منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 علم الجرح والتعديل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علم الجرح والتعديل Empty
مُساهمةموضوع: علم الجرح والتعديل   علم الجرح والتعديل Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:09 am

علم الجرح والتعديل





[*]
[*]
[*]
[*]


مقدمة فى علم الجرح والتعديل




تعريف علم الجرح والتعديل
        هو علم يبحث فيه عن قواعد جرح الرواة وتعديلهم .
        هذا هو التعريف الذي أراه ، وإليك توضيحه بإيجاز ؛ فالمراد بقواعد الجرح : الشروط التي لابد من توفرها في المجرح ، والشروط التي لابد من توافرها في الجرح ليقبل ، وألفاظ الجرح ، ومراتب هذه الألفاظ ، وحكم حديث أهل كل مرتبة من هذه المراتب.
والمراد بقواعد تعديل الرواة :
         شروط المعدل ، وشروط التعديل المقبول ، وألفاظ التعديل ، ومراتب هذه الألفاظ ، وحكم حديث أهل كل مرتبة من هذه المراتب.
        ويدخل في قواعد الجرح والتعديل أمور أخرى ، مثل:
         القواعد التي تتبع عند تعارض أقوال الأئمة في الراوي ، أو تعارض قول الإمام الواحد.
        ولقد عرف صاحب "كشف الظنون" علم الجرح والتعديل بأنه : 
علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة ، وعن مراتب تلك الألفاظ . "كشف 1/582".
        وفي رأيي أن صاحب كشف الظنون ذكر تعريف علم الرجال ، لا تعريف علم الجرح والتعديل ، وهناك فرق بين العلمين ؛ إذ علم الجرح والتعديل فرعٌ من فروع علم الرجال ـ كما صرَّح هو ، أي : صاحب "كشف الظنون" بذلك في نفس الموضع السابق ـ فعلم الجرح والتعديل:        

        علمٌ بقواعد جرح الرواة وتعديلهم ، أما علم الرجال فهو معرفة أحوال الرواة، والحكم عليهم في ضوء علم الجرح والتعديل.        ولقد بيَّن صاحب "كشف الظنون" أن هذا التعريف من عنده ، وأن علم الجرح والتعديل لم يذكره أحد من أصحاب الموضوعات . " الكشف 1/582".
        والذي يتضح لي أن أصحاب الموضوعات لم يذكروه لعدم ذكر السابقين له على أنه علم مستقل ، فلقد كان داخلا ضمن علوم الحديث ـ وإن كان نوعا كبيرا واسع المسائل متعدد الفروع ـ ولما بدأ علم الرجال يتميز كان علم الجرح والتعديل داخلا فيه ، ولا غرابة أن يظل علم فترة من الزمن من مشمولات علم آخر ، فكثير من العلوم بدأ هكذا ثم استقل ، فعلم الدراية نشأ في ثنايا علم الرواية ثم استقلَّ ، وكذلك علم أصول الفقه عاش فترة في ثنايا الفقه ثم استقل ، وكذلك علوم القرآن عاشت فترة في ثنايا التفسير ثم استقلت .
        ولما أفرد علم الدراية بالتأليف ، كان يشمل فيما يشمل علم الجرح والتعديل ، على أنه نوع منه ، وبعضهم اعتبره نوعين ، فالحاكم أبو عبد الله النيسابوري (المتوفي 405هـ ) جعله النوع الثامن عشر من علوم الحديث ، وقال : ( هذا النوع من علم الحديث معرفة الجرح والتعديل وهما في الأصل نوعان ، كل نوع منهما علم برأسه ) . اهـ " معرفة علوم الحديث ص 52" .
        وعده ابن الصلاح نوعا من الأنواع ، وهو عنده النوع الثالث والعشرون ، وعنون له " معرفة صفة من تُقْبلُ روايته ، ومن تردُّ روايته ، وما يتعلق بذلك من قدح وجرح ، وتوثيق وتعديل".
        وتبع ابن الصلاح في ذلك كثيرون ممن اقتدوا به ويكفي تدليلا على سعة هذا النوع أن تعرف أنه اشتمل على أكثر من خمسين صحيفة من كتاب "تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي".
منزلة علم الجرح والتعديل : ـ
        بيَّن الحاكم أن علم الجرح والتعديل ثمرة علم الدراية ، والمرقاة الكبيرة منه. 
" معرفة علوم الحديث ص 52".
        وكان العراقي أوضح منه ، إذ قال :
واعن بعلم الجرح والتعديل        فإنه المرقاة للتفصيل
بين الصحيح والسقيم ..        ..........................
        وقال السخاوي شارحًا ذلك : " ( واعن) أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام ، ( بعلم الجرح ) أي التجريح ، ( والتعديل ) في الرواة فهو من أهم أنواع الحديث ، وأعلاها وأنفعها .. " " فتح المغيث 3/314".
ويقول ابن المديني : ( الفقه في معاني الحديث نصف العلم ، ومعرفة الرجال نصف العلم . " نقله في مقدمة الخلاصة وعزاه لتذهيب الذهبي".
        وقال ابن أبي حاتم : ( ولما كان الدين هو الذي جاءنا عن الله ـ عز وجل ـ وعن رسوله صل الله عليه وسلم ينقل الرواة ، حق علينا معرفتهم ، ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم ، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة ، والثَّبت في الرواية بما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته .. وأن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم ، وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ . . . الخ ). " تقدمة الجرح والتعديل ص 5 ، 6 ، وراجع إلى ص 10 ففيه فوائد".
        ولعله اتضح لك شئ من منزلة هذا العلم ، وأنه السبيل إلى الحكم على الحديث بالصحة أو الحسن أو الضعف.
        وأوضِّحُ لك فإنه لو كان عندك حديث لا تعرف حاله من حيث القبول والرد ، فسبيلك إلى معرفة حاله أن تعرف أحوال رجال الإسناد ، وبعد معرفة أحوالهم يمكنك الحكم على الحديث ، فإذا عرفت أحوال رجال الإسناد ، فإنك لا تستطيع فهم مصطلحات الأئمة في تراجم الرجال إلا إذا كنت دارسًا علم الجرح والتعديل ، كما أنك لا تستطيع التصرف إذا وجدت بعض العلماء قد جرح الراوي وبعضهم عدله إلا إذا كنت قد درست هذا العلم ، فمثلاً لو وجدت في ترجمة راوٍ "منكر الحديث" ، أو "فيه مقال" ، فبدون معرفة علم الجرح والتعديل لا تعرف حكم الحديث ، وبمعرفة علم الجرح والتعديل تعرف أن " منكر الحديث " من المرتبة الخامسة من مراتب الجرح ، وأهل هذه المرتبة يكتب حديثهم للاعتبار ، إلا إذا كان قائل هذه العبارة "منكر الحديث" الإمام البخاري ، فإنه يطلق هذه العبارة على من لا تحل الرواية عنه ، كما صرح بذلك ، وكذلك " فيه مقال " بدون معرفة علم الجرح والتعديل لا تعرف حال الحديث الذي قيل في أحد رواته ذلك ، وبمعرفة هذا العلم ـ الجرح والتعديل ـ تعرف أن هذه الكلمة من المرتبة السادسة من مراتب الجرح ، والمتصف بها يكتب حديثه للاعتبار.
        ومجمل القول: أن علم الجرح والتعديل هو سبيل معرفة حال الحديث من حيث القبول والرد ، وهذه منزلة سما بها هذا العلم ؛ نظرًا لعظم مكانته من المصدر الثاني للإسلام السنة النبوية .



منزلة الإسناد
        حث الرسول صل الله عليه وسلم الأمة على أن يأخذ كل منها العلم عمن فوقه ، ويبلغه من دونه ، إذ في ذلك بقاء العلم وإظهاره ، ومعرفة أحكام الدين والعمل بها .
        يقول صل الله عليه وسلم : " تسمعون ، ويسمع منكم ، ويسمع ممن يسمع منكم " (1).
        ويقول : " بلغوا عني ولو آية . . . " (2)
        ويقول : " نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه ، حتى يبلغه عنا كما سمعه ، فرب حامل فقه غير فقيه " (3) ، وفي رواية : " ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " ، وفي رواية : " فرب مبلغ أوعى له من سامع " ، وقال في حجة الوداع : " ليبلغ الشاهد الغائب ، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه" (4).
        وقد لوفد عبد القيس : " احفظوه وأخبروا به من وراءكم " (5).
        وهو - صل الله عليه وسلم- إذا كان قد حث الأمة على السماع والإسماع ، اللذين هما حصن أمان للسنة من أن يضيع منه حرف ، فإنه أيضا وضع لها الحصن الذي يحفظها من أن يزاد فيها حرف ، فحذر من الكذب عليه ، ومن رواية المكذوب ، وعن الكاذب ، مبينا أن هذا النوع من الكذب ليس كأي كذب ، وإنما هو كذب في دين الله ، إثمه أعظم والعقوبة عليه أشد .
        أخرج الإمام مسلم (1/51ـ 59) عن سمرة بن جندب ، وعن المغيرة بن شعبة ، قالا : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب ؛ فهو أحد الكاذبين " روى بفتح الباء الموحدة وبكسرها .
        وعن علي رضى الله عنه ، قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " لا تكذبوا على ، فإنه من يكذب علي يلج النار" .
        وعن أنس أنه قال : إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " من تعمد على كذبا ؛ فليتبوأ مقعده من النار".
        وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " من كذب على متعمدا ؛ فلتبوأ مقعده من النار" .
وعن المغيرة قال : سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول : " إن كذبا على ليس ككذب على أحد ، فمن كذب علي متعمدا ، فلتيبوأ مقعده من النار".
        وبين القرآن الكريم أن الخبر المقبول إنما هو خبر العدل ، أما خبر الفاسق فلا ، قال سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ... } الآية ، وقال : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ، فدلت الآية الأولى على وجوب التبيين والكشف عن خبر الفاسق ، ودلت الثانية على الاعتماد على خبر العدل ، وهي وإن كانت في الشهادة ، فالخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه ، فإنهما يجمعان في أعظم معانيهما . " راجع مقدمة صحيح الإمام مسلم " .
        ومن هذين ـ الحث على السماع ، والإسماع ، والرواية عن العدول فقط ، كان علم الإسناد ، واهتمت به الأمة اهتماما منقطع النظير ؛ لإدراكها أنه أساس حفظ هذا الدين .
        قال عبد الله بن المبارك : ( الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ) ، وقال : ( بيننا وبين القوم القوائم ) يعني : الإسناد . " مقدمة مسلم".
        وقال محمد بن سيرين : ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذونه). "مسلم والكفاية ص 196" .
        وقال الضحاك بن مزاحم : ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذونه ). " كفاية ص 196".
        وقال طاووس : ( إن كان صاحبك مليا ـ أي يعتمد عليه بأن يكون عدلا ضابطا ـ فخذ عنه ) ." مقدمة مسلم".
        وقال مالك : ( اتق الله ، وانظر ممن تأخذ هذا الشأن ) . " كفاية ص 196".
        وقال القاضي أبو بكر بن العربي المعافري : ( والله أكرم هذه الأمة بالإسناد ، لم يعطه أحدا غيرها ، فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود والنصارى ، فتحدثوا بغير إسناد ، فتكونوا سالبين نعمة الله عن أنفسكم ، مطرقين للتهمة إليكم ، وخافضين لمنزلتكم ، ومشتركين مع قوم لعنهم الله وغضب عليهم ، وراكبين لسنتهم".
.................................
المراجع والحواشي السفلية
1ـ أخرجه ابن حبان وأبو داود وأحمد عن ابن عباس .
2ـ أخرجه البخاري والترمذي وأحمد عن عبد الله بن عمرو 
3ـ أخرجه ابن حبان والترمذي وأبو داود وأحمد عن زيد بن ثابت .
4ـ أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة .
5ـ أخرجه مسلم عن ابن عباس


=======================
من كتاب : علم الجرح والتعدبل ( قواعده وأئمته )


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علم الجرح والتعديل Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الجرح والتعديل   علم الجرح والتعديل Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:09 am

