فيروز..ثمانون قنديلا من أجـل «جارة القمر»
ترافق فنجان قهوتنا منذ عرفنا القهوة ومنذ استبشرنا بصباح جديد.
هي من علمتنا الحب وادخلتنا مغارات الحنين المنسي. وعلى انغام اغانيها عرفنا روعة الحياة وتجلياتها. وكما وصفها شاعرنا الكبير محمود درويش واطلق عليها لقب شاعرة الغناء العربي.. بينما منحها الشاعر الكبير سعيد عقل لقب سفيرتنا الى النجوم، وتعددت الالقاب من الشعراء والعشاق والمحبين والفنانين وكلها تختصر الشوق للمطربة التي جمعت العرب ووحدتهم عندما غنت لقضاياهم الوطنية والقومية ولمدنهم وعواصمهم... لكنها - ربما الوحيدة - التي رفضت الغناء للزعماء والاشخاص.
ولدت فيروز في مثل هذا اليوم من العام 1935 في غرفة متواضعة في منطقة الدبيّة وعاشت طفولتها وصباها في كنف امها وابيها الذي كان عاملا بسيطا في مطبعة.
اسمها الحقيقي نهاد حداد، والدها وديع من مدينة حلب وقيل جاء من قرية فلسطينية الى لبنان وتزوج ليزا التي اصبحت ام مطربتنا الكبيرة، اكتشفها استاذ الموسيقى محمد فليفل اثناء ادائها لنشيد في المدرسة، فأعجب بصوتها واشار اليها ان تلتحق بالمعهد الموسيقي اللبناني حيث كان مدرسا فيه فعلمها الغناء والنوتة، وفيه - المعهد - تجلت موهبتها الغنائية وتميزت بسرعة التقاطها للالحان الموسيقية وجودة تأديتها.
ويعد الموسيقار حليم الرومي المكتشف الحقيقي والمتبني لصوت فيروز، حيث كان يعمل رئيسا لقسم الموسيقى بالاذاعة اللبنانية انذاك ودعاها الى مكتبه وسألها ان كانت تجيد غناء غير الاناشيد فردت بالايجاب وغنت موال، «يا ديرتي مالك علينا لوم»، الذي كانت تغنيه المطربة اسمهان وكذلك المقطع الاول من اغنية الموسيقار فريد الاطرش «يازهرة في خيالي» فازداد اعجابه بها وعرض عليها العمل بالاذاعة فكانت تلك امنيتها التي تحققت، وبدأت في الاذاعة مرددة في الكورس ثم تعهدها حليم الرومي فاولى عناية بمخارج الحروف والكلمات حيث اتضح له ان هذه الناحية بحاجة ماسة الى الصقل فأعد لها اغنية «تركت قلبي» وهي الاغنية الاولى التي حفظتها كمطربة خارج نطاق الاناشيد المدرسية واقترح عليها تغيير اسمها من نهاد الى فيروز قبل اول حفلة تطل بها على جمهور الاذاعة وكان ذلك في نيسان عام 1950.
كان عاصي الرحباني في ذلك الوقت عازف كمان بفرقة الاذاعة اللبنانية والملحن المبتدىء الذي كلفه حليم الرومي بتلحين اغنيات لفيروز فكان رده: ان صوت فيروز لا يصلح للاغاني الحديثة ولكنه يصلح للاغاني الشعبية، وهنا اعترض الرومي واكد ان صوت فيروز قادر على غناء كل الوان الغناء.. وتحققت نبوءته.
وبعد عدة لقاءات فنية جمعت فيروز وعاصي الرحباني توجت العلاقة الى زواج حدث يوم 16 كانون الثاني 1955 فكان ذلك - الحدث - ميلادا لمدرسة غنائية خالدة.
ولعل اول لحن قدمه عاصي لفيروز كان بعنوان «غروب» ثم «ماروشكا» و «عتاب» و «راجعة»، واكتمل المثلث الفني بالشاعر منصور الرحباني الذي كتب ولحن العديد من اغنيات فيروز مع شقيقه عاصي وحملت الكلمات والالحان توقيع الاخوين رحباني. انجبت فيروز مئات الاغنيات ومن الابناء لها ولدان وبنتان اشهرهم زياد الرحباني ومديرة اعمالها حاليا ريما.
فيروز والسينما والمسرح
اشتركت فيروز في ثلاثة افلام سينمائية هي: سفر برلك و بياع الخواتم و بنت الحارس.
وبالنسبة للمسرح الغنائي قدمت فيروز حوالي 20 مسرحية عرضت ما بين عام 1957 و1977 ومن ابرزها: «البعلبكية»، «جسر القمر»، «الليل والقنديل»، «هالة والملك»،»الشخص»، «جسر العودة»، «قصيدة حب»، «لولو»، «المحطة ناس من ورق»، «ناطورة المفاتيح»، وايام فخر الدين و «يعيش»، و «بترا» التي عرضت في الاردن.
وطافت فيروز صاحبة الصوت المخملي عواصم العالم ونالت العديد من الاوسمة، كما قدمت لها مفاتيح بعض المدن عرفانا ومحبة وتقديرا واحتراما لفنها.
ملحنون وشعراء
رغم احتكار الاخوين رحباني لصوتها واغنياتها.. الا ان فيروز غنت من الحان كبار الموسيقيين العرب مثل سيد درويش «شط اسكندرية» و «زوروني كل سنة مرة» وغيرهما، وكذلك الموسيقار محمد عبدالوهاب «يا جارة الوادي» و «سهار بعد سهار» و «سكن الليل» و «مرّ بي» و «خايف اقول اللي في قلبي»، وايضا الموسيقار فيلمون وهبي الذي غنت له 25 لحنا مثل «اغنية يا كرم العلالي» و «فايق يا هوى»، و «طيري يا طيارة»، و «صيف يا صيف» و «يا مرسال المراسيل» وغيرها من الروائع.
واخر الملحنين الذين غنت لهم فيروز ابنها زياد الرحباني الذي رافقها في البوماتها الاخيرة مثل «كيفك انت» و «والا كيف» وغيرهما، اما الشعراء الذين غنت لهم فيروز فهم: الاخطل الصغير يا «عاقد الحاجبين»، واسعد سابا «عالروزانا» وايليا ابوماضي «وطن النجوم» وامير الشعراء احمد شوقي «يا جارة الوادي» و»بدوي الجبل» وجبران «اعطني الناي» و «سكن الليل» و المحبة والشاعر جرير وابن جبير وسعيد عقل «اجراس العودة» و «بحبك ما بعرف» و «سائليني» و»غنيت مكة» و «مشوار» وغيرها.
وغنت للشاعر نزار قباني «دمشق» و «لا تسألوني» و «وشاية» وللشاعر ميشال «طراد جلنار» وعنترة العبسي و»لقد ذكرتك».
كما غنت للشاعر ابو نواس «حامل الهوى تعب» وغيرهم من الشعراء.
آراء
قيل وكتب في صوت فيروز الكثير فوصفته مغنية الاوبرا الهنغارية انا كورسك بأنه اجمل صوت سمعته في حياتها وهو نسيج وحده في الشرق والغرب. ولعل صوت فيروز شكل جزءا من وجدان الملايين في العالم العربي ممن سكنهم الصوت الملائكي فابدعوا على صدى اغنياتها وبقيت وستظل روائعها وحكايات الحب التي قدمتها بعض امنياتنا واحلامنا ما تحقق منه وما تكسّر.
وفي عيد ميلادك ايتها (الفيروزة) الرائعة نفترش هدب اغنياتك ونتذكر شادي ونصرخ على احبتنا «وينن» ونقول لمن اختلفنا معهم «زعلي طوّل انا واياك» ولقلوبنا المسكونة بالحب «يا قلبي لا تتعب قلبك» ونمضي مع سحر صوتك على طريق النحل