منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 رابعا : السمعيات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالأربعاء 14 نوفمبر 2018, 10:21 pm

رابعا : السمعيات

تعريف السمعيات أو الغيبيات


السمعيات كل ما ثبت بالسمع أي بطريق الشرع ولم يكن للعقل فيه مدخل، وكل ما ثبت

عن النبي، (صل الله عليه وسلم)، من أخبار فهو حق يجب تصديقه سواء شاهدناه بحواسنا، أو غاب عنا،
وسواء أدركناه بعقولنا أم لم ندركه لقوله تعالى‏:‏-
{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏‏.‏
وقد ذكر المؤلف من ذلك أموراً‏:‏-الأمر الأول‏:-‏ الإسراء والمعراج.
الأمر الثاني‏:‏- مجيء ملك الموت إلى موسى (صل الله عليه وسلم).
الأمر الثالث‏:‏- أشراط الساعة‏.
فتنة القبر‏ عذاب القبر أو نعيمه‏.
النفخ في الصور‏. البعث والحشر . الشفاعة. الحساب. الموازين. نشر الدواوين.صفة أخذ الكتاب.
الحوض. صفة الحوض. الصراط. العبورعلى الصراط وكيفيته. الجنة والنار.مكان الجنة والنار.
أهل الجنة وأهل النار.

سمعيات لغةً:"(السمعيات) (فِي العقائد) مَا يسْتَند إِلَى الْوَحْي كالجنة أَو النَّار وأحوال يَوْم الْقِيَامَة"
السَّمْعِيَّاتِ اصطلاحاً:"مَا كَانَ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ السَّمْعَ الْوَارِدَ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ مِمَّا لَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَالٌ"،
 وعرفها: "الْأُمُور الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا السّمع كالنبوة أَو تتَوَقَّف هِيَ على السّمع كالمعاد، وَأَسْبَاب السَّعَادَة والشقاوة من الْإِيمَان وَالطَّاعَة وَالْكفْر وَالْمَعْصِيَة"
والسمعيات: نسبة إلى السمع وسميت بهذا الاسم، لأنها تسمع سماعاً من الوحي فقط.
ونقصد بالسمعيات: المسائل التي لا تتلقى إلا عن طريق السمع، ولا تأخذ إلا من الوحي جبريل ، أي ما جاء بها القرآن، والسنة الصحيحة، فلا قدرة لحواسنا البشرية على معرفة كنهها وكيفيتها وبالتالي لا يستطيع العقل البشري أن يستقل بمعرفتها أو إدراكها، وهذا السبب هو الذي دعا بعض العلماء إلى إطلاق اسم السمعيات عليها، فهي تتعلق بعالم الغيب، وأحداث اليوم الآخر، وما فيه من مشاهد ومواقف كالحشر والميزان والصراط والعرش واللوح والجنة والنار وغيرها من مباحث الغيب، والعقل الصحيح السليم يجب أن يصدق بها لأنها أخبار صحيحة وصادقة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 4:56 pm

دور العقل فى مجال السمعيات

إن أولى القضايا التي نريد أن نطرحها هنا هي تلك القضية التي نحاول من خلالها بيان دور العقل في مجال الأمور التي يحتمها السمع ويقضي فيها .
والعقل ليس له دور هنا سوى إقناع نفسه إن أراد أن يقتنع بأن القضايا المطروحة من قبل السمع ليست من قبيل الأمور المستحيلة.
والأمر المستحيل هو ذلك الأمر الذي لا يقبل الوجود أصلاً لذاته، فهو معدوم، ووجوده مستحيل.
وقضية البعث التي نحن بصددها تعني أن الله عز وجل سيعيد الحياة إلى الناس، وتلحق كل روح بجسد صاحبها فيحيي بعودة هذه الروح إليه، ويحشر الناس هكذا لرب العالمين، وتتوالى مشاهد القيامة بعد هذا الإحياء.
وإحياء أفراد البشر فرداً فرداً، وما يشاء الله إحياءه على النحو أمر ممكن، ولسنا هنا مطالبين بتصور الإمكان، وإنما نحن فقط نقف عند حدود تصور أن مثل هذا الأمر غير محال.
إن المتأمل في هذا الموقف لا يحتاج إلى دليل عليه أكثر من الالتفات إلى الماضي، فالله عز وجل قد خلق هذه الكائنات من العدم حين كانت معدومة قبل الخلق الأول، كانت موصوفة بالإمكان، أي أنها كانت ممكنة الوجود، ولولا هذا الإمكان لما وجدت بالفعل، ومن المعلوم أن هذا الوصف الذي وصفت به في حال العدم الأول لا يمكن أن ينفصل عنها في العدم الثاني، إذ لا مبرر لذلك ولا مسوغ له، بل نقول : إن العكس قد يكون هو الصحيح، ذلك أن هذا الوصف حين كان لها قبل الخلق الأول، وثبت بالتجربة ترجح وجوده، فإن هذه التجربة نفسها تسهل على العقل تصور وجوده مرة أخرى.
وبالنسبة للفاعل الذي يرجح الوجود على العدم يمكن أن نتصوره في غير الله عز وجل حين يرجح وجود شئ على عدمه، ثم ينعدم هذا الشئ، ثم يقول لنا الفاعل الذي أوجده أولاً: إني قادر على إيجاده مرة أخرى، فإنه يكون من السهل على من شاهد تجربته الأولى أن يصدقوه فيما دعى، وفيما قال : ذلك أن إيجاده الشئ في المرة الأولى أكسبه شيئاً من التمكن في القدرة على الإيجاد.
وهذا مثال إذا حاولنا من خلاله أن نتصور إعادة الله الأجسام وإلحاق الأرواح بها، يصلح هذا المثال أن يقرب لنا هذا الموقف بالنسبة لله، ويصوره لعقولنا، على أن ينبغي أن لا ننسى والحالة هذه ، أن هذا المثال وما يشبهه يكون من قبيل تقريب الحقائق لا التعبير عنها تعبيراً على نحو ما هي عليه، فالله عز وجل لا يستفيد كما لا في قدرته من خلال تجربة ما، فقدرته مطلقة من غير أن تشحذها التجربة (ولله المثل الأعلى).
ويتكرر حديث القرآن الكريم حين يلفت الأنظار بقوة إلى هذا المثل من التقريب لعقولنا حين تتصور حقيقة لا نستطيع لأمر يخصها أن تدركها إدراكاً كاملاً فيقول :
" فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة " سورة الإسراء : آية 51. ، " كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين"(2) سورة الأنبياء : آية 104.
"وضرب لنا مثلاً ونسى خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم"(3)، "وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون" سورة يس : آية 78 ، 79." أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد " سورة ق : آية 15..
وهذه الآيات تؤكد كلها أن تصور الحشر وإعادة الحياة إلى الأجسام أمر ممكن، بل هو أقرب إلى احتمال الوجود من العدم، وأبعد من أن يكون أمراً مستحيلاً استحالة اجتماع النقيضين أو استحالة اجتماع الحركة والسكون، أو البياض والسواد، أو تصور تقدم الابن على أبيه في الوجود، أو تأخر الأب على ابنه في الوجود كذلك.
إن الأمور التي يحكم العقل عليها بالاستحالة كلها أمور لا تقبل الوجود أصلاً لذاتها، والبعث وحشر الأجساد بعد أن تعود إليها الأرواح ليس أمراً من قبيل هذه الأمر المستحيلة.
وليس بغريب علينا الآن أن نقول : إنه يكفي للعقل أن يتصور هذا القدر من التصور فقط، يكفيه أن يتصور أن الحشر ليس من قبيل الأمر المستحيل، وما عدا ذلك من الكيفيات والتحديات، فإنه يجب عليه أن لا يقحم نفسه في محاولة تصورها أو الوقوف عليها.
إنه يجب عليه أن يؤمن باليوم الآخر، وبالحياة الأخرى إيماناً جازماً ما دام قد أدرك أن ما يقع في الحياة الأخرى ليس من قبيل الأمر المستحيل.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نتصور كيف جعل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الإيمان بالبعث واليوم الآخر وما فيه ركناً مهماً يشكل أحد أركان الإيمان الستة.
قال تعالى :"والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون" سورة البقرة : آية 4..
" .... إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً "سورة النساء : آية 59.
".... ولا تأخذكم بهما رِأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر..." سورة النور : آية 2." الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون" سورة النمل : 3 ، لقمان : 4..
وفي حديث طويل رفعه مسلم بن الحجاج إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يظهر فيه أن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة.
ونحن ننقله هنا بتمامه : ففي صحيح مسلم بالسند إلى عمر بن الخطاب: قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه. وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً . قال : صدقت وقال : فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال : فأخبرني عن الإيمان. قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
قال : صدقت. قال : فأخبرني عن الإحسان. قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال : فأخبرني عن الساعة. قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال : أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاه الشاه يتطاولون في البنيان. ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ] صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ـ ص 161 وما بعدها ..
ونستطيع أن نستخلص مما سبق نقطتين على غاية الأهمية :
إحداهما : أن الحشر ممكن وإعادة الحياة جائزة.
ثانيتهما : أن هذا العود سمعي الوقوع على كيفية لا يعلمها إلا الله وحده، وإن كنا نتصورهما بعض التصور.
والنقطة الأولى : من هاتين النقطتين قد تصورها العقل وحده أو بمعرفة الشرع له.
أما الثانية : فقد حكم الشرع فيها بقواطع النصوص التي تجعلنا نؤمن بها من غير أن نكون مستعدين للجدل أو المراء.
وجماع هاتين النقطتين في الحقيقة يصور مواقف المليين من هذه القضية لها، وإن نازعتهم الفلاسفة في بعض هذه القضايا.
يقول الإيجي : وهو مفكر أشعري : [ أجمع أهل الملل عن آخرهم على جوازه ووقوعه. وأنكرهما الفلاسفة المواقف ـ للإيجي ـ ص 372..
أما الجواز : فلأن جمع الأجزاء على ما كانت عليه وإعادة التأليف المخصوص فيها أمر ممكن ـ كما مر ـ والله عالم بتلك الأجزاء، قادر على جمعها وتأليفها لما بينا من عموم علمه وقدرته، وصحة القبول والفعل توجب الصحة قطعاً.
وأما الوقوع : فلأن الصادق أخبر عنه في مواضع لا تحصى بعبارات لا تقبل التأويل حتى صار معلوماً بالضرورة كونه من الدين، وكل ما أخبر به الصادق فهو حق ] المواقف ـ للإيجي ـ ص 372..
ويستفيد حجة الإسلام من النصوص الشرعية وأحكام العقل معاً فيبين موقفه النهائي الذي يراه في هذه القضية ، وهو لا يخالف به الموقف السابق في قليل ولا كثير فييما عدا طبيعة العرض وأسلوب التفكير.
قال : [ أما الحشر فيعني به إعادة الخلق وقد دلت عليه القواطع الشرعية، وهو ممكن بدليل الابتداء السابق فإن الإعادة خلق ثان، ولا فرق بينه وبين الابتداء، وإنما يسمى إعادة بالإضافة إلى الابتداء السابق، والقادر على الإنشاء والابتداء قادر على الإعادة وهو المعنى بقوله : " قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " ]  الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي / 180 ، والآية من سورة يس رقم : 79.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 4:56 pm

دور العقل فى مجال السمعيات

إن أولى القضايا التي نريد أن نطرحها هنا هي تلك القضية التي نحاول من خلالها بيان دور العقل في مجال الأمور التي يحتمها السمع ويقضي فيها .
والعقل ليس له دور هنا سوى إقناع نفسه إن أراد أن يقتنع بأن القضايا المطروحة من قبل السمع ليست من قبيل الأمور المستحيلة.
والأمر المستحيل هو ذلك الأمر الذي لا يقبل الوجود أصلاً لذاته، فهو معدوم، ووجوده مستحيل.
وقضية البعث التي نحن بصددها تعني أن الله عز وجل سيعيد الحياة إلى الناس، وتلحق كل روح بجسد صاحبها فيحيي بعودة هذه الروح إليه، ويحشر الناس هكذا لرب العالمين، وتتوالى مشاهد القيامة بعد هذا الإحياء.
وإحياء أفراد البشر فرداً فرداً، وما يشاء الله إحياءه على النحو أمر ممكن، ولسنا هنا مطالبين بتصور الإمكان، وإنما نحن فقط نقف عند حدود تصور أن مثل هذا الأمر غير محال.
إن المتأمل في هذا الموقف لا يحتاج إلى دليل عليه أكثر من الالتفات إلى الماضي، فالله عز وجل قد خلق هذه الكائنات من العدم حين كانت معدومة قبل الخلق الأول، كانت موصوفة بالإمكان، أي أنها كانت ممكنة الوجود، ولولا هذا الإمكان لما وجدت بالفعل، ومن المعلوم أن هذا الوصف الذي وصفت به في حال العدم الأول لا يمكن أن ينفصل عنها في العدم الثاني، إذ لا مبرر لذلك ولا مسوغ له، بل نقول : إن العكس قد يكون هو الصحيح، ذلك أن هذا الوصف حين كان لها قبل الخلق الأول، وثبت بالتجربة ترجح وجوده، فإن هذه التجربة نفسها تسهل على العقل تصور وجوده مرة أخرى.
وبالنسبة للفاعل الذي يرجح الوجود على العدم يمكن أن نتصوره في غير الله عز وجل حين يرجح وجود شئ على عدمه، ثم ينعدم هذا الشئ، ثم يقول لنا الفاعل الذي أوجده أولاً: إني قادر على إيجاده مرة أخرى، فإنه يكون من السهل على من شاهد تجربته الأولى أن يصدقوه فيما دعى، وفيما قال : ذلك أن إيجاده الشئ في المرة الأولى أكسبه شيئاً من التمكن في القدرة على الإيجاد.
وهذا مثال إذا حاولنا من خلاله أن نتصور إعادة الله الأجسام وإلحاق الأرواح بها، يصلح هذا المثال أن يقرب لنا هذا الموقف بالنسبة لله، ويصوره لعقولنا، على أن ينبغي أن لا ننسى والحالة هذه ، أن هذا المثال وما يشبهه يكون من قبيل تقريب الحقائق لا التعبير عنها تعبيراً على نحو ما هي عليه، فالله عز وجل لا يستفيد كما لا في قدرته من خلال تجربة ما، فقدرته مطلقة من غير أن تشحذها التجربة (ولله المثل الأعلى).
ويتكرر حديث القرآن الكريم حين يلفت الأنظار بقوة إلى هذا المثل من التقريب لعقولنا حين تتصور حقيقة لا نستطيع لأمر يخصها أن تدركها إدراكاً كاملاً فيقول :
" فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة " سورة الإسراء : آية 51. ، " كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين"(2) سورة الأنبياء : آية 104.
"وضرب لنا مثلاً ونسى خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم"(3)، "وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون" سورة يس : آية 78 ، 79." أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد " سورة ق : آية 15..
وهذه الآيات تؤكد كلها أن تصور الحشر وإعادة الحياة إلى الأجسام أمر ممكن، بل هو أقرب إلى احتمال الوجود من العدم، وأبعد من أن يكون أمراً مستحيلاً استحالة اجتماع النقيضين أو استحالة اجتماع الحركة والسكون، أو البياض والسواد، أو تصور تقدم الابن على أبيه في الوجود، أو تأخر الأب على ابنه في الوجود كذلك.
إن الأمور التي يحكم العقل عليها بالاستحالة كلها أمور لا تقبل الوجود أصلاً لذاتها، والبعث وحشر الأجساد بعد أن تعود إليها الأرواح ليس أمراً من قبيل هذه الأمر المستحيلة.
وليس بغريب علينا الآن أن نقول : إنه يكفي للعقل أن يتصور هذا القدر من التصور فقط، يكفيه أن يتصور أن الحشر ليس من قبيل الأمر المستحيل، وما عدا ذلك من الكيفيات والتحديات، فإنه يجب عليه أن لا يقحم نفسه في محاولة تصورها أو الوقوف عليها.
إنه يجب عليه أن يؤمن باليوم الآخر، وبالحياة الأخرى إيماناً جازماً ما دام قد أدرك أن ما يقع في الحياة الأخرى ليس من قبيل الأمر المستحيل.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نتصور كيف جعل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الإيمان بالبعث واليوم الآخر وما فيه ركناً مهماً يشكل أحد أركان الإيمان الستة.
قال تعالى :"والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون" سورة البقرة : آية 4..
" .... إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً "سورة النساء : آية 59.
".... ولا تأخذكم بهما رِأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر..." سورة النور : آية 2." الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون" سورة النمل : 3 ، لقمان : 4..
وفي حديث طويل رفعه مسلم بن الحجاج إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يظهر فيه أن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة.
ونحن ننقله هنا بتمامه : ففي صحيح مسلم بالسند إلى عمر بن الخطاب: قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه. وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً . قال : صدقت وقال : فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال : فأخبرني عن الإيمان. قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
قال : صدقت. قال : فأخبرني عن الإحسان. قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال : فأخبرني عن الساعة. قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال : أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاه الشاه يتطاولون في البنيان. ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ] صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ـ ص 161 وما بعدها ..
ونستطيع أن نستخلص مما سبق نقطتين على غاية الأهمية :
إحداهما : أن الحشر ممكن وإعادة الحياة جائزة.
ثانيتهما : أن هذا العود سمعي الوقوع على كيفية لا يعلمها إلا الله وحده، وإن كنا نتصورهما بعض التصور.
والنقطة الأولى : من هاتين النقطتين قد تصورها العقل وحده أو بمعرفة الشرع له.
أما الثانية : فقد حكم الشرع فيها بقواطع النصوص التي تجعلنا نؤمن بها من غير أن نكون مستعدين للجدل أو المراء.
وجماع هاتين النقطتين في الحقيقة يصور مواقف المليين من هذه القضية لها، وإن نازعتهم الفلاسفة في بعض هذه القضايا.
يقول الإيجي : وهو مفكر أشعري : [ أجمع أهل الملل عن آخرهم على جوازه ووقوعه. وأنكرهما الفلاسفة المواقف ـ للإيجي ـ ص 372..
أما الجواز : فلأن جمع الأجزاء على ما كانت عليه وإعادة التأليف المخصوص فيها أمر ممكن ـ كما مر ـ والله عالم بتلك الأجزاء، قادر على جمعها وتأليفها لما بينا من عموم علمه وقدرته، وصحة القبول والفعل توجب الصحة قطعاً.
وأما الوقوع : فلأن الصادق أخبر عنه في مواضع لا تحصى بعبارات لا تقبل التأويل حتى صار معلوماً بالضرورة كونه من الدين، وكل ما أخبر به الصادق فهو حق ] المواقف ـ للإيجي ـ ص 372..
ويستفيد حجة الإسلام من النصوص الشرعية وأحكام العقل معاً فيبين موقفه النهائي الذي يراه في هذه القضية ، وهو لا يخالف به الموقف السابق في قليل ولا كثير فييما عدا طبيعة العرض وأسلوب التفكير.
قال : [ أما الحشر فيعني به إعادة الخلق وقد دلت عليه القواطع الشرعية، وهو ممكن بدليل الابتداء السابق فإن الإعادة خلق ثان، ولا فرق بينه وبين الابتداء، وإنما يسمى إعادة بالإضافة إلى الابتداء السابق، والقادر على الإنشاء والابتداء قادر على الإعادة وهو المعنى بقوله : " قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " ]  الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي / 180 ، والآية من سورة يس رقم : 79.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 4:59 pm

الجن


تعريف الجن
        الجن والشياطين في اللغة : ـ 

        1ـ جن : ستر . قال تعالى : { فلما جن عليه اليل رءا كوكبا } [ الأنعام/76]
        والجان : الجن . قال تعالى : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان(74)}[الرحمن]
        والجان : نوع من الحيات أكحل العينين ، يميل إلى الصفرة ، لا يؤذي . قال تعالى : { فلما رءاها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب } [ النمل /10].
        ويجمع على ( جنان ) وفي الحديث : "إن فيها جنانا كثيرة " .
        والجنان : القلب . وفي المثل : " إذا فرح الجنان ، بكت العينان " .
        والجن : خلاف الإنس . مفرده جني وجنية .
        والجنة : الجن . قال تعالى : { من الجنة والناس (6) } [ الناس] .
        والجنة : السترة . قال تعالى : { اتخذوا أيمانهم جنة } [ المجادلة/16].
        وفي الحديث : " الصوم جنة " .
        والجنة : كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض . قال تعالى : { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله } [ الكهف/39].
        والجنين : الولد ما دام في بطن أمه . وجمعه : أجنة . قال تعالى : { وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم } [ النجم /32]. 

        والجن يقال على وجهين : ـ 

        أحدهما : بالمعنى العام المقابل للإنس . فيشمل كل المستترين عن الحواس من : جن ، وملائكة ، وشياطين . قال تعالى : { وجعلوا لله شركاء الجن } [الأنعام/100] والمقصود الذين قالوا : الملائكة بنات الله .
        والآخر : بالمعنى الخاص . فلا يشمل إلا الجن فقط ؛ لأن الروحانيين المستترين عن الحواس ثلاثة : أخيار وهم الملائكة ، وأشرار وهم الشياطين ، وأوساط فيهم أخيار وأشرار . وهم الجن. 

        2ـ والشيطان مشتق من : شطن بمعنى : بعد ؛ لبعده عن الخير. أو من : شاط يشيط بمعنى احترق غضبا ؛ لأنه مخلوق من النار.
        وكل عات متمرد من الجن ، والإنس ، والدواب يقال له : شيطان .
        وقيل . إن خبث الجني ، فهو شيطان ، وإن زاد خبثه ، فهو مارد ، فإن زاد على ذلك وقوى ، فهو عفريت ، والجمع عفاريت . 

        3ـ وإبليس مشتق من الإبلاس ، وهو الحزن الشديد من اليأس . ليأسه من دخول الجنة (1). 

================ 

        المراجع والهوامش : 

        1ـ انظر القاموس المحيط ، والوسيط ، ومفردات الراغب في مواد : جن ، وشطن ، وبلس . 

        الجن والشياطين في القرآن الكريم 

        ورد ذكر (الجن) في القرآن الكريم 22مرة ، و (الجان) 7 مرات ، و (الجنة) 10 مرات .
        وجاء ذكر (الشيطان) بالإفراد (70) مرة ،و(الشياطين ) بالجمع (17) مرة،
        وورد ذكر (إبليس ) في (11) موضعا.
        وكلها تدور حول المعاني التي سبق ذكرها .

__________________________________

لا مجال للتكذيب بعالم الجن

أنكرت قلة من الناس وجود الجنّ إنكاراً كلياً ، وزعم بعض المشركين : أن المراد بالجن أرواح الكواكب . 

وزعمت طائفة من الفلاسفة : أن المراد بالجن نوازع الشر في النفس الإنسانية وقواها الخبيثة ، كما أن المراد بالملائكة نوازع الخير فيها . 

وزعم فريق من المحْدَثين ( بفتح الدال المخففة ) : أن الجن هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها العلم الحديث . 

وقد ذهب الدكتور محمد البهي إلى : أن المراد بالجن الملائكة ، فالجن والملائكة عنده عالم واحد لا فرق بينهما ، ومما استدل به : أن الملائكة مستترون عن الناس ، إلا أنه أدخل في الجن من يتخفى من عالم الإنسان في إيمانه وكفره ، وخيره وشره . 

عدم العلم ليس دليلاً 

وغاية ما عند هؤلاء المكذبين أنه لا علم عندهم بوجودهم ، وعدم العلم ليس دليلاً . 

وقبيح بالعاقل أن ينفي الشيء لعدم علمه بوجوده، وهذا مما نعاه الله على الكفرة : ( بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) [ يونس : 39] . 

وهذه المخترعات الحديثة التي لا يستطيع أحد أن يكابر فيها ، أكان يجوز لإنسان عاش منذ مئات السنين أن ينكر إمكان حصولها لو أخبره صادق بذلك ؟ وهل عدم سماعنا للأصوات التي يعج بها الكون في كل مكان دليل على عدم وجودها ، حتى إذا اخترعنا ( الراديو ) ، واستطاع التقاط ما لا نسمع بآذاننا صدقنا بذلك ؟! 

يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله – في ظلاله متحدثاً عن النفر من الجن الذين صرفهم الله إلى رسوله ، فاستمعوا منه القرآن . 

" إنَّ ذكر القرآن لحادث صَرْفِ نفر من الجن ليستمعوا القرآن من النبي صل الله عليه وسلم ، وحكاية ما قالوا وما فعلوا ، هذا وحده كافٍ بذاته لتقرير وجود الجن ، ولتقرير وقوع الحادث ، ولتقرير أنّ الجن هؤلاء يستطيعون أن يستمعوا للقرآن بلفظه العربي المنطوق ، كما يلفظه رسول الله صل الله عليه وسلم ، ولتقرير أن الجن خلق قابلون للإيمان وللكفران ، مستعدون للهدى وللضلال ، وليس هنالك من حاجة إلى زيادة تثبيت أو توكيد لهذه الحقيقة ، فما يملك إنسـان أن يزيد الحقيقة التي يقررها سبحانه ثبوتاً . 

ولكنّا نحاول إيضاح هذه الحقيقة في التصور الإنساني . 

إنّ هذا الكون من حولنا حافل بالأسرار ، حافل بالقوى والخلائق المجهولة لنا كنهاً وصفةً وأثراً ، ونحن نعيش في أحضان هذه القوى والأسرار ، نعرف منها القليل ، ونجهل منها الكثير ، وفي كل يوم نكشف بعض هذه الأسرار ، وندرك بعض هذه القوى ، ونتعرف إلى بعض هذه الخلائق تارة بذواتها ، وتارة بصفاتها ، وتارة بمجرد آثارها في الوجود من حولنا .
ونحن ما نزال في أول الطريق ، طريق المعرفة لهذا الكون ، الذي نعيش نحن وآباؤنا وأجدادنا ، ويعش أبناؤنا وأحفادنا ، على ذرة من ذراته الصغيرة ؛ هذا الكوكب الأرضي الذي لا يبلغ أن يكون شيئاً يذكر في حجم الكون أو وزنه ! 

وما عرفنا اليوم – ونحن في أول الطريق – يُعدّ بالقياس إلى معارف البشرية قبل خمسة قرون فقط عجائب أضخم من عجيبة الجن ، ولو قال قائل للناس قبل خمسة قرون عن شيء من أسرار الذرة التي نتحدث عنها اليوم ، لظنه مجنوناً ، أو لظنوه يتحدث عما هو أشد غرابة من الجن قطعاً ! 

ونحن نعرف ونكشف في حدود طاقتنا البشرية ، المعدة للخلافة في هذه الأرض ، ووفق مقتضيات هذه الخلافة ، وفي دائرة ما سَخّرَه الله لنا ؛ ليكشف لنا عن أسراره ، وليكون لنا ذلولاً ، كيما نقوم بواجب الخلافة في الأرض ، ولا تتعدى معرفتنا وكشوفنا في طبيعتها وفي مداها مهما امتد بنا الأجل – أي بالبشرية – ومهما سُخّر لنا من قوى الكون ، وكُشِفَ لنا من أسراره – لا تتعدى تلك الدائرة ؛ ما نحتاج إليه للخلافة في هذه الأرض ، وفق حكمة الله وتقديره . 

وسنكشف كثيراً ، وسنعرف كثيراً ، وستتفتح لنا عجائب من أسرار هذا الكون وطاقاته ، مِمّا قد تعدّ أسرار الذرة بالقياس إليه لعبة أطفال ! 

ولكننا سنظل في حدود الدائرة المرسومة للبشر في المعرفة ، وفي حدود قول الله سبحانه : ( وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً ) [ الإسراء : 85 ] قليلاً بالقياس إلى ما في هذا الوجود من أسرار وغيوب لا يعلمها إلا خالقه وَقَيّومه ، وفي حدود تمثيله لعلمه غير المحدود ، ووسائل المعرفة البشرية المحدودة بقوله : ( ولو أنَّما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ والبحر يمدُّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) [ لقمان : 27 ] . 

فليس لنا والحالة هذه أن نجزم بوجود شيء أو نفيه ، وبتصوره أو عدم تصوره ، من عالم الغيب والمجهول ، ومن أسرار هذا الوجود وقواه ، لمجرد أنه خارج عن مألوفنا العقلي ، أو تجاربنا المشهودة ، ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها ، فضلاً عن إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا ! 

وقد تكون هنالك أسرار ، ليست داخلة في برنامج ما يُكشَف لنا عنه أصلاً ، وأسرار ليست داخلة في برنامج ما يُكْشَف لنا عن كنهه ، فلا يُكْشَف لنا إلا عن صفته أو أثره ، أو مجرد وجوده ؛ لأن هذا لا يفيدنا في وظيفة الخلافة في الأرض . 

فإذا كَشَفَ الله لنا عن القدر المقسوم لنا من هذه الأسرار والقوى ، عن طريق كلامه – لا عن طريق تجاربنا ومعارفنا الصادرة من طاقتنا الموهوبة لنا من لدنه أيضاً – فسبيلنا في هذه الحالة أن نتلقّى هذه الهبة بالقبول والشكر والتسليم ، نتلقاها كما هي ، فلا نزيد عليها ، ولا ننقص منها ؛ لأن المصدر الوحيد الذي نتلقّى عنه مثل هذه المعرفة لم يمنحنا إلا هذا القدر بلا زيادة ، وليس هنالك مصدر آخر نتلقى عنه مثل هذه الأسرار ! " . 

