منجية السواحي - الفقهاء يكرهون المرأة
تفننت المدونة الفقهية الإسلامية في احتقار المرأة، وإهانتها، وتكريس دونيتها. ولم يجمع-بلغة الفقهاء- في هذه المدوّنة على قضيّة أخرى مثل الإجماع على أحكام المرأة التي تتقن التمييز ضدّها بسبب أنّها أنثى، وجسد الأنثى يقض مضاجع بعضهم ، لأنّهم يخافونه، ولا حلّ لهم إلاّ حبسه.
وقد بالغوا في التّضييق عليها والتشديد على حركاتها وسكناتها، وهيئتها، ومشيتها وكلامها، وخروجها ....
والمضحك أنّنا كلّما فتحنا مدوّنة فقهيّة أو كتابا في "أحكام النّساء في الإسلام" إلا وجدناه مصدَّرا بآيات من القرآن الكريم تشير إلى المساواة بين الجنسين في الخلق وفي العبادات، ويشبعنا هؤلاء الفقهاء حديثا عن تلك المساواة حتّى يذهب في ظنّك أن المرأة والرّجل سببان لا يختلف أحدهما عن الآخر في الحقوق والواجبات. ولكن سرعان ما تتغيّر لغة الخطاب مع تصفّح الكتاب فتطلّ عليك أحكام القهر للمرأة، والكره لها، وأذكر بعضا منها:
1) منعها من الخروج وتكميم فمها:
كمّم الفقهاء فم المرأة فلا يسمع صوتها أحد ومنعوها من الخروج من البيت إلاّ بإذن زوجها بتعلّة أنّ جسدها عورة وصوتها عورة وأنها فتنة، قال الغزالي في الإحياء: "والقول الجامع في آداب المرأة من غير تطويل أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمة لمغزلها لا يكثر صعودها وإطلاعها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدّخول، ... ولا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه فإن خرجت بإذنه فمتخفّية في هيئة رثّة تطلب المواضع الخالية دون الشّوارع والأسواق، محترزة من أن يسمع غريب صوتها أو يعرف شخصها" وأضاف ابن الجوزي "ومشت في جانب الطّريق لا في وسطه" (من كتاب أحكام النّساء).
وقد بلغ تشدّد الفقهاء مع المرأة ، وكرههم لرؤيتها أن بعضهم أصدروا فتوى تحكم بأن شراء الحذاء للمرأة لا يدخل في نطاق النفقة الواجبة لها على زوجها ، وبما أنّها ممنوعة من الخروج من البيت فهي ليست في حاجة إلى لبس الحذاء و لا حتّى إلى المداس يقول السرخسي في كتابه "المبسوط في الفقه":"فأمّا المرأة فمأمورة بالقرار في البيت، ممنوعة من الخروج فلا تستوجب الخفّ على الزّوج".
ووصل الأمر بالحاكم بأمر اللّه الفاطمي أن ألزم النّساء البيوت وحظر ظهورهنّ في شوارع القاهرة، وفرض على الباعة المتجوّلين أن يقفوا بالأبواب، وأن يتّخذ الواحد منهم ما يشبه الملعقة الكبيرة، بذراع طويل يمدّه إلى ما وراء الباب فتأخذ المرأة حاجتها من البضائع، وتضع المبلغ من المال في تلك الملعقة الكبيرة، قلا يراها البائع ولا تراه حسبما جاء في موسوعة المجتمعات المدنيّة.
وإمعانا في منع النّساء من الخروج حرم الفقهاء على المرأة الذّهاب إلى الحمّام، وإن أبدوا شيئا من الكرم هنا فأجازوا للمريضة والنّفساء الذّهاب إليه للتّداوي.
ولهذه الأحكام جذورها في الثقافة اليونانية التي فرضت على المرأة التحجّب من الأجانب عنها، ولا تخرج إلا مصحوبة بالخادمة، والأفضل لها أن تقبع في زاوية في بيت مغلق.
والمرأة المفضّلة عند الرّجل اليوناني قديما – مهما كان مستواه ودرجته العلمية والمادية- هي المرأة المحجّبة عن الأنظار وتشهد بذلك كلّ الخطابات الذّكورية وملخّصها أن المرأة الشّريفة الفاضلة هي تلك المرأة التي لا نراها، والّتي لا نذكر اسمها والّتي لا تخرج من بيتها إلا نادرا إمّا لآداء واجباتها الدّينيّة أو لزيارة والديها.
