المقاطعة ألاقتصاديه والسلع البديلة في المنظور الاقتصادي الاسلامى:
الرد على دعاوى مذهب منع المقاطعة الاقتصادية: هناك مذهب محدث “معاصر” يقول بعدم جواز المقاطعة الاقتصادية، وهو يستند إلى عدد من الدعاوى سنرد عليها أدناه:
أولا
بيع المضطر): أن المقاطعة الاقتصادية لسلعه معينه تجعل البائع يضطر إلى بيع سلعته بسعر اقل من سعرها الحقيقي ،هو ما يتعارض مع نهى الرسول عن بيع المضطر لقوله (إنما البيع عن تراض) (رواه البيهقي وصححه الألباني).والرد على هذه الدعوى أن تقرير الرسول أن البيع يكون عن تراضى ونهيه عن بيع المضطر يشمل البائع(التاجر) والمشترى(المستهلك)،فهذه الدعوى تتجاهر اضطرار المشترى لشراء السلعة بالسعر الذي يحدده التاجر الجشع- وهو في الواقع الاضطرار الحقيقي- كما أن هذه الدعوى تتجاهل أن مدلول الحديث يفيد انه يحق للمشترى –سواء كان فرد أو جماعه -أن يشترى سلعه ما وان يمتنع عن شراءها- والاخيره هي مضمنون المقاطعة الاقتصادية- ولكن يمكن أن يستفاد من هذا النص أن من الضوابط الشرعية للمقاطعة الاقتصادية أن تهدف الى عدم اضطرار كل من المشترى والبائع إلى الشراء أو البيع بسعر غير حقيقي.
ثانيا: (الضرر): أن المقاطعة الاقتصادية تلحق الضرر بالتاجر الذي تمت مقاطعه سلعته،وهو ما يتعارض مع تقرير الرسول ( صل الله عليه وسلم ) قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) (رواه ابن ماجه وصححه الألباني) ،والرد على هذه الدعوى أن هذه القاعدة تشمل البائع “التاجر”والمشترى”المستهلك”،ولكن يمكن أن يستفاد من هذا النص أن من الضوابط الشرعية للمقاطعة الاقتصادية أن لا تلحق الضرر بالمشترى او البائع.
ثالثا: (موقف المنظور الاقتصادي الاسلامى من التسعير): أن المقاطعة الاقتصادية تتعارض مع كون موقف المنظور الاقتصادي الاسلامى من التسعير هم المنع المطلق.والرد على هذه الدعوى ان هذا الموقف”المنع المطلق ” لا يعبر عن الموقف الحقيقي للمنظور الاقتصادي الاسلامى ، حيث أن هناك ثلاثة مذاهب في الفكر الاقتصادي الاسلامى حول حكم التسعير:
المذهب الأول “المنع المقيد” : يرى انه لا يجوز للحاكم أن يسعر على الناس (المنع)، وإن فعل ذلك يكون فعله هذا إكراهاً يكره معه البيع والشراء (الكراهه)، ويمنع صحة البيع عند بعضهم (التحريم)، وقد استدل أنصار هذا المذهب بأدلة ، منها قوله (صلى الله عليه وسلم)( إن الله هو المسعِّر ، القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ). غير أن هذا الحديث – وغيره من النصوص المماثلة- لا يدل على المنع المطلق للتسعير، ولكنه يدل على المنع من التسعير في الأحوال التي يكون التسعير فيها مجحفاً بحق البائع أو العامل الذي يقوم بما يجب عليه من امتناع عن الاحتكار أو التواطؤ لإغلاء الأسعار ورفعها ، يقول ابن تيميه(من احتج على منع التسعير مطلقاً بقول النبي (صل الله عليه وسلم-)« إن الله هو المسعر… » قيل له : هذه قضية معينة ، وليست لفظاً عاماً ، وليس فيها أن أحداً امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه ، ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه ، فإذا بذله صاحبه ، كما جرت به العادة ، ولكن الناس تزايدوا فيه – فهنا لا يسعر عليهم ).
الرفض المطلق للتسعير تصور راسمالى وليس تصور اسلامى: وبناءا على ما سبق فان الراى القائل بعدم تدخل الدولة في التسعير مطلقا ، وترك الأسعار طبقا لقانون العرض والطلب، لا يتسق مع هذا المذهب ، ولا مع التصور الاسلامى للمال ، بل يعبر عن التصور الاقتصادي الراسمالى الليبرالي والقائم على عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،استنادا إلى مفهوم القانون الطبيعي .
المذهب الثاني ” الإيجاب “: فقد ذهب بعض العلماء ، كسعيد بن المسيب، وربيعة بن عبد الرحمن : إلى جواز التسعير مطلقاً (الوجوب)،و ذهب المالكية إلى جواز التسعير في الأقوات مع الغلاء .
المذهب الثالث ” الجمع بين المنع والإيجاب”: فقد ذهب كثير من متأخري الحنفية وبعض الحنابلة ، كابن تيمية وابن القيم إلى منع التسعير في أحوال و إيجابه (جوازا او وجوبا ) أحياناً أخرى،يقول ابن تيمية: (التسعير منه ما هو ظلم , ومنه ما هو عدل جائز بل واجب) ويقول (إذا تضمن العدل بين الناس , مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل, ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل, فهو جائز بل واجب)،و يقول ابن القيم ( فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه, أو منعهم مما أباح الله لهم فهو حرام, وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل, ومنعهم مما يحرم عليهم, من أخذ الزيادة على عوض المثل, فهو جائز, بل واجب) .والمذهب الذى نرجحه ، والذي يتسق مع مضمون مذهب الجمع بين المنع والإيجاب، ان التسعير يختلف الحكم علية طبقا لمصلحة الجماعة، يقول ابن القيم (وجماع الأمر أن مصلحة الناس, إذا لم تتم إلا بالتسعير, سعر عليهم تسعير عدل لا وكس فيه ولا شطط , وإذا اندفعت حاجتهم بدونه, لم يفعل) ، فان كان التسعير في سلعة معينة في ظرف معين لا يحقق مصالحها ويلحق بها الضرر كان المنع ، أما إذا كان التسعير يحقق مصلحة الجماعة كان الإيجاب، بشرط أن لا يتضمن السعر الذي تضعه الدولة الضرر للبائع والمشتري .
وجوب تسعير السلع الضرورية:وللجماعة مصلحه دائمة في وجوب تسعير السلع الضرورية والاستراتيجيه ، دفعا لضرر دائم يتمثل في وقوع الناس في عبودية فئة تحتكر أرزاقهم ، وهو ما يناقض مع جوهر التصور الإسلامي للمال .يقول ابن تيميه (لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس بحاجة ماسة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل، ولهذا قال الفقهاء: من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل، ولو امتنع عن بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره)، ويقول أيضا (ما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس فإنه يجب ألا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة، وإن ما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله).
المقاطعة الاقتصادية لا تتعارض مع الموقف الحقيقي للمنظور الاقتصادي الاسلامى من التسعير: اتساقا مع ما سبق فان المقاطعة الاقتصادية ، والتي تهدف إلى ضبط أسعار السلع والخدمات، على المستوى الشعبي، لا تتعارض مع الموقف الحقيقي للمنظور الاقتصادي الاسلامى من التسعير، بل تتسق معه، لا سيما إذا تعلقت بالسلع الضرورية .
في التأصيل للمقاطعة الاقتصادية والسلع البديلة كآليات لحماية المستهلك ومكافحه الغلاء:
الأسس النظرية للمقاطعة الاقتصادية والسلع البديلة في المنظور الاقتصادي الاسلامى: وتتمثل في جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية ” التي تمثل الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه”، والتي تنطلق منها حماية المستهلك ومكافحه الغلاء طبقا للمنظور الاقتصادي الاسلامى،باعتبار أن المقاطعة الاقتصادية –وكذا السلع البديلة – من أهم آلياتها، ومن هذه المفاهيم والقيم والقواعد:
أولا: إسناد ملكيه المال لله تعالى: أن الله تعالى هو المالك الأصلي للمال﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾(النور: 33) .
ثانيا:استخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال: أن الله تعالى (مالك المال) استخلف الجماعة في الانتفاع به، أما الفرد فنائب ووكيل عنها في الانتفاع به ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه). وان للجماعة بالتالي حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية قال)(صل الله عليه وسلم ) (الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلأ والنار) (روه احمد وأبو داود). وهو ما يكون بان تتولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها ، يقول عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) (لو أن عناقا ” عنزا ” ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة). وأن للجماعة أن تترك ما دون مصادر الثروة الرئيسية حقا ينتفع به الفرد (القطاع الخاص) بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحه الجماعة.
رابعا: رفض الملكية الخاصة وإقرار الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية:أن الملكية الخاصة (ملكية الرقبة)،والتي تخول للفرد التصرف المطلق في المال ، كما في الفلسفة الاقتصادية الليبرالية (الراسماليه)، تتعارض مع المنظور الاقتصادي الاسلامى،على مستوى أصوله النصية الثابتة، التي تسند ملكيه المال لله تعالى ، وفى ذات الوقت فقد اقر المنظور الاقتصادي الاسلامى الملكية الفردية كشكل القانوني للملكية، مضمونه حق الفرد في التصرف بالمال مقيدا بضوابط المالك الاصلى للمال(الله تعالى)، ومصلحه المستخلف فيه أصلا (الجماعة).
ب/ إقرار المنظور الاقتصادي الاسلامى آليات لحماية المستهلك ومكافحه الغلاء : استنادا إلى المفاهيم والقيم والقواعد الكلية السابقة، فقد قرر المنظور الاقتصادي الاسلامى ، جمله من الآليات لحماية المستهلك ومكافحه الغلاء ومنها :
الدعوة إلى إتقان العمل: قال الرسول ( صل الله عليه وسلم) (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه ).
النهى عن الغش: قال الرسول( صل الله عليه وسلم )(من غشنا فليس منا).
الأمر بالوفاء في الكيل والنهى عن التلاعب بالموازين :قال تعالى( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) .
تحريم الاحتكار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )( مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ ) (مسند أحمد ، باقِي مُسْنَدِ الْمُكْثِرِينَ ، حديث رقم 8403)
منع التواطؤ بين البائعين: قال الرسول ( صل الله عليه وسلم )( ولا تناجشو) (أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه، البخاري بحاشية السندي، ج: 2، ص: 16)، والنجش أن يزيد في سعر السلعة من لا يريد شراءها ليقتدي به المشترى.
الصدق والوضوح في بيان حقيقة السلعة : ومن مظاهره النهى عن بيع السلعة
بالحلف كذبا ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )قَالَ ” ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ )( صحيح مسلم . كِتَاب الْإِيمَانِ. حديث رقم 106) .
نظام الحسبة: و يشمل مراقبة الأسعار وجوده السلع.
ربط الأجور بالأسعار: أورد المرودي عن عطاء الجند( انه معتبر بالكفاية حيث يستغني بها عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة، والكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه، احدهما: عدد من يعول من الذرارى والممالك والثاني: ما يرتبطه من الخير والظهر، والثالث: الموضع الذي يحلة في الغلا والرخص ، فتقدر كفايته في نفقته وكسوته العام كله ، فيكون هذا المقدار في عطائه ثم تعرض حاله في كل عام فان زادت حاجته الماسة زيد وان نقصت ونقص، وجوز أبو حنيفة زيادته علي الكفاية).