والقول الحق أن الجن عالم ثالث غير الملائكة والبشر ، وأنهم مخلوقات عاقلة واعية مدركة ، ليسوا بأعراض ولا جراثيم ، وأنهم مكلفون مأمورون منهيون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خلق الجن وطبيعتهم

        خلق الله الجن من النار. كما ورد في الحديث السابق : "وخلق الجان من مارج من نار" .
        وقال تعالى : { وخلق الجان من مارج من نار (15)} [الرحمن] والمارج: النار التي لا دخان لها .
        وقال سبحانه : { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون (26) والجان خلقناه من قبل من نار السموم (27) } [ الحجر ]
        فهي نار لا دخان لها ، تنفذ في المسام .
        وفي الآية دليل على تقدم خلق الجان على الإنسان .
        وخلق إبليس من النار أيضا : لأنه من الجن . كما قال تعالى : { فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } [ الكهف/50].
        وقال على لسانه : { خلقتني من نار وخلقته من طين } [ ص/76].
        ولم يبق الجن على طبيعتهم النارية ، كما لم يبق الإنس على طبيعتهم الترابية ، إنما صار الجن أجساما لها طبيعة خاصة ، وقدرة على التشكل بأشكال مختلفة . فالجني له القدرة على الظهور في صور متنوعة من إنسان ، أو حيوان ، أو نبات ، صغر الشكل أو كبر ، وتحكمه الصورة التي يبدو فيها ، بمعنى أنه لو ظهر في صورة إنسي . فقوته قوة رجل من الإنس ، وإن ظهر في صورة كلب ، كانت قوته قوة الكلب ، وإن ظهر في صورة حية ، كانت طبيعة الحية تحكمه .. وهكذا .
        ولكن الشيطان لا يستطيع أن يظهر في صورة رسول الله صل الله عليه وسلم .
        عن أبي هريرة قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " من رآني في المنام : فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي " (1).
        والدليل على أن الجني لم يبق على طبيعته النارية أن الرسول صل الله عليه وسلم أمسكه بيده ، وأراد أن يربطه في أحد أعمدة المسجد، حتى يراه المسلمون ، ويلعب به صبيانهم.
        عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم : "إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع على صلاتي ، فأمكنني الله منه ، فأخذته ، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد ، حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان { رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } فرددته خاسئا "(2).
        وفي رواية : " والله لولا دعوة أخينا سليمان ، لأصبح موثقا ، يلعب به ولدان أهل المدينة " (3).
        وفي رواية : " حتى وجدت برد لسانه على يدي" .
        وكذلك ظهر الجني في صورة رجل سارق ، وأخذه أبو هريرة ، وأمسكه ، ثم تركه .
        عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : وكلني رسول الله صل الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صل الله عليه وسم قال : إني محتاج ، وعلى عيال ، ولي حاجة شديدة.
        قال : فخليت عنه . فأصبحت فقال النبي صل الله عليه وسلم : يا أبا هريرة: ما فعل أسيرك البارحة ؟
        قال : قلت يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته ، فخليت سبيله.
        قال : أما إنه قد كذبك وسيعود .
        فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه سيعود : فرصدته ، فجعل يحثو من الطعام . فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صل الله عليه وسلم . قال دعني ، فإني محتاج ، وعلى عيال ، لا أعود . فرحمته ، فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صل الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك ؟
        قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته ، فخليت سبيله ،
        قال : أما إنه قد كذبك ، وسيعود.
        فرصدته الثالثة ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات . إنك تزعم : لا تعود ، ثم تعود.
        قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها .
        قلت : ما هن ؟
        قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى تختم الآية . فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح . فخليت سبيله ، فأصبحت ، فقال لي رسول الله صل الله عليه وسلم : ما فعل أسيرك البارحة ؟
        قلت : يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها ، فخليت سبيله.
        قلت : قال لي إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي من أولها ، حتى تختم الآية { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ـ وكانوا أحرص شئ على الخير.
        فقال النبي صل الله عليه وسلم : أما إنه قد صدقك ، وهو كذوب . اتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟
        قال : كلا . قال : ذاك شيطان " (4).
        وأما قوله تعالى:{ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}[ الأعراف/27] فالمقصود من حيث لا ترونهم على صورتهم الحقيقية : أما لو تمثلوا في صور معينة ، فيمكن رؤيتهم ، كما في هذين الحديثين . 

        والجن يأكلون ويشربون : ـ 

        عن جابر بن عبد الله،أنه سمع النبي صل الله عليه وسلم يقول : " إذا دخل الرجل بيته ، فذكر الله عند دخوله ، وعند طعامه . قال الشيطان : لا مبيت ، ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله ، قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه ، قال : أدركتم المبيت والعشاء " (5).
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله " (6) . 


        والجن يتزوجون ، ويتناسلون : ـ
        فعندما تحدث القرآن الكريم عن نعيم الجنة قال : { حور مقصورات في الخيام (72) فبأي الاء ربكما تذكبان (73) لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان(74)} [الرحمن ].
        وعندما ذكر النفر الذين استمعوا للقرآن قال : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا (6) } [ الجن /6] ، ووجود الرجال يستلزم وجود الإناث ، ويستلزم التناسل.
        وعندما حذرنا من إبليس قال : { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا (50)} [ الكهف]. 


        والجن مكلفون بعبادة الله تعالى : ـ
        قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) } [ الذاريات ] .
        وقد أرسل الله إليهم الرسل ، وختمهم بسيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، فهو رسول للإنس والجن . وقد تحدى بمعجزته الكبرى الإنس والجن .
        قال تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثلم هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (88) } [ الإسراء ].
        وذلك بعد أن استمعوا له ، وعلموا أنه كتاب أنزل بعد توراة موسى قال تعالى :
        { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين (29) قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم (30)} [الأحقاف].
        وقد اجتمع بهم رسول الله صل الله عليه وسلم ، وإن كان لم يرهم في اللقاء الأول ، ولم يعلم بوجودهم ، حتى أخبره الله ، وقد التقى بهم في أكثر من مكان ، ليعلمهم شرع الله .
        وكان من عادة شياطين الجن أن يصعدوا إلى السماء ليستمعوا إلى الملائكة تتكلم ببعض ما يوكل إليهم من أمور . ثم ينزل الشياطين إلى الكهان. فيخبرونهم بما سمعوا ، بعد أن يضيفوا إليه أخبارا كاذبة، ليضلوا أتباع الكهان ، وعبدة الأصنام.
        وشاء الله أن ينتهي هذا الوضع مع بعثته صل الله عليه وسلم .
        وتأمل ما جاء في الحديث التالي بهذا الخصوص :
        " عن ابن عباس قال : ما قرأ رسول الله صل الله عليه وسلم على الجن ، وما رآهم ، انطلق رسول الله صل الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ : وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟
        قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب.
        قالوا : ما ذلك إلا من شئ حدث . فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء .
        فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة ، وهو بنخل عامدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعواله ، وقالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء.
        فرجعوا إلى قومهم ، فقالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا ، يهدي إلى الرشد ، فآمنا به ، ولن نشرك بربنا أحدا ، فأنزل الله عز وجل وعلى نبيه محمد صل الله عليه وسلم { قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن } (7).
        وتحكي لنا سورة الجن تفاصيل هذا الحدث العجيب.
        وعن عائشة قالت : قلت يا رسول الله : إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشئ: فنجده حقا قال : " تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ، فيزيد فيها مائة كذبة " (Cool.
        ودعى رسول الله صل الله عليه وسلم مرة أخرى للاجتماع بهم .
        عن عامر قال : سألت علقمة : هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسم ليلة الجن ؟ قال : فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود ، فقلت : هل شهد أحد منكم مع رسول الله صل الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال : لا ولكننا كنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم ذات ليلة ، ففقدناه ، فالتمسناه في الأودية والشعاب . فقلنا : استطير ، أو اغتيل ، قال : فبتنا بشر ليلة بات بها قوم . فلما أصبحنا : إذا هو جاء من قبل حراء .
        قال : قلنا يا رسول الله ، فقدناك ، فطلبناك ، فلم نجدك ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم .
        فقال : " أتاني داعي الجن ، فذهبت معه ، فقرأت عليهم القرآن" .
        قال : فانطلق بها ، فأرانا آثارهم ، وآثار نيرانهم . وسألوه الزاد .
        فقال : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما ، وكل بعرة علف لدوابكم . فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم " (9).
        وعن معن قال : سمعت أبي قال : سألت مسروقا : من آذن النبي صل الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن ؟ فقال : حدثني أبوك ـ يعني ابن مسعود ـ أنه آذنته بهم شجرة (10). 

        والجن يسكنون البر والبحر والجو : ـ
        ومنهم من يسكن مع بني آدم في بيوتهم ، ويسمون (العمار) أو (العوامر) ليس من حقهم أن يظهروا للإنس في أية صورة من الصور وإلا استحقوا القتل بعد إنذارهم .
        فعن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته . قال : فوجدته يصلي ، فجلست أنتظره ، حتى يقضي صلاته ، فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت . فالتفت فإذا حية ، فوثبت لأقتلها . فأشار إلى : أن اجلس فجلست .
        فلما انصرف ، أشار إلى بيت في الدار ، فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت ؟ نعم. قال : كان فيه فتى منا . حديث عهد بعرس . قال : فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صل الله عليه وسلم بأنصاف النهار، فيرجع إلى أهله . فاستأذنه يوما فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم : " خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك قريظة ".
        فأخذ الرجل سلاحه ، ثم رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به . وأصابته غيرة .
        فقالت له : اكفف عليك رمحك ، وادخل بيتك حتى تنظر ما الذي أخرجني.
        فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح ، فانتظمها به ، ثم خرج ، فركزه في الدار ، فاضطربت عليه . فما يدري أيهما كان أسرع موتا . الحية أم الفتى ؟
        قال : فجئنا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له . وقلنا : ادع الله يحييه لنا.
        فقال : " استغفروا لصاحبكم " ثم قال : " إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا ، فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك ، فاقتلوه ، فإنما هو شيطان" (11).
        وفي رواية : " إن لهذه البيوت عوامر . فإذا رأيتم شيئا منها ، فحرجوا عليها ثلاثا ، فإن ذهب ، وإلا فاقتلوه ، فإنه كافر " وقال لهم : "اذهبوا فادفنوا صاحبكم " (12).
        وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : كان النبي صل الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء : قال : " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " (13).
        أي ذكران الجن وإناثهم . فالخبث جمع خبيث ، والخبائث جمع خبيثة. 

        والجن لهم قدرات فائقة : ـ
        قال تعالى : { قال عفريت من الجن أنا ءاتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين (39) } [النمل/39]
        وقال تعالى عن سليمان : { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب(36)والشياطين كل بناء وغواص(37)وءاخرين مقرنين في الأصفاد(38) } [ ص ] .
        وقال في وصف أعمالهم له { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا ءال داود شكرا وقليل من عبادي الشكور(13)} [ سبأ / 13]
        المحاريب : الأبنية المرتفعة يصعد إليها بدرج ، ولم تكن التماثيل محرمة ، والجفان : القصاع . والجوابي : أحواض الماء. 

        والجن يموتون .ويبعثون . ويدخلون الجنة أو النار : ـ
        قال تعالى : { ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم (128) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون (129) يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقضون عليكم ءاياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين (130) ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون (131) ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون (132) } [ الأنعام ] .
        وقال سبحانه : { وتمت كلمة ربك لأملآن جهنم من الجنة والناس أجمعين (119) } [ هود ] .
        وروى الحاكم عن جابر قال : قرأ علينا رسول الله صل الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها . ثم قال : " ما لي أراكم سكوتا ؟ للجن كانوا أحسن منكم ردا . ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة : { فبأي ءالاء ربكما تذكبان } إلا قالوا : ولا بشئ من نعمك ربنا نكذب . فلك الحمد " .
        وفي هذه السورة قوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)} فبأي ءالاء ربكما تكذبان (47) } [ الرحمن ] .
        وجاء في سورة الجن : { وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا (14) وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا (15) } [ الجن ]. 

=============== 

        المراجع والهوامش 

1ـ رواه مسلم في الرؤيا 4/1775
2ـ رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ـ الفتح 6/527
3ـ رواه مسلم في المساجد 1/385
4ـ رواه البخاري في الوكالة 3/132 ، الفتح 4/598 يحثو : يقال : حثا يحثو ، وحتى يحثي : أخذ ملء يديه . لأرفعنك : أذهب بك أشكوك . وعلى عيال : على نفقة عيال ، ولي حاجة : وفي نسخة : ( وبي حاجة ) رصدته : رقبته وانتظرته . وكانوا : أي الصحابة . وفي الحديث دليل على أن الجن يأكلون من طعام الإنس ، ويتكلمون بكلامهم ، ويسرقون منهم ، ويكذبون عليهم ، وفيه دليل على اطلاع النبي على المغيبات .
5ـ رواه الإمام مسلم في الأشربة 3/1598وقوله: ( قال الشيطان) أي لإخوانه الشياطين .
6ـ رواه الإمام مسلم في الموضع السابق .
7ـ رواه الإمام مسلم في الصلاة 1/331 وقوله : (عامدين) أي قاصدين ، وسوق عكاظ كانت تقام قريبا من عرفة بين مكة والطائف : مرة كل عام : تجتمع قبائل العرب ، فيتعاكظون ، أي يتفاخرون ويتناشدون ، وظلت تقام إلى سنة 129هـ ثم خربها الخوارج ونهبوها ، و ( الشهب ) جمع شهاب ، وهو شعلة النار (اضربوا مشارق الأرض ومغاربها ) أي سيروا وابحثوا فيها كلها عن السبب . (وهو بنخل ) أي وهو في هذا المكان : نخل أو نخلة .
8ـ رواه الإمام مسلم في السلام 4/1750.
9ـ رواه الإمام مسلم في الصلاة 1/332 والأودية : جمع واد وهو أرض بين جبلين تجتمع فيها السيول ، والشعاب : جمع شعب ، وهو الطريق في الجبل . (استطير) أي طارت به الجن ( اغتيل) أي قتل خفية وسرا .
10ـ رواه مسلم في الموضع السابق . وقوله : ( من آذن النبي ) أي أعلمه بحضور الجن ، وهي الشجرة أنطقها الله له . كما قال : " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث " مسلم 4/1782
11ـ رواه الإمام مسلم في السلام 4/1756 وأراد بالعراجين : الأعواد التي في سقف البيت . وفي رواية : ( إذ سمعنا تحت سريره حركة ) وقوله : ( أخشى عليك قريظة ) أي يقتله يهود قريظة وقوله : ( فآذنوه ) أي أعلموه وأنذروه ، فإن لم يذهب علمتم أنه ليس من عوامر البيت المسلمين ، ويقول في الإنذار : "أنشدكن بالعهد الذي آخذ عليكم سليمان بن داود أن لا تؤذونا ولا تظهرن لنا " وقال مالك يقول : " أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذينا" قيل : إن هذا الإنذار عام في جميع حيات الأرض . وقيل : إنه خاص بحيات المدينة للسبب المذكور في هذا الحديث ، وهو إسلام بعض الجن . بدليل حديث : "خمس يقتلن في الحل والحرم" منها الحيات ، ولم يذكر إنذارا ، وحديث الحية الخارجة بمنى فإنه صل الله عليه وسلم أمر بقتلها ، ولم يذكر إنذارا .
12ـ المرجع السابق وقوله : ( فحرجوا عليه ) أي قولوا للجن أنتم في حرج أي ضيق إن عدتم إلينا فلا تلومونا إن ضيقنا عليكم بالتتبع والطرد والقتل.
13ـ رواه البخاري في الدعوات ـ الفتح 11/134 ومسلم في الحيض 1/283

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من أعمال الشيطان

        ذكر لنا القرآن الكريم أعمال الشيطان لنحذره ومن ذلك : 

        1ـ الشيطان يسول ويزين : 

        • { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى } [ محمد /25].
        • { وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون (43) } [ الأنعام ]. 

        2ـ الشيطان يفتن ويوسوس : ـ 

        • { يا بني ءادم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } [الأعراف].
        • { فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما } [الأعراف] 

        3ـ الشيطان يعد ويمني :
        • { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } [ البقرة /268]
        • { يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } [ النساء ]
        • { واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (64)} [ الإسراء ] . 

        4ـ الشيطان يخوف ويضل :
        • { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175) } [ آل عمران ] .
        • { ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا (60) [ النساء ]. 

        5 ـ الشيطان ينزغ وينسي : 

        • { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم (200)}[الأعراف]
        • { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله } [ المجادلة /19]. 

        6ـ الشيطان يمس ويؤذي : 

        • { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون(201)} [ الأعراف ]
        • { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب(41)} [ ص ]
        • { الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } [ البقرة /275].
        قال الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية الكريمة : ( في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن ، وزعم أنه من فعل الطبائع ، وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ، ولا يكون منه مس ) (1). 

        ويقول الإمام الألوسي عن المس : ( أصله اللمس باليد . وسمى به : لأن الشيطان قد يمس الرجل ، وأخلاطه مستعدة للفساد ، فتفسد ، ويحدث الجنون ، وهذا لا ينافي ما ذكره الأطباء ؛ لأن ما ذكروه سبب قريب : وما تشير إليه الآية سبب بعيد ، وقد يدخل في بعض الأجساد على بعض الكيفيات ريح متعفن ، تعلقت به روح خبيثة تناسبه ، فيحدث الجنون ، وربما استولى ذلك على الحواس وعطلها ، واستقلت تلك الروح الخبيثة بالتصرف، فتتكلم، وتبطش ، وتسعى بآلات ـ أعضاء ـ ذلك الشخص الذي قامت به من غير شعور للشخص بشئ من ذلك أصلا . وهذا كالمشاهد المحسوس . الذي يكاد يعد منكره مكابرا منكرا للمشاهدات ) (2). 

=============== 

        المراجع والهوامش : 

1ـ تفسير القرطبي ص 1163 ط الشعب .
2ـ روح المعاني بتصرف يسير 3/49 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:00 pm

.... تابع


الجن



قدرات الجن

أعطى الله الجنّ قدرة لم يعطهـا للبشر ، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم ، فمن ذلك : 

أولاً : سرعة الحركة والانتقال : 

فقد تعهد عفريت من الجن لنبي الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوسه ، فقال الذي عنده علم من الكتاب : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك : ( قال عفريتٌ من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وَإِنِّي عليه لقويٌّ أمينٌ – قال الَّذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلمَّا رآه مستقرّاً عنده قال هذا من فضل ربي ...) [ النمل : 39-40 ] . 

ثانياً : سبقهم الإنسان في مجالات الفضاء : 

ومنذ القدم كانوا يصعدون إلى أماكن متقدمة في السماء ، فيسترقون أخبار السماء ، ليعلموا بالحَدَث قبل أن يكون ، فلما بعث الرسول صل الله عليه وسلم زيدت الحراسة في السماء : ( وأنَّا لمسنا السَّماء فوجدناها مُلِئَتْ حرساً شديداً وشهباً – وأنَّا كنَّا نقعد منها مقاعد للسَّمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رَّصداً ) [ الجن : 8-9 ] . 

وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية استراقهم السمع ، فعن أبي هريرة يبلغ به النبي صل الله عليه وسلم : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله ، كأنه سلسلة على صفوان ، فإذا فزع عن قلوبهم ، قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير . 

فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا بعضه فوق بعض – ووصف سفيان بكفه ، فحرفها وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته ، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه ، فيكذب معها مائة كذبة . فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا : كذا وكذا ؟ فيصدّق بتلك الكلمة التي سمع من السماء ) (1) . 

خرافة جاهلية : 

ومعرفة السبب الذي من أجله يرمي بشهب السماء قضى على خرافة كان يتناقلها أهل الجاهلية ، فعن عبد الله بن عباس قال : أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار : أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار ، فقال لهم رسول الله صل الله عليه وسلم : ( ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا ) ؟

قالوا : الله ورسوله أعلم ، كنا نقول : ولد الليلة رجل عظيم ، ومات رجل عظيم ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : 

( فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ؛ ولكنّ ربنا – تبارك وتعالى اسمه – إذا قضى أمراً سبّح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ، ثمّ قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ماذا قال ، قال فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً ؛ حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا ، فتخطف الجنّ السمع ، فيقذفون إلى أوليائهم ، ويرمون به ، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يَقْرِفون فيه ويزيدون ) (2) . 

وقد يكون استراقهم السمع بطريق أهون عليهم من الطريق الأولى ، وذلك بأن تستمع الشياطين إلى الملائكة الذين يهبطون إلى العنان بما يكون من أحداث قدرها الله ، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صل الله عليه وسلم قال : ( الملائكة تتحدث في العنان – والعنان الغمام – بالأمر يكون في الأرض ، فتستمع الشياطين الكلمة ، فتقرها في أذن الكاهن كما تقرّ القارورة ، فيزيدون معها مائة كذبة ) (3) 

ثالثاً : علمهم بالإعمار والتصنيع : 

أخبرنا الله أنه سخر لنبيّه سليمان ، فكانوا يقومون له بأعمال كثيرة تحتاج إلى قدرات ، وذكاء ، ومهارات : ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السَّعير – يعملون له ما يشاء من مَّحاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب وقدورٍ رَّاسِيَاتٍ) [ سبأ : 12-13 ] . 

ولعلهم قد توصلوا منذ القدم إلى اكتشاف مثل ( الراديو والتلفزيون ) ، فقد ذكر ابن تيمية أن بعض الشيوخ الذين كان لهم اتصال بالجن أخبره وقال له : " إن الجن يرونه شيئاً براقاً مثل الماء والزجاج ، ويمثلون له فيه ما يطلب منه من الأخبار به ، قال فأخبر الناس به ، ويوصلون إليّ كلام من استغاث بي من أصحابي ، فأجيبه ، فيوصلون جوابي إليه " (4) . 

رابعاً : قدرتهم على التشكل : 

للجن قدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان ، فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر في صورة سراقة بن مالك ، ووعد المشركين بالنصر ، وفيه أنزل : ( وإذ زيَّن لهم الشَّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النَّاس وَإِنِّي جارٌ لكم ) [الأنفال : 48] .
ولكن عندما التقى الجيشان ، وعاين الملائكة تتنزل من السماء ، ولى هارباً : ( فلمَّا تَرَاءتِ الفئتان نكص علـى عقبيه وقال إني بريءٌ منكم إِنِّي أرى ما لا ترون إني أخاف الله ) [ الأنفال : 48 ] . 

وقد جرى مع أبي هريرة قصة طريفة رواها البخاري وغيره ؛ قال أبو هريرة : ( وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إني محتاج ، وعليّ عيال ، ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت ، فقال النبي صل الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ، ( ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) 

قال : قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً ، فرحمته ، فخليت سبيله ، قال : ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه سيعود ، فرصدته ، فجاءَ يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : دعني فإني محتاج ، وعليّ عيال ، لا أعود ، فرحمته ، فخليت سبيله ، فأصبحت ، فقال لي رسول الله صل الله عليه وسلم : ( يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك ؟ ) قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً ، فرحمته ، فخليت سبيله . 

قال : ( أما إنه كذبك وسيعود ) ، فرصدته الثالثة ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ، وهذا آخر ثلاث مرات ، إنك تزعم لا تعود ، ثمّ تعود ! قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قال : قلت : ما هنّ ؟ 

قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [البقرة : 255] حتى تختم الآية ؛ فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله ، فقال لي رسول الله صل الله عليه وسلم : ( ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) قلت : يا رسول الله زعم أنّه يعلمني كلمات ينفعني الله بها ، فخليت سبيله ، قال : ما هي ؟ قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [ البقرة : 255 ] وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شيء على الخير . 

قال النبي : ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ ) قال : لا ، قال : ( ذاك شيطان ) (5) . 


فقد تشكل هذا الشيطان في صورة إنسان .وقد يتشكل في صورة حيوان : جمل ، أو حمار ، أو بقرة ، أو كلب ، أو قط ، وأكثر ما تتشكل بالأسود من الكلاب والقطط . 

وقد أخبر الرسول صل الله عليه وسلم أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة ، وعلل ذلك بأن ( الكلب الأسود شيطان ) (6) . يقول ابن تيمية : " الكلب الأسود شيطان الكلاب ، والجن تتصور بصورته كثيراً ، وكذلك بصورة القط الأسود ؛ لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره ، وفيه قوة الحرارة " . 

جنان البيوت : 

تتشكل الجان بشكل الحيات وتظهر للناس ، ولذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيات البيوت ، خشية أن يكون هذا المقتول جنياً قد أسلم ، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( إنّ بالمدينة جنّاً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنما هو شيطان ) (7) . 

وقد قتل أحد الصحابة حيّة من حيات البيوت ، فكان في ذلك هلاكه ، روى مسلم في صحيحه : أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري في بيته ، فوجده يصلي ، قال : ( فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، فسمعت تحريكاً في عراجين في ناحية البيت ، فالتفت ، فإذا حيّة ، فوثبت لأقتلها فأشار إليّ ؛ أن اجلس ، فجلست : 

فما انصرف أشار إلى بيت في الدار ، فقال : أترى هذا البيت ؟ فقلت : نعم . قال : كان فيه فتى منّا حديث عهد بعرس ، قال : فخرجنا مع رسول الله إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار ، فيرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوماً فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم : ( خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك قريظة ) . 

فأخذ الرجل سلاحه ، ثمّ رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها الرمح ليطعنها به ، وأصابته غيرة ، فقالت له : اكفف رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني .
فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ، ثم خرج ، فركزه في الدار ، فاضطربت عليه ، فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً : الحية أم الفتى ! 

قال : فجئنا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، وقلنا : ادع الله يحييه لنا فقال : ( استغفروا لصاحبكم ) ، ثم قال : ( إنّ بالمدينة جنّاً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه ، فإنّما هو شيطان ) (Cool

تنبيهات مهمة حول قتل حيات البيوت : 

1- هذا الحكم ، وهو النهي عن قتل الحيوانات خاص بالحيات دون غيرها . 

2- وليس كل الحيات ؛ بل الحيات التي نراها في البيوت دون غيرها ، أمّا التي نشاهدها خارج البيوت فنحن مأمورون بقتلها . 

3- إذا رأينا حيات البيوت فنؤذنها ؛ أي نأمرها بالخروج ، كأن نقول : أقسم عليك بالله أن تخرجي من هذا المنزل ، وأن تبعدي عنّا شرّك وإلا قتلناك . فإن رؤيت بعد ثلاثة أيام قتلت. 

4- والسبب في قتلها بعد ثلاثة أيام أننا تأكدنا أنها ليست جنّاً مسلماً ، لأنها لو كانت كذلك ، لغادرت المنزل ، فإن كانت أفعى حقيقية فهي تستحق القتل ، وإن كانت جنّاً كافراً متمرداً فهو يستحق القتل ؛ لأذاه وإخافته لأهل المنزل . 

5- يستثنى من جنان البيوت نوع يقتل بدون استئذان ، ففي صحيح البخاري عن أبي لبابة أن الرسول صل الله عليه وسلم قال : ( لا تقتلوا الجِنَّان ، إلا كلّ أبتر ذي طُفْيَتَيْن ؛ فإنه يسقط الولد ، ويذهب البصر ، فاقتلوه ) (9) . 

وهل كل الحيات من الجنّ أم بعضها ؟ يقول الرسول صل الله عليه وسلم : ( الحيّات مسخ الجنّ صورة ، كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل ) (10) . 

خامساً : الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق : 

في صحيحي البخاري ومسلم عن أنس ، قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) (11) .. 

وفي الصحيحين عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً ، فأتيته أزوره ليلاً ، فحدثته ، ثمّ قمت فانقلبت ، فقام معي ليقبلني ( يردني ) وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمرّ رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صل الله عليه وسلم : ( على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي ) ، فقالا : سبحان الله يا رسول الله !! قال : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً ) ، أو قال : ( شيئاً ) (12) . 

===================================
(1) رواه البخاري في صحيحه : 8/538 . ورقمه : 4800 .
(2) رواه مسلم : 4/1750 . ورقمه : 2229 . ومعنى يقرفـون فيه أي الصدق بالكذب : يقذفون .
(3) رواه البخاري : 6/338 .ورقمه : 3288 .
(4) مجموع الفتاوى : 11/309 .
(5) صحيح البخاري : 4/486 . ورقمه : 2311 . ويرى بعض العلماء أن الحديث منقطع ؛ لأنه لم يصرح بالسماع من شيخه عثمان بن الهيثم ، والحديث وصله النسائي وغيره . انظر : فتح الباري : 4/488 .
(6) رواه مسلم : 1/365 . ورقمه : 510 .
(7) رواه مسلم : 4/1756 . ورقمه : 2236 .
(Cool رواه مسلم : 4/1756 . ورقمه : 2236 .
(9) رواه البخاري : 6/351 . ورقمه : 3311 .
(10) رواه الطبراني ، وأبو الشيخ في العظمة ، بإسناد صحيح ، راجع الأحاديث الصحيحة : 104 .
(11) صحيح البخاري : 13/159 . ورقمه : 7171 . ورواه مسلم : 4/1712 . ورقمه : 217 .
(12) رواه البخاري : 6/336 . ورقمه : 3281 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضعف الجن وعجزهم

الجن والشياطين كالإنس، فيهم جوانب قوة ، وجوانب ضعف. 

قال تعالى : ( إنَّ كيد الشَّيطان كان ضعيفاً ) [ النساء : 76 ] ، وسنعرض لبعض هذه الجوانب التي عرفنا الله ورسوله بها . 

أولاً : لا سلطان لهم على عباد الله الصالحين : 

لم يعط الرَّب – سبحانه – الشيطان القدرة على إجبار الناس ، وإكراههم على الضلال والكفر : ( إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ وكفى بربك وكيلاً ) [ الإسراء : 65 ] . ( وما كان له عليهم من سلطانٍ إلاَّ لنعلم من يؤمن بالآخرة ممَّن هو منها في شكٍ ) [ سبأ : 21 ] . 

ومعنى ذلك أن الشيطان ليس له طريق يتسلط بها عليهم ، لا من جهة الحجة ، ولا من جهة القدرة ، والشيطان يدرك هذه الحقيقة : ( قال رب بما أغويتني لأزيننَّ لهم في الأرض ولأغوينَّهم أجمعين – إلاَّ عبادك منهم المخلصين ) [ الحجر : 39-40 ] . 

وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره ، ويتابعونه عن رضا وطواعية : ( إنَّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاَّ من اتبَّعك من الغاوين ) [ الحجر : 42 ] . وفي يوم القيامة يقول الشيطان لأتباعه الذين أضلهم وأهلكهم : ( وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلاَّ أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [ إبراهيم : 22 ] . 

وفي آية أخرى : ( إنَّما سلطانه على الَّذين يتولَّونه والَّذين هم به مشركون ) [النحل :100] . 

والسلطان الذي أعطيه الشيطان هو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال ، وتمكنه منهم ، بحيث يؤزهم على الكفر والشرك ويزعجهم إليه ، ولا يدعهم يتركونه ، كما قال تعالى : ( ألم تر أنَّا أرسلنا الشَّياطين على الكافرين تؤزُّهم أزاً ) [ مريم : 83 ] ، ومعنى تؤزهم : تحركهم وتهيجهم . 

وسلطان الشيطان على أوليائه ليس لهم فيه حجّة وبرهان ، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم ، لما وافقت أهواءَهم وأغراضهم ، فهم الذين أعانوا على أنفسهم ، ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته ، فلما أعطوا بأيديهم ، واستأسروا له ، سُلّط عليهم عقوبةً لهم . فالله لا يجعل للشيطان على العبد سلطاناً ، حتى يجعل له العبد سبيلاً بطاعته والشرك به ، فجعل الله حينئذٍ له عليه تسلطاً وقهراً . 

تسليطه على المؤمنين بسبب ذنوبهم : 

ففي الحديث : ( إن الله – تعالى – مع القاضي لم يَجُر ، فإذا جار تبرأ منه ، وألزمه الشيطان ) . رواه الحاكم ، والبيهقي بإسناد حسن (1) . 

ويروي لنا أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله – عن الحسن البصري – رحمه الله – قصة طريفة ، وبغض النظر عن مدى صحتها فهي تصور قدرة الإنسان على قهر الشيطان إذا أخلصه دينه لله ، وكيف يصرع الشيطان الإنسان إذا ضلّ وزاغ . 

يقول الحسن : كانت شجرة تعبد من دون الله ، فجاء إليها رجل ، فقال : لأقطعن هذه الشجرة ، فجاء ليقطعها غضباً لله ، فلقيه إبليس في صورة إنسان ، فقال : ما تريد ؟ قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله ، قال : إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال : لأقطعنها . 

فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خير لك ؟ لا تقطعها ، ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك . قال : فمن أين لي ذلك ؟ قال : أنا لك . فرجع ، فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ، ثمّ أصبح بعد ذلك ، فلم يجد شيئاً . فقام غضباً ليقطعها ، فتمثل له الشيطان في صورته ، وقال : ما تريد ؟ قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى ، قال : كذبت ما لك إلى ذلك من سبيل . 

فذهب ليقطعها ، فضرب به الأرض ، وخنقه حتى كاد يقتله ، قال : أتدري من أنا؟ أنا الشيطان ، جئت أول مرة غضباً لله ، فلم يكن لي عليك سبيل ، فخدعتك بالدينارين ، فتركتها ، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك (2) .

وقد حدثنا الله في كتابه عن شخص آتاه الله آياته ، فعلمها ، وعرفها ، ثمّ إنه ترك ذلك كله ، فسلط الله عليه الشيطان ، فأغواه ، وأضله ، وأصبح عبرة تروى ، وقصة تتناقل : 

( واتلُ عليهم نبأ الَّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشَّيطان فكان من الغاوين – ولو شئنا لرفعناه بها ولكنَّه أخلد إلى الأرض واتَّبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الَّذين كذَّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلَّهم يتفكَّرون ) [ الأعراف : 175-176 ] . 

وواضح أن هذا مثل لمن عرف الحق وكفر به كاليهود الذين يعلمون أن محمداً مرسل من ربه ، ثم هم يكفرون به . 

أما هذا الذي عناه الله هنا ، فقال بعضهم : هو بلعام بن باعورا ، كان صالحاً ثم كفر ، وقيل : هو أمية بن أبي الصلت من المتألهين في الجاهلية ، أدرك الرسول صل الله عليه وسلم ، ولم يؤمن به حسداً ، وكان يرجو أن يكون هو النبي المبعوث ، وليس عندنا نص صحيح يعرفنا بالمراد من الآية على وجه التحديد . 

وهذا الصنف ( الذي يؤتى الآيات ثم يكفر ) صنف خطر ، به شَبَه من الشيطان ؛ لأنّ الشيطان كفر بعد معرفته الحق ، ولقد تخوف الرسول صل الله عليه وسلم هذا النوع على أمته ... 

روى الحافظ أبو يعلى عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( إن مما أتخوف عليكم رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه ، وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله انسلخ منه ، ونبذه وراء ظهره ، وسعى على جاره بالسيف ، ورماه بالشرك ) . قال : قلت : يا رسول الله : أيهما أولى بالسيف : الرامي أم المرمي ؟ قال : ( بل الرامي ) ، قال ابن كثير : وهذا إسناد جيد (3) . 

ثانياً : خوف الشيطان من بعض عباد الله وهربه منهم : 

إذا تمكن العبد في الإسلام ، ورسخ الإيمان في قلبه ، وكان وقّافاً عند حدود الله ، فإنّ الشيطان يفرق منه ، ويفرّ منه ، كما قال الرسول صل الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب : ( إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ) (4).. 

وقال فيه أيضاً : ( إني لأنظر إلى شياطين الجنّ والإنس قد فرّوا من عمر ) (5) ، وفي صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب : ( والذي نفسي بيده ، ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلى سلك فجاً غير فجك ) (6) 

وليس ذلك خاصاً بعمر ، فإن مَن قوي إيمانه يقهر شيطانه ، ويذله ، كما في الحديث : ( إن المؤمن لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر ) . رواه أحمد . قال ابن كثير (7) : بعد أن ساق هذا الحديث : " ومعنى لينصي شيطانه : ليأخذ بناصيته ، فيغلبه ، ويقهره ، كما يفعل بالعبير إذا شرد ثم غلبه " . 

وقد يصل الأمر أن يؤثر المسلم في قرينه الملازم له فيسلم ، أخرج مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد إلا وقد وُكّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ) ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : ( وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير ) (Cool

ثالثاً : تسخير الجن لنبي الله سليمان : 

سخر الله لنبيه سليمان – في جملة ما سخر – الجن والشياطين ، يعملون له ما يشاء ، ويعذب ويسجن العصاة منهم : ( فسخَّرنا له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب – والشَّياطين كل بنَّاءٍ وغوَّاصٍ – وآخرين مقرَّنين في الأصفاد ) [ ص : 36-38 ] . 

وقال في سورة سبأ : ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السَّعير – يعملون له ما يشاء من مَّحاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب وقدورٍ رَّاسياتٍ ) [ سبأ : 12-13 ] . 

وهذا التسخير على هذا النحو استجابة من الله لعبده سليمان حين دعاه وقال : ( وهب لي مُلكاً لاَّ ينبغي لأحدٍ من بعدي ) [ ص : 35 ] . وهذه الدعوة هي التي منعت نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم من ربط الجني الذي جاء بشهاب من نار ، يريد أن يرميه في وجهه ، ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء قال : قام رسول الله صل الله عليه وسلم ، فسمعناه يقول : ( أعوذ بالله منك ) ثم قال : ( ألعنك بلعنة الله ثلاثاً ) ، وبسط يده كأنه يتناول شيئاً . 

فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله لقد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً ، لم نسمعك تقوله من قبل ، ورأيناك بسطت يدك ، فقال : ( إن عدوّ الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ، فقلت : أعوذ بالله منك ثلاث مرات ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر ثلاث مرات ، ثم اْردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة ) (9) . 

وقد تكرر هذا أكثر من مرة ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن الرسول صل الله عليه وسلم قال : ( إن عفريتاً من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع عليّ الصلاة ، وإن الله أمكنني منه ، فَذَعَتُّهُ ، فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد ، حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون ، ( أو كلكم ) ، ثمّ ذكرت قول أخي سليمان : ( رب اغفر لي وهب لي مُلكاً لاَّ ينبغي لأحدٍ من بعدي ) ، فرده الله خاسئاً ) (10) . ومعنى يفتك : الفتك : الأخذ غفلة . وقوله : ( ذعته ) ، أي : خنقته . 

كذب اليهود على نبي الله سليمان : 

يزعم اليهود وأتباعهم الذين يستخدمون الجن بوساطة السحر أن نبي الله سليمان كان يستخدم الجنّ به ، وقد ذكر غير واحد من علماء السلف أنَّ سليمان لما مات كتبت الشياطين كتب السحر والكفر ، وجعلتها تحت كرسيه ... 

وقالوا : كان سليمان يستخدم الجن بهذه ، فقال بعضهم : لولا أن هذا حق جائز لما فعله سليمان ، فأنزل الله قوله : ( ولمـَّا جاءهم رسولٌ من عند الله مصدقٌ لما معهم نبذ فريقٌ من الَّذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنَّهم لا يعلمون ) [ البقرة : 101 ] ، ثم بين أنهم اتبعوا ما كانت تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان ، وبرأ سليمان من السحر والكفر : ( واتَّبعوا ما تتلوا الشَّياطين على مُلكِ سليمان وما كفر سليمان ولكنَّ الشَّياطين كفروا ) [ البقرة : 102 ] . 

رابعاً : عجزهم عن الإتيان بالمعجزات : 

لا تستطيع الجن الإتيان بمثل المعجزات التي جاءت بها الرسل تدليلاً على صدق ما جاءت به . 

فعندما زعم بعض الكفرة أن القرآن من صنع الشياطين قال تعالى : ( وما تنزَّلت به الشَّياطين – وما ينبغي لهم وما يستطيعون – إنَّهم عن السَّمع لمعزولون ) [ الشعراء : 210-212 ] . 

وتحدى الله بالقرآن الإنس والجن : ( قل لئِن اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً )[ الإسراء : 88 ] . 

خامساً : لا يتمثلون بالرسول صل الله عليه وسلم في الرؤيا : 

والشياطين تعجز عن التمثل في صورة الرسول صل الله عليه وسلم في الرؤيا :
ففي الحديث الذي يرويه الترمذي عن أبي هريرة عن الرسول صل الله عليه وسلم : ( من رآني فإني أنا هو ، فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي ) (11) . 

وفي الصحيحين عن أنس قال : قال النبي صل الله عليه وسلم : ( من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ) . رواه مسلم من رواية أبي هريرة . وفي صحيح البخاري : ( وإن الشيطان لا يتراءَى بي ) . 

وفيه من رواية أبي سعيد : ( من رآني فقد رأى الحقّ ، فإن الشيطان لا يتكونني ) . 

وفي الصحيحين من رواية أبي هريرة : ( ولا يتمثل الشيطان بي ) . 

وفي صحيح مسلم من حديث جابر : ( من رآني في المنام فقد رآني ، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي ) . وفي رواية أخرى عن جابر : ( فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي ) (12) . 

والظاهر من الأحاديث أن الشيطان لا يتزيّا بصورة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقيقية ، ولا يمنعه هذا من التمثل في غير صورة الرسول صل الله عليه وسلم والزعم بأنّه رسول الله ، وهذا ما فقهه ابن سيرين رحمه الله ، فيما نقله عنه البخاري (13) . 

ولذلك فلا يجوز أن يحتج بهذا الحديث على أن كل من رأى الرسول صل الله عليه وسلم في المنام أنّه رآه حقّاً ، إلا إذا كانت صفته هي الصفة التي روتها لنا كتب الحديث . وإلا فكثير من الناس يزعم أنّه رآه على صورة مخالفة للصورة المروية في كتب الثقات . 

سادساً : لا يستطيع الجن أن يتجاوزوا حدودهم في أجواز الفضاء : 

قال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السَّماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاَّ بسلطانٍ ) – فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان – يرسل عليكما شواظٌ من نَّارٍ ونحاسٌ فلا تنتصران ) [ الرحمن : 33-35 ] . 

فمع قدراتهم وسرعة حركتهم لهم حدود لا يستطيعون أن يتعدوها ، وإلا فإنهم هالكون . 

سابعاً : لا يستطيعون فتح باب أغلق وذكر اسم الله عليه : 

روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( إذا كان جنح الليل – أو أمسيتم – فكفوا صبيانكم ، فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم ، وأغلقوا الأبواب ، واذكروا اسم الله ، فإن الشيطان لا يفتح باباًَ مغلقاً ) (14) . 

وفي لفظ لمسلم عن جابر : ( غطوا الإناء ، وأوكوا السقاء ، وأغلقوا الباب ، وأطفئوا السراج ، فإن الشيطان لا يحلّ سقاءً ، ولا يفتح باباً ، ولا يكشف إناء ) (15) . 

=====================================
(1) انظر صحيح الجامع : 2/130 .
(2) تلبيس إبليس : 43 .
(3) انظر تفسير ابن كثير : 3/252 .
(4) صحيح سنن الترمذي : 3/206 . ورقمه : 2913 .
(5) صحيح سنن الترمذي : 3/206 . ورقمه : 2914 .
(6) رواه البخاري : 6/339 . ورقمه : 3294 .
(7) البداية والنهاية : 1/73 ، وفي رواية أخرى : ( لينضي شيطانه ) أي يهزله ويجعله نضواً أي مهزولاً لكثرة إذلاله له وجعله أسيراً تحت قهره وتصرفه .
(Cool رواه مسلم : 4/2167 . ورقمه : 2814 .
(9) رواه مسلم : 1/385 . ورقمه : 542 .
(10) رواه البخاري : 6/547 . ورقمه : 3423 . ورواه مسلم : 1/384 . ورقمه : 541 .
(11) صحيح سنن الترمذي : 2/260 . ورقمه : 1859 .
(12) انظر أحاديث عدم قدرة الشيطان على التمثل بالرسول صل الله عليه وسلم في البخاري : 12/383 . وأرقامها : 6993-6997 . وفي صحيح مسلم : 4/1775 . وأرقامها : 2266-2268 .
(13) صحيح البخاري : 12/383 .
(14) صحيح البخاري : 6/350 ، 10/88 . ورقمها : 3304 ، 5623 . ورواه مسلم : 3/1595 . ورقمه : 2012 .
(15) صحيح مسلم : 3/1594 . ورقمه : 2012 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجن وعلم الغيب

  
شاع لدى كثير من الناس أن الجنّ يعلمون الغيب .
ومردة الجن يحاولون أن يؤكدوا هذا الفهم الخاطئ عند البشر ،
وقد أبان الله للناس كذب هذه الدعوى ،
عندما قبض روح نبيه سليمان ...... 

وكان قد سخر له الجن يعملون بين يديه بأمره ، وأبقى جسده منتصباً ، واستمر الجنّ يعملون ، وهم لا يدرون بأمر وفاته ، حتى أكلت دابة الأرض عصاه المتكئ عليها ، فسقط ، فتبين للناس كذبهم في دعواهم ، أنهم يعلمون الغيب : ( فلمَّا قضينا عليه الموت ما دَلَّهُمْ على موته إلاَّ دابَّة الأرض تأكل منسأته فلمَّا خرَّ تبيَّنت الجنُّ أن لَّو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) [ سبأ : 14 ] . 

وقد سبق القول كيف أنهم كانوا يسترقون خبر السماء ، وكيف زيد في حراسة السماء بعد البعثة ، فقلما يستطيع الجن استراق السمع بعد ذلك . 

العرّافون والكهان : 

وبذلك يعلم عظم الخطأ الذي يقع فيه عوام الناس باعتقادهم أن بعض البشر كالعرافين والكهان يعلمون الغيب ، فتراهم يذهبون إليه يسألونهم عن أمور حدثت من سرقات وجنايات ، وأمور لم تحدث مما سيكون لهم ولأبنائهم ، ولقد خاب السائل والمسؤول ... 

فالغيب علمه عند الله ، لا يظهر الله عليه إلا من شاء من رسله : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً – إلاَّ من ارتضى من رَّسولٍ فإنَّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً – ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيءٍ عددا ) [ الجن : 28 ] . 

والاعتقاد بأن فلاناً يعلم الغيب اعتقد آثم ضال ، يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة التي تجعل علم الغيب لله وحده . 

إما إذا تعدى الأمر إلى استفتاء أدعياء الغيب ، فإن الجريمة تصبح من العظم بمكان ، ففي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي عن النبي صل الله عليه وسلم قال : ( من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ ، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) (1) . 

وتصديق هؤلاء كفر ، ففي السنن ومسند أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً : ( من أتى كاهناً ، فصدقه بما يقول ، فقد برئ مما أنزل على محمد ) (2) . 

قال شارح العقيدة الطحاوية : " والمنجم يدخل في اسم ( العراف ) عند بعض العلماء ، وعند بعضهم هو في معناه " ، ثم قال : فإذا كانت هذه حال السائل ، فكيف بالمسؤول ؟ " ومراده إذا كان السائل لا تقبل له صلاة أربعين يوماً ، وإذا كان الذي يصدق الكاهن والعراف يكفر بالمنزل على الرسول صل الله عليه وسلم ، فكيف يكون حكم الكاهن والعراف ؟ 

سؤال العرافين والكهنة على وجه الامتحان : 

يرى ابن تيمية أن سؤال الكهنة ، بقصد امتحان حالهم ، واختبار باطنهم ، ليميز صدقهم من كذبهم ، جائز ، واستدل بحديث الصحيحين : أن النبي صل الله عليه وسلم سأل ابن صياد ، فقال : ( ما ترى ؟ ) فقال : يأتيني صادق وكاذب ، قال : خلط الأمر عليك . 

قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني قد خبأت لك خبيئاً ) ، قال : هو الدخ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اخسأ ، فلن تعدو قدرك ) (3) . فأنت ترى أن الرسول صل الله عليه وسلم سأل هذا المدّعي ، ليكشف أمره ، ويبين للناس حاله . 

المنجمون : 

وصناعة التنجيم التي مضمونها : الأحكام والتأثير ، وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية ، أو التمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الأرضية : صناعة محرمة بالكتاب والسنة ؛ بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين... 

قال تعالى : ( ولا يفلح السَّاحر حيث أتى ) [ طه : 69 ] . وقال تعالى : ( ألم تر إلى الَّذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطَّاغوت ) [ النساء : 51 ] . قال عمر بن الخطاب : الجبت السحر (4) . 

تعليل صدق المنجمين والعرافين في بعض الأحيان : 

قد يزعم قائل أن العرافين والكهنة والمنجمين يصدقون أحياناً ، والجواب : أن صدقهم في كثير من الأحيان يكون من باب التلبيس على الناس ، فإنهم يقولون للناس كلاماً عاماً يحتمل وجوهاً من التفسير ، فإذا حدث الأمر ، فإنه يفسره لهم تفسيراً يوافق ما قال . 

وصدقهم في الأمور الجزئية إما أنه يرجع إلى الفراسة والتنبؤ ، وإما أن تكون هذه الكلمة الصادقة مما خطفه الجن من خبر السماء . ففي الصحيحين عن عائشة ، قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان ؟ فقال : ( ليسوا بشيء ) . قالوا : يا رسول الله ، إنهم يحدثوننا بالشيء فيكون حقاً ! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني ، فيقذفها في أذن وليه ، فيخلطون معها مائة كذبة ) (5) . 

وإذا كانت القضية التي صدق فيها من الأمور التي حدثت كمعرفته بالسارق ، أو معرفته باسم الشخص الذي يقدم عليه لأول مرة وأسماء أبنائه وأسرته ، فهذا قد يكون بحيلة ما ، كالذي يضع شخصاً ليسأل الناس ، وتكون عنده وسيلة لاستماع أقوالهم قبل أن يمثلوا بين يديه ، أو يكون هذا من فعل الشياطين ، وعلم الشياطين بالأمور التي حدثت ووقعت ليس بالأمر المستغرب . 

الكهنة رسل الشياطين : 

يقول ابن القيم (6) : " الكهنة رسل الشيطان ؛ لأن المشركين يهرعون إليهم ، ويفزعون إليهم في أمورهم العظام ، ويصدقونهم ، ويتحاكمون إليهم ، ويرضون بحكمهم ، كما يفعل أتباع الرسل بالرسل ، فإنهم يعتقدون أنهم يعلمون الغيب ، ويخبرون عن المغيبات التي لا يعرفها غيرهم ، فهم عند المشركين بهم بمنزلة الرسل ... 

فالكهنة رسل الشيطان حقيقة ، أرسلهم إلى حزبه من المشركين ، وشبههم بالرسل الصادقين ، حتى استجاب لهم حزبه ، ومثل رسل الله بهم لينفر عنهم ، ويجعل رسله هم الصادقين العالمين بالغيب ، ولما كان بين النوعين أعظم التضاد قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( من أتى عرافاً أو كاهناً ، فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد ) (7) . 

فإن الناس قسمان : أتباع الكهنة ، وأتباع الرسل ، فلا يجتمع في العبد أن يكون من هؤلاء وهؤلاء ، بل يبعد عن الرسول صل الله عليه وسلم بقدر قربه من الكاهن ، ويُكَذّبُ الرسول بقدر تصديقه للكاهن . 

أقول : ومن يدرس تواريخ الأمم يعلم أن الكهان والسحرة كانوا يقومون مقام الرسل ، ولكنهم رسل الشياطين ، فالسحرة والكهنة كانت لهم الكلمة المسموعة في أقوامهم ، يحلون ويحرّمون ، ويأخذون المال ، ويأمرون بأنواع من العبادة والطقوس ترضي الشياطين ، ويأمرون بقطيعة الأرحام ، وانتهاك الأعراض ، وقد بين العقاد شيئاً من ذلك في كتابه المسمى بـ ( إبليس ) . 

واجب الأمة نحو هؤلاء : 

ما يدعيه المنجمون ، والعرافون ، والسحرة ، ضلال كبير ومنكر لا يستهان به ، وعلى الذين أعطاهم الله دينه ، وعلمهم كتابه وسنة نبيه أن ينكروا هذا الضلال بالقول ، ويوضحوا هذا الباطل بالحجة والبرهان ... 

وعلى الذين في أيديهم السلطة أن يأخذوا على أيدي هؤلاء الذين يدّعون الغيب من العرافين والكهنة وضاربي الرمل والحصى ، والناظرين في اليد ( والفنجان ) ، وعليهم أن يمنعوا نشر خزعبلاتهم في الصحف والمجلات ، ويعاقبوا من يتظاهر ببضاعته وضلالاته في الطرقات ، وقد ذمّ الله بني إسرائيل لتركهم التناهي عن المنكر : ( كانوا لا يتناهون عن مُّنكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ المائدة : 79 ] . 

وفي السنن عن النبي صل الله عليه وسلم برواية الصديق – رضي الله عنه – أنه قال : ( إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه ) . رواه ابن ماجة والترمذي وصححه (Cool .
===================================
(1) رواه مسلم : 4/1751 . ورقمه : 2230 .
(2) مشكاة المصابيح : 2/525 . ورقمه : 4599 .
(3) رواه البخاري : 6/172 . ورقمه : 3055 . ورواه مسلم : 4/2244 . ورقمه : 2930 .
(4) شرح العقيدة الطحاوية : 568 . وراجع في علم النجوم ، أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي : ص 542 .
(5) جامع الأصول لابن الأثير : 5/63 .
(6) إغاثة اللهفان : 1/271 .
(7) رواه بهذا اللفظ أحمد : 2/429 والطبراني في الأوسط : (1453) ورواه أبو داود : 4/225 رقم : (3904) ، والترمذي : 1/164 رقم : (135) ، وابن ماجة : 1/209 رقم : (639) ، والدارمي : 1/207 رقم (1136) بلفظ Sad من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد )
(Cool مشكاة المصابيح : 2/643 . ورقمه : 5412
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:03 pm

اليوم الآخر


معنى المعاد لغة واصطلاحا
        المعاد في اللغة : كلّ شيءٍ إليه المصير والمآل ، وهو مصدر عاد إليه يعود عَوْداً وعودةً ومعاداً ، أي : رجع وصار إليه ، قال تعالى : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) ) سورة الأعراف : 7/29. .
ويتعدّى بنفسه وبالهمزة ، فيقال : عاد الشيءَ عَوْداً وعِياداً : انتابه وبدأه ثانياً ، وأعدتُ الشيء : رددته ثانياً ، أو أرجعته ، وأعاد الكلام : كرّره ، قال تعالى : ( ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً )
سورة نوح : 17
        وأصل المعاد (مَعْوَد) على وزن (مَفْعَل) قُلبتْ واوه ألفاً ، ومثله : مقام ومراح ، وقد جاء على الأصل في حديث أمير المؤمنين عليه السلام : « والحَكَمُ الله ، والمَعْوَدُ إليهِ القِيامةُ »
ومَفْعَل ومقلوبها تستعمل مصدراً صحيحاً بمعنى العَوْد ، واسماً لمكان العَوْد أو زمانه ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى
مَعَادٍ )القصص 85 ، وفي الحديث : « واصلح لي آخرتي التي فيها معادي ».
        والمبدئ المعيد : من صفات الله تعالى ، لأنّ الله سبحانه بدأ الخلق إحياءً ، ثمّ يميتهم ، ثم يعيدهم إلى الحياة يوم القيامة ، قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )الروم 27
المعاد في الاصطلاح :
        هو الوجود الثاني للأجسام وإعادتها بعد موتها وتفرّقها(3).
وعرّف أيضاً بأنه الرجوع إلى الوجود بعد الفناء ، أو رجوع أجزاء البدن إلى الاجتماع بعد التفرّق ، وإلى الحياة بعد الموت ، ورجوع الأرواح إلى الأبدان بعد المفارقة(2). واختلفوا في حقيقته ؛ أهو روحاني فقط ، أم هو جسماني ؛ فالقائلون بأنه روحاني فقط ، هم جمهور الفلاسفة الذين توقفوا عند قاعدتهم العقلية التي تقول : إن المعدوم لا يعاد . فلما كانت الأبدان تنعدم بعد الموت ، فلا يمكن أن تعاد ثانية ، وعليه جعلوا المعاد وما يتعلّق به من شأن الروح وحدها التي لا يعتريها الفناء.
        وأما القائلون بالمعاد الجسماني ، وهم عامة أهل الإسلام من المتكلمين والفقهاء وأهل الحديث وأهل التصوف ، فقد آمنوا بعودة الأبدان يوم القيامة كما أخبر عنه الله تعالى.
        وقد افترق هؤلاء أيضاً في مصير الروح بعد الموت إلى فريقين لاختلافهم في تفسير الروح ؛ فقال فريق بأن الروح جسم سارٍ في البدن سريان النار في الفحم ، والماء في الورد ، فالمعاد عندهم بالنسبة للبدن والروح هو معاد جسماني ، وقال آخرون وفيهم كثير من الحكماء وأكابر المتكلمين والعرفاء بتجرد الروح وعودتها إلى البدن بعد البعث.. فيصبح المعاد عندهم جسماني روحاني. وعلى هذا ورد تقسيم الأقوال في المعاد إلى ثلاثة : روحاني ، وجسماني ، وجسماني روحاني
فالمعاد ، أصل ثابت من أصول الاعتقاد ، لا في الإسلام وحده ، بل في سائر الأديان السماوية ، وهو الأصل الذي اقترن بالتوحيد والنبوة ، إذ صار الإيمان بالله وبرسله وكتبه داعياً إلى ضرورة الإيمان به ، فهو لازم التصديق بدعوات الأنبياء المشحونة بالنصوص القاطعة في إثباته ، وهو أيضاً لازم الوعد الإلهي بالثواب ، والوعيد بالعقاب ، وهما من لوازم التكليف ، ولوازم العدل الإلهي أيضاً ، ولوازم الهدفية والغائية في الحياة ، المنافية للعبث الذي لا محل له مع العدل والحكمة الإلهيين.. والقرآن يكشف عن هذا التلازم الأكيد في نصوص كثيرة ، من أكثرها وضوحاً قوله تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ) ؟ [ المؤمنون : 83 / 115]
        وقد واجه الكثير من البشر على امتداد التاريخ هذه العقيدة بأسئلة بدائية ساذجة ، وما زالت ، رغم بدائيتها وسذاجتها ، مصدراً لشكوك الكثير ممن تردد في قبول هذا المبدأ أو أنكره.. تدور هذه الاشكالية حول إمكان عودة الجسد البشري بعد تفسّخه في الأرض ، أو توزّعه ذرات مفرّقة هنا وهناك.. ومنذ عصر التنزيل عالج القرآن الكريم هذه الاشكالية بطرح البراهين الحسيّة التي تفتح الأذهان أمام أبسط أشكال القياس الذي تستسيغه العقول الفطرية ، وتدرك أهميته العقول الفلسفية ، وذلك في مثل قوله تعالى : ( وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) [ يس :36/78ـ79 ] .
بل أوقف الله تعالى البشرية في حقب كثيرة على مصاديق حيّة لهذا الاحياء والاعادة بعد الفناء والتفسّخ ، وهو كثير في قصص أنبياء بني إسرائيل هؤلاء القوم الذين كانوا أكثر الأمم لجاجةً وأبعدهم عن المنطق السليم.
أما في ما وراء هذه الاشكالية البدائية ، فقد ظهرت أسئلة الفلاسفة ، في أصل المعاد نفسه ، بل في كيفيته وصورته ، بعد الايمان به وإقامة البراهين الفلسفية عليه.
        فكانت أسئلتهم تدور حول طبيعة الروح وعلاقتها بالجسد ، وما إذا كانت الروح تفنى هي الأخرى بعد الموت ثم تعود ، وما إذا كانت أدلة المعاد الفلسفية والشرعية دالة على عودة الأجساد أم يمكن حصر دلالتها بعودة الأرواح ، ليكون الثواب والعقاب متعلق بالأرواح لا بالأجساد ، في أسئلة تفصيلية تعود إلى هذه المحاور ، والتي تنتهي الاجابات فيها عند سائر فلاسفة الإسلام إلى أنّ الموت متعلق بالجسد ، لا بالروح ، وإن للأرواح محالّها حتى يوم البعث ، حيث تعود الأجساد ثانية ، بما اصطلح عليه بالمعاد الجسماني ، لتتلبس بها أرواحها ، في حياتها الأخيرة ، الأبدية.
ولتلك الحياة الأبدية فصول طويلة ، وضعت آيات القرآن الكريم والسنّة المطهّرة حدودها ومعالمها الأساسية ، ابتداءً بالبرزخ ، فقيام الساعة ، فالبعث ، والنشور ، والحشر ، والحساب ، والميزان ، والصراط ، وانتهاءً بالجنة والنار.
تلك الفصول الطويلة التي صار يُعبَّر عنها بمشاهد القيامة.
فإلى مفهوم المعاد ، وأدلته ، ثم حقيقته ، وفصوله المتصلة ، ينقلنا هذا الكتاب في رحلة روحية نحن أحوج ما نكون إليها

==================================
1نهج البلاغة / صبحي الصالح : 231 الخطبة 162 ـ دار الهجرة ـ قم .
2وراجع في المعنى اللغوي : لسان العرب / ابن منظور ـ عود ـ 3/315 ـ أدب الحوزة ـ قم ، مفردات القرآن / الراغب ـ عود ـ : 351 ـ المكتبة المرتضوية ـ طهران ، المصباح المنير / الفيومي ـ عاد ـ 2 : 101 ـ مصر ، معجم مقاييس اللغة / ابن فارس ـ عود ـ 4 : 181 ـ دار الفكر ـ بيروت.
3) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر / الفاضل المقداد : 86 ـ انتشارات زاهدي.
4) شرح المقاصد / التفتازاني 5 : 82 ـ الشريف الرضي ـ قم.
5 المبدأ والمعاد / صدر الدين الشيرازي : 374 ـ 375 ، حق اليقين/ عبد الله شبر 2 : 36ـ38 ـ مطبعة العرفان ـ صيدا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدلة على المعاد

