ان تخضع لظروف كل عصر . وفي راينا ان معظم الاحاديث السياسية التي نسبت الى الرسول الكريم ودونت بعده بقرون ، انما هي احاديث ضعيفة وموضوعة تمت نسبتها لرسول الله لخدمة اراء الفرق المتنافسة على السلطة ، في ظل الانقسام السياسي الحاد في المجتمع الاسلامي .
الخلاصة هي ان الخلافة ليست جزءا من اسلام الرسالة او الاسلام الديني . بل هي جزء من الاسلام التاريخي تم استنباطها كنظام حكم ظل مرتبكا بلا مؤسسات تضمن استمراريتة . بل كانت هذه الاستمرارية تعتمد على قوة الحاكم ودرايته الشخصية ليس الا .