... تابع
الحرية
المصادر:
1- Mel Thompson, PHILOSOPHY, Hodder Headline Plc,London,First Published,1995,P93.
2- انظر: المدرسي، محمد تقي، المنطق الاسلامي اصوله ومناهجه (ايران، ط2 1401هـ/1981م) ص48.
3- Edward Craig, Concise Routledge, ENCYCLOPEDIA OF PHILOSOPHY, The Softback Preview Publisher, New York, USA, First Published 2000,p847.
4- موسى، سلامة، حرية الفكر وابطالها في التاريخ (بيروت، دار العلم للملايين، ط5، 1974م) ص31-32.
يضيف موسى: ولم يكن بعد ذلك سوى الامر بقتله، فقتل وتجرع السم بين تلاميذه ومات مرتاح الضمير هادئ النفس، وتفرق تلاميذه بعد مقتله مرعوبين، ولكن لم تمض عشر سنوات حتى عادوا الى روعهم وعادوا يعلمون الناس فلسفته. ص32.
5- رياض، محمد "الحرية وآراء جدلية في الدلالة" مجلة النبأ (بيروت، المستقبل للثقافة والاعلام، السنة 7، العدد 62، 1422هـ/2001م) ص13.
6- المدرسي، محمد تقي، المنطق الاسلامي اصوله ومناهجه (مصدر سابق) ص49.
7- Edward Craig, Concise Routledge, ENCYCLOPEDIA OF PHILOSOPHY, (ibid), p678.
8- Richard Stonman, PLATO THE REPUBLIC,J.M.Dent&Sons Ltd,London,1989,P245.
9-,(ibid),P250-251. Richard Stonman, PLATO THE REPUBLIC
10- انظر: Antony Flew, AN INTRODUTION TO WESTERN PHILOSOPHY, Thames and Hudson Ltd,London,1989,p155.
11- آل نجف، عبد الكريم "الحرية من وجهة نظر السيد الشهيد الصدر" مجلة المنهاج (بيروت، مركز الغدير للدراسات الاسلامية، السنة 5, العدد 19, 1421هـ/2000م) ص157.
(*) للمزيد عن حياة مونتسكيو: راجع: جورج طرابيشي, معجم الفلاسفة (بيروت, دار الطليعة، ط1، 1987م) ص601.
12- Edward Craig, Concise Routledge, ENCYCLOPEDIA OF PHILOSOPHY,(ibid),p591.
13- Keith Thomas, Great Political Thinkers, Oxford University Press, Oxford, New York, printed in UK by: Biddles Ltd, Guildford and Kingslynn, first published, 1992.P161.
14- انظر: المنجد في الاعلام (بيروت، دار المشرق، الطبعة السادسة والثلاثون 1997م) ص601.
15- Stephen D.Tansey, POLITICS THE BASICS, Roultedge Ltd,London,First Published 1995, p65.
16- NEIL McNAUGHTON, SUCCESS IN POLITICS,John Murray (Publishers) Ltd, Second Edition 2001, p21.
17- Keith Thomas, Great Political Thinkers,(ibid) p177.
18- راجع في هذا المجال: الطباطبائي الحكيم، محمد سعيد، فقه القضاء (طبعة ايران، مكتب اية الله العظمى السيد الحكيم، مطبعة ستاره، ط1، 1420هـ/2000م) ص206.
(*) ولد روسو في مدينة جنيف, وهو من الفلاسفة الاجتماعيين, كان لكتابه العقد الاجتماعي الذي الفه العام 1762م، تأثير كبير على الثورة الفرنسية التي اندلعت بعد احد عشر عاما من رحيله، ومن مصنفاته: اميل، واعترافات.
انظر: BCA&Random Century Group Ltd, THE HUTCHINSON CONCISE ENCYCLOPEDIA, Random Century Group,1990,p796.
19- J.J.Rousseau, the Social Contract, Eng Tran, by: Maurice Cranston, Penguin Book,New York (USA), p32.
20- NEIL McNAUGHTON, SUCCESS IN POLITICS,(ibid) p22.
21- إمام، د. إمام عبد الفتاح، الطاغية .. دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، ط2، 1996م) ص282-283.
22- Edward Craig, Concise Routledge, ENCYCLOPEDIA OF PHILOSOPHY,(ibid)p432.
23- للمزيد، انظر: عبد الجبار، محمد، تجديد الفكر الاسلامي (لندن، الدستورية للطباعة والنشر، ط2، 1420هـ/1999م) ص171.
24- شدود، د. ماجد "الديمقراطية والمتغيرات الدولية" كتاب: الاسلام والفكر السياسي .. الديمقراطية، الغرب، ايران، تحرير وتقديم: د. رضوان زيادة (الدار البيضاء وبيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000م) ص87.
25- NEIL McNAUGHTON, SUCCESS IN POLITICS,(ibid) p22.
26- Niegel Warburton, PHILOSOPHY THE BASICS,Routledge Publisher, London, Second Edition,1995,p96.
27 و28- رياض، محمد "الحرية وآراء جدلية في الدلالة" مجلة النبأ (مصدر سابق) ص18، ص19
29- انظر: Edward Craig, Concise Routledge, ENCYCLOPEDIA OF PHILOSOPHY,(ibid)p204.
30- إمام، د. إمام عبد الفتاح، الطاغية .. دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي (مصدر سابق) ص56.
31- Concise Routledge, ENCYCLOPEDIA OF PHILOSOPHY,(ibid) p171.
32- غرايبه، د. رحيل محمد، الحقوق والحريات السياسية في الشريعة الاسلامية (عمّان، المعهد العالمي للفكر الاسلامي والمنار للنشر والتوزيع، ط1، 1421هـ/2000م) ص34.
33- وهو من الذين اطلقوا صيحة الانذار، ونادى بان المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها العالم الرأسمالي بخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، هي المعول الذي سيقوم بتدمير الديمقراطية السياسية في العالم الغربي, ومن مصنفاته: (الدولة في النظرية والتطبيق – The State in Theory and Practice), وكتاب (الايمان والعقل والحضارة- Faith,Reason,and Civilization). وقد نشر لاسكي في العام 1925 كتاب (قواعد السياسة) وفي العام 1940 نشر كتاب (الرئاسة الاميركية)
انظر: BCA&Random Century Group Ltd, THE HUTCHINSON CONCISE ENCYCLOPEDIA,(ibid) p521.
(*) وفولتير اسم استخدمه فرانسوا ماري لنفسه لتذييل كتاباته، وهو ممن نادى بالحرية والمساواة, من مصنفاته: (المعجم الفلسفي – Philosophiane Le Dictionaire) وكتاب (زاديك او صادق – Zadig) نقله الدكتور طه حسين الى العربية تحت اسم القدر.
(**) طور ليبنيز فرعا من فروع الرياضيات يسمى كالكولوس (Calculus) او التحليل الحسابي, ساهم ضمن نشاطه الديني والسياسي مع آخرين في دمج الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية، وهو ممن يحسب على الفلسفة المثالية.
34- الصفار، فاضل، ضد الاستبداد (بيروت، دار الخليج العربي للطباعة والنشر، ط1، 1418هـ/1997م) ص52 و 137.
- و راجع: الأسدي، ناصر حسين، شورى الفقهاء المراجع (بيروت، مؤسسة الفكر الاسلامي للثقافة والاعلام، ط1، 1411هـ/1991م) ص248.
35- Edward Craig, Concise Routledge, ENCYCLOPEDIA OF PHILOSOPHY,(ibid)p921.
36- NEIL McNAUGHTON, SUCCESS IN POLITICS,(ibid) p21.
(*) يعتبر جون لوك مؤسس المدرسة التجريبية الحديثة، دعا الى التسامح الديني. درس الطب في جامعة اوكسفورد. هرب العام 1683م الى هولندا بسبب معارضته للحكم القائم في بريطانيا، ثم عاد العام 1688م بعد سقوط الحكومة، واشتهر عنه قوله: "التجربة منبع كل معرفة".
37- Stephen D.Tansey, POLITICS THE BASICS, (ibid), p65
38- NEIL McNAUGHTON, SUCCESS IN POLITICS,(ibid) p22.
39- John Henry Kingdom, GOVERNMENT&POLITICS IN BRITAIN,Polity Press,Cambridge,UK,1991,P42.
40- John Wadham,Philip Leach and Penny Sergeant, YOUR RIGHTS The Liberty Guide, Pluto Press,London,Sixth Edition 1998,p36.
41- خالصي، د. خالصي، "جدلية الفكر والقوة .. قوة الفكر وصنمية القوة" مجلة النبأ (بيروت، المستقبل للثقافة والاعلام، السنة 7، العدد 60، 1422هـ/2001) ص17.
42- Peter Joyce, 101 Key Ideas Politics, First Published in UK 2001, by: Hodderline PLC, London,P39.
43- غرايبه، د. رحيل محمد، الحقوق والحريات السياسية في الشريعة الاسلامية (مصدر سابق) ص35
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحرية نصوص ونظرات
في تعريفه للإنسان في عصر الرأسمالية يقول هوبز: (الإنسان ذئب للإنسان)(1).
انتهت الألفية الثانية وموضوع الحرية لا زال يشكل جدل العصر الحاضر بعد ما شكل جدلا واسعا في العصور السابقة وستشكل نفس الجدل إن لم يكن أكبر في عصور لاحقة..
فمنذ وجود الإنسان على الأرض وظهور المجتمعات البشرية وما يحدث داخلها من صراعات ونزاعات تصادر حريات الآخرين على حساب حريات أخرى وتنشئ أنظمة عديدة للرق والعبودية يصبح الإنسان فيها هو السلعة الوحيدة بخسة الثمن حيث تهدر كرامته وإنسانيته لأجل رغيف من الخبز يسكت به جوعه أو قطعة رثة من الثياب يستر بها عريه..
منذ وجود الإنسان ومفردات هذه الكلمة البراقة تأخذ حيزاً كبيراً ومساحات شاسعة من تفكير وقلق العقل البشري واهتماماته سواءً على مستوى التنظير القانوني أو الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي إلى آخر المجالات التي تدخلها هذه المفردة في عمليات التفاعل والتواصل الإنساني بين الفرد كذات واعية وبين المجتمع وعياً وممارسة جماعية..
يقول لوركا شاعر إسبانيا مخاطباً حبيبته والتي هي رمز لبلاده التي رزحت لسنوات طوال تحت حكم الدكتاتورية:
ما الإنسان دون حرية يا ماريانا..
قولي لي.. كيف أستطيع أن أحبك إذا لم أكن حراً؟
كيف أهبك قلبي إذا لم يكن ملكي؟
نجد في تلك المقطوعة معادلة واضحة الأبعاد ـ فبقدر ما تكون حراً تستطيع أن تحب وأن تمنح مشاعر الود للآخرين.. وبقدر ما تكون مستلباً.. ومستباحاً تجد أنك منكفئ على ذاتك تفكر وتستغرق فيها ولا تستطيع أن تمنح شيئاً للذات الأخرى سواء كانت إنساناً أو وطناً..
ما هي الحرية..
في اللغة العربية نجد أن تاريخ هذا المصطلح ليس واضحاً بما فيه الكفاية رغم أنه بمعناه المجرد كان شائعاً في استعمال العرب قبل الإسلام..
كانت كلمة الحر تعني: النبيل(2)، وقد كان استعمال حر بمعنى (شريف حسن) شائع الاستعمال في اللغة العربية في بواكيرها..
وفي الأدب العربي شاع استخدام الكلمة مصطلحاً وصفياً يتضمن قيماً سائدة مثل: (حر الكلام) تعني كلاماً بالغ الفصاحة(3) .. وقد تعني كلمة حر أحياناً كل ما تتضمنه كلمة (سيد)..
وتأكيداً لهذا البعد الأخلاقي لكلمة (حر) نجد أنها تستعمل أحياناً جنباً إلى جنب مع كلمة (كريم) أو ما شابهها فـ(الحر الكريم) هو السيد الحقيقي..
ويعود اصل هذا الاستخدام لكلمة (حر) إلى ذلك الميل الإنساني العام إلى نسبة كل الصفات القبيحة للرقيق وقدره السيئ في أن يحظى الإنسان الحر ـ قانوناً ـ بنسبة كل الصفات الطيبة إليه..
وهنا حين تظهر كلمة (حر) فإن المقابل الطبيعي لها هو كلمة (عبد) وحتى في الموت فالحر لا يرضى إلا بموت يليق بمكانته كما في قول مسلم بن عقيل الذي رفض الاستسلام دون قتال وأنشد:
أقسمت لا أقتل إلا حراً وإن رأيت الموت شيئاً نكرا(4)
فالخيار هنا ليس بين الحرية والموت ولكنه الخيار بين موت كريم هو موت الأحرار وآخر وضيع هو موت العبيد..
أما المقابل العبري للكلمة فهو قريب من المقابل العربي لها وكان يعني (النبل) و(السؤدد) في أوساط الطبقات العليا في مجتمع ما(5)..
وأما التعريفات الصوفية للحرية فنستطيع أن نلاحظها في كتاب التعريفات للجرجاني حيث يعرفها كما يلي: (الحرية في اصطلاح أهل الحقيقة الخروج عن رق الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار وهي على مراتب: حرية العامة عن رق الشهوات، وحرية الخاصة عن رق المرادات لفناء إرادتهم في إرادة الحق، وحرية خاصة الخاصة عن رق الرسوم والآثار لانمحاقهم في تجلي نور الأنوار)(6).
والحرية ـ كما في موسوعة السياسة ـ مفهوم سياسي واقتصادي وفلسفي وأخلاقي عام ومجرد ذو مدلولات متعددة ومتشعبة ويمكن تمييز ثلاثة مستويات مختلفة في تعريف الحرية..
المستوى الأول: هو المستوى اللغوي والعادي والمتعارف عليه والذي يعني انعدام القيود القمعية أو الزجرية، ويرتبط هذا المستوى بشبكة معقدة من المفاهيم مثل المسؤولية القدرة على اتخاذ القرار، القدرة على تنفيذ مشروع أو هدف الإرادة..
المستوى الثاني: يقع في نطاق التفكير الأخلاقي السياسي وهي في هذا المستوى ذلك الشيء الذي يجب أن يكون ولم يتحقق بعد.. ويرتبط هذا المستوى بشبكة أخرى من المفاهيم مثل القانون، الشريعة، والقاعدة والمؤسسة والسلطة السياسية.
المستوى الثالث: هو مستوى الفلسفة الخالصة حيث يطرح السؤال التالي : كيف ينبغي أن يكون تكوين الواقع في كليته حتى يصبح من الممكن أن يشتمل على شيء ما يشبه الحرية؟ إن هذا السؤال هو سؤال عن ماهية الحرية وجوهرها يربط وجودها بمجموعة من المفاهيم والتعابير مثل السببية، الحتمية، الاحتمال، الإمكان، تتعلق كلها بصيغ الوجود وطرقه.. (7)
هذا الوجود البشري لا يتقوم إلا بامتلاك المعرفة التي هي وحدها الموصلة إلى قيم الخير وابتعاداً عن الشر وبالتالي الوصول إلى الحرية المنشودة.
(ليس من أحد شريراً بمحض إرادته ذلك أن كل شيء لدى الإنسان يأتي من نقص في المعرفة، المعرفة تحرر وتوصل إلى الحقيقة والحقيقة سيدة مطلقة تأبى لمن وصل إليها أن يعود إلى عبودية الأهواء والنزوات)( كما يقول سقراط.. الحرية هنا إذن عملية انعتاق من الجسد وتحرر من كل ما يشدنا نحو ارتكاب الشر وهي في النهاية التزام دائم بالخير..
عند ديكارت فإن الحرية الحقيقية ليست قدرة التردد بين اختيار شيء ونقيضه بل هي الإرادة التي استعانت بالمعرفة واختارت الحق أي أنها الإرادة التي تتحكم فيها البواعث والحوافز الخيرة، ومن هنا فإن المعرفة الطبيعية والنعمة الإلهية تزيدان الحرية ولا تنقصانها تقويانها ولا تضعفانها.. كلما ازدادت معرفتي للحق والخير كلما ازدادت حريتي.. الحرية إذن تمر عبر علمية التحرر من الخطأ وهي في نهاية المطاف مع الخير المطلق(9).
أما التعريف الفلسفي والذي يقع ضمن التقليد الأخلاقي.. ووفقاً لهذا الفيلسوف..
فإن حرية النفس تعني أن النفس إما ألا تكون تائقة بغريزتها إلى الأمور البدنية وإما أن تكون تائقة..
فالتي تكون تائقة هي الحرية وإنما سمينا هذه الحالة بالحرية لأن الحرية في اللغة تقال على ما يقابل العبودية ومعلوم أن الشهوات شيء مستعبد..
وأما التائق إلى الأمور البدنية فإنه سواء تركها أو لم يتركها فإنه لا يكون حراً بل التائق التارك أسوأ حالاً من التائق الواجد في الحال، من حيث أن التوقان مع الحرمان قد يشغل النفس عن اكتساب الفضائل، وإن كان أحسن حالاً منه في المآل لأن عدم وجدانه لها في الحال واشتغاله بغيرها ربما يزيل عنها ذلك التوقان في ثاني الحال..
فظهر مما قلنا: أن الحرية عفة غريزية للنفس لا التي تكون بالتعويد والتعليم وإن كانت تلك أيضاً فاضلة وهي معنى قول أرسطو: (الحرية ملكة نفسانية حارسة للنفس حراسة جوهرية لا صناعية..).
وبالجملة فكلما كانت علاقة النفس بالبدن أضعف وعلاقتها العقلية أقوى كلما كانت أكثر حرية ومن كان بالعكس كان بالعكس والى هذا أشار أفلاطون بقوله: (الأنفس المرذولة في أفق الطبيعة وظلها والأنفس الفاضلة في أفق العقل وضوئه)(10).
ما الذي يمكن أن نتستشفه من كل تلك التعريفات للحرية؟
الإنسان باعتباره كائناً اجتماعياً تحيط به جملة من الضوابط الأخلاقية كونه فرداً في مجتمع متعدد الأفراد يراعي مسألة الأخلاق في تعامله وسلوكه.. فهو كلما كان ملتزماً بتلك الضوابط والقواعد الأخلاقية التي أرساها المجتمع كان حراً وبالتالي فإن تلك الحرية المتحصلة عن هذا الطريق لا تتجاوز حرية الآخرين أو محاولة تهميشها في سبيل الاندفاع اللامسؤول لتحقيق حريته..
وعودة لمقولة هوبز الذئبية والتي كانت في بداية السطور نلمح بوضوح تلك الصلة الحميمة بين الحرية والأخلاق أو قل نلمح المفهوم الأخلاقي للحرية الذي عالجته جميع الدراسات الفكرية ونادت به لتكون الحرية منهجاً وسلوكاً واقعياً ينسجم مع حركة الذات وتفاعلها مع حركة المجموع..
فالحرية الأخلاقية تعني رغبة الإنسان في أن يكون طيباً.. وهي بتعبير آخر: (خدمة الإنسان للخير وإنهماكه فيه وبقدر خدمته له تكون حريته لأن من لم يتمسك بالخير فليس بحر)(11).
وتعني أيضاً ضبط النفس إذ (لا يعد حراً من لا يتمكن من ضبط نفسه)(12).
فالطمع أحد الوجوه للعبودية التي هي نقيض الحرية.. يقول أمير المؤمنين… : (لا يسترقنك الطمع وقد جعلك الله حراً)(13)، فالاسترقاق هنا يوازي الحرية ويعادلها إذا تمكن الطمع من النفس البشرية.
والحرية تساوي الحب والمودة والسلام.. وهي حرية الأسوياء والأتقياء في عالم ينضح بالكراهية والحقد والبغضاء.. وهي صفاء القلب ووضوحه وصدقه وليس مخاتلة أو مداورة أو رياء فالحرية على حد تعبير أبي تراب… : (منزهة من الغل والمكر)(14).
إن هذا المسار الأخلاقي للحرية إذا تمكن من النفس شرط ضروري لسيطرة الإنسان على غيره، وهي سيطرة التكافؤ والتماثل لا سيطرة التناقض والتنافر.. إن الحرية تعطي الإنسان القدرة على تجريد نفسه من قيود بيئته الطبيعية وعاداته الرتيبة، وبذلك تجعل فيه إنساناً حكيماً حقاً..
إنما يمتلك الحرية الحقيقية ذلك الذي يمتلك الذكاء والحقيقة (فزيادة كلمة في مخاطبة الحر أحب إليه من زيادة جزيلة في أجرته، وإحسانك إلى الحر يحركه على المكافأة واحسانك إلـــى الخسيـــس يحركه عــــلى معاودة المسألة)(15) وهو مأخوذ وإن بتعبير آخر من قول الإمام علي… : (من قضى ما أسلف من الإحسان فهو كامل الحرية)(16).
فالحرية هي إذن التحرر من الشر بجميع مفرداته والاندفاع نحو الخير والحب، ومن العوامل التي تعيق الإنسان عن بلوغ الهدف الحقيقي لإنسانيته.. إن تجنب الشرور التي ترتكبها الكائنات البشرية عادة هو الحرية الحقيقية (فعسير على الإنسان أن يكون حراً وهو ينصاع للأفعال القبيحة الجارية مجرى العادة)(17).
إن التحرر من البدائية والبلاهة والجهل يعد النفس للحرية الحقيقية (وبسلوك هذه السبل تصير حرة معتوقة من رق الجهالة وعبودية الحداثة)(18)، أو كقول سقراطالحرية تعني أن امرءاً ما تحرر من الجهل وانه لا يفعل إلا ما يتطلبه العقل)(19). هل نستطيع لملمة ما تناثر من موضوعنا على أسطع الأوراق وسطورها الزرقاء؟ ومما تناثر فيما سبق نخلص إلى النتيجة التالية:
الحرية.. عنينا بها الحب والمودة والصدق والتواضع والبساطة وضبط النفس أمام الأهواء والشهوات.. وهي المعرفة والحكمة واتزان العقل في تعاطيه مع ما يصادفنا في طرقات الحياة.. ونسأل.. كيف نظر الإسلام بتلك المجموعة من القيم والتشريعات الإلهية إلى الحرية.. سواء على مستوى النظرية أو الممارسة؟
لقد رأى الإسلام أن (الأصل في الإنسان الحرية في قبال الإنسان الآخر.. إذ لا وجه لتسلط الإنسان على إنسان آخر وهو مثله، كما أن الأصل في الإنسان العبودية لله سبحانه وتعالى)(20).
في هذه الفقرة.. الحرية هي حق طبيعي للإنسان وليست منة من أحد ما سواءً كان فرداً أو مجموعة.. فهي في فطرته توجد معه منذ لحظة الولادة وحتى لحظة الموت.. ولا أحد يقدر على سلبها إياه إلا الله سبحانه وتعالى لأنه الموجد والمانح لها..
وقد طبق الرسول الكريم(ص) في أول حكومة إسلامية ذلك المبدأ في السلم والحرب وفي جميع تعاملاتها مع الآخرين مسلمين كانوا أو مشركين وكفاراً.. وكذلك أمير المؤمنين… في حكومته القصيرة زمنياً الطويلة بما قدمته من نماذج في التعامل يحتذى بها.. وليس بخاف على أحد موقفه مع الخوارج الذين رفعوا السيف بوجهه وهو خليفة المسلمين إذ قال لهم (لكم عليّ ثلاث: ألا أمنعكم من مساجد الله تذكرون الله فيها وأن لا أمنعكم أرزاقكم وأن لا أبدأكم بقتال).
إلا أن هذا المفهوم الإسلامي الشامل والواسع لمبدأ الحرية قد تعرض لانتكاسات عديدة على مستوى التطبيق والممارسة.. لابتعاد الإنسان عن جادة الصواب واندفاعه وراء الشهوات والأهواء..
مما جعل أحد المفكرين الفرنسيين يخلص إلى القول في دراساته حول الحرية القانونية وضماناتها في المنظومة السياسية والاجتماعية للحضارة الإسلامية (إن الحرية في الدولة الإسلامية النموذجية لم تكن الحرية التي يموت الإنسان ـ ربما ـ من أجلها، والتي تعطي للحياة قيمتها الحقيقية والتي تتناول احترام الإنسان ككائن مخلوق على صورة الله.. إن معنى الحرية الحقيقي في الإسلام يوجد في العلاقة بين الإنسان والله)(21) .
وهذا المفهوم للحرية هو المفهوم الميتافيزيقي الذي تبناه متصوفة الإسلام في جميع أقوالهم وممارساتهم حتى باتت تغيب عن أنظارنا الصورة الحقيقية لهذا المفهوم الذي كرسه الإسلام بجميع تشريعاته.. ووصلنا إلى الألفية الثالثة ونحن ننظر إلى تجارب الآخرين نحاول استعارتها..
والذي نأمل منه أن تكون هذه الكتابات وغيرها بادرة خير لعودة الحرية الواقعية لأبناء أمتنا الإسلامية ليعيشوا في أوطانهم عيش الأحرار الأبرار وما ذلك ببعيد.
====================
الهوامش :-
(1) نحو حرب دينية: روجيه غارودي ص14.
(2) لسان العرب: لابن منظور، ح ر ر.
(3) يتيمة الدهر: الثعالبي، ج4 ص248.
(4) مقاتل الطالبيين: الأصفهاني، ص 104.
(5) العهد القديم: سفر الملوك الأول.
(6) التعريفات: الجرجاني، ص90.
(7) موسوعة السياسة: د. عبد الوهاب الكيالي، ج2 ص244.
( الموسوعة الفلسفية العربية: د.معن زيادة، ص266. (9) المصدر السابق.
(10) المباحث الشرقية: الرازي، ج2 ص413.
(11) محاسن الكلم: المبشر بن فاتك، ص113.
(12) المصدر السابق: ص67.
(13) غرر الكلم.
(14) المصدر السابق.
(15) محاسن الكلم: المبشر بن فاتك ص128.
(16) غرر الكلم.
(17) محاسن الكلم: ص64.
(18) المصدر السابق: ص12.
(19) لباب الأدب: أسامة بن منقذ ص434.
(20) الفقه السياسة، السيد الشيرازي مسألة 44 ص454.
(21) مفهوم الحرية في الإسلام: فرانز روزنتال ص102