أولاً ـ من الأدلّة القرآنية
        إن أساس الإيمان باليوم الآخر يقوم على ثوابت الوحي الإلهي الصادر عن الذات الإلهية المقدسة ، ولقد حظيت عقيدة المعاد بنصيب وافر من الآيات القرآنية ، فلا تكاد تخلو سورة من سور القرآن الكريم من بضع آيات تتكلّم عن عالم الآخرة ، حتى أنه قيل : إن عدد الآيات التي أخبرت عن المعاد على نحو التصريح أو التلويح ، قد بلغ أكثر من ألف آية.
وكان الإخبار القرآني عن اليوم الآخر وما يتّصل به قد جاء على مستويات مختلفة ، فقد ساق الأدلة والبراهين المختلفة على إمكان المعاد وضرورته ووجوبه كأصل من أصول الاعتقاد الثابتة في جميع الشرائع السماوية ، وردّ على شبهات المنكرين ، وأخبر عن أشراط الساعة والبعث بعد الموت والمحشر والحساب والصراط ، ووصف حال المؤمنين في الجنة وما اُعدّ لهم من النعيم الدائم ، وحال المجرمين في جهنم وما أعدّ لهم من العذاب الأبدي.
        وفي ما يلي نقدّم صورةً موجزةً عن أهم المضامين القرآنية الواردة في النشأة الأُخرى ، وما يتعلّق بها :
1 ـ إعطاء اليوم الآخر موقعه في البنية العقائدية ، والتأكيد على أنه من أُصول الاعتقاد الواجبة ، قال تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) البقرة 177وقال تعالى : ( مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ )المائدة 69 .
2 ـ التأكيد على وجود اليوم الآخر ، وكونه أمراً محتوماً لا ريب فيه ، ووعداً حقّاً لا يقبل التخلّف ، قال تعالى : ( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) آلعمران 9وقال تعالى : ( اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً )النساء 87 وقال تعالى : ( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )النمل 38. وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ )سبأ 3
3 ـ إثبات إمكان المعاد والنشور بطريق ملموس لا يقبل الحمل والتأويل ، وذلك بذكر أمثلة من إعادة بعض الأشخاص والأقوام والحيوانات من الأمم السابقة إلى الحياة الدنيا ، بعد أن ثبت موتهم وخروجهم إلى عالم الموتى ، فعاشوا بعد حياتهم الثانية مدةً إلى أن توفّاهم الله سبحانه بآجالهم ، وقد وقع ذلك في أدوار وأمكنة مختلفة ، لدفع استبعاد الناس للنشأة الآخرة ، وإثبات قدرة الله تعالى على المعاد ، وفي ما يلي بعض الأمثلة على ذلك
أ ـ إحياء قوم من بني إسرائيل ، قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ )البقرة 243.
ب ـ إحياء أحد أنبياء بني إسرائيل ، قال تعالى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامَكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )البقرة 259 .
جـ ـ إحياء سبعين رجلاً من قوم موسى عليه السلام ، قال تعالى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )البقرة،55، 56.
د ـ إحياء قتيل بني إسرائيل ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
1) سورة البقرة : 2/72 ـ 73.
هـ ـ إحياء الطيور لإبراهيم عليه السلام بإذن الله سبحانه ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) 2) سورة البقرة : /260
).
4 ـ بيّن الكتاب الكريم أنّ من أهمّ وظائف الأنبياء عليهم السلام هو إنذار الناس بالبعث والحساب في اليوم الآخر ، فقال تعالى : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ) سورة الأنعام : 6/130.
وقال تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا قَالُوا بَلَى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) سورة الزمر : /71.
والإنذار هنا عام لا يقتصر على اُمّة دون أُخرى
ثانياً :أدلة المعاد من السنّة المباركة ومن الإجماع
        لقد أسهبت الأحاديث النبوية وأحاديث أهل البيت عليهم السلام في وصف العالم الآخر ، وما فيه من الحشر والحساب والنعيم والعذاب ، وعلى نفس المستويات المذكورة في القرآن الكريم ، بل بتفصيل أكثر وتوضيح أوفر ، وسنقتصر في هذا المقام على ذكر بعض الأحاديث الدالّة على وجوب المعاد وضرورته وحتميته.
قال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم : « يا بني عبد المطلب ، إن الرائد لا يكذب أهله ، والذي بعثني بالحق لتموتنّ كما تنامون ، ولتبعثنّ كما تستيقظون ، وما بعد الموت دارٌ إلاّ جنّة أو نار ، وخَلْقُ جميع الخلق وبعثهم على الله عزّ َوجلَّ كخلق نفس واحدة وبعثها ، قال الله تعالى : ( مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) » .
وقال صل الله عليه وآله وسلم : « لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة : حتى يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنى رسول الله بعثني بالحق ، وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت ، وحتى يؤمن بالقدر ».
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « حتى إذا بلغ الكتاب أجله ، والأمر مقاديره ، وألحق آخر الخلق بأوله ، وجاء من أمر الله ما يريده من تجديد خلقه ، ماد السماء وفطرها ، وأرجّ الأرض وأرجفها ، وقلع جبالها ونسفها ، ودكّ بعضها بعضاً من هيبة جلالته ، ومخوف سطوته ، وأخرج من فيها فجدّدهم بعد إخلاقهم ، وجمعهم بعد تفرّقهم ، ثم ميّزهم لما يريده من مسألتهم عن خفايا الأعمال ، وخبايا الأفعال ، وجعلهم فريقين : أنعم على هؤلاء ، وانتقم من هؤلاء » .
        وقال عليه السلام في وصف يوم القيامة : « ذلك يوم يجمع الله فيه الأولين
والآخرين لنقاش الحساب وجزاء الأعمال ، خضوعاً ، قياماً ، قد ألجمهم العرق ، ورجفت بهم الأرض ، فأحسنهم حالاً من وجد لقدميه موضعاً ، ولنفسه متّسعاً ».
        وقال الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : « العجب كلّ العجب لمن شكّ في الله وهو يرى الخلق ، والعجب كلّ العجب لمن أنكر الموت وهو يرى من يموت كلّ يوم وليلة ، والعجب كلّ العجب لمن أنكر النشأة الآخرة وهو يرى النشأة الأولى ، والعجب كلّ العجب لعامر دار الفناء ويترك دار البقاء ».
ثالثاً : الإجماع
إن الاعتقاد باليوم الآخر ممّا أجمع عليه المسلمون كافة بلا مخالف في ذلك ، وجميعهم يعتبرون الإيمان باليوم الآخر من ضرورات الدين التي يجب الاعتقاد بها ، ومن أنكرها فهو خارج عن عداد المسلمين، وما يردّده المسلمون كلّ يوم في صلواتهم : ( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) هو تعبير عن إيمانهم بوجود الحياة بعد الموت ، وكون ذلك محلّ وفاق عند الجميع.
        وقد اتفقت الشرائع والأديان على وجود الحياة بعد الموت ، وإنما وقع الاختلاف في كيفية الاعادة بعد الموت ، وقد ذكرنا الأقوال في المعنى الاصطلاحي للمعاد ، وليس غرضنا هنا تحقيق تلك الأقوال وبيان المختار منها ، وإنما المهمّ التأكيد على أصل الفكرة ، وهي عودة الإنسان كيفما اتفق إلى حياة ثانية ، يحاسب فيها ويُجزى بأعماله ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشرّ ، وذلك محلّ وفاق عند الجميع ، لأنه ممكن عقلاً وواقع حتماً بنصّ القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية
ثالثا: الدليل العقلياستدلّ كثير من الفلاسفة والمتكلمين ، بالبراهين العقلية المجرّدة ، على حتمية المعاد ووجوبه ، كما جاء في الكتاب الكريم أيضاً الكثير من الأدلّة العقلية والبراهين الوجدانية على ثبوت حقيقة المعاد والحياة الآخرة ، للردّ على منكري المعاد ، وإثبات كونه قطعي الوجوب وحتمي الحدوث ، وفي ما يلي نذكر بعض تلك البراهين :


أولاً ـ برهان المماثلة
قال العلاّمة الحلي : العالم المماثل لهذا العالم ممكن الوجود ، لأن هذا العالم ممكن الوجود ، وحكم المثلين واحد ، فلمّا كان هذا العالم ممكناً وجب الحكم على الآخر بالإمكان.
وقد ورد في القرآن الكريم بعض الأمثلة ، في المساواة بين الإحياء في الدنيا والإحياء في الآخرة ، وذلك من خلال نمطين في المماثلة ؛ الأول : مماثلة النشأة الاُولى من العدم بالنشأة الآخرة ، والثاني : مماثلة إحياء الأرض بعد موتها بالإحياء في الآخرة ، والعقل يحكم بتساوي الأمثال في الحكم ، ومنه يتبيّن أن القادر على الإحياء الأول قادر على الإحياء الآخر ؛ لأنهما مثلان.
النمط الأول من المماثلة : ونريد به البرهان على المعاد من خلال المبدأ ، عن طريق المماثلة بينهما ، فقد أكّد الكتاب الكريم على إمكان المعاد عن طريق ثبوت مثله أولاً ، وذلك بالمماثلة بين إيجاد الإنسان في هذه الدنيا بعد أن كان عدماً ـ كما في خلق آدم عليه السلام ابتداءً من غير مادة لأبٍ وأُمّ ـ وبين إعادته إلى الحياة بعد الموت والفناء ؛ فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) إلى قوله تعالى : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )الحج 5، 6،.
فالإنسان لم يكن شيئاً مذكوراً ، فأوجده الله تعالى من تراب ، وأخرجه من العدم إلى حيّز الوجود ، ووهبه النطق والعقل ، وجعله في أحسن تقويم ، فلا ريب إذن في إمكان بعثه بعد الموت وتفرّق الأجزاء ، لأنه يماثل خلقه وإيجاده في هذه الدنيا بعد أن كان عدماً ، ولأن حكم الأمثال واحد ، والعقل لا يفرّق بين المتساويين ، بل يجعل وجود أحدهما دليلاً على إمكان وجود المساوي الآخر ، فضلاً عن أن النشأة الأولى أعظم وأجلّ ، قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّماوَاتِ وَالأرْضِ ) الروم 27.
ويدخل في هذا البرهان جميع الآيات التي تساوي بين المبدأ والمعاد من حيث الحكم ، منها قوله تعالى : ( اللهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) سورة الروم : 30/11.
(1) وقوله تعالى : ( فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) 2) سورة الاسراء : 17/51.
وقوله تعالى : ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) 3) سورة الأنبياء : 21/104.
النمط الثاني من المماثلة : أكدّ الكتاب الكريم في كثير من آياته على إثبات المعاد عن طريق المماثلة بين إحياءٍ محسوس ومشاهد ، وهو إحياء الأرض بعد موتها ، بخروج النبات منها وعودة نشاطه الحيوي بعد جفافه أو ركوده وتوقّفه عن العمل في الشتاء ، وبين إحياء الأموات يوم القيامة ، قال تعالى : ( فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذلِكَ لَـمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) 5) سورة الروم : 30/50.
وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الَّثمَرَاتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) 6) سورة الأعراف : 7/57.
هذه الآية الكريمة والتي قبلها في معرض مناشدة العقل السليم الذي يقرّر أن حُكم الأمثال واحد ، فإذا تحقّق الإحياء في الأرض بعد موتها ، أمكن تحققه في الإنسان بعد موته ، وفي غيره من الأحياء.
قال السيد الطباطبائي : المراد بقوله : ( إِنَّ ذلِكَ لَـمُحْيِي الْمَوْتَى ) الدلالة على المماثلة بين إحياء الأرض الميتة وإحياء الموتى ، إذ في كل منهما موت ، وهو سقوط آثار الحياة من شيء محفوظ ، وحياة وهي تجدّد تلك الآثار بعد سقوطها ، وقد تحقّق الإحياء في الأرض والنبات ، وحياة الإنسان وغيره من ذوي الحياة مثلهما ، وحكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لا يجوز واحد ، فإذا جاز الإحياء في بعض هذه الأمثال ، وهو الأرض والنبات ، فليجز في البعض الآخر وقد أشار الكتاب الكريم إلى ما يقرّب هذا المعنى ، وهو كون خلق الإنسان كالإنبات وكذلك إعادته ، قال تعالى : ( وَاللهُ أَنبَتَكُم مِنَ الأرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ) 2) سورة نوح : 71/17 ـ 18.
=========================


... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:04 pm

... تابع
اليوم الآخر



برهان القدرة
لمّا كانت قدرة الخالق العظيم غير متناهية ، جاز تعلّقها بكلّ شيءٍ مقدور ، وكانت نسبتها إلى ما هو سهل في نفسه أو صعب على حدّ سواء ، وهو المستفاد من قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، وقد أشارت الآيات القرآنية إلى صورتين من الاستدلال على المعاد ، بذكر عموم القدرة الإلهية وعدم تناهيها الصورة الأُولى : بيّن تعالى قدرته على المعاد في الآخرة مرتباً على ذكر المبدأ في الاُولى في آيات كثيرة ، إشارة إلى أن القادر على الإيجاد من العدم ابتداءً ، فهو على إعادة الموجود أقدر ، قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ الله يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سورة العنكبوت:19-20
فالآيتان تحثّان الإنسان على النظر في أمر الخلق الأول ، ليصل باستقلال عقله إلى معرفة خالقه ومدبّره ، وليكون ذلك مقدّمة للاحتجاج على المعاد بعموم القدرة الإلهية وعدم تناهيها ، وأكدّ الكتاب الكريم على تلك المقدّمة في آيات أخرى كثيرة ؛ فقال تعالى : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )الملك 14، وقال سبحانه : ( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ )الواقعة 57. ، إلى أن قال : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ )الواقعة 62.
ولا يخفى أن الإنسان قد علم النشأة الأولى ، وعرف من خلالها أن الذي أوجده ، وقدّر له خصوصيات خلقه ، ودبّر له أمره ، هو الله خالق كلّ شيء ، وليس ثمّة أحد غيره ، قال تعالى : ( قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ )يونس 34. وقال تعالى : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )البقرة 28.
وممّا تقدم تبيّن أن نسبة قدرة الله تعالى غير المتناهية إلى الإحياء الأول والثاني على حدّ سواء ، فلا يخالطها عيّ أو عجز ، ولا يطرأ عليها نصب أو تعب ، قال تعالى : ( أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ) ق 15 ، وقد بيّن تعالى أن قدرته على الخلق الأول والخلق الجديد ، من حيث الإمكان والتأتّي ، كخلق نفسٍ واحدةٍ ، فقال تعالى : ( مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ )لقمان 28 فلا يوجد بالنسبة إلى الخالق جلّ وعلا شيء أسهل أو أصعب من شيء ، وفي ذلك برهان متين يقود الإنسان إلى الإيمان باليوم الآخر والتصديق بأمر المعاد.
الصورة الثانية : بيّن تعالى قدرته على المعاد في الآخرة مرتّباً على ذكر خلق السماوات والأرض ، فقال سبحانه : ( وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَم يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) الإسراء 98- 99 ، وقال تعالى : ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن
فَيَكُون )يس 81- 82 . وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) الأحقاف 33.
فالتأمل في خلق السماوات والأرض يقودنا إلى الإيمان بعالم الآخرة ، ذلك لأنّ الذي خلق عوالم السماوات والأرض ـ بما فيها من سعة الخلقة البديعة وعجيب النظام العام المتضمّن لما لا يُحصى من الأنظمة الجزئية المدهشة للعقول والمحيرة للألباب ، والعالم الإنساني جزء يسير منها ـ كيف لا يقدر أن يخلق الناس خلقاً جديداً في يوم القيامة ؟ وخلق الإنسان في نفسه أسهل وأهون من خلق السماوات والأرض ، قال تعالى : ( لَخَلْقُ السَّماوَاتِ والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )غافر 57 وقال تعالى : ( ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا*وأغطش ليلها وأخرج ضحاها* وَالأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا )النازعات 27- 30.
وفي هذا السياق يأتي إبطال القرآن الكريم ما تمسك به أهل الجاهلية في استبعادهم المعاد : ( وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ) فردّهم سبحانه بتذكيرهم بالقدرة المطلقة ( قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ) الإسراء 49- 51فأمرهم أمر تسخير أن يكونوا حجارة أو حديداً أو شيئاً ممّا يتصورّون أن تبديله إلى إنسانٍ أبعد وأصعب من تبديل الرفات أو التراب إليه ، فليكونوا ماشاءوا ، فإنّ الله تعالى سيعيد إليهم خلقهم الأول بعد بعثهم ، وفي ذلك إشارة إلى أن القدرة الإلهية المطلقة لا يشقّها شيء تريد تجديد خلقه ، سواء أكان عظاماً أو رفاتاً أو حجارةً أو حديداً أو غير ذلك


==============================

برهان الحكمة
إن الله تعالى حكيم في أفعاله ، وكلّ ما يصدر منه جلَّ وعلا في عالمي التكوين والتشريع يخضع لمبدأ الحكمة والهادفية ، فالمنظومة الكونية في نظامها العجيب تسير بكل جزئياتها وفق حركة هادفة ، وتتّجه صوب نهاية مرسومة بدقة وإحكام ، وكذلك تخضع المفردات التشريعية في وجودها وحركتها وتفاعلها إلى مبدأ الحكمة الإلهية والغاية الحكيمة التي تتجافى عن العبث واللغو والباطل ، قال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ )المؤمنون 115 ، وقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّماءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِين كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ )ص 27 وقال تعالى ( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدىً ) القيامة 36.
ويمكن صياغة صورة هذا البرهان على شكل قياس ، يتركب من مقدمتين :
الأولى : إن الله حكيم. الثانية : الحكيم لا يفعل العبث ، إذن فالله تعالى لا يفعل العبث ، ولو لم يكن للإنسان معاد لكان خلقه عبثاً ، ومقتضى الحكمة الالهية أن الله تعالى لا يفعل العبث ، إذن فلابدّ للإنسان من معادٍ يوم القيامة تتجلّى فيه الحكمة الإلهية.
فلو كان الإنسان ينعدم بالموت ، دون أن تكون هناك نشأة اُخرى يعيش فيها بما له من سعادة أو شقاء ، لكان خلقه في هذا العالم عبثاً وباطلاً ، لأن الفعل لا يخرج عن العبثية إلاّ إذا ترتّب عليه فائدة أو غاية عقلانية ، وترتب الفائدة أو الغاية موقوف على وجود المعاد ، لأنّه إذا انعدم الإنسان بالموت ، فذلك يعني أنه ليس ثمّة غاية من خلقه غير هذه الحياة المحدودة التي تعجّ بالمتضادات ، والمحفوفة بأنواع المصائب والبلايا والفتن والفجائع ، ويعني أيضاً أن الله تعالى قد اقتصر في خلقه على الإيجاد ثم الإعدام ، ثم الإيجاد ثم الإعدام ، وهكذا دون أي هدفٍ غائي في أفعاله سبحانه ، وذلك ما لا نقبله على الإنسان العاقل ، فكيف نقبله على فعل الخالق ، جلّت حكمته ، الذي لا يعتريه الباطل ولا يتجافى عن الحكمة ؟! تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً.
وعليه فلا بد من وجود عالم آخر يتّضح فيه هدف الخلقة ، وذلك هو عالم البقاء الأبدي المعبّر عنه بالحيوان ، قال تعالى : ( وَمَا هذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )العنكبوت 64.
ومن هنا أكدت الآيات القرآنية على أن وجود عالم الآخرة يقتضيه خلق العالم بحكمة ، قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَا خَلَقَ اللهُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )الروم 8. وقال تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّماوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ )الدخان 38- 40


برهان العدالة
1 ـ

وجود التكليف يقتضي وجود المعاد
من المعلوم أن الله تعالى جعل الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء للإنسان ، ووهبه النوازع الخيّرة إلى جنب النوازع الشريرة ، لتتمّ بذلك حقيقة الابتلاء ، وأعطاه العقل الذي يميّز بين الخير والشر ، وبعث له الأنبياء والرسل ليحدّدوا له طريق الخير وطريق الشرّ ، ثم كلّفه باتباع سبيل الخير والحق ، وتجنّب سبيل الشرّ والباطل ، وأعطاه الإرادة والاختيار ليستحقّ الثواب أو العقاب ، قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )الملك 2 ، وقال سبحانه : ( وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ )الأعراف 168 ، وقال تعالى : ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )الأنبياء 35.
وعليه فإن واقع الحياة الدنيا بما يحمل من متناقضات الراحة والعناء ، والصحة والمرض ، والغنى والفقر ، والإقبال على الأشرار والإدبار عن الأخيار ، هو امتحان وابتلاء ، وليس فيه ما يصلح للمكافأة والجزاء ، وبما أن ضرورة التكليف تقتضي ضرورة المكافأة ، لذا يجب المعاد ليجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، وإلاّ لبطلت فائدة التكليف ، ولكان عبثاً ولغواً.
وفي بيان ذلك يقول الفاضل المقداد : لو لم يكن المعاد حقاً لقبح التكليف ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله ، ذلك أن التكليف مشّقة مستلزمة للتعويض عنها ، فإن المشّقة من غير عوض ظلم ، وذلك العوض ليس بحاصل في زمان التكليف ، فلا بدّ حينئذٍ من دار أُخرى يحصل فيها الجزاء على الأعمال ، وإلاّ لكان التكليف ظلماً ، وهو قبيح ، تعالى الله عنه.
2 ـ العدل الإلهي يستلزم وجود اليوم الآخر
يقول النصير الطوسي في إثبات وجوب المعاد : وجوب إيفاء الوعد والحكمة يقتضي وجوب البعث. وذكرالعلاّمة الحلي في شرحه : إن الله تعالى وعد بالثواب ، وتوعّد بالعقاب مع مشاهدة الموت للمكلفين ، فوجب القول بعودهم ليحصل الوفاء بوعده ووعيده
إذ لا ريب أن الناس لا يصلون إلى الثواب أو العقاب الملائم لأعمالهم في هذا الزمان المحدود ؛ فالمحسنون الذين قضوا أعمارهم في العبادة ونشر الفضائل والإصلاح في الأرض ، وتحمّلوا الكوارث والمحن والأرزاء في هذا السبيل ، لايمكن لأي سلطة في الأرض أن تعطيهم مرادهم ، وتوصلهم إلى ثوابهم ، والمجرمون الذين ارتكبوا الجرائم الفظيعة بحقّ الإنسانية ، وتوفّروا على النعم والملذّات والحياة الرغيدة أكثر من غيرهم ، قد لا يقعون في قبضة القانون ، وإذا وقعوا فإن عقابهم لا يتناسب مع الجرائم التي ارتكبوها ، فقد يقتص منهم مرة واحدة ، وتبقى أكثر الجرائم التي ارتكبوها تمرّ بلا عقاب ، وعليه فليس ثمّة قوة في هذه النشأة المحدودة تستطيع استرداد جميع الحقوق المهضومة للناس.
وإذا كان الإنسان ينعدم بالموت ، ويفد الظالمون والمظلومون والمصلحون والمفسدون إلى مقابر الفناء دون محكمة عادلة تثيب المحسنين وتضع المجرمين في أشدّ العذاب ، فإن ذلك خلاف العهد الإلهي الذي يقتضي التفريق بين الفريقين من حيث المصير والثواب والعقاب ، وبما أن ذلك غير متحقق في النشأة الأولى ، فيجب أن يكون المعاد لتجسيد العدالة الإلهية تجسيداً عملياً ، وتحقيق الوعد الرباني الصادق في الوفاء للأنبياء والأولياء والشهداء والأبرار من عباد الله الصالحين والانتقام من الظالمين والمفسدين.
وقد صرحت الآيات الكريمة بهذا الدليل على مستويين :
الأول : التأكيد على الفرق بين العاصي والمطيع في النشأة الأخرى ، لتحقيق الثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، وذلك مقتضى العدل الإلهي.
قال تعالى : ( إِلَيْهِ مَرْجِعِكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ) 1) سورة يونس : 10/4.
، وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) 2) سورة النازعات : 79/37 ـ 41.
والثاني : التنديد بالتسوية بين الفريقين وإنكارها.
قال تعالى : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) 3) سورة السجدة : 32/18.
، وقال تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) 4) سورة ص : 38/28.
، وقال تعالى : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) 5) سورة الجاثية : 45/21.
. وقال تعالى : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُـجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) 6) سورة القلم : 68/34 ـ 36
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسماء اليوم الآخر

        قد أُطلق على ذلك اليوم العظيم الذي يحلُّ فيه الدمار بهذا العالم، ثم يعقبه البعث والحساب والجزاء أسماء كثيرة قد عدَّها بعض أهل العلم فبلغت خمسين اسمًا كما قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري.
من أشهرها:
1- يوم القيامة: لِما يقوم فيه من الأمور العظام، ولأن الناس يقومون فيه لرب العالمين.
2- يوم البعث: أي يوم إحياء الموتى.
3- القارعة: سميت بذلك لأنها تقرع القلوب.
4- يوم الدين: أي يوم الجزاء والحساب.
5- الصاخة: وذلك لِمَا يصاحبها من صوت شديد يبالغ في الإسماع حتى يكاد يصم.
6- الطامَّة الكبرى: لأنها تطم على كل أمر هائل فظيع.
7- يوم الحسرة: لشدة تحسر العباد في ذلك اليوم وندمهم.
8- الغاشية: لأنها تغشى الناس بأفزاعها وتغمُّهم.
9- يوم الآزفة: سُمي بذلك لاقترابه.
وغير ذلك من الأسماء الكثيرة، وقد تعددت أسماؤه لعظم أمره وكثرة أحواله وأوصافه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الضرورة الأخلاقية للإيمان باليوم الآخر
بعض أزمات الأخلاق في الفكر الإنساني
منذ العصور الضاربة في القدم وإلى الآن ـ ومنذ تعود الإنسان أن يفكر لنفسه تفكيراً منظماً، ومنذ أخذ في سبيل التنظير لوضع القوانين؛ وهو يحاول بعقله أن يرسم حدود النظريات الأخلاقية؛ مستنداً إلى الواقع الممارس ، أو مستسلماً إلى التأمل المحلق ـ والإنسان يفرز بعقله ركاماً من النظريات الأخلاقية؛ وما من نظرية منها إلا ويعتريها النقص من بعض جوانبها.
ومن أهم المعضلات التي كان يجب على أصحاب النظريات الأخلاقية أن يدرسوها معضلة حماية الفضيلة من الانهيار.
قد يقول قائل : إن الجزاء الذي هو أحد أركان الأخلاق؛ والذي يشتمل على الثواب والعقاب؛ والذي يعتبر هو القمة التي تلي الإلزام والمسئولية وتصعد فوقهما. يكفي وحده لحماية الأخلاق وإحاطتها بسياج مانع من الانهيار والتردي.
ونحن نقول: إن هذا صحيح إلى حد ما، غير أن الجزاء نفسه كلمة عامة تحتمل التفسير، وتتعرض للجاجة أو التأويل.
فقد يقتصر بعض شراح الفضيلة على الجزاء الوجداني، فلا تعدو عندهم العقوبة أن تكون ألماً في النفس، ووخذاً في الضمير، وقلقاً في الوجدان.
والثواب عندهم لا يزيد على مقابل هذه الأشياء.
ولعل هذا هو أفضل ما توصل إليه الفلاسفة بعد رقيهم الفكري ؛ وإن كان الفلاسفة الاجتماعيون قد أدخلوا بعد ذلك رضى الجماعة وسخطها في فكرة الجزاء ثواباً وعقاباً .
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا مهما كانت التفسيرات لفكرة الجزاء هو : ماذا يكون الموقف لو أن إنساناً صنع معروفاً في غيره، سواءاً كان هذا الغير أفراداً أو جماعة؛ فقابل هذا الغير صنيعه هذا بالإنكار والجحود ؟ ماذا يكون الموقف بالنسبة لصانع المعروف؟ هل سيضيع عليه جزاؤه ؟ أو أن له جزاء آخر قد احتجز له في ضمير الغيب قد يدركه وقد لا يدركه، أو أننا سوف نتركه فريسة انفعال شديد، وندم مؤلم على ما قدم من معروف؛ أو صنع من خلال الخير والفضيلة ؟
إن هذه التساؤلات ، ونحوها تشكل عقبة كئوداً أمام كثرة هائلة من المفكرين وصناع النظرية الأخلاقية من بني البشر.
هذه العقبة لا مجال لها في نطاق الإسلام : ـ
ولو أننا تأملنا النصوص الإسلامية المعتمدة لوجدنا أن هذا الإشكال؛ وتلك العقبة تتلاشى إلى حد الذوبان؛ ذلك أن الإسلام قد أكد على نقطتين مهمتين:
إحداهما : أن صنع الفضيلة باعتباره تكليفاً من الله وإلزاماً منه يستهدف غاية محددة لا علاقة لها بمن نصنع المعروف معه، إذا نظرنا إلى الغايات؛ أو تأملنا البواعث.
إن الباعث والغاية معاً هما رضا الله عز وجل، فرضا الله باعث باعتباره محركاً في إطار القانون الشرعي الذي كلفنا الله بالتزام جزئياته سلبياً وإيجابياً ؛ ورضا الله غاية باعتباره أملاً تتطلع النفس إليه ؛ ولا تريد أن تخطئه.
وفي إطار هذا المفهوم لا يجد المسلم نفسه مكتئباً حين يلقى جزاء عمله الخير شراً من الأفراد أو الجماعات؛ ولا يجد نفسه مسروراً مزهواً، حين يجد من الجماعة رضا عنه إذا هو أسدى إليهم معروفاً ، أو تقدم لهم بخصلة من خصال الخير والفضيلة.
بل هو العكس من ذلك ، إنه يخشى إن قيل رضا الناس عنه؛ وجزائهم له أن يفوت عليه هذا الرضا، وقبوله له الوصول إلى غايته العليا التي يطمع في تحقيقها، وهي رضا الله عز وجل، إذ إنه متجاوب مع النصوص الشرعية التي تأخذ به إلى أعلى في بواعثه وغايته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : [ سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه. رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرقها قال. فما عملت فيها قال : قاتلت فيك حتى استشهدت. قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقى في النار ] (1).
والمتأمل في هذا النص يجد أن المسائل الثلاث التي اشتمل عليها لم تعرض جزافاً وإنما هي عينات ممثلة تمثيلاً حقيقياً لجميع قوى النفس حاصرة لها.
وما قوى النفس سوى أن تكون في لبابها الجامع القوة العصبية والقوة الشهوانية والقوة المفكرة أو العاقلة.
وما ورد في النص يلمس هذه القوى الثلاث بشكل مباشر واضح لا سترة به.إ‘فراد استعداد الفرد الممارس باعتبار أن طاقات الأفراد متفاوتة.
وثانية النقطتين التي تشير إليهما النصوص في هذا المجال تتصل بالمساحة الزمنية.
إن النصوص الشرعية ترفض رفضاً باتاً أن تكون خريطة الزمان التي يتم فيها الجزاء الخلقي مقصورة على هذه الحياة الدنيا.
وإنما تمتد الخريطة لتشمل حياة بعد هذه الحياة؛ ووجوداً متميزاً على هذا الوجود بما له من صفات الاستمرار والخلود.
وفي الوقت نفسه فإننا نجد هذه النصوص ترفض المبدأ القائل برفع الجزاء الدنيوي؛ لأن في هذا المبدأ ـ لو نحن قلنا به ـ إسباغاً لصفة التراخي على الأخلاق؛ ودفعاً للأفراد إلى الكسل عن كل عمل خلقي والإحجام عن كل مسلك رشيد.
ولا يبقى أمامنا متحمساً للأخلاق إلا من كان على درجة عالية من المثالية.
ومن هذا كانت النصوص قاطعة في أن الجزاء أخروي ودنيوي في الوقت ذاته؛ بل إن بعض الجزاء قد عهد به الشرع إلى المسئولين عن قيادة المجتمع في إطار نصوص تشريعية لها صلة بالله الذي اختص نفسه بالتشريع.
وهذا الجزاء على اتساع خريطته يحمل الناس قطعاً على العمل الخلقي، ولكن لا على سبيل الجبر وإنما للإرادة الإنسانية فيه مجال على نحو ما، بحيث يكون الجزاء نفسه قد ارتكز على أساس من الشرعية.
غير أن هذه الإرادة قد تفتح أمامنا باباً آخر للتراخي مهما كان ضئيلاً فإنه ولابد أن يدخل في الاعتبار.
والشرع الحكيم قد وضع لهذا الباب المفتوح ما يناسبه من التشريعات التي تحد التسلل منه، وتضيق مخارجه إلى حد كبير.
والنصوص التي تلائم هذا الباب وتتعامل معه نجدها تركيز على الموت باعتباره نهاية أليمة ينتظرها الإنسان ولا يجد منها مفراً ، ويرى وقوعه في آحاد الناس بالعشرات بل بالمئات فيذكر ذاته ومصيره القريب، ويتأكد من تكرار التجربة المرة بعد المرة أنه لا مفر من مقاساة هذا المصير ومعالجة ألمه المحتوم، هذا الألم الذي يعد في أقل صوره مرارة، ما وقع بالنبي صل الله عليه وسلم ـ الذي قال ـ وهو يعالج سكرات الموت: "اللهم هون علينا سكرات الموت .
وقد كان من الممكن أن يكون الموت وحده واعظاً كافياً على أعلى درجات الكفاية بحيث يحمل الإنسان على العمل لما بعد الموت لولا ما للإلف والعادة من تأثيرهما المباشر على هذا الواعظ والتقليل من فاعليته.
فنحن نعلم أن الشئ يدهشنا لأول مرة، ويأخذ بالألباب والعقول حين لا يكون للناس به عهد، أما حين يتكرر هذا الشئ ويكثر وقوعه تتعوده الأعين وتألفه الأسماع، ويتواءم معه بانسجام النفس والقلب، فكان لابد ـ والحالة هذه ـ من شئ آخر واحد في نوعه مختلف في آحاده اختلافاً يميز تلك الآحاد بحيث لا يكون عرضة للإلف فيقلل من أهميته وفاعليته، وبحيث يكون هذا العامل الجديد معاضداً لعامل الموت الذي ينال منه أحياناً الإلف والعادة فيقللان من تأثيره.
وهذا العامل الجديد الذي اقتضت رحمة الله أن ينزل بنا التذكير وحمل الناس على الفضيلة هو ما نسميه بالشدائد ويسميه القرآن بالابتلاء.
إن الابتلاء واحد في نوعه مختلف في آحاده اختلاف التعبير بين الآحاد مع الاتحاد في الحقيقة والماهية.
وهذا الابتلاء ينزله الله بآحاد عباده وجماعتهم أحياناً ليلفتهم إلى صفاء الفطرة الأولى، ولا ينزل هذا الابتلاء إلا بالمؤمنين فقط، ومن هنا فإن الابتلاء لا يأخذ صفة التدمير المطلق، وإنما يقتصر فقط على المقدار الذي به التذكير والأخذ بالإنسان إلى فطرته الأولى في صفائها ونقائها
قال تعالى : " ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" سورة البقرة 155 ـ 157..
والمتأمل المقارن يجد أن ما يقع بالمؤمن غير ما يقع بالكافر، فما يقع بالمؤمن لا يكون مدمراً، وإنما قدر من الشدة بمقدار تقويمه بلفته إلى صفاء الفطرة الأولى.
وما يقع بالكافر يمر بمرحلتين: مرحلة تعيده فكرياً إلى فطرته الأولى ليؤمن بربه حتى لا يكون له على الله حجة، فهو حين يشتد على الكافر إنما يلفته إلى ميثاق الفطرة الذي أخذ عليه.
" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " سورة الأعراف آية : 172..
وهم إذا لم يلتفتوا بعد هذا التنبيه حق عليهم البلاء والتدمير حيث أخذتهم الحجة من جانبين: حجة ظاهرة بإرسال الرسل: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " سورة الإسراء آية : 15. وحجة باطنة بالتذكير بميثاق الفطرة : "قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين".
وحين تأخذهم الحجة من جميع أقطارهم ينزل بهم البلاء : "وضرب الله مثلاً قرية كانت مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" سورة النحل آية : 112..
وهكذا يقوم الابتلاء بدور مهم لا يستهان به في علاج النظرية الأخلاقية.
ولكي تكتمل الصورة في تمامها النهائي وغايتها التي لا غاية بعدها نشير إلى هذا العنصر الفعال الذي كثيراً ما أدى دوره في الأمم السالفة، وهو التلويح والإشارة إلى العذاب العاجل والشامل إذا أجبرت بيئة البلاغ لأي نبي من الأنبياء على الكفر والعناد، وأصبح المعنيون بالدعوة بعيدين عن الله لا يسمعون لرسوله.
وكثيراً ما كان هذا العنصر يؤدي دوراً ولو قليلاً في حفز الناس إلى الفضيلة والبعد عن الرذيلة، الأمر الذي قد يرى البعض معه أنه غائب في بناء النظرية الأخلاقية في الإسلام بمقتضى قوله تعالى :
"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" سورة الأنفال آية : 33..
ويرى بعض المفكرين المعنيون بشرح النصوص الإسلامية أن الأمة الإسلامية قد رفع عنهما التدمير والعقاب الشامل بمقتضى هذا النص إكراماً للنبي صل الله عليه وسلم .
وهذا حق عندي لا مراء فيه، ولكن التدمير مرفوع فقط عن الأمة أمة الدعوة في حياة النبي صل الله عليه وسلم ـ إكراماً له وبعد حياته إلى فترة طويلة تكون الرسالة فيها فعالة بحيث يقوم العلماء بأداء دورهم محتجين لهذا الدور بالمعجزة الدائمة غير أن أمة الإسلام التي هي أمة الإجابة مرفوع عنها التدمير إلى الأبد كغيرها من أمم الإجابة التابعة لكل نبي.
أما أمة الدعوة في الإسلام فسوف يأتي عليها الوقت المحدد الذي ينزل عليها فيه تدمير شامل كما نزل بالأمم السابقة عليها.
ولما كانت هذه الأمة هي آخر الأمم ولا نبي بعدها فإن تدمير أمة الدعوة سيؤخر إلى آخر الزمان بعد أن ينجي الله أمة الإجابة بريح هينة لينة تأخذهم تحت أباطيهم فيموتون، ويكون التكليف قد انتهى بانتهاء عصره، ويرتفع القرآن من الصدور حين تطلع الشمس من مغربها، وتقوم الساعة بهولها العظيم بعد أن يتعاقب ثلاثة أجيال من الكفر وهذا فيما أرى تدمير أمة البلاغ والدعوة حين يطبقون على الكفر والعناد.
وهذا الهلاك الشامل والفزع الكبير يؤدي دوره هنا في حمل الناس على الفضيلة كما أدى الدور نفسه في كل أمة سبقت هذه الأمة وتقدمتها.
ومن هنا يتبين مقدار الحيطة الكاملة التي أحاط بها الإسلام النظرية الأخلاقية بحيث لا نستطيع أن نجد فيها ثغرة ينفذ منها معترض أو مجال للكمال حين يتفلسف أصحاب الرأي وهواة التشكيك بالاحتمال


