بعض الغزوات والبعوث والسرايا
غزوة غالب بن عبدالله الليثي بني الملوح
وكان من حديثها أن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ،حدثني عن مسلم بن عبدالله بن خبيب الجهني ، عن المنذر عن جندب بن مكيث الجهني ، قال :
بعث رسول الله صل الله عليه وسلم غالب بن عبدالله الكلبي ، كلب بن عوف ابن ليث ، في سرية كنت فيها ، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح ، وهم بالكديد ، فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك ، وهو ابن البرصاء الليثي ، فأخذناه ، فقال :
إني جئت أريد الإسلام ما خرجت إلا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ؛ فقلنا له : إن تك مسلماً فلن يضيرك رباط ليلة ، وإن تك على غير ذلك كنا قد استوثقنا منك ، فشددناه رباطاً ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود ، وقلنا له : إن عازك فاحتز رأسه :
ما فعله ابن مكيث في هذه الغزوة
قال : ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فخرجت حتى أتى تلا مشرفا على الحاضر ، فأسندت فيه ، فعلوت على رأسه ، فنظرت إلى الحاضر ، فوالله إني لمنبطح على التل ، إذ خرج رجل منهم من خبائه ، فقال لامرأته : إني لأرى على التل سواداً ما رأيته في أول يومي ، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً ، لا تكون الكلاب جرت بعضها .
قال : فنظرت ، فقالت : لا ، والله ما أفقد شيئاً ، قال فناوليني قوسي وسهمين ، فناولته ، قال : فأرسل سهماً فوالله ما أخطأ جنبي ، فأنزعه ، فأضعه ، وثبت مكاني ، قال : ثم أرسل الآخر ، فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، فقال لامرأته : لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك ، لقد خالطه سهماي ، لا أبا لك ، إذا أصبحت فابتغيهما ، فخذيهما ، لا يمضغهما علي الكلاب . قال : ثم دخل .
غنائم المسلمين في هذه الغزوة
قال : وأمهلناهم ، حتى إذا اطمأنوا وناموا ، وكان في وجه السحر ، شننا عليهم الغارة ، قال : فقتلنا واستقنا النعم ، وخرج صريخ القوم فجاءنا دهم لا قبل لنا به ، ومضينا بالنعم ، ومررنا بابن البرصاء وصاحبه . فاحتملناهما معنا ؛ قال : وأدركنا القوم ، حتى قربوا منا ، قال : فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد ، فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى ، من غير سحابة نراها ، ولا مطر ، فجاء بشيء ليس لأحد به قوة ، ولا يقدر على أن يجاوزه ، فوقفوا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ، ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعاً ، حتى فتناهم ، فلم يقدروا على طلبنا .
قال : فقدمنا بها على رسول الله صل الله عليه وسلم .
شعار المسلمين في هذه الغزوة
قال ابن إسحاق : وحدثني رجل من أسلم ، عن رجل منهم :
أن شعار أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم كان تلك الليلة : أمت أمت . فقال راجز من المسلمين وهو يحدوها :
أبى أبو القاسم أن تعزبي * في خضل نباته مغلولب
صفرا أعاليه كلون المذهب *
قال ابن هشام :ويروى : ( كلون الذهب ) تم خبر الغزاة ، وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث .
تعريف ببعض الغزوات
قال ابن إسحاق :
وغزوة على بن أبي طالب رضى الله عنه بني عبدالله بن سعد من أهل فدك ،وغزوة أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم ، أصيب بها هو وأصحابه جميعاً ، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبدالأسد قطنا ، ماء من مياه بني أسد ، من ناحية نجد ، قتل بها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني حارثة ، القرطاء من هوزان ، وغزوة بشير بن سعد بني مرة بفدك ، وغزوة بشير بن سعد ، ناحية خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم ، من أرض بني سليم ، وغزوة زيد بن حارثة ، جذام من أرض خشين .
قال ابن هشام :عن نفسه والشافعي عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق من أرض حسمى .
غزوة زيد بن حارثة إلى جذام
قال ابن إسحاق :
وكان من حديثهما كما حدثني من لا أتهم ، عن رجال من جذام ، كانوا علماء بها ، أن رفاعة بن زيد الجذامي ، لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام ، فاستجابوا له ، لم يلبث أن قدم دحية ابن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم ، حين بعثه رسول الله صل الله عليه وسلم إليه معه تجارة له ، حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم ، يقال له : شنار أغار على دحية بن خليفة الهنيد بن عوص ، وابنة عوص بن الهنيد الضلعيان .
والضليع : بطن من جذام ، فأصابا كل شيء كان معه ، فبلغ ذلك قوما من الضبيب ، رهط رفاعة بن زيد ، ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه ، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال ، حتى لقوهم ، فاقتتلوا ، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضلعي ، فقال :
أنا ابن لبنى ، ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم ، فأصاب ركبته ؛ فقال : حين أصابه :خذها وأنا ابن لبنى ، وكانت له أم تدعى لبنى ، وقد كان حسان بن ملة الضبيني قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك ، فعلمه أم الكتاب .
قال ابن هشام :ويقال : قرة بن أشقر الضفاري ، وحيان بن ملة .
انتصار المسلمين
قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام قال فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه ، فردوه على دحية ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة ، وذلك الذي هاج غزوة زيد جذام ، وبعث معه جيشا ، وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ، ومن كان من سلامان ، وسعد بن هذيم ، حين جاءهم رفاعة بن زيد ، بكتاب رسول الله صل الله عليه وسلم ، حتى نزلوا الحرة :
حرة الرجلاء ، ورفاعة بن زيد بكراع ربة ، لم يعلم ، ومعه ناس من بني الضبيب ، وسائر بني الضبيب ، بوادي مدان ، من ناحية الحرة ، مما يسيل مشرقاً ، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج ، فأغار بالماقص من قبل الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف .
قال ابن هشام :من بني الأجنف .
قال ابن إسحاق : في حديثه :
ورجلا من بني الخصيب فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ركب نفر منهم ، وكان فيمن ركب معهم حسان بن ملة ، على فرس لسويد بن زيد ، يقال لها : العجاجة وأنيف بن ملة على فرس لملة يقال لها : رغال ، وأبو زيد بن عمرو ، على فرس يقال لها : شمر ، فانطلقوا ، حتى إذا دنوا من الجيش ، قال أبو زيد وحسان لأنيف بن ملة : كف عنا وانصرف ، فإنا نخشى لسانك ، فوقف عنهما ، فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب ، فقال :
لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ، فأرخى لها حتى أدركهما ، فقالا له : أما إذا فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ، ولا تشأمنا اليوم ، فتواصوا أن لا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة ، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض ، إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال : بوري أو ثوري ، فلما برزوا على الجيش ، أقبل القوم يبتدرونهم ، فقال لهم حسان : إنا قوم مسلمون ، وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم ، فأقبل يسوقهم .
فقال أنيف : بوري فقال حسان : مهلا ، فلما وقفوا على زيد بن حارثة ، قال حسان : إنا قوم مسلمون ، فقال له زيد : فاقرءوا أم الكتاب ، فقرأها حسان ، فقال زيد بن حارثة : نادوا في الجيش إن الله قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر .
قدوم جذام على رسول الله صل الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق :
وإذا أخت حسان بن ملة ، وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد : خذها وأخذت بحقويه ، فقالت أم الفزر الضلعية : أتنطلقون ببناتكم ، وتذرون أمهاتكم ؟
فقال أحد بني الخصيب : إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم ، فسمعها بعض الجيش ، فأخبر بها زيد بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ، ففكت يداها من حقويه ، وقال لها : اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه .
فرجعوا ، ونهي الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاؤوا منه ، فأمسوا في أهليهم ، واستعتموا ذودا لسويد بن زيد ، فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد ، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة ، أبو زيد بن عمرو ،وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ، وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن زيد ، ومخرمة بن عدي ، وأنيف بن ملة ، وحسان بن ملة ، حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة ، بظهر الحرة ، على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة :
إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به ! فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ، فجعل يشد عليه رحله ، وهو يقول :
هل أنت حي أو تنادي حيا *
ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول ، مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد ، نظر إليهم رجل من الناس ، فقال : لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام ، فلما دخلوا على رسول الله صل الله عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده :
أن تعالوا من وراء الناس ، فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق ، قام رجل من الناس ، فقال : يا رسول الله ، إن هؤلاء قوم سحرة ، فرددها مرتين ، فقال : رفاعة بن زيد رحم الله من لم يحذنا في قومه هذا إلا خيراً .
ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له فقال : دونك يا رسول الله قديما كتابه ، حديثاً غدره ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :
اقرأه يا غلام ، وأعلن ، فلما قرأ كتابه استخبره ، فأخبروهم الخبر ، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : كيف اصنع بالقتلى ؟ ( ثلاث مرات ) . فقال رفاعة : أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالاً ولا نحلل لك حراماً .
فقال أبو زيد بن عمرو : أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه .
فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم : صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي . فقال له رضى الله عنه : إن زيدا لن يطيعني يا رسول الله ، قال : فخذ سيفي هذا ، فأعطاه سيفه ، فقال علي : ليس لي يا رسول الله راحلة أركبها ، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له : مكحال .
فخرجوا فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر ، يقال لها : الشمر ، فأنزلوه عنها .
فقال : يا علي ، ما شأني ؟ فقال : مالهم ،عرفوه فأخذوه ، ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ، فأخذوا ما في أيديهم ، حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل ، فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم :
وعاذلة ولم تعذل بطب * ولولا نحن حش بها السعير
تدافع في الأسارى بابنتيها * ولا يرجى لها عتق يسير
ولو وكلت إلى عوص وأوس * لحار بها عن العتق الأمور
ولو شهدت ركائبنا بمضر * تحاذر أن يعل بها المسير
وردنا ماء يثرب عن حفاظ * لربع إنه قرب ضرير
بكل مجرب كالسيد نهد * على أقتاد ناجية صبور
فدى لأبي سليمى كل جيش * بيثرب إذ تناطحت النحور
غداة ترى المجرب مستكينا * خلاف القوم هامته تدور
قال ابن هشام :قوله : ( ولا يرجى لها عتق يسير ) وقوله : ( عن العتق الأمور ) عن غير ابن إسحاق .
تمت الغزاة ، وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث
غزوة زيد الطرف
قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق .
غزوة زيد بن حارثة بني فزارة
وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القرى ، لقي به بني فزارة ، فأصيب بها ناس من أصحابه ، وارتث زيد من بين القتلى ، وفيها أصيب ورد بن عمرو بن مداش ، وكان أحد بني سعد بن هذيل ، أصابه أحد بني بدر .
قال ابن هشام :سعد بن هذيم .
قال ابن إسحاق : فلما قدم زيد بن حارثة إلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة ، فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى ، وأصاب فيهم ، وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، وأسرت أم قرفة ، فاطمة بنت ربيعة بن بدر ، كانت عجوزاً كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر ، وبنت لها ،وعبدالله بن مسعدة ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة ، فقتلها قتلاً عنيفاً ، ثم قدموا على رسول الله صل الله عليه وسلم بابنة أم قرفة ،وبابن مسعدة .
وكانت بنت أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع ، كان هو الذي أصابها ، وكانت في بيت شرف من قومها ، كانت العرب تقول : ( لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت ) فسألها رسول الله صل الله عليه وسلم سلمة ، فوهبها له ، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب ، فولدت له عبدالرحمن بن حزن .
فقال قيس بن المسحر في قتل مسعدة :
سعيت بورد مثل سعي ابن أمه * وإني بورد في الحياة لثائر
كررت عليه المهر لما رأيته * على بطل من آل بدر مغاور
فركبت فيه قعضبيا كأنه * شهاب بمعراة يذكى لناظر
غزوة عبدالله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام
وغزوة عبدالله ابن رواحة خيبر مرتين ، إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام .
قال ابن هشام :ويقال بن رازم .
وكان من حديث اليسير بن رزام أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة في نفر من أصحابه ، منهم عبدالله بن أنيس ، حليف بني سلمة ، فلما قدموا عليه كلموه ، وقربوا له ، وقالوا له : إنك إن قدمت على رسول الله صل الله عليه وسلم استعملك وأكرمك ، فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود ، فحمله عبدالله بن أنيس على بعيره .
حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر ، على ستة أميال ، ندم اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففطن به عبدالله بن أنيس وهو يريد السيف ، فاقتحم به ، ثم ضربه بالسيف ، فقطع رجله ، وضربه اليسير بمخرش في يده من شوحط فأمه ، ومال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله ، إلا رجلا واحدا أفلت على رجليه ، فلما قدم عبدالله بن أنيس على رسول الله صل الله عليه وسلم ، تفل على شجته ، فلم تقح ولم تؤذه .
غزوة ابن عتيك خيبر
غزوة عبدالله بن عتيك خيبر ، فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق .
غزوة عبدالله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي
وغزوة عبدالله بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول الله صل الله عليه وسلم الناس ليغزوه ، فقتله .
قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : قال عبدالله بن أنيس :
دعاني رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقال : إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فاقتله .
قلت : يا رسول الله ، انعته لي حتى أعرفه . قال : إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة .
قال : فخرجت متوشحاً سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر ، فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول الله صل الله عليه وسلم من القشعريرة ، فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة ، فصليت وأنا أمشى نحوه وأومي برأسي .
فلما انتهيت إليه ، قال : من الرجل ؟ قلت : رجل من العرب ، سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاءك لذلك .
قال : أجل إني لفي ذلك ، قال : فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف ، فقتلته ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ، فلما قدمت على رسول الله صل الله عليه وسلم فرآني ، قال : أفلح الوجه ؛ قلت : قد قتلته يا رسول الله ، قال : صدقت .
الرسول يهدي عصا لابن أنيس
ثم قام بي فأدخلني بيته فأعطاني عصا ، فقال : أمسك هذه العصا عندك يا عبدالله بن أنيس ، قال : فخرجت بها على الناس ، فقالوا : ما هذه العصا ؟ قلت : أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي ، قالوا : أفلا ترجع إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فتسأله لم ذلك ؟
قال : فرجعت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، لم أعطيتني هذه العصا ؟ قال : آية بيني وبينك يوم القيامة . إن أقل الناس المتحضرون يومئذ ، قال : فقرنها عبدالله بن أنيس بسيفه ، فلم تزل معه حتى مات ، ثم أمر بها فضمت في كفنه ، ثم دفنا جميعا .
شعر ابن أنيس في قتله ابن نبيح
قال ابن هشام :وقال عبدالله ابن أنيس في ذلك :
تركت ابن ثور كالحوار وحوله * نوائح تفري كل جيب مقدد
تناولته والظعن خلفي وخلفه * بأبيض من ماء الحديد مهند
عجوم لهام الدارعين كأنه * شهاب غضى من ملهب متوقد
أقول له والسيف يعجم رأسه * أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد
أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره * رحيب فناء الدار غير مزند
وقلت له خذها بضربة ماجد * حنيف على دين النبي محمد
وكنت إذا هم النبي بكافر * سبقت إليه باللسان وباليد
تمت الغزاة ، وعدنا إلى خبر البعوث .
بعض غزوات أخر
قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، و عبدالله بن رواحة ، مؤتة من أرض الشام ، فأصيبوا بها جميعا ، وغزوة كعب بن عمير الغفاري ، ذات أطلاح إلى أرض الشام ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم .
غزوة عيينة بن حصن بني تميم
وكان من حديثهم أن رسول الله صل الله عليه وسلم بعثه إليهم ، فأغار عليهم ، فأصاب منهم أناساً ، وسبى منهم أناساً .
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عائشة قالت لرسول الله صل الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إن علي رقبة من ولد إسماعيل . قال : هذا سبي بني العنبر يقدم الآن فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه .
سبي وقتلى بني العنبر
قال ابن إسحاق : فلما قدم بسبيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ركب فيهم وفد من بني تميم ، حتى قدموا على رسول الله صل الله عليه وسلم ، منهم ربيعة بن رفيع ، وسبرة بن عمرو ، والقعقاع بن معبد ، ووردان بن محرز ، وقيس بن عاصم ، ومالك بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، وفراس بن حابس .
فكلموا رسول الله صل الله عليه وسلم فيهم ، فأعتق بعضاً ، وأفدى بعضاً ، وكان ممن قتل يومئذ من بني العنبر: عبدالله ، وأخوان له بنو وهب ، وشداد بن فراس ، وحنظلة بن دارم .
وكان ممن سبى من نسائهم يومئذ ، أسماء بنت مالك ، وكاس بنت أري ، ونجوة بنت نهد ، وجميعة بنت قيس ، وعمرة بنت مطر .
غزوة غالب بن عبدالله أرض بني مرة
قال ابن إسحاق : وغزوة غالب بن عبدالله الكلبي - كلب ليث - أرض بني مرة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ، حليفا لهم من الحرقة ، من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ، ورجل من الأنصار .
قال ابن هشام :الحرقة فيما حدثني أبو عبيدة :
أسامة بن زيد يقتل مرداس
قال ابن إسحاق : وكان من حديثه عن أسامة بن زيد قال :
أدركته أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السلاح ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قال : فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على رسول الله صل الله عليه وسلم ، أخبرناه خبره ، فقال : يا أسامة من لك بلا إله إلا الله ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، إنه إنما قالها تعوذا بها من القتل ، قال : فمن لك بها يا أسامة ؟ قال : فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني كنت أسلمت يومئذ ، وإني لم أقتله .
قال : قلت : أنظرني يا رسول الله ، إني أعاهد أن لا أقتل رجلاً يقول : لا إله إلا الله أبداً ، قال : تقول بعدي يا أسامة ؟ قال قلت بعدك .
غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل
وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بني عذرة ، وكان من حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام ، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بلي ، فبعثه رسول الله صل الله عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك ، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلسل ، وبذلك سميت تلك الغزوة ، غزوة ذات السلاسل .
فلما كان عليه خاف ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده ، فبعث إليه رسول الله صل الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين ، فيهم أبو بكر وعمر ، وقال لأبي عبيدة حين وجهه :
لا تختلفا ، فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه ، قال له عمرو : إنما جئت مدداً لي ؛ قال أبو عبيدة : لا ، ولكنى على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه .
وكان أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً ، هيناً عليه أمر الدنيا ، فقال له عمرو : بل أنت مدد لي ، فقال أبو عبيدة : يا عمرو ، إن رسول الله صل الله عليه وسلم قال لي : لا تختلفا ، وإنك إن عصيتني أطعتك ، قال : فإني الأمير عليك ، وأنت مدد لي ، قال : فدونك . فصلى عمرو بالناس .
وصية أبي بكر رافع بن أبي رافع
قال : وكان من الحديث في هذه الغزاة ، أن رافع بن أبي رافع الطائي ، وهو رافع بن عميرة ، كان يحدث - فيما بلغني - عن نفسه ، قال : كنت امرأ نصرانياً وسميت سرجس ، فكنت أدل الناس وأهداهم بهذا الرمل ، كنت أدفن الماء في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية ، ثم أغير على إبل الناس ن فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها ، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه ، حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه ، فأشرب منه ، فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله صل الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ؛ قال : فقلت : والله لأختارن لنفسي صاحبا ، قال :
فصحبت أبا بكر ، قال : فكنت معه في رحله ، قال : وكانت عليه عباءة له فدكية ، فكان إذا نزلنا بسطها ، وإذا ركبنا لبسها ، ثم شكها عليه بخلال له ، قال : وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفاراً : نحن نبايع ذا العباءة ! .
قال : فلما دنونا من المدينة قافلين ، قال : قلت : يا أبا بكر ، إنما صحبتك لينفعني الله بك ، فانصحنى ، وعلمنى ، قال : لو لم تسألني ذلك لفعلت .
قال : آمرك أن توحد الله ، ولا تشرك به شيئاً ، وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، وتغتسل من الجنابة ، ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبداً .
قال : قلت : يا أبا بكر ، أما أنا والله فأني أرجو أن لا أشرك بالله أحد أبداً ، وأما الصلاة فلن أتركها أبداً إن شاء الله وأما الزكاة فإن يك لي مال أؤدها إن شاء الله ، وأما رمضان فلن أتركه أبداً إن شاء الله ، وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء الله تعالى ، وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء الله .
وأما الإمارة ، فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول الله صل الله عليه وسلم إلا بها ، فلم تنهاني عنها ؟ قال : إنك إنما استجهدتني لأجهد لك ، وسأخبرك عن ذلك :
إن الله عز وجل بعث محمداً صل الله عليه وسلم بهذا الدين ، فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعاً وكرهاً ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ الله وجيرانه ، وفي ذمته ، فإياك لا تخفر الله في جيرانه ، فيتبعك الله في خفرته ، فإن أحدكم يخفر جاره ، فيظل ناتئا عضله ، غضباً لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير ، فالله أشد غضباً لجاره ، قال : ففارقته على ذلك .
قال : فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر أبو بكر على الناس ، قال : قدمت عليه ، فقلت له : يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ؟ قال : بلى ، وأنا الآن أنهاك عن ذلك ؛ قال : فقلت له : فما حملك على أن تلي أمر الناس ؟ قال : لا أجد من ذلك بداً ، خشيت على أمة محمد صل الله عليه وسلم الفرقة .
قال ابن إسحاق :
أخبرني يزيد بن أبي حبيب ، أنه حدث عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صل الله عليه وسلم عمرو بن العاص ، إلى ذات السلاسل ، قال : فصحبت أبا بكر وعمر ، فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها ، وهم لا يقدرون على أن يعضوها ، وقال : وكنت امرأ لبقاً جازراً ، قال : فقلت : أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم ؟ قالوا : نعم ، قال : فأخذت الشفرتين فجزأتها مكاني ، وأخذت منها جزءاً ، فحملته إلى أصحابي ، فاطبخناه فأكلناه .
فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما : أني لك هذا اللحم يا عوف ؟ قال : فأخبرتهما خبره ، فقالا : والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ، ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك ؛ قال : فلما قفل الناس من ذلك السفر ، كنت أول قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فجئته وهو يصلي في بيته ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قال : أعوف بن مالك ؟ قال : قلت : نعم ، بأبي أنت وأمي ، قال : أصاحب الجزور ؟ ولم يزدني رسول الله صل الله عليه وسلم على ذلك شيئاً .
...يتبع