أليس هذا مطابق تماما لهذا الحكم الفقهيّ "أجود ما للمرأة أن لا ترى الرّجال وأن لا يراها الرّجال" (أحكام النّساء).
2) التحجّب تاريخيّا:
يزعم هؤلاء أن حجب المرأة وتحجّبها فضيلة إسلامية اختصّ بها اللّه نساء المسلمين، ولا دليل على هذا الزّعم من القرآن ولا من السنّة، ولن أعود إلى مزيد التّوضيح لأنّه سبق أن كتبت في هذا الموضوع، ولكن أؤكّد أن كلمة "الحجاب" لم تأت في القرآن بمعنى اللباس، ومن يستدلّ بكلمات "الحجاب" في القرآن استدلاله باطل، وتأويله فاسد، لأن كلمات "الحجب، ومحجوبون ..." لها معان بعيدة كلّ البعد عن مفهوم اللّباس.
إضافة إلى هذا وضّحت الدّراسات الأنتروبولوجية والوثائق التّاريخية أن "الحجاب" ليس ابتكارا إسلاميّا، وإنّما ظاهرة اجتماعية عرفتها العديد من شعوب العالم قديما، كخاصّية من خاصّيات سيّدات المجتمع الحرائر.
ومن أقدم المجتمعات الّتي أجبرت النّساء على التحجّب الآشوريون ويعدّ بالنّسبة إليهنّ من مظاهر الرّفعة والتمييز بين طبقات النّساء السيّدات والإماء والعاهرات، والّتي تتحجّب من الإماء والعواهر تعرض نفسها للإعدام. ومن أراد التّوسّع فليعد لدائرة معارف القرن العشرين، فقد نقلت قائمة طويلة عن دائرة معارف "لاروس Larousse " في أسماء الشّعوب الّتي فرضت على النّساء الحجاب.
ونحن ندرك أن الحجاب تقليد اجتماعي قديم يعود أساسا إلى سيطرة الرّجل على المرأة من خلال سيطرته على الاقتصاد منذ بداية البشرية حيث قسّمت الأدوار بين المرأة والرّجل، هي داخل البيت تنجب وتشرف على تربية الأبناء وعلى شؤون البيت وتعمل في الحقل، والرّجل يخرج للصيد، ويقوم بالحرب.
وقد أعطى العمل الفلاحي للمرأة مكانة محترمة منذ 8000 ق.م خاصّة في أماكن من إفريقيا وعند بعض قبائل من الهند التي تولّت فيها المرأة تربية الأولاد والإشراف على المكاسب بحكم غياب الأزواج مما بوّأهن الصّدارة ونلن شرف نسب أبنائهن لهن، وتوريثهم أموالهن ، إلا أن هذه الوضعية تراجعت سنة 3000 ق.م بسبب تطوّر الأعمال الفلاحية وسيطرة الرّجل على هذه الأعمال، ومن ثمّ أصبح الولد يلحق بأبيه.
ولمّا تطوّرت حياة الإنسان وعرف القراءة والكتابة ، واحتكرها الرّجل لنفسه ولكن المرأة تمكّنت من التّعلّم مما شجّعها على التعلّم حاجتها لقراءة الكتاب المقدّس فيما بعد. ووجدت من بينهنّ الشاعرات، ولكن هذا التعلّم القليل لم يمنع عنهن الحجب، والمنع من الحقوق إلى أن حل عصر الأنوار وعصر حقوق الإنسان ، وإلغاء العبيد، ووجود قوانين تمنع كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة، والّتي لم تصادق عليها عديد الدّول الإسلامية إلى حدّ الآن.
3) المسلمون والحجاب:
في بداية الإسلام لم يمثل الحجاب قضية تستحق العناية، ولم يعرف تشدّدا مثلما الّذي نشهده اليوم، ولم يفرضه المسلمون على المرأة في الرّيف لأنهم لم يعتبروا الجسد عورة، وإنّما الإشكال كان في امرأة المدينة التي بالغت في التزيّن والعراء، والفطرة السليمة تأبى ذلك، وترفضه كل الشرائع والأخلاق وللحدّ من تلك الظاهرة، ولضمان توازن المجتمع اتّخذ اللّباس كآلية من آليات حفظه، صالحة لذلك الزّمن، وما كان الحجاب عندهم فريضة دينية، وإنّما أدبا اجتماعيا، وما كان عندهم حدّا من حدود اللّه، كما يذهب إليه بعض الفقهاء الّذين يلحّون على هذا الموضوع في حين لا نجد نصّا مقدّسا يتوعّد النّساء بعقوبة شرعية في الدّنيا أو الآخرة تسلط على تاركة الحجاب لا في القرآن ولا في السّنّة الصّحيحة ولا حتّى الضعيفة، إلا ما جاء في أقوال الفقهاء الّذين يفتحون أبواب جهنّم على مصراعيها لمن تخرج شعرة من تحت غطاء رأسها، واللّه أعدل وأكرم وأرحم بالنّساء من هؤلاء الفقهاء بدلالة الحديث النّبوي :"إن بغيا دخلت الجنّة في كلب سقته".
ودليلنا على هشاشة دعوى الحجاب في الصّدر الأوّل للإسلام عدم استجابة بعض النّساء للبسه فهذه عائشة بنت طلحة عاتبها زوجها على سفورها وعدم تحجّبها، فأجابته:
" إن اللّه تبارك وتعالى وسمني بميسم جمال أحببت أن يراه النّاس، ويعرفوا فضلي عليهم، فما كنت لأستره، واللّه ما في وصمة يمكن أن يذكّرني بها أحد".
وبالتّالي لم يكن للحجاب الحساسية الدّينية الّتي جعلته فرضا اليوم فما هي أسباب هذه الحساسية المفرطة؟
من أبرز أسباب هذا التشدّد أن حكام بني أميّة فرضوا الحجاب والاحتجاب على نسائهم وقلّدهم رجال دولتهم، وفي مقدّمتهم الفقهاء، وليس للفقيه أن يقول أو يفعل غير ذلك، لأن الفقهاء في كلّ زمن –إلا من رحم ربّك- لا يخلو حال الفرد منهم من أن يكون محكوما لأحد سلطتين، فإمّا محكوما لسلطة القصر عملا بقاعدة "النّاس على دين ملوكهم" وإمّا أن يكون محكوما لسلطة القبر فلا يحيد عن فتاوى الغابرين من أسلافه وهو من وراء هذا كلّه تحكمه سلطة المعرفة الشعبية والمخيال الجمعي لعامة النّاس ، فلا يستطيع أن يقول لهم غير ما تعوّدوا عليه وما ألفوه. وكيف لفقيه أن يقول في الحجاب برأي مستحدث وغير معهود، فللرّأي المستحدث، وللجرأة على الاجتهاد علماء وهبوا أنفسهم للمعرفة وتعالوا عن أطماع الدّنيا، وترفّعوا عن إرضاء العامّة وإن كان ذلك الإرضاء يضرّ بهم من حيث لا يعلمون كما يفعل البعض مع الأسف.
ثم تواصل فقه أحكام النّساء ليزداد تزمّتا مع العصر العبّاسي، ليعدّ الحجاب من الفروض الدّينيّة وحدّا من حدود اللّه، وليفرض أيضا على الإماء والجواري والفتيات الصغيرات. وليتشبّث به المسلمون، وها هم اليوم يتنافسون في حجب المرأة عوض التنافس في العلوم والمعارف، إلى درجة ألحقت الضّرر بالمرأة على حدّ عبارة قاسم أمين التالية عن التحجّب:
" يحرم المرأة من حرّيتها الفطرية، ويعيقها عن كسب معاشها عند الضّرورة ويحرمها لذّة الحياة العقلية والأدبية، ولا يتأتّى معه وجود أمّهات قادرات على تربية أولادهنّ وبه تكون الأمة كإنسان أصيب بشلل في أحد شقيه" وصدق قاسم أمين فأين لامرأة محبوسة بين الجدران، لم تتعلّم أن تربي النشأ وتنهض بالأمة؟ فأين لامرأة لا تعلم ما يجري حولها في الدّاخل ولا في الخارج أن تربّي رجالا ونساء واعين؟
وتجاوز ضرر الحجب – قديما - النساء ليلحق الأذى بصنف من الرجال وهم العبيد،كيف دلك ؟
قبل الإسلام نظام الرّق- وإن وضع تمهيدا لتحرير العبيد- ومن أبشع مظاهر الرّق خصيان العبيد الّذين يخدمون داخل البيوت ويخالطون الحريم،والحل الوحيد للحفاظ على شرف النساء هو الخصيان، ورغم أنه عرف قديما عند اليونان والرومان والبيزنطيين إلا أنه لم يستمر طويلا بينهم بقدر استمراره بين المسلمين في الشرق حسبما جاء في "قصة الحضارة".
4) المرأة شيطان:
يعتبر الفقهاء المرأة عورة،كلما خرجت استشرفها الشيطان وسيطر على تصرفاتها، ولا يتركها حتى تعود إلى بيتها وتقر فيه.ولذلك كثرت النصوص التي تنصحها بالبقاء داخله.
وبما أنها عورة وشيطان فمسكين من يرى شعرها فهذا أبو مرداس الخارجي يصوم سنة كاملة كفارة لأنه رأى عن غير قصد منه امرأة مكشوفة الرأس،الحمد لله أنه لم يعرف أيام الكليبات وإلا ظل طول الدهر صائما.
وهذا أبو عمران تسأله زوجة أبي القاسم بن يزيد بن مخلد عن امرأة صحبت النساء إلى الوادي فنزلت في الماء وهي مرتدية ثيابها وعلى رٍأسها غطاء.
فأجابها:أيما امرأة نزلت في الوادي مكشوفة ستقوم في سبعة أودية من نار جهنم.
وأكثر من هذا فقد حكموا على المرأة بالزانية لمجرد خروجها متعطرة.وأبطلوا صلاتها أيضا بسبب التعطر،وما وجدنا العطر من نواقض الوضوء، ووصل الأمر إلى حد تصنيف النساء ضمن السفهاء،ومن أكثر النساء دخولا إلى جهنم، وأنهن ناقصات عقل ودين،لا يصلحن إلا للفراش والإنجاب والقيام بشؤون البيت.
وغير هذه الأحكام كثير يشهد به كره بعض الفقهاء للمرأة، لأنهم يكرهون أنفسهم ولا يشعرون،ويكرهون أمهاتهم ولا يشعرون وفقدوا الثقة بأنفسهم وبنسائهم.
ولا يفوتني هنا أن أذكر أن هذه الأحكام ومثيلاتها مجرد آراء فقهية ،ومواقف شخصية للفقهاء، تعود إلى فهمهم الضيق لقضايا المرأة،وذوقهم وثقافتهم وخلفياتهم النفسية ولا علاقة لها بالنصوص المقدسة الدينية القرآن ولا السنة ولا المقاصد.ولذلك فنحن لسنا ملزمين بها ،وهي ليست صالحه لكل زمان ومكان خاصة وأن الزمن تغير،والنظرة إلى المرأة اليوم تغيّرت حتّى أصبحنا نسمع أصواتا تنادي بتأنيث السّلطة فمنذ سنوات دعاFrancis Fukuyama إلى أن عالم تديره النساء سيحظى بسياسة إنسانية تختلف عن سياسة الرّجال العنيفة، واليوم يعيد النّداء Fareed zakariaالّذي كتب إن أخذ النّساء السلطة العليا فذلك سيغيّر النظام العالمي إلى الأفضل وأصبح الإنسان ببحث عن أمّهات شجاعات ونساء قادرات على إدارة دفّة الحكم. وقد جرّبت بعض النّساء فنجحت مثل Margaret Thatcher وGolda Meir وAndira Gandi ، سابقا، واليوم Angela merkel في ألمانيا Ellen johnson في ليبيريا وAllemagne وMichelle bachelet في الشيلي ، ومن جديد Tarja Halonenفي فنلندا.
وقبل هؤلاء النّساء بقرون حكمت عائشة أم المؤمنين، وأم سلمة، والخيزران وشجر الدّر، وما تخفي القصور أكثر.
هل سيختار المسلمون امرأة تحكمهم، أو أنّه حلم مثل حلم دخول الجمل في سم الخياط وهل سيرعوي الفقهاء الّذين يكرهون المرأة ولا يزالون يكرّسون قراءات دونية، تمييزية للنّصوص الدّينية، ويخرجون من جبّة السّلف ويجتهدون في إعادة قراءة النّصوص الدّينية الّتي جاءت في المرأة. وخاصّة نصوص السّنة بعد عرضها على القرآن والعقل وتطوّر الزّمن. أو أن الأمر سيبقى على حاله وقد يزداد تشدّدا وتعصّبا وسوءا