العدالة


        العدالة : مصدر عدل ـ بضم الدال ـ يقال عدل فلان عدالة وعدولة فهو عدل ، أي : رضا ومقنع في الشهادة . والعدل يطلق على الواحد وغيره ، يقال : هو عدل وهما عدل وهم عدل ، ويجوز أن يطابق ، فيقال : هما عدلان وهم عدول ، وقد يطابق في التأنيث فيقال : امرأة عدلة .
        وأما العدل الذي هو ضد الجور فهو مصدر قولك عدل ـ بفتح الدال ـ في الأمر فهو عادل . وتعديل الشئ تقويمه . وتعديل الشاهد نسبته إلى العدالة .
        وللعلماء في تفسير العدالة آراء نذكر بعضا منها : 
1ـ العدالة: 
        صفة توجب مراعاتها الاحتراز عما يخل بالمروءة عادة ظاهرا ، فالمرة الواحدة من صغائر الهفوات وتحريف الكلام لا تخل بالمروءة ظاهرا ؛ لاحتمال الغلط والنسيان ، والتأويل ، بخلاف ما إذا عر منه ذلك وتكرر فيكون الظاهر الإخلال.
        والمروءة ـ التي في تعريف العدالة ـ هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق ، وجميل العادات . وقيل : هي صون النفس عن الأدناس ، ورفعها عما يشين عند الناس.
2ـ العدالة :
        الاستقامة . وليس لكمال الاستقامة حد يوقف عنده ، فاعتبر فيها أمر واحد ، وهو رجحان جهة الدين والعقل ، على طريق الشهوة والهوى ، فمن ارتكب كبيرة سقطت عدالته وقل الوثوق بقوله ، وكذلك من أصر على صغيرة ، فأما من أتى بشئ من الصغائر من غير إصرار فعدل بلا شبهة .
3ـ العدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر ، هي :
        العدالة الراجعة إلى استقامة دينه ، وسلامة مذهبه ، وسلامته من الفسق ، وما يجري مجراه .
4ـ العدالة: 
        ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ، والمراد بالتقوى : اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة .
        هذا في العدالة ، أما العدل ففي تفسيره يأتي حديث رسول الله صل الله عليه وسلم : 
        أخرج الخطيب في الكفاية ( ص 136) بسنده عن الإمام الحسين بن علي ـ رضى الله عنهما ـ أن النبي صل الله عليه وسلم قال : " من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ؛ فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته " (1).
        وللعلماء في تفسيره أقوال ، منها :
1ـ سئل عبد الله بن المبارك عن العدل ، فقال : ( من كان فيه خمس خصال : يشهد الجماعة ، ولا يشرب هذا الشراب ، ولا تكون في دينه خربة ، ولا يكذب ، ولا يكون في عقله شئ ).
2ـ وقال إبراهيم : ( العدل في المسلمين من لم يظن به ريبة ) .
3ـ وقال سعيد بن المسيب : " ليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب لابد ، ولكن من الناس من لا تذكر عيوبه ، من كان فضله أكثر من نقصه ، وهب نقصه لفضله " .
4ـ وقال الشافعي : ( لا أعلم أحدا أعطى طاعة الله حتى لم يخلطها بمعصية الله إلا يحيى بن زكريا عليه السلام ، ولا عصى الله فلم يخلط بطاعة ، فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل ، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح ).
5ـ وجمهور العلماء على أن العدل هو : المسلم ، البالغ ، العاقل ، الذي سلم من أسباب الفسق ، وخوارم المروءة ، ( تقدم معنى المروءة ).
        وهكذا يتضح أن العدل هو : من سلمت عقيدته ، وصحت عبادته ، واستقام سلوكه على هدي رسول الله صل الله عليه وسلم .
        فعقيدته على الكتاب والسنة ، ليس مبتدعا ، ولا صاحب هوى .
        وعبادته وفق شرع الله تعالى ، كما جاء في الكتاب والسنة ، فهو منته عما نهى الله عنه ؛ مؤتمر بما أمر الله به ، لا يفعل كبيرة ، ولا يصر على صغيرة ، فإن زلت قدمه ؛ بادر بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى .
        إنه يسير على هدى القرآن والسنة ، دون تبديل أو تغيير ، ودون مخالفة لنهى ، أو تقصير في أمر.
        وكذلك الحال في أخلاقه ، فهو على هدى القرآن والسنة .
         ومن هنا يتَّضح قدر العدل ، وأنه بمنأى عن الكذب ، بعيد عن الزور ، إنه صاحب عقيدة تمنعه من الكذب على الناس ، فما بالك بالكذب على الله !! إنه يتقي الله في كل لفظة ، ويخاف الله في كل حركة ، ومن هنا فإنه لا ينطق إلا بالصدق ، ولا يقبل أبدا إلا ما يرضي الله تعالى .
        واستقامة العبادة وسمو الخلق تجعل المسلم خيرا ، لا يقبل الباطل ، وإنما هو حق وخير.
         فإذا أضيف إلى ذلك الضبط ـ والذي سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى ـ والذي:
هو قوة الذاكرة ، بحيث إذا سمع شيئا حفظه ، واستطاع استحضاره في أي وقت ، أو إذا كتب أتقن ودقق ، وحفظ كتابه من أن تمتد إليه يد بتغيير ، إذا أضيف هذا الضبط إلى العدالة فإنه يبين لنا صفة من تقبل أخباره في الإسلام ، وأنه المسلم التقي الذكي ، الذي لا يقول إلا الصدق ، وهو متقن حافظ.
..................................
المراجع والحواشي السفلية 
1ـ وأخرجه أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان 2/300.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
ما تثبت به العدالة
        تثبت العدالة بأحد أمور :
1ـ الشهادة بها : -
        فمن شهد له بالعدالة فهو عدل ، إلا أنه اختلف في عدد الشاهد ؛ فذهب بعض العلماء إلى أنه يجب أن يكون اثنين فأكثر ، فمن شهد له عدلان فأكثر بأنه عدل ثبتت عدالته وذلك قياسا على الشهادة على حقوق الآدميين ، إذ هي لا تثبت بأقل من عدلين . وجمهور العلماء على أنه يكفي في إثبات عدالة الراوي شهادة عدل واحد بها ، قالوا : حيث إنه يقبل خبره فيجب أن تقبل تزكيته ، بل هي من باب أولى ، إذ أن الصفة تثبت بأقل مما يثبت به الحكم ، كما يثبت الإحصان بشهادة اثنين ، ولا يثبت الرجم إلا بشهادة أربع ، فإذا اشترطنا أكثر من واحد في التزكية في حين أننا نقبل خبر الواحد ، فإنا نكون قد أثبتنا الصفة بأعلى مما يثبت به الحكم ، وهذا عكس المتفق عليه ، إذ المتفق عليه أن الذي تثبت به الصفة التي بثبوتها يثبت الحكم أنقص في الرتبة من الذي يثبت به الحكم . وآخر نقلي ؛ وهو قبول عمر بن الخطاب تزكية الواحد ، إذ قبل في تزكية سنين أبي جميلة قول عريفه ، وهو واحد.
        أخرج الخطيب ( كفاية 161) بسنده عن سنين قال : "وجدت منبوذًا على عهد عمر بن الخطاب فذكر عريفي لعمر فأرسل فدعاني والعريف عنده ، فلما رآني مقبلاً قال : " عسى الغوير أبؤسا" (1) قال العريف له : يا أمير المؤمنين ! إنه ليس بمتهم ، قال : على ما أخذت هذا ؟ قال : وجدت نفسًا مضيعة فأحببت أن يأجرني الله فيها . قال : ( هو حرٌ ، وولاؤه لك وعلينا رضاعه )" .
        قال الخطيب ( ص 161) : ( والذي نستحبه أن يكون من يزكي المحدث اثنين للاحتياط . فإن اقتصر على تزكية واحد أجزأ ) .
        وإذا كان تعديل الواحد كاف ، فهل هو يشمل تعديل المرأة والعبد ؟ خلاف بين العلماء .
        حكم تعديل المرأة :-
اختلف في تعديل المرأة على عدة أوجه :
1ـ فأكثر العلماء من أهل المدينة وغيرهم على أنه لا يقبل في التعديل النساء ، لا في الرواية ، ولا في الشهادة .
2ـ وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني إلى أنه تقبل تزكية المرأة في الرواية والشهادة ، لا تزكيتها في الحكم ، الذي لا تقبل شهادتها فيه .
3ـ وذهب الفخر الرازي وغيره إلى قبول تزكيتها مطلقا ، مستدلين بتزكية بريرة للسيدة عائشة ، وقد قبل النبي صل الله عليه وسلم ذلك كما في قصة الإفك.
        حكم تعديل العبد : -
        اختلف في هذا :
1ـ ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني إلى أنه يجب قبول تزكيته في الخبر دون الشهادة ؛ لأن خبره مقبول وتزكيته مردودة .
2ـ وذهب الفخر الرازي وغيره إلى قبول تزكيته في الخبر وفي الشهادة .
3ـ هذا والذي عليه المعول أن عدالة الراوي تثبت بتزكية عدل واحد له ، حرا كان أو عبدا ، ذكرا أو امرأة ؛ لأنه إن كان ينقل هذه التزكية فهي خبر ، والخبر يقبل عن الواحد ، وإن كان باجتهاد منه فهو حكم ولا يشترط في الحاكم تعدد.
        بيد أنه يشترط في هذا العدل الذي يزكي الراوي شروط سوف نعرض لها بعد قليل إن شاء الله ، فتجب مراعاتها فقد يكون عدلا لكن لا خبرة له بالرجال ، فمثل هذا لا تقبل تزكيته.
        ومما يجدر التنبيه إليه أنه وإن كانت عدالة الراوي تثبت بتزكية عدلٍ ـ أو عدلين ـ فإنها لا تثبت برواية عدل ـ أو عدلين ـ عنه وما روى عن قوم بصحة ذلك فهو مردود.
        قال الخطيب : ( احتج من زعم أن رواية العدل عن غيره تعديل له بأن العدل لو كان يعلم فيه جرحا لذكره ، وهذا باطل ؛ لأنه يجوز أن يكون العدل لا يعرف عدالته فلا تكون روايته عنه تعديلا ولا خبرا عن صدقه ، بل يروي عنه لأغراض يقصدها ، كيف وقد وجد جماعة من العدول الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم بأنها غير مرضية ، وفي بعضها شهدوا عليهم بالكذب في الرواية وبفساد الآراء والمذاهب ) ، وسرد لكل ذلك أمثلة.
" راجع الكافية ص 150 ـ 154".
2ـ الاستفاضة والشهرة بالعدالة بين أهل العلم : 
        فمن اشتهرت عدالته ، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة بين أهل العلم ، فإنه لا يحتاج إلى بينة شاهدة بعدالته تنصيصا ، بل عدالته تثبت بذلك ، وهو فوق من تثبت عدالته بتزكية عدل أو عدلين.
        ولقد عقد الخطيب في الكفاية ص 147 ( باب في المحدث المشهور بالعدالة والثقة والأمانة لا يحتاج إلى تزكية المعدل ) ذكر فيه أن مثل مالك بن أنس ، والسفيانين ـ الثوري وابن عيينة ـ وأحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر ، والاشتهار بالصدق والبصيرة والفهم ، لا يسأل عن عدالتهم ، وإنما يسأل عن عدالة من كان في عداد المجهولين ، أو أشكل أمره على الطالبين .
        وذكر عن القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني قوله : ( والشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية متى لم يكونا مشهوري العدالة والرضا ، وكان أمرهما ملتبسا ، ومجوزا فيه العدالة وغيرها ، والدليل على ذلك أن العلم بظهور سترهما ، واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة في تعديله وأغراض داعية لهما إلى وصفه بغير صفته ، وبالرجوع إلى النفوس يعلم أن ظهور ذلك من حاله أقوى في النفس من تزكية المعدل لهما ) . اهـ 
        وهذا مذهب شائع بين الأئمة قديما ، يدل على ذلك ما روى أن أحمد بن حنبل سئل عن إسحاق بن راهويه ، فقال : ( مثل إسحاق يسأل عنه ؟ إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين )..
        وكذا يحيى بن معين ، فلقد سئل عن أبي عبيد ، فقال : ( مثلي يسأل عن أبي عبيد ؟ أبو عبيد يسأل عن الناس ) ـ وأبو عبيد هو القاسم بن سلام صاحب التصانيف النافعة ، توفى سنة أربع وعشرين ومائتين .
3ـ العناية بطلب الحديث : 
        قال ابن عبد البر : كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة حتى يتبين جرحه .
        واستدل على ذلك بقوله صل الله عليه وسلم : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" (2).
        فكل من اشتهر بين الحفاظ بأنه من أصحاب الحديث ، وأنه معروف بالعناية بهذا الشأن ، ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تبيينا ولا اتفق لهم علم بأن أحدا وثقه ، فهو مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح .
        وقال بهذا أيضا مع ابن عبد البر جماعة ، منهم السابق ، واللاحق ، بيد أن ابن عبد البر هو الذي أشهره وأشاعه ، فلذا نسب إليه ، من هؤلاء : إسماعيل بن إسحاق القاضي ، والمزي ، وابن الجزري ، وابن المواق ، وابن سيد الناس ، والذهبي ، ومنهم أيضا النووي ، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ كلامه .
        ويستأنس لهذا بما جاء بسند جيد أن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ كتب إلى أبي موسى رضى الله عنه : ( المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد ، أو مجربا عليه شهادة زور ، أو ظنينا في ولاء أو نسب ).
        وأيضًا ما رُوىَ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر : ( لا يؤخذ العلم إلا عمن شهد له بطلب الحديث ) (3) قال أبو زرعة : ( فسمعت أبا مسهر يقول : إلا جليس العالم ، فإن ذلك طلبه ).
        قال الخطيب : ( أراد أبو مسهر بهذا القول أن من عرفت مجالسته للعلماء ، وأخذه عنهم أغنى ظهور ذلك من أمره أن يسأل عن حاله ) .
        وأيضًا ما رُوِى عن عبد الله بن عون : ( لا نأخذ هذا العلم إلا عمن شهد له عندنا بالطلب ) .
        إلا أنه لم يجمع على هذا الأمر ـ ثبوت العدالة بالعناية بالطلب ـ فقد خالف القائلين بذلك جمع من الأئمة منهم ابن الصلاح ، إذ قال ـ بعد أن ذكر هذا الرأي عازيه إلى ابن عبد البر وحده ـ : ( وفيما قاله اتساع غير مرضي ) .
        وأجاب رافضوا هذا الرأي على حديث : " يحمل هذا العلم . . . الحديث " ، بأنه من كل طرقه ضعيف ، وعلى فرض أنه يصح الاستدلال به ، فإنما يصح الاستدلال به لو كان خبرا ، ولا يصح حمله على الخبر ، لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر ، ومعناه أنه أمر الثقات بحمل العلم ؛ لأن العلم إنما يقبل عن الثقات ، ويؤيد هذا ما جاء في إحدى طرقه عند ابن أبي حاتم " ليحمل " بلام الأمر.
        وأجاب القائلون بهذا الرأي بأن الفساق إذا عرفوا شيئا من العلم ، فليس هذا بعلم حقيقة.
        قال النووي ـ تهذيب الأسماء واللغات 1/1/17 ـ في الحديث عن فضل تابعي التابعين ومن بعدهم : ( وجعلهم ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ عدولا فأمرهم بالتبليغ عنه فقال صلى الله عليه وسلم : " ليبلغ الشاهد منكم الغائب" ، وفي الحديث الآخر : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " ، وهذا إخبار منه صل الله عليه وسلم بصيانة العلم وحفظه ، وعدالة ناقليه ، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفا من العدول يحملونه ، وينفون عنه التحريف وما بعده فلا يضيع ، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر ، وهكذا وقع ولله الحمد ، وهذا من أعلام النبوة ، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئا من العلم ، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه ، لا أن غيرهم لا يعرف شيئا منه ـ والله أعلم ) . اهـ
        وإني لأسلم لابن عبد البر ومن معه في هذا الرأي إذ جعلوا الشهرة بطلب الحديث مرجحا لأحد الجانبين ، فكل راو يجوز أن يكون عدلا ، وأن يكون مجروحا ، فحيث لم يظهر فيه جرح ، ولم يوجد من يوثقه ، فإن شهرته بالطلب تجعل جانب التوثيق راجحًا ، فنحكم بعدالته ، حتى يظهر فيه جرح ، فإذا لم يظهر جرح فهو عدل ، وهذا معنى كلام ابن عبد البر : ( كل حامل علم معروف العناية به ، فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة ، حتى يتبين جرحه ) ، ولقد قال بذلك ابن حجر كما سيتضح في العنصر الرابع.
4ـ رواية الجلة عنه : 
        ذهب بعض الأئمة إلى أن مما تثبت به عدالة الراوي رواية جماعة من الجلة عنه ، قال بذلك البزار ، وابن القطان ، والذهبي ، وابن حبان ، بل ادعى الذهبي أنه رأى الجمهور ، فلقد سار البزار في مسنده على هذه الطريق ، وجنح ابن القطان إليها ، أما الذهبي فقال ـ في الميزان ـ في ترجمة مالك ابن الخير ـ بالمثناة ـ الزبادي ـ بالموحدة ـ وقد نقل عن ابن القطان أنه ممن لم تثبت عدالته ، قال : ( يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة ) ، ثم قال : ( وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم ، والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ، ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح).
        وتعقبه ابن حجر بقوله : ( ما نسبه للجمهور لم يصرح به أحد من أئمة النقاد إلا ابن حبان ، نعم هو حق فيمن كان مشهورا بطلب الحديث والانتساب إليه).
        والناظر يجد أن ابن حجر يرى ثبوت عدالة الشيخ إذا كان مشهورا بالطلب ، وروى الجلة عنه . فكأنه جمع سببي العدالة ـ السابق وما هنا ـ في سبب واحد ، أما كلام النووي ـ السابق ـ ، والذهبي ـ هنا ـ فيفيدان أن السببين كل منهما مستقل ، يفيد العدالة وحده ، وبينهما فارق ، فتثبت عدالة الراوي بالشهرة بالطلب ، وتثبت أيضا برواية الجلة عنه .
ويظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنهما سببان مستقلان ، كل منهما يفيد العدالة ـ والله أعلم .
.................................
المراجع والحواشي السفلية 
1- هذا مثل قديم يقال عند التهمة ، وأصل هذا المثل أنه كان غار فيه ناس فانهار عليهم وأتاهم فيه عدو فقتلهم فصار مثلا لكل شئ يخاف أن يأتي منه شر ، وأراد عمر بالمثل : لعلك زنيت بأمه وادعيته لقيطا فلما شهد له بالستر تركه ـ والغوير ـ بضم وفتح ـ راجع النهاية في غريب الحديث ج3 ، -صل الله عليه وسلم- 394 ، 395 ففيها مزيد من هذا .
2ـ والحديث أخرجه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل ، وابن عدي في مقدمة الكامل من عدة طرق وفيه اختلاف بين الأئمة شديد فمن مصحح له إلى حاكم بالوضع . راجع مقدمة الكامل في الضعفاء لابن عدي -صلى الله عليه وسلم- 190 ، 232 ، وفتح المغيث للسخاوي 1/275 ، وفتح المغيث للعراقي 2/6، والتقييد والإيضاح -صل الله عليه وسلم- 138 ، 139.
3- راجع الكفاية -صل الله عليه وسلم- 149 ، ومقدمة الكامل لابن عدي -ص 242.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
تفسير العدالة
        تقدَّم أن ممَّا تثبت به العدالة شهادة عدل بها ، فهل تكفي شهادته أن هذا الراوي عدلٌ فقط؟ أم لابدَّ أن يفسر العدالة أي يذكر سببها ؟ 
        ذهب بعض الأئمة إلى أنه لابد من ذكر سبب العدالة ، وذلك لأمرين :
        الأول : أنه قد يزكَّي بناء على أمر لا يصح سببًا للعدالة ، كما قيل لأحمد بن يونس : عبد الله العمري ضعيف ، فقال : إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه ، ولو رأيت لحيته وخضابه وهيئته لعرفت أنه ثقة . فاحتج أحمد بن يونس على أن عبد الله العمري ثقة بما ليس حجة ؛ لأن حسن الهيأة مما يشترك فيه العدل والمجروح.
        الثاني : أن أسباب العدالة مما يكثر التَّصنع فيها ، فيتسارع الناس إلى الثناء على الظاهر ، فهذا الإمام مالك مع شدة نقله وتحريه قيل له في الرواية عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، فقال : ( غرني بكثرة جلوسه في المسجد) ، يعني لما ورد من كونه بيت كل تقي.
        وذهب بعضهم إلى أنه لا يجب ذكر سبب العدالة ، بل يقبل على الجملة تعديل المزكي ، وذلك لأمرين : 
        الأول : إجماع الأمة على أنه لا يرجع في التعديل إلا إلى قول عدل ، رضا ، عارف بما يصير به العدل عدلا والمجروح مجروحا ، فلو أوجبنا مطالبته بذكر سبب العدالة لكان ذلك قدحا في معرفته بأحوال المزكي وما به تحصل العدالة وما به يحصل الجرح .
        الثاني : أن أسباب العدالة كثيرة متعددة ، فإذا أوجبنا ذكر سبب العدالة كان على المزكي أن يذكر لنا كل ما يفعله الراوي ، مما يوافق الشرع ، وكل ما يتركه الراوي مما يخالف الشرع ، وفي ذلك ما فيه . وهذا الرأي هو الذي أميل إليه ، فإن دليلي الفريق الأول يزولا حينما تتوافر في المزكي الشروط التي اعتبرها الأئمة كي يقبلوا شهادته وتزكيته ، ولسوف نذكرها لك إن شاء الله تعالى . وهذا الرأي أيضا هو الذي قال به الخطيب ، إذ قال: ( وقال قوم : لا يجب ذكر سبب العدالة ، بل يقبل على الجملة تعديل المخبر والشاهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
شروط المعدل
        اشترط الأئمة شروطا في المزكي بحيث إذا وجدت قبلوا قوله في الرجال ، وإلا فلا ، وهذه الشروط هي : 
1ـ أن يكون عدلا ، أي : مسلما ، بالغا ، عاقلا ، سالما من أسباب الفسق وخوارم المروء ة.
2ـ أن يكون له شديد اعتناء بالطلب ، والفحص عن أحوال الرجال.
3ـ أن يكون عالما بالأسباب التي تجعل الراوي عدلا والتي تجعله مجروحا ، ولا يحكم إلا بعد تثبته من وجودها فيمن زكاه .
4ـ أن لا يكون متعصبا لمن عدله أو متعصبا ضده ، فيعدل أو يجرح لعصبية عقدية أو مذهبية أو إقليمية .
        وهذه طائفة من أقوال الأئمة تبين لك ما استنبطناه من شروط : 
ـ قال التاج السبكي :
        ( من لا يكون عالما بأسبابهما ـ أي : الجرح والتعديل ـ لا يقبلان منه ، لا بإطلاقه ولا بتقييد.
ـ وقال الحافظ ابن حجر :
        ( تقبل التزكية من عارف بأسبابها ، لا من غير عارف) .
ـ وقال الخطيب : 
        ( ما يعرف به صحة المحدث العدل الذي يلزم خبره ـ يعني ما تعرف به عدالة الراوي ـ على ضربين : فضرب منه يشترك في معرفته الخاصة والعامة ، وهو : الصحة في بيعه وشرائه وأمانته ، ورد الودائع ، وإقامة الفرائض ، وتجنب المآثم ، فهذا ونحوه اشترك الناس في علمه ، والضرب الآخر هو : العلم بما يجب كونه عليه من الضبط والتيقظ ، والمعرفة بأداء الحديث وشرائطه ، والتحرز من أن يدخل عليه ما لم يسمعه ، ووجوه التحرز في الرواية ، ونحو ذلك مما لا يعرفه إلا أهل العلم بهذا الشأن ، فلا يجوز الرجوع فيه إلى قول العامة ، بل التعويل فيه على مذاهب النقاد للرجال ).
ـ وقال الحافظ الذهبي :
        ( ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب ، والفحص عن هذا الشأن ، وكثرة المذاكرة ، والسهر ، والتيقظ ، والفهم ، مع التقوى ، والدين المتين ، والإنصاف ، والتردد إلى مجالس العلماء ، والتحري ، والإتقان ، وإلا تفعل : 
فدع عنك الكتابة لست منها        ولو سودت وجهك بالمداد
قال الله تعالى عز وجل : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } فإن آنست يا هذا من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا ، وإلا فلا تتعن ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب ، فبالله لا تتعب ، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله ؛ فأرحنا منك ، فبعد قليل ينكشف البهرج وينكب الزغل ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، فقد نصحتك ) . اهـ " تذكرة1/4".
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
مراتب التعديل
        لما كانت درجات الرواة في العدالة والضبط متفاوتة ، استعمل الأئمة ألفاظا تدل على ذلك ، وها أنذا أذكر لك مراتب التعديل(1) قد رتبتها من الأعلى إلى الأدنى ، والله المستعان :
المرتبة الأولى :
        ما كان بصيغة " أفعل" من ألفاظ التعديل العليا : ( أوثق الناس ، أثبت الناس ، أتقن من أدركت ) ، ويلتحق بها : ( إليه المنتهى في التثبت) ، ويحتمل أن يلتحق بها : ( لا أعرف له نظيرا في الدنيا ).
المرتبة الثانية : 
        ما يفيد اشتهار الراوي بالعدالة والرضا : ( فلان يسأل عن مثله ، مثلي يسأل عن فلان ؟ ! ، مثل فلان يسأل عنه ؟ ! ، فلان يسأل عن الناس).
المرتبة الثالثة :
        تكرار لفظ التوثيق الذي هو من ألفاظ التعديل العليا : (ثقة ثبت ، ثقة متقن ، ثبت حجة ، ثبت حافظ ، ثقة ثقة ، ثبت ثبت ) ، ونحو ذلك إذ التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة على الكلام الخالي منه ، وعليه فما زاد على مرتين فهو أعلى منها ، وهكذا . ويلتحق بذلك : ( عدل ضابط ، عدل متقن ، عدل حافظ ) .
المرتبة الرابعة :
        ما كان بلفظ من ألفاظ التعديل العليا : ( ثقة ، ثبت ، متقن ، حجة ) ، وكذا إذا قيل في العدل : ( حافظ ، ضابط ) (2).
المرتبة الخامسة : 
        ( ليس به بأس ، لا بأس به ، صدوق (3) ، مأمون ، خيار ، خيار الخلق ).
المرتبة السادسة : 
        ( محله الصدق ، رووا عنه ، روى الناس عنه ، يروي عنه ، إلى الصدق ما هو (4) ، شيخ وسط ، وسط ، شيخ ، صالح الحديث ، يعتبر به ( أي في المتابعات والشواهد ) ، يكتب حديثه ، مقارب الحديث (5) ، جيد الحديث ، حسن الحديث ، مقارب الحديث (6) ، ما أقرب حديثه ، صويلح ، صدوق إن شاء الله ، أرجوا أنه لا بأس به ، ما أعلم به بأسا ) .
ويمكن تقسيم المرتبة السادسة إلى أكثر من واحدة ، ولعل العراقي قد فعل ذلك ، فإنه بعد ذكر اللفظين الأخيرين ( أرجو أنه لا بأس به ) ، و( ما أعلم به بأسا) قال : ( والأولى أرفع ؛ لأنه لا يلزم من عدم حصول العلم حصول الرجاء بذلك).
        أما الإمام النووي فصريح كلامه أنها مرتبتان ، والسيوطي معه في هذا ، فإن الإمام النووي في تقريبه جعل ( شيخ ) مرتبة ، وذكر السيوطي ـ نقلا عن العراقي ـ معها ( محله الصدق ) ، و ( إلى الصدق ما هو ، شيخ وسط ، جيد الحديث ، حسن الحديث ) ، ونقلا عن ابن حجر : ( صدوق سيئ الحفظ ، صدوق يهم ، صدوق له أوهام ، صدوق تغير بآخره ) ، ثم قال : ويلحق بذلك من رمى بنوع بدعة كالتشيع ، والقدر ، والنصب ، والإرجاء ، والتجهم .
        وجعل ـ أي النووي في تقريبه ـ ( صالح الحديث ) مرتبة وذكر السيوطي معها نقلا عن العراقي : ( صدوق إن شاء الله ، أرجو أن لا بأس به ، صويلح ) ، ونقلا عن ابن حجر : ( مقبول) .
        قلت : فعلى كلام العراقي والنووي يمكن جعل هذه المرتبة ثلاث مراتب ، الأولى والثانية من كلام النووي ، والثالثة هي : ( ما أعلم به بأسا ) التي هي أنزل شئ عند العراقي ، إلا أن هذا الخلاف من جعلها مرتبة أو مرتبتين أو ثلاث مراتب غير مؤثر ، فيمكن جعل كل كلمة منها مرتبة تلي سابقتها في الدرجة ، ويمكن جعل هذه الكلمات كلها تحت مرتبة واحدة ، وهي في نفسها مرتبة ، وقد رتبتها لك في ضوء كلام الأئمة من الأعلى إلى الأدنى جهد الطاقة ، وفق الله وسدد.
قال السخاوي : ( والضابط لأدنى مراتب التعديل ؛ كل ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح ).
        وهذا الترتيب جرى عليه جمهور أهل الحديث(7) ، وهناك من خالفه منهم مخالفة يسيرة ؛ كابن معين ، ودحيم ، وابن مهدي ، فيجب التنبيه هنا لشيئ ، ألا وهو : 
         إن هذه المراتب إنما هي لجمهور أئمة الجرح والتعديل ، وهي التي استقر عليها الاصطلاح ، وهذا لا يمنع أن يكون لإمام آخر مصطلح يختلف عن هذا المنهج العام ، فيجب مراعاة مصطلح كل إمام حينما نترجم لأحد الرواة .
        فمثلاً حينما نترجم لراو فنجد فيه كلاما لأبي حاتم الرازي ، فإنه يجب هنا أن نعرف مصطلحه الذي يسير عليه ، فإن كان مع الجمهور كما هنا ، عرفنا رتبة الراوي بسهولة ، أما إذا كان له مصطلحات أخرى ، فيجب أن يفهم كلامه في ضوئها ، وهذا مما عز في زماننا .
        وإليك مصطلحات لبعض الأئمة ، ممن خالف اصطلاح الجمهور : ـ
1ـ يحيى بن معين : 
        فظاهر كلامه يقتضي التسوية بين (ثقة ) ـ التي هي من المرتبة الرابعة ـ وبين ( ليس به بأس ) ـ التي هي من المرتبة الخامسة .
        قال أبو خيثمة : قلت ليحيى بن معين : إنك تقول : ( فلان ليس به بأس ) ، و ( فلان ضعيف ) ؟ قال : إذا قلت لك : ( ليس به بأس ) فهو ثقة ، وإذا قلت لك : ( هو ضعيف ) فليس هو بثقة لا تكتب حديثه .
2ـ عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم :
        فلقد نقل عنه أيضا توثيق من قال فيه : ( لا بأس به ) مع الفارق في الرتبة بين : ( ثقة ) و ( لا بأس به ) ، قال أبو زرعة الدمشقي : قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم : ما تقول في علي بن حوشب الفزاري ؟ قال : ( لا بأس به ) ، قال : فقلت : ولم لا تقول : ( ثقة ) ، ولا نعلم إلا خيرا ؟ قال : قد قلت لك إنه ثقة .
        ولقد أجاب العلماء عما قالاه ـ ابن معين ودحيم ـ بجوابين كما يفهم من كلام مجموعهم :
        الأول : إن أحدا منهما لم يقل إن قولي ( ليس به بأس ) كقولي ( ثقة ) حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين ، وإنما قال : إن من قال فيه لا بأس به فهو ثقة ، وللثقة مراتب ، فالتعبير عنه بقولهم ثقة أرفع من التعبير عنه بأنه لا بأس به ، وإن اشتركا في مطلق الثقة .
        قلت : فكأنه يفيد أن ( لا بأس به ) التي هي من المرتبة الرابعة تفيد التوثيق ، وهذا متفق عليه كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
الثاني : إن هذا رأي لهما فقط ، ومن ثم نجد نسبة هذا القول إليهما ظاهرة ، فابن معين يقول : ( إذا قلت لك ليس به بأس فهو ثقة ) ، أي أن هذا رأيه هو ، ولو كان رأيا عامًّا ، لقال : إن ( ليس به بأس ) كـ ( ثقة ) ، أو ما شابه ذلك ، مما يفيد كونه رأيا عاما كتعبير ابن مهدي وابن حنبل حينما كانا يرويان رأيا عاما فقد قال ابن مهدي : حدثنا خلدة ، فقيل له : أكان ثقة ؟ فقال : كان صدوقًا ، وكان مأمونًا ، وكان خيِّرًا ( وفي رواية خيارًا ) الثقة : شعبة وسفيان ، وابن حنبل . سئل : عبــــــد الوهاب بن عطاء ثقة ؟ قال : تدري ما الثقة ؟ إنما الثقة يحيى بن سعيد القطان . فهذا القول من عبد الرحمن بن مهدي ومن أحمد بن حنبل دليل على أن (ثقة) أرفع ، وأن هذا رأى الجمهور.
3- عبد الرحمن بن مهدي :
        فلقد قيل إنه يسوي بين ( صدوق) والتي هي من المرتبة الخامسة ، وبين "صالح الحديث" ، وهي من المرتبة السادسة ، بدليل ما روى عن أبي جعفر أحمد ابن سنان ، قال : كان عبد الرحمن بن مهدي ربما جرى ذكر حديث الرجل فيه ضعف ، وهو رجل صدوق فيقول : رجل صالح الحديث . ولقد حمل الأئمة هذا منه على أنه يخالف الجمهور في هاتين اللفظتين .
        وأرى والله أعلم أن هذه ليست مخالفة للجمهور في مراتب التعديل ، إنما هي مخالفة لمن حكم على الرجل ، فحكم بعضهم بأنه صدوق ، وحكم ابن مهدي بأنه صالح الحديث ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ مزيد بيان لذلك ، وعلى كل فغاية ما فيه أن يكون هذا اصطلاحا خاصا بابن مهدي ، والله أعلم .
حكم هذه المراتب : ـ
        وإذا كنت قد بينت لك ألفاظ التعديل ، وأنها مراتب بعضها أعلى من بعض ، وقسمتها لك إلى ست مراتب ، وبينت أنه يمكن تقسيمها إلى أكثر من ذلك فإنه يبقى أن أذكر حكم هذه المراتب من حيث الاحتجاج بأحاديث أهلها فأقول وبالله التوفيق :
        أما المراتب من الأولى إلى الرابعة : فإنه يحتج بحديث أهلها ، إذ هم جميعا يشتركون في أنهم ثقات ، وقد تقول إذا كانوا جميعا ثقات ، فهلا كانت هذه المراتب مرتبة واحدة ؟ ! والجواب: إن حكمة التقسيم الترجيح عن التعارض ، فإذا اختلف ألفاظ روايتي حديث واحد ؛ إحداهما عن أوثق الناس ، والأخرى عن ثقة ، رجحت التي عن أوثق الناس ؛ إذ هو أعلى في عدالته وضبطه عن الثقة .
        وحديث أهل هذه المرتب حديث صحيح ، منه ما هو صحيح ، ومنه ما هو أصح.
        وحديث الصحيحين من هذه المراتب.
        أما المرتبة الخامسة : فحديث أهلها يحتج به (Cool ، ومرتبته تلي مرتبة حديث الثقة ، وحديث أهلها "حسن" ، إنها مرتبة تشعر بالصدق ، وسلامة الدين ، لكنها لا تشعر بتمام الضبط ، ومن ثم نزلت عن رتبة تمام الضبط ( ثقة ) ، فحديث أهلها "حسن" .
        وأحاديث أهل هذه المرتبة كثير في كتب السنن : سنن أبي داود ، وسن الترمذي ، وسنن النسائي ، وسنن ابن ماجه ، وسنن البيهقي وغيرها .
        أما المرتبة السادسة : فحديث أهلها ضعيف يعتبر به ، بمعنى أنه يبحث له عن مقو يقويه ، من آية قرآنية ، أو حديث آخر ، أو قول صحابي . . . إلخ ، فإذا وجدنا له مقويا ارتفع عن رتبة الضعف إلى الحسن لغيره ، أما إذا لم نجد له مقويا فإنه يستفاد به في غير العقائد والأحكام ، فيؤخذ به في الفضائل ، والترغيب والترهيب ، والزهد ، والآداب ، وحديث أهل هذه المراتب كثير في المصنفات ، والمعاجم ، والأجزاء.
..................................
المراجع والحواشي السفلية 
1- الأولى أن يقال : " مراتب التوثيق " ؛ لأن هذه المراتب مراعى فيها العدالة والضبط ، ووجه جواز " مراتب التعديل " ، أن التعديل عند المحدثين يشمل العدالة والضبط ، وإنما استعملت غير الأولى مراعاة لما سار عليه الأئمة في كتبهم مع التنبيه على الأولى .
2- وإنما كانت " ضابط " مع أنها لعدل أقل من "عدل ضابط " ؛ لأن الثانية صرح الإمام فيها بالأمرين معا ، فكانت أعلى من التي لم يصرح فيها .
3- وصف بالصدق على طريق المبالغة ، ولذا كانت أعلى من " محله الصدق".
4- ليس بعيدا عن الصدق .
5- بكسر الراء ، أي : حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات ؛ أي هو وسط .
6- بفتح الراء ، أي : حديثه تقارب حديث غيره ؛ أي هو وسط .
7- يستثنى من ذلك الخلاف في التقسيم ، ولقد سرت على نهج السخاوي في التقسيم ، أما الحافظ ابن حجر والسيوطي وغيرهما ، فأدخلوا المرتبة الثانية هنا في الأولى ، وجعلوا السادسة هنا مرتبتين خامسة وسادسة ، والخامسة من أول : "محله الصدق" ، إلى : " شيخ" ، والسادسة من : "صالح الحديث" ، إلى النهاية . راجع تدريب الراوي 1/342 ، وفتح المغيث للسخاوي 1/336 ، وراجع الرفع والتكميل في عدة مواطن .
8- قد تجد في بعض الكتب أن حديث أهل هذه المرتبة ضعيف ؛ لفقد شريطة الضبط ، وربما شجع القائلين بذلك ما روى عن ابن أبي حاتم الرازي من قوله : ومنهم ـ أي الرواة ـ الصدوق الورع ، المغفل الغالب عليه ، الوهم والخطأ ، والغلط والسهو ، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب ، والزهد ، والأداب ، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام اهـ كلامه ، وليس الأمر كذلك كذلك ؛ فكلام ابن أبي حاتم هذا ينطبق على الطبقات التالية لذلك ، أما الطبقة التي معنا فهي التي قال فيها ابن أبي حاتم : ومنهم ـ أي الرواة ـ الصدوق الورع ، الثبت الذي يهم أحيانا ، وقد قبله الجهابذة النقاد ، فهذا يحتج بحديثه . راجع الجرح (1/10) ، والواقع يؤيد ذلك ، فإن الثقة حديثه صحيح ، أما من نزل عن رتبة الثقة قليلا ـ وهم أهل هذه المرتبة ـ فيتعين أن يكون حديثهم حسنا ، وإلا انقسم الحديث إلى صحيح وضعيف .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علم الجرح والتعديل Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الجرح والتعديل   علم الجرح والتعديل Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:10 am

الضبط


        قال في المصباح : ( ضبطه ضبطا من باب ضرب حفظه حفظًا بليغًا ، ومنه قيل : ضبطت البلاد إذا قمت بأمرها قيامًا ليس فيه نقص ) ، وقال في المختار : (ضبطُ الشيء حفظه بالحزم وبابه ضرب ).
        أما المحدثون : فالضابطُ عندهم هو اليقظ ، الحافظ لحديثه ، من الضياع والتحريف ، وهذا إجمال نذكر تفصيله فأقول وبالله التوفيق :
        اشترط المحدثون في الضابط شرطين :
        الأول : أن يكون يقظًا ، أي : فطنًا يدرك ما يسمع ، ويدرك ما يقول ، قال أبو نعيم الفضل بن دكين : ( ينبغي أن يكتب هذا الشأن عمن كتب الحديث يوم كتب ؛ يدري ما كتب ، صدوقٌ مؤتمنٌ عليه ، يحدث يوم يحدث ، ويدري ما يحدث ) .
" الكفاية ص 263" .
         ولعلك تدرك من كلام أبي نعيم أنه ليس المراد مجرد الفطانة ، وإنما هي فطانة في هذا العلم يوضِّح ذلك قول ابن حبان : ( أن يعقل من صناعة الحديث ما لا يرفع موقوفًا ، ولا يصل مرسلاً أو يُصحِّف سماعًا ) (1) وأيضًا قول عبد الرحمن بن يزيد بن جابر : ( لا يؤخذ العلم إلا عمن شُهد له بطلب الحديث ).
" كفاية ص 251".
        بل جعلوا من اليقظة المطلوبة أيضًا أن يكون متحفِّظًا على شيخه في روايته من أن يدلسه له إن كان ممن يعرف بالتدليس ، فإن كان الشيخ خبيث التدليس ؛ فعلى الطالب أن يكون تحفُّظه عليه أكثر ؛ وتحرُّزه منه أشد . قال شعبة : ( كنت أجلس إلى قتادة ، فإذا سمعته يقول : سمعت فلانًا ، وحدثنا فلان كتبت ، فإذا قال : قال فلانٌ ؛ وحدث فلان لم أكتب ). " كفاية ص 255" .
         ومنها أن يكون ذا علم بالرواة وأحوالهم ، يقول يحيى بن سعيد : (ينبغي في هذا الحديث غير خصلة ؛ ينبغي لصاحب الحديث أن يكون ثبت الأخذ ، ويكون يفهم ما يقال له ، ويبصر الرجال ، ثم يتعاهد ذلك ) ، ويقول أبو نعيم : ( لا ينبغي أن يؤخذ الحديث إلا عن ثلاثة ـ أي إلا عن ذي ثلاثة أمور ، أي : خصال ـ حافظ له ، أمين عليه ، عارف بالرجال، ثم يأخذ نفسه بدرسه وتكريره حتى يستقرَّ له حفظه ) ، ويقول أبو زرعة الدمشقي : ( رأيت أبا مسهر يكره للرجل أن يحدث إلا أن يكون عالمًا بما يحدث ضابطًا له ) .
        الثاني : أن يكون حافظًا لحديثه بحيث لا يتطرق إليه تزوير ، ولا يعتريه ضياع ، وهذا الشرط يظهر في ضوء تقسيمهم الضبط .
...................................
المراجع والحواشي السفلية 
1- فتح المغيث 1/269.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أقسام الضبط
        الضبط نوعان :
1ـ ضبط صدر ، والمُتَّصف به من يحفظ ما سمعه بحيث يبعد زواله من حافظته ، ويتمكن من استحضاره متى شاء .
        وهذا الذي يُحدِّث من صدره ؛ إما أن يُحدِّث بالمعنى ، وإما أن يحدِّث باللفظ ، فإن كان يحدِّث بالمعنى فيشترط فيه :
أ ـ أن يكون عالما بمدلولات الألفاظ بصيرا بها .
ب ـ أن يكون عالما بما يحيل المعاني.
وهذان الشرطان احتراز من أن يغير في لفظ الحديث ما يجعل الحلال حرامًا ، والحرام حلالا .
ج ـ أن لا يكون حافظا للفظ النبوي ، وإلا تعيَّن عليه التحديث به .
        ويشترط في الحديث الذي يروي بالمعنى :
أ ـ أن لا يكون مما اختصَّ به صل الله عليه وسلم من جوامع الكلم .
ب ـ أن لا يكون من الأحاديث التي تعبدنا بألفاظها كالتشهد والأذان .
ج ـ أن لا يكون من أحاديث العقائد .
د ـ أن لا يكون اللفظ فيه محتملاً لأكثر من معنى . 
" وراجع الكفاية ص 300" .
أما إذا كان يحدِّث باللفظ ـ أي بنفس اللفظ النبوي ـ فلا يشترط فيه شيء مما سبق ، لا في الراوي ولا في المروي.
        قال الشافعي حكاية عن سائلٍ سأله : ( قد أراك تقبل شهادة من لا يقبل حديثه ؟ فقلت : لكبر أمر الحديث ، وموقعه من المسلمين ، ولمعنى بين . قال : وما هو ؟ قلت : تكون اللفظة تترك من الحديث فتُحيل معناه أو ينطق بها بغير لفظة المحدِّث ، والناطق بها غير عامد لإحالة الحديث فيحيل معناه ، فإذا كان الذي يحمل الحديث يجهل هذا المعنى كان غير عاقل للحديث ؛ فلم نقبل حديثه إذا كان يحمل ما لا يعقل إن كان ممن لا يؤدي الحديث بحروفه . . . ) إلخ .
" الرسالة ص 164 ، وهو في الكفاية ص 263".
        واعلم أن هذا الذي قالوه من جواز رواية الحديث بالمعنى من الذاكرة إنما جاز في الأعصار المتقدمة ، والقوم ذاكرتهم قوية ، ولهم شديد اعتناء بهذا العلم ، وجلّ اعتمادهم على الرواية وأصحاب دراية بالغةٍ باللغة ، أما في هذه الأعصار وقد دوِّنت الأحاديث ، وكثرت الكتب ؛ فلا يجوز رواية الحديث بالمعنى ، خاصة والعلم بمدلولات الألفاظ ، وما يُحيل المعاني عرَّى عنه الجل نسأل الله السلامة .
        وهذا المنع من الرواية بالمعنى لا نحكم به الآن فقط ، وإنما منع الأئمة منه بعد انتهاء عصر الرواية ، أي : بعد انتهاء القرن الثالث الهجري.
2ـ ضبط كتاب : والمتَّصف به من يصون كتابه عن تطرُّق التزوير والتغير إليه ، وقد أتقنه بأن يكون جيد الكتابة ، يقابل بعدها .
        عن هشام بن عروة قال : ( قال لي أبي أكتبت ؟ قلت : نعم . قال : عارضت؟ قلت : لا ، قال : لم تكتب . وعن يحيى بن أبي كثير ، قال : ( من كتب ولم يعارض كان كمن خرج من المخرج ولم يستنج ) .
" المحدث الفاصل ص 544 ، والكفاية ص 350".
        يقول الشافعي : ( ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة (1) حتى يجمع أمورًا ؛ منها:
         أن يكون من حدث به ثقة في دينه ، معروفًا بالصدق في حديثه ، عاقلاً لما يحدِّث به ، عالمًا بما يُحيل معاني الحديث من اللفظ أو يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه لا يحدِّث به على المعنى ؛ لأنه إذا حدَّث به على المعنى وهو غير عالم بما يُحيل معناه ؛ لم يدرِ لعله يُحيل الحلال إلى الحرام ، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث ، حافظ إن حدَّث من حفظه حافظًا لكتابه إن حدث من كتابه ، إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم ، بريئًا من أن يكون مدلِّسًا ، يحدِّث عمن لقى ما لم يسمع منه ، ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يحدث الثقات خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون هكذا من فوقه ممن حدثه حتى ينتهي بالحديث موصولاً إلى النبي صل الله عليه وسلم ، أو إلى من انتهى به إليه دونه ؛ لأن كل واحد منهم مُثبت لمن حدثه ، ومُثبت على من حدثه عنه ؛ فلا يستغنى في كل واحد منهم عما وصفت ) .
"الرسالة ص 160 ، وفيها خير كثير فراجعه ، وراجع الكفاية ص 62".
...................................
المراجع والحواشي السفلية 
1- أي المحدث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
كيف يعرف ضبط الراوي ؟
يعرف ضبط الراوي بأن تعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان ؛ كمالك ، وشعبة ، والسفيانين ، والأوزاعي وابن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني والبخاري ، ومسلم . فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم ، أو موافقة في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا ، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم ، عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه .
        وراجع كلام الشافعي السابق تجد فيه :
( إذا شرك أهل الحفظ في الحديث ؛ وافق حديثهم ) ، فإذا أردنا معرفة درجة ضبط راوٍ نظرناه شارك مَنْ مِن الأثبات ؟ فإذا شارك مالكًا مثلاً ، أخذنا مائة من أحاديثه التي شارك فيها مالكًا ، فإن وافقه فثقة ، وإذا اختلَّ في لفظة أو لفظتين فتحتمل وهو أيضًا ثقة ، أما إذا تكرر خطؤه ؛ فيحكم عليه بـ ( حسن ) أو ( ضعيف) ، حسب خفَّة الضبط أو سوئه
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
مراتب الضبط ودلالتها
         اعلم أن الضبط مراتب ؛ عليا ، ووسطى ، ودنيا ، وكذا العدالة ؛ وعليه فمراتب الرواة من حيث العدالة والضبط تنقسم إلى تسع مراتب : 
1ـ رواه في الدرجة العليا من العدالة والضبط .
2ـ رواة في الدرجة العليا من العدالة ، وفي الدرجة الوسطى من الضبط.
3ـ رواة في الدرجة العليا من العدالة ، في الدرجة الدنيا من الضبط.
4ـ رواة في الدرجة الوسطى من العدالة ، وفي الدرجة العليا من الضبط .
5ـ رواة في الدرجة الوسطى من العدالة ، وفي الدرجة الوسطى من الضبط.
6ـ رواة في الدرجة الوسطى من العدالة ، وفي الدرجة الدنيا من الضبط .
7ـ رواة في الدرجة الدنيا من العدالة ، وفي الدرجة العليا من الضبط .
8ـ رواة في الدرجة الدنيا من العدالة ، وفي الدرجة الوسطى من الضبط .
9ـ رواة في الدرجة الدنيا من العدالة ، وفي الدرجة الدنيا من الضبط .
         ولعله اتضح لك أن العدالة والضبط من الأمور المقولة بالتشكيك ، لا بالتواطؤ . فدرجات الرواة متفاوتة في العدالة والضبط ، والله أعلم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

علم الجرح والتعديل Empty
مُساهمةموضوع: رد: علم الجرح والتعديل   علم الجرح والتعديل Emptyالسبت 15 ديسمبر 2018, 9:11 am

الجرح




        قال في المصباح : ( وجرحه بلسانه جرحًا ، عابه وتنقَّصه ، ومنه : جرحت الشاهد إذا أظهرت فيه ما تُردُّ به شهادته ) .
        وقال في اللسان : ( ويقال : جرح الحاكم الشاهد ، إذا عثر منه على ما تسقط به عدالته ؛ من كذب وغيره ، وقد قيل ذلك في غير الحاكم ، فقيل : جرح الرجل غض شهادته ، وقال : جرح الشاهد إذا طعن فيه ورد قوله .. ) اهـ .
        أما عند المحدثين:
فهو ذكر ما يثلبُ العدالة أو الضبط ، فكل مُخلٍّ بالعدالة ؛ من كفر ، أو فسق ، أو بدعة ؛ فهو جرح ، وكل مُخلٍّ بالضبط ؛ من غفلة ، وسوء حفظ ، ووهم ، وتخليط ، وضياع كتب ؛ فهو جرح ، والمتصف بذلك مجروح




حكم الجرح
        العلماء في هذا فريقان ؛ فريق يرى أن الجرح حرام ؛ لأنه غيبة ، وفريق يرى أن الجرح جائز ، وهاك التفصيل والله المستعان :
1 - القول بأن الجرح حرام :
        ذهب بعض الأئمة إلى أن قول القائل : ( فلان ضعيف) ، ( فلان كذاب) ، (فلان وضاع ) ، غيبة محرمة بدليل النصوص الواردة في تحريم الغيبة كقوله تعالى : { ولا يغتب بعضكم بعضا } وقوله صلى الله عليه وسلم : " كل المسلم على المسلم حرام ؛ دمه ، وماله ، وعرضه " إلى غير ذلك من النصوص ، هذا إذا كان فيه ما قال ، أما إذا لم يكن في الراوي ما قال الجارح فهو بهتان كما روى فيما أخرجه مسلم 5/449 عن أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال : "أتدرون ما الغيبة " ؟ قالوا الله ورسوله أعلم . قال : " ذكرك أخاك بما يكره" ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته " ، حتى ولو كان ذلك سبيلا للتعريف بالشخص ، فهو غير جائز كما قال الحسن البصري ـ الذي هو من هؤلاء : ( أخاف أن يكون قولنا حميدا الطويل غيبة ) . " فتح 10/468".
         ولم تظهر لي أسماء هذا الفريق ، ولم يعمد الخطيب إلى ذكر أسمائهم ، وإنما يمكن القول بأن منهم بكر بن حماد الشاعر المغربي ، ومما قاله في ذلك :
أرى الخير في الدنيا يقل كثيره ، وينقص نقصا ، والحديث يزيد
فلو كان خير كان كالخير كله ، ولكن شيطان الحديث مريد
ولابن معين في الرجال مقالة سيسأل عنها ، والمليك شهيد
فإن تك حقا ؛ فهي في الحكم غيبة وإن تك زورا ، فالقصاص شديد
         ومنهم أيضًا يوسف بن الحسين الرازي ، ومنهم كذلك بعض الصوفية .
         أخرج الخطيب عن ابن المبارك أنه ، قال : المعلي بن هلال هو إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب ، قال : فقال له بعض الصوفية يا أبا عبد الرحمن ! تغتاب ؟ ! فقال : اسكت ، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل ؟ ! " كفاية ص 91".
2ـ القول بأن الجرح جائز : ـ
         وذهب جمهور الأئمة إلى أن الجرح جائز ، بل واجب مستدلين على ذلك بما يأتي : ـ
        1ـ قال الله سبحانه وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } أوجب سبحانه الكشف والتبيين عند خبر الفاسق ، ولما كان حاله قد يخفى على البعض ، ويحتاج إلى سؤال من يعرفه عن حاله ، فإجابة العارف واجبة ، وإلا كان آثما متصفا بكتمان العلم .
        2ـ- أن النبي صل الله عليه وسلم قد جرح بعض الأفراد ، وهذه أمثلة :
        أ ـ لما جاءت فاطمة بنت قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباها ، قال صلى الله عليه وسلم : " أما أبو جهم ، فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية ؛ فصعلوك لا مال له " ، والحديث في مسلم 3/691 ، وذكره الخطيب في الكفاية ص 84 ، وقال بعده : ( في هذا الخبر دلالة على أن إجازة الجرح للضعفاء من جهة النصيحة ؛ لتجنب الرواية عنهم ، وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم ؛ لأن رسول الله صل الله عليه وسلم لما ذكر في أبي جهم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه ، وأخبر عن معاوية أنه صعلوك لا مال له ، عند مشورة استشير فيها لا تتعدى المستشير ، كان ذكر العيوب الكامنة في بعض نقلة السنن ، التي يؤدي السكوت عن إظهارها عنهم ، وكشفها عليهم إلى تحريم الحلال ، وتحليل الحرام ، وإلى الفساد في شريعة الإسلام أولى بالجواز وأحق بالإظهار ) . اهـ
         ب ـ أخرج البخاري ( 10/452) بسنده عن عائشة رضى الله عنها أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه قال : " بئس أخو العشيرة ، وبئس ابن العشيرة " ، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه ، وانبسط إليه . فلما انطلق قالت له عائشة : يا رسول الله ! حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ، ثم تطلقت في وجهه ، وانبسطت إليه ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : " يا عائشة متى عهدتني فاحشا ؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ، من تركه الناس اتقاء شره " .
        ففي هذا الحديث لم يقصد صلى الله عليه وسلم الطعن في الرجل ، وإنما أراد أن يبين للناس مذمة الحال التي عليها كي يجتنبوها ، وإلا فإنهم لو رأوا إكرامه صلى الله عليه وسلم للرجل دون أن يقول ذلك لربما ظنوا تقريره صلى الله عليه وسلم لذي الحال، ومعلوم أن تقريره صل الله عليه وسلم سنة . فأبان مذمة الحال،
ومع ذلك عامل الرجل بحسن الخلق ، فجمع بين الحسنيين ، وعليه فإن ذكر العيب إذا لم يكن قصد المخبر الطعن والتنقص ، وإنما قصد قصدا آخر شريفا ساميا فلا شئ فيه ، وهو جائز كما هنا ، وجرح الرواة من هذا القبيل .
        ج ـ أخرج البخاري (1/566 ) بسنده عن أبي هريرة حديث السهو في الصلاة ، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكما يقول ذو اليدين " ؟ وفي رواية أخرى للحديث : " صدق ذو اليدين " ، وذو اليدين هذا رجل في يديه طول ، ولفظ " ذو اليدين " غيبة ، بل ما ورد عن عائشة في المرأة التي دخلت عليها فأشارت بيدها أنها قصيرة ، فقال النبي صل الله عليه وسلم : " اغتبتيها".
        قال الحافظ في الفتح (10/469) في شرح حديث ذي اليدين ما نصه : "قال ابن المنير أشار البخاري إلى أن ذكر مثل هذا ، إن كان للبيان والتمييز فهو جائز ، وإن كان للتنقيص ؛ لم يجز ، قال : وجاء في بعض الحديث عن عائشة في المرأة التي دخلت عليها فأشارت بيدها أنها قصيرة فقال النبي صل الله عليه وسلم : "اغتبتيها" ، وذلك أنها لم تفعل هذا بيانا ، وإنما قصدت الإخبار عن صفتها فكان كالاغتياب . اهـ
         د ـ أخرج الإمام أحمد في مسنده حديث أبي رهم الغفاري وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة ، أخرج حديثه الذي يرويه عن غزوة تبوك ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله : " ما فعل النفر الحمر الطوال القطاط " ؟ ـ أو قال : " القصار " ؟ ـ شك عبد الرزاق شيخ أحمد ـ والحديث في مسند أحمد (4/349) وفي إحدى روايات الحديث عند البزار قال صل الله عليه وسلم لأبي رهم : " ما فعل النفر الطوال الجعاد الأدم من بني غفار ، هل معنا منهم في المسير أحد " ؟ قلت : لا ، قال : " فما فعل النفر الأدم القصار الخنس من أسلم ، هل معنا منهم في المسير أحد " ؟ قلت : لا ، قال : " فما فعل النفر الحمر الشطاط ، هل معنا أحد منهم في المسير... " الحديث ، والحديث راجعه في مسند أحمد (4/349) ، والفتح الرباني ج21 ص 205 ، ومجمع الزوائد (6/191) ، وهو يدل على جواز أن يذكر الإنسان إنسانا آخر بصفة من صفاته (الطويل القصير. . .) إلخ ، وهذه وإن كانت في صورة الغيبة ، لكنها لا تحرم إذا كانت للتعريف ، كم في الحديث المتقدم .
        ومن هذه الأدلة يتضح لك أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما صورته صورة الجرح . نعم لم يكن قصده صلى الله عليه وسلم طعنا ولا تنقيصا ولا إعابة ، وإنما كان قصده شريفا ، وهدفه نبيلا ، وهذا أيضا قصد جارح الرواة ، فإنه يقصد حفظ ساحة السنة النبوية ، والحفاظ على دين الله تعالى ، وكفاه ذلك شرفا ونبلا ، فدل هذا على جواز الجرح ، فإذا جمعت أدلة الجــواز من السنة مع قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } ومع قوله صل الله عليه وسلم : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب ؛ فهو أحد الكاذبين " ، انتقل الجواز إلى الوجوب ، وأصبح على الأمة أن تبين أحوال الرواة بتعديل العدل ، وجرح المجروح على سبيل الوجوب.
        وبهذا ينتفي قول القائلين بحرمة الجرح ، فإنه إنما أجيز لمصلحة عليا ، وهي الحفاظ على الإسلام ، ودل على جوازه بل وجوبه الكتاب والسنة ، بل والإجماع كذلك .
إجماع الأمة على جواز الجرح : ـ
        وعدا هذه القلة التي ذهبت إلى أن الجرح غير جائز ، قاطبة أهل العلم ، وجمهور الأئمة على جواز الجرح ، حتى اعتبر بعضهم ذلك إجماعًا غير معتبر بهذا الخلاف لقلته ، وبساطة أهله في ساحة العلم ، أي : قلة نصيبهم منه .
        قال الخطيب في رده على هؤلاء الذين يرون عدم جواز الجرح : (وليس الأمر على ما ذهبوا إليه ؛ لأن أهل العلم أجمعوا على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق ، المأمون على ما يخبر به ، وفي ذلك دليل على جواز الجرح لمن لم يكن صدوقا في روايته ) . " كفاية ص 83" .
        وقال السخاوي : ( وأجمع المسلمون على جوازه ـ أي الجرح ـ بل عدَّ من الواجبات ، للحاجة إليه . وممن صرح بذلك النووي ، والعز بن عبد السلام ولفظه في قواعده " القدح في الرواة واجب ، لما فيه من إثبات الشرع ، ولما على الناس في ترك ذلك من الضرر في التحريم والتحليل ، وغيرهما من الأحكام " ، وحكى النووي الإجماع أيضا ، وسيأتي كلامه ) .
        فترى في عبارة الخطيب : ( لأن أهل العلم أجمعوا ) فاعتبر جواز الجرح أمرا مجمعا عليه من أهل العلم ، وفي عبارة السخاوي : ( أجمع المسلمون) فكأنه لم يلق بالا لهذا الاختلاف ، واعتبره أمرا مُجمعًا عليه




شروط المجرح
يشترط في المجرِّح  :
        1ـ أن يكون عدلا كي يمنعه ورعه ، وتقواه من الوقوع في الناس بالباطل.
        2ـ أن يكون ذا اعتناء بهذا الشأن ؛ كي يهتم بأحوال الرجال ، ويحرص على معرفتها .
        3ـ أن يكون عالما بأسباب الجرح .
        4ـ أن يكون منصفًا لا متعصبًا .
        نقل في الرفع والتكميل ص (54) عن ( فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت) ما يلي : ( لابد للمزكي أن يكون عدلاً عارفًا بأسباب الجرح والتعديل ، وأن يكون منصفًا ناصحًا لا أن يكون متعصبا ومعجبا بنفسه ، فإنه لا اعتداد بقول المتعصب كما قدح الدارقطني في الإمام الهمام أبي حنيفة رضى الله عنه بأنه ضعيف في الحديث ، وأي شناعة فوق هذا ؟ ! ) ثم رد هذا الزعم فراجعه إن شئت .
         وقال الحافظ ابن حجر : ( وينبغي أن لا يقبل الجرح إلا من عدل متيقظ).
         ولقد عقد الحافظ ابن عبد البر في كتابه : ( جامع بيان العلم وفضله ) (ج 2 ص 184 ) بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض ، استهله بحديث الزبير بن العوام أن رسول الله صل الله عليه وسلم ، قال : " دب إليكم داء الأمم قبلكم ؛ الحسد والبغضاء ، البغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ، والذي نفس محمد بيده ، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك ، أفشوا السلام بينكم "   
         وذكر فيه قول ابن عباس : استمعوا علم العلماء ، ولا تصدقوا بعضهم على بعض ، فوالذي نفسي بيده لهم أشد تغايرا من التيوس في زربها.
        وقول مالك بن دينار : يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء إلا قول بعضهم على بعض.
         ثم قال : هذا ـ قول العلماء بعضهم في بعض ـ باب قد غلط فيه كثير من الناس ، وضلت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك ، والصحيح في هذا الباب أن من صحت عدالته ، وثبتت في العلم أمانته ، وبانت ثقته ، وعنايته بالعلم لم يلتفت فيه إلى قول أحد ، إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات .
         ثم ذكر نماذج من أقوال السلف بعضهم في بعض ، دلل بها على ما قاله من تنافس الأقران ، وحسد بعضهم لبعض ، ثم قال : ( فمن هداه الله وألهمه رشده ، فليقف عند ما شرطنا في أن لا يقبل فيمن صحت عدالته ، وعلمت بالعلم عنايته ، وسلم من الكبائر ، ولزم المروءة والتعاون ، وكان خيره غالبا ، وشره أقل عمله ، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به ، فهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله ) . انتهى بتصرف ص 199.
        وإذا كان هذا بين العلماء فليس سببه الحسد والتنافس وكفى ، ولكن قد تختلف أسبابه من تعصب مذهبي، أو إقليمي ، أو عقدي ، كتعصب بعض الشافعية ـ أمثال الدارقطني ـ ضد الأحناف والعكس ، وتعصب أهل العراق ضد أهل المدينة ، وتعصب المجسمة ضد أهل السنة ، حتى قال بعضهم في أبي حاتم بن حبان : ( لم يكن له كبير دين ، نحن أخرجناه من سجستان لأنه أنكر الحد لله ) . قال الإمام تاج الدين السبكي : ( وليت شعري من المجروح مثبت الحد أو نافيه ) ؟ !! " راجع طبقات الشافعية 3/132".




الجرح الجائز
        إذا كان الإسلام قد أباح الجرح ، فإنما أباحه بشروط ، هي :
        1ـ أن يكون لراوٍ ـ أو واحد ممن بقي بيان جواز غيبتهم ـ أما غيرهم فلا داعي لتجريحهم إذ لا فائدة في ذلك .
        2ـ أن يكون داعي الجرح المصلحة والنصيحة ، لا حب الطعن والتنقيص والهوى.
        3ـ أن يكون الجارح واثقًا مما قال .
        4ـ أن يكون بقدر الحاجة فقط .
        5ـ إذا كان ترجمة لراوٍ من الرواة ، قد اجتمع فيه تعديل وتجريح فليذكر الجرح والتعديل معًا .
         قال رجاء بن حيوة ( مقدمة الكامل في الضعفاء ص 244 ) لرجل : (حدثنا ولا تحدثنا عن شمات ولا طعان ) .
         وقال السخاوي ( فتح المغيث 3/325) : ( لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد ، فقد قال العز بن عبد السلام في قواعده : إنه لا يجوز للشاهد أن يجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما ، فإن القدح إنما يجوز للضرورة ، فليقدر بقدرها . ووافقه عليه القرافي وهو ظاهر ) .
         وقال ( 3/316) : ( فالجرح والتعديل خطر ؛ لأنك إن عدلت بغير تثبت كنت كالمثبت حكما ليس بثابت ، فيخشى عليك أن تدخل في زمرة من روى حديثا ، وهو يظن أنه كذب ، وإن جرحت بغير تحرز أقدمت على الطعن في مسلم برئ من ذلك ، ووسمته بميسم سوء ، يبقى عليه عاره أبدا ).
         وقال الذهبي في ترجمة أبان بن يزيد العطار ( ميزان الاعتدال ):" قد أورده أيضا العلامة ابن الجوزي في الضعفاء ، ولم يذكر فيه أقوال من وثقه ، وهذا من عيوب كتابه يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق " اهـ.
        ولعله اتضح لك ما يجب أن تكون عليه إذا أردت أن تترجم لراو ، وهو أن تراجع العديد من الكتب ، وتأخذ أقوال المعدلين والمجرحين ، فإن استطعت أن ترجح ترجيحا يعتمد على حقائق علمية فافعل ، وإلا فدع عنك هذا ، فيكفيك أن تقول عدله فلان وفلان وجرحه فلان وفلان ، وحذار أن تتعصب لتجرح ، أو تتعصب لتعدل ، فليس هذا لك




ما يثبت به الجرح
يثبت الجرح بأحد أمرين هما :
        1ـ شهادة عدل أو عدلين بذلك ، وقد تقدم في " ما تثبت به العدالة " ذكر الخلاف بين الأئمة في أنه هل تثبت العدالة بتزكية عدل واحد أم لابد من عدلين ، وهو هنا أيضا ، والذي نميل إليه أن
        الجرح يثبت بشهادة عدل واحد ذكر ، أو أنثى ، حر ، أو عبد .
        2ـ الاستفاضة بين أهل هذا الشأن بالجرح ، فمن اشتهر بين الأئمة جرحه فهو مجروح ، بل جرحه أكثر ثبوتا ممن شهد عدل أو عدلان بجرحه




تفسير الجرح
        أ ـ ذهب بعض الأئمة إلى أنه يجب تفسير الجرح ـ أي ذكر أسبابه ـ مستدلين على ذلك بما يأتي :
        1ـ أن الجرح لا يشق ذكره ، بل هو هين يحصل بالشئ الواحد.
        2ـ أن الناس مختلفون في أسباب الجرح ، فيطلق أحدهم الجرح بناء على ما اعتقده ، ولربما كان في حقيقة الأمر ليس جرحا ، وعليه فلابد من ذكر سبب الجرح ، ليظهر أهو قادح أم لا ، وذكروا أمثلة ذكر فيها الجرح فظهر أنه ليس في حقيقة الأمر جرحا ، وإنما هو جرح بحسب رأي الجارح ، وها أنذا أذكر لك بعضا منها :
         1) سئل شعبة بن الحجاج لم تركت حديث فلان ؟ قال : ( رأيته يركض على برذون  فتركت حديثه ).
" كفاية ص 182 ، وراجع ترجمة شعبة في الحلية 7/152".
         2) قال يحيى بن سعيد القطان : أتى شعبة المنهال بن عمرو فسمع صوتا فتركه ، قال أبو حاتم : يعني أنه سمع صوت قراءة بألحان ، فكره السماع من أجل ذلك . " تقدمة الجرح والتعديل ص 153 ، ص 172".
         3) قال وهب بن جرير : قال شعبة : أتيت منزل المنهال بن عمرو فسمعت فيه صوت الطنبور فرجعت ، قلت : فهلا سألت عسى أن لا يعلم هو ؟
" كفاية ص 183".
        4) قيل للحكم بن عتيبة لم لم ترو عن زاذان ؟ قال : كان كثير الكلام .
" كفاية ص 183".
        5) سئل وهب بن جرير عن صالح بن أبي الأخضر ما شأنه ؟ قال : سمع وقرأ وكان لا يميز القراءة من السماع . " كفاية ص 181".
         6) قال جرير : رأيت سماك بن حرب يبول قائما فلم أكتب عنه .
" كفاية ص 183".
         وقد عقد الخطيب لذلك بابا هو ( باب ذكر بعض من استفسر في الجرح فذكر ما لا يسقط العدالة ) ، فراجعه في الكفاية ص (178).
         قال القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري : لا يقبل الجرح إلا مفسرا ، وليس قول أصحاب الحديث فلان ضعيف وفلان ليس بشئ مما يوجب جرحه ورد خبره ، وإنما كان كذلك ؛ لأن الناس اختلفوا فيما يفسق به ، فلابد من ذكر سببه ، لينظر هل هو فسق أم لا ؟
         حكى هذا القول الخطيب ، ثم قال : وهذا القول هو الصواب عندنا ، وإليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده ، مثل : محمد بن إسماعيل البخاري ، ومسلم ابن الحجاج النيسابوري ، وغيرهما .
         فإن البخاري قد احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم ، والجرح لهم ؛ كعكرمة مولي ابن عباس في التابعين ، وكإسماعيل بن أبي أويس ، وعاصم بن علي ، وعمرو بن مرزوق في المتأخرين ، وهكذا فعل مسلم بن الحجاج ، فإنه احتج بسويد بن سعيد ، وجماعة غيره اشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم ، وسلك أبو داود السجستاني هذه الطريق وغير واحد ممن بعده ، فدل ذلك على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه ، وذكر موجبه . اهـ
" كفاية ص 179".
         ب ـ وذهب بعض آخر إلى أنه لا يجب تفسير الجرح ما دام قد صدر عمن توافرت فيه شروط الجارح ـ وقد تقدمت ـ مستدلين على ذلك بأن استفساره عن الجرح لا ينبني إلا على أحد أمرين :
        1ـ إما اتهام له بالجهل بأسباب الجرح ، وقد ثبت أنه عالم به ـ إذ هذا شرط في قبول جرحه .
        2ـ وإما سوء ظن به وهو لا يصح ؛ لأنه عدل ، وعليه فلا يجب تفسير الجرح. أما إذا خلا الجارح من شرط أو شروط من يقبل جرحه فيكون الأمر كالآتي :
         أ ـ إذا فقد شرط العدالة فلا يقبل جرحه ؛ إذ الجرح حكم ولا يعقل حكم غير العدل.
         ب ـ إذا فقد شرط من الشروط الباقية أو كلها فلابد من تفسير الجرح ، وقيل جرح المتعصب لا يقبل ، ولو كان مفسرا.
         قلت : والرأي الأول أرجح لما ثبت أن بعضهم ـ وهم من أهل الشأن كشعبة ويحيى بن سعيد القطان ـ يذكر ما لا يصح أن يكون جارحًا .
         لكن ليس القول على إطلاقه ، من أن الجرح لا يقبل إلا مفسرًا ، وإنما يقيد في حق من خلا عن التعديل ، وجرح جرحًا مبهما ، فإن الجرح هنا يقبل ؛ لأنه لما خلا عن التعديل صار في حيز المجهول ، وإعمال قول المجرح أولى من إهماله في حق هذا المجهول ، وأما في حق من وثق وعدل فلا يقبل الجرح المجمل ، وهذا ما قاله الحافظ ابن حجر في النخبة




مراتب الجـرح
         اعلم أن مراتب الجرح متفاوتة ، فمن المجروحين من يكتب حديثه للاعتبار ، ومنهم من لا يعتبر به البتة ، وإنما هو ساقط عن مدار الرواية بالمرة ، داخل في الوعيد الشديد : " من كذب على متعمدا ؛ فليتبوأ مقعده من النار" . وها أنذا أذكرها لك ـ مرتبة من الأعلى إلى الأدنى ، بمعنى : أن أذكر لك أولاً أعلى درجات الجرح ، وأنتهي بأقل درجات الجرح ، فإذا أردت أن تجعل سلمًا لمراتب الرواة يبدأ بأعلى درجات التعديل ، وينتهي بأعلى درجات التجريح ، فاعكس ما هنا تجد عندك ترتيبا تنازليًّا يبدأ بـ ( أوثق الناس ) وينتهي بـ ( أكذب الناس ) ، وكنت أردت أن أجعلها هنا من الأدنى إلى الأعلى لتكون مناسبة لهذا التنظيم ، لكني وجدت أن الترتيب من الأعلى إلى الأدنى أيسر للفهم ؛ فسرت عليه ونبهتك.
المرتبة الأولى :
        الوصف بما يدل على المبالغة في الجرح :
أكذب الناس ـ أشر الناس وضعًا للحديث.
ومنه قولهم : ( إليه المنتهى في الوضع ) و( هو ركن الكذب )، ونحو ذلك.
المرتبة الثانية : الوصف بالكذب أو الوضع :
         دجال ـ وضاع ـ كذاب ـ يضع ـ يكذب ـ وضع حديثًا .
المرتبة الثالثة : الوصف بما يفيد الاتهام بالكذب ونحوه :
         فلان يسرق الحديث ـ متهم بالوضع ـ متهم بالكذب ـ ساقط ـ هالك ـ ذاهب أو ذاهب الحديث ـ متروك أو متروك الحديث أو تركوه ـ فيه نظر ، سكتوا عنه ـ لا يعتبر به أو لا يعتبر بحديثه ـ فلان ليس بالثقة ـ أو ليس بثقة ، أو غير ثقة ـ ولا مأمون ، ونحو ذلك .
المرتبة الرابعة :
        الوصف بما يفيد رد الحديث ، وعدم كتابته ، أو نحو ذلك.
         فلان رد حديثه ، أو ردوا حديثه ، أو مردود الحديث ـ فلان ضعيف جدا ـ واه بمرة  ـ تالف ـ طرحوا حديثه ـ ارم به ـ مطرح ، أو مطرح الحديث ـ لا يكتب حديثه ـ لا تحل كتابة حديثه ـ لا تحل الرواية عنه ـ ليس بشئ ، أو لا شئ ، أو فلان لا يساوي فلسا ، أو لا يساوي شيئا .
المرتبة الخامسة :
         الوصف بما يفيد عدم الاحتجاج بحديثه :
ضعيف ، أو ضعيف الحديث ـ منكر الحديث ، أو حديثه منكر ، أو له ما ينكر ، أو مناكير ، أو مضطرب الحديث ـ واه ـ ضعفوه ـ لا يحتج به .
المرتبة السادسة :
         الوصف بما يفيد التكلم فيه بتضعيف أو تليين :
         فيه مقال ، أو أدنى مقال ـ ضعف ـ فيه ضعف ، أو في حديثه ضعف ـ تنكر وتعرف ـ ليس بذاك ، أو ليس بذاك القوي ، أو ليس بالمتين ، أو ليس بالقوي ـ ليس بحجة ، أو ليس بعمدة ، أو ليس بمأمون ، أو ليس من إبل القباب ، أو ليس من جمال المحامل ، أو ليس من جمازات  المحامل ، أو ليس بالمرضي ، أو ليس يحمدونه ، أو ليس بالحافظ ، أو غيره أوثق منه ـ في حديثه شئ ـ فلان مجهول ، أو فيه جهالة ، أو لا أدري ما هو ، أو للضعف ما هو  ـ فلان فيه خلف ـ فلان طعنوا فيه ، أو مطعون فيه ـ فلان نزكوه ( أي طعنوا فيه ) ـ فلان سئ الحفظ ـ فلان لين ، أو لين الحديث ، أو فيه لين .
         وهذا التقسيم هو ما سار عليه جمهور أهل الفن وخالفهم فيه مخالفة يسيرة الشافعي والبخاري وابن معين .
الشافعي والبخاري :
للإمامين نوع مخالفة سببه ورع الرجلين وتقواهما :
        فالبخاري :
        1ـ يستعمل ( فيه نظر ) ، و ( سكتوا عنه ) اللتين هما من المرتبة الثالثة في أعلى درجات التجريح أي مكان ( أكذب الناس ) و ( كذاب ) اللتين هما المرتبة الأولى والثانية ، وقل أن يقول : ( كذاب ) ، أو ( وضاع ) ، وإنما يقول : ( كذبه فلان) ، ( رماه فلان بالكذب).
قال الحافظ ابن حجر : ( وللبخاري في كلامه على الرجال توق زائد ، وتحر بليغ ، يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل ، فإن أكثر ما يقول : ( سكتوا عنه) ، و ( فيه نظر ) ، و ( تركوه ) ، ونحو هذا ، وقل أن يقول : (كذاب) ، أو (وضاع ) ، وإنما يقول : ( كذبه فلان ) ، ( رماه فلان ) ، يعني بالكذب ).
        2ـ ويستعمل (منكر الحديث) الذي أدرج في الخامسة والتي يعتبر بحديث أهلها ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ فيمن لا يحتج ولا تحل الرواية عنه ، وهذا موضعه المرتبة الرابعة فما فوقها .
        قال البخاري : كل من قلت فيه : ( منكر الحديث ) لا يحتج به ـ وفي لفظ ـ (لا تحل الرواية عنه) .
         والشافعي : كان سيره على هذه الوتيرة ـ ولعل البخاري كان تلميذ الشافعي في هذا ، أو اتفق الرأيان لاتفاق الداعي وهو الورع ـ فلقد كان يستعمل : ( ليس بشئ) التي هي من المرتبة الرابعة بدل ( كذاب ) التي هي من المرتبة الثانية ، فإذا وجدت عن الشافعي ( ليس بشئ ) فاعلم أن هذا جرح من مرتبة الجرح الثانية.
         قال السخاوي ( فتح المغيث 1/345) : ( وقد روينا عن المزني قال : سمعني الشافعي يوما وأنا أقول : ( فلان كذاب ) ، فقال لي : يا إبراهيم ! اكس ألفاظك ، أحسنها ، لا تقل فلان كذاب ، ولكن قل : حديثه ليس بشئ.
يحيى بن معين :
         تقدم في مراتب التعديل ضمن كلام يحيى بن معين لأبي خيثمة : ( وإذا قلت لك : هو ضعيف ، فليس هو بثقة ، ولا تكتب حديثه ).
وهذا يدل على أنه يستعمل (ضعيف) التي هي من المرتبة الخامسة ، والتي يعتبر بحديث أهلها ، فيما لا يكتب حديثه ، وهو المرتبة الرابعة فما قبلها .
هذا ولا يعترض برأي الشافعي والبخاري وابن معين على هذه المراتب ، فإن المعول عليه فيها رأي جمهور أهل هذا الفن .
        حكم هذه المراتب:
         تقدم قولي لك إني سأرتب هذه المراتب من أعلا درجات الجرح إلى أدناها ، وعليه فالمرتبة الأولى شر المراتب ، والمتصف بها شر الرواة ، يليها ما بعدها ، وهكذا حتى تصل إلى السادسة فهي أخف أنواع الجرح وتليها العدالة.
         إذا علمت هذا فاعلم أن المراتب الأربع الأول لا يحتج بواحد من أهلها ، ولا يستشهد به ، ولا يعتبر به ، أما المرتبة الخامسة والسادسة ، فإنه يروي أحاديث أهلها ويكتب للاعتبار.
         وأرجو أن تلاحظ أن الترتيب هنا تنازلي في الجرح تصاعدي في العدالة ؛ فـ ( لين الحديث) أعلى من ( ليس بالقوي ) ، و ( ليس بالقوي ) أعلى من (ضعيف الحديث ) ، وهكذا .
والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم






تعارض الجرح والتعديل
        قد تجد في ترجمة راو واحد تعارضًا ، وهذا التعارض نوعان :
         1ـ تعارض بين قول أكثر من إمام ، فيعدله بعض ، ويجرحه بعض.
         2ـ تعارض بين قول إمام واحد ، فيروي عنه أنه عدله ، ويروي عنه أنه جرحه .
فما حكم ذلك ؟
الجواب : أقول وبالله التوفيق :
أولا ـ تعارض أقوال الأئمة :
        إذا تعارضت أقوال إمامين فأكثر في راو واحد ، فيجب أن نبحث أولا : هل حقيقة التعارض موجودة أم لا ؟ فإذا جرحه أحدهم بعدم الضبط ، وعدله آخر ، بحثنا لعله ضبط بعد ذلك . وإذا جرحه أحدهم بالاختلاط ، ووثقه آخر ، بحثنا فلعل من عدله عدله قبل الاختلاط ، وجرحه من جرحه بعد الاختلاط ، وإذا جرحه أحدهم بفسق ووثَّقه آخر فلعله أحدث توبة ، وإذا جرحه بعضهم بعدم الضبط ، ووثقه آخر، فلعله لا يضبط بدون كتاب ويضبط بكتاب . . . إلخ ما يمكن تصوره من ذلك .
فإذا لم نجد مخلصًا وتحقَّق التعارض ، فللعلماء فيه أقوال :
1ـ الجرح إذا كان مفسرا ، فهو مقدم على التعديل .
2ـ إذا كان المعدلون أكثر أو أحفظ فهو عدل ، وإلا فهو مجروح .
3ـ إذا فسر الجرح وكان المعدلون أكثر أو أحفظ ، تعارض التعديل والتجريح واحتجنا إلى مرجح ، وهاك التفصيل والله المستعان .
        الأول : ذهب الجمهور إلى أن الجرح إذا كان مفسرًا فهو مقدم على التعديل ، سواء كان الجارحون أكثر أم أقل ، حتى ادعى ابن عساكر على ذلك الإجماع إذ قال : ( أجمع أهل العلم على تقديم قول من جرح راويا على قول من عدله ) ، وذكر الخطيب أنه متفق عليه ، إذ قال في كفايته ( ص 175) : ( اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد والاثنان ، وعدله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولى ).
         ولقد علل الخطيب لهذا الرأي فقال : والعلة في ذلك أن الجارح يخبر عن أمر باطن قد علمه ، ويصدق المعدل ويقول له : قد علمت من حاله الظاهرة ما علمتها ، وتفردت بعلم لم تعلمه من اختبار أمره ، وإخبار العدل عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدق قول الجارح فيما أخبر به ، فوجب لذلك أن يكون الجرح أولى من التعديل . ثم قال : ولأن من عمل بقول الجارح لم يتهم المزكي ، ولم يخرجه بذلك عن كونه عدلا ، ومتى لم نعمل بقول الجارح كان في ذلك تكذيب له ، ونقض لعدالته ، وقد علم أن حاله في الأمانة مخالفة لذلك .
         ونقل السخاوي (1/286) ، عن العضد نحو قول الخطيب هذا ، إذ يقول : (وغاية قول المعدل أنه لم يعلم فسقا ، ولم يظنه ، فظن عدالته ، إذ العلم بالعدم لا يتصور ، والجارح يقول : أنا علمت فسقه ، فلو حكمنا بعدم فسقه كان الجارح كاذبا ، ولو حكمنا بفسقه كانا صادقين فيما أخبرا به ، والجمع أولى ما أمكن ؛ لأن تكذيب العدل خلاف الظاهر ) . اهـ
هذا ويشترط لهذا الرأي شرطان :
         الأول : أن يكون الجرح مفسرًا ، فإن لم يكن مفسرا فالتعديل
.
         الثاني : أن يكون التعديل مطلقا ، أما إذا قال المعدل إنني أعلم هذا الجرح لكنه تاب منه أو لم يقع منه فالتعديل ثابت والجرح منتف.
وعليه فما يشيع في الأوساط العلمية من أن الجرح مقدم على التعديل ليس على إطلاقه ، وإنما يشترط فيه هذان الشرطان ، وهو قول الجمهور ، وعارضه قولان آخران ، فليس متفقًا عليه وليس على إطلاقه.
         الثاني : وذهب بعض الأئمة إلى التفصيل ، فالتعديل مقدم إذا كان المعدلون أكثر عددا ، وإلا فالجرح ، وقيل يراعي الحفظ أيضا فالتعديل مقدم إذا كان المعدلون أحفظ وإلا فالجرح ، قالوا : وذلك لأن الكثرة تقوي الظن ، والعمل بأقوى الظنين واجب.
         وقد أنكر الخطيب على هؤلاء بقوله : ( وهذا بعد ممن توهمه ؛ لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون ، ولو أخبروا بذلك وقالوا : نشهد أن هذا لم يقع منه لخرجوا بذلك من أن يكونوا أهل تعديل أو جرح ؛ لأنها شهادة باطلة على نفي ما يصح ويجوز وقوعه ، وإن لم يعلموه فثبت ما ذكرناه.
         الثالث : وذهب بعض الأئمة إلى أنه إذا كان المعدلون أكثر، أو أحفظ ، وكان الجرح مفسرا ، فيتعارضان ولا يرجح أحدهما إلا بمرجح .
         ووجهة ذلك أن التعديل فيه جانب قوة من حيث كثرة أو حفظ قائليه، والجرح فيه قوة من حيث زيادة العلم بالاطلاع على الباطن فتعارضا.
ثانيًا ـ تعارض أقوال الإمام الواحد :
أما إذا كان القولان المتعارضان قالهما إمام واحد ، فهناك أمور يجب أن تراعى قبل الكلام على التعارض ، وهي :
         1ـ هل كلام الإمام على الإطلاق أم هو نسبي ؟ فقد يكون كلام الإمام ليس على الإطلاق وإنما هو نسبي ؛ كمن يسأل عن أشخاص فيوثق هذا ، ويضعف هذا ، ولا يريد أن الأول يحتج بحديثه والثاني يرد ، وإنما هذا بالنسبة لمن قرن معه .
         من ذلك ما روى عن عثمان الدارمي قال : سألت ابن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه كيف حديثهما ؟ فقال : ليس به بأس . قلت : وهو أحب إليك أو سعيد المقبري ؟ قال : سعيد أوثق ، والعلاء ضعيف.
         فهذا لم يرد به ابن معين أن العلاء ضعيف مطلقا ، بدليل قوله : إنه لا بأس به ، وإنما أراد أنه ضعيف بالنسبة لسعيد المقبري.
         2ـ اصطلاح الإمام في التعديل والتجريح فقد يذكر الإمام في الرجل لفظتين من مرتبتين ، فيخيل لنا التعارض ، في حين أنه يستعمل اللفظتين في مرتبة واحدة ، ولذلك نظير في كلام الشافعي والبخاري وقد تقدم .
         3ـ ضبط صيغ الجرح والتعديل ، فلربما أدى الخطأ في ضبط الصيغة إلى الحكم بالتعارض في أقوال الإمام . من ذلك قولهم : (فلان مود) فلقد اختلف في ضبطها فمنهم من يخففها من أودى فلان فهو مود أي هالك ، ومنهم من يشدد الدال مع الهمزة (مؤد) أي حسن الأداء ، وفي ذلك من التعارض ما فيه .
         ومن ذلك أيضا قولهم : ( هو على يدي عدل ) ، فلأول وهلة إذا قرأها قارئ فهم أن من قال ذلك فهو يعدل هذا الراوي ، في حين لو علم أنها كناية عن الهلاك ـ وأصل هذا أن العدل كان ولي شرط تبع ، فكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه ، فمن هنا قال الناس وضع على يدي عدل ، أي هلك ، ثم قيل ذلك لكل شيء قد يئس منه ـ لما فهم منها تعديل قائلها لمن قيلت فيه ، وعليه فلو قال قائلها بعد ذلك في الراوي إنه ضعيف فلا تعارض ، وقبل فهم معناها كان يحكم بالتعارض.
         4ـ تغير حال الراوي فقد يعدل الإمام الراوي مرة ، ثم يطرأ جرح فيجرحه ، أو العكس.
         5ـ تغير اجتهاد الإمام ، فقد يؤديه اجتهاده إلى تجريح ، ثم إلى تعديل ، أو العكس ، فيخيل لنا التعارض ، وليس في الأمر تعارض.
         فعلي أحد هذه الأمور يحمل أكثر ما ورد من اختلاف كلام أئمة الجرح والتعديل ، ممن وثق رجلا في وقت ، وجرَّحه في آخر ، ومن هنا يجب حكاية أقوال أئمة الجرح كما هي ، لينظر فيها علها من أحد هذه الأمور . ومن هنا أيضًا تظهر مزية جمع التراجم من أكثر من كتاب ، خاصة الكتب التي نهج مؤلفوها منهج الاستيعاب والاستقصاء.
         فإذا لم نجد شيئًا من هذه الأمور ، وبقى التعارض ، فالعمل على آخر القولين إن علم المتأخر ، وإلا فالواجب التوقف.
         قال السخاوي ( ج1 ص 288) : أما إذا كانا ـ أي القولين المتعارضين ـ من قائل واحد ، كما يتفق لابن معين وغيره من أئمة النقد، فهذا قد لا يكون تناقضًا، بل نسبيًّا في أحدهما، أو ناشئًا عن تغير اجتهاد، وحينئذ فلا ينضبط بأمر كلي، وإن قال بعض المتأخرين إن الظاهر أن المعمول به المتأخر منهما إن علم وإلا وجب التوقف.
هذا والله أعلم ؛؛
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
علم الجرح والتعديل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة العلوم والمعارف :: الموسوعة الإسلامية الشاملة :: موسوعة الحديث وعلومه-
انتقل الى: