بسم الله الرحمن الرحيم
نزول القرآن
*************
أول مانزل من القرآن قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) إلى قولة (علم الإنسان مالم يعلم) ثم إنقطع النزول ثلاث سنوات وهى مدة فترة الوحى ثم تتابع نزول الوحى بالقرآن مفرقا فى عشرين سنة وهو أعون على الحفظ وأيسر للذكر فحفظه الصحابة وهم ألوف على مهل ومكث بترتيب سورة وآياته وجميع وجوة كلماته
(وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا)
(كذلك لنثبت بة فؤادك ورتلناه ترتيلا)
فمنه مانزل آية أو أكثر وهو الأغلب ومنه ما نزل سورة كاملة كالفاتحة والاخلاص و الكوثر وكان صلى الله عليه سلم يقرىء الصحابة مانزل عليه فوا فيحفظونة عن ظهر قلب وبعد إتقان الحفظ والتثبت من تمام الضبط يأخذون فى نشره فيعلمونه من لم يشهد نزول الوحى به من اهل مكة والمدينة ومن حولهم فلا يمضى يوم أو يومان إلا وقد حفظ مانزل عدد يكاد لايحصى وبعث رسول الله صلى الله علية وسلم إلى المدينة قبل الهجرة جماعة من حفظة الصحابة يعلمون القرآن لأهلها ، وكان عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة إذا هاجر الرجل إلى المدينة دفعه إلى رجل من أولئك الحفظة يعلمه القرآن0
ولما فتح مكة ترك فيها معاذ بن جبل لذلك ، وكان لأكابر الصحابة مزيد اعتناء ، وعظيم اهتمام بتعرف فقه القرآن ومعانية وإتقانه حفظا وكتابة ، وضبط آياته ، وحروفها ، ووجوها لما شاهدوه فى النبى صل الله عليه وسلم من كمال الإعتناء والإهتمام بالترغيب فى حفظة ، والأمر بتعهده ، وتوقيف أصحابه على ترتيب آيات سوره وتعلمهم مواضعها من السور نصا كما يأتى إن شاء الله قريبا0
فالصحابة رضى الله عنهم ضبطوا عنه صلى الله علية وسلم هذا الترتيب كما ضبطواعنه نفس الآيات و تلاوتها بجميع لغتها0 وكان للنبى صل الله عليه وسلم كتبة متمكنون كل التمكن من الكتابة باللسان العربى كعلى وعثمان وعمر وزيد بن ثابت ومعاوية وابن مسعود وأنس بن مالك وعبد الله بن سلام قال معاوية قال لى رسول الله صلى الله علية وسلم:
( يا معاوية ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تغور الميم وحسن اللام ومد الرحمن وجود الرحيم)
وضع قلمك على أذنك اليسرى فانة امكن لك فكان عليه الصلاة والسلام يملى عليهم مباشرة مانزل عليه من القرآن فيكتبونه فورا بحضرته على الالواح واللخاف وعسب النخل وغيرها ويقول لهم ضعوا هذة الآية بعد آية كذا من سورة كذا وكانت كتابة مانزل من القرآن ملتزمة منهم حتى فى زمن الإختفاء فى صدر الإسلام وبهذه الكيفية كتب القرآن كله من أوله إلى آخره وكانت تلك المكتوبات عند الصحابة أحب إليهم من كل نفيس وأغى من أنفسهم لتيقنهم أن القرآن هو السبب فى عزمهم وسعادتهم وأنة أساس دينهم وشريعتهم فكانوا يبذلون جميع مااستطاعوا فى سبيل حفظه كما أنزل مصونا عن أدنى شائبة نقص أو زيادة
(اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا )
ثم انتقل رسول الله صلى الله علية وسلم والصحابة ألوف مؤلفة ما منهم أحد إلا وهو يحفظ قسطا وافرا من القرآن وفيهم مئات يحفونه كله بتمام الضبط والإتقان عن ظهر قلب مجموعا مرتبة ترتيبا معلوما لكل واحد منهم قال معاذ عرضنا القرآن على النبى صل الله عليه وسلم فلم يعب أحدنا منا وقد ظهر الإسلام فى جميع أنحاء جزيره العرب كاليمن والبحرين وعمان ونجد وبلاد مضر وربيعة وقضاعة والطائف ومكة ليس فيها مدينة ولا قرية ولا حلة عرب إلا وقد قرىء فيها القرآن وعلمه الصبيان والنساء وكتب وحفظ فى الصدور وكان المكتوب بحضرته صل الله عليه وسلم وبين يديه فى الرقاع متفرقا عند الصحابة ولم يكن بين المسلمين إختلاف فى شىء من الدين كلهم أمة واحدة على دين واحد0
**********************
جمع القرآن فى خلافة أبى بكر
*********
بعد وفاته صلى الله عليه وسلم تولى الآمر أبو بكر رضى الله عنه سنتين وستة أشهر فغزا فارس والروم وفتح مكة وزادت قراءة الناس للقرآن وكان فى زمن خلافته الوئام التام بين المسلمين ، ولما رأى عمر رضى الله عنه مايدعو إلى جمع القرآن أشار على أبى بكر رضى الله عنة بضرورة جمعه فى كتاب واحد بمشهد من جميع الصحابه وملأ من الحفظة والكتبة ، ولما استقر رأيهما على ذلك بعد الاباء والاقناع أحضرا زيد بن ثابت وأبديا له ما استقر الرأى علية فاستعظمه أولا ثم بدت له المصلحة فية فوافقهما وعزم على ماعزما عليه فجمع أبو بكر الحفظة المشهود لهم بالضبط والإتقان وكان من أجلهم زيد وأبى بن كعب وعثمان وعلى وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن زبير وعبد الله بن مسعود وعبد الله ابن السائب وخالد بن الوليد وطلحة وسعد وحذيفة وسالم وأبو هريرة والصامت وأبو زيد وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعرى وعمرو بن العاص فاجتمعوا برئاسة زيد بن ثابت فى منزل عمر ليتشاوروا فى كيفية جمعه وتخصيص عمل كل واحد منهم ثم أخذوا يوالون إجتمعاتهم فى مسجد المدينة لكتابة القرآن وكلهم كانوا يحفظونه عن ظهر قلب وكانوا قد اعتنوا قبل بكتابتة جملة مرار من ذاكرتهم ليتحققوا منضبطهم له وحفظهم إياه وجاء من كان كتب مصحفا بمصحفة وأحضروا كل الصحائف والقراطيس التى كتبوا فيها القرآن بحضره النبى صل الله عليه وسلم واملائة وعهدوا إلى بلال أن ينادى بانحاء المدينة أن من كانت عنده قطعة عليها شىء من القرآن فليأت بها الى الجامع وليسلمه إلى الكتبة المجتمعين لجمع القرآن فليأت بها إلى الجامع وليسلمها إلى الكتبة المجتمعين لجمع القرآن على مشهد الصحابة وجىء بعدد كثير من القطع وما كانوا يقبلون قطعة حتى يتحققوا أنها كتبت بين يدى النبى صل الله عليه وسلم إذ كان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يديه صل الله عليه وسلم وما كانوا يفعلون ذلك إلا مبالغة فى الإحتياط ومغالاة فى التحفيظ وايغالا فى الضبط لئلا يكون مجال للشك فى تمام الضبط فكتب زيد القرآن جميعه قال حتى وصلنا إلى آية (لقد جاءكم رسول) من سورة التوبة ففقداناها حتى وجدناها مكتوبة عند أبى خزيمة بن أوس بن زيد الأنصارى وقال حتى وصلنا إلى سورة الأحزاب ففقدت آية منة قد كنت أسمع رسول الله صل الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مكتوبة مع خزيمة بن ثابت الانصارى
(من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه)
فألحقناها فى سورتها فى المصحف وبعد تمام جمعه فى المصحف جمع عمر رضى الله عنه جميع الحفظة والصحابة وقرأه عليهم فلم يقع من أحد منهم اعتراض حين العرض ولا بعده وبعد إجماع أكابر الصحابة على هذا الترتيب الذى فى هذا المصحف لايمكن أن يقال أنهم رتبوا القرآن ترتيبا سمعوا النبى صل الله عليه وسلم يقرؤه على خلافه فكان ذلك أعظم فرض قام به سلفنا الصالح ( أى الصحابة ) وأفضل من لهم علينا إلى يوم القيامة ومصداق وعده تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) 0
ثم توفى أبو بكر رضى الله عنه وهوأعظم الناس أجرا وتولى الأمر بعده عمر رضى الله عنه وفتح كثيرا من البلاد كالشام ومصر، ولم يبق بلد إلا وقرىء فيها القرآن وعلمه الصبيان فى المكاتب شرقا وغربا من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن فما بين ذلك وبقى كذلك عشرة أعوام وأشهرا وكان عندهم المصحف الذى كتب فى زمن خلافة أبى بكر ومن بعده بقى عند بنتة ام المؤمنين حفصة رضى الله عنها ثم أصيب الإسلام بموت عمر وولى الأمر بعده عثمان اثنى عشر عاما فزادت الفتوحات واتسع الأمر ثم وجدت الدواعى ومست الحاجة إلى نشر المصاحف فجمع عثمان الصحابة رضى الله عنهم وعدتهم يومئذ تزيد على اثنى عشر ألفا بالمدينة وطلب المصحف من ام المؤمنين حفصة وأحضر زيد بن ثابت وعبد الله بن زبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هاشم وأمرهم أن ينسخوا منة برئاسة زيد فنسخوا منة عدة مصاحف من غير تبديل ولازيادة ولانقص عما كان عليه المصحف الذى كتبة زيد بأمر أبى بكر وأقرها الألوف من الصحابة وإنما أمر عثمان الصحابة أن ينسخوا من مصحف أبى بكر مع كونهم جميعا من الحفظة لتكون مصاحفهم مستندة إلى أصل أبى بكر المستند إلى اصل النبى صل الله عليه وسلم المكتوب بين يديه وجعل زيدا رئيس الكتبة للمصاحف لأنة هو الذى كتب مصحف أبى بكر ثم بعث عثمان رضى الله عنه فى كل أفق بمصحف من المصاحف التى نسخوها وأمر بتحريق ما سواها نقل الجعبرى عن أبى على أن عثمان رضى الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يقرىء بالمدنى وبعث عبد الله بن السائب مع المكى والمغيرة بن شهاب مع الشامى وأبا عبد الرحمن السلمى مع الكوفى وعامر بن عبد قيس مع البصرى وبعث مصحفا إلى اليمن وآخر إلى البحرين فلم نسمع لهما خبرا ولاعلمنا من نفذ معهما اهـ وفى المقنع للإمام أبى عمرو الدانى بإسناده إلى مصعب بن سعد قال أدركت الناس حين شقق عثمان رضى الله عنه المصاحف فاعجبهم ذلك ولم يعبه أحد وقال العلامة على بن سلطان القارى فى شرحه للعقيلة وقال انس بن مالك رضى الله عنه أن عثمان أرسل إلى جند من أجناد المسلمين مصحفا و أمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف الذى أرسل إليهم