العناني يتحدث عن رئاسته للديوان بعهد الملك الحسين
آخر رئيس ديوان ملكي بعهد الراحل الحسين يؤكد أن الأردنيين والفلسطينيين توأم سيامي لا ينفصلان
نائب رئيس الوزراء السابق جواد العناني - (ارشيفية)
عمان – بوجهه الضاحك والبشوش يستقبلك (أبو أحمد) في مكتبه بهيئة الأوراق المالية، كنت أعتقد بأنني سأجد رزما من الأوراق المالية، فلم أوفّق بالطبع، وجدت فقط الدكتور جواد العناني بانتظاري بعد أن غادر كافة الموظفين، لأن حوارنا بدأ بعد انتهاء دوامه المليء بدوامات الهيئة والسوق المالي.
منحني كل الوقت لإجراء الحوار الهادئ والصاخب في آن، ولفت انتباهي ليس ردوده على الإجابات، بل لغته العربية الجميلة، وحاولت أن أتصيده بخطأ هنا أو هناك.. ما “زبطت” معي!
وضمن سلسلة محطات في التاريخ السياسي الأردني الحديث مع “الغد”، يقول نائب رئيس الوزراء الأسبق، وآخر رئيس ديوان في عهد الملك حسين، رحمه الله، أن والده علّمه عروض الشعر وهو في الصف الأول الابتدائي، لذلك فإن أذن (أبو أحمد) تصاب بالتشويش والطنين إن سمعت أحدهم يلقي شعرا، وما هو بالشعر، فتراه يمتعض ويتأفف، ويبدأ بتصحيح ما تم اعتباره شعرا، وذكّرني هذا بالدكتور عبد الله النسور رئيس الوزراء الأسبق الذي كنت أقف له على (النقرة) لعله يخطئ في اللغة، ربما يرفع المنصوب أو يفتح المجرور، ولكنه كجواد العناني بلا أخطاء.. في اللغة فقط!
تحدث العناني حول فترة رئاسته للديوان؛ ووصفها بأنها الأكثر حساسية وصعوبة، عندما كان الراحل الكبير يتلقّى العلاج في الولايات المتحدة، وحجم الإرهاق الذي أصابه عندما كان يسافر أسبوعيا إلى مايو كلينك حيث كان الحسين يتلقى علاجه، ليقدّم له تقريرا عن الأوضاع في البلاد، وجلالته على سرير الشفاء، قائلا.. لقد سافرت ست عشرة مرة في غضون سبعة أشهر.
هو اقتصادي من طراز رفيع، يفهم اللعبة الحكومية جيدا، يجيد المراوغة، ولكنها في واقع الأمر محببة، وهذا حق لكل سياسي مارس العمل العام في مواقع متقدمة، وبالتالي يجيد التحاور، ولا يعترض على أي سؤال، وهو الذي تولّى أول موقع وزاري وهو في سن السادسة والثلاثين في عهد حكومة المرحوم الشريف عبد الحميد شرف، وهو من أكثر الوزراء الذين تقلّدوا المناصب الوزارية في الأربعين عاما الماضية.
اكتفينا بثلاث ساعات مع العناني، وكنت بحاجة إلى المزيد من الوقت، لم أخرج كل ما في جعبتي، ولكن أعتقد بأني اكتفيت بما (انتزعته) منه. وفيما يلي ما دار من حوار.
د. محمد أبو بكر
* كيف كانت بداية الدكتور جواد العناني في المواقع الوزارية، حيث أنكم تقلّبتم في العديد من الوزارات؟
– لم أكن أتوقع بأن أتولّى منصبا وزاريا في ذلك الوقت، أي العام 1979 ، كنت أفضّل أن أكون وكيل وزارة، لأن الوزير لا يستمر أكثر من سنة ويغادر، في حين أن موقع الوكيل (الأمين العام) أكثر ثباتا، حتى أن الرئيس مضر بدران تفاجأ حينها بموقفي، إلى أن جرى تكليف المرحوم الشريف عبد الحميد شرف بتشكيل الحكومة، حيث اتصل بي مبديا الرغبة في أن أتولّى وزارة التموين، وكانت هذه أول وزارة أشارك فيها، وبعد ذلك تسلّمت وزارة العمل والخارجية والإعلام والصناعة والتجارة والاستثمار ونائبا لرئيس الوزراء.
وعلى ذكر وزارة الإعلام؛ استطعت أن أفتح جلسات مجلس الوزراء للإعلام والصحفيين، وكنت دائما ما أستدعي هؤلاء للرئاسة من خلال مؤتمر صحفي أسبوعي لإطلاعهم على كل ما دار في الجلسة، لقد كان هناك تواصل دائم مع الإعلام والردّ على كل الاستفسارات مهما كانت.
* توليت مناصب عديدة؛ سواء في الوزارة أو غيرها، هل الوزير، وليس المقصود أنت فقط، “سوبر” إلى هذه الدرجة ليتولى كل هذه الوزارات؟
– أبدا لا يوجد وزير سوبر، ولكن أحيانا الظروف هي التي تحكم، وكذلك شخصية رئيس الوزراء نفسه، وهناك نوعان من الوزراء؛ الأول.. يمثّلون جهات أو مناطق جغرافية معينة ، أو من يمثّلون فكرا خاصا، والبعض منهم تتم مراقبتهم ثم يجري إعدادهم وتجهيزهم ليكونوا وزراء.
* كنت أمينا عاما لوزارة العمل وانتقلت لموقع الوزير، ويقال إن هذا الانتقال يمثّل خطوة كبيرة، كيف ذلك؟
– بالطبع ، هي خطوة كبيرة أن تنتقل من منصب الأمين العام إلى موقع الوزير، فأنت الآن في موقع ( السياسي ) فالأصل أن دور الوزير سياسي بالدرجة الأولى ، ويجب أن تكون لديه القدرة للدفاع عن وزارته وموازنتها، ومناقشة النواب والرد على استفساراتهم واستجواباتهم وغير ذلك، وعلى الوزير أن تكون لديه المَلَكة لإقناع الآخرين بصواب رأيه، والتفاوض مثلا لإقناع الحكومة بخطته في وزارته ودورها المطلوب منها.
* كيف يبحث رئيس الحكومة عن الوزراء حين يكلّف بتشكيل الحكومة؟ هل وجدت أن بعض رؤساء الوزارات وقعوا في خطأ الاختيار؟ وكان الوزراء المختارون عبئا عليهم؟
– الكثير من الرؤساء غامروا في اختيار البعض، أنا دخلت حكومة الشريف عبد الحميد شرف وزيرا للتموين، ورحمه الله، كان يبحث عن وزراء جدد، وفي ذلك الوقت كنت أكتب في الصحف، ويبدو أن هناك من رشّحني لهذا الموقع ولأكون عضوا في تلك الحكومة، ويجدر القول هنا بأننا جئنا في وقت كان الاقتصاد هو الأهم دون سواه.
* هذا يقودنا إلى بدايات تأسيس الضمان الاجتماعي ومؤسسة التدريب المهني؟
– كان وزير العمل آنذاك المرحوم عصام العجلوني، كان متحمّسا جدا لإنشاء مؤسسة للضمان الاجتماعي، ووجد حماسي لها وتحليل أبعادها المالية وما إلى ذلك، واستدعاني، ثم قرر تعييني وكيلا لوزارة العمل، وكنت من المؤسسين لقانون الضمان الاجتماعي، وتسلّمت مديرا بالوكالة لها مدة ستة أشهر إلى أن تم تثبيتي مديرا أصيلا حتى نهاية شهر كانون الأول 1979 عندما استدعاني الشريف عبد الحميد شرف وزيرا للتموين.
* لننتقل إلى موقعك في الديوان الملكي، حيث أنك آخر رئيس له في عهد الراحل الملك حسين، صف لنا هذه الفترة يا أبا أحمد؟
– كانت هذه الفترة من أدقّ الفترات وأكثرها حساسية، والملك حسين حكم البلاد فترة تقارب سبعة وأربعين عاما، فبات الملك هو وجه الأردن، ومرض جلالته خلق واقعا جديدا في بلادنا، وجعلني أعيش في ظرف صعب جدا، كنت أزوره أسبوعيا في مستشفى مايو كلينك، وأجلس معه من 4- 6 ساعات، وأطلعه على كل ما يجري في الأردن وما يدور حولنا، لقد زرته ست عشرة مرة في غضون سبعة أشهر، وآخر مرّة كانت في لندن عندما عاد إلى عمان وقام بتعيين الملك عبد الله الثاني وليا للعهد، لقد كانت هذه من أصعب الفترات حقا.
* بعدها بأيام انتقل الحسين إلى رحمة الله تعالى، وبصفتك رئيسا للديوان؛ تحمّلت مسؤولية كبيرة، سواء من جهة التحضير للجنازة أو استقبال الوفود، ماذا كان الموقف في تلك اللحظات؟
– كانت بحق جنازة القرن، عشرات الزعماء من كافة أنحاء العالم حضروا إلى عمان لتشييع الجثمان وإلقاء النظرة الأخيرة، ومنهم أربعة رؤساء للولايات المتحدة، والرئيس الروسي بوريس يلتسين رغم وضعه الصحي السيئ، وبقي رئيس الوزراء الدكتور فايز الطراونة في المطار طوال الوقت لاستقبال القادة ورؤساء الوفود، والمشكلة التي واجهناها هي البروتوكول، كيف سنقوم بكل ذلك وبوقت قصير جدا، فالوفود جاءت لإلقاء النظرة الأخيرة وتقديم التعازي، فهل يمكن عمل بروتوكول لكل وفد أو رئيس دولة أو ملك؟ طبعا هذا مستحيل، فاتفقنا على إلغاء البروتوكول، بحيث تسير الوفود خلف بعضها البعض، كان لا يوجد حل غير هذا.
لقد كان مشهدا من الصعب تكراره في أي مكان، إنه يوم مشهود من أيام عمري ولن أنساه طيلة حياتي، وبعدها استمر تقبّل العزاء لخمسة أيام، وكنت واقفا طوال الوقت للمشاركة في الاستقبال والسلام على الضيوف.
* لحظة وفاة الملك، كيف استقبلتموها؟ كيف وجد الناس هذه اللحظة؟
– الشعب الأردني تعوّد على الملك حسين، وكأنه جزء من كل أسرة أردنية، ولا تنسى أنه استمر في الحكم لما يقارب نصف قرن من الزمان، كان يتواصل مع الجميع، وفي كل مناطق المملكة، من العشائر إلى المخيمات إلى المدن والمحافظات، كان يذهب إلى كل مكان للتواصل مع أبناء شعبه، وكان رحمه الله يدرك أن من مهام ولي الأمر التواصل الدائم مع أفراد الشعب ، وفي كل الأحوال كانت لحظة من الصعب وصفها، لقد هزّتنا جميعا.
* هذا يقودنا إلى سؤال عن الديوان الملكي، حيث أننا نعرف أنه بيت الأردنيين جميعا، ولكن في حقيقة الأمر الناس تجد صعوبة في الوصول إليه في أحيان كثيرة، وكأن هناك حواجز تمنعهم من ذلك، وأيضا .. هل يتدخّل الديوان في عمل الحكومة؟
– لكل زمان دولة ورجال ، ولكل صاحب شأن أسلوبه في التعامل ، ففي السابق كان شيخ العشيرة هو الواسطة بين الديوان والقبيلة، وخاصة في عهد الملك المؤسس رحمه الله ، الذي كان يتسم بسعة الصدر والحلم ، ثم حدثت نقلة في قبول النظام الجديد في الأردن ، وترسّخ البنيان، وأقيمت المؤسسات والوزارات ودوائر الدولة المختلفة من برلمان وقضاء وما إلى ذلك، وبالطبع الديوان لا يتولى كل ذلك، فكان لا بد من تقسيم الأدوار، ولذلك تحوّل مفهوم الديوان من الاستقبال إلى مفهوم الدراسة والتقييم، والملك في النهاية هو المرجعية الأخيرة، لأنه رئيس السلطات وخاصة السلطة التنفيذية.
وفيما يتعلق بصعوبة الوصول إليه فهذا يعود للشخص المسؤول وكيفية تعامله، والمفروض بالديوان أن يتعامل مع القضايا الجماعية وليس الفردية، ولكن في أحيان كثيرة يتعامل معها ، وآمل أن يظل الديوان فعلا بيتا لكل الأردنيين ولا يغلق في وجه أحد.
أما فيما يتعلق بتدخل الديوان بالحكومات وشؤون عملها، فهذا غير صحيح أبدا، ولكن هذا لا يمنع من التنسيق والتشاور في قضايا معينة.
* بموجب الدستور سابقا؛ كان الملك يمتلك صلاحية إعلان الحرب وتعيين رئيس الوزراء، وفي التعديل الأخير منح الدستور الملك الحق في تعيين رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات وقائد قوات الدرك، ما المغزى من ذلك؟
– هي خطوة استباقية وذكية، لأن الملك لا يريد تسييس هذه المواقع، فكما أنها تهم كافة الناس على كافة مستوياتهم، فهي أيضا تهم الملك، فمثلا لو وصلت قوى سياسية أو حزبية معينة للبرلمان وقامت بتشكيل حكومة حينها ستكون لديها الصلاحية في تعيين المسؤولين عن تلك المواقع، وهذا قد يقود لإشكالات لا حصر لها ونحن في غنى عنها، لذلك كانت خطوة لا بد منها، فالملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وهو المرجعية أيضا في حفظ أمن البلاد.
* عندما كنت رئيسا للديوان؛ هل كان الملك يتلقّى التقارير الدائمة عن حالة البلاد والأوضاع المختلفة؟
– كل يوم يوضع على مكتب جلالته تقرير بهذا الخصوص، ويقوم بدراسته، وإذا ما وجد، على سبيل المثال، أمورا غير صحية أو سلوكيات تستدعي التدخل، فجلالته يقوم بلفت نظر الحكومة بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية وقائدا أعلى، وربما أيضا لفت نظر جهات أخرى.
* بصراحة دكتور جواد؛ عندما يقوم رئيس الوزراء المكلّف باختيار الوزراء، هل هناك من إجراءات للتدقيق في خلفياتهم، وما دور الرئيس حينها؟
– الدوائر الأمنية المختلفة تقوم بهذا الدور بصراحة، فهي تدقق في سلوكياتهم، أو ما إذا كانت هناك قيود أو مخالفات أو قضايا بحقهم، ولا يجوز تعيين أي شخص ارتكب مخالفات تضر بالصالح العام، وحقيقة الأمر الأجهزة الأمنية لا تفرض رأيها على الرئيس، وإنما تقوم بلفت نظره بخصوص هذا الشخص أو ذاك، ومن حق الرئيس أن يصرّ على رأيه، وهو في النهاية من يتحمل المسؤولية.
* هل كنت مرتاحا في حكومة الدكتور هاني الملقي، وكيف شاركت بها؟
– لم أكن مرتاحا أبدا في هذه الحكومة، أنا وافقت على المشاركة لاعتقادي بأن جلالة الملك يريدني فيها، وفي واقع الأمر كان هناك الكثير من الاختلاف والتباين في وجهات النظر، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية وبرنامج صندوق النقد الدولي.
* شاركت في مفاوضات السلام مع الإسرائيليين، وكنت رئيس وفد المفاوضات الخاصة باللاجئين، حدّثنا عن ذلك؟
– كنت في زيارة إلى الأورغواي، وفي الساعة الثالثة فجرا بتوقيت ذلك البلد رنّ جرس الهاتف في غرفتي بالفندق الذي أقيم فيه، وأبلغوني أن هناك مكالمة من القصر الملكي، فإذا بالدكتور كامل أبو جابر وزير الخارجية على الخط، وأبلغني أن جلالة الملك الحسين يريد التحدث معي، كان ذلك في أيلول (سبتمبر) 1991 ، فجاءني صوت الملك قائلا .. صباح الخير أبو أحمد.. فقلت له .. موافق ! فضحك الملك، وقال: على شو موافق؟ فأخبرته بأنك أكيد يا سيدنا تريدني مع الوفد المفاوض فارتاح وقال: الله يخليك ويرضى عليك أبو أحمد! ثم خاطبته عبر الهاتف قائلا.. والله يا سيدي لن نفعل معك كما فعل قوم موسى عندما قالوا له .. إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون.
شاركت في تسع جولات من المفاوضات، ثم كانت المباحثات الثنائية، وكان رئيس الوفد الدكتور عبد السلام المجالي، إلى أن تم اختياري رئيسا للوفد الأردني بخصوص اللاجئين، حيث عقدنا أربع جولات في كل من كندا والنرويج، وكان معي الدكتور عون الخصاونة وموسى بريزات والدكتور أحمد قطناني، وكان رئيس الوفد الأميركي الذي أصبح سفيرا بعد ذلك في إسرائيل يحاول الضغط علينا بشتى الطرق، ورفضنا ذلك بصورة حاسمة.
بعد ذلك شاركت في حكومة الدكتور عبد السلام المجالي، وفوّضني أن أكون المنسق العام للمفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف حتى توقيع اتفاقية السلام عام 1994.
* كيف تقرأ خطوات الإدارة الأميركية الأحادية، هل بدأت فعلا بتنفيذ صفقة القرن، من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية ونقل سفارتها إليها؟
– كلها إجراءات أحادية وقد رفضها العالم، وترامب يتحمل المسؤولية والنتائج، وقراره الاعتراف بالقدس ونقل السفارة إليها تمت الموافقة عليه من الكونغرس عام 1995 ، ولم يجرؤ أحد من الرؤساء الأميركيين على تنفيذ ذلك إلا ترامب، وواضح أن هناك فهما خاطئا للقضية الفلسطينية والتي هي جوهر كل القضايا مهما تعددت النزاعات في منطقتنا، ولكن إذا تم فعلا تنفيذ الصفقة؛ فبالتأكيد ستكون هناك ضغوط كبيرة علينا وعلى الفلسطينيين تحديدا في ظل الهرولة العربية نحو التطبيع وهذا الوضع العربي المزري، وإسرائيل اليوم تعتقد أنها هي الأقوى ولا أحد يستطيع الوقوف في وجهها، ولكن في حقيقة الأمر هي اليوم تشتبك مع الشعوب، ومن هنا أحذّر إسرائيل من ذلك لأنها سوف تدفع فاتورة صعبة جدا بعد أن فقدت كذلك موقعها الأدبي، وخسرت الكثير من الحلفاء.
* هل ترى أن هناك إمكانية في يوم من الأيام لإقامة الدولة الفلسطينية، وما هو مستقبلها مع الأردن لو حصل ذلك؟
– الأهم من إقامة الدولة هو حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه غير القابلة للتصرف، الإنسانية والتاريخية والثقافية، وحقه في أرضه وعودة اللاجئين وموضوع المياه، والتنقل وممارسة حياته بكل أبعادها، ثم بعد ذلك يأتي دور الإطار السياسي.
الوضع الأردني الفلسطيني خاص جدا، لا يجب أن ينفصلا أبدا، هما كالتوأم السيامي، نحن والفلسطينيون نكمل بعضنا بعضا، بغض النظر عن كيفية إدارة شؤوننا، وبعد إقامة الدولة حينها لكل حادث حديث، نحن في النهاية جزء من المشرق العربي (الأردن ، سورية، لبنان ، العراق وفلسطين) وهذه الدول هي الأساس في الأمة العربية.
* كيف تنظر إلى واقع السلطة الفلسطينية اليوم؟ وما هو المخطط المرسوم لقطاع غزة برأيك ؟
– أسلوب السلطة الحالي غير مقبول أبدا، وعليها العمل على تطوير نفسها والعمل على مراجعة أدائها، ولكنها في الوقت نفسه تحت الاحتلال، لذلك لا بد من البدء بعملية إصلاح شاملة ، ووجودها ضروري للشعب الفلسطيني رغم كل المآخذ عليها .
وفيما يتعلق بقطاع غزة ؛ فأنا لا أستبعد نوايا إسرائيلية وأميركية لإقامة الدولة فيها، وهو مشروع موجود لدى اليمين الإسرائيلي، أضف إلى ذلك أن إسرائيل تبحث اليوم عن دور لها في البحر الأحمر من خلال تقوية علاقاتها مع بعض الدول المطلة عليه.
* لننتقل إلى الشأن الداخلي الأردني؛ الأحزاب، الانتخابات، وغير ذلك، دائما ننادي بضرورة صياغة قوانين متقدمة ناظمة للحياة السياسية وصولا للإصلاح السياسي، إلى متى كل ذلك؟ هل الشعب الأردني لم يصل إلى سن الرشد حتى هذه اللحظة؟
– علينا أولا الخروج من حالة التجربة إلى تبني نموذج معين، آن الأوان للانتقال إلى مرحلة التطبيق، وأنا أرفض نظرية (أن الشعب الأردني لم ينضج، ويحتاج للديمقراطية بالتدرج) الديمقراطية الحقيقية هي الحل لكل المشاكل، انظر إلى الهند؛ برغم كل ما فيها من طوائف وأديان ومذاهب وأحزاب وشعب يفوق المليار نسمة، إلا أنهم توافقوا جميعا على الديمقراطية التي حلّت لهم كل شيء، وها هي في الطريق لأن تصبح قوة اقتصادية عظمى.
الدولة التي لا تطبق الديمقراطية مصيرها الفشل، في كولومبيا امتدت الحروب الداخلية لأكثر من خمسين عاما، وفي النهاية كان الخيار الديمقراطي هو الحل، وكذلك في العديد من بلدان إفريقيا.
وفي الأردن لدينا نعمة كبيرة، فكل الناس متوافقون على رأس الدولة (الملك)، ونحن فقط نريد تغيير الحكومات من خلال الديمقراطية وتغيير النهج، وهذا لا يتم إلا من خلال أحزاب فاعلة ومواطن فاعل ومجلس نواب فاعل.
نحن اليوم بحاجة إلى عدد محدود من الأحزاب القوية بحيث لا يتجاوز عددها خمسة، تكون لديها القدرة على الوصول للبرلمان من خلال قانون انتخابات يمنح الأحزاب قائمة أو حصة حتى تصبح إحدى الآليات المهمة للوصول إلى البرلمان، حينها ستجد أن كل الناس بدأوا بالانخراط في الأحزاب.
إضافة لذلك؛ لماذا لا نقوم بتطبيق أوراق الملك النقاشية؟ ففيها الكثير مما يمكن الاستفادة منه، وكذلك البناء عليه، والمطلوب تشكيل لجنة لترجمة ذلك على أرض الواقع، فهذه الأوراق واضحة، وفيها جزء يتحدث في الجانب الحزبي وتشجيع المواطنين على الانخراط فيها وممارسة دورهم السياسي.
* اقتصاديا؛ إلى أين نحن ذاهبون؟
– العبارة السابقة تعكس حالة القلق المسيطرة على الناس وعلى مستقبلهم، والوضع الاقتصادي هو حصيلة أعمالنا، نحن ما زلنا في أزمة، لم ننضج للمرحلة التي تؤهل لبناء اقتصاد من صنع أيدينا نحن، وعلينا الاعتراف بأن الذي سيحدث الفرق هو الاستثمار، ولا شيء سواه، ويجب أن نبدأ بالمواطن الأردني، ودعم المستثمر العربي والأجنبي بشروط لا تكون منفّرة وطاردة، نحن بحاجة لرؤوس أموال وفتح أسواق جديدة، ونظم إدارية حديثة وثبات التشريعات، وأعتقد أننا بحاجة على الأقل لأربع سنوات للخروج من أزمتنا، ولكن المهم أن نبدأ بداية صحيحة.
* هل ترى أن الرئيس عمر الرزاز خسر كثيرا من خلال موقعه كرئيس للوزراء، وكيف ترى أداءه، أم أن هناك أدوات وأصحاب نفوذ تحارب الرجل؟
– الرزاز شخصية مقبولة جدا، وخسارته تكمن في أنه بدأ باتخاذ القرارات، والخطأ الذي ارتكبته حكومته باعتقادها أن الإصلاح لا يأتي أولا إلا من بوابة ضريبة الدخل، فالإصلاح يجب أن يبدأ بسياسة استثمارية صحيحة، وأن يعمل على إغلاق فجوة الثقة، وعلينا الاعتراف بأن الشعب لا يثق بالحكومات، وهذه تحتاج من لديهم القدرة على المجابهة والقدرة على ردم الهوة بين المواطنين وحكوماتهم.