نهاية الإنسان ومصيره

إن الكاتب في هذه الجزئية يتردد بين أمرين يرجو الكتابة فيهما أو في أحدهما:
أحدهما : أن يكتب عن الإنسان باعتباره فرداً ويتحدث عن مصير هذا الإنسان بشخصه فيتناول مسألة الموت وما يتبعها من أحاديث تتناول سكرات الموت وكيفية خروج الروح وصفات الملائكة المستقبلة لها . إلى آخره ثم يتناول مسائل آخر تتعلق بما يعقب الموت كمسألة عذاب القبر ونعيمه، وكيفية استقبال القبر لنزوله ونوع الأسئلة الموجهة للميت ... إلخ.
وثانيهما : أن يكتب عن الإنسان باعتباره نوعاً .
ومن المعلوم أن القضايا التي يمكن للكاتب أن يتناولها محدداً بها مصير الإنسان باعتباره نوعاً عن القضايا التي يتناولها حين يتحدث عن مصير الإنسان باعتباره فرداً.
وهذا الاختلاف يحدده وجود كل منهما وبقاؤه في هذا الوجود.
فوجود الإنسان باعتباره فرداً وجود موقوت، ينتهي بعد انقضاء مدة يسيرة يمكن للإنسان العادي أن يتوقع قصاراها، أو يحده متوسطها.
أما وجود الإنسان باعتباره نوعاً فهو وجود ممتد لا يستطيع الإنسان بمفرده مهما أوتى من قوة البصيرة أو نصاعة الحجة أن يقف على بدئه في الماضي، ولا يستطيع بمفرده كذلك مهما أوتى من قوة البصيرة ونصاعة الحجة أن يقف على نهايته في المستقبل؛ لأن بدء الإنسان باعتباره نوعاً ونهايته من المسائل المغيبة التي لم تقع في نطاق إدراك العقل أو في منطقة تفكيره.
وأعترف أنني قد وقعت في حيرة عندما أردت كتابة هذا الفصل وتناول قضاياه.
وكان مصدر الحيرة سؤالاً طرحته على نفسي مؤداه : إلى أي شئ أتوجه بالكتابة ؟ هل أتوجه إلى الإنسان بصفته فرداً باعتبار أن قضاياه ملموسة متكررة في بعض أجزائها ؟ أو أتوجه إلى الإنسان بصفته نوعاً باعتبار أن قضاياه في مصيره مجهولة سوى ما أبان الشرع عنه ؟
وانتهى الأمر عندي إلى أن قضايا الإنسان بصفته فرداً مطروقة والكلام فيها شبه معاد، وقضايا الإنسان- بصفته نوعاً- قليلة مباحثها خاصة في كتب العقيدة، وإن كانت كثيرة متعددة في كتب السنة وكتب التفسير، فأرادت أن يكون جهدي مقصورا في هذا الفصل على مصير الإنسان بصفته نوعاً للسبب الذي ذكرته مع أنني أعتقد بهذه القضية المنطقية وهي : أن الحديث عن الكل حديث عن أجزائه وأفراده فقصر الجهد لهذين السببين على الحديث عن الإنسان بصفته نوعاً لابد لكل أمر عظيم من توطئة :
تعودنا ـ من فضل الله وكرمه ـ أنه لا يحدث في الكون من عظائم الأمور إلا ما يمهد له ويهيىء الأذهان لتقبله.
وقد شرحنا ذلك باستفاضة في الفصل الأول من هذا القسم بما يغنينا عن إعادته هنا إلا بمقدار التذكير به ولفت النظر إليه. وقيام الساعة وإنهاء هذا اللون حدث عظيم بل أكاد أجزم أنه ليس هناك حدث يسبقه في العظمة أو يعلو عليه في درجة الاهتمام به.
وطبقاً لما تعودناه من فضل الله وكرمه أن الله لم يشأ أن يفاجئ الكون بهذا الحدث الضخم، كما لم يشأ من قبل أن يفاجئ العالم بعظائم الأمور.
غير أن هذا الحدث لضخامته الكبرى، ولعظمة الذي لم يسبق إليه انفرد عن سائر العظائم بميزة تخصه، وهي أن ما سواه من العظائم كان يمهد له، ويترك الأمر للأذهان كي تدرك هي هذا التمهيد من غير مساعد من إخبار أو إشارة.
أما هذا الحدث فإن الله قد أخبر على لسان الصادق المصدوق صل الله عليه وسلم بالتمهيدات التي تؤدي إليه والتوطئة التي تعد الأذهان لاستقباله، والمقدمات التي نلفت الأنظار للعمل من أجله.
فكان حديث النبي صل الله عليه وسلم المتكرر عما نعرفه اصطلاحاً بأشراط الساعة أو علامات الساعة.
ونحن لا نريد أن نستقصي هذه العلامات بالعد والترقيم، فإن ذلك أمر ميسور على كل من يعمد إلى كتاب من كتب الحديث ولسوف يجد أنه يستطيع أن يقف على هذه العلامات من غير أن يبذل في ذلك مجهوداً يذكر.
ولكننا في الوقت نفسه لا نريد أن نترك هذه المسألة تمر قبل أن نضع لعلامات الساعة وأشراطها تقسيماً نوعياً يضبطها جميعاً في قاعدة عامة تحتويها احتواء شاملاً، وتجتذب شتاتها اجتذاباً يريح العاقل، ولا يؤذي المتفقة أو المحدث.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:05 pm

أشراط الساعة وعلامات يوم القيامة الصغرى والكبرى


تعريف

الأشراط : جمع شرط . وهو العلامة .

والمراد العلامات التي تدل على قرب يوم القيامة . قال تعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم (18) } [محمد].

أنواع علامات الساعة

علامات صغرى : وهي البعيدة عن اليوم الآخر ، وتحدث خلال فترات طويلة من الزمان .

وعلامات كبرى : وهي القريبة من النفخ في الصور ، وتحدث في فترة وجيزة آخر الزمان . إذا ظهرت إحداها تتابعت كلها ، كأنها خرزات في خيط ، إذا سقطت واحدة تتابع باقيها حتى تسقط جميعا .

وإذا بدأت العلامات الكبرى في الظهور ، عندئذ لا يقبل إيمان من كافر ، ولا توبة من مذنب ، ولا عمل خير من مسئ ، قال تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض ءايات ربك يوم يأتي بعض ءايات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } [ الأنعام/158].

العلامات الصغرى   
     
يمكن أن نقسمها قسمين : قسم قد وقع كما جاء في الوحي ، وقسم ينتظر حدوثه .

(1) فمن القسم الأول : ـ

        ( أ ) بعثته صل الله عليه وسلم : كما جاء في الحديث الصحيح : "بعثت أنا والساعة كهاتين ، وأشار إلى أصبعيه : السبابة والوسطى ، وقرن بينهما " متفق عليه .

        (ب ) انشقاق القمر : قال تعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر (1) وإن يروا ءاية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر(2) } [ القمر].

        فقد روى الشيخان حديث انشقاق القمر على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم حين طلبت قريش منه آية تدل على نبوته . فدعا الله ، فانشق القمر فلقتين على جبل أبي قبيس على مرأى من أهل مكة ، وهم ينظرون إليه .

        ( ج ) قتال علي ومعاوية رضى الله عنهما في صفين حيث قال صل الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان ، وتكون بينهما مقتلة عظيمة ، ودعواهما واحدة " . رواه الشيخان .

        ( د ) انقطاع ورود الخراج وغيره من الأقطار إلى أهل الحجاز ، قال صل الله عليه وسلم : " منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر أردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم " . رواه مسلم .

        فأخبر صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث أن العراق ، والشام ومصر سيدخل أهلها في الإسلام ، ويرسلون الخير لأهل الحجاز ، ثم تستقل هذه البلاد عن الخلافة الإسلامية ، وتمنع ما كانت تقدمه لأهل الحجاز.

        (هـ ) النار التي خرجت بالمدينة المنورة : قال صل الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز ، تضئ أعناق الإبل ببصرى " . رواه الشيخان .
        وقد حدث ذلك في ليلة الأربعاء ثالث جمادى الأخر سنة 654هـ فقد احترقت الحرة الشرقية من المدينة المنورة ، وظهرت بها البراكين ، وظلت النار مشتعلة مدة طويلة ، وضوء نارها يرى من بصرى الشام ، وما زالت أحجارها سوداء محترقة ، كالفحم إلى وقتنا هذا .

        ( و ) وفي الحديث التالي عدة علامات ، أغلبها قد تحقق ، وينتظر وقوع الباقي : عن عوف بن مالك الأشجعي قال : أتيت النبي صل الله عليه وسلم في غزوة تبوك ـ وهو في قبة من أدم ـ فقال : " اعدد ستا بين يدي الساعة : موتي ، ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ، ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون ، فيأتونكم تحت ثمانين غاية ، تحت كل غاية اثنا عشر ألف " وفي رواية ( راية ) بدل ( غاية ) (1).


(2) ومن القسم الثاني : ـ

        ( أ ) قال صل الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ، ويقول كل رجل منهم : لعلي أكون أنا الذي أنجو " (2).

        ( ب ) قال عليه الصلاة والسلام : " لا تقوم الساعة ، حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " رواه الشيخان.

        ( ج ) وقال صل الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر أو الشجر : يا مسلم ، يا عبد الله ، هذا يهودي خلفي ، فتعال فاقتله إلا الغرقد ، فإنه من شجر اليهود " رواه البخاري ومسلم .

        ( د ) وقال صل الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه " رواه مسلم . أي من شدة البلاء والفتن .

        (هـ ) وقال صل الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ، ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه ، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا " رواه مسلم . المروج الرياض والمزارع .

من العلامات الكبرى

" عن حذيفة بن أسيد قال : اطلع النبي صل الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة ، فقال : ما تذاكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة . فقال : إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر : الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن ، تطرد الناس إلى محشرهم " رواه مسلم .

توضيح بعض العلامات : ـ

أولا ـ الدخان : ـ

وقد ورد ذكر الدخان في قوله تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين (10) يغشى الناس هذا عذاب أليم (11)} [ الدخان ].

قال القرطبي : " وممن قال إن الدخان لم يأت بعد : على ، وابن عباس، وابن عمر ، وأبو هريرة ، وزيد بن علي ، والحسن ، وابن أبي مليكة ، وغيرهم.

وروى أبو سعيد الخدري مرفوعا أنه دخان يهيج الناس يوم القيامة ، يأخذ المؤمن منه كالزكمة ، وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه .

وعن حذيفة قلت : يا نبي الله ، وما الدخان ؟ قال : هذه الآية : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } يملأ ما بين المشرق والمغرب . يمكث أربعين يوما وليلة . أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام . وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران، يخرج الدخان من فمه ، ومنخره ، وعينيه ، وأذنيه ، ودبره } (3)

وهذا الدخان غير الدخان الذي نال قريشا من القحط أيام الرسول صل الله عليه وسلم حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان من شدة الجوع.


ثانيا : المسيح الدجال :ـ

سمى المسيح : لأنه ممسوح العين اليمنى ، أو لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في أربعين يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامنا هذه . كما ورد في صحيح مسلم .

والدجال من الدجل ، وهو التغطية والكذب ، يقال : دجل البعير بالقطران إذا غطاه ، ودجل الإناء بالذهب إذا طلاه ، وسمى الكذاب دجالا ، لأنه يغطي الحق بباطله.

أخرج مسلم قصة تميم الداري من حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صل الله عليه وسلم خطب ، فذكر أن تميما الداري ركب في سفينة مع ثلاثين رجلا من قومه ، فلعب بهم الموج شهرا ، ثم نزلوا إلى جزيرة ، فلقيتهم دابة كثيرة الشعر ، فقالت لهم :أنا الجساسة. ودلتهم على رجل في الدير ، قال: فانطلقنا سراعا،فدخلنا الدير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا ، وأشد وثاقا ، مجموعة يداه إلى عنقه بالحديد . فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فذكر الحديث .

وفيه أنه سألهم عن نبي الأميين هل بعث ؟ وأنه قال : إن يطيعوه فهو خير لهم ، وأنه سألهم عن بحيرة طبرية ، وعن عين زغر ، وعن نخل بيسان (4).

وفيه أنه قال : إني مخبركم عني . أنا المسيح . وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج ، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة .

وحديث مسلم هذا يدل على أن الدجال كان موجودا في عهد النبي صل الله عليه وسلم ، وأنه محبوس ف بعض الجزائر.

وأما وقت خروجه ، فقد روى مسلم في حديث النواس أنه يخرج عند فتح المسلمين القسطنطينية .

وأما سبب خروجه ، فأخرج مسلم في حديث ابن عمر عن حفصة أنه يخرج من غضبة يغضبها .

ويخرج من قبل المشرق جزما من خراسان ، كما أخرجه أحمد والحاكم من حديث أبي بكر ، أو من أصبهان كما أخرجه مسلم . ولعله يخرج من خراسان ثم يتجه غربا ، فيمر بأصبهان ، فيتبعه من يهودها سبعون ألفا عليهم الطيالسة. كما في صحيح مسلم .

وعندما يخرج يدعي الإيمان والصلاح ، ثم يدعي النبوة ، ثم يدعي الألوهية.

وأما عن وقت هلاكه فأخرج مسلم أنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة ، ثم يقصد بيت المقدس ، فينزل عيسى فيقتله .

ومن صفاته أنه قصير جسيم ، أحمر الوجه ، أعور العين اليسرى ، قد غطتها جلدة عظيمة ، وعينه اليمنى جاحظة . وشعر رأسه شديد الجعودة ، بشع المنظر ، منفرج الرجلين في المشئ.

ومما ورد في صحيح البخاري بشأنه : ـ

* عن أنس بن مالك قال : قال صل الله عليه وسلم :" يجئ حتى ينزل في ناحية المدينة ، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل كافر ومنافق".
وعن أبي بكر عن النبي صل الله عليه وسلم قال : "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ، ولها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب ملكان" .

• وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : قام رسول الله صل الله عليه وسلم في الناس ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : " إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه : إنه أعور ، وإن الله ليس بأعور" .

• وعن عروة أن عائشة رضى الله عنها قالت : " سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال" .

• وعن حذيفة عن النبي صل الله عليه وسلم قال في الدجال : " إن معه ماء ونارا ، فناره ماء بارد ، وماؤه نار " .

• وعن أبي سعيد قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال ، فكان فيما يحدثنا به أنه قال : " يأتي الدجال ـ وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة ـ فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس ـ أو من خير الناس ـ فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صل الله عليه وسلم ، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته . هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا . فيقتله ، ثم يحييه ، فيقول : والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم : فيريد الدجال أن يقتله ، فلا يسلط عليه " (5).

ثالثا ـ دابة الأرض : ـ

ورد ذكر الدابة في قوله تعالى : { وإذ وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بءاياتنا لا يوقنون (82)} [ النمل].

قال المفسرون : إنها فصيل ناقة صالح عليه السلام ، لما ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال : ذكر رسول الله صل الله عليه وسلم الدابة فقال :

" لها ثلاث خرجات من الدهر : فتخرج في أقصى البادية ، فلا يدخل ذكرها القرية ـ يعني مكة ـ ثم تكمن زمانا طويلا ، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك ، فيفشو ذكرها في البادية ، ويدخل ذكرها القرية ـ يعني مكة...

قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة . خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام . تنفض عن رأسها التراب . فارفض الناس منها شتى ومعا ، وتثبت عصابة من المؤمنين ، وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله . فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ، ولا ينجو منها هالك ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة ، فتأتيه من خلفه ، فتقول : يا فلان ، الآن تصلي ؟ فتقبل عليه ، فتسمه في وجهه ، ثم تنطلق " ارفض : أي تفرق الناس.

والذي يدل على أنها فصيل ناقة صالح في الحديث قوله صل الله عليه وسلم " وهي ترغو " والرغاء إنما هو للإبل.

واختلف من أي موضع تخرج : فقال عبد الله بن عمر : تخرج من جبل الصفا بمكة يتصدع ، فتخرج منه . وقال عبد الله بن عمرو نحوه وقال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت .

وروى في خبر عن النبي صل الله عليه وسلم : " أن الأرض تنشق عن الدابة وعيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون من ناحية المسعى، وأنها تخرج من الصفا ، فتسم بين عيني المؤمن : هو مؤمن . سمة كأنها كوكب دري ، وتسم بين عيني الكافر نكتة سوداء : كافر" .

وهذه الدابة تكلم الناس بصوت يسمعه من قرب ومن بعد قائلة : { أن الناس كانوا بءاياتنا لا يوقنون } أي بخروجي . وقرئ : تكلمهم من الكلم وهو الجرح، فهي تكلم المؤمن ، وتكلم الكافر والفاجر ، أي تجرحه (6).

رابعا : طلوع الشمس من مغربها : ـ

ذكر طلوع الشمس من مغربها في حديث رسول الله صل الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا رآها الناس ، آمن من عليها ، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها ، لم تكن آمنت من قبل " رواه الشيخان.

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : "إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى ، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى على أثرها قريبا " .

أي أول الآيات التي ليست مألوفة ، وإن كان الدجال ، ونزول عيسى عليه السلام من السماء ، وخروج يأجوج ومأجوج قبل ذلك . فكل ذلك أمور مألوفة ؛ لأنهم بشر ، ومشاهدة مثلهم مألوفة ، أما خروج الدابة بشكل غريب غير مألوف ، ثم مخاطبتها الناس ، ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر، فأمر خارج عن العادة .

وذلك أول الآيات الأرضية ، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية .

خامسا : نزول عيسى ابن مريم من السماء : ـ

أشار القرآن إلى نزوله فقال : { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل (59) ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون (60) وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم (61) } [الزخرف]

فقوله : { وإنه لعلم الساعة } أي يعلم قربها بنزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين كما في صحيح مسلم .

وقرئ : { وإنه لعلم للساعة } أي أمارة لها ، فلا تشكن في قيامها.

وروى البخاري عن رسول الله صل الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها " ثم يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا (159)} [النساء].

أي قبل موت عيسى بعد نزوله من السماء وقبل القيامة .

وفي رواية قال أبو هريرة : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : "والذي نفس أبي القاسم بيده ، لينزلن عيسى بن مريم إماما مقسطا ، وحكما عدلا ، فيكسرن الصليب ، ويقتلن الخنزير ، وليصلحن ذات البين ، وليذهبن الشحناء ، وليعرضن المال فلا يقبله أحد ، ثم لئن قام على قبري فقال : يا محمد لأجبته " (7).

سادسا ـ يأجوج ومأجوج : ـ

ورد ذكرهم في قول الحق : { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا(94) قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما(95) ءاتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا (96) فما اسطاعوا أن يظهرون وما استطاعوا له نقبا (97) قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا (98) } (Cool [ الكهف ].

وجاء ذكرهم أيضا في قوله تعالى : { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون (96) واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين (97) } 9) [الأنبياء].

وروى البخاري عن زينب ابنة جحش أن رسول الله صل الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا يقول : " لا إله إلا الله . ويل للعرب من شر قد اقترب. فتح اليوم منردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها. قالت زينب ابنة جحش : فقلت يا رسول الله ، أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال : " نعم إذا كثر الخبث " (10) أي الزنا والفجور والفواحش.

وأخرج ابن ماجه عن رسول الله صل الله عليه وسلم : "إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذي عليهم : ارجعوا فسنحفره غدا ، فيعيده الله أشد ما كان ، حتى إذا بلغت مدتهم، واراد الله أن يبعثهم على الناس ، حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله تعالى ، فاستثنوا ، فيعودون إليه ، وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ، ويخرجون على الناس ، فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها الدم الذي اجفظ ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض ، وعلونا أهل السماء ، فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها " (11).

وورد في حالهم عند خروجهم ما أخرجه مسلم من حديث النواس بن سمعان بعد ذكر الدجال وقتله على يد عيسى قال :

" ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه ـ أي من الدجال ـ فيمسح عن وجوههم ، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم ، فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء . ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه ، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدهم اليوم ...

فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل عليهم النغف في رقابهم ، فيصيحون فرسى كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبرا إلا ملاءه ذهمهم ونتنهم . فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل طيرا كأعناق البخت فتحملهم ، فتطرحهم حيث شاء الله...

ثم يرسل الله مطرا ، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض ، حتى يتركها كالزلفة ، ثم يقال للأرض انبتي ثمرتك ، وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ، ويستظلون تحتها بقحفها ، ويبارك في الرسل : حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس . فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة ، فتأخذهم تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة " (12).
==================
المراجع والهوامش :
1ـموتان : بضم الميم وفتحها مع سكون الواو : الموت الكثير . القعاص: داء يصيب الدواب ، فيسيل من أنوفها شئ ، فتموت فجأة . يقال أن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر ، وكان بعد فتح بيت المقدس ، واستفاضة المال كان في خلافة عثمان . بنو الأصفر : الروم
2ـرواه مسلم في الفتن 4/2219 ( يحسر ) ينكشف لذهاب مائه .
3ـ تفسير القرطبي 16/130
4زغر وبيسان : قريتان بالشام ، وما أخبر به تميم وافق ما سبق أن أخبرهم به النبي صل الله عليه وسلم .
5ـ فتح الباري : كتاب الفتن 13/89 ـ 101
6ـ تفسير القرطبي 13/235 بتصرف ، وانظر تفسير ابن كثير 3/374
7ـ رواه أبو يعلي ، ورجاله رجال الصحيح ـ مجمع الزوائد 8/211
8ـ يأجوج ومأجوج : قبيلتان من ذرية يافث بن نوح عليه السلام . خرجا أي : جعلا من المال ـ سدا : أي حاجزا ، فلا يصلون إلينا ـ ردما : أي حاجزا حصينا متينا ـ زبر الحديد : قطعه العظيمة ـ الصدفين : جانبي الجبلين ـ قطرا : أي نحاسا مذابا ـ أن يظهروه : أن يعلوا ظهره ـ نقبا : خرقا وثقبا ـ جعله دكاء : أي أرضا مستوية.
9ـ الحدب : المرتفع من الأرض ـ ينسلون : يسرعون النزول ـ شاخصة أبصارهم : أي مرتفعة لا تكاد تطرف.
10ـ ورواه مسلم في الفتن 4/2208
11ـ سنن ابن ماجه 2/1364 ( ينشفون الماء ) أي يشربونه (اجفظ ) أي ملأها ( النغف) دود يكون في أنوف الإبل والغنم .
12ـ رواه مسلم في الفتن 4/2253 ( فيمسح على وجوههم) : إما تبركا ، أو إشارة إلى كشف ما هم فيه من الشدة والخوف ( لا يدان لأحد بقتالهم ) : تثنية يد ، أي لا قدرة ولا طاقة لأحد . ( فحرز عبادي إلى الطور) : حصنهم واحفظهم . (الحدب) : الموضع المرتفع. ( ينسلون ) : يسرعون . ( يرغب) : يبتهل ويدعو . (فرسى ) : قتلى . مفرده فريس . كقتلى وقتيل . (زهمهم) : دسمهم . (البخت) : الجمال طوال الأعناق . ( لا يكن ) : لا يمنع . ( المدر) : الطين الصلب. (الزلفة): المرآة . (العصابة ) : الجماعة . (قحفها ) : مقعر قشرها . (الرسل) : اللبن . (اللقحة) : حديثة الولادة . جمعها : لقح . كبركة وبرك . ( الفئام ) : الجماعة الكثيرة . ( الفخذ) : الجماعة من الأقارب . دون البطن ، والبطن دون القبيلة . (تهارج الحمر) : أي يجامع الرجال النساء علانية أمام الناس . والهرج : الجماع. يقال : هرج زوجته : أي جامعها . يهرجها بتثليث الراء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:06 pm

البعث


        روح الإنسان : جسم لطيف . يحل في الجسد ، فيجعله يشعر ، ويتحرك ، ويفكر، وللروح مع الجسد تعلقات مختلفة : فتتعلق به جنينا في بطن أمه ، وتتعلق به في اليقظة بعد الولادة ، وتتعلق به أثناء النوم ، وتتعلق به في عالم البرزخ بعد الموت ، وتتعلق به يوم القيامة ، ولكل حالة خصائصها .

        والموت عبارة عن : انقطاع صلة الروح بالجسد ، لتنتقل من عالم إلى عالم آخر ، فليس الموت عدما أو فناء للروح .

        وملك الموت هو الذي يتولى إخراج الروح من الجسد ، وله أعوان يساعدونه .

        ولا يبقى من الجسد إلا عجب الذنب ، وهو عظم صغير في آخر سلسلة الظهر. قال صل الله عليه وسلم : " كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب. منه خلق ، وفيه يركب " (1) وهو كالروح مستثنى من العموم في قوله تعالى : { كل من عليها فان (26) } [ الرحمن ] وقوله تعالى : { كل شئ هالك إلا وجهه } [القصص /88]

        وبعد انصراف الناس من دفن الميت . يأتيه ملكان : أحدهما (منكر) ، والآخر (نكير) فيقعدانه ، ويعيد الله إليه روحه ، فيسمع ويتكلم ، فيسألانه : من ربك ؟ وما دينك ؟ وما تقول في الرجل المبعوث فيكم ؟

        أما المؤمن فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، والرجل المبعوث فينا هو سيدنا محمد صل الله عليه وسلم . فيقولان له : انظر إلى مقعدك في النار ، قد أبدلك الله به مكانا في الجنة . فيراهما جميعا . ثم يقولان له : نم نومة العروس.

        وأما المنافق أو الكافر ، فيقول : لا أدري . فيقولان له : لا دريت ولا تليت. ويبدأ عذابه في القبر.

        وسؤال القبر للروح والجسد ، ولو أكلته السباع أو الحيتان ، أو التهمته النيران . فقبره المكان الذي يستقر فيه . والله على كل شئ قدير.

        وكان النبي صل الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت ، وقف عليه ، فقال: "استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت . فإنه الآن يسأل" (2).

        وقد أشار القرآن إلى حياة البرزخ فقال تعالى : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون (99) لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (100)} [ المؤمنون ] .

        وكذلك نعيم القبر وعذابه للروح والجسد معا ، فالقبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار.

        وقد أشار القرآن الكريم إلى عذاب القبر فقال : { وحاق بءال فرعون سوء العذاب (45) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا ءال فرعون أشد العذاب (46)} [ غافر].

        فقالوا : { غدوا وعشيا } أي في عالم البرزخ ؛ لأن يوم القيامة لا غدو فيه ولا عشي ، ولا شروق ولا غروب وبقية الآية تتكلم عنه .

        وقال تعالى في وصف حياة الشهداء في عالم البرزخ : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) } [ آل عمران ].

        ومر صل الله عليه وسلم على قبرين . فقال : " أما إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير : أما أحدهما ، فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر ، فكان لا يستتر من بوله ، قال : فدعا بعسيب رطب ، فشقه باثنين ، ثم غرس على هذا واحدا ، وعلى هذا واحدا . ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " (3).


إمكان البعث

        1ـ البعث أمر ممكن عقلا : ـ

        عرض القرآن الكريم لأدلة إمكان بعث الناس لمحاسبتهم في كثير من سوره وآياته ، ونتناول هنا موضعين فقط :

        الموضوع الأول : من سورة الحج :

        قال تعالى : { يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج (5) ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شئ قدير (6) وأن الساعة ءاتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور (7) } [ الحج ].

        وقد اشتملت الآيات على دليلين على إمكان البعث :

        الدليل الأول :

        خلق الإنسان وتطوره في هذه المراحل المختلفة المذكورة في الآية والتي أشرنا إليها عند حديثنا عن دليل الخلق على وجود الله ، فمن قدر على خلق لإنسان على هذه الصورة العجيبة ، وفي هذه الأطوار الدقيقة ، فهو لا شك أقدر على إعادته { كما بدأنا أول خلق نعيده }

        الدليل الأخر :

        دليل حسي يراه كل إنسان إذا نظر إلى الأرض الميتة التي لا زرع فيها ولا ثمر لعدم وجود مياه الري ، فإذا نزل عليها عادت إليها الحياة فازدادت ، وانتفخت ، وأنبتت من كل صنف حسن نضير .

        الموضع الآخر : من سورة يس :

        قال تعالى : { وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحي العظام وهي رميم (78) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم (79) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون (80) أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم (81) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (82) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون (83) }.

        وقد اشتملت الآيات على أربعة أدلة :

        الدليل الأول : من قدر على البدء قدر على الإعادة :

        وذلك في قوله تعالى : { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } إذ كل عاقل يعلم ضرورة أن من قدر على النشأة الأولى ، فهو على النشأة الأخرى أقدر، وأنه لو كان عاجزا عن الثانية لكان عن الأولى أعجز وأعجز ، ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على المخلوق ، وعلمه بتفاصيل خلقه ، قال : { وهو بكل خلق عليم} فإذا كان تام العلم ، كامل القدرة ، فكيف يتعذر عليه أن يحي العظام وهي رميم ؟

        الدليل الثاني : من قدر على إيجاد الضد من ضده قدر على إعادة الإنسان ، وذلك قوله تعالى : { الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون} فلا يظن ظان أن الإنسان إذا مات ، وصارت عظامه رميما يابسا باردا لا يمكن أن تعود إليه الحرارة ، والرطوبة مرة أخرى ، فإن الله أوجد من الشجر الأخضر الرطب البارد نارا حارة ، وذلك كما لو أخذ غصن من شجر المرخ الأخضر الرطب ، وضرب بغصن من شجر العفار الأخضر الرطب ، فإنه تتقد منه النار ، كما يعرف ذلك أهل البادية ، فمن قدر على إخراج النار من لا نار ، وإيجاد الحرارة من الرطوبة قادر على إحياء الإنسان .

        الدليل الثالث : من قدر على الأكبر قدر على الأصغر من باب أولى :

        وذلك قوله تعالى : { أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم } فإن كل عاقل يعلم أن من قدر على العظيم الجليل ، فهو على ما دونه بكثير أقدر وأقدر ، فمن قدر على حمل مائة كيلو فهو على حمل كيلو واحد أشد اقتدارا . فأخبر أن الذي أبدع السموات والأرض على عظم شأنها ، وكبر حجمهما ، وعجيب خلقهما ، أقدر على أن يحي عظاما قد صارت رميما ، كما قال في موضع آخر : { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون (57)} [غافر]

        الدليل الرابع : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ففعل الله تعالى ليس كفعل المخلوق الذي يحتاج إلى الآلات والوسائل ، وإلى من يعينه ويساعده في الصنع ، فالحق تعالى إذا أراد شيئا قال له : كن فإذا هو كائن كما أراده وشاءه جل في علاه .

        ثم ختم هذه الآيات المباركة بقوله : { فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون }.

        ب ـ البعث أمر سيقع فعلا :

        وعرض القرآن لهذه القضية في أكثر من موضع وقد أمر نبيه أن يقسم به جل في علاه على وقوع البعث في ثلاثة مواضع هي :

        (1) { ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين (53)} [ يونس ]

        (2) { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم } [سبأ/3]

        (3) { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير (7)} [ التغابن ].

        مقدمة عن حياة البرزخ : ـ

==================

المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في الفتن 4/227 .
2ـ رواه أبو داود في الجنائز 3/550 .
3ـ رواه مسلم في الإيمان 1/241
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:07 pm

النفخ فى الصور


        ذكر النفخ في الصور في عشر آيات قرآنية ، فوجب الإيمان بذلك.

        والصور : قرن من نور كهيئة البوق ينفخ فيه فيه إسرافيل عليه السلام(1). ويظهر من النصوص أنهما نفختان :

        النفخة الأولى : وتسمى نفخة الصعق ، أو الفزع ، ويشير إليها قوله تعالى : { ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله } [الزمر/68].

        وقوله تعالى:{ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين (87) } [ النمل] داخرين : صاغرين أذلاء.

        وبهذه النفخة يموت كل من لم يذق الموت قبلها من الخلائق . أما من ذاق الموت ، أو لم يكتب عليه الموت ، فلا يموت موتة ثانية .

        واختلف العلماء في المستثنى في قوله تعالى : { إلا من شاء الله } ففي حديث أبي هريرة أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون ، إنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهو قول سعيد بن جبير .

        وقال الحسن : استثنى طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين .

        وقال مقاتل : يعني جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت .

        وقيل : الحور العين ، وقال الضحاك : رضوان ، والحور، ومالك ، والزبانية

        النفخة الثانية : وتسمى نفخة البعث : أو النشر ، أو النشور ويشير إليها قوله تعالى :

        • { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون (68)} [ الزمر ].

        • { ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } (51) قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون(52)} [يس].

        • { ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا (99)} [ الكهف].

        • { يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا (18)} [ النبأ ].

        وبين النفختين تمر مدة طويلة ، فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " ما بين النفختين أربعون " قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوما ؟ قال : أبيت . قالوا أربعون شهرا ؟ قال أبيت : قالوا : أربعون سنة ؟ قال : أبيت .

        " ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل " (2).

        وقول أبي هريرة ( أبيت ) معناه : أبيت أن أجزم بأن المراد أربعون يوما أو سنة أو شهرا : بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة .

        وقد جاءت مفسرة من رواية غيره من غير مسلم : أربعون سنة . وفي هذه المدة وبعد أن يطوى الله السموات بيمينه كطي السجل للكتب ، وبعد أن يطوي الأرض بشماله ويقول : أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أنا الملك أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ يقول الحق { لمن الملك اليوم } ؟

        قال محمد بن كعب : " قوله سبحانه : { لمن الملك اليوم } يكون بين النفختين حين فنى الخلائق ، وبقى الخالق ، فلا يرى غير نفسه مالكا ولا مملوكا ، فيقول : { لمن الملك اليوم} فلا يجيبه أحد ، لأن الخلق أموات فيجيب نفسه فيقول : {لله الواحد القهار } لأنه بقى وحده ، وقهر خلقه (3).

================

        المراجع والهوامش :

1ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : جاء أعرابي إلى النبي صل الله عليه وسلم فقال : ما الصور ؟ قال : قرن ينفخ فيه " رواه الترمذي وأبو داود ، وهو الناقور المذكور في قوله تعالى : { فإذا نقر في الناقور(Cool}[المدثر] كما فسره ابن عباس ـ نقر : نفخ .
2ـ رواه مسلم في الفتن 4/2270 .
3ـ تفسير القرطبي 15/301 .








الحوض


        الحوض من الأمور التي أكرم الله بها أتباع نبينا محمد صل الله عليه وسلم الذين يموتون على التوحيد الخالص . وهذا الحوض يصله الماء من نهر في الجنة يسمى : الكوثر ، وهو المذكور في قوله تعالى :{ إنا أعطيناك الكوثر(1)}[الكوثر}.

        وهذا الحوض يشرب منه المؤمنون بعد خروجهم من قبورهم عطاشا ، ومن شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا ، ويكون شربه في الجنة تنعما وتلذذا ، وليس لإزالة العطش.

        ولكل نبي حوض كما قال صل الله عليه وسلم : " إن لكل نبي حوضا ، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة " .

        وجاء في صفته : " حوضي مسيرة شهر ، وزواياه سواء ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه أكثر من نجوم السماء ، من شرب منه فلا يظمأ أبدا " (1).

        والأحاديث التي وردت في الحوض تكاد تبلغ مبلغ التواتر ، وإن اختلفت في سعته ، وفي بعض أوصافه ، ففي بعضها أن سعته مسيرة شهر ، وفي بعضها أنه مسيرة شهرين ، وبعضها يمثله بالمسافة بين مكة وأيلة . أو بالمسافة بين عدن وعمان ، أو بين صنعاء والمدينة ، أو بين المدينة وبيت المقدس، والمقصود من كل ذلك أنه واسع إلى حد كبير ، ويريد الرسول صل الله عليه وسلم أن يقرب الفهم من السامعين ، فيمثل لكل فريق بما يعرف ، فلا تعارض .

        ويصد عن هذا الحوض الكفار ، والمرتدون ، وأهل الزيغ والبدع ، كما قال صل الله عليه وسلم : " ترد أمتي على الحوض ، وأنا أذود الناس عنه ، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله . قالوا : يا نبي الله أتعرفنا ؟ قال نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم . تردون علىغرا محجلين من آثار الوضوء ، وليصدن عني طائفة منكم ، فلا يصلون ، فأقول : يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول : وهل تدري ما أحدثوا بعدك " (2).

================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه البخاري ومسلم ـ الترغيب والترهيب 4/417
2ـ رواه مسلم في الطهارة 1/247 .








الحشر


        هو جمع الخلائق يوم القيامة للحساب فوق الأرض المبدلة . قال تعالى : {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار(48) [إبراهيم]

        وقال صل الله عليه وسلم : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء ، عفراء ، كقرصة التقي ، ليس فيها علم لأحد " (1).

        وقد ذكر الحشر في القرآن الكريم في أكثر من موضع كما في قوله تعالى :

        • { وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا (47)} [الكهف]

        • { واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون (203)} [البقرة]

        • { قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون (24)} [الملك].

        • { يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير (44)} [ق]

        ويحشر كل من يحتاجون إلى الفصل بينهم من إنس ، وجن ، وبهائم ، ووحوش ، وغير ذلك . قال تعالى : { وإذا الوحوش حشرت (5)} [التكوير] وقال : { ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله } [الفرقان /17] . وقوله صل الله عليه وسلم : " حتى يقضى للشاة الجماء من الشاة القرناء ".

        ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة . ففي الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت : قال النبي صل الله عليه وسلم : " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا . قلت يا رسول الله ، النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : يا عائشة ، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض".

        وفي رواية أنه أجابها بقوله تعالى:{ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه (37)} [ عبس].

        وفي هذا المحشر تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ، ويعظم الهول ، ويشتد الكرب ، وتدنو الشمس من الرؤوس ، كما ورد في الحديث عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل . فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ، قال : وأشار رسول الله صل الله عليه وسلم بيده إلى فيه " (2).

        وأخبر الله عن طول يوم الحشر بأنه كألف سنة مما تعدون ، وأخبر بأنه مقدار خمسين ألف سنة . ولا تنافي لأن المقصود بيان طول المدة ، كما أن اليوم يختلف باختلاف أحوال الاس ، فيرى الكافر أنه كخمسين ألف سنة ، ويرى الفاسق أنه كألف سنة ، ويرى المؤمن أنه أخف من صلاة مكتوبة ، فقد جاء في مسند الإمام أحمد : " قيل يا رسول الله ، يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن ، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا".

        وهناك أقوام لا يشعرون بهول هذا اليوم ، لأن الله يظلهم في ظله يوم القيامة . ذكرهم الرسول صل الله عليه وسلم في قوله : " سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ بعبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة ، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ، ففاضت عيناه" (3).

===================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في صفات المنافقين 4/2150 العفراء : البيضاء إلى حمرة التي لم توطأ . قرصة التقى : الدقيق الحواري . والحواري هو لباب الدقيق ، ليس فيها علم : أي علامة كبناء أو أثر .
2ـ رواه مسلم في الجنة وصفة نعيمها 4/2196 والحقو : الخصر.
3ـ رواه مسلم في الزكاة 2/715 في ظله : أي في ظل عرشه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:09 pm

الشفاعة

        الشفاعة : طلب الخير من الغير للغير ، وقد تنسب إلى الله تعالى كما في قوله تعالى : { قل لله الشفاعة جميعا } فيكون معناها قبولها وعفوه تعالى عمن يشاء .

        وقد ثبتت الشفاعة بالقرآن والسنة ، قال تعالى : { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا (109) } [طه]

        والشفاعة نوعان : شفاعة سيدنا محمد ، وشفاعة غيره .

        (1) أما شفاعته صل الله عليه وسلم ، فهى عامة وخاصة :

        ( أ ) أما شفاعته العامة : التي هي من خصائصه ، فيتكون حين يشتد الكرب يوم القيامة ، ويتمنى الخلق أن ينصرفوا من الموقف ولو إلى النار، ويقولون : من يشفع لنا عند ربنا ليبدأ الفصل بين العباد ؟ ويذهبون إلى الأنبياء ليشفعوا ، ولكن كل نبي يعتذر ، ويتجه الجمع إلى خاتم الأنبياء ،

        فيقول : أنا لها . أنا لها . فيشفع إلى الله ، فيقبل شفاعته ، ويبدأ في الفصل بين العباد .

        وهذه هي الشفاعة العظمى التي اختص بها سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، وهي المذكورة في حديث : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي" .

        وقال صل الله عليه وسلم : " ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع ، وأول مشفع ، يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة ، فيفتح الله لي ، فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر " .

        ويقول صل الله عليه وسلم : " لكل نبي دعوة قد دعاها لأمته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي".

        ( ب ) وأما شفاعته الخاصة : فتكون بإدخال قوم الجنة بغير حساب، وتكون لمرتكب الكبيرة كما قال : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (1) ولرفع درجات بعض المؤمنين في الجنة فوق ما يقتضيه ثواب أعمالهم : وتخفيف العذاب عمن يستحق كعمه أبي طالب . فقد قال عنه صل الله عليه وسلم : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من نار . يبلغ كعبيه ، يغلي منه دماغه"(2).

        2ـ وأما شفاعة غيره صل الله عليه وسلم : فقد ذكرها في قوله : "يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء " (3).

        وفي قوله صل الله عليه وسلم : " في حديث الشفاعة الطويل : "فيشفع النبيون والملائكة والمقربون " (4).

        وفي قوله صل الله عليه وسلم : " إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس ، فيدخلون الجنة بشفاعته ، وإن الرجل ليشفع للقبيلة من الناس ، فيدخلون الجنة بشفاعته،وإن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته، فيدخلون الجنة بشفاعته"(5).

        وفي قوله صل الله عليه وسلم : " ما من رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه " (6).

        وكل من هؤلاء يشفع على قدر درجته عند الله . قال صل الله عليه وسلم : "إن من أمتي من يشفع للفئام حتى يدخلوا الجنة " رواه الترمذي.

        وأما قوله : { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة } [البقرة /48] فقد استثنى من ذلك العموم الشفاعة بإذنه في قوله تعالى : { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا (109)} [طه] وقوله : { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } [ سبأ/23].

        وأما قوله تعالى : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } فالمقصود بهم الكفار كما يظهر من الآيات التي قبلها قال تعالى : { ما سلككم في سقر (42) قالوا لم نك من المصلين (43) ولم نك نطعم المسكين (44) وكنا نخوض مع الخائضين(45) وكنا نكذب بيوم الدين (46) حتى أتانا اليقين (47) فما تنفعهم شفاعة الشافعين(48) } [المدثر].

=================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه الترمذي في ك صفة القيامة ب ما جاء في الشفاعة 4/625
2ـ رواه مسلم في الإيمان 1/195 وأصل الضحضاح : مارق من الماء على وجه الأرض إلى الكعبين استعير في النار.
3ـ رواه ابن ماجه ك الزهد ب ذكر الشفاعة 2/1443
4ـ رواه البخاري في التوحيد ـ الفتح 13/431
5ـ مسند الإمام أحمد 3/63 و (الفئام ) الجماعة الكبيرة ، و(القبيلة) الجماعة من أب واحد.
6ـ مسلم في الجنائز 2/615 .






الحساب

الحساب
        هو إطلاع الله العباد على أعمالهم خيرا كانت أو شرا ، قولا كانت أو فعلا أو اعتقادا . يقول الله تعالى : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب (17) } [غافر].

        ويقول : { وإن كان مثقال جنة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)} [الأنبياء].

        ويقول صل الله عليه وسلم : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن عمله ماذا عمل به ، وعن ماله : من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه " رواه الترمذي .

        وعن أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة ، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " (1).

        والناس تجاه الحساب ثلاثة أقسام : قسم يدخل الجنة بغير حساب ، وقسم يدخل النار بغير حساب ؛ لشدة غضب الجبار عليهم وعظم ذنوبهم ، وقسم يوقف للحساب.

        والحساب منه اليسير والعسير ، ومنه السر والجهر، ومنه ما هو بالعدل وما هو بالفضل.

        عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : "عرضت على الأمم ، فأجد النبي يمر معه الأمة ، والنبي يمر معه النفر ، والنبي يمر معه العشرة ، والنبي يمر معه الخمسة ، والنبي يمر وحده ، فنظرت فإذا سواد كثير . قلت : يا جبريل ، هؤلاء أمتي ؟ قال : لا . ولكن انظر إلى الأفق . فنظرت ، فإذا سواد كثير. قال : هؤلاء أمتك ، وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم ، لا حساب عليهم، ولا عذاب . قلت : ولم ؟ قال : كانوا لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون . فقام عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم . قال : اللهم اجعله منهم . ثم قام إليه رجل آخر قال : ادع الله أن يجعلني منهم. قال : سبقك بها عكاشة " رواه الشيخان.

        وقال صل الله عليه وسلم : " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا ليس عليهم حساب . فقيل له : هلا استزدت ربك ؟ فقال : استزدته فزادني مع كل واحد من السبعين ألف سبعين ألف . فقيل هلا استزدت ربك ؟ فقال : استزدته فزادني ثلاث حثيات بيده الكريمة " .

        وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " . فقلت : يا رسول الله ، أليس قد قال الله تعالى : { فأما من أوتى كتابه بيمينه (7) فسوف يحاسب حسابا يسيرا (Cool } فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :"إنما ذلك العرض ، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب".

        يعني أنه لو ناقش في حسابه لعبيده ، لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولكنه تعالى يعفو ويصفح ، فهو من النقش الذي هو استخراج الشوكة ، والمراد من المناقشة الاستقصاء في المحاسبة ، والمطالبة بالجليل والحقير ، وترك المسامحة . يقال انتقشت منه حقي : أي استقصيته .

        ويشهد على الناس يوم الحساب : ألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم . قال تعالى : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون (24)} [النور].

        كما يشهد عليهم سمعهم ، وأبصارهم ، وجلودهم . قال تعالى : { ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون (19) حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون (20) } [فصلت].

        وعن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صل الله عليه وسلم فضحك فقال : " هل تدرون مما أضحك ؟ " قال قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " من مخاطبة العبد ربه . يقول : يا رب ، ألم تجرني من الظلم ؟ قال يقول : بلى . قال فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني . قال فيقول : كفى بنفسك اليوم شهيدا ، وبالكرام الكاتبين شهودا . قال : فيختم على فيه . فيقال لأركانه : انطقي . قال : فتنطق بأعماله . قال : ثم يخلي بينه وبين الكلام . قال فيقول : بعدا لكن وسحقا . فعنكن كنت أناضل" (2).

================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في البر 4/1997 والجلحاء التي لا قرن لها ، والحديث دليل على حشر البهائم : ولا يلزم من الحشر المجازاة بالثواب أو العقاب.
2ـ رواه مسلم في الزهد 4/2280 ( يقال لأركانه ) أي لجوارحه .







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:10 pm

الميزان وصحائف الأعمال


الميزان

        بعد أن يطلع كل إنسان على صحائف أعماله بما فيها من حسنات وسيئات ، يبدأ وزن الأعمال ، ليعرف العبد مصيره ، فالحساب لتقرير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ؛ ليكون الجزاء بحسبها .

        وقد ورد وزن الأعمال في الكتاب والسنة ، وأجمعت عليه الأمة . فوجب الإيمان به . قال تعالى :

        • { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)} [ الأنبياء].

        • { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (102) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون(103) } [المؤمنون].

        • { فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7) وأما من خفت موازينه (Cool فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هية (10) نار حامية (11)} [القارعة].

        والمراد بالموازين : الموزونات ، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة ويمكن أن تكون هناك موازين متعددة بحسب نوع الأعمال ، والميزان له كفتان مشاهدتان . ولكن ماالذي يوضع في الميزان ؟

        المتتبع للأحاديث النبوية يجد أن الذي يوزن هو الأعمال ، والعامل نفسه ، وصحائف الأعمال ، وإليك الأدلة :

        (1) فمما يدل على أن الأعمال توزن ، وإن كانت أعراضا إلا أن الله يظهرها في صورة قابلة للوزن . فهو على كل شئ قدير :

        ( أ ) عن أبي مالك الأشجعي قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : "الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان " (1).

        ( ب ) قوله صل الله عليه وسلم : " كلمتان خفيفتان على اللسان ، حبيبتان إلى الرحمن ، ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم"(2)

        (2) ومما يدل على أن العامل نفسه يوزن : ـ

        ( أ ) عن أبي هريرة عن النبي صل الله عليه وسلم قال : "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة ، لا يزن عند الله جناح بعوضة ، وقال : اقرءوا إن شئتم : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } (3).

        ( ب ) وعن ابن مسعود أنه كان يجني سواكا من الآراك ، وكان دقيق الساقين ، فجعلت الريح تكفؤه ، فضحك القوم ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : مم تضحكون ؟ قالوا : يا نبي الله من دقة ساقيه . فقال : والذي نفسي بيده ، لهما أثقل في الميزان من أحد " رواه أحمد .

        (3) ومما يدل على أن صحائف الأعمال توزن حديث البطاقة : وهو ما رواه عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : "إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مد البصر ، ثم يقول له : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال : لا يا رب . فيقول : ألك عذر ، أو حسنة ؟ فيبهت الرجل . فيقول : لا يا رب . فيقول : بلى . إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم اليوم عليك . فتخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فيقول : أحضروه . فيقول : يا رب . ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : إنك لا تظلم . قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ، قال : فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله شئ " رواه الترمذي.

================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في الطهارة 1/203 والطهور بضم الطاء : الفعل الذي هو المصدر ، وبفتح الطاء : الماء الذي يتطهر به ، وكذا الوضوء والوضوء.
2ـ رواه مسلم في الذكر والدعاء 4/2072 .
3ـ رواه مسلم في صفة القيامة 4/2147 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحف الأعمال


        بعدما يقبل الله شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم ليبدا الفصل بين العباد : توزع صحائف الأعمال على الخلق . يقول رسول الله صل الله عليه وسلم : "ما من مؤمن إلا وله كل يوم صحيفة ، فإذا طويت وليس فيها استغفار ، طويت وهي سوداء مظلمة ، وإذا طويت وفيها استغفار ، طويت ولها نور يتلألأ " .


        هذه الصحف اليومية يوصل بعضها ببعض يوم القيامة . فتصير كتابا ، يضم كل صغيرة وكبيرة ، مما عمل المرء . يقول تعالى : { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما ل هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا(49) } [الكهف].


        وورد أن ريحا تطير هذه الكتب من خزانة تحت العرش ، وتسلمها الملائكة لأصحابها . يقول تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (13) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (14)} [الإسراء]


        وعن أبي هريرة عن النبي صل الله عليه وسلم قال : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات : فأما عرضتان ، فجدال ومعاذير، وأما العرضة الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله" رواه الترمذي.


        أما المؤمن فيأخذ كتابه بيمينه،يقول تعالى:{فأما من أوتى كتابه بيمينه، (7) فسوف يحاسب حسابا يسيرا(Cool وينقلب إلى أهل مسرورا (9) } [الإنشقاق].


        ويقول : { فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه(20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية(23) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية(24)}[الحاقة]


        وأما الكافر ، فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره . يقول تعالى : {وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه(25)ولم أدر ما حسابيه(26) يا ليتها كانت القاضية(27)ما أغنى عني مالية(28)هلك عني سلطانيه(29)خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه(31)في في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه(32) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم (33) ولا يحض على طعام المسكين (34) فليس له اليوم هاهنا حميم (35) ولا طعام إلا من غسلين (36) لا يأكله إلا الخاطئون (37) } [الحاقة].


        ويقول سبحانه : { أما من أوتى كتابه وراء ظهره (10) فسوف يدعوا ثبورا (11) ويصلى سعيرا(12) إنه كان في أهله مسرورا (13) إنه ظن أن لن يحور(14) بلى إن ربه كان به بصيرا(15) } [الإنشقاق].






الصراط

        بعدما ينتهي وزن الأعمال والحساب ، ويعرف كل نتيجة عمله ، يأخذ الخلق طريقهم إلى النعيم أو الشقاء ، فيمرون على الصراط الذي يوصلهم إلى نهايتهم.

        والصراط جسر ممدود على ظهر جهنم ترده جميع الخلائق ما عدا طائفة من الكفار ، يعجل بإلقائهم في جهنم من الموقف.

        وقد يراد بالصراط الدين كما في قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم(6)} [الفاتحة] وقوله سبحانه : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } [الأنعام/153] وحديثنا هنا عن الصراط بالمعنى الأول.

        واختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله تعالى : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71)} [مريم] . والأظهر أنه المرور على الصراط المستقيم .

        وفي الصحيح أنه صل الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة" قالت حفصة : فقلت يا رسول الله ، أليس الله يقول : { وإن منكم إلا واردها } فقال : " ألم تسمعيه قال : { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (72)} [مريم].

        أشار صل الله عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها ، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله ، بل تستلزم انعقاد سببه ، فمن طلبه عدوه ليهلكوه، ولم يتمكنوا منه ، يقال : نجاه الله منهم .

        وقد ورد في صفة الصراط ما رواه مسلم في حديث طويل جاء فيه قوله صل الله عليه وسلم : " ثم يضرب الجسر على جهنم ، وتحل الشفاعة ، ويقولون : اللهم سلم سلم . قيل : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة ، فيه خطاطيف، وكلاليب ، وحسك تكون بنجد ، فيها شويكة . يقال لها السعدان . فيمر المؤمنون كطرف العين ، وكالبرق ، وكالريح ، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والركاب: فناج مسلم ، ومخدوش مرسل ، ومكدوس في نار جهنم" (1).

        وفي رواية له : " ويضرب الصراط بين ظهري جهنم ، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل. ودعوى الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شواك السعدان . هل رأيتم السعدان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم . فمنهم المؤمن . بقى بعمله ، ومنهم المجازي حتى ينجي".

        وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال : " بلغني أن الجسر أدق من الشعر، وأحد من السيف".

        ويمر المؤمنون على الصراط ، ونورهم يسعى بين أيديهم ، لا يخافون ، ولا يتعثرون . قال تعالى : { يوم ترى المؤمنين والمؤمنيات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (12) } [ الحديد ].

        وروى البيهقي بسنده عن مسروق عن عبد الله قال : " يجمع الله الناس يوم القيامة " إلى أن قال : " فيعطون نورهم على قدر أعمالهم . فمنهم من يعطي نوره مثل الجبل بين يديه ، ومنهم من يعطي نوره دون ذلك ، ومنهم من يعطي نوره مثل النخلة بيمينه ، ومنهم من يعطي دون ذلك ، حتى يكون آخر ذلك من يعطي نوره على إبهام قدمه ، يضيئ مرة ، ويطفأ مرة ، فإذا أضاء قدم قدمه ، وإذا طفئ قام ، ويمرون على الصراط كحد السيف، دحض كظاو . فيقال لهم : امضوا على قدر نوركم . فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الرجل، يرمل رملا ، فيمرون على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه . تخر يد ، وتعلق يد ، وتخر رجل ، وتعلق رجل ، وتصيب جوانبه النار ، فيخلصون ، فإذا خلصوا قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناك ، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا " .

        وقد اشتبه الأمر على بعض المعتزلة ، فظنوا أن هناك تعارضا في أوصاف الصراط ، فلم يعترفوا به على حقيقته ، وصرفوا عن ظاهره ، وقالوا : المراد به طريق الجنة وطريق النار.

        وقال أهل السنة : إن حقيقة الصراط ممكنة . كما جاءت في الأحاديث النبوية ، وليس هناك ما يدعو إلى التأويل ، وصرف النصوص عن ظاهرها ، واختلاف أوصاف الصراط في الضيق والسعة ، إنما هو بحسب أحوال المارين عليه ، ونحن في الدنيا نشعر بمثل هذا . فعند الاطمئنان النفسي نرى الطريق واضحة واسعة . وعند الحزن والشدة نراها ضيقة مغلقة . والله أعلم .

================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في الإيمان 1/169 . يضرب الجسر : أي يمد الصراط . تحل الشفاعة : أي يؤذن بشفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين . دحض مزلة : بمعنى واحد وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام . الكلاليب : جمع كلوب : وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم ، وتوضع في التنور ، والحسك شوك صلب . وأجاويد الخيل : من إضافة الصفة إلى الموصوف . وأجاويد جمع أجواد ، وهو جمع جواد ، وهو الجيد الجري . والركاب : الإبل واحدتها راحلة من غير لفظها. فناج مسلم الخ أي أنهم ثلاثة أقسام : قسم يسلم فلا يناله شئ أصلا ، وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص ، وقسم يكردس أي يدفع من الخلف ، فيسقط في جهنم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:11 pm

الجنة والنار

        1ـ الجنة : ـ دار الثواب التي أعدها الله للمؤمنين الصالحين ولعصاة المؤمنين بعد أن يقضوا ما عليهم في جهنم ، أو يعفو الله عنهم ، ولأطفال المؤمنين والكافرين الذين ماتوا دون البلوغ . وهي فوق السماء السابعة عند سدرة المنتهى. قال تعالى : { ولقد رءاه نزلة أخرى (13) عند سدرة المنتهى(14) عندها جنة المأوى (15) } [النجم].

        وهي سبع درجات ، بعضها فوق بعض : الفردوس ، وعدن ، والخلد ، والنعيم ، والمأوى ، ودار السلام ، ودار الجلال . وأفضلها الفردوس.

        ولعل هذه الأسماء تطلق عليها كلها ، وإن اختلفت درجاتها : فهي الفردوس ؛ لأن الفردوس هو البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين . وهي عدن أي إقامة ، وهي دار الخلود ؛ لخلودها وخلود من فيها . وهي جنة النعيم ؛ لوجود أنواع النعيم فيها ، وهي جنة المأوى ؛ لأن أهلها يأوون إليها ، وهي دار السلام ؛ لأن من دخلها يسلم من كل أذى ، وهي دار الجلال ؛ لظهور عظمة الله وجلاله في خلقها .

        ودرجاتها كلها متصلة بمقام الوسيلة ، والدرجة الرفيعة ، لينعم جميع أهل الجنة بمشاهدة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .

        وهو أول من يدخلها ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صل الله عليه وسم :
        " أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة " (1).

        وللجنة ثمانية أبواب روى سهل بن سعد رضى الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال : " في الجنة ثمانية أبواب ، فيها باب يسمى الريان ، لا يدخله إلا الصائمون " (2)

        ومفتاحها ( لا إله إلا الله ) عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " (3).

        وقد أفاضت الآيات القرآنية،والأحاديث النبوية في وصف نعيم الجنة ولذاتها ففيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وفيها فاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون ، ويسقون من رحيق مختوم ، ومن عين فيها تسمى سلسبيلا ، وفيها أنهار الماء ، واللبن ، والخمر ،والعسل.

        ويلبسون الحرير ، والسندس ، والإستبرق ، ويحلون الذهب ، والفضة ، واللؤلؤ.

        وزوجاتهم عذارى أبكار دائما ، والحور العين لم تمتد إليهم يد

        وقد نزع الله من صدورهم الغل والسوء ، وجعلهم إخوانا متحابين.

        واقرأ القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، لترى تفاصيل ذلك ، وأكتفي بذكر حديث نبوي واحد :

        عن أبي سعيد الخدري أن النبي صل الله عليه وسلم قال : " إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، والخير في يديك . فيقول: هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب ، وأي شئ أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبدا ؟ (4).

        2ـ النار : دار العذاب المعدة للكافرين ، وعصاة المؤمنين الذين لم يتوبوا ، ولم يعف الله عنهم إلى أن يأمر بخروجهم منها إلى الجنة .

        وهي دركات بعضها تحت بعض ، أعلاها جهنم لعصاة المؤمنين ، وتحتها لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية . ولجهنم سبعة أبواب ، لكل باب منهم جزء مقسوم .

        وقد كثر حديث القرآن الكريم ، والسنة المطهرة عما في النار من ألوان العذاب المادي والمعنوي ، فارجع إليها ، واقرأ ، واعتبر ، واستعذ بالله من النار .

        وأكتفي بذكر حديث نبوي واحد : عن أبي هريرة أن النبي صل الله عليه وسلم قال : " ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم"(5).

        3ـ الجنة والنار موجودتان الآن : ـ

        يدل على ذلك قوله تعالى عن الجنة : { أعدت للمتقين (133) } [آل عمران] وعن النار : { أعدت للكافرين (131)} [ آل عمران ] وقوله تعالى : {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب(46)} [ غافر] وقصة آدم وإسكانه الجنة وخروجه منها.

        وقد رأى رسول الله صل الله عليه وسلم الجنة ليلة الإسراء والمعراج . قال : "ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى ، فغشيها ألوان ما أدري ما هي ، قال : ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " (6).

        وقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ، لو رأيتم ما رأيت ، لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا . قالوا : وما رأيت يا رسول الله ؟ قال : رأيت الجنة والنار" (7) . وقال صل الله عليه وسلم : " إذا مات الرجل ، عرض عليه مقعده بالغداة والعشي : إن كان من أهل الجنة فالجنة ، وإن كان من أهل النار فالنار ، قال : ثم يقال : هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة " (Cool.

        جاء في خطبته صل الله عليه وسلم في صلاة الكسوف قوله : " رأيت في مقامي هذا كل شئ وعدتم . حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم . ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ، حين رأيتموني تأخرت " (9).

        وقال صل الله عليه وسلم : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه " (10).

        وأما قوله تعالى : { كل شئ هالك إلا وجهه } [ القصص / 88] فلا يتعارض مع اعتقاد وجود الجنة والنار الآن ، ولا يلزم فناؤهما : لأن المراد من الآية : كل شئ مما كتب الله عليه الهلاك هالك ، والجنة والنار خلقتا للبقاء ، لا للفناء .

        وقيل : كل شئ هالك إلا وجهه أي إلا جاهه ، كما تقول : لفلان وجه في الناس . أي جاه

        وقيل : إلا وجهه أي : ذاته تعالى . أو ما أريد به وجهه (11) .

        وأما قوله تعالى عن امرأة فرعون : { رب ابن لي عندك بيتا في الجنة } [التحريم /11] فيدل على أن الله يزيد في الجنة ما يشاء لمن يشاء .

        وقوله تعالى عن الجنة : { عضها السموات والأرض } [ آل عمران/133] لا يعني عدم وجودها الآن ، فليس ملك الله منحصرا في السموات والأرض .

        4ـ الجنة والنار باقيتان :

        قال تعالى : { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } [الطلاق /11]

        وقد تكرر وصف القرآن للجنة بالخلود والأبدية في ثماني آيات .

        ووصفت النار بالخلود والأبدية في ثلاثة مواضع :

        • { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا } [ النساء /168ـ169]

        • { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا (64) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا سعيرا } [ الأحزاب/64 ـ 65].

        • { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا (23)} [الجن]

        وأما قوله تعالى : { فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (106) خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد (107) * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ (108) } [ هود] .

        فالمقصود بالسموات والأرض المعلق خلود أهل الجنة والنار على بقائهما سماء الجنة وأرضها ، وسماء النار وأرضها ، وليس المقصود سماء الدنيا وأرضها : لأنهما تبدلتا كما قال تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار (48) } [ ابراهيم]

        وأما الاستثناء في قوله : { إلا ما شاء ربك } فلإعلامهم بأنهم مع خلودهم في مشيئته تعالى ، لا يخرجون عنها ، وأن بقاء الجنة والنار ومن فيهما ليس أمرا واجبا لذاته ، ولا واجبا عليه سبحانه ، وإنما هو أمر جائز في ذاته تفضل الله به .

        فليس الاستثناء لنفي تأييد الخلود ، بل لنفي وجوبه أو أن المشيئة ذكرت على سبيل التبرك ، مثل قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين } فذكر المشيئة للتبرك ، لأن وعده بدخولهم المسجد الحرام حق لا شك فيه .

        وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بالموت يوم القيامة ، كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون ، وينظرون ، ويقولون : نعم ، هذا الموت . قال ويقال : يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ قال فيشرئبون ، وينظرون ، ويقولون : نعم . هذا الموت . . قال : ويؤمر به فيذبح . قال ثم يقال : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت . قال : ثم قرأ رسول الله صل الله عليه وسلم : { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (39) } [ مريم ] وأشار بيده إلى الدنيا " (12).

===================

        المراجع والهوامش :
ـ
1ـ رواه مسلم في الإيمان 1/188
2ـ رواه البخاري في صفة أبواب الجنة ـ المتن 4/145
3ـ رواه أحمد في المسند 5/243
4ـ رواه مسلم في الجنة 4/2176
5ـ رواه مسلم في الجنة 4/2842
6ـ رواه مسلم في الإيمان 1/149 والجنابذ جمع جنبذة وهي القبة .
7ـ رواه مسلم في الصلاة 1/320
8ـ رواه مسلم في الجنة 4/2199
9ـ رواه مسلم في الكسوف 2/619
10ـ رواه أحمد في المسند 3/455 يعلق : يأكل
11ـ انظر تفسير القرطبي للآية 13/322
12ـ رواه مسلم في الجنة 4/2188 والفعل (نظر) إذا جاء مع حرف الجر .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:12 pm

رؤية الله تعالى فى الجنة


        تعود علماء التوحيد أن يذكروا هذا الموضوع ضمن الحديث عن صفاته تعالى ، لا لأنه صفة واجبة لله ، ولكن لأنه من الأمور الجائزة على الله تعالى ، ولكني فضلت أن أجعله بعد الكلام عن الجنة ؛ لأنه أفضل نعيمها ، وأحب شئ إلى أهلا . نسأ الله أن يجعلنا منهم .

        1ـ مذهب أهل السنة :

        رؤية الله تعالى جائزة من الناحية العقلية في الدنيا والآخرة ، وستحدث للمؤمنين في الجنة ، حيث يرون ربهم بأبصارهم بغير إحاطة ولا كيفية .

        وأما وقوعها في الدنيا ، فلم تحدث لغير نبينا محمد صل الله عليه وسلم ليلة المعراج .

        قال الإمام مالك : "إنما لم ير الله في الدنيا ؛ لأنه باق ، والباقي لا يرى بالفاني : فإذا كان في الآخرة ، ورزقوا أبصارا باقية ، رأوا الباقي بالباقي".

        وأما رؤيته تعالى في المنام فجائزة . لكنها رؤية بالقلب بدون تحديد صورة معينة ، وإلا لكانت من الشيطان . بخلاف رؤيته صل الله عليه وسلم في المنام ، فهي حقيقية ؛ لأن الشيطان لا يتمثل به .

        أدلة أهل السنة :

        1ـ قال تعالى :{ وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة (23)}[القيامة].

        (إلى) كان معناه المشاهدة بالعين ، وقد أضيفت إلى الوجود التي هي محل البصر ؛ ليفهم أن المراد نظر العين .

        2ـ وقال تعالى : { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد (35) } [ق].

        قال على بن أبي طالب ، وأنس بن مالك : هو النظر إلى وجه الله عز وجل.

        3ـ وقال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [يونس/26].

        فالحسنى : الجنة . والزيادة : النظر إلى وجهه الكريم . كما قال صل الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، وتنجنا من النار؟ قال : فيكشف الحجاب. فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل"(1).

        4ـ وقال تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (15)} [المطففين].

        وسئل الإمام الشافعي عن هذه الآية فقال : " لما أن حجب هؤلاء في السخط ، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا " .

        5ـ وعن أبي هريرة أن ناسا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فإنكم ترونه كذلك " (2)

        والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح والظهور، لا تشبيه المرئي بالمرئي.

        وقد روى أحاديث الرؤية نحو ثلاثين صحابيا .

        6ـ واستدل أهل السنة بدليل عقلي مؤداه : الله موجود ، وكل موجود تجوز رؤيته ، فالله تجوز رؤيته .

        أ ـ مذهب المخالفين في الرؤية والرد عليهم :

        ذهب الخوارج ، والشيعة الإمامية ، والمعتزلة إلى أن رؤية الله مستحيلة، ولا تقع ، وقد استدلوا بما يلي :

        1ـ دليلهم العقلي : قالوا : للرؤية شروط يستحيل تحقيقها بالنسبة لله تعالى. بأن يكون المرئي جسما ، وفي حيز ومكان ، ومقابلا للرائي ، وبينهما مسافة محدودة ، وهكذا .

        أجاب أهل السنة :

        إن هذه الشروط شروط عادية ، وليست عقلية ، وهي خاصة برؤية المخلوقات بعضها لبعض ، والله منزه عن ذلك ، فيمكن أن يرى بغير هذه الشروط ، بأن يزيد في بصر من شاء من عباده حتى يراه بغير إحاطة ولا كيفية .

        2ـ استدلوا بقوله تعالى : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين (143)} [الأعراف].

        فقوله تعالى : { لن تراني} يفيد نفي رؤيته وامتناعها ؛ لأن {لن} لتأبيد النفي.

        أجاب أهل السنة :

        قولكم : {لن} تفيد تأييد النفي غير صحيح ، لأنها لا تفيده ، حتى لو قيدت بالتأبيد ، فكيف إذا أطلقت ؟ وتأمل قوله تعالى عن الكافرين : { ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } [البقرة/95] أي الموت ، وقوله تعالى : { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون (77)} [الزخرف] أي يميتنا . فالآية الأولى تفيد أنهم لن يتمنوا الموت ، والآية الأخرى تفيد أنهم يتمنونه . فهل أفادت { لن } تأبيد النفي مع وجود { أبدا } أيضا ؟

        ولو كانت { لن } للتأبيد المطلق ، ما جاز تحديد الفعل بعدها ، وقد جاء محددا في قوله تعالى:{ فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي } [يوسف/80]. فثبت أن { لن } لا تقتضي النفي المؤبد.

        كما أننا إذا تأملنا الآية جيدا ، وجدناها تدل على ثبوت الرؤية ، لا على استحالتها وامتناعها . فطلب موسى لها يدل على جوازها ؛ إذ كيف يطلب نبي من الأنبياء أمرا مستحيلا ؟ ولم ينكر الله عليه سؤاله ، ولو كانت مستحيلة لقال الله : إني لا أرى ، أو لا تجوز رؤيتي ، أو لست بمرئى ، وما قال له : { لن تراني } وهذا يدل على أنه مرئي ، لكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في الدنيا لضعف قوى البشر فيها . فإن الجبل رغم قوته وصلابته لم يثبت لما تجلى الله له ، فكيف بالإنسان الذي خلق ضعيفا ؟

        3ـ استدلوا بقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (103) } [ الأنعام ].

        قالوا : معنى الإدراك : الرؤية . وقد نفاه الله عنه ، فهو لا يرى .

        أجاب أهل السنة :

        بأن الإدراك غير الرؤية ، لأن معناه الإحاطة بالشئ ، وهو قدر زائد على الرؤية ، كما أننا نرى الشمس مثلا ، ولا ندركها ، أي لا نحيط بها بأبصارنا، فالله سبحانه يرى ولا يدرك ، كما أنه سبحانه يعلم ولا يحاط به علما ، لكمال عظمته سبحانه .

        وتأمل قوله تعالى : { فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون(61) قال كلا إن معي ربي } [ الشعراء 61 ـ 62].

        لم ينف موسى الرؤية . إنما نفى الإدراك ، ونفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم. كما أن ( ال ) في كلمة { الأبصار} في الآية للعموم ، وتقدم النفي على العموم يفيد سلب العموم . فالمعنى لا تدركه جميع الأبصار . بل يراه بعضها دون بعض ، فيراه المؤمنون دون الكافرين .

================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في الإيمان 1/163
2ـ رواه مسلم في الإيمان 1/164 وتضارون بتشديد الراء أي تضارون غيركم بسبب تزاحمكم بسبب الرؤية ، وبتخفيفها أي : هل يصيبكم ضير أي ضرر .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:12 pm

القبر وعذاب القبر ونعيمه


عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر - مرتين أو ثلاثاً - ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مَدَّ البصر، ثم يجئ ملك الموت - عليه السلام - حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولان له: وما علمك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادى مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي وما لي، قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مُدَّ البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يُنْتَهى به إلى السماء الدنيا، فيُسْتَفْتَح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله - صل الله عليه وسلم - { لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط } فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ { ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادى مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرِّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك !! هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالشر . فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة ) رواه أحمد في مسنده.


المفردات
المسوح: الكفن.
فِيُّ السقاء: فم القربة أو مخرج الماء منها.
السفود: حديدة لها كلاليب .
سَمّ الخياط: فتحة الإبرة .


الحنوط: ما يطيب به الميت .
عليين: موضع في السماء السابعة .
سجين: موضع في الأرض السفلى .




المعنى الإجمالي
أوضح النبي - صل الله عليه وسلم – في هذا الحديث العظيم مبتدأ رحلة الإنسان من ساعة موته إلى مستقره في القبر وكيف معاملته وفقا لعمله في حياته . فبين – عليه الصلاة والسلام – أن الناس رجلان تقي وفاجر، فالتقي يعامل بحفاوة بالغة، وإكرام عظيم، حيث تنزل عليه ملائكة الرحمة لقبض روحه، فيأتونه في صورة حسنة كأن وجوههم الشمس في بهائها وإشراقها، فيجلسون منه مد البصر، فيشعره نظره إليهم بالاطمئنان والسكينة، ويأخذ ملك الموت روحه، فتخرج سهلة يسيرة، دون مشقة وتعب، فلا يدعها الملائكة في يد ملك الموت طرفة عين حتى يصعدوا بها إلى السماء في موكب مهيب، فتفتح له أبواب السماء، ويشيعه في كل سماء مقربوها، وهم يتعجبون من طيب ريح هذه الروح الطيبة، حتى يبلغوا بها السماء السابعة، فيأمر الرب سبحانه ملائكته أن يعيدوا هذه الروح إلى الأرض لتكرّم في قبرها، ويكتب كتاب ذلك العبد في موضع عال من السماء السابعة . وتعاد هذه الروح المباركة إلى قبرها، فيتولى الملائكة سؤالها عن ربها ودينها ورسولها، فتجيب بأحسن جواب وأفضله، فتقول ربي الله، ونبي محمد، وديني الإسلام !! فيأمر الله بأن يفسح في قبر هذا العبد المؤمن، ويأتيه من روح الجنة وريحانها ما يجعله يتمنى أن يقيم الله الساعة حتى يجتمع بأهله وماله.
وأما الفاجر فيأتيه ملائكة العذاب في صورة مرعبة سود الوجوه، معهم أكفان من نار، فيجلسون منه مَدَّ البصر، ويجلس ملك الموت عند رأسه فيتنزع روحه فيعاني من ذلك شدة وألما عظيماً، فإذا انتزع روحه أخذها منه ملائكة العذاب فيجعلونها في أكفان من نار، فتخرج منها ريح منتنة، فيصعدون بها إلى السماء فلا تفتح لهم، ويأمر الله سبحانه أن تعاد هذه الروح الخبيثة إلى الأرض فترمى رمياً، وتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ورسوله، فلا يدري ما يجيب به، ويقول ها ها !! فيأمر الله أن يفرشوا له من النار، ويفتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرّها وسمومها، ويعلم ما ينتظره في الآخرة، فيدعوا الله ألا يقيم الساعة خوفاً !!.




الفوائد العقدية
1-   إثبات عذاب القبر ونعيمه.
2-   بيان أن عذاب القبر ونعيمه يقع على الروح والجسد معاً.
3-   اختلاف الناس بعد الموت لاختلاف أعمالهم في الدنيا.
4-   وجود الملائكة.
5-   اختلاف عمل الملائكة.
6-   إثبات كلام الله لملائكته .
7-   وجود كتاب في عليين فيه أسماء المؤمنين الصالحين أهل الجنة .
8-   بقاء الروح بعد الموت .
9-   اختلاف رتب الملائكة بين مقربين ودونهم.
10-  الإيمان بالبعث بعد الموت .
11-   أن النجاة في الآخرة تكون بالإيمان والعلم النافع والعمل الصالح.
12-   إثبات سؤال الملكين للموتى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عذاب القبر ونعيمه

كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكى حتى يبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا! ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( القبر أول منازل الآخرة ، فإن ينج منه فما بعده أيسرُ منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه . قال : وقال رسول الله صل الله عليه وسلم : والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه ) رواه أحمد والترمذي وحسنه الشيخ الألباني .
وهذا الموقف من عثمان رضي الله عنه وما ينتابه من خوف وفزع من رؤية القبر ، نابع عن تصور صحيح لذلك المكان الموحش ، فبعد أن كان الإنسان يحيا حياة الأنس والسرور ، إذا به يأوي إلى مكان ليس فيه أنيس ولا جليس ، وبعد أن كان مبجَّلاً معظماً في هذه الحياة إذا به يهال عليه التراب ، ويرمى في قعر بعيد ، إنه أمرٌ لو تفكر فيه المتفكرون ، واعتبر به المعتبرون ، ما التذوا بعيش ، ولا هنئوا بسعادة . 
       
أتيت القبور فناديتها      فأين المعظم والمحتقر
        وأين المذلُّ بسلطانه      وأين القوي إذا ما قدر
        تفانوا جميعا فما مخبر   وماتوا جميعا ومات الخبر 
ومما يروى في هذا المعنى أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله وعظ يوماً أصحابه في حال أهل القبور ، فقال : إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً ، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ، ما بقي من غناه ؟ .. واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟! .. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء ، فأين حجابهم وقبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ؟ وجمعهم وكنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء ؟ قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والمال والأهل.

فيا ساكن القبر غداً ! ما الذي غرك من الدنيا ؟ أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ .. ليت شعري بأي خديك بدأ البلى .. يا مجاور الهلكات صرت في محلة الموت .. ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا ..وما يأتيني به من رسالة ربي .. ثم انصرف رحمه الله فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا واحداً .

إن القبر هو أول منازل الآخرة وهو إما أن يكون روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، فإن العبد إذا أدخل في قبره ضمه القبر ضمة تتداخل معها أضلاعه ، وهذه الضمة لا ينجو منها أحد ، سواء أكان مؤمنا تقياً أم كافرا شقياً ، ففي الحديث عنه صل الله عليه وسلم أنه قال Sad إن للقبر ضغطة ، ولو كان أحدٌ ناجياً منها نجا منها سعد بن معاذ ) رواه أحمد .

حتى إذا فُرِّج عن العبد من ضمة القبر أقعد للسؤال - مؤمناً كان أم كافراً - فيسأل عن ربه ودينه والرجل الذي بعث فيهم ، فأما المؤمن فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، والرجل هو رسول الله صل الله عليه وسلم ، فينادي منادٍ من السماء ، أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، وألبسوه من الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفتح له فيها مد بصره ، وأما الكافر فيأتيه ملكان فيجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ فيقول : هاه ، هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بُعثَ فيكم ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فينادي منادٍ من السماء أن كذب ، فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ثم يُوكل له أعمى أبكم ، معه مطرقة من حديد لو ضُرب بها جبل لصار تراباً ، فيضربه بها ضربةً يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير تراباً ، ثم تعاد فيه الروح . كما روى ذلك أبو داود وصححه الشيخ الألباني .

وما يحصل في القبر من عذاب أو نعيم هو مما تواترت الأدلة على إثباته ، وتقدم ذكر بعض الأحاديث في ذلك، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في نحو قوله تعالى عن آل فرعون : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }( غافر:46) وفي قوله: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } (الأنعام: 93 ) .
والفتنة في القبر بالسؤال وإن كانت عامة إلا أن الله اختص بعض عباده فنجاهم منها ، وممن اختصهم الله بالنجاة من هذه الفتنة الأنبياء والشهداء فقد ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) رواه النسائي وصححه الألباني . وممن ينجيه الله عز وجل من فتنة القبر من مات مرابطاً في سبيله ، فقد روى فضالةُ بنُ عبيدٍ رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال : ( كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله فإنه يُنْمَي - أي يزيد - له عمله يوم القيامة ، ويأمن من فتنة القبر ) رواه الترمذي وأبو داود .

فهذا هو القبر بما فيه ، عذاباً ، وجحيماً ، سرورا ، ونعيماً ، عذابا وجحيما على الكافرين ، وسرورا ونعيما للمؤمنين ، فينبغي للمسلم أن يسارع إلى ما ينجيه من القبر ووحشته ، كي لا تكون حاله - والعياذ بالله - كحال الذي فرَّط في فعل الصالحات حتى إذا جاءه الموت صاح بعد فوات الأوان { رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت }(المؤمنون:99- 100 ) . ولتحرص - أخي الكريم - على الاستعاذة من عذاب القبر ، فقد كان صل الله عليه وسلم : يدعو في الصلاة فيقول : ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر .. ) رواه البخاري ، وكان يأمر الصحابة ( أن يتعوذوا من عذاب القبر ) كما رواه البخاري .
ولتجتهد - أخي المسلم - أن تجتنب المعاصي ما ظهر منها وما بطن فإنها من أسباب عذاب القبر ، فقد ( مر النبي صل الله عليه وسلم بقبرين فقال : أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ) متفق عليه


أسباب عذاب القبر

" الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور على قسمين : مجمل ومفصّل ، أمّا المجمل فإنهم يعذبون على جهلهم بالله وإضاعتهم لأمره وارتكابهم معاصيه " (1) .

أما المفصل فإن النصوص ذكرت منه الكثير ، وسنشير إلى ما اطلعنا على ذكره في الأحاديث :

1 ، 2 – عدم الاستتار من البول والنميمة :

روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " مرّ النبي صل الله عليه وسلم على قبرين ، فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، ثم قال: بلى ، أمّا أحدهما فكان يسعى بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ، ثم قال : ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين ، ثم غرز كل واحد منهما على قبر ، ثم قال : لعله يخفف عنهما ، ما لم ييبسا " (2) .

وروى النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت : " دخلت عليَّ امرأة من اليهود ، فقالت : إن عذاب القبر من البول ، فقلت : كذبت ، فقالت : بلى ، إنا لنقرض منه الجلد والثوب ، فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الصلاة ، وقد ارتفعت أصواتنا، فقال : ما هذا ؟ فأخبرته بما قالت فقال : صدقت . قالت : فما صلى بعد يومئذ إلا قال دبر كل صلاة : ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حرّ النار وعذاب القبر " (3) .

وهذا الذي أشار إليه الحديث من أن بني إسرائيل كانوا يقرضون من البول الجلد والثوب – هو من الدين الذي شرعه الله لهم ، ولذلك لما نهاهم عن فعل ذلك أحدهم عذب في قبره بسبب نهيه ، ففي حديث عبد الرحمن ابن حسنة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل ، كانوا إذا أصابهم البول قطعوا ما أصابه البول منهم ، فنهاهم عن ذلك ، فعذب في قبره " (4) .

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن عامة عذاب القبر من البول ، فقد روى أنس رضي الله عنه ، عن الرسول صل الله عليه وسلم قال : " تنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه " ، ورواه ابن عباس بلفظ : " عامة عذاب القبر من البول ، فتنزهوا منه " ورواه أبو هريرة بلفظ : " أكثر عذاب القبر من البول " (5) .

3- الغلول :

ومن الذنوب التي يعذب صاحبها في القبر الغلول ، وقد صح في ذلك أكثر من حديث ، فعن أبي هريرة ، قال : أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً يقال له : مِدْعم ، فبينما مدعم يحط رحلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه سهم عائر (6) ، فقتله ، فقال الناس : هنيئاً له الجنة ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " كلا ، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه ناراً " . فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صل الله عليه وسلم ، فقال : " شراك من نار أو شراكين من نار " (7) متفق عليه .

وعن عبد الله بن عمرو ، قال : كان على ثقل (Cool النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له : كَرْكرة ، فمات ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : " هو في النار " فذهبوا ينظرون إليه ، فوجدوا عباءة قد غلّها " رواه البخاري (9) .

4-7- الكذب ، هجر القرآن ، الزنا ، الربا :

أرى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أنواعاً مما يعذب به بعض العصاة ، ففي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب قال : " كان النبي صل الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال : من رأى منكم الليلة رؤيا ؟ قال : فإن رأى أحد قصها ، فيقول ما شاء الله " .

فسألنا يوماً فقال : هل رأى أحدكم منكم رؤيا ؟ قلنا : لا ، قال : لكني رأيت الليلة رجلين أتياني ، فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة ، فإذا رجل جالس ، ورجل قائم بيده كلوب من حديد – قال بعض أصحابنا عن موسى : كلوب من حديد يدخله في شدقه – حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ، ويلتئم شدقه هذا ، فيعود فيصنع مثله .

قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ، ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة ، فيشدخ به رأسه ، فإذا ضربه تدهده الحجر ، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو ، فعاد إليه فضربه .

قلت : من هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته ناراً ، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة .

فقلت : من هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ، فيه رجل قائم، على وسط النهر رجل بين يديه حجارة – قال يزيد ووهب بن جرير عن جرير بن حازم: وعلى شط النهر رجل – فأقبل الرجل الذي في النهر ، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان .

فقلت : من هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة ، وفي أصلها شيخ وصبيان ، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها ، فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها ، فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وصبيان ، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل ، فيها شيوخ وشباب .

قلت : طَوَّفتماني الليلة فأخبراني عما رأيتُ . قالا : نعم . أما الذي رأيته يُشَقُّ شِدْقُه فكذاب يحدّث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق ، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة ، والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن ، فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار ، يُفعل به إلى يوم القيامة . والذي رأيته في الثقب فهم الزناة . والذي رأيته في النهر آكلوا الربا .

والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام ، والصبيان حوله أولاد الناس . والذي يوقد النار مالك خازن النار . والدار الأولى التي دخلت عامة المؤمنين ، وأما هذه الدار فدارُ الشهداء . وأنا جبريل ، وهذا ميكائيل ، فارفع رأسك . فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب ، قالا : ذاك منزلك . قلت : دعاني أدخل منزلي . قالا : إنه بقي لك عمر لم تستكمله ، فلو استكملت أتيت منزلك " (10) .

حبس المدين في قبره بدينه :

ومما يضر الميت في قبره ما عليه من دين ، فعن سعد بن الأطول رضي الله عنه : " أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم ، وترك عيالاً ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله ، قال : فقال لي نبي الله صل الله عليه وسلم : " إن أخاك محبوس بدينه ، [فاذهب] فاقض عنه ، [فذهبت فقضيت عنه ، ثم جئت] ، قلت : يا رسول الله ، قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة ، وليست لها بيِّنه ، قال : أعطها فإنه محقة ، (وفي رواية صادقة) (11) " .

فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك الصحابي محبوس بسبب دينه ، ويمكن أن يُفسِّر هذا الحبس الحديث الآخر حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنه مأسور بدينه عن الجنة " ، ففي الحديث الذي يرويه سمرة بن جندب " أن النبي صل الله عليه وسلم صلى على جنازة ، (وفي رواية صلى الصبح)...

فلما انصرف قال : أههنا من آل فلان أحد ؟ [ فسكت القوم ، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا ] ، فقال ذلك مراراً ، [ ثلاث لا يجيبه أحد ] ، [ فقال رجل : هو ذا ] ، قال : فقام رجل يجر إزاره من مؤخر الناس ، [ فقال له النبي صل الله عليه وسلم : ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني ؟ ] أما إني لم أنوِّه باسمك إلا لخير ، إن فلاناً – لرجل منهم – مأسور بدينه [ عن الجنة ، فإن شئتم فافدوه ، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله ] ، فلو رأيت أهله ومن يتحرَّون أمره قاموا فقضوا عنه ، [ حتى ما أحد يطلبه بشيء ] (12) .

عذاب الميت ببكاء الحي :

عندما طُعِن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه صهيب يبكي ، يقول : وا أخاه ، واصاحباه ، فقال عمر رضي الله عنه : يا صهيب أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " إن الميت يُعَذَّب ببعض بكاء أهله عليه " (13) .

وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال هذا الحديث ، ففي صحيح البخاري أن ابن عباس ذكر لعائشة ما قاله عمر بعد وفاته ، فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ، ولكن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه ، حسبكم القرآن ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) [فاطر :18] (14) ، وقد أولت عائشة رضي الله عنها هذا الحديث أكثر من تأويل ، ورد ذلك عنها في الصحاح والسنن (15) .

وها هنا أمران : الأول هل قال الرسول صل الله عليه وسلم هذا الحديث ؟ قال القرطبي : " إنكار عائشة ذلك ، وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضاً ، ولم يسمع بعضاً بعيد ، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون ، وهم جازمون فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح " (16) .

الثاني : كيف يعذب ببكاء أهله عليه ، وليس ذلك من فعله ، والله يقول : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) [فاطر : 18] .

للعلماء في ذلك أجوبة أحسنها ما قاله البخاري في ترجمة الباب الذي وضع الحديث تحته ، قال رحمه الله تعالى : " باب قول النبي صل الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته " لقول الله تعالى : ( قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) [التحريم : 6]...

وقال النبي صل الله عليه وسلم : " كلكم راع ومسؤول عن رعيته " فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) [فاطر : 18] (17) وممن ذهب هذا المذهب الترمذي رحمه الله ، فإنه روى حديث عمر رضي الله عنه بلفظ " الميت يعذب ببكاء أهله عليه " ثم قال: " قال أبو عيسى (هو الترمذي) : حديث عمر حديث حسن صحيح ، وقد كره قوم من أهل العلم البكاء على الميت ، قالوا : الميت يعذب ببكاء أهله عليه ، وذهبوا إلى هذا الحديث ، وقال ابن المبارك : أرجو إن كان ينهاهم في حياته ، أن لا يكون عليه من ذلك شيء " (18) .

وهذا الفقه للحديث هو مذهب القرطبي رضي الله عنه ، فإنه قال : " قال بعض العلماء أو أكثرهم : إنما يعذب الميت ببكاء الحي إذا كان البكاء من سنة الميت واختياره ، كما قال :

إذ أنا مت فانعيني بما أنا أهله         وشقي عليَّ الجيب يا ابنة معبد

وكذلك إذا وصى به (19) .

" وقد كان النواح ولطم الخدود وشق الجيوب من شأن أهل الجاهلية ، وكانوا يوصون أهاليهم بالبكاء ، والنوح عليهم ، وإشاعة النعي في الأحياء ، وكان ذلك مشهوراً من مذاهبهم ، وموجوداً في أشعارهم كثيراً ، فالميت تلزمه العقوبة في ذلك لما تقدم إليهم في وقت حياته " كذا قال ابن الأثير (20) .

وينبغي أن ينبه هنا إلى لفظ البخاري ، فقد جاء فيه : " يعذب ببعض بكاء أهله عليه" ، ولا يعذب بكل البكاء ، فالبكاء الذي تدمع فيه العين ، ولا شق ، ولا لطم معه لا يؤاخذ صاحبه به ، وقد جاءت في ذلك نصوص كثيرة .

وقد تعرض العلامة ابن تيمية للمسألة وضعف مذهب البخاري والقرطبي وابن عبد البرَّ ومن سلك مسلكهم في فقه الأحاديث التي أخبرت أن الميت يعذب ببكاء الحي ، فقد قال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر النصوص الواردة في ذلك : " وقد أنكر ذلك طوائف من السلف والخلف ، واعتقدوا أن ذلك من باب تعذيب الإنسان بذنب غيره ، فهو مخالف لقوله تعالى : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )[فاطر : 18] ، ثم تنوعت طرقهم في تلك الأحاديث الصحيحة .

فمنهم من غلَّط الرواة لها ، كعمر بن الخطاب وغيره ، وهذه طريقة عائشة والشافعي، وغيرهما . ومنهم من حمل ذلك على ما إذا أوصى به فيعذب على إيصائه ، وهو قول طائفة كالمزني ، وغيره .

ومنهم من حمل ذلك على ما إذا كان عادتهم ، فيعذب على ترك النهي عن المنكر ، وهو اختيار طائفة منهم جدى أبو البركات ، وكل هذه الأقوال ضعيفة جداً " (21) وقد رد قول الذين ردوا هذه الأحاديث بنوع من التأويل ، فقال: " والأحاديث الصحيحة الصريحة التي يرويها مثل عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وأبو موسى الأشعري وغيرهم ، لا ترد بمثل هذا ، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لها مثل هذا نظائر ، ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد لاعتقادها بطلان معناه ، ولا يكون الأمر كذلك ، ومن تدبر هذا الباب وجد هذا الحديث الصحيح الصريح الذي يرويه الثقة لا يرده أحد بمثل هذا إلا كان مخطئاً " (22) .

ثم بين رحمه الله تعالى أن عائشة وقعت في مثل ما فرت عنه ، قال : " وعائشة رضي الله عنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظين – وهي الصادقة فيما نقلته – فروت عن النبي صل الله عليه وسلم قوله : " إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه " ، وهذا موافق لحديث عمر ، فإنه إذا جاز أن يزيده عذاباً ببكاء أهله ، جاء أن يعذب غيره ابتداء ببكاء أهله ، ولهذا رد الشافعي في " مختلف الحديث " هذا الحديث نظراً إلى المعنى ، وقال الأشبه روايتها الأخرى : " إنهم يبكون عليه ، وإنه ليعذب في قبره " (23) .

ورد قول الذين ظنوا أن الحديث يفيد معاقبة الإنسان بذنب غيره ، فقال : " والذين أقروا هذا الحديث على مقتضاه ، ظن بعضهم أن هذا من باب عقوبة الإنسان بذنب غيره، وأن الله يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، واعتقد هؤلاء أن الإنسان يعاقب بذنب غيره، فجوزوا أن يدخل أولاد الكفار النار بذنوب آبائهم (24) وبعد أن أطال النفس في هذه المسألة : مسألة دخول أولاد الكفار النار بذنوب آبائهم ، وأن هذا ليس بصواب من القول ، وأن الحق أن الله لا يعذب إلا من عصاه ، وأن الذين لم يبتلوا يمتحنون في عرصات القيامة ...

قال : " وأما تعذيب الميت : فهو لم يقل : إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه ، بل قال : " يعذب " ، والعذاب أعمُّ من العقاب ، فإن العذاب هو الألم، وليس كل من تألم بسبب كان ذلك عقاباً له على ذلك السبب ، فإن النبي صل الله عليه وسلم قال : " السفر قطعة من العذاب ، يمْنَعُ أحدكم طعامه وشرابه " ، فسمى السفر عذاباً ، وليس هو عقاباً .

والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها ، مثل الأصوات الهائلة ، والأرواح الخبيثة ، والصور القبيحة ، فهو يتعذب بسماع هذا وشَمِّ هذا ، ورؤية هذا ، ولم يكن ذلك عملاً له عوقب عليه ، فكيف ينكر أن يعذب الميت بالنياحة ، وإن لم تكن النياحة عملاً له ، يعاقب عليه ؟

والإنسان في قبره يعذب بكلام بعض الناس ، ويتألم برؤية بعضهم ، وبسماع كلامه، ولهذا أفتى القاضي أبو يعلى بأن الموتى إذا عمل عندهم المعاصي فإنهم يتألمون بها ، كما جاءت بذلك الآثار ، فتعذبهم بعمل المعاصي عند قبورهم كتعذيبهم بنياحة من ينوح عليهم ، ثم النياحة سبب العذاب " (25) .

وهذا الفقه الذي صار إليه الشيخ العلامة جاءت بعض الأحاديث دالة عليه ، فعن النعمان بن بشير ، قال : " أغمي على عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، فجعلت أخته عمرة تبكي : واجبلاه ، واكذا ، واكذا ، تعدد عليه ، فقال حين أفاق : ما قلت شيئاً إلا قيل لي ، أنت كذلك ؟! فلما مات لم تبك عليه " (26) بل إن هذا المعنى ورد صريحاً في الحديث الذي يرويه أبو موسى الأشعري ، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " ما من ميت يموت ، فيقوم باكيه ، فيقول : واجبلاه ! واسيداه ! أو نحو ذلك ، إلا وكل به ملكان يلهزانه : أهكذا كنت " رواه الترمذي . وقال : هذا حديث حسن غريب (27) ، وقال الحافظ في التلخيص بعد سياقه لهذا الحديث : " ورواه الحاكم وصححه ، وشاهده في الصحيح عن النعمان بن بشير " (28) .

وينبغي أن ينبه هنا أنه ليس كل ميت يناح عليه يعذب بالنياح عليه ، فقد يندفع حكم السبب بما يعارضه – كما يقول ابن تيمية – كما يكون في بعض الناس من القوة ما يدفع ضرر الأصوات الهائلة ، والأرواح والصور الخبيثة . ثم ذكر أن أحاديث الوعيد يذكر فيها السبب ، وقد يتخلف موجبه لموانع تدفع ذلك ، إما بتوبة مقبولة ، وإما بحسنات ماحية ، وإما بمصائب مكفرة ، وإما بشفاعة شفيع مطاع ، وإما بفضل الله ورحمته ومغفرته . وبين في خاتمة كلامه أن ما يصيب الميت المؤمن من عذاب في قبره بما نيح عليه يكفر الله به عن سيئاته (29) .

===================================

(
1) لوامع الأنوار البهية: (2/17) .
(2) رواه البخاري ، واللفظ له في كتاب الجنائز ، باب عذاب القبر من الغيبة والبول ، فتح الباري : (3/242) ، ورواه مسلم في كتاب الإيمان ، باب الدليل على نجاسة البول ، (1/240) ، حديث رقم (292) ، ورواه النسائي : (4/106) .
(3) رواه النسائي في سننه ، انظر جامع الأصول : (11/167) .
(4) عزاه في صحيح الجامع (11/416) إلى أبي داود والترمذي ، وابن ماجة وابن حبان والحاكم .
(5) وقد خرجه الشيخ ناصر في ( إرواء الغليل ) ، وقال : صحيح ، وعزا رواية أنس إلى الدارقطني ورواية ابن عباس إلى الدارقطني والحاكم والبزار والطبراني ، ورواية أبي هريرة إلى ابن أبي شيبة وابن ماجة والآجري والحاكم وأحمد ، انظر إرواء الغليل : (1/311) ، حديث رقم (280) .
(6) عائر : لا يدري من رماه .
(7) مشكاة المصابيح : (2/401) .
(Cool الثقل : المتاع المحمول على الدابة .
(9) صحيح البخاري : 3074 .
(10) رواه البخاري في كتاب الجنائز ، فتح الباري (3/251) .
(11) قال الشيخ ناصر الدين الألباني في أحكام الجنائز (ص:15) : أخرجه ابن ماجة : (2/82) ، وأحمد : (4/136 ، 5/7) ، والبيهقي : (10/142) ، وأحد إسناديه صحيح ، والآخر مثل إسناده عند ابن ماجة ، وصححه البوصيري في : (الزوائد) ، وسياق الحديث والرواية الثانية للبيهقي ، وهذه الزيادات لأحمد في رواية .
(12) قال الشيخ ناصر الدين الألباني في أحكام الجنائز (ص:15) : أخرجه أبو داود (2/84) ، والنسائي : (2/233)، والحاكم (2/25 ، 26) ،والبيهقي (6/4/76) والطيالسي في مسنده (رقم891 ، 892) وكذا أحمد (5/11 ، 13 ، 20) بعضهم عن الشعبي عن سمرة ، وبعضهم أدخل بينهما سمعان بن مُشَنّج ، وهو على الوجه الأول صحيح على شرط الشيخين ، كما قال الحاكم ووافقه الذهبي ، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط ، وقد ذكر الشيخ هناك من أخرج الروايات والزيادات .
(13) الحديث رواه البخاري ، كتاب الجنائز ، باب قول النبي صل الله عليه وسلم : " يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه " فتح الباري : (3/151) ، ورواه مسلم أيضاً ، انظر جامع الأصول : (11/92) .
(14) صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، انظر فتح الباري : (3/151) .
(15) إذا شئت الإطلاع على هذه التأويلات ارجع إلى فتح الباري : (3/152) .
(16) فتح الباري : (3/154) .
(17) انظر فتح الباري : (3/150) .
(18) سنن الترمذي : (3/326) .
(19) التذكرة ، للقرطبي : (102) .
(20) جامع الأصول ، لابن الأثير : (102) .
(21) مجموع الفتاوى : (24/370) .
(22) المصدر السابق : (24/370) .
(23) مجموع الفتاوى : (24/371) .
(24) المصدر السابق .
(25) مجموع الفتاوى : (24/371) .
(26) رواه البخاري ، كتاب المغازي ، باب غزوة مؤتة .
(27) سنن الترمذي ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في كراهية البكاء على الميت ، (3/326) ، حديث رقم : (1003) .
(28) تلخيص الحبير لابن حجر : 2/140 ، حديث رقم (806) .
(29) مجموع الفتاوى : (4/375) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:13 pm

الموت


الموت حق و الوفاة هي الموت لغة وشرعا، وقال ابن منظور في لسان العرب: الوفاة الموت، وهي نوعان: وفاة صغرى ويقصد بها النوم، ووفاة كبرى ويراد بها الموت: وقد أشار إليهما ربنا تبارك وتعالى في قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى {الزمر: 42}. قال ابن كثير رحمه الله: فذكر في هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى. والنوم في معنى الموت، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله: أينام أهل الجنة فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون، والحديث رواه الطبراني في الأوسط، والبزار. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجال البزار رجال الصحيح. وكذلك الحال بالنسبة للتوفي، فمعناه لغة وشرعا قبض الأرواح عند الموت والنوم، وقد جاءت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ {الأنعام: 61}. وقال ابن منظور في لسان العرب: وقال غيره توفي الميت: استيفاء مدته التي وفيت له وعدد أيامه وشهوره وأعوامه في الدنيا .

 
آيات الموت
)كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185) )وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النساء:18) )أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (النساء:78) )وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (الأنعام:61) )وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام:93) )كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الانبياء:35) )حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (المؤمنون:99) )كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (العنكبوت:57) )قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة:11) )قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (الأحزاب:16) )اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر:42) )وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (قّ:19) )قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجمعة:Cool )وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (المنافقون:10)


سكرات الموت

للموت سكرات يلاقيها كل إنسان حين الاحتضار ، كما قال تعالى : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) (ق 19) ، وسكرات الموت هي كرباته وغمراته ، قال الراغب في مفرداته : ( السكر حالة تعرض بين المرء وعقله ، وأكثر ما تستعمل في الشراب المسكر ، ويطلق في الغضب ، والعشق ، والألم ، والنعاس والغشي الناشئ عن
الألم وهو المراد هنا ) وقد عانى الرسول صل الله عليه وسلم من هذه السكرات ، ففي مرض موته صلوات الله وسلامه عليه كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء ، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ، ويقول :
[ لا إله إلا الله، إن للموت سكرات ] [ أخرجه البخاري ] ، وتقول عائشة رضي الله عنها في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيت الوجع على أحد أشدَّ منه على رسول الله صل الله عليه وسلم ) وقد دخلت عائشة رضي الله عنها على أبيها أبي بكر رضي الله عنه في مرض موته ، فلما ثقل عليه ، تمثلت بقول الشاعر :
لعمرُك ما يغني الثراءُ عن الفتى         إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر ُ
فكشف عن وجهه ، وقال رضي الله عنه : ليس كذلك ، ولكن قولي :
( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) (سورة ق 19) والأثر رواه ابن أبي الدنيا.
ولا شك أن الكافر والفاجر يعانيان من الموت أكثر مما يعاني منه المؤمن ، فقد جاء في حديث البراء بن عازب : أن روح الفاجر والكافر تفرق في جسده عندما يقول لها ملك الموت : أيتها النفس الخبيثة : اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، وأنه ينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشُّعَب من الصوف المبلول ، فتقطع معها العروق والعصب ، ووصف لنا القرآن الكريم الشدة التي يعاني منها الكفرة :
( ومن أظلمُ ممن افترى على الله كذباً أو قال أُوحي إلى ولم يوح إليه شيءٌ ومن قال سأُنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظـالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) (الأنعام 93).
وهذا الذي وصفته الآية يحدث - كما يقول ابن كثير - إذا بشر ملائكة العذاب الكافر بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن ، فتتفرق روحه في جسده وتعصي وتأبي الخروج ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين : ( أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ) ، وقد فسر ابن كثير بسط الملائكة أيديهم في قوله : ( والملائكة باسطو أيديهم ) بالضرب ، ومعنى الآية هنا كمعناها في قوله
( لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ) ( المائدة 28 ) ، وقوله ( ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ) ( الممتحنة 2 ) .
وقد يُحدّث العقلاء في حال الاحتضار عما يعانونه من شدة الموت وسكراته ، وممن حدَّث بهذا عمرو بن العاص ؛ فعندما حضرته الوفاة، قال له ابنه :
يا أبتاه ! إنك لتقول : يا ليتني ألقى رجلاً عاقلاً لبيباً عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد ، وأنت ذلك الرجل ، فصف لي ، فقال : يا بني ، والله كأن جنبي في تخت ، وكأني أتنفس من سَمّ إبرة ، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي ، ثم أنشأ يقول :
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي         في تلال الجبال أرعى الوعولا
تمني الإنسان الرجعة عند الاحتضار
إذا نزل الموت بالإنسان تمنى العودة إلى الدنيا ، فإن كان كافراً لعله يسلم ، وإن كان عاصياً فلعله يتوب : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)             ( المؤمنون 99، 110) ، والإيمان لا يقبل إذا حضر الموت ، والتوبة لا تنفع إ ذا غرغر العبد Sad إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليه وكان الله عليماً حكيماً* وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تُبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليما ) ( النساء 17،18 ).
وقد ساق الحافظ ابن كثير من الأحاديث ما يدل على أن الله يقبل توبة العبد إذا حضره الموت ما لم يصل إلى درجة الغرغرة [ إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ] [ رواه الترمذي وابن ماجه ] ، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ، ولكن شرط التوبة الإخلاص والصدق ، وقد لا يتمكن المرء من التوبة في تلك الأهوال ، فعلى المرء أن يسارع بالتوبة قبل حلول الأجل :
   قدم لنفسك توبةً مرجــوةً            قبل الممات وقبل حبسِ الألسنِ          
  بادر بها غلق النفوس فإنها          ذخر وغُنْم للمنيب  المحسـن
فرح المؤمن بلقاء ربه
إذا جاءت ملائكة الرحمن العبد المؤمن بالبشرى من الله ظهر عليه الفرح والسرور ، أما الكافر والفاجر فإنه يظهر عليه الضيق والحزن والتعب ، ومن ثمّ فإن العبد المؤمن في حال الاحتضار يشتاق إلى لقاء الله ، والعبد الكافر أو الفاجر يكره لقاء الله تعالى، فقد روى أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ] فقالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت ، قال : ليس كذلك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه] رواه البخاري. ولذلك فإن العبد الصالح يطالب حامليه بالإسراع به إلى القبر شوقاً منه إلى النعيم بينما العبد الطالح ينادي بالويل من المصير الذاهب إليه ، ففي صحيح البخاري وسنن النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : [ إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها :
يا ويلها ! أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلاّ الإنسان ، ولو سمع الإنسان لصعق ] . 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابعا : السمعيات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابعا : السمعيات   رابعا : السمعيات Emptyالخميس 29 نوفمبر 2018, 5:14 pm

مشاهد القيامة بين العقل والنقل

إننا حين نثبت أن الحياة بعد الموت أمر ممكن، وليس ممتنعاً في العقل حصوله، وأن الشرع قد أوجب هذا بالإخبار عنه، الأمر الذي أجمله العلماء بقولهم، إن البعث أمر ممكن عقلاً واجب شرعاً، إننا حين نصل إلى هذا القدر يجب أن لا نتوغل فيما وراءه بالعقل، كأن نحاول أن نبحث عن الكيفيات والمهايا، وعن التفاصيل والجزئيات، فإن ذلك لا يجوز لنا أن نفعله، لأنه فوق طاقة العقل كما سبق لنا أن ذكرنا مراراً، وأنه من جهة أخرى مجال للشرع الذي اختص به، وأخبرنا ببعض ما سيقع فيه، على سبيل الحقيقة، أو على سبيل التقريب.
على سبيل الحقيقة فيما نفهم، وعلى سبيل التقريب فيما لا نستطيع أن ندركه.
فهو على سبيل المثال قد فصل تفصيلاً كاملاً فيما يتعلق بموضوع الشفاعة، لأنها مسألة في طاقة العقل إدراكها، فبين أنها واقعة، ولكن وضع الفروق التي تميز بينها، وبين نظام الشفاعة الذي نجده الآن بيننا كنظام اجتماعي، فالشفاعة الأخروية كشئ سيقع يوم القيامة، لا يشبه الشفاعة التي نمارسها الآن بيننا كنظام اجتماعي.
وتفاصيل هذه المسألة، وبيان الفروق التي تميز بينها، وبين ما يقع في الدنيا، قد استقصتها كتب السنة والآيات القرآنية.
وعلى الناحية الأخرى : فإن النصوص الشرعية قد تحدثت عن أمور لا طاقة للعقل البشري بالوقوف على حقيقتها، ولكنه يستطيع أن يتصورها بعض التصور، فتأتي النصوص الشرعية لتعينه على هذا التصور بطريقة شرعية معقولة، من غير أن يترك العقل يضرب في الأوهام، يستسلم للخيال (1).
ففي الجنة طعام وشراب، وأنهار من ماء ولبن وخمر، وأنهار من عسل مصفى، لكن هذه الأشياء وإن كانت تشارك ما وقع أمام الإنسان في الدنيا في الاسم، إلا أنها توشك أن تخالفه في الماهية.
ولم يحدد القرآن ماهية هذه الأشياء هنا، كما استكمل مثلاً عناصر ماهية الشفاعة في الآخرة التي نميزها عن غيرها من ألوان الشفاعات الاجتماعية في الدنيا، لأن العقل يستطيع أن يتصور عناصر الشفاعة الأخروية مع تميزها، ولكنه قد لا يستطيع أن يتصور مهايا الأشياء المادية التي أعدت له في دار الجزاء، حيث إن الأخيرة قد تحتاج إلى لون من التجربة المادية.
ومن ناحية أخرى فإن تصور ماهية الشفاعة مثلاً أمر لابد منه لتعلقه بالله عز وجل، وببعض صفاته، ولو تركت من غير بيان ربما يضل بعض الناس في بعض صفات الباري جل في علاه، وهذا المحذور هنا ليس في الأمثلة الأخرى المادية محذور آخر يماثله، فناسب أن يحدد الماهية بوضوح فيما فيه حذر، أو احتمال لضلال أو إضلال دون الآخر، الذي لا يتأتى فيه هذا الاحتمال.
وهذه الطريقة التي سلكناها في مشاهد القيامة هي أقرب الطرق للسلامة، وأدناها من العقل، وأكثرها مبعثاً على الراحة والطمأنينة.
أما الطرق الأخرى، فهي تخلق مجالاً للجدل، ومناخاً للمراء، وجواً لاستعراض العضلات، واستعداداً للانطلاق في طرق طويلة من السياحة الذهنية، والترف العقلي التي تؤدي في النهاية إلى الشك والقلق، بغير أن يكون هناك مبرر لشك أو قلق.
ولله الحمد في الأولى والآخرة.
* * *
======= ==============================
(1) تطلق كلمة الواجب ـ بالاشتراك اللفظي على : ( أ ) الواجب العقــلي. ( ب ) الواجب الفقهي. ( ج ) الواجب الخلقي وقد ميز بين هذه المفاهيم كثير من العلماء ـ راجع د/ محمد عبد الله دراز ـ دستور الأخلاق في القرآن ، والمؤلف في " الأخلاق في إطار النظرة التطورية " ج 2 .
(1) ورد مرفوعاً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديث متعددة منها ما ينسب صراحة إلى الله عز وجل " حديث قدسي" ومنها ما يكون تعبيراً للنبي نفسه كلها تؤكد أن ما في الجنة من متاع لا يشارك ما في الدنيا إلا في الاسم ، ويتميز عنه تميزاً كاملاً في الماهية أو من ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من كتاب التوحيد قال في حديث بسنده إلى أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ قال : [ قال الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ] وراجع : مسلم كتاب الإيمان ـ والترمذي ك التفسير ـ سورة الواقعة 5/400 ط الحلبي.
وهذه الصورة التقريبية ليست في أحوال الجنة وحدها ، وإنما نجد صورة أخرى تقريبية تحيط بكيفية عذاب أهل النار.
على أن حقيقة هذا العذاب تجري على سنن ونواميس تختلف عن تلك السنن والنوامس التي تقر في حياتنا الدنيا ، مع النار تنبت بعض الأشجار وهو أمر غير معهود = = لنا : " أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين، إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، طلعها كأنه رءوس الشياطين " الصافات آية 62 ـ 65.
ولكن يمنعه ولسان تتحدث به إلى غير ذلك مما تضمنه الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله ـ صل الله عليه وسلم ـ قال : " تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول : إني ركلت بثلاثة : بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين " الترمذي كتاب : صفة جهنم باب : ما جاء في صفة النار 4/701 وقال حسن غريب صحيح.
والنار هذه في المعهود عندنا أنها جماد وعنصر من العناصر اللطيفة لا إحساس فيه ولا حركة ، أما نار الآخرة فقد أعطيت صفات أدق من الصفات التي أعطيها الإنسان ففيها شعور مرهف : " تكاد تميز من الغيظ " الملك آية : 8 ولها ما للكائن الحي من شهيق وغيره : " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور " الملك : آية 7.
وأهل الموقف ممن اختصوا بدخول النار يسمعون نداء النار لهم تدعوهم إليها : "كلا إنها لظى * نزاعة للشوى * تدعو من أدبر وتولى " المعارج : آية 15 ـ 17.
والمعذبون في النار تتبدل صفاته المعهودة فهم يعيشون في النار جلودهم ـ وهي مناطق الإحساس المباشر في الإنسان تتبدل وتتغير كلما احتاج الأمر إلى ذلك لاستدامة شعورهم بالعذاب : " إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً " النساء : آية 56.
والجلود المبدلة لها سمك غير معهود : أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ قال : " إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا وإن ضربه مثل أحد ، وإن مجلسه من جهنم كما بين مكة والمدينة " للترمذي كتاب صفة جهنم باب ما جاء في عظم أهل النار 4/703 قال حسن صحيح غريب ولهم صفات أخرى مقاربة لهذه الصفات بعيدة عن المألوف ككونهم يمشون على وجوهههم " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً " الإسراء : آية 97.
أخرج الأئمة أحمد والبخاري ومسلم عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ يقول : "قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس " وجوهكم ؟ قال : الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " مسند الإمام أحمد 3/167 ، والبخاري كتاب التفسير ، سورة الفرقان ، ومسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار باب يحشر الكافر على وجهه 8/135 والله أعلم.
لعل الصورة قد اتضحت أمامك الآن بما يدفع اللبس.عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول : إني ركلت بثلاثة : بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين " الترمذي كتاب : صفة جهنم باب : ما جاء في صفة النار 4/701 وقال حسن غريب صحيح.
والنار هذه في المعهود عندنا أنها جماد وعنصر من العناصر اللطيفة لا إحساس فيه ولا حركة ، أما نار الآخرة فقد أعطيت صفات أدق من الصفات التي أعطيها الإنسان ففيها شعور مرهف : " تكاد تميز من الغيظ " الملك آية : 8 ولها ما للكائن الحي من شهيق وغيره : " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور " الملك : آية 7.
وأهل الموقف ممن اختصوا بدخول النار يسمعون نداء النار لهم تدعوهم إليها : "كلا إنها لظى * نزاعة للشوى * تدعو من أدبر وتولى " المعارج : آية 15 ـ 17.
والمعذبون في النار تتبدل صفاته المعهودة فهم يعيشون في النار جلودهم ـ وهي مناطق الإحساس المباشر في الإنسان تتبدل وتتغير كلما احتاج الأمر إلى ذلك لاستدامة شعورهم بالعذاب : " إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً " النساء : آية 56.
والجلود المبدلة لها سمك غير معهود : أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ قال : " إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا وإن ضربه مثل أحد ، وإن مجلسه من جهنم كما بين مكة والمدينة " للترمذي كتاب صفة جهنم باب ما جاء في عظم أهل النار 4/703 قال حسن صحيح غريب ولهم صفات أخرى مقاربة لهذه الصفات بعيدة عن المألوف ككونهم يمشون على وجوهههم " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً " الإسراء : آية 97.
أخرج الأئمة أحمد والبخاري ومسلم عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ يقول : "قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس " وجوهكم ؟ قال : الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " مسند الإمام أحمد 3/167 ، والبخاري كتاب التفسير ، سورة الفرقان ، ومسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار باب يحشر الكافر على وجهه 8/135 والله أعلم.
لعل الصورة قد اتضحت أمامك الآن بما يدفع اللبس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
رابعا : السمعيات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة العلوم والمعارف :: الموسوعة الإسلامية الشاملة :: موسوعة العقيدة الشاملة-
انتقل الى: