منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:24 am

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)



القدس وآفاق التحدي 
إبراهيم عبدالعزيز السمري

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3920


عبقرية المكان والجغرافيا


أولاً: الموقع الجغرافي:
لا شكَّ أن الموقع الجغرافي له أهميته الكبرى عند التعرُّض لدراسة تاريخ أو حضارة بلدٍ ما؛ حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال "فصل البعد الزمني عن البعد المكاني، لا سيَّما وأن البعد التاريخي والسياسي لفلسطين والوطن العربي قديمًا وحديثًا ما هو إلاَّ محصِّلة بعدَين أساسيَّين هما: الموقع والموضع، الموقع الإستراتيجي الخطير، والموضع بثرواته وموارده، مع سيادة البعد الأول منذ فجر التاريخ وحتى نهاية القرن التاسع عشر، ثم تضافُر البعد الأول (الموقع) والبعد الثاني (الموضع)، منذ بداية القرن العشرين، ومع تفجُّر الثروة النفطية، وقد كان أحد أبعاد ظهور الكيان الصهيوني على أرض فلسطين تحقيق الهيمَنَة على الموقع والموضِع للوطن العربي من خلال السيطرة على فلسطين قلب الوطن العربي، وعلى النواة النووية للإسلام والعقيدة (القدس - الخليل)، ويؤكِّد هذا الاتجاه أن الصهيونية منذ إنشائها كفكرة، وظهور الكيان الصهيوني في المحتلِّ من أرضنا تخطِّط إستراتيجيَّتها على أساس مجموعة من العوامل الجيوبولتيكية والجغرافية والتاريخية والحضارية والسياسية والاقتصادية والإستراتيجية"[1].


إن الدارس لموقع القدس وتطوُّرها عبر العصور يُلاحِظ تشابُهًا منقطِعَ النظير مع مكة المكرمة، فالمدينتان قامَتَا في موقعَين جبليين، وارتَبَط تطوُّرهما بالقداسة والتجارة، وهما معًا عانَتَا من مشاكل قلَّة المياه، وأكثر من هذا فكما أن اسم "مكة" أو "بكة" يعني: نبع الماء، يُرَجَّح علميًّا أن تسمِيَة القدس من حيث الأصل ارتبطَتْ بالماء.

"تقع القدس على خط طول 35 درجة و13دقيقة شرقًا، وخط عرض 31 درجة و52 دقيقة شمالاً، وترتفع نحو 750م عن سطح البحر المتوسط، ونحو 1150م عن سطح البحر الميت، وتبعد القدس مسافة 52 كم عن البحر المتوسط غربًا، و22 كم عن البحر الميت ونهر الأردن شرقًا، و19 ميلاً - ما يقارب 24 كيلومترًا - عن مدينة الخليل جنوبًا، و30 ميلاً - أي: نحو 40 كيلومترًا - عن (السامرة) أو (سبسطية) شمالاً، وتبعد عن البحر الأحمر في الجنوب نحو 155 ميلاً أو حوالي 250 كيلومترًا.


والقدس ذات موقع جغرافي مهم؛ لأن نشْأَتها جاءَتْ على هضبة القدس والخليل، وفوق القِمَم الجبلية التي تُمثِّل خط تقسيم المياه بين وادي الأردن شرقًا والبحر المتوسط غربًا، وجعَل هذا من اليسير عليها أن تتَّصل بجميع الجهات، وهي حلقة في سلسلةٍ تمتدُّ من الشمال إلى الجنوب، فوق القِمَم الجبلية للمرتفعات الفلسطينية، وترتَبِط بطرق رئيسة تختَرِق المرتفعات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وهناك طرق عرضية تقطع هذه الطرق الرئيسة، لتربط وادي الأردن بالساحل الفلسطيني، ومن بينها طريق القدس أريحا، وطريق القدس يافا.

أهم الطرق التي تربِط مدينة "القدس" بباقي مدن فلسطين:
هناك طريقان رئيسان يربطان القدس بمدن فلسطين والبلدان العربية المجاورة وهما:
1 - الطريق الساحلي:
ويبدأ من مصر ويمتدُّ على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويستمرُّ حتى صور وصيدا، ويمرُّ بالمدن الفلسطينية الآتية: خان يونس وغزة ويافا وعكا.

2 - الطريق الأوسط:
وكان يمتدُّ من بئر سبع حتى القدس، والتي كانت محطة مواصلات دولية في الشرق القديم؛ بمعنى: أن الكثير من الطرق كانت تخرج منها وتذهب إليها، ومن أهم هذه الطرق:
(أ) طريق "القدس - يافا": 
وهو طريق وعر يمرُّ بمناطق جبلية حتى يصل إلى السهل الساحلي، ويبلغ طوله نحو 67 كيلومترًا، ويبدأ هذا الطريق من غربي "القدس" من عند الباب الغربي لها والمسمى بباب "يافا"، ويستمرُّ في هضبة "القدس" نفسها، ثم يعبر إلى "دير ياسين" و"أبو غوسن" ثم "الرملة"، حيث يبدأ الطريق في الانحدار، وابتداءً من "الرملة" وحتى السهل الساحلي يُطلَق عليه اسم طريق "باب الوادي"، وهو ممرٌّ يربِط السهل الساحلي بمدينة "القدس" وهو مفتاح المدينة المقدَّسة، ويقع على مسافة كيلومتر واحد من قرية "دير أيوب"، وطوله نحو 15 ميلاً، ويقع على بُعْد 24 كيلومترًا من "القدس"، وقد دارَتْ فوق أرضه معاركُ كبرى عبر القرون الطويلة الماضية، ويشتَمِل على وادي "علي" ومداخِله، والهضاب المطِلَّة عليه، والقرى القريبة منه كـ"هواس" و"اللطرون" و"تل الجزر" و"بيت نوبة" و"يالو" وغيرها، وذكر أن الخليفة الأموي "عبدالملك بن مروان" هو الذي أمر بإعمار المنطقة من "القدس" إلى "باب الوادي".
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3917

(ب) طريق "القدس - حيفا":
ويمرُّ بمدن: "رام الله" و"نابلس" أو (شكيم) و"جنين" ثم "حيفا".
(ج) طريق "القدس - الجليل (أو طبرية):
ويمرُّ بكلٍّ من المدن الآتية: "رام الله" و"نابلس" و"سبسطية" و"العفولة" ثم "الجليل".
وهناك مجموعة من الطرق الأخرى التي تربِط ما بين مدينة "القدس" وعددٍ من العواصِم العربية المجاوِرَة، وهي: "القدس - عمان"، ويبلغ طوله 88 كيلومترًا، و"القدس - دمشق" وطوله 290 كيلومترًا، و"القدس - بيروت" وطوله 388 كيلومترًا، و"القدس - القاهرة" ويبلغ طوله 528 كيلومترًا... وهناك خطٌّ للسِّكَك الحديدية يربِط ما بين "القدس" ويافا، بجانِب اتِّصال المدينة المقدَّسة مع العالَم الخارجي عن طريق مطار "قلندية" شمال المدينة على الطريق إلى "رام الله".

وترجِع الأهمية الجغرافية لموقع القدس إلى أنه يجمع بين مزيَّة الاعتصام والانغلاق، وما يُعطِيه من حمايةٍ للمدينة، وميزة الانفتاح وما يُعطِيه من إمكانية الاتِّصال بالمناطق والأقطار المجاوِرَة، كما ترجِع هذه الأهمية إلى مركزيَّة موقع القدس بالنسبة إلى فلسطين والعالم الخارجي، وجاء الإسلام بعدئذٍ ليربِط بين مكة والقدس روحيًّا وماديًّا"[2].

وفي المجال العسكري اكتَسَب موقِع القدس الجغرافي أهمية خاصَّة؛ نظرًا للحماية الطبيعية التي تزيد في الدفاع عنه، وعندما كانت الحملات العسكرية تنجح في احتلال القدس، كان ذلك النجاح إيذانًا باحتلال سائر فلسطين والمناطق المجاوِرَة لها.

"وقد نشَأَت النواة الأولى لمدينة القدس على تلال الضهور (الطور - تل أوفل) المطلَّة على قرية سلوان إلى الجنوب الشرقي من المسجد الأقصى، وقد اختِير هذا الموضع الدفاعي لتوفير أسباب الحماية والأمن لهذه المدينة الناشِئَة، وساعَدَتْ مياه عين أم الدرج في الجانب الشرقي من الضهور على توفير المياه للسكَّان، وأحَاط بهذا الموقع وادِي "جهنم" (قدرون) من الناحية الشرقية، وأحَاط به من الجهة الجنوبية وادي "الربابة" (هنوم) ووادي "الزبل" من الجهة الغربية.

وقد كوَّنت هذه الأودية الثلاثة خطوطًا دفاعية طبيعية جعلت اقتحام القدس القديمة أمرًا صعبًا، إلاَّ من الجهتين الشمالية والشمالية الغربية؛ وبناءً عليه استولَتْ عليها جميع الجيوش عبر التاريخ ودخلَتْها من جهة الشمال"[3].

لقد أغرى هذا الموقعُ الإستراتيجيُّ الخطيرُ اليهودَ باحتلاله؛ ليكون نواة وقاعدة صلبة ينطلِقُون منه لإحكام سيطرتهم على العالم أجمع، وهذا ما أعلَنَه زُعَماؤهم أمام مرأى ومسمع من العالم كله؛ ففي تصريحٍ خطيرٍ للدكتور "ناحوم جولدمان" رئيس المؤتمر اليهودي العالمي أعلَنَه في مدينة مونتريال في كندا سنة 1947م جاء فيه:
"لقد كان ممكِنًا لليهود أن يحصلوا على أوغندة أو مدغشقر أو غيرهما من الأقطار ليُنشِئوا فيها وطنًا يهوديًّا، ولكن اليهود لا يُرِيدون على الإطلاق غير فلسطين، وليس ذلك لاعتبارات دينيَّة أو بسبب إشارات التوراة إلى فلسطين فحسب، ولا لأن أرض فلسطين ومياه البحر الميت تحتويان على ثروات ضخمة عظيمة؛ بل لأن فلسطين هي أيضًا ملتقى الطرق بين أوروبا وآسيا وإفريقيا، ولأنها المركز الحقيقي للقوَّة السياسية العالمية، والمركز العسكري الإستراتيجي للسيطرة على العالم"[4].

ثانيًا: المناخ:
1 - الحرارة والرياح:
تقع المدينة في إقليم "المرتفعات" أحد الأقاليم المناخية الأربعة لفلسطين (الثلاثة الأخرى هي: وادي الأردن، والنقب، وإقليم السهول الساحلية)، حيث ترتفع معدَّلات الأمطار السنويَّة والرطوبة في المدينة بسبب ارتفاعها عمَّا يجاوِرُها، ويُصنَّف مناخ المدينة على أنه من النوع "المتوسطي الجبلي"، ويبلغ متوسط درجة الحرارة في "القدس" سنويًّا نحو 17 درجة مئوية، وتهبط درجة الحرارة إلى أدنى مستوى لها في يناير حيث تصل إلى نحو 9,7 درجة مئوية، وقد تنخفِض شتاءً إلى ما دون الصفر (حتى خمس درجات تحت الصفر)؛ لذلك تتساقَط الثلوج أحيانًا على أعالي الجبال والتِّلاَل في المدينة وما حولها، أمَّا أقصى درجات الحرارة التي تصل إليها المدينة فهي ما بين 25 إلى 30 درجة مئوية في شهر أغسطس.

أمَّا المعدَّل السنوي للحرارة في سفوح الحضيض فيتراوَح ما بين 19 - 20 درجة مئوية، وتتعرَّض المدينة تقريبًا لكافَّة أنواع الرياح؛ مثل الرياح الغربية والرياح الشمالية في فصل الشتاء، وكذلك الرياح الشرقية والرياح الجنوبية التي غالبًا ما تستمرُّ في هبوبها ما بين يومٍ إلى ثلاثة أيام وأحيانًا لفترات أطول، وغالبًا ما تكون محمَّلة بالرمال والأتربة، وتحمِل كلَّ ما يمكن تحريكه فضلاً عن اقتلاعها الأشجار في بعض الأحيان، كما قد تؤدِّي إلى اضطرابٍ في عملية سقوط الأمطار وكمِّيتها.

لكن يغلب على المدينة اعتدالُ المناخ، يقول "المقدسي" في كتابه "أحسن التقاسيم": "بيت المقدس ليس في مدائن الكور أكبر منها، وقصبات كثيرة أصغر منها كإصطخر، وقاين، والفرما، لا شديدة البرد، وليس بها حر، وقلَّما يقع بها ثلج، وسألني القاضي أبو القاسم ابن قاضي الحرمين عن الهواء بها، فقلت: سجسج لا حر ولا برد شديد، قال: هذا صفة الجنة"[5].

2 - الأمطار:
يبلغ المعدَّل السنوي للمطر في "القدس" نحو 551 مللم، ويسقط أعلى معدَّل شهري للأمطار في شهر يناير؛ حيث يصل إلى 635 مللم، أمَّا أقل معدل لسقوط الأمطار فهو في شهر مايو؛ حيث يبلغ المعدل نحو 2,7 مللم، ويتراوَح المعدَّل السنوي للمطر في سفوح الحضيض الغربية ما بين 450 - 500 مللم، ويهبط المعدل إلى ما بين 200 - 350 مللم في منطقة برية "القدس" في أعالي السفوح المطلَّة على غور الأردن، وهذه النسبة تكاد تكون قليلة بالنسبة لمتطلَّبات الزراعة، وترتفع معدَّلات البخر في المدينة إلى نحو 1600 مللم في فصل الصيف، وتهبط إلى نحو 550 مللم في فصل الشتاء، وبذلك تكون الموازنة المائية إيجابية في الشتاء؛ ممَّا يساعد على تكوين الجريان السطحي، والفيضانات في الأودية التي تتَّجه إلى البحر المتوسِّط لتصبَّ فيه، وكذلك في الأودية التي تتَّجه إلى غور الأردن، لكن الجريان السطحي لا يستمرُّ طيلة العام لارتفاع نفاذية الصخور الكلسية، وتسرُّب المياه عبرها لتغذية الخزانات الجوفية التي تنبثق عنها الينابيع سواء في سفوح الحضيض الغربية أو في سفوح وبطون الأودية الشرقية في البرية، ويتركَّز نحو 70% من المطر السنوي في "القدس" في فصل الشتاء الحقيقي (ديسمبر ويناير وفبراير)، ولا يزيد عدد الأيام الممطِرة عن 60 يومًا سنويًّا؛ ممَّا يؤكِّد طبيعة التركيز الواضحة في التوزيع المطري في "القدس"[6].
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3923


ثالثًا: موارد المياه:
لا يوجد في المدينة أنهار كبيرة، وإن كانت تُحِيط بها مجموعة الآبار وعيون المياه التي لمياهها صلاحيةٌ للشرب، وتمثِّل عيون المياه والمطر موارِد المياه الأساسية للمدينة، والمدينة بوجهِ عامٍّ طيلةَ تاريخها تُعتَبر قليلة المطر، وتتضخَّم فيها مشكلة التزوُّد بالمياه لوقوعها على عددٍ من المرتفعات لا تتفجَّر بجوانبها الينابيع، وأقرب منبع لها هو عين "أم الدرج" بالقرب من "سلوان" جنوبي شرق "القدس"؛ ولذلك اعتمدت المدينة منذ تاريخها الأول على تخزين مياه الأمطار في بِرَك وآبار وعلى عددٍ من العيون الطبيعية والآبار القليلة؛ مثل "أم الدرج" وبئر "أيوب" و"البركة الحمراء".

1 - "عين سلوان" - العين والقرية:
ذكَرَها "أبو العلاء المعري" في شعره قائلاً[7]:




وَبِعَيْنِ سُلْوَانَ الَّتِي فِي قُدْسِهَا القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Space
طَعْمٌ يُوَهِّمُ أَنَّهُ مِنْ زَمْزَمِ القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Space
وهي من أشهر عيون المياه التي تمدُّ مدينة "القدس" باحتياجاتها منها، وتُعرَف بالعديد من الأسماء منها: عين "جيحون"، وعين "أم الدرج"، وعين "العذراء"، وتقع العين على مسافة ثلاثمائة متر من الزاوية الجنوبية الشرقية للحرم، وقد ذكَرَها الرحَّالة كثيرًا في كتبهم منذ وقت مبكِّر من التاريخ، وذهب البعض إلى أن مياهها قادرة على شفاء الأمراض، وأنها قريبة في قدسيَّتها من مياه بئر "زمزم"، وقد قام الخليفة "عثمان بن عفان" - رضي الله عنه - بوقف مياه العين على فقراء مدينة "القدس"، ويُقال: إنها أيضًا وقف لأحد خلفاء بني أمية، وقد أعطى الصليبيون أهمية خاصة لعين الماء هذه خلال فترة احتلالهم للمدينة (1099 - 1187م)؛ لاعتقادهم أن السيدة "مريم العذراء" قد قامت بغسل ملابس السيد "المسيح" - عليه السلام – فيها وهو صغير.

وقد أطلق المقدسيُّون على عين المياه هذه اسم "عين أم الدرج"؛ لأن الوصول إليها يتمُّ عن طريق درج أو سلم، أمَّا مدينة "سلوان" نفسها فهي قرية فلسطينية شهيرة كانت تتبع "القدس" قديمًا، إلاَّ أن الإسرائيليين قاموا بعد حرب يونيو من العام 1967م بضمِّها بشكل كامل إداريًّا وبلديًّا إلى "القدس"، فأصبحت إحدى أحياء المدينة، وتقع "سلوان" جنوب سور الحرم القدسي الشريف، وسميت بهذا الاسم نسبةً إلى مجموعةٍ من عيون المياه، والتي يُقال عنها: أن "المسيح" - عليه السلام - أمَر رجلاً أعمى أن يغتسل فيها ليبرأ، ففعل الرجل فعاد إليه بصره، وبالإضافة إلى عيون "سلوان" وعين "أم الدرج" هناك بئر "أيوب"، والتي يُقال: أن الذي قام بحفرها هو نبي الله "أيوب" - عليه السلام - وجدَّد بناءها "صلاح الدين الأيوبي"، وتشتهر قرية "سلوان" بزراعة الزيتون، وينحدِر سكانها العرب من أصول مصرية وأردنية وحجازية، ومن أشهر عائلاتها "أبو خاطر" و"أبو عليان" و"طوقان" و"العباسي".

2 - بِرَك "سليمان" أو سبيل "بركة السلطان":
وتُنسَب إلى السلطان العثماني "سليمان القانوني"، فقد أُنشِئت في عهده في عام 943هـ؛ أي: تقريبًا في عام 1526م؛ وذلك لسقاية المارِّين به، والسبيل له واجهة حجرية ذات شكلٍ مستطيل وفي أسفلها صنبور مياه، وظلَّت القدس تستقِي الماء عن طريق بِرَك سليمان حتى عام 1926م، ولمَّا كَثُرَ عدد السكَّان راحت الحكومة تبحث عن ينابيع جديدة، ووجدت ضالَّتها في (عين فارة) على بعد 14كم من القدس إلى الشمال الشرقي[8].

3 - نهر "جيحون":
مجرى مائي يوجد في وادي "جهنم" أو وادي "قدرون" بمدينة "القدس"، وهو الوادي نفسه الذي توجد به عين "سلوان"، وتسقي مياه هذا النهير الصغير مع مياه العين أرضًا هي من أخصب أراضي فلسطين.

4 - عين "العذراء":
هي نبع ماء قديم يقع في وادي "ستنا مريم" في شرق مدينة "القدس"، ووَرَد ذكره في التوراة باسم "جيحون" - بخلاف نهير "جيحون" سالف الذكر - ويعرف اليوم باسم عين "العذراء"، ومنه نشَأَت عين "سلوان"، ولعل هذه العين - عين "العذراء" - هي السبب في نشأة مدينة "القدس" في مكانها الحالي.

5 - عين "اللوزة":
على بعد خمسمائة متر من بئر أيوب إلى الجنوب.

6 - جدول "عين كارم":
يبدأ في جبال "القدس" عند قرية "عين كارم"، ويسير من الاتجاه القادِم من جنوبي غربي المدينة، وحتى أودية المدينة ذاتها من جهة الغرب.

وهنالك البركة التحتانية إلى الجنوب الشرقي من بركة سلوان، ويسمونها البركة الحمراء، وتعتبر البِرَك المنزلية من أهم مصادر تموين سكان "القدس" باحتياجاتهم من المياه، وهي عبارة عن خزانات أو صهاريج أرضية تُسَاق إليها المياه لخزنها، وإلى جوار البِرَك المنزلية والعيون والآبار هناك بِرَك عامة ظلَّت كمعالم حضارية للمدينة لآلاف السنين مثل: بركة "ماملا"، وبركة "السلطان"، وبركة "حزقيا"، وبركة "إسرائيل"[9].

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:26 am

كذلك هناك مجموعة من العيون في مجموعةٍ من الأودية المختلفة مثل وادي "العروب"، وهو واقع بين الخليل والقدس، وعلى بعد 22كم من القدس، وينبع الماء فيه من عِدَّة عيون أهمها:
(1) فريديس.
(2) عد المزرعة.
(3) الفوار.
(4) عين البص.
(5) عين البرادة.
(6) عين الدلبة.
(7) عين قوزيبا.

وهناك وادي "البيار"، عند الكيلو 18 على طريق الخليل، وينبع فيه خمسة ينابيع هي:
(1) رجم السبيط.
(2) رأس العد.
(3) عين فاغور.
(4) خربة القط.
(5) عين العصافير.

وهناك وادي "البالوع"، وهو في السهل الواقع شرقي الخضر عند الكيلو 13 على طريق الخليل؛ إذ تتفجَّر عيون المياه وتصبُّ في بِرَك "سيلمان"، أمَّا عين "عطافي" فتسيل رأسًا في قناة سبيل "السلطان سليمان القانوني".




القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3922




وطيلة التاريخ حاوَل سكَّان "القدس" التغلُّب على مشكلة قلَّة موارد المياه وندرتها، وحينما احتلَّ الرومان المدينة قبل ميلاد "المسيح" - عليه السلام - فكَّروا في إمدادها بماء عيون وادي "العروب"، ومن أجل ذلك أنشؤوا قنوات مائية شُيِّدت في الصخر، وذلك أيام الإمبراطور "هيرودوس" الكبير (30 ق.م)، وقد استمرَّ استعمال هذه القنوات على يد العرب والمماليك والأتراك في العهد الإسلامي، حيث اهتمَّ المسلمون بمسألة تزويد المدينة بالمياه.

أمَّا في عهد الانتداب البريطاني على المدينة (1917 - 1948م)، فقام الإنجليز بجلب مياه "العروب" إلى المدينة في أنابيب حديدية، وظلَّت "القدس" تحصل على مياهها أيضًا من بركة "سليمان" حتى عام 1926م، بعدها سحب الماء من عين "فارة" على بعد 14 كيلومترا شمال شرقي المدينة، وفي عام 1931م أخذت المدينة تتزوَّد بالمياه من عين "الغوار" على بعد 6كيلومتر من "فارة" إلى الشرق، وعين "القلط" في وادي "العروب" نفسه، وقد بلغ معدل تصريفه عام 1934م نحو 6 ملايين متر مكعب.

وفي عام 1935م تحوَّلت المدينة إلى التزوُّد بالمياه من نبع "ريش"، وهو رأس النبع على بعد 50 كيلومترًا إلى الشمال الغربي من مدينة "القدس"، وقد بلغ معدَّل تصريفه اليومي عام 1945م نحو 1,7 مليار جالون، واستمرَّ هذا الوضع حتى عام 1948م عندما أغلق الأنبوب وحرمت المدينة من هذا المصدر المائي المهم، فزودت بالمياه من برك "سليمان" وعين "فارة" مرَّة أخرى، وبعد تقسيم المدينة في حرب 1948م ربطت "القدس" المحتلَّة بشبكة المياه الإسرائيلية بأنبوبين، وبعد ضمِّ "القدس الشرقية" في أعقاب عدوان يونيو 1967م قاموا بحفر نحو تسع آبار لتزويد المستوطنات اليهودية المحيطة بـ"القدس العربية" بالمياه، ثم جرى ربط "القدس العربية" بشبكة المياه الإسرائيلية[10].

رابعًا: طبيعة التربة والنبات الطبيعي في "القدس":
تتبايَن التربة وخصائصها في منطقة "القدس" حسب الصخر الأصلي الذي اشتقَّت منه؛ فحيث يَسُود الكلس ترتفع مركَّبات كربونات الكالسيوم في التربة، وحيث يسود الدولومايت ترتفع مركَّبات الماغنسيوم، إضافة إلى كربونات الكالسيوم في التربة، وتشكِّل السيليكا حوالي 50% من مكوِّنات التربة في منطقة "القدس" ومن 10 - 15% من الحديد والألمنيوم، ويعطِي الحديد التربة لونها الأحمر، وتذوب مركَّبات الكالسيوم في مياه الأمطار متَّجهة إلى السفوح الدنيا أو تتسرَّب مع المياه في الشقوق، وتبقى موادُّ السيليكا والحديد والألمنيوم، وتتجمَّع على شكل موادِّ صخرية للتحوُّل إلى تربة حيَّة لاحقًا.

وتَسُود تربة "الرندزينا" (Rendzina) ذات اللون الكستنائي (اللون البني المصفر، أو الأبيض الرمادي) على سفوح الحضيض الغربية حيث تظهر الصخور الطباشيرية، وتُعَدُّ هذه التربة غنيَّة بالكالسيوم والمواد العضوية؛ لذلك فهي خصبة الحراثة.

ونظرًا لقلَّة تعرُّضِها على سفوح الحضيض لعمليَّات التعرِيَة المائيَّة والانجراف فإنها سميكة نسبيًّا، وتغلب الأراضي الحجرية على تربة برية "القدس" وسفوح الحافَّات الصدعية؛ لذلك تُستَغلُّ هذه الأراضي في الرعي منذ عهود بعيدة.

أمَّا النباتات الطبيعية في منطقة "القدس"، فتُعَدُّ نموذجًا لمنطقة البحر المتوسط بأشجارها دائمة الخضرة كالبلوط؛ وذلك حيث ترتفع مناسيب الأرض عن 300 متر فوق سطح البحر، وفي الأرض التي يقلُّ منسوبها عن ذلك مثل سفوح الحضيض أو برية "القدس"، فتَسُود أشجار الخرُّوب والنباتات الشوكية والشجيرات الكثيفة[11].

خامسًا: الزراعة والمنتجات الزراعية في "القدس":
قد يصل معدَّل السقوط المطري على مدينة "القدس" في بعض الأحيان إلى نحو 600 مللم، موزَّعة على موسم الشتاء الحقيقي الذي تمرُّ به المدينة (ديسمبر/ فبراير)، والكثير من الأودية والتلال والقرى التي تتخلَّلها موارد المياه يسَّرت ظهور مناطق الزراعة التي وفَّرت للسكان حاجاتهم من الحبوب والفواكه والخضروات، ومن تلك المناطق تلك المنطقة المحيطة بقرية "سلوان"، حيث بركة أو عيون "سلوان"، وعين "أم الدرج" أسفل سفح جبل "صهيون" في وادي "جهنم"؛ إذ تقوم على البركة وعلى المجرى المائي لنهر "جيحون"، في نفس الوادي الكثير من الزراعات، فهذه المنطقة - كما سبق القول - هي من أخصب أراضي فلسطين، وقد تُزرَع أربع مرات سنويًّا لتوافر المياه الضرورية للزراعة والري، إضافةً إلى حقول القمح التي كان الحجاج النصارى يقتاتون عليه بمساعدة مزارع الشعير، كما كانت عامرة ببساتين الفاكهة قديمًا (التين والعنب والجوز والموز).

والقرى الواقعة حول "القدس" لديها ما يكفي من موارد المياه لحاجاتها من الزراعة؛ فهناك عين ماء "العذراء" في وادي "جهنم" أو "قدرون"، والتي تدعى بئر "أيوب" وعين "أم الدرج" أو بئر "مريم"، كذلك هناك عين "اللوزة"، بالإضافة إلى مياه الأمطار، كما أن في المسافة بين "القدس" و"الخليل" مجموعة من القرى فيها الكثير من الأشجار البرية والحدائق والبساتين مزروعة بفواكه كالتين والعنب والزيتون.

وقد ينبت على التلال المحيطة بمدينة "القدس" وبخاصَّة على السفوح والمنحدرات حشائش وأعشاب تصلح لرعي الحيوانات؛ ولكن أساس هذه المناطق هي أراضي وأقاليم زراعية شديدة الأهمية اشتهرت بأسماء المحاصيل التي تُزرَع بها، ومن بينها "تل الفول" الذي يبعد نحو 5كيلومترات عن بوابة "دمشق" - إحدى بوابات "القدس" - وإلى الشمال منها من جهة الطريق إلى نابلس.

ويلفت الأنظار كثرة المناطق المزروعة بالزيتون في الجبال المحيطة بالمدينة وبخاصة جبل "الزيتون"، ومن بين الأشجار القديمة والمثمرة في "القدس": أشجار الكروم التي تُزرَع على امتداد الأراضي الممتدَّة على الجبال والتلال، على امتداد الوادي المتَّجِه إلى مدينة "الخليل"، وبكثرة أقل تُوجَد أشجار التين والتفاح والمشمش والرمان والموالح، وبخاصة البرتقال والليمون الحلو، بجانب الخروب والفستق والموز، بالإضافة إلى نخيل البلح.

وعرفت "القدس" في المناطق التي تعرف وفرة في مياه الري زراعات كثيفة المياه؛ مثل القطن وقصب السكر والفول والبصل والكرنب وبعض الخضروات[12].
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3927


سادسًا: الجغرافيا الطبيعية لمدينة "القدس":
تعني الجغرافيا الطبيعية لأيَّة مدينة ما تحتوي عليه من ظواهر طبيعية؛ مثل: الجبال، والوديان، والتلال، وغير ذلك من التكوينات التي نشَأَت بفعل عوامل الجيولوجية، ولا دخل للإنسان، أو النشاط البشري العادي، أو غير العادي فيه.

وبالنسبة للقدس، فإن هناك ثلاث ظواهر طبيعية أساسية تميِّزها بخلاف عيون المياه التي سبق ذكرها، وهي: الجبال، والتلال، والوديان، ونعرض لها جميعا فيما يلي:
1 - جبال "القدس" وما حولها:
أُقِيمت مدينة "القدس" على أربعة جبال هي: جبل "الموريا"، وجبل "صِهْيَوْن"، وجبل "أكرا"، وجبل "بزيتا"، وهي ليست إلا آكامًا مستديرة على هضبة عظيمة بينها أودية جافَّة أكثر أيام السنة، ثم يُحِيط بهذه الجبال الأربعة عِدَّة جبال أخرى من أهمها: جبل "الزيتون"، وجبل "رأس المشارف"، وجبل "السناسية"، وجبل "المنظار"، وجبل "النبي صموئيل"، وجبل "أبو عمار"، وجبل "المكبر"، وجبل "بطن الهوا"، ونستعرِضها كما يلي:
(أ) جبل "الموريا" (جبل "بيت المقدس"): هو الجبل الذي بنى عليه العرب اليبوسيون مدينة "القدس" أوَّل مرَّة، ويُعرَف باسم هضبة الحرم؛ إذ يحتضن الحرم القدسي الشريف بمساجده، ومواقعه التاريخية، وكلمة "الموريا" تعني: "المختار" في اللغة العبرية القديمة، وقد ورد اسم "موريا" في سِفْرِ "التكوين" من التوراة في الإصحاح "22" الآية الثانية في قصة الذبيح، وإن كان اليهود على خلافٍ في موضع هذه القصة؛ فاليهود "السامرا" يرون أن الحادثة كانت على جبل "جرزيم" بالقرب من "نابلس"، حيث قام أقدم هيكل لبني إسرائيل وقد أبطَلَه نبي الله "داود" - عليه السلام - بعد أن نقل عاصمته إلى "القدس"، أمَّا سائر الطوائف اليهودية الأخرى فتزعم أن هذه الحادثة كانت على جبل "موريا"، وعلى الصخرة الشريفة على وجه التحديد، ويبلغ ارتفاع هذا الجبل حوالي "2440" قدمًا، وقد أسماه المؤرِّخ اليهودي "يوسيفوسيس" بالمدينة العليا في مقابل المدينة السفلى التي هي القسم الجنوبي من الهضبة الشرقية لمنطقة "القدس" في موضع "حصن صهيون".

(ب) جبل "صهيون": وهو جبل يقع في الجنوب الغربي من مدينة "القدس"، أقام عليه العرب اليبوسيون حصنهم الذي بقي في أيديهم حتى سيطر عليه نبي الله "داود" - عليه السلام - وسمَّاه "مدينة داود" ونقل إليه مقرَّ حكمه، وذلك في السنة الثامنة من ملكه، وقد أطلق اسم "صهيون" على المدينة في فترةٍ من الفترات، وتعني كلمة "صهيون": (المشمس أو الجاف) في اللغة العبرية، وكان هذا الجبل يُعرَف باسم "الأكمه"، أو "أوفل" طبقًا لما جاء في عددٍ من أسفار التوراة ومن بينها "الملوك الثاني" (5/24)، و"الأخبار الثاني" (27/3)، و(33/14)، و"أشعيا" (32/14)، و"ميخا" (4/Cool، وفي موضع حصن "صهيون" أنشأ السلوقيون في عهد الملك اليوناني السلوقي "إنتيخوس الرابع" أو "أبيفانوس" الذي حكم الشام من سنة (175) إلى سنة (164 ق.م) قلعة عُرِفت باسم "أكرا"، ويبلغ ارتفاع جبل صهيون (2550) قدمًا فوق سطح البحر، وينحدر باتِّجاه وادي "قدرون".

(جـ) جبل "أكرا": هو أحد جبال "القدس" الأربعة، ويقع إلى الشمال الشرقي من جبل "صهيون"؛ أي: إن "أكرا" يقع بدوره في الجنوب الغربي من المدينة إلى الداخل أو نحو المدينة ذاتها، ويفصِل بذلك بين جبل "صهيون" وبين "القدس"، وعلى جبل "أكرا" تقوم كنيسة القيامة، التي هي أقدس بقاع الأرض بالنسبة للطوائف النصرانية كافَّة.

(د) جبل "بزيتا": وهو أحد جبال "القدس"، ويقع بالقرب من باب "الساهرة" أحد أبواب المدينة، والذي بُنِي إبَّان حكم السلطان العثماني "سليمان القانوني"، ويُعرَف الآن باسم باب "هيرودوس"، ويقع في الجانب الشمالي من سور المدينة المقدسة، ويعتبر امتدادًا بشكلٍ أو بآخر لجبل "صهيون"؛ حيث أطلق "أبيفانوس" على قلعته في جبل "صهيون" اسم "أكرا"، والتي أخذ هذا الجبل اسمه عنها.

(هـ) جبل "الزيتون" (أو جبل "الطور"): هو جبل يشرف على مدينة "القدس" بشطريها القديم والحديث، ويرتفع عن سطح البحر بمقدار (826) مترًا، وتقع أسوار الحرم القدسي الشريف في مواجهته من الشرق، ويفصله عن "القدس" وادي "قدرون"، ويسمِّي العرب هذا الجبل باسمٍ آخر هو جبل "الطور"، واسمه الأول مأخوذ من شجر الزيتون الموجود عليه بكثرة، واشتهر عند اليهود باسم جبل "المسح" أو جبل "التتويج"؛ حيث يعتقدون أن الزيت المقدس الذي كان يتمُّ به تتويج ملوكهم كان مستخلصًا من زيتونه، كما كانوا يحرِقون عليه بقرة القربان الحمراء ويستخدمون رمادها في تطهير الهيكل إذا ما دنَّسه شيءٌ، وفوق هذا الجبل تقع مدينة تسمَّى بمدينة "الطور"، ويُقال: إن نبي الله "عيسى ابن مريم" - عليه السلام - كان يلجَأ إليه هربًا من أذى اليهود، وأنه - عليه السلام - رُفِع من فوقه إلى السماوات السبع، وقد حطَّت معظم الجيوش التي أتَتْ إلى فتح المدينة عبر التاريخ فوق هذا الجبل، فداود عندما غادَر "أورسالم" بسبب الثورة التي أوقد نارها ابنه "أبشالوم" (1049 ق.م) أمَّ جبل الزيتون، وكذلك فعَل السيد المسيح (30م) كان كثيرًا ما يتردَّد إلى هذا الجبل ومنه رُفِع إلى السماء، ولقد عسكرت جيوش المسلمين فيه على عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (636م)، وعلى عهد صلاح الدين (1187م) ويوجد فيه مدافن شهداء المسلمين وأعلامهم منذ عهد سيدنا "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - ويُقال: إن به مقبرة "رابعة العدوية".

(و) جبل "رأس المشارف": هو جبل يقع شمال مدينة "القدس"، وسمي بهذا الاسم لإشرافه عليها حيث يشرف على طريق "القدس - رام الله"، وهو امتداد طبيعي لجبل "الزيتون" من جهة الشمال الشرقي وحتى الشمال، ويفصل بينهما منخفض يسمى بـ"عقبة صوان"، ويفصل "وادي الجوز" بين "جبل المشارف" ومدينة "القدس"، ويبتدئ هذا الجبل من شمالي "شعفاط" وينتهي بجبل "الزيتون"، ويرتفع عن سطح البحر بنحو (850) مترًا، ويسمى كذلك هذا الجبل بجبل "المشهد" وجبل "الصوانة"، وقد أقام القائد الروماني "تيطس" عام (70م) معسكره عليه عندما قام بغزو "القدس"، حيث قام بهدم الهيكل السليماني الثاني وتدمير المدينة المقدسة تمامًا، كما أقام الصليبيون عام (1099م) تقريبًا معسكراتهم عليه بعد غزو المدينة، ويُطلِق الأوروبيون على هذا الجبل اسم "سكوبوس" وتعني باليونانية: "الملاحظ أو المراقب"، بينما يسمِّيه اليهود "هار هاتسوفيم"، وهي ترجمة عبرية لاسمه باللغة العربية "المراقبون"، وقد أقام عليه اليهود "الجامعة العبرية" عام (1925م)، والمستشفى اليهودي المعروف بهداسا، ومقبرة أقامها الإنجليز لموتاهم الذين لاقوا حتفهم في معارك بيت المقدس أثناء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م)[13].

(ز) جبل "السناسية": يقع إلى الجنوب الغربي من قرية "وادي فوكين"، ويبلغ ارتفاعه نحو (735) مترًا فوق سطح البحر.

(ح) جبل "المنظار": وهو أحد جبال "القدس"، ويقع جنوبي شرق المدينة عند دائرة عرض 31 درجة، و44 دقيقة، بارتفاع (524) مترًا عن سطح البحر.
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3930

(ط) جبل "النبي صموئيل": وهو جبل يقع على بعد (5) أميال شمالي غرب "القدس"، ويبلغ ارتفاعه (885) مترًا، وتقع قرية "الجيب" في شماله، وهو أعلى القمم الجبلية الموجودة بالقرب من بيت المقدس، وينسب إلى القاضي "صموئيل" أحد قضاة بني إسرائيل ممَّن حكموهم في عصر القضاة في القرن السابع قبل الميلاد.

(ي) جبل "أبو عمار": من جبال "القدس" ويبلغ ارتفاعه نحو (773) مترًا فوق سطح البحر، عند دائرة عرض 31 درجة، و44 دقيقة، وخط طول 35 درجة، و50 دقيقة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:28 am


القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3926



(ك) جبل "المكبر": وهو أحد جبال بيت المقدس الشهيرة، وله ذكرى مهمَّة لدى المسلمين؛ حيث صعد إليه أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - وهو في طريقه إلى تسلُّم مفاتيح "القدس" من الأنبا "صفرونيوس"، وكان مع عمر مجموعة من الصحابة وأشراف المسلمين، وقد وقف الخليفة "عمر بن الخطاب" على الجبل ليؤذِّن، ومن هنا جاء اسم الجبل "المكبر".


(ل) جبل "بطن الهوا": وهو امتداد لـ"جبل الزيتون"، ويقع في الزاوية الشرقية للقدس؛ حيث يفصله عنها وادي سلوان الذي يتَّصل بوادي قدرون في النقطة نفسها، ويُعرَف عند اليهود باسم "هار هامشحيت" أو "الجبل الفاضح".

2 - تلال "القدس" وما حولها:
هناك مجموعة من التِّلاَل متوسِّطة الارتفاعات التي تقع بداخل وحول المدينة، ومن أهمها: تل "الغول"، وتل "الكابوس"، وتل "النصبة"، وتل "القرين"، وتل "صرعة"، وتل "شلتا"، ونستعرضها كما يلي:
أ - تل "الغول": من تلال المدينة ذاتها ويقع على بعد 6 كيلومتر إلى الشمال من مدينة "القدس"، ويبلغ ارتفاعه عن البحر نحو 839 مترًا، وكانت تقوم عليه مدينة عربيَّة كنعانيَّة قديمًا.

ب - تل "الكابوس": ويقع على بعد نحو 8 كيلومترات شمال شرقي مدينة "القدس" عند دائرة عرض 31 درجة، 49 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 18 دقيقة.

ج - تل "النصبة": ويقع على بعد كيلومترين جنوبي مدينة "البيرة" التابِعة لقضاء "القدس" عند دائرة عرض 31 درجة، 53 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 12 دقيقة، وقديمًا كانت تقع عليه مدينة "الصفاة" العربيَّة الكنعانيَّة.

د - تل "صرعة": من تلال المدينة، ويقع غربي جبال "القدس" عند قرية "صرعة"، وإلى الشمال من قرية "دير رافات"، وإلى غرب قرية "عرطوف" عند دائرة عرض 31 درجة، 47 دقيقة، وخط طول 34 درجة، 59 دقيقة.

هـ - تل "شلتا": وهو تلٌّ مُقدَّس يقع في جبال "القدس" غربي قرية "بلعين" بالقرب من قرية "شلتا" عند دائرة عرض 31 درجة، 55 دقيقة، وخط طول 35 درجة، ودقيقة واحدة.
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3931


3 - أودية "القدس" وما حولها:
هناك عددٌ كبير من الأدوية التي تُوجَد في منطقة "القدس" وحول المدينة؛ وأهمها: وادي "جهنم"، ووادي "الجوز"، ووادي "الجبانة"، ووادي "الأرواح"، والوادي "الكبير"، ووادي "القلط"، ووادي "مكلك"، ووادي "مقطع الجص"، ووادي "النار"، ووادي "التعامرة"، ووادي "زيتا"، ووادي "الصرار"، ووادي "هنوم"، ووادي "قدرون"، ونستعرضها كما يلي:
1 - وادي "الصرار": ويسمَّى أيضًا بوادي "روبين"، ويمتدُّ بين منطقة "القدس" شرقًا ويافا غربًا، ويربط جبال "القدس" بالسهل الساحلي ووادي "الصرار"، يحمل هذا الاسم حتى يصل إلى قريتي "المغار" و"قطرة"، فيحمل هناك اسم وادي "قطرة"، وبعد منطقة "تل السلطان" يُعرَف باسم نهر "روبين"، ويبلغ طول الوادي حتى آخره نحو 76 كيلومترًا.

2 - وادي "جهنم"، أو وادي "قدرون" أو "الوادي الشرقي": يبدأ هذا الوادي على بعد ميل ونصف الميل إلى الشمال الغربي من المدينة - 2500 متر - حيث يسير أولاً على الشرق حتى يصل إلى الزاوية الشماليَّة الشرقيَّة من سور المدينة، ثم ينحرِف بعد ذلك بميلٍ حادٍّ تجاه الجنوب، فينحدِر بين سور المدينة من الجانب الغربي وبين جبل "الزيتون"، وتل "الزيتون"، وتل "المعصية" من الجانب الشرقي حتى يلتقي مع وادي "هنوم" المنحدر من الغرب بعدها ينحدر المجرى الموحد على "مارسابا" المسمَّى بوادي "الراهب"، ثم يمتدُّ إلى البحر الميِّت حيث يسمَّى بوادي "النار"، وكان يُعرَف قديمًا باسم "الوادي الأسود"، كما كان يُسمَّى بوادي "يهوشفاط"، ويبلغ طول هذا الوادي نحو كيلومترين، ويبلغ ارتفاعه فوق سطح البحر حوالي (2179) قدمًا، ويُقال: إن نبي الله - تعالى - عيسى ابن مريم - عليه السلام - رُفِعَ منه، وفيه مُصلَّى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقبور الأنبياء، و"قدرون" اسمه القديم، وأسماه العرب أيضًا وادي "النار"، ووادي "سلوان".

3 - وادي "هنوم"، أو "الوادي الغربي": ينحدِر رأسًا إلى الجنوب من شمال غربي المدينة، ثم ينعطِف شرقًا بعد وصوله إلى حدِّ المدينة الجنوبي حتى يتَّصل بـ"الوادي الشرقي" (قدرون) عند الموضع المعروف باسم "بئر أيوب"، ويُسمَّى هذا الوادي أيضًا بوادي "السلوان"، حيث اسم النبع الموجودة فيه، كما يُعرَف كذلك بوادي "بني هنوم"؛ نسبةً إلى قبيلة كان يُسمَّى بها الوادي قبل وجود بني إسرائيل على نحو ما ورد في العهد القديم في أسفار "يشوع"، و"نحميا"، و"الملوك الثاني"، وغير ذلك، كما كان الجزء الجنوبي الشرقي من هذا الوادي يُسمَّى "توفة"، أو "وادي القتل"، كما ورَد في التوراة عنه، ويصل ارتفاع هذا الوادي إلى ما يَقرب من (2099) قدمًا فوق سطح البحر.

4 - وادي "الجبانين" أو "الجبانة" - صانعي الجبن -: يمتدُّ هذا الوادي من الشمال الغربي إلى الجنوب الغربي من مدينة "القدس"، حيث يتَّصل بوادي "سلوان" الذي يتَّصل بوادي "قدرون" شرقًا، ويقسم هذا الوادي المدينة إلى قسمين مؤلَّفين من هضبتين مستطيلتين: الغربيَّة يحدُّها وادي "هانوم" من الغرب، والشرقيَّة يحدُّها وادي "قدرون" من الشرق، ويُسمَّى وادي "الجبانة" في الجزء الجنوبي الغربي من "القدس" بوادي "الزبالة"، وهذا الوادي مطمورٌ الآن، كما رُدِمَ جزءٌ منه في أعمال توسِعَة لجبل "صهيون"، وللحرم القدسي الشريف الواقع على جبل "الموريا" أو "هضبة الحرم الشريف".

5 - وادي "الأرواح"، ويُعرَف أيضًا بوادي "العفاريت": ويلتفُّ هذا الوادي حول جبل "صِهْيَون" من الغرب وحتى أقصى الجنوب، وتوجد به مدافن الموتى، وقد ورَد هذا الوادي في سفر "يشوع 15/ 8" باسم وادي "الرفائيم"؛ أي: وادي "العفاريت" باللغة العبريَّة.

6 - وادي "الجوز": ويُطلَق عليه أحيانًا اسم "الوادي الشرقي" أيضًا؛ لأنه يبدأ شرقي مدينة "القدس"، ثم يتَّجه جنوبًا حتى ينتهي بوادي "قدرون" الذي يصبُّ في البحر الميِّت - كما سبق الإشارة - عند دائرة عرض 31 درجة، 42 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 20دقيقة، وهو يفصل بين سور المدينة الشرقي، وبين جبل "الزيتون" وجبل "بطن الهوا"، ويبلغ طول الوادي كيلومترين، وهو عميق سريع الانحدار.

7 - "الوادي الكبير": ويبدأ من شمال "اللطرون" في جبال "القدس"، ثم يتَّجه إلى الشمال الغربي مارًّا بشمال "اللدِّ"، ثم يلتقِي بنهر "العوجا" عند حريسة.

8 - وادي "القلط": يبدأ شمال شرقي "القدس" على قرب من قرية "العيسوية"، ثم يتَّجه إلى الشمال الشرقي مارًّا بمدينة "أريحا"، ثم يصبُّ في نهر الأردن شرقي "عين حجلا" عند دائرة عرض 31 درجة، 49,5 دقيقة.

9 - وادي "مكلك": يبدأ شرقي "القدس"، ثم يتَّجه شرقًا، حيث يصبُّ في شمال البحر الميِّت بالقرب من قرية "كاليا" عند دائرة عرض 31 درجة، 43 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 25 دقيقة.

10 - وادي "مقطع الجص": يبدأ عند قرية "بيت فجان" من قضاء "القدس"، ثم يتَّجه إلى الجنوب الشرقي حتى يتَّصل بوادي "المشاش"، ويصبَّان معًا تحت اسم "درجة" في الشاطئ الغربي للبحر الميِّت عند دائرة عرض 31 درجة، 34 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 24 دقيقة.

11 - وادي "التعامرة": يبدأ في جبال "القدس" إلى الجنوب الشرقي عند "المشاش" عند دائرة عرض 31 درجة، 37 دقيقة، وخط طول 35 درجة، 20 دقيقة.

12 - وادي "زيتا": ويبدأ غربي جبال "القدس" شرقي "بيت جبرين"، ثم يتَّجه إلى الشمال الغربي، ثم يلتقي بوادي "صفرين" أو "لخيش" عند دائرة عرض 31 درجة، 42 دقيقة، وخط طول 34 درجة، 41 دقيقة[14].
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3933


وبعد هذه الجولة السياحيَّة في طبيعة القدس الجغرافيَّة؛ حيث استعرضنا الموقع والمناخ، وموارد المياه، والتربة، والمنتجات الزراعيَّة، والتضاريس - يمكننا استنباط بعض النتائج والملاحظات الآتية:
أولاً:أن القدس تتمتَّع بموقع متميِّز فريد جعَلَها مطمعًا للغُزَاة عَبر العصور والقرون، فهذا الموقع أهَّلَهَا لأن تصبح المدينة المركزيَّة في فلسطين، وعقد اتِّصال في بلاد الشام، وإذا كانت فلسطين عقدة الاتِّصال بين المشرق العربي ومغربه، والمَعْبَر البري الأساس بين الشرق والغرب، فإن مدينة القدس تمثِّل البؤرة التي تتجمَّع عندها أو بالقرب منها خطوط الاتِّصال بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.

ثانيًا:أنَّ ما قاله "سميث" [15](Smith)، و"كارمون" ([16]Karmon) من أنَّ القدس لا تحظى بموقع جغرافي يؤهِّلها للمكانة المرموقة التي احتلَّتْها عبر التاريخ ولا تزال، وأنها تقوم على شبه فراغ مادي - جغرافي - استعاضَتْ عنه بمنزلتها الروحيَّة التي جذبت الناس إليها؛ حتى أصبح الحجيج والسياحة أهم مواردها، وأن البيئة الجغرافيَّة المتواضِعَة للمدينة المقدَّسة ما هي إلا تَكرار للبيئة الجغرافيَّة لمدينة مكة المكرمة، كل هذه الأقاويل من المغالطات الجغرافيَّة التي تريد أن تقلِّل من شأن أقدس مدينتين عربيَّتين وإسلاميَّتين: القدس ومكة، ولا شكَّ أن هذه المغالطات ليست إلا جزءًا من "الجيوبولتيكيَّة المزيَّفة" التي صوَّرت أقدس المواقع العربيَّة والإسلاميَّة وكأنها أراضٍ جرداء لم يكن لها قيمة عَبر التاريخ[17].

ثالثًا:لاحظنا من خلال هذه الدراسة كثرة التلال والجبال، وأيضًا كثرة الوديان المترتِّبة عليها، ولعلَّ في هذه الجبال الكثيرة الموجودة في القدس أو التي أُنشِئت عليها "القدس" منذ عهودها الأولى في العصر البرونزي، أقول: لعلَّ في هذه الجبال يَكمُن سرُّ البركة التي حبا الله بها هذه الأرض المقدَّسة، والتي أشار إليها القرآن في قوله - تعالى -: ï´؟ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ï´¾ [الإسراء: 1].

ففي الجبال تَكمُن عناصر الخصوبة للتربة؛ حيث يوجد الفوسفات والحديد والخارصين والكربون والكالسيوم والماغنيسيوم، وغيرها من العناصر التي يتركَّب منها جسم الإنسان، والتي يحصل على الفاقد منها عن طريق الخضروات والفاكهة، والمحاصيل الزراعيَّة الأخرى.

إنَّ المطر عندما ينهمِر على ذُرَى الجبال والتِّلاَل والآكَام يجرِف معه إلى الأودية المنحدرة تلك العناصر اللازمة لخصوبة التربة، فتستقر في الأودية فتُؤتِي أطايب الثمار، وأبهج الزروع، وأنضر الخضروات، وقد لفت القرآن الكريم انتباهنا إلى هذه الحقيقة العلميَّة في إشارة لطيفة في قوله - سبحانه -: ï´؟ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ï´¾ [فصلت: 10].

فكلمة ï´؟ فيها ï´¾ الأولى الضمير عائد إلى الأرض؛ حيث جعل الله في الأرض الجبال، أمَّا الضمير في الثانية ï´؟ وبارك فيها ï´¾، والثالثة ï´؟ وقدر فيها ï´¾، فيعود إلى الجبال؛ أي: إن الله - سبحانه - قد بارَك في الجبال، ï´؟ وقدَّر فيها ï´¾؛ أي: الجبال، ï´؟ أقواتها ï´¾؛ أي: أقوات الأرض وأرزاقها، فكثرة الجبال سرٌّ من أسرار البركة في هذا الموضع المبارك.

رابعًا:لما كانت هذه المدينة المقدَّسَة مطمع الغزاة عبر العصور المختلفة؛ لما تتمتَّع به من موقع فريد، وبركة حسيَّة ومعنويَّة، فإن الله حبَاها بهذه التضاريس وتلك الجبال لتحمي المدينة من الاندثار كما اندثَرَتْ مدن وقلاع عتيدة في التاريخ، وسنَعرِف في الفصول التالية أن هذه المدينة قد تعرَّضت للتدمير والإبادة أكثر من مرَّة في التاريخ، فالله - سبحانه وتعالى - قد حفِظَها على هذه الربوة المرتفِعَة وأحاطَها بتلك الجبال التي تتحدَّى الفناء وتتحدَّى السقوط والاستسلام، ومن ثَمَّ كانت الحكمة من هذا التشكيل الجغرافي والبناء الطبيعي الذي يتناسَب وشموخَ هذه المدينة وقدسيَّتَها عبر التاريخ والعصور.
خامسًا:لما كانت القدس أكثر المدن فرادةً في العالم؛ حيث تتميَّز بشخصية واضحة المعالم، فقد كيَّفَتْ نفسها مع هذه المؤثِّرات الخارجية ومزَجَتْ بينها وبين طبيعة موقعها وحاجات إنسانها المادية والأمنية والروحية، وفضلاً عن كونها مدينة فريدة فهي مدينة شرق أوسطية، حملتْ بعض سمات نظيراتها في المنطقة، هذه المدن نشَأَت كمحطَّات على الطرق الواصلة بين مصادر الحضارات في مراحل تاريخية متعدِّدة[18].
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) 3935

وهكذا يمكن القول: إنَّ القدس غدَتْ مصبًّا للحضارات الوافدة، وبَوْتَقَةً للتفاعل بينها، تتمثَّل القِيَم في رحمها فتلدها حضارة متميِّزة.
وكذلك يمكن القول: إنَّه لوقوع القدس على خطوط المواصلات، فقد أدَّى ذلك إلى تلاقُح الحضارات على أرضها وظهور ملامح خاصَّة حفلت بها، ومن أهمِّ هذه الملامح تبَلْوُر ثقافة مقدسيَّة متميِّزة تتعايَش في بيئة عربية إسلامية، وتحتَضِن تعدُّديَّة دينيَّة وثقافيَّة تعايَشَتْ في سلام ووئام فيما بينها.

وليس غربيًا - والحالة هذه - أن تغدو القدس مصدر إلهامٍ لكثيرٍ من المبدِعِين من العلماء والأدباء، وأن يصبح موقعها ودورها عاملَين فاعلَين في تخطيطها وفي تشكيلها المعماري وبنائها الحضاري المتميِّز[19].

وهكذا كانت الطبيعة والجغرافيا وعبقرية المكان آفاقًا من آفاق التحدِّي؛ إذ تتحدَّى بها القدس كلَّ عوامل الفناء والاندثار، بل هي آفاق تحثُّها على الشموخ وتفرِض عليها البقاء والكبرياء رغم ما يقترفه الصهاينة من جرائم بَشِعَة لتغيير معالمها والعَبَث بجغرافيَّتها، وتهويد اقتصادها وتعليمها، ستظلُّ القدس باقيَة تحكِي للأجيال القادِمة كيف تحدَّتْ صَلَف اليهود وتخريبهم وإجرامهم.

ــــــــــــــــــ
[1] يحيى الفرحان: "قصة مدينة القدس"، سلسلة المدن الفلسطينية رقم 6 ط. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، دائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ص 9.

[2] انظر: "الموسوعة الفلسطينية" 1984م، المجلد الثالث، ص 508، وانظر: يحيى الفرحان: "قصة مدينة القدس"، ص30.

[3] "الموسوعة الفلسطينية"، مرجع سابق ص 509، وراجع بالتفصيل كتاب: "حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي" ص 13، للواء د. ياسين سويد، ط (1) دار الملتقى بيروت، لبنان 1997م.

[4] د. عدنان علي رضا النحوي: "ملحمة الأقصى"، ص 89، ط2 دار النحوي، المملكة العربية السعودية، 1993م.

[5] المقدسي: "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"، وزارة الثقافة والإرشاد القومي دمشق 1980م، تحقيق: غازي طليمات، ص 153.

[6] انظر: د. يحيى الفرحان: "قصة مدينة القدس"، مرجع سابق، ص 43.

[7] من مقالٍ للأستاذ المرحوم: إسعاف النشاشيبي في العدد 64 من "جريدة الوحدة" بتاريخ 1 شوال 1364هـ الموافِق (1945م)، وانظر: عارف العارف: "تاريخ القدس"، ط. 2 دار المعارف، القاهرة 1994م، ص 176.

[8] عارف العارف: "تاريخ القدس"، مرجع سابق، ص 180.

[9] عارف العارف: "تاريخ القدس"، ص 176.

[10] انظر: صلاح بحيري: "جغرافية الأردن"، مطبعة الشرق ومكتبتها، عمان، 1973، ص 231 - 232، أحمد محمود التلاوي: "القدس الموقع والتاريخ، الجغرافيا الطبيعية لمدينة القدس"، مقال منشور في موقع: (القدس أون لاين).

[11] انظر: د. يحيى الفرحان: "قصة مدينة القدس"، ص 46، وانظر أيضًا: أحمد محمود التلاوي: "القدس الموقع والتاريخ، الجغرافيا الطبيعية لمدينة القدس"، مقال منشور في موقع: (القدس أون لاين).

[12] انظر: أحمد محمود التلاوي: "القدس الموقع والتاريخ، الجغرافيا الطبيعية لمدينة القدس"، مقال منشور في موقع: (القدس أون لاين).

[13] عارف العارف: "تاريخ القدس"، ص 188.

[14] أحمد محمود التلاوي، "القدس الموقع والتاريخ، الجغرافيا الطبيعيَّة لمدينة القدس"، مقال منشور في موقع: (القدس أون لاين)، ولمزيدٍ من التفصيل انظر:قسطنطين خمار، "أسماء الأماكن والمواقع والمعالم الطبيعيَّة والبشريَّة والجغرافيَّة المعروفة في فلسطين حتى عام 1948م"، وحسن عبد القادر صالح، "أسماء المواقع الجغرافيَّة في الأردن وفلسطين"، وأنيس صايغ، "بلدانيَّة فلسطين المحتلة 1948م، 1967م"، وفخر الدين العبيدي، "فلسطين: وصفها الجغرافي وتطورها التاريخي"، وميخائيل مكس إسكندر، "القدس عبر التاريخ: دراسة جغرافيَّة تاريخيَّة أثريَّة"، ومحمد محمد شراب، "معجم بلدان فلسطين"، وفائز أحمد، "القدس مدنها وقُراها: موسوعة عائلات وعشائر فلسطين"، و"الموسوعة الفلسطينيَّة": القسم الثاني، الدراسات الخاصة".

Smith -2، G.A، 1907، The Historical Geography Of The Holy Land، London، p.317 -319.

3 - Karmon، Y.، 1971، Israel: ARegionat Geography، London، p.249

4 - د. يحيى الفرحان؛ "قصة مدينة القدس"، ص (30).

[18] إبراهيم الدقاق، القدس: المدينة والمعاش، بحثٌ قُدِّم إلى الندوة الثالثة "يوم القدس"، 10 - 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1992م، عمَّان (الأردن): لجنة يوم القدس، 1993م، ص181 - 182.

[19] حامد الشافعي عياب، "مكتبة المسجد الأقصى المبارك (ماضيها وحاضرها)"، بحث منشور بموقع: (مدينة القدس الإلكتروني) بتاريخ 20/ 10/ 2007م.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:35 am


فضائل القدس ومكانتها الدينية عند المسلمين






فضائل القدس:

للقدس فضائل عظيمة، ومكانة سامية في قلوب المسلمين؛ فهي قِبلة المسلمين الأولى، ومسرى نبيِّهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ومُصلاه ليلة الإسراء، وملتقى الأنبياء والرُّسل به، ومِعْراجه - صل الله عليه وسلم - من الأرض إلى السماء، وقد دلَّت الشواهد النقليَّة: من آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، إلى فضل هذه البقعة المقدسة من الأرض، وما حباها الله من بَرَكة معنوية وبَرَكة حِسيَّة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه البركة التي وهبها الله - سبحانه - لأرض بيت المقدس وما حوله في قوله - تعالى -: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

وقوله - سبحانه -: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71]؛ أي: إن الله نجَّى إبراهيم ولوطًا - عليهما السلام - إلى الأرض المباركة، وهي أرض فلسطين بعد أن كانا في العراق.

 

وقوله - تعالى -: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾[الأنبياء: 81]؛ أي: إن الله سخَّر لسليمان الريح تهب بشدة وتجري بسرعة، ثم تعود إلى الأرض التي بارك الله فيها وهي أرض الشام[1].

 

ويقول الله - تعالى - في قصة سبأ: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ ﴾ [سبأ: 18]، فهذه القُرى التي بارك الله فيها هي قُرى الشام وفلسطين.

 

قال الألوسي: "المراد بالقُرى التي بُورك فيها قُرى الشام؛ لكثرة أشجارها وثمارها، والتوسعة على أهلها، وعن ابن عباس، قال: هي قُرى بيت المقدس"[2].

 

وقد ذهب عددٌ من مفسري القرآن من علماء السلف والخلف في قوله - تعالى -: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 1- 3] إلى أن التين والزيتون يُقْصد بهما الأرض أو البلدة التي تنبتهما، وهي بيت المقدس.

 

قال ابن كثير: "قال بعض الأئمة: هذه محالٌّ ثلاثة بعث الله من كلِّ واحدٍ منها نبيًّا مرسلاً من أُولي العَزْم أصحاب الشرائع الكِبار، فالأول محل التين والزيتون وهو بيت المقدس الذي بعث الله فيه عيسى ابن مريم - عليهما السلام - والثاني طور سيناء الذي كلَّم الله عليه موسى بن عِمران، والثالث مكَّة وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنًا"[3].

 

وبركة أرض بيت المقدس حِسِّيَّة ومعنوية، فالحسيَّة بالخصب والثمار والأشجار والأنهار وعذوبة الماء، والسهول والجبال والمنخفضات وبموقعها المتوسط؛ فهي قلب الوطن الإسلامي، وهي بوَّابة القادمين من أسيا في طريقهم إلى إفريقيا وبالعكس، وهي الممرُّ الذي لا بد من اجتيازه منذ قرون وقرون لمعظم القوافل المتحركة من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، وهي - فضلاً عن ذلك - ذات موقع وسط بين بلدان العالم القديم على المستويين الحضاري والعسكري.

 

"ومن مظاهر البركة الحِسيَّة لأرض فلسطين النشاط الزراعي الكثيف الذي تمخض عن وفرةٍ في البحار والعيون والأنهار، قال ابن كثير في بيان معنى قوله - تعالى -: ﴿ بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1] بالزروع والثمار[4].

 

وقال ابن الجوزي: "ومعنى﴿ بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾: أن الله أجرى حوله الأنهار وأنبت الثمار، وقيل: لأنه مقرُّ الأنبياء ومهبط الملائكة "[5].

 

"ولقد لفت هذا النشاط نظرَ الرحَّالة والجغرافيين الذين زاروا فلسطين، فأشاروا إليه وقالوا عن فلسطين: إنها من أخصب بلاد الشام، وأكثرها عُمْرانًا على صِغَر رقعتها"[6].

 

"ثم وقفوا عند أشهر مُدنها فحدثونا عمَّا شاهدوه من زروع وثمار، فالقدس تُعدُّ من أخصب بلدان فلسطين، تحيط بها بساتين وكروم ومزارع وأشجار فاكهة وزيتون"[7].

 

أما البركة المعنوية فتتمثل في أن هذه الأرض مبعث الأنبياء ومهبط الملائكة، وهي العش الذي يرقد فيه الأنبياء، والأرض التي يُبْعَثون منها، وهي أرض المحشر والمنشر والحساب، وأرض الرِّباط والجهاد والنصر إلى يوم القيامة.

 

قال الزمخشري: "وقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة، وحُقَّت أن تكون كذلك؛ فهي مبعث الأنبياء - صلوات الله عليهم - ومهبط الوحي إليهم، ومكانهم أحياءً وأمواتًا"[8].

 

ويقول أبو عبدالله المنهاجي: "وجعل – أي: الربُّ سبحانه - صفوته من الأرض كلها أرض بيت المقدس، وقال - تعالى - لموسى: انطلقْ إلى بيت المقدس، وتاب الله على داود وسليمان - عليهما السلام - في أرض بيت المقدس، وسخَّر الله لداود الجبال والطير ببيت المقدس، وكانت الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - يقرِّبون القرابين ببيت المقدس، وتهبط الملائكة - عليهم السلام - كلَّ ليلةٍ إلى بيت المقدس، وولد عيسى - عليه السلام - ببيت المقدس، ورفعه الله - تعالى - إلى السماء من بيت المقدس"[9].

 

ويتناول "المقدسي" البركتين معًا: المعنوية والحسيَّة عند حديثه عن بيت المقدس، فيقول: " كنت يومًا في مجلس القاضي المختار "أبي يحيى بن بهرام" بالبصرة، فجرى ذكر "مصر" إلى أن سُئِلْتُ: أيُّ بلدٍ أجَلّ؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيُّها أطيب؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيُّها أفضل؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيُّها أحسن؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيُّها أكثر خيرات؟ قلت: بلدنا، قيل: فأيُّها أكبر؟ قلت: بلدنا، فتعجَّب أهلُ المجلس من ذلك، قالوا: أنت رجل محصل، وقد ادَّعيت ما لا يقبل منك، وما مثلك إلا كصاحب الناقة مع الحجاج، قلت: أمَّا قولي: أجلّ؛ فلأنها بلدة جمعت الدنيا والآخرة، فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد، ومن كان من أبناء الآخرة فدعته نفسُه إلى نعمة الدنيا وجدها، وأما طيب الهواء، فإنه لا سُمَّ لبردها ولا أذى لحرِّها، وأما الحُسن فلا ترى أحسن من بُنْيَانها ولا أنظف منها، ولا أنزه من مساجدها، وأما كثرة الخيرات فقد جمع الله - تعالى - فيها فواكه الأغوار والسهل والجبال والأشياء المتضادة: كالأُتْرج، واللوز، والرطب، والجوز، والتين، والموز، وأمَّا الفضل فلأنها عرصة القيامة ومنها المحشر وإليها المنشر، وإنما فضلت "مكة والمدينة" بالكعبة والنبي - صل الله عليه وسلم - ويوم القيامة تزفان إليها، فتحوي الفضل كله، وأما الكِبَر فالخلائق كلهم يحشرون إليها، فأيُّ أرض أوسع منها؟! فاستحسنوا ذلك، وأقرُّوا به"[10].

 

مكانة القدس عند المسلمين:

لقد رأينا مما سبق كيف وصف لنا القرآن الكريم البركة التي منحها الله لبيت المقدس، وميَّزها بها عن سائر البلاد والأماكن، وهي دعوة صريحة من الله - عز وجل - للمسلمين بأن يتمسكوا بهذه الأرض المباركة، وأن يقيموا ما استطاعوا في رحابها كما أقام الأنبياء، وأن يدفعوا عنها كلَّ ما يُهين قداستها، أو ينشر الفساد في ربوعها.

 

ورغم وجود هذه النصوص القرآنية الصريحة، فإن اليهود وأعوانهم من المستشرقين لا يزالون يشككون في قداسة بيت المقدس عامة، والمسجد الأقصى بخاصة عند المسلمين، ولا تزال جهودهم تتضافر من أجل الوصول إلى هذه الغاية المنشودة عندهم، ألا وهي التدليل على المكانة الهامشية التي تحتلها مدينة القدس وبيت المقدس في الشريعة الإسلامية، ومقابل ذلك السعي لإثبات أهميتها ومكانتها المركزية في التصورات اليهودية!

 

ومما باتوا يرددونه بين الحين والحين: أن ثَمَّةَ معارضة قد برزت بين المسلمين منذ القِدَم لتعظيم حُرْمة المسجد الأقصى، وعبَّر "إسحق حسون" - الباحث اليهودي في مقدمة تحقيقه لكتاب "فضائل البيت المقدس"؛ للواسطي - عن هذا الاتجاه، فقال: "إن مضمون هذه الأحاديث يؤكد حقيقة وجود بعض المعارضة في صفوف علماء المسلمين في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة للاعتراف اعترافًا كاملاً بحُرْمة المسجد الثالث، وإعطاء بيت المقدس مكانة مساوية لمكانة المدينتين المقدستين في الإسلام: وهما "مكة والمدينة".

 

واتَّكأ هؤلاء المشككون على رسالة لشيخ الإسلام "ابن تيميَّة" مُسمَّاة: "قاعدة في زيارة بيت المقدس" واتَّبعهم في ذلك غالبية المستشرقين، الذين اتخذوا من مادتها وسيلةً للنيل من مكانة القدس والمسجد الأقصى، ودليلاً على مكانتهما الهامشية في الشريعة الإسلامية.

 

والحقيقة الجليَّة أن شيخ الإسلام "ابن تيميَّة" لم يقلل من مكانة المسجد الأقصى، بل أثبت مكانته الصحيحة وفضائله العديدة، وأَجْر الصلاة فيه، وشد الرحال إليه، وحذَّر من البِدَع والمبالغات في هذه الفضائل التي أشاعها بعض القصاصين الذين غلوا في مكانة المسجد الأقصى، بل إن تخصيص شيخ الإسلام "ابن تيميَّة" رسالة عن زيارة بيت المقدس يدل على مكانته في نفوس المسلمين المستمدة من صريح كلام الله - تعالى - وصحيح السُّنة النبوية في فضله وعِظَم شأنه.

 

فَفَهِمَ - هؤلاء الحاقدون - من قول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "وأما المسجد الأقصى فهو أحد المساجد الثلاثة التي تُشَدُّ إليها الرِّحال، وهو الذي يسميه كثيرٌ من العامة اليوم: الأقصى، والأقصى اسم للمسجد كله، ولا يُسمَّى هو ولا غيره حَرَمًا، وإنما الحرم "بمكة والمدينة" خاصة، وقد ثبت أن عبدالله بن عمر كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه وصلَّى فيه، ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها، ونقل عن غير واحد من السلف المعتبرين: كعمر بن عبدالعزيز، والأوزاعي، وسفيان الثوري وغيرهم" - أن هذا انتقاص للمسجد الأقصى، وإقرار بألا فضيلة له على غيره!

 

وقد عارض علماء المسلمين الأحاديث الموضوعة المفرطة في تقديس هذه الأماكن، ومنهم شهاب الدين المقدسي صاحب كتاب "مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام"، فقد أنكر تلك العبارات من القُصَّاص والوضَّاعين؛ لغلوِّهم في الحديث عن قَدَاسة المسجد الأقصى.

 

وكذلك أنكر عبدالله بن هشام الأنصاري صاحب كتاب "تحصيل الأنس لزائر القدس" ذلك بقوله: "قد بلغني أن قومًا من الجُهلاء يجتمعون يوم عَرَفةَ بالمسجد، وأنَّ منهم مَن يطوف بالصخرة، وأنهم ينفرون عند غروب الشمس، وكل ذلك ضلال وأضغاث أحلام".

 

وما تدل عليه عبارة الأنصاري: إن تجاوزات وقعت وتقع لبعض عامة الناس في تقديس المسجد الأقصى، فكان رفضًا واضحًا من علماء المسلمين لهذه التجاوزات، وتحذيرًا للعامة منها[11].

 

ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ من الافتراء، بل إن مؤسس رابطة الدفاع اليهودية "دانيال ياسبس" يَدَّعي أنَّ القدس لا تمثل أيَّ مركزٍ دينيٍّ للمسلمين، وعندما يدافع المسلمون عن حقِّهم في القدس، إنما يكون دفاعهم هذا نابع من رؤية سياسية لا من رؤية دينية؛ فالقدس - على حدِّ زعمه -: "ليست قِبلة المسلمين في الصلاة، ولم تُذْكر باسمها مرة واحدة في القرآن، ولا تذكر على الإطلاق في صلوات المسلمين، وهي ليست مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالأحداث التي جرت في حياة الرسول، ولم تتحول القدس في يوم من الأيام إلى مركز ثقافي إسلامي، أو عاصمة لدولة إسلامية، هي فقط اتَّخذت أهمية بالنسبة للمسلمين بصورة متقطعة طوال القرون الثلاثة عشر الماضية، وكان السبب في تلك الفترات المتقطعة - كما هي الحال اليوم - سياسيًّا، والعكس صحيح أيضًا، كلما تضاءلت المنفعة السياسية من القدس، ضعفت الحماسة وخمدت المشاعر تجاهها وتراجعت وضعيتها لدى المسلمين، ففي القرن التالي لوفاة "محمد" دفعت السياسة دولة الأمويين المؤسسة في "دمشق"، والتي كانت القدس تحت سيادتها - إلى جعل المدينة مقدسة في الإسلام، حيث فكَّر الأمويون في تقليل أهمية الجزيرة العربية بإعلاء قيمة القدس إثر تورّطهم في منافسة ضارية مع قائد "مكة" المناوئ لهم[12]، فرعوا ضربًا من الأدب يمتدح مزايا القدس وفضائلها، وعملوا على ذيوع وترويج أحاديث وأفعال للرسول تُعْلي من شأن القدس، وفي السنوات 688م حتى 691م أقاموا أول بناءٍ ضَخْم في الإسلام هو "قبة الصخرة" على قِمَّة بقايا المعبد اليهودي.

 

أي: إن القدس تصبح مهمة دينيًّا فقط عندما تبزغ أهميتها السياسية، وعندما انهارت الدولة الأموية في العام 750م، دخلت القدس فيما يشبه الظلام الدامس، ففي القرون الثلاثة ونصف القرن التالي فَقَدتِ الكتب التي تشيد بمدينة القدس الدَّعم الذي كانت تحظى به.

 

إن مسألة الادِّعاءات الدينية والتاريخية في القدس تمثِّل معادلاً متكافئًا للوثائق القانونية في أيِّ مكانٍ آخرَ في العالم، ومن يستطع أن يثبت صلة أعمق وأكثر امتدادًا بالمدينة تكنْ له فرصة أفضل في كَسب الدَّعم الدولي لحُكْمِه لها، وفي هذا السياق فإن حقيقة دور السياسة في إلحاق المسلمين القدس إلى أنفسهم تتضمن جزئيتين:

الأولى: أنها تثبت الضَّعف النسبي للصلة الإسلامية بالمدينة، وهي صلة مصدرها اعتبارات مؤقَّتة لاحتياج دنيوي، أكثر من كونها دعاوى عقائديَّة ثابتة وغير قابلة للتغيير.

والثانية: أنها تثبت أن اهتمام المسلمين لا يتركَّز في السيطرة على المدينة بقدر ما يتركَّز في إنكار أيِّ سيطرةٍ أخرى عليها.

 

والقدس لن تكون أبدًا أكثر من مدينة ثانوية بالنسبة للمسلمين، وعلى النقيض منها تقف (مكة) المدينة الأبدية للإسلام، وقِبْلتهم التي يصلون إليها خمس مرات، ومن المحرَّم على غير المسلمين دخولها"[13].

 

إن ما يدعيه "ياسبس" في وثيقة الدفاع ما هو إلا ترديد لافتراءات بعض المستشرقين اليهود المتعصبين من أمثال "جولد تسيهر"، الذي زعم أن "عبدالملك بن مروان" أراد أن يُعطي مكانةً للمسجد الأقصى؛ حتى يصرفَ الناس عن الحج في "مكة"؛ لكيلا يلتقوا بابن الزبير فيقتنعوا بآرائه، وينشقوا على عبدالملك، فوجد صديقه الزُّهري - وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية - مستعدًّا لأن يضعَ له أحاديث كحديث: "لا تُشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد...".

 

وزعم أن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس مرويَّة من طريق الزُّهري فقط.

 

لقد أراد "جولد تسيهر" أن يطعن في أول من دَوَّن السُّنة من التابعين، والذي يُعدُّ من كِبار أئمة السُّنة في عصره، وقد هاجم من قَبْلُ أبا هريرة - رضي الله عنه - وهو ركن من أركان السُّنة في عصر النبي - صل الله عليه وسلم!

 

حتى إذا تمَّ له ذلك انهارت السُّنة بعد أن وجَّه إليها الْمِعْوَل من ناحيتين: من ناحية رواتها وأئمتها، وناحية الشك بها جملة، ولولا أن الإسلام دين الله - تعالى - الذي تكفَّل بحفظه، لكانت بعض مؤامرات أعدائه كافيةً للقضاء عليه ومحو أثره.

 

إن نظرة في كُتب التراجِم كفيلة بأن تبيِّن مكانة الزُّهري في عِلْم الحديث، وأنه لا يمكن بأية حالٍ من الأحوال أن يكذب على رسول الله - صل الله عليه وسلم - إرضاءً لأحد مهما كانت مكانته؛ بشهادة كلِّ علماء الجَرح والتعديل، فضلاً عن أن الإمام "الزُّهري" ولد سنة إحدى وخمسين أو ثمان وخمسين، ومقتل عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - كان سنة ثلاث وسبعين، فيكون عُمْر الزُّهري - حينذاك على الرواية الأولى - اثنين وعشرين عامًا، وعلى الثانية خمسة عشر عامًا، فهل من المعقول أن يكون الزُّهري في ذلك السن ذائعَ الصيت عند الأمة الإسلامية، بحيث تتلقى منه بالقبول حديثًا موضوعًا يدعوها فيه للحج إلى القُبَّة بدلاً عن الكعبة؟!!

 

إن نصوص التاريخ قاطعة بأن الزُّهري في عهد ابن الزبير - رضي الله عنه - لم يكن يعرف عبدالملك بن مروان ولا رآه بعد، فالذهبي يذكر لنا: أن الزُّهري وفد لأول مرة على عبدالملك في حدود سنة ثمانين، وابن عساكر روى: أن ذلك كان سنة اثنتين وثمانين، فمعرفة الزُّهري لعبدالملك لأول مرة، إنما كانت بعد مقتل ابن الزبير - رضي الله عنه - ببضع سنوات، وقد كان يومئذ شابًّا بحيث امتحنه عبدالملك، ثم نصحه أن يطلب العلم من دُور الأنصار.

 

فكيف يصحُّ الزعم بأن الزُّهري أجاب رغبة صديقه عبدالملك، فوضع له حديث بيت المقدس؛ ليحج الناس إلى القُبَّة في عهد ابن الزبير؟! وابن الزبير - رضي الله عنهما - كان قد قُتِل قبل بضع سنوات، وبالتحديد في سنة ثلاث وسبعين للهجرة، ولا حاجة لبناء قُبَّة أو وضع حديث ليحج الناس إليها بعد أن سيطر الأمويون على الحجاز كله، وقتلوا عبدالله بن الزبير - رضي الله عنهما - الذي بويع هناك، فهذا كذب ملفق مفضوح قد كشفته أحداث التاريخ ووقائعه.

 

وهذه الدعاوى الخبيثة من المستشرقين - وعلى رأسهم "جولد تسيهر" - حرصوا على سردها؛ ليصوروا لنا الأمويين كجماعة دنيوية مقاصدهم، ليس لهم همٌّ إلا الفتح والاستعمار وحياة التَّرف، وأنهم في حياتهم العادية لا يَمتُّون إلى تعاليم الإسلام وآدابه بصلة.

 

والثابت خلاف ذلك، فقد روى ابن سعد - رحمه الله - في "طبقاته" عن نسك عبدالملك وتقواه قبل الخلافة ما جعل الناس يلقِّبونه بـ"حمامة المسجد"، وبعد الخلافة أصبح التاريخ يذكر بكثير من الإعجاب فتوحات الأمويين، وكان أبناء خلفائهم على رؤوس الجيوش الفاتحة الغازية في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر شريعته[14].

 

ويجدر بنا في هذا المقام أن نعرض لبعض الأحاديث النبوية الصحيحة التي تبيِّن للمسلمين، وتوضِّح للعالم أجمع فضلَ الأقصى، وبيت المقدس، وفلسطين، والشام عمومًا؛ كي يعلم هؤلاء المرجفون أننا حينما نطالب بحقوقنا في القدس، فإننا ننطلق من ثوابت دينية وتاريخية، وحقائق علمية وجغرافية وأثرية وثقافية.

1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صل الله عليه وسلم - قال: ((لا تُشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى))[15].

أي إن المسجد الأقصى على نفس الدرجة من الأهمية عند المسلمين؛ لأنه ثالث الحرمين الشريفين، وهو قِبلة المسلمين الأولى؛ إذ ظلوا طوال ستة عشر شهرًا يصلون تجاهه، وكانت الحكمة من ذلك أن الله - سبحانه - أراد أن يلفت أنظار المسلمين إلى أن الدين الخاتم وهو دين الإسلام، إنما هو نفس الدين الذي جاء به "إبراهيم وموسى وعيسى" من قبل، وقد خرجت الديانات الثلاث من مِشكاة واحدة، ولهذا فالقبلة ينبغي أن تكون واحدة، ولما استغل اليهود هذه النقطة ضد المسلمين زاعمين أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يتودد إليهم ويتبع دينهم المحرَّف، أمر الله نبيه - صل الله عليه وسلم - بالتوجه في صلاته إلى المسجد الحرام "بمكة"، البيت الذي بني قبل المسجد الأقصى بأربعين عامًا.

 

2 - وعن عبدالله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لما فرغ سليمان بن داود - عليهما السلام - من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثًا: حُكْمًا يصادف حكمه، وملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحدٌ لا يريد إلا الصلاة إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمه، فقال النبي - صل الله عليه وسلم -: أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة))[16].




3 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: "تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيُّهما أفضل: مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلَّى هو، وليوشكنَّ أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض؛ حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعًا - أو قال: خير من الدنيا وما فيها))"[17].

 

4- وعن ابن حوالة، قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودًا مجندة: جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق))، قال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: ((عليكم بالشام؛ فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم، فعليكم بيمنكم، واسقوا من غُدُركم؛ فإن الله توكَّل لي بالشام وأهله))[18].




5 - وعن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((لا تزال طائفة من أُمَّتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، ولا ما أصابهم من لأواء - أي: أذى - حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا يا رسول الله: وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس))[19].




6وعن ميمونة مولاة النبي - صل الله عليه وسلم - قالت: يا نبي الله، أفتنا في بيت المقدس، فقال:((أرض المنشر والمحشر ائتوه فصلوا فيه؛ فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه، قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمَّل إليه أو يأتيه؟ قال: فليهد إليه زيتًا يسرج فيه؛ فإن من أهدى له كان كمن صلَّى فيه))[20].




7- وعن زيد بن ثابت، قال: "سمعت رسول الله - صل الله عليه وسلم - يقول: ((طُوبَى للشام، طُوبَى للشام، قالوا: يا رسول الله وَبِمَ ذاك؟ قال: تلك ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام))[21]؛ أي: إن الملائكة تحفها وتحوطها بإنزال البركات، ودفع المهالك والمؤذيات[22].

 

8 - وعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((ستخرج نارٌ من حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام))[23].




9 - وعن معاوية بن قرة عن أبيه، قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -:((إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة))[24].




10 - وعن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، وليدخلنَّ الجنة من أُمَّتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب))[25].




11- وعن سلمة بن نفيل، قال: كنت جالسًا عند النبي - صل الله عليه وسلم - فقال: ((يوحى إليّ أني مقبوض غير ملبث، وأنكم متبعي أفنادًا؛ (أي: جماعات متفرقين) يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا يزال ناسٌ من أُمَّتي يقاتلون على الحق ويزيغ الله بهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وعقر دار المؤمنين بالشام))[26].




12- وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((بينا أنا نائم، إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوبٌ به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حيث تقع الفتن بالشام))[27].




13- وعن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم؛ فإن فيهم الأبدال، وسيرسل الله إليهم سيبًا من السماء، فيغرقهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، ثم يبعث الله عند ذلك رجلاً من عترة الرسول - صل الله عليه وسلم - في اثني عشر ألفًا إن قلُّوا، وخمسة عشر ألفًا إن كثروا، أمارتهم أو علامتهم أمت أمت على ثلاث رايات، يقاتلهم أهل سبع رايات ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك، فيقتتلون ويهزمون، ثم يظهر الهاشمي فيرد الله إلى الناس إلفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم، فيكونون على ذلك حتى يخرج الدَّجال))[28].

 

14- وعن سلمة بن نفيل الكندي، قال: "كنت جالسًا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجلٌ: يا رسول الله أذال الناس الخيل[29]، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد؛ قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله - صل الله عليه وسلم - بوجهه وقال: ((كذبوا، الآن جاء القتال، ولا يزال من أُمَّتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحي إليّ أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادًا يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين بالشام))[30].




فالشام وقت اشتداد الفِتَن هي المكان الآمن لأهل الإسلام.

 

ومن مظاهر بركة أرض الشام: أن المقيم فيها يعتبر مجاهدًا في سبيل الله ومرابطًا؛ لأن هذه الأرض عُرْضة للغزو في كلِّ وقت لمكانتها وشرفها؛ فهي محل أطماع الغزاة والفاتحين، ولذلك فهي تحتاج إلى أن يرابط فيها المرابطون، فيكونوا على أهبة الاستعداد لأيِّ طارئ، ولهذا كان قدر أهل الشام وفلسطين أنهم مرابطون إلى يوم القيامة.

 

15 - فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((أهل الشام وأزواجهم وذريَّاتهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة من المدائن، فهو في رباط، ومن احتل منها ثغرًا من الثغور، فهو في جهاد))[31].




والثغور التي يمكن أن تكون منافذ ينطلق منها العدو إلى دار الإسلام يجب أن تُحصَّن تحصينًا منيعًا؛ حتى لا تكون جانبَ ضَعفٍ يستغله العدو ويجعله منطلقًا له، ولهذا جعل الله للمرابطين في سبيله الثواب العظيم، وقد بيَّن رسول الله - صل الله عليه وسلم - فضل الرِّباط ومنزلة المرابطين وما أعده الله لهم في أحاديث كثيرة، منها:

ما رواه سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صل الله عليه وسلم - يقول: ((رباط يوم وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه وأمن الفتَّان))[32].

 

وروى سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صل الله عليه وسلم - قال: ((رباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها))[33].




ومن الأكاذيب التي بات يرددها علماء اليهود وباحثوهم، وبعض الفِرَق الباطنيَّة في مراجعهم وتفاسيرهم وسِيَرهم، وأدبياتهم: أن المسجد الأقصى المذكور في أول سورة الإسراء ليس هو المسجد الموجود ببيت المقدس، وإنما هو مسجد في السماء فوق الكعبة أو فوق القدس، كل هذا من أجل التقليل من مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين.

 

يقول "بوهل" - المستشرق اليهودي الذي كتب مادة القدس في الموسوعة الإسلامية - تحت مادة القدس في الموسوعة الإسلامية: "إن ما حدث للرسول - صلى الله عليه وسلم - في رحلته إلى بيت المقدس يدخل في باب الرؤية والكشف، ورجح أن الرسول محمد - صل الله عليه وسلم - ربَّما فَهِم منذ البداية أن المسجد المذكور في الآية الكريمة إنما هو مكان في السماء، وليس المسجد الذي بُنِي فيما بعد في مدينة بيت المقدس.

 

ويقول "إسحاق حسون" - العضو في معهد الدراسات الأسيويَّة والإفريقية في الجامعة العِبْرية وهو باحث ومؤلِّف يهودي - في مقدمة تحقيقه لكتاب "فضائل البيت المقدس"؛ لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي، والذي قامت بطباعته الجامعة العِبْرية في القدس باللغة العربية ما يأتي:

 

"كانت ثَمَّةَ اتجاهات لتعظيم حُرْمة "مكة والمدينة"، والتقليل من حُرْمة القدس، وأن علماء المسلمين لم يتفقوا جميعًا على أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس؛ إذ رأى بعضهم أنه مسجد في السماء يقع مباشرة فوق القدس، أو مكة".

 

ويستعين في هذا الصدد بأقوال كاتب فرنسي هو "ديمومين"، حاول من خلاله التمييز بين القدس السماوية والقدس السفلية.

 

وتتردد هذه المقولة في كتابات العديد من المستشرقين المشككين في مكانة المسجد الأقصى في النصوص الإسلامية؛ ويُستشهد بها كحقيقة مسلَّمَة دون مناقشة أو تقويم؛ للتدليل على مركزية القدس في التصورات اليهودية، وإثبات مكانتها الثانوية في العقيدة الإسلامية.

 

وخرج علينا كذلك القاديانيُّون - فرقة باطنية ضالَّة - بقدسية "قاديان" في "الهند"، فهم يعتقدون بأن المسجد الأقصى هو مسجد "الميرزا" في "قاديان"، وليس الذي في بيت المقدس!

 

فقد جاء في صحيفة "الفضل" القاديانية عدد (3) (سبتمبر سنة 1935م): "لقد قدَّس الله هذه المقامات الثلاثة: مكة، والمدينة، وقاديان، واختار هذه الثلاثة لظهور تجليِّاته"، وفي عدد (23): "إن المراد بالمسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله هو مسجد قاديان"[34].

 

وهذه الادِّعاءات بلا شك كاذبة يفندها هذا الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - يقول أبو ذر - رضي الله عنه -: قلت: يا رسول الله، أيُّ مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: ((المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصلِّ؛ فإن الفضل فيه))[35].




فالحديث صريح في أن المسجد الأقصى الموجود ببيت المقدس هو المقصود في آية الإسراء، وليس ثَمَّ مسجدٌ آخرُ في السماء يُطلق عليه الأقصى، ولكنَّ كلَّ ما في الأمر أن اليهود والمستشرقين يريدون أن يقطعوا كلَّ صِلةٍ بين الإسلام والمقدَّسات الإسلامية في القدس؛ حتى تصبح هذه الأرض خالصة لهم من دون المؤمنين.

 

وبعد، فإن ما يفتريه أحبارُ اليهود وعلماؤهم وباحثوهم، ومن سار على شاكلتهم من المستشرقين، وما يقوم به الاحتلال الصِّهْيَوني على أرض فلسطين من قتل وتشريد وتهجير واعتقال وهدم للآثار وتدنيس للمقدَّسات الإسلامية - ليبشِّر بقُرب هلاكهم وتدميرهم وإزالتهم من الوجود وَفق القانون الإلهي: ﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ﴾ [الإسراء: 8].

 

وقد اقترب تنفيذ هذا القانون الربَّاني؛ لأنهم عادوا إلى الفساد الذي كان سببًا في تدميرهم وتشريدهم مرتين، كما ذكر القرآن الكريم وكما أخبرنا به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صل الله عليه وسلم - قال: ((تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم، يا عبدَ الله، هذا يهودي ورائي فاقتله))[36].

 

وها هم يجتمعون بعد شتات، وبعد أن قضى الله عليهم بالتفرُّق في كلِّ بِقاع الأرض، وها هم يعودون إلى الإفساد في الأرض، ويهلكون الحرث والنسل، ويفعلون كلَّ ما يستوجب غضب الجبَّار، فلا يبقى إذًا إلا أن يشحذ المسلمون هِمَمَهم، ويجددوا العهد والميثاق مع ربِّهم، وينطلقوا بقوة الإيمان كأسود استبيحت عرائنها، أو كنسور نُهِشَت لحوم أفراخها فانطلقت تثأرُ، وتنتقم شرَّ انتقامٍ ممن مزَّق شملها واستباح أرضها، من غير أن يرقب فيها إلاًّ ولا ذِمَّة.

 

وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود))[37].

 

إن القدس الشريف كانت وستظل عروس الإسلام وشرف الأمة الإسلامية، وهي أمانة في أعناق أكثر من مليار ونصف مليار مسلم؛ حتى تعود حُرَّةً عزيزةً كريمةً إلى كنف المسلمين، وترفرف فوق ربوعها الطاهرة رايات الحريَّة والعدالة والتوحيد، كما كانت لآلاف السنين، ومهما طال ليلُ الاحتلال والعدوان الصِّهْيَوني - المدعوم أمريكيًّا وغربيًّا - فهو إلى زوال واندحار بإذن الله - تعالى - هكذا نؤمن عن يقين، وهكذا علمتنا دروس التاريخ: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55].

 

ولا يزال للحديث بقية، فإلى حلقة أخرى قادمة إن شاء الله - تعالى.

 
ـــــــــــــــــ
[1] انظر: ابن الجوزي؛ "زاد المسير"، (5/ 374)، ط (3)، المكتب الإسلامي: بيروت، 1404هـ ، والقرطبي؛ "الجامع لأحكام القرآن"، (11/ 322)، دار الشعب: القاهرة .
[2] الألوسي؛ "روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني"، (22/ 129)، ط. دار إحياء التراث العربي: بيروت، وابن عطية في "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"، (4/ 415)، دار الكتب العلمية: لبنان، ط (1)، 1993م .
[3] ابن كثير؛ "تفسير القرآن العظيم"، (4 / 527)، ط. دار الفكر: بيروت، 1401هـ .
[4] ابن كثير؛ "تفسير القرآن العظيم"،  (3/ 2).
[5] ابن الجوزي؛ "زاد المسير في علم التفسير"، (5/5).
[6] ابن حوقل؛ "صورة الأرض"، منشورات دار مكتبة الحياة: بيروت، ص (159).
[7] إسحاق بن الحسين؛ "آكام المرجان"، ص (13)، نقلاً عن بحث فلسطين في الأدب الجغرافي العربي؛ للدكتور عماد الدين خليل، ضمن كتاب "دراسات تاريخية"، المكتب الإسلامي: بيروت، ط (1)، 1983م، ص (126).
[8] الزمخشري؛ "الكشاف"، (3/ 355)، دار إحياء التراث العربي: بيروت؛ تحقيق: عبد الرزاق المهدي.
[9] أبو عبدالله محمد المنهاجي السيوطي: "إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى"؛ تحقيق أحمد رمضان أحمد، الهيئة المصرية العامة للكتاب: القاهرة، 1982م، (1 / 105 - 106)، نقلاً عن: د . محمد عثمان شبير؛ "بيت المقدس وما حوله"، ط (1)، مكتبة الفلاح: الكويت، 1987م، ص (21).
[10] المقدسي؛ "أحسن التقاسيم"، مرجع سابق، ص (154 – 155).
[11] عيسى القدومي؛ القدس عاصمة الثقافة.... وأكاذيب اليهود (1)، مقال منشور بموقع: مؤسسة فلسطين للثقافة الإلكتروني، بتاريخ : 15/4/2009م.
[12] يقصد عبدالله بن الزبير الذي احتمى بالكعبة، وبويع خليفة للمسلمين.
[13] انظر: نص هذه الوثيقة في كتاب: "القدس بين اليهودية والإسلام"؛ للدكتور محمد عمارة، ص (10 – 23)، ط. نهضة مصر: القاهرة، 1999م.
[14] عيسى قدومي؛ القدس عاصمة الثقافة ..وأكاذيب اليهود (3)، مقال منشور بموقع : مؤسسة فلسطين للثقافة، بتاريخ: 18/4/2009م.
[15] رواه البخاري، ح (1132)، ومسلم ح (1397)، وأبو داود ح (2033)، والترمذي ح (326)، النسائي ح (700)، وابن ماجه ح ( 1409)، وأحمد في "مسنده" ح (7191 - 7248 - 7722)، وابن حِبَّان في "صحيحه" ح (1617).
[16] رواه ابن ماجه ح (1408)، والنسائي في "السنن" ح (693)، وابن حِبَّان في "صحيحه"، (4/512)، ح (1633)، والطبراني في "الأوسط"، (7/ 49)، ح ( 6815)، وقال الألباني: صحيح.
[17] رواه الحاكم في "المستدرك"، (4/ 554)، ح (8553)، والطبراني في "الأوسط"، (8/ 148)، ح (8230)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
[18] رواه أبو داود ح (2483)، وأحمد (4/110) ح (17046)، وابن حِبَّان في "صحيحه" (16/295) ح (7306)، والحاكم في "المستدرك" (4/555) ح (8556)، وقال الألباني: صحيح.
[19] رواه أحمد (5/269) ح (22374)، والطبراني في "المعجم الكبير" ح (7643)، وانظر: "فضائل القدس"؛ لابن الجوزي، ص (94)، "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"؛ للقاضي مجير الدين الحنبلي، ص (28).
[20] رواه أحمد في "المسند" ح (27498)، قال حمزة الزين: إسناده صحيح، ورواه أبو يعلى في "مسنده" ح (7088)، وقال الشيخ حسين أسد: إسناده صحيح.
[21] رواه الترمذي ح (3954)، وأحمد في "مسنده" (5/ 184) ح (21646)، وابن حِبَّان في "صحيحه" (16/293) ح (7304)، والحاكم في "المستدرك" (2/249 ) ح (2900)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (502)، وفي "المشكاة" برقم (6624).
[22] المناوي؛ "فيض القدير"، دار المعرفة: بيروت، (4/ 274).
[23] رواه الترمذي ح (2217)، وأحمد (2/Cool ح (4536)، وابن حبان (16/294) ح ( 7305).
[24] رواه الترمذي ح (2192)، وابن ماجه ح (6)، وقال الألباني: صحيح؛ "السلسلة الصحيحة"، رقم (403).
[25] رواه الطبراني في "الكبير"، (8/ 194) ح (7796)، وفي "مسند الشاميين" (2/280) ح (1341)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (1909).
[26] رواه الطبراني في "الكبير"، (7/ 52) ح (6357)، وفي "مسند الشاميين"، (1/56) ح (57)، وقال الألباني: صحيح، انظر: "السلسلة الصحيحة"، رقم (1935).
[27] رواه أحمد في "المسند" (5/ 198) ح (21781)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 555) ح (8554)، والطبراني في "الكبير" (8/ 170) ح (7714)، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثِقات رجال الصحيح.
[28] رواه الحاكم في "المستدرك" (4/ 596) ح (8658)، والطبراني في "الكبير" (18/ 65) ح (120)، وفي "الأوسط" (1/ 96) ح ( 291)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،  قال الذهبي في "التلخيص" : صحيح.
[29] أذال: أهان، وقيل: أراد أنهم وضعوا أداة الحرب عنها وأرسلوها كما في "النهاية".
[30] رواه النسائي في "السنن" (6/ 214) ح (3561)، وابن حبان في "صحيحه" (16/ 297) ح (7307)، وأحمد في "المسند" (4/ 104) ح ( 17006)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" برقم (1935).
[31] رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/ 282)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/60)، والهندي في "كنز العمال" (12/ 123) ح ( 35027).
[32] أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرِّباط في سبيل الله - عز وجل، برقم (1913) .
[33] متفق عليه؛ البخاري، كتاب الجهاد، باب الغدوة والروحة في سبيل الله، برقم (2794)، ولفظه من الطرف رقم (2892)، وأخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله برقم (1881).
[34] نقلاً عن: عيسى قدومي: القدس عاصمة الثقافة ... وأكاذيب اليهود (4)، مقال منشور بتاريخ 20/4/2009م في موقع : مؤسسة فلسطين للثقافة الإلكتروني.
[35] رواه البخاري (3/ 1231) ح (3186)، ومسلم (1/370) ح (520)، والنسائي ح(690)، وابن ماجه (753)، وأحمد ح (21371).
[36] رواه البخاري في "صحيحه" (3/ 1316) ح ( 3398)، والترمذي (4/ 508) ح ( 2236)، وأحمد في "مسنده" (2/ 149) ح (6366).
[37] رواه البخاري في "الصحيح" ( 3/ 1070) ح (2768)، ومسلم في "صحيحه" (4/ 2239) ح (2922)، وأحمد في "مسنده" (2/ 417) ح (9387) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:38 am

تاريخ القدس


أجمع المؤرخون وعلماء الأنثروبولوجيا، وعلماء الآثار والحفريات - على اختلاف لغاتهم وأجناسهم - على أن مدينة القدس مدينة عربية المنشأ والمحتد، فقد أسسها اليبوسيون، وهم "بطن من بطون العرب الأوائل، وفرع من العشائر الكنعانية، نشؤوا في صميم الجزيرة العربية، وترعرعوا في أرجائها، ثم نزحوا عنها مع مَن نزَحَ من القبائل الكنعانية، فاستوطنوا هذه الديار، وأغلب الظن أن ذلك حدث حوالي عام 3000 قبل الميلاد"[1].
 
القدس قبل الوجود اليهودي والمسيحي:
سكن اليبوسيون هذه البقعةَ المقدَّسة من أرض فِلَسطين، وجعلوها عاصمة وحاضرة لهم بعد أن أصبح لهم حضارة مزدهرة في هذه البلاد، وطفقوا يُنشِئون المدن والحصون، فكانت "يبوس" (القدس) أول مدينة يختطونها في عام 3000 ق.م، وبنوا قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من "يبوس"، عرفت باسم (حصن يبوس)، الذي يعرف بأقدم بناء في القدس؛ وذلك للدفاع عن المدينة وحمايتها من هجمات وغارات المصريين (الفراعنة) والعبرانيين، واهتم اليبوسيون بتأمين حصنهم ومدينتهم بالمياه، فحفروا قناةً تحت الأرض؛ لينقلوا بواسطتها مياه نبع جيحون - المعروف بنبع العذراء - إلى داخل الحصن والمدينة، ثم أنشؤوا بعدها عدة مدن، من أهمها: "شكيم" (نابلس)، و"بيت شان" (بيسان)، و"مجدو" (تل المتسلم)، و"بيت إيل" (بيتين)، و"جيزر" (تل الجزر)، و"أشقلون" (عسقلان).
 
ومن أشهر ملوك اليبوسيين: "سالم اليبوسي" و"ملكي صادق"[2]، الذي اشتهر بزهده وورعه؛ حتى دعاه قومه باسم "كاهن الرب الأعظم".
 
ويروى أنه استقبل إبراهيم الخليل - عليه السلام - عند زيارته ليبوس في طريقه إلى مصر نحو عام 1850ق.م، وأكرم وفادته، وقد سمى (ملكي صادق) مدينته هذه باسم "أورو - سالم"؛ أي: (مدينة السلام)[3].
 
عاد إبراهيم - عليه السلام - وزوجُه سارَّةُ من مصر، ليقيما في رحاب مدينة "أورو - سالم" وفي كنف ملكها (ملكي صادق)، الذي كان يؤمن بعقيدة التوحيد، فاستقرَّ بها "إبراهيم" مع زوجه "سارة" كمهاجرين، وأنجبتْ له سارة "إسحاق" بعدما بلغ "إبراهيم" من العمر مائة عام، ومات "إبراهيم" دون أن يمتلك شبرًا من أرض فلسطين، حتى إن زوجه "سارة" لما ماتتْ طَلَبَ من الفلسطينيين لها قبرًا تُدفَن فيه، ومات بعدهما ابنهما "إسحاق" دون أن يمتلك شبرًا من أرضها، وارتحل "يعقوب بن إسحاق" مع بنيه وذريته - الذين بلغ تعدادهم سبعين نفسًا - إلى أرض مصر ومات بها.
 
ويلاحظ أن المدة التي عاشها إبراهيم وابنُه إسحاق وحفيدُه يعقوب في فلسطين لا تتجاوز 230 سنة، وقد كانوا فيها غرباء لا يملكون من أرضها ذراعًا ولا شبرًا[4].
 
ظل العبرانيون في أرض مصر يرسفون في قيود الذلِّ والاستعباد، حتى بعث الله فيهم نبيَّه ورسوله موسى - عليه السلام - الذي أخرجهم من ظلمات الاستعباد والمهانة والذلِّ، إلى نور الحرية والانطلاق، فهاجَرَ بهم من أرض مصر، وعبَر بهم البحر إلى أرض سيناء، وهكذا أنجاهم الله من بطش الفراعنة وجبروتهم.
 
وقد سجَّل القرآن هذه الأحداثَ، فقال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 49، 50].
 
هاجَرَ سيدُنا موسى - عليه السلام - مع بني قومه اليهود من مصر إلى سيناء في حدود عام 1260ق.م، وقدِّر عدد اليهود الذين هاجروا مع موسى إلى سيناء بحوالي 5500 نسمة، وقد أصابهم العطش والجوع في سيناء؛ لأنها أرض صحراوية، ولكنَّ الله - سبحانه وتعالى - أنزل عليهم المنَّ والسَّلوى فأكلوا منها، وضرب سيدنا موسى الصخرةَ فانفجرتْ منها مياهٌ عذبة صالحة للشرب، فشربوا منها، وساق لهم السحب لتقيهم حرارة الشمس؛ قال - تعالى -: ﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 57].
 
كل هذه النِّعم ساقها الله إليهم، لا لأنهم شعب الله المختار كما يزعمون؛ بل لأنهم في تلك الفترة كانوا الوحيدين على وجْه الأرض الذين يحملون عقيدة التوحيد، وحينما يقول الله في حقهم: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 47]، فإن هذا التفضيل لم يكن تفضيلاً مطلقًا أو أبديًّا؛ وإنما هو مشروط بالتقوى والإيمان والعمل الصالح؛ بدليل أنهم عندما كانوا يحيدون عن هذا الشرط كانوا يبوءون بغضبٍ من الله، وتُضرَب عليهم الذِّلة والمسكنة.
 
وها هو القرآن يجسد تلك الحقيقة في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61].
 
كان اليهود يشكلون عدة قبائلَ أو أسباطٍ وقتَ أنْ هبطوا في أرض سيناء، وقد تولى موسى - عليه السلام - قيادتهم، فطلب منهم تنفيذ أمر الله بالهجرة إلى الأرض المقدسة (فلسطين)؛ وذلك من أجل تخليص قومه مما هم فيه من الذل والهوان؛ قال - تعالى -:  ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 21].
 
أرسل موسى من كل قبيلة من القبائل اليهودية رجلاً إلى فلسطين؛ ليتعرفوا على أوضاعها وخيراتها وسكانها ومدى صلاحيتها لإقامة اليهود فيها، فعاد القوم إلى موسى - عليه السلام - وهم يحملون عن أرض فلسطين انطباعًا حسنًا؛ لأن أرضها تفيض لبنًا وعسلاً، لكنّ فيها قومًا أقوياء، لا حول لليهود عليهم، ولا قوة لهم على محاربتهم، فجبنوا، وتمرَّدوا على قائدهم، فغضب الله عليهم، فتاهوا في الصحراء مدة أربعين سنة؛ قال - تعالى -:  ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾ [المائدة: 22].
 
ويتضح جليًّا من المعلومات التي نقلها المخبرون اليهود إلى سيدنا موسى - عليه السلام - عن أرض فلسطين وسكانها الكنعانيين - أن فلسطين كانت تتمتع بحكم عربي كنعاني قويٍّ، وهي بلاد خيرات كثيرة، وفيها حضارة عربية كنعانية زاهرة قبل أن يصل إليها اليهود، الذين استفادوا فيما بعد من حضارة الكنعانيين في الزراعة والتجارة والصناعة وفن البناء.
 
وقد وصف الله جبن اليهود وتخاذلهم في قوله – سبحانه -: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24].
 
فكان الحكم الإلهي عليهم أن يُحرَموا من دخولها مدة أربعين سنة؛ قال - تعالى -:  ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [المائدة: 26].
 
بعد مرور أربعين عامًا قضاها اليهود تائهين في صحراء سيناء، قرَّر موسى - عليه السلام - أن يدخل بهم فلسطين من جهتها الجنوبية؛ لكنه لم يتمكن من ذلك؛ نظرًا لمقاومة سكانها، فاضطر موسى إلى طلب الإذن من ملك آدوم - ملك شرقي الأردن - للسماح لليهود بالمرور من أرضه أثناء هجرتهم إلى فلسطين، ولكن موسى - عليه السلام - مات قبل أن يدخل اليهود أرض فلسطين.
 
الغزو اليهودي الأول للقدس:
تولَّى قيادة اليهود بعد وفاة موسى - عليه السلام - نبيُّ الله "يوشع بن نون" - عليه السلام - فقرَّر أن يدخل فلسطين، فعبَر مع جماعته نهر الأردن 1189ق.م، وحاصر مدينة أريحا الفلسطينية وفتَحها، ودخل اليهود فلسطين لأول مرة.
 
بعد وفاة يوشع وقع اليهود تحت حكم شيوخ قبائلهم، وسمِّي حكم شيوخ اليهود بحكم القضاة، وبلغ عددهم 14 قاضيًا، وامتدَّ حكمهم فترة قرن ونصف، وفي عهد القضاة سادت الفوضى في البلاد، وزادت انقسامات اليهود ومصائبهم، ولم يتذوق اليهود طعم الحرية، ولم يعرفوا الاستقلال الحقيقي في الحكم، ولم يستطيعوا فتح مدينة يبوس.
 
حاول بنو إسرائيل مرة بعد مرة احتلال "يبوس" (القدس)، وزحفوا إليها بقيادة "يهوذا"، الذي تزعمهم بعد ذلك، فاحتلوها، وأشعلوا النار فيها، وقتلوا عشرة آلاف رجل من سكانها، إلا أنهم عادوا فأخلوها تحت ضغط اليبوسيين، وظل هؤلاء يهزؤون بحملات العبرانيين عدة قرون.
 
ولما أصبح "داود" ملكًا على بني إسرائيل 1049ق.م، وكان يومئذٍ يقيم في (حبرون)، زحف نحو يبوس بجيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل، وقاومه اليبوسيون في بادئ الأمر مقاومة عنيفة، وصدوه عنها، إلا أنه عندما أعاد الكرَّة، وتمكَّن من احتلال (تل أوفل)، الكائن في جنوبها والمطل على قرية (سلوان)، أصبحت (عين روجل) بيده، وكانت هذه هي النبع الوحيد الذي يستقي اليبوسيون منه الماء، عندئذٍ سقطت "يبوس" بطبيعة الحال عام 1049ق.م.
 
كانت "يبوس" قبل احتلاله لها ذات حضارة، وكان فيها منازل متقنة، حوت الكثير من أسباب الراحة والرفاهية، وكان فيها حكومة وصناعة وتجارة وديانة، فاقتبس العبرانيون هذه الحضارة من "يبوس" ومن المدن الكنعانية الأخرى التي احتلوها، فغادروا الخيام، وسكنوا في بيوتٍ بنوها كبيوت الكنعانيين، وخلعوا عنهم الجلود التي كانوا يلبسونها، ولبسوا بدلاً منهًا ثيابًا منسوجة من الصوف كثياب الكنعانيين[5].
 
غيَّر "داود" اسم المدينة، وسماها "مدينة داود"، وسمَّى الحصن الذي أعاد بناءه وتجديده بحصن "صهيون"، وبنى لنفسه قصرًا على تل مطل، وبنى لرجاله بيوتًا من حوله، وشرع في بناء الهيكل الخاص بالعبادة؛ لكنه توفي قبل أن يكمله، فأكمله ابنه سليمان - عليه السلام - من بعده.
 
ورث سليمانُ داودَ فكان نبيًّا صالحًا، وملكًا عظيمًا، يميل إلى حل مشاكل السياسة والاقتصاد حلولاً دبلوماسيةلا يلجأ فيها إلى قوة السلاح، وحاول أن يجعل عاصمة ملكه (أورشليم) لا تقل عظمةً وعمرانًا عن العواصم الكبرى في الشرق في زمانه، فبدأ بتشييد سور فاخر حول المدينة، ثم شرع في بناء المعبد الكبير (الهيكل) الذي كان أبوه "داود" - عليه السلام - قد بدأه قبل موته.
 
انقسمت مملكة اليهود بعد موت سليمانَ إلى قسمين: مملكة إسرائيل وعاصمتها "السامرة" قرب نابلس، وسميت هذه المملكة بمملكة الشمال، تولى الملك فيها في البداية "يربعام بن نباط" باني هيكل سليمان، الملقب بحيرام، ثم تلاه البعض من نسله، وقادة جيشه، ومملكة يهوذا وعاصمتها "أورو - سالم"، وهي مملكة الجنوب، وامتد حكم الأولى من عام 927 - 721ق.م؛ حيث تمكَّن الملك الآشوري "سرجون الثاني" من محْو مملكة إسرائيل من الوجود، بعد أن دكَّ أسوارها، وسبى أعيان المملكة وأكابر القوم وأرسلهم إلى العراق، وقدر عدد من سُبُوا من اليهود في حدود 27.280 نسمة، وهكذا ألحق الآشوريون باليهود الذلة والمسكنة، ووقعت فلسطين تحت الحكم الآشوري مدة من الزمن.
 
أما المملكة الجنوبية، فقد توارث عرشَها نسلُ الملك داود، وامتد حكمها من عام 923 - 585 ق. م، وفي هذه السنة حلَّ بمملكة يهوذا ما كان قد حل بمملكة إسرائيل من قبل، وتم هذا التدمير على يد "بختنصر" الكلداني البابلي، بعد أن رفض اليهود الخضوع للدولة البابلية ودفع الجزية التي فرضها البابليون عليهم، مما اضطر "بختنصر" لأن يهاجم "أورسالم" (القدس)، وحاصرها مدة سنة ونصف، ثم ثغرت الأسوار، وأخذت المدينة عنوة عام 585ق.م، وأحرَقَ "بختنصر" الهيكل اليهودي وخرب المدينة، ونقل من أهلها في حدود 50.000 نسمة أسيرًا إلى بابل، وعُرف هذا الحادث في التاريخ بالسبي البابلي لليهود، وهكذا انتهى عهد المملكة اليهودية في الشمال والجنوب[6].
 
ساعد اليهودُ الذين كانوا يقيمون في بابل "كورش" الفارسي على احتلال مدينة بابل كعادتهم؛ إذ إن ولاءهم دائمًا للقويّ، وقد سخَّرهم "كورش" هذا لخدمته، وعليه فقد أمر قسمًا منهم بالعودة إلى فلسطين، كل من يرغب منهم ذلك، مقابل ما قدَّموه، وما سيقدمونه له ضد أعدائه المصريين وغيرهم.
 
لم ينتقل إلى أرض فلسطين من اليهود إلا الفقراءُ والضعفاء، أما الأغنياء فقد آثروا البقاء في أرض بابل إلى جوار ضياعهم وممتلكاتهم وثرواتهم؛ لكن أهل الشام من عرب وفينيقيين وآراميين يعرفون جيدًا أن اليهود جيران سوء، فأبَوْا أن يسمحوا لهم بالرجوع، فقاوموهم ومنعوهم من الدخول، حتى أرسل إليهم "كورش" جيشًا أجبرهم على الإذعان والاستسلام لأوامره، وقدِّر عدد اليهود الذين نزحوا إلى أرض فلسطين وقتئذٍ بحوالي 50.000 نسمة، وسمح "كورش" لليهود بإعادة بناء هيكلهم من جديد.
 
ظلت القدس وباقي المدن الفلسطينية خاضعةً للفرس طيلة قرنين من الزمان، حتى سقطت في أيدي الإسكندر الأكبر عام 332ق.م، ثم خلفه في هذه البلاد الرومان، بعد أن انهارت الإمبراطورية اليونانية إثر تنازع القواد على السلطة.
 
القدس في عهد الرومان:
توالتِ النكبات على اليهود العبرانيين في عهد الرومان؛ حيث أحرقوا هيكلهم في عهد الإمبراطور "تيطوس" عام 70م، ثم ضربهم الرومان ثانية في عهد الإمبراطور "أدريانوس" عام 135م، الذي أمر بمحْو مدينة "أورسالم" (القدس) محوًا تامًّا، وبنى على أنقاضها مدينة جديدة، وباسم جديد، هو "إيليا كابيتولينا" أو "إيليا العظمى"، ولما أصبح الرومان نصارى اشتدتْ نقمتهم على اليهود العبرانيين؛ لأن النصارى يعتقدون بأن اليهود العبرانيين هم قتلة السيد المسيح عيسى - عليه السلام.
 
وعلى هذا؛ فإن اليهود تعرضوا للإبادة والإذلال في التاريخ القديم مرتين: المرة الأولى كانت على يد البابليين بقيادة "نبوخذ نصر" أو "بختنصر" ملك بابل، والمرة الثانية على يد الرومان.
 
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن هاتين النهايتين: تدمير سيادتهم بالأسر البابلي، وإنهاء وجودهم بالسحق الروماني، وذلك في الآيات الكريمة: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [الإسراء:4 - 8].

وقد ذهب بعض علماء العصر؛ مثل: الشيخ "الشعراوي"، والشيخ "عبدالمعز عبدالستار" وغيرهما، إلى أن المرة الأولى في إفساد بني إسرائيل كانت في عصر النبوة بعد البعثة المحمدية، وهي ما قام به بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وأهل خيبر، من كيدٍ وبغي على الرسول وأصحابه، وقد نصَرَهم الله عليهم، وكان العباد المسلَّطون عليهم هم النبيَّ - صل الله عليه وسلم - والصحابة، بدليل مدح هؤلاء بإضافتهم إلى الله بقوله: ﴿عِبَادًا لَنَا ﴾، أما إفسادتُهم الثانية، فهي ما يقومون به اليوم من علو كبير، وطغيان عظيم، وانتهاك للحرمات، وإهدار للحقوق، وسفك الدماء، وغيرها.

وسيتحقق وعْد الله - تعالى - بتأديبهم وعقوبتهم وتسليط المسلمين عليهم كما سلطوا من قبل؛ لكن الدكتور "القرضاوي" - حفظه الله - لم يوافق على هذا الرأي، فانبرى يفنّده، ويعطي الأدلة على رفضه لهذا التفسير، فيقول:
أولاً: إن قوله - تعالى -: ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ ﴾؛ أي: أنهينا إليهم، وأعلمناهم في الكتاب، والمراد به: التوراة، كما قال قبلها: ﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾، وما جاء في الكتاب - أي: أسفار التوراة - يدل على أن هاتين المرتين قد وقعتا، كما في سفر تثنية الاشتراع.

ثانيًا: إن قبائل بني قينقاع والنضير وقريظة لا تمثل بني إسرائيل في قوَّتهم وملكهم؛ إنما هم شرائح صغيرة من بني إسرائيل، بعد أن قطِّعوا في الأرض أممًا.

ثالثًا: إن الرسول والصحابة لم يجوسوا خلال ديار بني إسرائيل - كما أشارت الآية الكريمة - إذ لم تكن لهم ديار؛ وإنما هي ديار العرب في أرض العرب.

رابعًا: إن قوله - تعالى -: ﴿ عِبَادًا لَنَا ﴾ لا يعني أنهم من عباده الصالحين، فقد أضاف الله - تعالى - الكفارَ والعصاة إلى ذاته المقدسة؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴾ [الفرقان: 17]، وقوله - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53].

خامسًا: إن قوله - تعالى -: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾ [الإسراء: 6] يتضمن امتنان الله - تعالى - عليهم بذلك، والله - تعالى - لا يمتنُّ على بني إسرائيل بإعطائهم الكَرَّةَ على المسلمين.

سادسًا: إن الله - تعالى - إنما ردَّ الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم بعد أن عاتبهم في المرة الأولى؛ لأنهم أحسنوا وأصلحوا، كما قال - تعالى -: ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [الإسراء: 7].

واليهود - كما عرفناهم وشاهدناهم - لم يحسنوا ولم يصلحوا قط؛ ولذا سلَّط الله عليهم هتلر وغيره، كما يبتلي ظالمًا بظالم.

وهم منذ نحو مائة سنة يمكرون بنا ويتآمرون علينا؛ ليسرقوا أرضنا، فمتى أحسنوا حتى يرد الله لهم الكرة علينا؟!

سابعًا: إن الله - تعالى - قال في المرة الآخرة: ﴿ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 7]، والمسلمون لم يدخلوا مسجدهم قبل ذلك بالسيف والقهر، ولم يتبِّروا ما علوا تتبيرًا؛ بل لم يكن شأن المسلمين أبدًا التتبير والتدمير في حروبهم وفتوحهم؛ إنما هو شأن البابليين والرومان الذين سلطوا على الإسرائيليين.

ثامنًا: إن ما أجمع عليه المفسرون القدامى أن مرّتي الإفساد قد وقعتا، وأن الله - تعالى - عاقبهم على كل واحدة منهما، وليس هناك عقوبة أشد وأنكى عليهم من الهزيمة والأسر والهوان والتدمير على أيدي البابليين، الذين محَوْا دولتهم من الوجود، وأحرقوا كتابهم المقدس، ودمَّروا هيكلهم تدميرًا، وكذلك ضربة الرومان القاصمة التي قضتْ على وجودهم في فلسطين قضاء مبرمًا، وشردوهم في الأرض شذر مذر؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 168]، ولو مشينا على التفسير الجديد، لكان معناه أن القرآن لم يُشر إلى هذه الأحداث الكبيرة والهائلة في تاريخ بني إسرائيل، مع ما كان لها من آثار مادية ومعنوية في حياتهم الدينية والسياسية والاجتماعية.

والواضح أنهم اليومَ يقعون تحت القانون الإلهي، المتمثل في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ﴾، وها هم قد عادوا إلى الإفساد والعلو والطغيان، وسنة الله - تعالى - أن يعود عليهم بالعقوبة التي تردعهم وتؤدِّبهم، وتعرِّفهم قدر أنفسهم، كما قال الشاعر:


إِنْ عَادَتِ العَقْرَبُ عُدْنَا لَهَا القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Space
بِالنَّعْلِ وَالنَّعْلُ لَهَا حَاضِرَهْ القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Space
يؤكِّد ذلك قولُه - تعالى -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ [الأعراف: 167].

وهذا الدمار الأول، الذي تم على أيدي البابليين، وتحدَّث عنه القرآن الكريم على النحو الذي نراه، كان بالغَ التأثير على اليهود؛ فقد أزال معظم الوجود اليهودي من فلسطين، وظهر من السهولة التي أجلى بها البابليون سكان منطقة إسرائيل، على يد "سرجون"، ثم سكان منطقة يهوذا على يد "نبوخذ نصر" - أن جذور هؤلاء القوم لم تكن عميقة في أرض فلسطين، وإذا استثنينا المعبد وقصر سليمان، فلا تكاد تُذكَر لهم آثارٌ خلال تسعة قرون قبل هذا الإجلاء، وكل ما يمكن أن نقوله: إنهم أقاموا في جزء من أرض كنعان، بما فيها من قرى صغيرة، وحتى المدن كانت أشبه بالقرى، باستثناء أورشليم وشكيم (نابلس)[7].

انقسمت بعد ذلك الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين: الدولة الرومانية الشرقية وعاصمتها بيزنطة (القسطنطينية)، والدولة الرومانية الغربية وعاصمتها روما، وكانت فلسطين خاضعةً للدولة الرومانية البيزنطية.

ظلت القدس تُعرَف بإيليا في العصر البيزنطي 330م - 636م، ذلك العصر الذي اعتُرف فيه بالديانة المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية البيزنطية، عندما اعتنقها الإمبراطور "قسطنطين"، وفي عهده قامت أمُّه الملكة "هيلانة" ببناء كنيسة القيامة 335م.

وفي سنة 614م استولى الفرس للمرة الثانية على القدس، وقاموا بتدمير معظم كنائسها وأديرتها، وظلت تحت الحكم الفارسي إلى أن استردها "هرقل" منهم عام 620م، وهذا الحدث تنبَّأ به القرآن قبل حدوثه في قوله - تعالى -: ﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 1 - 6].

وقد فرح المسلمون بهذا النصر؛ لأمرين: أولهما: أن الروم كانوا أصحاب عقيدة ويؤمنون بالله، بخلاف الفرس، فقد كانوا وثنيين مجوسًا يعبدون النار، ورابطةُ الدين أقوى من أية رابطة، وثانيهما: أن البشرى التي بشَّر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تحقَّقتْ، وهذا دليل على صدق نبوَّته، وأن رسول الله - صل الله عليه وسلم - ما كان ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
.... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:40 am

.... تابع

تاريخ القدس

الفتح الإسلامي للقدس:
ظلَّت القدس تحت الحكم البيزنطي حتى الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب"، وسببُ فتحِها أن الإسلام لما كان دينًا عالميًّا لا يقتصر على العرب، فقد وقع على كاهل العرب والمسلمين مهمةُ نشْره في كافة البلدان، فكانت الفتوحات الإسلامية، وكانت فلسطين من أول البلدان التي سارت الجيوش الإسلامية إليها، وقد تمكَّن القائد عمرو بن العاص من الانتصار على الروم البيزنطيين في فلسطين في معركة "أجنادين" قرب مدينة الرملة الفلسطينية عام 13هـ/ 634م، وتابع المسلمون بعد أجنادين فتْح المدن الفلسطينية واحدة تلو الأخرى، وحاصروا مدينة "إيليا كابيتولينا" (القدس فيما بعد)، وظل حصارهم لها طيلة فصل الشتاء، إلى أن قرر أهلها الاستسلام، فانتدبوا البطريرك "صفرونيوس" ليقوم بالاتصال بالقائد أبي عبيدة بن الجراح، فعرض "أبو عبيدة" على "صفرونيوس" أحد الأمور الثلاثة: الإسلام، أو الجزية، أو القتال، فقبل أهالي المدينة طوعًا الاستسلام، وفتْح المدينة للمسلمين، والعيش في ظل الحكم الإسلامي العادل.

وفي سنة 15هـ/ 636م دخل الخليفة "عمر بن الخطاب" القدس صلحًا، وأعطى لأهلها الأمان من خلال وثيقته التي عُرفت بالعهدة العمرية، والتي أعطت الأمان لأهل إيليا على أموالهم وأنفسهم، وكنائسهم وصلبانهم، ولا يضام أحدٌ منهم، واشترطت العهدة ألاَّ يسكن "إيليا" أحدٌ من اليهود، وأن يدفع أهل المدينة المقدسة الجزيةَ للمسلمين مقابل حمايتهم والمحافظة عليهم، وتجسد هذه الوثيقة التاريخية عظمةَ التسامح الديني عند المسلمين، وتدلُّ دلالة صريحة بما لا يدع مجالاً للشك على صدق معاملاتهم وحبِّهم للسلام، وهذا نصها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمرُ أمير المؤمنين أهلَ إيليا من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها، وسائر ملتها، أن لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحدٌ من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوت (اللصوص)، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحبَّ من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أَعطَوُا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة"[8].

وقد اهتم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بأمر فلسطين بعامة، والقدس بخاصة، فأمَرَ ببناء جامع كبير في القدس سمِّي باسمه، ومكانه يقابل كنيسة القيامة، وهو جامع بسيط؛ لكنه واسع وكبير؛ إذ يتسع لحوالي ثلاثة آلاف من المصلين[9]، كما أمر - رضي الله عنه - بتنظيف الصخرة المشرفة وإظهارها؛ لأنها بقعة مقدسة، وقد ظلتْ هذه الصخرة مهجورةً وغير نظيفة طيلة العهد الروماني في القدس، وقد تتابع مجيء الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى بيت المقدس؛ إما لزيارة مقدساتها، والتعرف على معالمها، وتفقُّد شؤونها، وإما للإقامة فيها؛ لما لها من منزلة دينية[10].

والحقيقة التي ينبغي الالتفات إليها أن العرب إبان الفتح الإسلامي، لم يكونوا هم الوافدين الجدد إلى القدس، ولكن الإسلام كان هو الوافدَ الجديد؛ لأن القدس في تاريخها الطويل لم تخلُ أبدًا من العرب، الذين هم أهل البلاد وأصحابها الأصليون.

"وتؤكد النصوص اليونانية المكتشَفة في الأردن أن معظم سكان فلسطين أيام الرومان كانوا من العرب، وهناك مهاجرون آخرون قدموا مثل سائر الموجات السابقة منذ ثلاثة آلاف عام من جزيرة العرب، فأقاموا في القرن الرابع قبل الميلاد مملكة الأنباط جنوبي فلسطين، إذًا كان الإسلام هو القادم مع موجة المهاجرين الجدد من جزيرة العرب عام 638م"[11].

وبقدوم المسلمين إلى القدس تبدأ حقبة جديدة في تاريخها، حيث انتشر العدل والأمن والأمان والطمأنينة في ربوع البلاد، وعمَّ التسامح الديني أرجاءَ المدينة، كان المسيحيون يؤدون شعائرهم في هدوء وسكينة دون أن يتعرض واحد منهم إلى أي أذى من قبل المسلمين؛ بل إن اليهود مارسوا طقوسهم الدينية دون أن يتعرض أحدهم إلى أي لون من ألوان الظلم أو التعسف أو الاضطهاد، فضلاً عن تقلُّد بعض النصارى واليهود لمناصب عليا في الدولة الإسلامية.

وقد تجلى هذا التسامح من قِبَل المسلمين الفاتحين تجاه أهل الكتاب في كل الأقطار والأمصار الخاضعة لهم بعامة، ومدينة القدس بخاصة، وكان من مظاهر هذا التسامح الإسلامي أن الخليفة عمر بن الخطاب لم يَقبل الدعوة التي وجَّهها إليه بطريرك القدس إلى إقامة الصلاة في إحدى كنائس القدس؛ خوفًا من أن يتَّخذ بعض المسلمين المتحمسين ذلك ذريعةً لتحويل الكنيسة إلى مسجد؛ تخليدًا لذكرى مروره بها، كما دعا الخليفة إلى وحدة تضم أهل الكتاب جميعًا من يهود ومسيحيين ومسلمين تضمن لهم سلامة الأرواح والأملاك، ويلح الخليفة على احترام الرهبان المسيحيين، فدعا إلى عدم إزعاج أولئك الذين اعتزلوا العالم كي يحققوا ما نذروا أنفسهم له.

يقول "رابوبور" المتعاطف مع اليهود في كتابه "تاريخ فلسطين": "يجب أن نقرَّ بأن إعلانًا كهذا يصدر في بداية القرون الوسطى، وتلتزم به جيوش المسلمين، يشهد على تسامح كبير مشوب بروح العدالة، فلم يسبق لأباطرة بيزنطة، ولا لأساقفة الكنيسة أن عبَّروا عن مثل هذه المشاعر باسم المسيح الذي بشَّر بدين المحبة.

ثم جاء عهد الخلفاء الأمويين، الذين اتَّسموا - كسابقيهم من الخلفاء الراشدين - بالتسامح والانفتاح؛ حتى إن بعض المسيحيين - كمنصور بن سرجون، وابنه وحفيده المعروف بيوحنا الدمشقي - تقلدوا مناصبَ هامةً في خزينة الدولة وماليتها، فكانوا شخصيات مرموقة في نظام الحكم، وهكذا إلى أن جاء الخليفة عمر بن عبدالعزيز عام 720م، فقرر ألاَّ يتسلم مسيحي منصبًا رفيعًا في الدولة إلا بعد أن يسلم، حينذاك استقال يوحنا الدمشقي واعتزل في دير القديس "سابا" قرب القدس، وعاش حتى موته دون أن يعاني أي ضغط من جانب المسلمين"[12].

ثم توالتْ سلالات الخلافة الإسلامية على حكم القدس تباعًا، فحَكَمها بعد الخلفاء الأمويين: العباسيون، والطولونيون، والإخشيديون، والفاطميون، والسلاجقة.

وظلت القدس تعرف باسم إيليا وبيت المقدس، منذ الفتح العمري وحتى سنة 217هـ، عندما بدأت تعرف باسم "القدس" لأول مرة في تاريخها، وذلك بعدما زارها الخليفة العباسي المأمون 216هـ، وأمر بعمل الترميمات اللازمة في قبة الصخرة المشرفة، وفي سنة 217هـ قام المأمون بسك نقود حملت اسم "القدس" بدلاً من إيليا، ومن المحتمل أنه قام بذلك؛ تأكيدًا لذكرى ترميماته التي أنجزها في قبة الصخرة[13].

وعليه تكون القدس قد سميتْ بهذا الاسم منذ بداية القرن الثالث الهجري، وليس كما يعتقد البعض بأن ذلك يعود إلى نهاية الفترة المملوكية (القرن التاسع الهجري)، وتبلور فيما بعد حتى صار يعرف في العهد العثماني باسم "القدس الشريف".

الاحتلال الصليبي للقدس:
في أواخر عهد الفاطميين وبدايات عهد الدولة الأيوبية، انتابت المجتمعاتِ الإسلاميةَ حالةٌ من الفساد والضعف في ميادين الحياة المختلفة، تُشبه إلى حد كبير ما تعانيه المجتمعات الإسلامية في عصرنا الراهن، وكان رؤساء العالم الإسلامي على حالهم من التفكك والصراع وانشغالهم بمصالحهم الشخصية، في هذه الظروف "دخل الصليبيون فأطاحوا بملك سلاجقة آسيا الصغرى، واستولوا على عاصمتهم "نيقية"، ثم انحدروا إلى بلاد الشام وهدَّدوا الأخوين - رضوانًا في حلب، ودقماقًا بدمشق - تهديدًا بالغًا، حتى اضطرا الدخول في طاعة الصليبيين، وأداء الجزية، وقد رضيا بهذا الهوان لإنقاذ الرعية، ولرعاية حرمة الوطن الإسلامي"[14].

وفي سنة 492هـ/ 1099م احتل الصليبيون القدس، وعاثوا فيها فسادًا وخرابًا دونما اكتراث لقدسيتها ومكانتها الدينية، فارتكبوا المجازر البشعة في ساحات الحرم الشريف، وقاموا بأعمال السلب والنهب، وحوَّلوا المسجد الأقصى إلى كنيسة، ومكان لسكن فرسانهم، ودنَّسوا الحرم الشريف بدوابهم وخيولهم، حينما استخدموا الأروقة الموجودة تحت المسجد الأقصى، والتي عُرفت بعدهم بإسطبل سليمان، الأمر الذي يتناقض تناقضًا تامًّا مع سماحة الإسلام، الذي أكده وترجمه الخليفة عمر بن الخطاب عندما دخل مدينة القدس[15].
 
ولا شك في أن "السبب الأكبر لنجاح الصليبيين لم يرجع فحسب إلى كثرة عددهم، وإلى ما تلقَّوه من مساعدات من الدولة البيزنطية؛ بل يرجع أساسًا إلى تفرُّق المسلمين وتفكُّكهم من الناحيتين الدينية والسياسية، ففي الوقت الذي كانت فيه القوات الصليبية تشق طريقها نحو الشرق العربي الإسلامي، اشتد النزاع بين الخلافتين (العباسية والفاطمية)، ذلك النزاع الذي يعود إلى الخلاف المذهبي – أي: سني وشيعي - ولقد كان هذا الحال معروفًا جيدًا من قِبل الصليبيين؛ ولذلك كان توقيت الحملة الصليبية الأولى في ظروف سادها التفكُّكُ الإسلامي السياسي والديني"[16].
 
لقد أدَّتْ هذه الخلافات بين المسلمين إلى ضعف مواجهة التحديات الصليبية، فكان هناك أميرٌ يحارب وأمير يسالم، وأمير يهادن وآخر يسلّم، وأخير يستغل الأوضاع التي يعاني منها أخوه ليهاجم أرضه ويتوسع على حسابه"[17].
 
والمدقق في الأحداث التاريخية يرى تشابهًا كبيرًا بين الغزو الصليبي للقدس في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، والاحتلال الصهيوني لها في أوائل القرن العشرين، من حيث الظروف التي أدتْ إلى وقوعهما، ومن حيث طبيعة كلا الاحتلالين، فكما اغتنم الصليبيون حالة الضعف والفساد والتفكك التي سادت المجتمعاتِ الإسلاميةَ بسبب البُعد عن جوهر الدين الإسلامي، اغتنم الصهاينة أيضًا حالة الضعف وحالة الوهن التي عمَّتْ بلاد المسلمين في العصر الحديث، وكما انطلقتْ جيوش الصليبيين زاحفة نحو القدس برغبة استعمارية انتهازية من أجل الحصول على كنوز الشرق، كذلك انطلق اليهود إلى نفس المدينة بنفس الدوافع؛ بل كان هناك دافع آخر عند اليهود، وهو السيطرة على العالم من خلال القدس، هذا الدافع الذي نبع من شعورهم بالنقص، وبأنهم منبوذون من الأمم الأخرى؛ بل نابع من إحساسهم بأنهم أحطُّ أمَّة على وجه الأرض؛ لأنهم عندما كانوا مشتتين في الأرض كانوا يعيشون منعزلين عن الناس في الحارات المتهدمة والأماكن الخربة، وكانوا يمثلون في كل بلد يعيشون فيه (جيتو) يستعصي على الانخراط في المجتمعات الأخرى، وعندما امتلكوا أسباب القوة، قالوا بكل صلف: إننا شعب الله المختار، ولما شعروا بأن العالم الغربي يستجيب لهم، وينخدع ببريق وعودهم الكاذبة، فكَّروا في السيطرة على العالم أجمع.
 
لقد استغل الصليبيون في زحفهم إلى بيت المقدس البسطاءَ والسذج منهم، وأقنعوهم بأنها حرب من أجل الصليب أو من أجل المسيح، كذلك اتخذ اليهود الدِّينَ ستارًا يُلهبون به حماسةَ العوام منهم والبسطاء والسذج، وأوهموا العالم أجمع بأنهم جاؤوا ليعيدوا بناء هيكل سليمان وليعيدوا مجْد الآباء.
 
وكما نشَرَ الصليبيون الهلع والفزع، وسفك الدماء، وانتهاك الحرمات والأعراض والمقدسات إبان احتلالهم للقدس، فكذلك فعل اليهود؛ بل كانوا أشدَّ وأنكى؛ لأن قلوبهم قاسية كالحجارة أو أشد قسوة، فمنذ دخولهم أرض فلسطين وهم يقتلون، ويسرقون، ويجرفون، ويهدمون، ويدمرون، ويزيفون، ويدنسون المقدسات.
 
ألا ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة! إن القرائن لتدلُّ على أن نهاية اليهود في فلسطين قريبة، وإنهم يرون سقوطهم بعيدًا، وأراه قريبًا.
 
تحرير القدس من أيدي الصليبيين:
ظلت القدس ترزح تحت نير الاحتلال الصليبي مدة ثمانية وثمانين عامًا، تصرخ وتجأر إلى ربِّها أن يخلِّصها من دنس هؤلاء السفاحين الغزاة، وزعماءُ المسلمين وحكامهم مشغولون بأمورهم الدنيوية، ومتاعهم الزائل، إلى أن قيَّض الله لهذه الأمَّة رجلاً مخلصًا، حمل على عاتقه مهمة التحرير والإعداد له، منطلقًا من فكرة التجديد والإصلاح، والبحث عن مواطن الضعف والخلل في أمتنا الإسلامية، والسعي لمعالجتها، كان هذا الرجل المخلص هو "عماد الدين زنكي" صاحب (حلب)، الذي استنجد به الخليفة في بغداد عام 521هـ؛ ليقوم بدور رئيس شرطة بغداد، وليوطد الأمن والعدل بعد الفتنة التي حدثت بين الخليفة المسترشد والسلطان محمود، وتولى "عماد الدين زنكي" على أعقاب هذه الأحداث (الموصل).
 
بعد هذه الأحداث، أدار عماد الدين ظهره لمشكلات الخلافة والسلطنة في بغداد، ثم مضى في بناء دولته الجديدة، ومجابهة التحديات التي تحيط بها، ومن أهمها خطر الإمارات الصليبية.
 
"ومن الطبيعي أن ينتهي القائمون على الإصلاح والتجديد إلى التفكير في بناء أمة إسلامية جديدة، بدل الاستمرار في ترميم أمة لفظتْ أنفاسها، وأخذتْ تتحلل أعضاؤها، فكانت الأمة الجديدة هي الدولة التي بدأ عماد الدين في توطيد أركانها، وتوسيع رقعتها بعد عودته من بغداد على أثر فتنة عام 521هـ؛ ولذلك استحقَّ أن تحمل الدولة الجديدة اسمه، فلما قضي شهيدًا على أيدي بعض المتآمرين خلفه ابنُه "نور الدين محمود"، الذي أعطى الدولة الجديدة طابعها الإسلامي المميز، وهيَّأها لحمل رسالتها كاملة.
 
يقول أبو شامة: "وعلى الحقيقة، فهو الذي جدَّد للملوك اتِّباع سُنة العدل والإنصاف، وترْك المحرَّمات من المأكل والمشرب والملبس، وغير ذلك؛ فإنهم كانوا قبله كالجاهلية همُّ أحدهم بطنُه وفرجه، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، حتى جاء الله بدولته، فوقف مع أوامر الشرع ونواهيه، وألزم بذلك أتباعه وذويه، فاقتدى به غيره منهم، واستحيوا أن يظهر عنهم ما كانوا يفعلونه"[18].
 
ومنذ أيام "نور الدين" أصبحتْ دولة آل زنكي هذه كيانًا التفَّ حوله أصحاب الاتجاهات التجديدية، وتلامذة المدارس الإصلاحية، وجعلوا منها دارَ هجرة تداعوا إليها من جميع الأقطار، وفتحوا أبوابها لكل مخلص راغب في العمل في سبيل الله مهما تباينت مذاهبُهم وانتماءاتهم، ثم وزعوا الأدوار على الأشخاص والجماعات الذين قاموا بمهمة التنفيذ في حدود المفاهيم الإدارية التي كانت سائدة في ذلك العصر.
 
ولقد تميَّزتْ سياسة الدولة الجديدة خلال فترة نور الدين بأمور ستة، هي:
الأول: إعداد الشعب إعدادًا إسلاميًّا، وتطهير الحياة الدينية والثقافية من التيارات الفكرية المنحرفة كالباطنية، وآثار الفلسفة اليونانية، والممارسات الفاطمية للعبادات والشعائر.
الثاني: صبغ الإدارة بالصبغة الإسلامية، وشيوع العدل والتكافل الاجتماعي.
الثالث: نبْذ الخصومة المذهبية، وتعبئة القُوى الإسلامية وتنسيق جهودها ضمن منهاج عمل موحَّد، وقيادة متكاملة متعاونة.
الرابع: ازدهار الحياة الاقتصادية، وإقامة المنشآت والمرافق العامة.
الخامس: بناء القوة العسكرية، والعناية بالصناعات الحربية.
السادس: القضاء على الدويلات المتناثرة في بلاد الشام، وتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشام ومصر والجزيرة العربية[19].
 
نجح نور الدين في توحيد الدولة الإسلامية، ومضى ينازل الصليبيين، ويسترجع مقدسات المسلمين، حتى استطاع استرجاع نيف وخمسين مدينة من الصليبيين، ثم عزم نور الدين على فتح بيت المقدس، وأعدَّ منبرًا جديدًا للمسجد الأقصى، ولكن المنية وافتْه وهو في غمرة الاستعدادات عام 569هـ/ 1169م، فآل الأمر من بعده إلى كبير رجاله وواليه على مصر صلاح الدين الأيوبي، الذي سار على الطريق نفسه لتحقيق نفس الأهداف[20].
 
حقَّق الناصر صلاح الدين نصرًا عزيزًا مؤزرًا على الصليبيين في معركة حطين 583هـ/ 1187م، وحرر فلسطين، وطهَّر القدس وخلصها من الصليبيين، وردَّها إلى دار الإسلام والمسلمين.
 
وظلت القدس بأيدي المسلمين تُحكَم وتُدار من قِبل السلالات الإسلامية التي جاءت بعد الأيوبيين، فكان المماليك والعثمانيون، حتى سقطت بأيدي البريطانيين سنة 1917م.
 
الاحتلال البريطاني ثم الصهيوني للقدس:
ظهرت الحركة الصِّهْيَوْنية مواكبةً لحركة الاستعمار العالمي الأوربي لدول العالم الإسلامي منذ القرن التاسع عشر الميلادي، وقد حفل هذا القرن بالعديد من الكتابات والدعوات والمشروعات، التي تدور حول خلْق وجود سياسي يهودي في فلسطين، يكون مرتبطًا بالمصالح الاستعمارية في المنطقة، ويكون عاملاً على تقسيم المنطقة العربية وتجزئتها، وفي هذا الإطار السياسي حقَّقت الفكرة الصهيونية نقلةً أساسية مهمة تمثلت في نشوء الصهيونية السياسية على يد الزعيم الصهيوني "تيودور هرتزل" وقيام المنظمة الصهيونية العالمية.
 
سعى "هرتزل" إلى عقد مؤتمر صهيوني عالمي، وعقد بالفعل المؤتمر الصهيوني الأول في (بازل) بسويسرا عام 1897م، وقد حضره مائتان وأربعة من مفكري اليهود في العالم، واستطاع المؤتمر أن يخرج بقرارات هامة، من أهمها: إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين يضمنه القانون العام، وحدَّد المؤتمر الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الغرض، وهي:
1 - تشجيع الاستعمار الاستيطاني في فلسطين على أسس مناسبة من قِبل العمال الزراعيين، وإنشاء مستعمرات زراعية وعمرانية في فلسطين.
2 - إنشاء منظمة تربط يهود العالم، وذلك عن طريق منظمات محلية تابعة لها في كل بلد يوجد فيه اليهود.
3 - تقوية الشعور القومي وتعزيزه لدى اليهود.
4 - اتخاذ خطوات تمهيدية من أجل الحصول على موافقة حكومة دولية لتحقيق أهداف الصهيونية.
 
وتكونت المنظمة الصهيونية العالمية عقب هذا المؤتمر وترأسها "هرتزل"، الذي أجرى اتصالاً مع الدولة العثمانية يطلب السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، غيرَ أن السلطان العثماني عبدالحميد الثاني رفض ذلك، فاتَّجه إلى فرنسا، وروسيا القيصرية، وألمانيا؛ لكنه فشل في محادثاته معهم، ثم اتجه إلى بريطانيا التي عرضتْ عليه أوغندا كمكان لاستيطان اليهود، ومع أن "هرتزل" قد وافق على هذا العرض، إلا أن كثيرًا من زعماء الصهيونية رفضوا.
 
مات "هرتزل" عام 1904م وخلفه من بعده في زعامة المنظمة الصهيونية "حاييم وايزمان"، وكان ذا نفوذ واسع في إنجلترا، وتربطه بساساتها صداقات حميمة، استطاع "وايزمان" أن يحصل على وعْد من الحكومة البريطانية بإنشاء وطن لليهود في فلسطين يكون خاضعًا للحكومة البريطانية، وهذا الوعد هو ما عُرف بتصريح بلفور سنة 1917م، والذي حظي بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، ونصه:
"إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطنٍ قوميٍّ للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهودها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًّا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضرَّ بالحقوق المدنيَّة والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلاد الأخرى"[21].
 
وفي عام 1920م سارعتْ بريطانيا إلى إقامة إدارة مدنيَّة؛ لتحكم بواسطتها فلسطين، وعيَّنت أول مندوب سامٍ لها هناك أحد كبار الصهاينة البريطانيين، هو السير "هربرت صموئيل"، والذي كان له اليد الطولى في استصدار وعد بلفور، وهكذا تشكلت الإدارة المدنية الجديدة، التي أخذت على عاتقها تنفيذ السياسة البريطانية بجعل فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، وذلك أثناء فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.
 
وفي عام 1921م عُقد في القدس مؤتمر كبير، قرَّر المؤتمرون فيه رفْضَ الانتداب وإلغاء وعد بلفور، وطالبوا باستقلال فلسطين، وإقامة حكم نيابي ديمقراطي فيها، على أن تتَّحد مع البلاد العربية الأخرى، وسافر وفدٌ منهم إلى الغرب حاملاً معه هذه القرارات، ولم يترك الوفد في إنجلترا وفي سائر أنحاء أوربا بابًا إلا طرَقه، ولكنه وجد الأبواب كلَّها موصدة.
 
ولكي يلهي المندوب البريطاني الشعبَ العربي عن فلسطين هدفه الأصلي؛ راح يضرب الأحزاب الفلسطينية بعضها بالبعض الآخر، ولا سيما في القدس، فقد أقال "موسى كاظم الحسيني" من رئاسة البلدية ووضع مكانه "راغب النشاشيبي"، ووضع الحاج "أمين الحسيني" على رأس المجلس الإسلامي الأعلى، وراحتْ هاتان الأسرتان - وهما من الأسَر المعروفة بفلسطين - تتنافسان من أجل الزعامة والنفوذ، وسرَى الانقسام إلى سائر الأسر والأحزاب، فانقسم الفلسطينيون بوجه عام - والمقدسيون بوجه خاص - إلى شطرين: شطر يؤيد هذا، وآخر يعضد ذاك.
 
واهتبل الإنجليز الفرصة، فراحوا يقوُّون وسائل استعمارهم، كما اهتبلها اليهود، وراحوا يوطدون دعائم وطنهم القومي، الذي كانوا يهدفون من ورائه إلى امتلاك البلاد كلها، لا القدس وحدها[22].
 
وفي عام 1948م تم إعلان إلغاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي نفس اللحظة تم إعلان قيام الدولة الصهيونية، بعد أن سقطت القدس الغربية في أيدي اليهود، وواصَلَ الاحتلال الإسرائيلي زحْفَه إلى القدس الشرقية (القدس القديمة)، لكن سرعان ما اتَّحدتْ فصائل المقاومة، وأعانتْهم فرق المتطوعين من العرب، وبعض من وحدات الجيش الأردني، واستعادوا القدس الشرقية من أيدي الاحتلال الصهيوني.
 
ووقعت وثيقة استسلام اليهود بين كلٍّ من: وكيل القائد "عبدالله التل" قائد الكتيبة السادسة في الفيلق العربي عن الجانب العربي، و"موشه روزنك" قائد الهاغاناه عن الجانب اليهودي، وذلك في 28/ 5/ 1948م، وقد حشد اليهود في ساحة من ساحات الحي، حيث أُفرز المقاتلون منهم وأُخذوا أسرى إلى عمان، أما باقي الأهالي فقد نُقلوا إلى الأحياء اليهودية في القدس الجديدة (القدس الغربية).
 
وتنص الوثيقة على التالي[23]:
الفريق الأول: وكيل القائد عبدالله التل.
الفريق الثاني: قائد الهاغاناه في القدس القديمة.
بناء على الطلب المقدم من يهود القدس القديمة للاستسلام، قدم الفريق الأول الشروط، فقبِلها الفريق الثاني، وهي:
1 - إلقاء السلاح وتسليمه للفريق الأول.
2 - أخذ جميع المحاربين من الرجال أسرى حرب.
3 - السماح للشيوخ من الرجال والأطفال والنساء ومن كانت جراحهم خطيرة بالخروج إلى الأحياء اليهودية في القدس الجديدة عن طريق الصليب الأحمر.
4 - يتعهد الفريق الأول بحماية أرواح جميع اليهود المستسلمين.
5 - يحتل الجيش العربي الأحياء اليهودية في القدس القديمة.
 
وكانت هذه الوثيقة الوحيدة التي أحرزها العرب خلال صراعهم المرير مع الدولة العبرية اليهودية منذ دخول اليهود أرض فلسطين حتى حرب أكتوبر 1973م.
 
ظلت القدس الشرقية في أيدي العرب منذ عام 1948م لا يسكنها يهوديٌّ واحد، حتى سقطت في أيدي اليهود عام النكبة والنكسة 1967م، ومنذ هذا التاريخ واليهود يحاولون تهويدها، وإزالة كل الملامح العربية والإسلامية من شواهدَ ومعالمَ وآثارٍ وأماكن للعبادة، وتهويد التعليم والثقافة والاقتصاد، وهذا ما سوف نوضِّحه بالتفصيل في الفصل السادس من هذا البحث.
♦       ♦        ♦


وبعد هذه الإطلالة الموجزة على الأحداث التاريخية، يمكننا القول: إنه على الرغم من هذه الأحداث الجسام، والحروب والغزوات والمعارك الطاحنة التي تعرضت لها مدينة القدس على مر التاريخ، فإن هذه المدينة الباسلة ظلتْ صامدة راسخة شامخة تتحدَّى كل أسباب الفناء. ظلت شاهدةً على وحشية اليهود المُغِيرين، وسماحة العرب والمسلمين، ظلت تتحدى كل الغزاة الطامعين، الذين أصْلتْهم من سعيرها، وابتلعتْهم في بطونها عبر تاريخها المجيد، وعلَّمت الأمم البائدة والحاضرة معنى الشموخ والكبرياء، معنى الكرامة والإباء، معنى الرسوخ والتضحية والفداء.
 
ظلت القدس تدافع وتنافح عن عروبتها العريقة، التي لا يفتأ الحاقدون عليها - على اختلاف شعوبهم وأجناسهم، وألوانهم وألسنتهم - يعملون على محقها بكل ما أوتوا من أسباب القوة، ولئن استطاع الصهاينة وأعوانهم فرْضَ هيمنتهم عليها، وسحْق معالمها، ودكَّ آثارِها، وطمْس هويتها، فلن يستطيعوا بأي حال من الأحوال أن يطمسوا تاريخها المجيد، المسطور بحروف من نور رغم الآلام والمحن التي تعرضت لها.
 
سيبقى للعرب في القدس حقٌّ تاريخي يطالبون به إذا ما أرادوا أن يسلكوا سبيل السياسة - وهو طريق من طرق استردادها - يقرعون به كلَّ الأبواب في المؤسسات والهيئات والمنظمات العالمية والدولية؛ حتى يعود الحق المغتصَب إلى أهله، ويعود السلام إلى ربوع القدس يرفرف في آفاقها كما كان يرفرف طيلة العهد العربي قديمًا، والعهد الإسلامي طيلة ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، باستثناء فترة الاحتلال الصليبي، والتي استغرقت نحو ثمانية وثمانين عامًا.
 
الدروس المستفادة من الأحداث التاريخية:
بعد استعراض هذه الأحداث واستقرائها، يمكن أن نستنبط بعض النتائج، أو الملحوظات، أو بعض الدروس المستفادة، والتي منها:
1 - أن الوجود العربي في القدس يسبق الوجودَ اليهودي فيها بألفي عام تقريبًا، وفي هذا دلالة قاطعة على عروبة القدس، وأن الوجود اليهودي بها لم يكن إلا أمرًا طارئًا.
 
2 - إذا قِيستْ فترة الاحتلال اليهودي للقدس في التاريخ بفترة الوجود العربي (أصحاب البلاد)، فلن نجد ثَم مجالاً للمقارنة، ولن نجد لليهود حقًّا تاريخيًّا يطالبون به، يقول الشيخ "عبدالمعز عبدالستار" في كتابه: "اقترب الوعد الحق يا إسرائيل": "فلو جمعت كل السنوات التي عاشوها في فلسطين غزاةً مخربين، ما بلغت المدة التي قضاها الإنجليز في الهند، أو الهولنديون في إندونيسيا، فلو كان لمثل هذه المدة حق ٌّتاريخي، لكان للإنجليز والهولنديين أن يطالبوا به مثلهم، ولو كانت الأرض تملك بطول الإقامة في زمن الغربة، لكان الأولى بهم أن يطالبوا بملكية مصر التي عاشوا فيها 430 سنة، بدل فلسطين التي عاش فيها إبراهيم وأولاده 200 سنة أو تزيد قليلاً، ودخلوها شخصين، وخرجوا منها 70 شخصًا، ولكن هؤلاء اليهود لا يدَّعون الحق في امتلاك أرض فلسطين وحدها؛ وإنما يدعون الحق في امتلاك الكرة الأرضية كلها"[24].
 
3 - إذا كان اليهود يزعمون أن أرض فلسطين قد ملَّكها الله لإبراهيم وأحفاده من بعده، ويدَّعون - كذبًا وبهتانا - أنهم أحفاده، فالمسلمون أيضًا أحفاد إبراهيم - عليه السلام - بل هم أولى الناس به؛ لأن المسلمين تربطهم بإبراهيمَ روابطُ قويةٌ أقوى بكثير من الروابط التي يدعيها اليهود، فرسول الله محمد - صل الله عليه وسلم - ينحدر من سلالة إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - هذا من جهة النسب، أما من جهة الدين والعقيدة - وهي أقوى من أية رابطة أخرى - فدين المسلمين وعقيدتهم هو نفس الدين الذي جاء به إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء والرسل، وهو دين الإسلام؛ قال - تعالى -: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 67، 68].
 
وعليه يكون المسلمون هم أصحابَ هذه الأرض بنفس منطق اليهود.
 
4 - أن اليهود عندما كانوا يتمسكون بتعاليم التوراة الحقيقية غير المزيفة أو المحرَّفة، أنعم الله عليهم بنِعَم كثيرة؛ لأنهم حينئذٍ كانوا مسلمين حقًّا، ومن هذه النعم دخول الأرض المقدسة؛ لتكون مأوى وملجأً يحميهم من ألوان العذاب والذل والهوان الذي كانوا يلاقونه من الفراعنة، وهذا لا يقتضي بأي حال من الأحوال أن يصبحوا أصحابَ هذه البلاد، وحينما تخلوا عن هذه التعاليم، وحرَّفوا التوراة، وقتلوا أنبياء الله، استحقوا العقاب والعذاب، فتعرَّضوا للإبادة والتدمير والسحق والتشتت والتفرق في كل بقاع الأرض.
 
5 - أن المسلمين اتَّسمتْ فتوحاتهم وحروبهم بأخلاق النبلاء، ومبادئ الإسلام السمحة، فكانوا يعرضون على أهل البلد الذي يريدون فتحه أمرًا من أمور ثلاثة: أولاً الدخول في الإسلام تشريفًا له، فإن أبى عرضوا عليه أن يدفع جزية في مقابل حمايته وحماية ممتلكاته، فإن أبى فالحرب، ولها ضوابط وآداب لا يسعنا المقام لذكرها[25]، وهذا ما حدث عند دخول المسلمين القدس فاتحين في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - لم يريقوا في هذه المدينة قطرة دم واحدة، ولم يهدموا كنيسة أو معبدًا، لقد دخلها المسلمون بالصلح ومواثيق الأمان.
 
6 - أن اليهود في كل عهودهم يركنون دائمًا إلى القويِّ يستميلونه ويستعطفونه بحيلهم الماكرة، وأكاذيبهم المفتراة؛ كي يصلوا إلى أهدافهم، وغالبًا ما كانوا يتخلَّوْن عن كرامتهم، ويصيرون عيونًا وجواسيسَ لهذا القوي، كما كانوا لملك الفرس "كورش" جواسيسَ ضد أعدائه من المصريين الفراعنة وغيرهم.
 
7 - أن الهيكل الذي بناه سليمان - عليه السلام - لم يكن بالضخامة ولا بالمهابة التي يزعمها اليهود، وقد تعرَّض للحرق والتدمير والإبادة أكثر من مرة، فليس له أثرٌ يُذكَر، وهم يعلمون ذلك، ومع هذا فهم يعكفون على الحفر تحت المسجد الأقصى ليل نهار؛ بهدف تدميره ومحْو هذا الأثر الإسلامي، والشاهد على الحضارة العربية والإسلامية في القدس، وهو خطوة من جملة خطوات لتهويد القدس، وجعلها مدينة يهودية المعالم والملامح والآثار والثقافة والاقتصاد والإدارة.
 
8 - أن اليهود لا يؤمنون إلا بمنطق القوة، ولا يحترمون خصمهم إلا إذا كان قويًّا، ففي عام 1948م اضطروا إلى عقد وثيقة استسلام مع العرب، بعد محاولتهم ضم القدس الشرقية إليهم، وانتصار العرب عليهم، ثم أذعنوا لمبادرة السلام التي تمت بينهم وبين مصر بعد حرب 1973م، ثم خضعوا لشروط المقاومة اللبنانية مرتين، وانسحبوا من لبنان في عام 2000م، وعام 2006م، ورضخوا لاتفاق الهدنة بينهم وبين حماس في 2008م، وحقيقة لم يكن للصهاينة أن يخضعوا لأحد إلا إذا أحسوا بأنه أقوى منهم، إنهم كيان هش، وجيشهم ليس أسطوريًّا كما كانوا يزعمون؛ بل من السهل اليسير الانتصار عليهم إذا اتَّحد العرب والمسلمون وكوَّنوا جبهة واحدة، واستعادوا ثقتهم بأنفسهم ومقدراتهم، وجدَّدوا إيمانهم بربهم.
 
وبعد، فإننا العرب "أمام منعطف مصيري وحاسم في تاريخنا، فالمرحلة التي ندخلها اليوم هي التي ستقرِّر مصير فلسطين والقدس لأجيال عديدة، كما ستقرر مصيرنا وتحسم الجدل القائم حاليًّا حول ما إذا كنا سنستعيد فعلاً مكانتنا تحت الشمس كأمَّةٍ جديرة بالحياة، وأننا نستطيع فعلاً أن نحقق سيادتنا، واستقلال إرادتنا، ونمسك زمام أمورنا بأنفسنا، فنحقق بذلك تحرُّرنا، وهو ما يتيح لنا تحقيق وحدتنا، وتحرير ما اغتصب من أرضنا على مدى وطننا العربي الكبير.
 
إن المرحلة التي ندخلها اليوم تفرض علينا أن نستقرئ الأمور بمنتهى الجدية والرصانة وأمانة المسؤولية، ولكي نستطيع أن نتبين ملامحها، ونستكشف آفاقها؛ علينا أن نحسن قراءة أماراتها وعلاماتها؛ لكي نجابه ما ستواجهنا به من صعاب، فنتدارك السقوط في هاوية لا قرار لها، وهو ما يخططه الأعداء لنا من مصير.
 
إن العالم بأسْره يكتب اليومَ بدايةً جديدة لتاريخه، فعلينا أن نكتب تاريخنا بأنفسنا، وألاَّ ندَع الآخرين يملونه علينا، وإلا فإننا نكون قد أسهمنا في وضع نهاية مأساوية لأمَّتنا.
 
إنها مسؤولية جيلنا أمام الأجيال العربية المقبلة، فعلينا إذًا ألاَّ نفرط بالأمانة، وأن نتحمل المسؤولية التاريخية المصيرية بجدارة وتفانٍ وإيمان لا يتزعزع بمستقبل هذه الأمة وخلودها[26].
 
ولا يزال للحديث بقية، فإلى حلقة أخرى قادمة - إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــ
[1] عارف العارف: "تاريخ القدس"، ط/2 دار المعارف - القاهرة، ص11.

[2] اسم (ملكي صادق) من الأسماء الكنعانية التي كانت شائعة خلال تلك الفترة، ومعناه: القادر المستقيم، وقيل معناه: ملك البر، وسيد العدل، مصطفى مراد دباغ: "بلادنا فلسطين"، ج8، ق2، ط/2 بيروت 1974م، ص59.
[3] د. ياسين سويد: "حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي"، ط/1 دار الملتقى، بيروت، لبنان 1997م، ص11.
[4] د. يوسف القرضاوي: "القدس قضية كل مسلم"، ص 61، مكتبة وهبة، القاهرة.
[5] عارف العارف: "تاريخ القدس"، ص 15.
[6] رفيق النتشة وزميلاه: "تاريخ فلسطين وجغرافيتها" ص 26 ط/1 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1991م.
[7] د. يوسف القرضاوي: "القدس قضية كل مسلم"، من رسائل ترشيد الصحوة، مكتبة وهبة ص58 - 62، و"فقه الجهاد" لنفس المؤلف (2/ 1102 - 1104) مكتبة وهبة 2009م.
[8] محمد بن جرير الطبري: "تاريخ الملوك والرسل" (2/449 ) ط: دار الكتب العلمية - بيروت.
[9] انظر: "الموسوعة الفلسطينية"، مجلد 2، ص 90.
[10] رفيق النتشة وزميلاه: "تاريخ فلسطين وجغرافيتها" ص 31 ط/1 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1991م.
[11] روجيه جارودي: "فلسطين أرض الرسالات السماوية"، ترجمة: قصي أناسي، وميشيل واكيم، دمشق، دار طلاس 1988م، ص 119.
[12] روجيه جارودي: "فلسطين أرض الرسالات السماوية"، ص 122.
[13] سمير شما: "النقود الإسلامية التي ضربت في فلسطين"، دمشق 1980م، ص 38 - 39.
[14] د. حسين مؤنس: "نور الدين محمود"، القاهرة: 1959 ص82 - 83.
[15] انظر: "دليل المسجد الأقصى المبارك"، ص 5.
[16] آرنست باركر: "الحروب الصليبية" ص 32 - 33.
[17] كمال الأسطل: "مستقبل إسرائيل بين الاستئصال والتذويب" - دار الموقف العربي - القاهرة، ص 131.
[18] أبو شامة شهاب الدين المقدسي الدمشقي: "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية"، مؤسسة الرسالة - بيروت - 1418هـ/ 1997م، الطبعة: الأولى، تحقيق: إبراهيم الزيبق، (1/37).
[19] د. ماجد عرسان الكيلاني: "هكذا ظهر جيل صلاح الدين، وهكذا عادت القدس"، ط/3، دار القلم، دبي - الإمارات العربية المتحدة 2002م، ص 254 - 256.
[20] المرجع السابق، ص 305.
[21] عارف العارف: "تاريخ القدس" ص، دار المعارف، القاهرة 140.
[22] عارف العارف: "تاريخ القدس" ص، دار المعارف، القاهرة، ص 144.
[23] د. ياسين سويد: "حروب القدس في التاريخ الإسلامي والعربي"، ط/1 دار الملتقى بيروت - لبنان 1997م، ص 186 - 187.
[24] نقلاً عن: د. القرضاوي: "القدس قضية كل مسلم"، ص 22.
[25] انظر: إبراهيم السمري: "الجهاد في الإسلام (مفهومه - أنواعه - ضوابطه - وأهدافه)".
[26] د. ياسين سويد:حروب القدس، مرجع سابق، ص 216.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:42 am

الآثار والمعالم الإسلامية في القدس:
مدينة القدس مدينة حافلة بالمباني الأثرية الإسلامية، ففيها ما يقرُب من مائة بناء أثري، تنوعت ما بين مساجد، ومدارس، وخانقاوات، وأسبلة، وتكايا، وأسوار، وتحصينات، ودور علم، وبيمارستانات، وللأسف زال الكثيرُ من هذه المعالم من جرَّاء الاهتزازات الأرضية والزلازل التي تعرَّضت لها المدينة عبر تاريخها، إلى جانب أعمال التخريب التي قام بها اليهودُ وما زالوا.
 
وقد يتساءل البعضُ عن كمِّ المنشآت المعمارية التي حرص حكامُ وملوك وأمراء مسلمون على تشييدها في المدينة، رَغْم أنَّها لم تكن دارَ خلافةكعواصم أخرى مثل: القاهرة، وبغداد، ودمشق، ولم تكن ذات مركز سياسي في عصر من العصورالإسلامية،والجواب على هذا التساؤل بسيط، فالقدس مدينة أظهر الإسلام، ونبي الإسلام تعلقه واهتمامه بها منذ النشأة الأولى للإسلام، فكانت قِبْلَة المسلمين الأولى حتى السنة الثانية من الهجرة، وإليها كان إسراء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومنها كان معراجه إلى السماء، وفيها المسجد الأقصى الذي عَدَّه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحدَ ثلاثة مساجد كبرى في الإسلام، لا تُشَدُّ الرحال إلا إليها؛ لشأنهاالخاص، ولهذا اهتمَّ الخلفاء والملوك والأمراء والوُلاة على مَرِّ التاريخ الإسلاميبعمارة المدينة، وتشييد مبانٍ تَحمِل اسمهم، قاصدين بذلك فعلَ الخير، ونيل الأجر، والتعبير عما تفيض به قلوبهم ومشاعرهم من المحبة والتقديس لهذه المدينة[1].
 
ومن أمثلة المساجد الأثرية الموجودة في القدس تلك المساجد التي لفتت أنظارَ السائحين والدارسين والباحثين والعلماء على اختلاف بيئاتِهم وأزمانهم، والتي حَظِيَت بعناية الوُلاة والحكام والخلفاء والسَّلاطين عبر القرون المتعاقبة منها على سبيل المثال لا الحصر:
(1) مسجد قبة الصخرة:
يذهب بعض المؤرخين والمفكرين والباحثين إلى أنَّ مسجد قبة الصَّخرة الذي بناه الخليفة الأموي "عبدالملك بن مروان" قد بني على أنقاضِ مسجد "عمر بن الخطاب"، وهو مسجد كان بسيطًا في بنائه، لكنه كان يَسَعُ أكثر من ثلاثة آلاف مصلٍّ، ومن المحتمل أنْ يكون مسجدُ قبة الصخرة قد بني مكانَ جزء منه.
 
ويؤيد هذا الرأي الأستاذ "الدباغ"، فيقول: "قبة الصخرة من أهمِّ وأبدع آثار الأمويِّين، كما أنَّها أقدم أثر إسلامي في تاريخ العمارة الإسلامية، وتُعَدُّ هذه القبة عند معظم مؤرخي الفنون أعظمَ العمارات الإسلامية في الجمال والفخامة وإبداع الزَّخْرفة، كما تَمتاز عنها ببساطة التصميم وتنسيق الأجزاء، تم بناؤها سنة 70هـ أو (72هـ) 691م على مكان الجامع البسيط، الذي أقامه عمر بن الخطاب"[2].
 
ويقول الدكتور "عبدالفتاح أبو علية": "وروى "شهاب الدين المقدسي" في كتابه (أحسن التقاسيم) أنَّ موقعَ مسجد "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - هو في مكان الصَّخرة، ومن هنا نلحظ أنَّ عددًا من الكتاب والمؤرخين غير المحدثين يرون أنَّ مسجد قبة الصخرة بني في مكان مسجد "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - أو على الأقل، فإنَّ مسجد عمر في كليته وشموله كان يضُمُّ مسجد قبة الصخرة إلى جانب المسجد الأقصى اليوم"[3].
 
الإعداد والتحضير والتنفيذ:
حضر الخليفة الأموي "عبدالملك بن مروان" إلى مدينة القُدس، وفَكَّر أن يبني قبةً كبيرة على الصخرة؛ لتقي المسلمين الحرَّ والبرد، وتكون غطاء لمسجد يُصلي فيه الناسُ، وقبل أن يبدأ بالتنفيذ كتب رسائل إلى عُمَّاله في الأمصار يخبرهم بذلك كعمليَّة عرض واستشارة، فجاءت الردود بالتأييد: "يرى أمير المؤمنين رأيه موفقًا سعيدًا نسألُ الله - تعالى - أن يتم له ما يرى من بناء بيته ومسجده، ويجري ذلك على يديه، ويجعله مكرمة له، ولمن مضى من سلفه تذكرة"[4].
 
واهتم الخليفة "عبدالملك بن مروان" بالأمرِ كثيرًا وباشر التنفيذ، ورصد لهذا البناء خراجَ مصر لسبع سنوات كاملة، وعهد بإدارة هذا العمل العمراني في المسجد المقدسي إلى المهندسين العربيِّين: "رجاء بن حيوة الكندي"، وهو من (بيسان) في فلسطين، و"يزيد بن سلام" مولى عبدالملك بن مروان وهو من القدس، واستغرق بناء هذا المسجد مُدَّة طويلة من الزمن امتدت من سنة (66 - 72هـ) / (685 - 691م).
 
وقد وُضِعَ تصميمُ مخطط قبة الصخرة المشَرَّفة على أسسٍ هندسية دقيقة ومتناسقة، تدُلُّ على إبداع العقلية الهندسية الإسلامية؛ حيث اعتمد المهندس المسلم في تصميم هيكلها وبنائها على ثلاثِ دوائر هندسيَّة ترجمت بعناصر معمارية؛ لتشكلَ فيما بعد هذا المعلم والصَّرح الإسلامي العظيم، وأمَّا العناصرُ المعمارية الثلاثة التي جاءت محصلةَ تقاطُع مُربَّعين مُتساويين، فهي القبةُ التي تُغطي الصخرةَ وتُحيط بها، وتثمينتين داخليَّة وخارجية تُحيطان بالقبة نتج فيما بينهما رواقٌ داخليٌّ على شكلٍ ثماني الأضلاع؛ (انظر لوحة رقم (1، 2).
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods1
لقد أصبح هذا المسجدُ أهم ما يُميِّز مدينة القدس، ويُؤكد طابعها الإسلامي المقدس، ولذلك كان لا بُدَّ من الوقوف طويلاً أمام هذه الآية الرائعة، التي قال عنها المؤرخ "بروكهارت": "إنَّ إشادةَ بناء بهذا المستوى من الكمال والإتقان الفني، يُعَدُّ عملاً خارقًا في دولة الإسلام التي لم يكن قد مضى على ظهورها قرنٌ واحد".
 
ولقد توسَّعت كتبُ تاريخ العمارة الإسلامية بوصف تفاصيل هذه القبة، وأهمُّ ما يثير الاهتمام هو المخطط الثماني الذي قامت عليه، والسُّؤال: ما مصدرُ استلهام هذا المخطط؟ ولماذا قام بشكلٍ متفرِّد على مخطط ثماني مخالفًا لشروط المسجد التي وضعها الرسولُ عند بنائه المسجد الأول في المدينة المنورة؟
 
تتَّجه أبحاث المؤرخين إلى مقارنة بناء قبة الصَّخرة المثمَّن بأبنية مماثلة كانت قائمة قبل هذه القبة، ولقد اهتم "كريزويل" بمقارنة هذا المخطط القائم على قبة قطرها 20.40م مع مخطط كنيسة القيامة في القُدس التي تقوم فوقها قبة قطرها 20.44م.
 
ويتوسَّع "إيكوشار" في تحديد العَلاقة بين قبة الصخرة، وقبة كنيسة القديسة هيلانة في رافينا (إيطاليا)، كما يقارنها مع كاتدرائية بُصرى 512م، وكنيسة القديس سمعان العمودي (سوريا).
 
لقد وصلت قبةُ الصخرة إلى أقصى حدود الكمال المعماري كما يشهد بذلك "ماكس فان برشيم"، الذي درس القبةَ دراسةً متعمِّقة، وكما تشهد ابنته "مارغريت" على روعة الزخارف الفسيفسائية في هذه القبة.
 
ولكن أهمية هذه القبة وقد أصبحت رمزًا إسلاميًّا تبدو في احتوائها على معانٍ قدسية رسَّخت أسسَ الفكر المعماري الإسلامي، وكانت أصلاً يُقتدى به في العمارة اللاحقة.
 
تتألَّف قبةُ الصخرة من بناء ثمانية أضلاع تعلوه قبة خشبية مصفحة قطرها 20.40م، ذات رقبة عالية تنفتح فيها 16 نافذة، ويعلو القبة (جامور) نُحاسي ارتفاعه 4.10م، وارتفاع القبة عن الأرض 35.30م.
 
ترتكز القبةُ على ستة عشر حاملاً هي اثنا عشر عمودًا، وأربع عضادات متناوبة، وتُشكِّل هذه الحوامل الممشوقة دائرةً هي مرتسم القبة، ويُحيط بهذه الدائرة مثمَّن طول ضلعه 20.60م، وهو مؤلف من جدران ارتفاعها 9.5 تعلوها تصوينة، وبين المثمَّن والدائرة يقوم مثمَّن من الحوامل مؤلفة من أقواس تحملها 8 دعائم تربطُها ببعضها أقواسٌ محمولة على ستة عشر عمودًا.
 
وإذا أعدنا رَسْم مخطط قبة الصخرة، كما أثبته العالم "ماوس"، فإنَّنا نرسم دائرةً كبيرة قطرها 43م تقريبًا، ومركزها "م"، وضمنها نرسم مربَّعين متقابلين يشكلان نجمة ثمانية، ونقاطُ التقائهما هي مراكز دعائم الرِّواق الأوسط المؤلَّف من ثمانية أقواس مَحمولة على أعمدة، تشكل مسقطًا ثمانيًّا، وبالتقاء مراكز الدعائم، مع مقابلها نحصُل على مربعٍ، رُؤوس زواياه الأربع هي مراكز عضادات القبة الأربع، وبين كلِّ عضادتين ثلاثةُ أعمدة مؤلفة مسقطًا ست عشريًّا يحتضن دائرةً هي مرتسم القبة.
 
ونجد أن هدف بناء قبة الصخرة لم يكن لمضاهاة كنيسة القيامة، كما يقول المقدسي، ولم يكن لمجرد تقليدها كما يدَّعي "كريزويل"، بل كان هدفًا رمزيًّا لتحديد علاقة رعاية وحماية.
 
إنَّ هذا الرمز المعماري الذي نراه في جميع الأبنية الإسلامية على امتدادِ الأرض التي آمن فيها الناسُ بالدين الإسلامي، نراه واضحًا في المنشآت الإسلامية في مدينة القدس على اختلاف وظائفها، سواء أكانت سبيلاً، أم كانت مدفنًا، أو كانت قبة مسجد، أو قوسًا أو عقدًا، مما يُضفي الطابع الإسلامي على مدينة القدس كلها، ويؤكد أصالة العمارة فيها.
 
زخارف قبة الصخرة:
لقد استطاع الفنان المسلم أن يبرز مقدرة فائقة، ومهارة لا مثيلَ لها في تزيين قبة الصَّخرة بعِدَّة أنواع من الزخارف نذكر أهمها: الزخارف الفسيفسائيَّة، والزخارف الرُّخامية، والزخارف الخشبيَّة، والزخارف القيشانية، والخطوط كعنصر زخرفي إلى جانب وظائفه التوثيقيَّة.
 
أولاً: الزخارف الفسيفسائية:
وهي عبارة عن قطع زجاجية ملونة ومُذهَّبة تميل في شكلها إلى المربعات الصَّغيرة؛ حيث اشتهرت كعنصر زخرفي في تحميل العمائر الهندسية في العصر البيزنطي والعصر الأموي.
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods2
ويعود تاريخ فسيفساء قبة الصخرة المشرَّفة إلى الفترة الأموية، وهي فترة تأسيس وبناء مسجد قبة الصخرة؛ حيث استخدم الفنان المسلم الفسيفساء؛ ليضفي جمالاً أخَّاذًا، وبريقًا لَمَّاعًا بتغطيته المساحات الواسعة المرئيَّة، والتي لو لم يقم بتغطيتها، لبدت للناظر جوفاء ومملة.
 
وقد اختار الفنانُ المسلم ثلاثةَ ألوان رئيسة؛ ليستخدمها في نسج زخارفه الفسيفسائية هذه؛ حيثُ اشتملت الألوان على الأخضر والأزرق والذَّهبي، إضافة إلى ألوان أخرى ثانوية.
 
وقد استطاع هذا الفنان أنْ يُجسد روحَ العقيدة الإسلامية من خلال تصميماته هذه، فكان لزامًا عليه أن لا يجسد أي تصوير لإنسان أو حيوان، وذلك تماشيًا مع تعاليم الإسلام، الذي يُحرِّم تجسيد الأشخاص والحيوانات، فاستعاضَ عن ذلك بعناصر زخرفية أخرى أهمها النباتات والأشجار والفواكه، والأوراق النباتية مختلفةُ الأنواع والمجوهرات بجميع أنواعها والمزاهر (المزهريات)، والأشكال الهندسية والخط، جاءت كلها لتكونَ مواضيعَ الرسالة التي أراد الفنان إبرازها للناظرين إليها والمتمعنين بها.
 
أمَّا الأشجار فجسد أشجار النخيل والرمان والتين واللوز، ورسم المزاهر، وفيها أصناف الفاكهة من كل شكل ولون، ورسم الجواهر، وكأنه أراد بتصويراته، وأعماله الإبداعية هذه أنْ يذكرنا بالأشياء الموجودة في الجنة، والتي وصفها القرآن الكريم.
 
أمَّا الخط فنسيج وحده قام الفنان بعمل زنَّارين بطول 240م، يقومان أعلى التثمينة الداخلية من الداخل والخارج، زينهما بكتابات بالخطِّ الكوفي البسيط والمعمولة بالفسيفساء المذهبة على خلفية (أرضية) زرقاء.
 
ثانيًا: الزخارف الرخامية:
لقد استخدم الفنان المسلم الزخارف الرُّخامية في زخرفة قبة الصخرة بشكلٍ لافت للنظر؛ حيث استخدمها في الأعمدة وتيجانِها، وفي تكسية الواجهات الدَّاخلية والخارجية للتثمينة الخارجية، وكذلك في تكسية الدعامات الحجرية، وهناك عنصر آخر شكَّله من المادة الرخامية أيضًا، وهو الأفاريز الرُّخامية (الإطارات) التي علت الدعامات الحجرية المكسوة بالرخام، وكذلك الواجهات الداخلية للتثمينة الخارجية؛ حيث جاءت هذه الأفاريز الرخامية المحفورة والمزخرفة بزخارف نباتية وهندسية متجانسة إلى حدٍّ كبير مع الزخارف الفسيفسائية من ناحية ألوانها وموضوعات زخرفتها.
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods3
ثالثًا: الزخارف الخشبية:
جاءت هي الأخرى متجانسة في عناصرها وموضوعاتها مع الزخارف الفُسَيفسائية والزخارف الرخامية في قبة الصخرة المشرَّفة.
 
رابعًا: الزخارف القيشانية:
والقيشاني هو ذلك الآجر (الحجر) المزجج والملون، والذي يعرف بالبلاط الصيني، وقد استخدم لأول مرة في عمارة قبة الصخرة المشرفة في عهد السلطان العثماني "سليمان القانوني"، الذي قام باستبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجيَّة منذ العهد الأموي بالبلاط القيشاني المزجج والملون، وذلك في سنة (959هـ / 1552م).
 
وقد استطاع الفنانُ المسلم أن يُجسد روح العقيدة الإسلامية أيضًا في هذا العنصر الزخرفي، وذلك باستخدامه مواضيع مشابهة لتلك الموجودة في الزَّخارف الفسيفسائية بالداخل، والتي تَمثلت بالعناصر النباتية والهندسية والخط الإسلامي.
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods4
صورة لمسجد قبة الصخرة من الخارج
وخلاصة القول: فإنَّ مسجد قبة الصخرة بأبنيته الرائعة وجماله الفني من حيث نشأته العمرانية يَظَلُّ دلالةً ثابتة على مدى عناية المسلمين ببيوت الله كبيرها وصغيرها، وهي ظاهرة توازي تَمسُّك أولئك بدينهم الإسلامي الحنيف على مر تاريخهم الإسلامي الحنيف، وهذا الأمر شهد لهم فيه القاصي والدَّاني؛ قال الأستاذ "كرزويل" (Creswell) أستاذ فن العمارة الإسلامية بجامعة القاهرة سابقًا: "لقبة الصخرة أهميةٌ ممتازة في تاريخ فن العمارة الإسلامية، فقد بهرت ببنائها ورَونقها وفخامَتِها وسحرها وتناسقها ودقة نسبها كلَّ مَن حاول دراستها من العلماء والباحثين"[5].
 
وقال البروفيسور "ت. هايتر لويس" (T. Hayter Lewis): "إنَّ مسجد الصخرة بلا شك من أجمل الأبنية فوق البسيطة، لا بل إنَّه أجمل الآثار التي خلدها التاريخ "[6].
 
ويقول "فيرجسون": "إنَّ بناء القبة فاق (تاج محل)، وإنَّ ما فيه من التناسق والجمال الذي لا نظيرَ له ليفوق كل أثر آخر في العالم ".
 
ويختم "جوستاف لوبون" إطراءه بهذا الصَّرح الفريد واصفًا إياه بأنه "أعظم بناء يستوقف النَّظر، وأنَّ جمال روعته مما لا يصل إليه خيال البشر"[7].
 
وقد وصفه وشهد له المؤرخون والرَّحالة وعلماء الإسلام الذين زاروه، أو شدُّوا الرحال إليه، أو كانوا مجاورين له، كالمقدسي صاحب (أحسن التقاسيم)، الذي يقول فيه: "وفي الوسط قبة الصخرة على بيت مثمن بأربعة أبواب، كل باب يقابل مرقاة: باب القبلة، باب إسرافيل، باب الصور، باب النِّساء يفتح إلى الغرب، جميعها مذهَّبة... والقبة ثلاث ساقات: الأولى من ألواح مزوقة، والثانية من أعمدة الحديد، قد شبكت؛ لئلا تُميلها الرياح، ثم الثالثة من خشب، عليها الصفائح، وفي وسطها طريق إلى عند السفود، يصعدها الصُّناع لتفقدها ورمها، فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة، وتلألأت المنطقة، ورأيت شيئًا عجيبًا، وعلى الجملة لم أرَ في الإسلام، ولا سمعت أن في الشرق مثل هذه القبة "[8].
 
(2) المسجد الأقصى المسقوف:
إنَّ المسجد الأقصى المبارك المذكور في القرآن هو جميع الساحة المكشوفة بمختلف منشآتها الأثرية والتذكارية كقبة الصخرة، والمسجد الأقصى المسقوف، وقبة السلسلة، والمصلى المرواني، والأقصى القديم، والقباب، والمحاريب، والسبل، والمساطب، والآبار، والبرك، والأروقة، والقناطر، وغيرها من المنشآت الأخرى.
 
ويتألف المسجد الأقصى من ساحة كبيرة تأخُذ شكل شبه المنحرف، يبلغ طول جداره الجنوبي 281 مترًا، وطول جداره الشرقي 462 مترًا، وطول جداره الشمالي 310 مترًا، وطول جداره الغربي 491 مترًا.
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods5
المسجد الأقصى الوارد ذكره في القرآن:
أمَّا المسجد الأقصى المسقوف، فيقع في جنوب المسجد الأقصى المذكور في القرآن، على بُعد خمسمائة متر إلى الجنوب من مسجد الصَّخرة، وقد شرع في بنائه الخليفة الأموي "عبدالملك بن مروان" بعد أن أتم بناء قبة الصخرة سنة (74هـ/693م)، لكنَّه توفي قبل أن يكتمل بناؤه، فأتم بناءه ابنه الخليفة "الوليد بن عبدالملك".
 
ويبلغ طول المسجد الأقصى الكبير في حدود الثمانين مترًا، ويبلغ عرضُه في حدود خمسة وخمسين مترًا،ويقوم المسجد على ثلاثة وخمسين عمودًا من الرُّخام، بينها تسع وأربعون سارية مُربَّعة الشكل مبنية من الحجارة، ويبلغ ارتفاعُ العمود الواحد خمسة أمتار، ويبلغ طول ارتفاع السارية الواحدة خمسة أمتار أيضًا، وتأتي فوق الأعمدة وتلك السواري أقواسٌ حجرية اتِّساع كل واحد منها تسعة أمتار، وترتبط الأعمدة بروابط نحاسية[9].
 
وقد وصفه "مجير الدين الحنبلي" في عصره في أواخر سنة 900هـ بقوله:
"وصفته في هذا العصر من الصِّفات العجيبة؛ لحُسن بنائه وإتقانه، فالجامع الذي هو في صدره عند القبلة، الذي تُقامُ فيه الجمعة وهو المتعارف عند الناس أنَّه المسجد الأقصى يشتمل على بناءٍ عظيم به قبة مرتفعة مزينة، بالفصوص الملونة وتحت القبة المنبر والمحراب، وهذا الجامع مُمتد من جهة القبلة إلى جهة الشمال، وهو سبع أكوار مُتجاورة مرتفعة على العُمُد الرُّخام والسواري، فعدة ما فيه من العُمُد خمسة وأربعون عمودًا، منها ثلاثة وثلاثون من الرخام، ومنها اثنا عشر مبنية بالأحجار، وهي التي تحت الجملون، وعمود ثالث عشر مبنيٌّ عند الباب الشرقي تجاه محراب زكريا، وعدة ما فيه من السواري المبنية بالأحجار أربعون سارية، وسقفه في غاية العلوِّ والارتفاع من جهتي المشرق والمغرب مسقف بالخشب، ومما يلي القبلة من جهة الشمال ثلاثة أكوار مسقفة بالخشب... وعلى القبة والجملون والسقف الخشب رصاص من ظاهرها، وصدر الجامع القبلي، وبعض الشرقي مبنيان بالرُّخام الملون، والمحراب الكبير الذي هو في صدره إلى جانب المنبر من جهة الشرق يقال: إنه محراب داود - عليه السَّلام - ويقال: إنَّ مِحراب داود - عليه السَّلام - إنَّما هو الذي بظاهر الجامع المبني في السور القبلي من جهة الشرق، بالقُرب من مهد عيسى وهو موضع مشهور، وقد تقدَّم أن محراب داود في الحصن الذي بظاهر البلد المعروف بالقلعة، فإنَّ هناك كان مسكنه، ومتعبده فيه، ويحتمل أنْ يكون محرابه الذي كان يُصلي فيه في الحصن في مكان بعيد منه، ومكان المحراب الكبير الذي في داخل المسجد كان موضع مُصلاَّه إذا دخل المسجد"[10].
 
واستمرَّت عنايةُ المسلمين في صيانة هذا الأثر وتجديده وترميمه على مَرِّ السنين منذ أن تَم إنشاؤه؛ لما له من مهابة ومكانة عظيمة وقدسيَّة جليلة في قلوب المسلمين، ولما يتمتَّع به هذا الأثر الخالد من جمال منظر، ودقة بناء.
 
لقد حافظ عليه المسلمون كمسجدٍ طيلةَ عهودهم، وإنْ لَحِقَه الخراب أحيانًا إلاَّ أنه كان يجدَّد أو يرمم باستمرار، ونتيجة لذلك طرأ تغيير على مُخطَّطه كما تشير المراجع التاريخية، لقد تغيَّرت معالم المسجد الأقصى بعد الزلزال الذي حدث في عام 130هـ/ 748م، وأعاده المنصور 154هـ/ 770م، ويذكر صاحب "الأنس الجليل" أنَّ أبواب المسجد الأقصى كانت ملبسة بصفائح الذَّهب والفضة في خلافة عبدالملك بن مروان، فلما قدم أبو جعفر المنصور العباسي - وكان شرقي المسجد وغربيُّه قد وقعا - فقيل له: يا أمير المؤمنين، قد وقع شرقي المسجد وغربيه من الرجفة في سنة ثلاثين ومائة، ولو أمرت ببناء هذا المسجد وعمارته، فقال: ما عندي شيء من المال، ثم أمر بقلع الصفائح الذَّهب والفضة التي كانت على الأبواب، فقلعت وضربت دنانير ودراهم أنفقت عليه حتى فرغ"[11].
 
وتعرض المسجد لزلزال آخر عام 158هـ/ 774م، فأعاد بناءه الخليفة المهدي عام 163هـ/ 780م؛ حيثُ أنقص من طوله، وزيد في عرضه، ولم تكن له قبة، بل كان غنيًّا بالرخاميات والفسيفساء، وكان له ستة وعشرون بابًا في واجهة الحرم تتصل بأجنحة متجهة نحو جدار القبلة، ثم رُمِّم المسجد في عهد الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله إثر زلزال عام 406هـ/ 1015م، وبَنَى الخليفة الفاطمي أقسامًا عديدة سنة 426هـ (1034م) منها القبة والأبواب الثلاثة الوُسطى، وأقواس الرواق الكبير، وأركان القبة والأبواب السبعة شمالي المسجد، ثم جاء دور الناصر صلاح الدين الأيوبي ليتسلم هذه الآثار بعد تحرير القدس مطموسة المعالم؛ إذ حاول الصليبيون فترة اغتصابهم القدس طمسَ هُويتها الإسلامية، فغيروا في بعض المعالم، وحولوا بعضها إلى كنائس، فكان لا بُدَّ للبطل المنتصر أنْ يعيد إلى المدينة إسلاميتها الثقافية والحضارية والمعمارية.
 
لقد حوَّله الإفرنج عند احتلالهم القدس الشريف إلى استعمالات أخرى، وعندما حرر الأيوبيُّون القدس عملوا على إعادة إعماره، ورصفه بالفسيفساء وترقيمه، وتخشيب قبته وتجديد محرابه، وتوجد اليوم كتابة فوق المحراب تشير إلى ذلك، تنصُّ على ما يلي: "أَمَر بتجديد هذا المحراب المقدَّس وعمارة المسجد الأقصى، الذي هو على التقوى مؤسَّس – عبدُالله، ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين عندما فتحه الله على يديه سنة 583هـ، وهو يسألُ الله إذاعة شكر هذه النعمة وإجزال حظِّه من المغفرة والرحمة"[12].
 
واجه السُّلطان بعد تحرير القدس الشريف عِدَّة قضايا، من أبرزها إعادةُ الوجه الإسلامي لمدينة القدس، وإعادة سُكانها الأصليِّين لها؛ لأنَّ الإفرنج خلال مدة اغتصابهم اغتصبوا كلَّ المؤسسات الإسلامية السابقة، كالمدارس، والمساجد، والزَّوايا، وحوَّلوها وغيرها لخدمة أغراضهم، وذلك في إطار الطمس المتعمد لكل شيء يدُلُّ على الإسلام والمسلمين، فلقد حرص السُّلطان على إعادة ما خرَّبه الاحتلالُ الإفرنجي إلى ما كان عليه، وترميم وصيانة القائم منه، وإضافة معالم جديدة؛ إسهامًا منه في جعل القُدس الشريف مدينةً عامرة يجد فيها كلُّ الناس على مختلف مذاهبهم وطوائفهم ما يهمهم[13]، فقد قام بتطهير الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى، ونقل إليه المنبر الذي كان نور الدين قد أمر بصنعه بحلب للمَسجد الأقصى بعد تحريره محققًا بذلك رغبة سيده الذي عاش من أجلها[14]، كما أقيمت تحت رعايته مؤسسات دينية وعلميَّة واجتماعية كثيرة بالقُدس، منها مدرسة للشافعية، ورباط للصوفية، وبيمارستان، كلُّها حملت اسمه، كما أعاد كنيسة القيامة إلى الكنيسة الأرثوذكسية التي كانت لها قبل الاغتصاب الإفرنجي، كما سمح لليهود بالبقاء في المدينة والإقامة فيها بعد أنْ كان هذا محرمًا عليهم، وفوق ذلك نقل إليها عدة قبائل عربيَّة، وأسكنها في المدينة وحوَّلها كي تصبح المدينة عربية إسلامية[15].
 
نجح السلطانُ صلاح الدين في إعادة القدس للمسلمين، وإعادة المسلمين إليها، ونجح في تعمير الأماكن الإسلامية المقدَّسة وترميمها، وإقامة مؤسسات لخدمة المسلمين كما ألمحنا، وضمن حريةَ العبادة لكل أصحاب الدِّيانات السماوية دون استثناء إلاَّ أنَّ عملية إقامة المؤسسات لم تتضمن إنشاء وبناء مُؤسسات جديدة أحيانًا، واقتصر على تحويل المباني الإفرنجية القائمة إلى مؤسسات إسلامية، وقد يكون ذلك من باب إعادة الشيء إلى أصله، أو إلى الردِّ على فعل الإفرنج عند دخولهم المدينة، ولكن الراجح أنَّ الإمكانياتِ المادية لم تتوافر لديه؛ بسبب إنفاقه الكثير في معركة حطين، وتحرير القدس، ولا تزال المعركة قائمةً من أجل تحرير البلاد الإسلامية التي بَقِيَت في أيدي الأعداء، وهو بحاجة إلى المال لتوفير العتاد والرجال للجهاد في سبيل الله، وقد ارتدَّ ذلك حتى على العمائر الأيُّوبية في سورية ومصر وغيرها من البلاد؛ حيث نجدها متينة البنيان، لكنها خالية من الزخارف والحليات المعمارية التي نجدها في العصور اللاحقة كالعصر المملوكي.
 
لقد نشر "ماكس فان برشيم" الكتابات التي تؤرخ أعمالَ المحراب وعمارة المسجد الأقصى التي أجراها "صلاح الدين"، والملك العظيم "عيسى"، ثم السُّلطان "محمد بن قلاوون" وابنه الملك "الكامل"، والسلطان "قنصوة الغوري"، وفي هذا القرن العشرين نفذت ترميمات مُهِمَّة قام بها المهندس التركي "كمال الدين"، وما زال المسجد الأقصى محافظًا على معالمه الإسلامية، ولم تؤثر على هويته فترة الاحتلال الصليبي[16].
.....يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:43 am

..... تابع

الآثار والمعالم الإسلامية في القدس:
منبر صلاح الدين الأيوبي:
لا يُمكننا الحديث عن المسجد الأقصى دون أنْ نذكرَ منبر صلاح الدين رمز التحرر، ورمزَ الطموح والتطلُّع، ذلك المنبر الذي أهداه القائد "صلاح الدين الأيوبي" للمسجد المحرر حين حرَّر المدينة المقدسة من الفرنجة الغُزاة، وقد بناه "نور الدين زنكي" عام 1167م؛ أي: قبل تحرير القدس بعشرين عامًا، ونقله صلاح الدين من منطقة "الحلوية" في حلب، وكان ارتفاعه ستةَ أمتار، وعرضه السفلي أربعة أمتار، وعرض الدرج مترًا واحدًا، وهو يَختلف عن منبر الحرم الإبراهيمي الذي قام صلاح الدين أيضًا بإهدائه له يوم التحرير.
 
وقد قام السيد "دنكن" (Duncan) الذي كان يعمل في مدرسة الآثار البريطانية في القدس بتصوير منبر صلاح الدين قبل إحراقه، وحفظت هذه الصور في متحف الحرم القدسي الشريف، كما أنَّ البروفيسور "كريزويل" (Creswell) قد صور المنبر، وحفظت الصور في المتحف الأشمولي (Ashmolean Museum).
 
وفي عام 1968م حاول المدعوُّ "مايكل دنيس روهان" (اليهودي الأسترالي) إحراق المسجد الأقصى المبارك، ولكن جريمته اكتشفت قبل أنْ تتم، وتركت له السُّلطات الإسرائيلية الفرصة سانحة لإعادة التجربة، وهذا ما حدث بالفعل؛ إذ قام بجريمته بمساعدة زملاء له كانوا يُساعدونه من خارج المسجد بتاريخ 21/8/1969م، ونجح في إحراق المسجد؛ حيث أضرم النار في ثلاثة مواضع في الناحية الجنوبية من المسجد: الأول: منبر صلاح الدين الموجود في الوسط، والثاني: مسجد عمر الموجود في الزاوية الجنوبية الشرقية، والثالث: نافذة مرتفعة في الزاوية الجنوبية الغربية من مبنى المسجد.
 
وكان التخطيطُ الإسرائيلي أن تتلاقى نيران المواقع الثلاثة بعضها مع بعض، وتتجه من الجنوب إلى الشمال حتى تأتي على كامل المسجد، ولكن النيران لم تأتِ إلا على الثلث الجنوبي الشرقي من المسجد بمساحة 1500متر مربع، وذلك بفضل الله - تعالى - ثم بجهود أبناء القدس الذين أطفؤوا النيران بطريقةٍ يدويَّة باستعمال مياه آبار الحرم القدسي؛ بسبب قطع السلطات الإسرائيلية لمياه الشبكة الرئيسة التي تغذي الحرم القدسي الشريف في فترة الحريق نفسها[17].
 
ويُعَدُّ المنبر المحترق تحفةً فنية مميزة لا مثيلَ لها في العالم؛ حيث إنَّ المنبر قد صنع من قطع خشبية صغيرة معشقة بعضها مع بعض من دون استعمال مسامير، أو براغي، أو خوابير، أو غراء، وهذه القطع حفرت على الجانبين، وفي مستويات مختلفة، ثم ركبت هذه القطع بطريقة التعشيق، في مجموعات ضمن إطارات خشبية، وبأحجام مختلفة، وهذه الإطارات بمجموعها ثُبِّتت على الهيكل الأساسي الخشبي للمنبر.
 
وقد استُعملَ في صناعة المنبر المحترق خشب الأرز وخشب الأبنوس، كما استعمل العاج المحفور للكتابة القرآنية والتاريخية، وإنَّ عدم استعمال أي مادة معدنية أو غرائية في المنبر هو الأمر الذي جعله يعمر مدة طويلة من الزَّمن دون أن يؤثر عليه صدأ المواد المعدنية أو تلفُ المواد الغروية، كما أن أسلوب التعشيق قد أتاح لأجزاء المنبر إمكانيةَ التمدُّد والانكماش وعدم التشقُّق، وقد دُهِن المنبر بمواد راتنجية تَمنع العت أو التسوس، ولذلك فقد بَقِيَ المنبر سالِمًا من كل ضرر أو تلف مدة ثمانمائة عام إلى أنْ أحرقه الإسرائيليون[18].
 
وفيما يتعلَّق بزخرفته وفنية صنعه يقول د. "منير المهيد" عميد كلية الفنون الإسلامية: "كنَّا نظن أنَّ المنبر مبنيٌّ على أساس تقاطُع المربعات والمستطيلات، ولم ننجح في جهودنا إلاَّ أننا تَمكنا من فكِّ اللغز، ومعرفة أنَّ كل هذا العمل بني على أساس النسب الفاضلة، ووجود مركز للعمل، وكل التفاصيل الأخرى ما هي إلا انعكاس لهذا المركز، وهو فن يقوم على أُسُسٍ هندسية قَيِّمة بزخرفة نباتية، وخط عربي، ومقرنصات، وخراطة، وتطعيم بالعاج والأبنوس بأسلوب التعشيق، وهي الأنماط الستة الرئيسة المكونة للفن الإسلامي؛ لتعكس فلسفة وحكمة تقوم على وجود مركز للكون، وما الأمور الأخرى إلاَّ تجليات وانعكاس لهذا المركز؛ إذ يؤدي الالتزام بها إلى السعادة"[19].
 
المنبر الجديد:
جرى إعادة بناء المنبر من خلال كلية الفنون الإسلامية في جامعة البلقاء التطبيقية، التي قامت بفضل خبرات وقدرات وطاقات أساتذتها والعاملين فيها بتنفيذ هذا العمل؛ ليأتي مطابقًا للمنبر الأصلي بتفاصيله كافَّة.
 
وقد كلفت لجنة "إعمار المسجد الأقصى والصخرة المشرفة" الأستاذ الفنان "جمال بدران" برسم مخططات زخرفية للمنبر بحجم طبيعي، بالاستعانة بالصور الموجودة في مُتحف الحرم القُدسي، وبعض القطع الصَّغيرة التي بقيت بعد إطفاء الحريق ونظفت وحفظت في المتحف نفسه[20].
 
وقد استغرقت عمليَّة البحث للوصول إلى أسرارِ بنية وتركيبة المنبر فقط تسعة أعوام، ما بين عام 1993م وحتى 2002م، وكان من أهم مصادر البحث مكتبة الأقصى ومكتبة الكونغرس الأمريكي، ومتحف شمولين في لندن لاحتوائها مجموعاتٍ من الصور للمنبر ساعدت في إعادة التصميم.
 
وبعد إنشاء المخططات التفصيليَّة بدأ التنفيذ عام 2002م، واستغرق العمل نحو أربع سنوات، شارك فيه نحو 30 شخصًا، و11 باحثًا ومهندسًا، وكان الفنيون من أنحاء العالم الإسلامي كافَّة.
 
ويتكون المنبر الجديد من 16.500 قطعة تداخلت فيما بينها بطريقة التعشيق على النحو الذي صمم عليه المنبر الأصلي، وتَمَّ بناء المنبر الحديث بطريقة المنبر الأصلي نفسها، وبأسلوب هندسي هو الأول من نوعه في العالم؛ ليأتي المنبر نسخة طبق الأصل لمنبر صلاح الدين الأيوبي الذي طاله الحريقُ؛ حيثُ بلغت كلفته مليونين و200 ألف دينار، تبرع بها جلالةُ الملك "عبدالله الثاني".
 
وانتهي تصميم المنبر - ومن ثم عودته إلى موقعه في محراب أولى القبلتين وثالث الحرمين - في يوم 23 كانون الثاني (يناير) 2007م، واستكمل تركيبه في الأول من شهر شباط (فبراير) 2007م.
 
(3) المسجد الأقصى القديم:
ويقع هذا المسجد تحت الرواق الأوسط للمسجد الأقصى المسقوف، ويَمتد هذا المسجد حتى الواجهة القبلية أسفل قبة الصخرة بالقُرب من الزاوية الختنية، ويتكون من رِواقين، ومساحته تقدر بدونم ونصف دونم تقريبًا، ويدخل إليه عبر درج حجري في شمال مبنى المسجد الأقصى المبارك، وكان يُفتح عندما يزداد أعدادُ شادِّي الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، عندما لم تَعُدْ تكفيهم الأماكن المظللة، وخاصة أيام الجمع؛ ليقيهم حر الشمس الحارقة، وأمطار الشتاء.
 
ولأسباب كثيرة لم ينل المسجد الأقصى القديم شهرة المسجد الأقصى المعروف في أنحاء العالم، رغم أنَّه يحتوي على كثير من الأسرار التي يُمكن أن تثير فضول زائري الحرم القدسي الشريف.
 
ومكنت حملة الترميم الجذرية للمكان التي نفَّذتها مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، برعاية دائرة الأوقاف الإسلامية - من إعادة الألق لهذا البناء المثير.
 
ويوجد خلاف حول تاريخ هذا البناء المهيب، ويعتقد أنَّه يعود للعهد الروماني، ويضم غرفًا وزوايا، ومساطب متفاوتة الطول والارتفاع، وبئر عميقة أيضًا، أضاءتها دائرة الأوقاف لتمكين الزَّائرين من مشاهدتها.
 
ويعتقد بأن هذه البئر استخدمت لما يُمكن تسميته مستودعًا أو مخزنًا للزيت، الذي كان يضاء به الحرم القدسي الشريف، وحسب المؤرخ "مجير الدين الحنبلي" أنَّه كان يتم إيقاد المصابيح في كل ليلة في الحرم القدسي وقتَ العشاء ووقت الصبح.
 
وذكر في كتابه "الأنس الجليل بتاريخ القُدس والخليل" عددَ هذه المصابيح، فيقول: "في داخل الجامع المتعارف عليه عند الناس أنَّه الأقصى، وعلى أبوابه سبعمائة قنديل ونحو خمسين قنديلاً، وفي قبة الصَّخرة الشريفة وما حولها خمسمائة قنديل، ونحو أربعين قنديلاً، وذلك خارج عما يوقد في الأروقة وغيرها من الأماكن بالمسجد، وهذه العدة لا توقد في مسجد من مساجد الدُّنيا في مملكتنا والله أعلم"[21].
 
ولكنَّ عدد المصابيح كان يصلُ إلى أكثر من ذلك بكثير في المناسبات الدِّينية، كما يتضح من رواية الحنبلي الذي يتابع، "وأمَّا في ليلة النصف من شعبان، فيوقد بالجامع الأقصى وبقبة الصخرة ما يزيد على عشرين ألف قنديل، وهذه الليلة من اللَّيالي المشهورة التي من عجائب الدُّنيا، كذلك في ليلة المعراج، وهي المسفرة عن السابع والعشرين من شهر رجب، وفي ليلة المولد الشَّريف، وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان يوقد فيه من التنانير وغيرها من المصابيح مما لا يوجد في مسجد من المساجد"[22].
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods6
مدخل الأقصى القديم رواق داخل الأقصى القديم
وقد كشفت الحفريات عن قصور أموية مهيبة خلف جدار المسجد الأقصى الجنوبي، وسلط ذلك مزيد من الضوء على الاهتمام الأموي بالحرم القدسي.
 
ويعتقد أنَّ الأمراء الأمويين كانوا يدخلون إلى الحرم القدسي من المسجد الأقصى القديم، الذي أغلق بشكل نسبي أو كامل في فترات لاحقة؛ لأسبابٍ ذات طابع أمني، وفقًا لقراراتٍ اتَّخذها كبارُ قادة الجيوش في العصور الأيُّوبية والمملوكية والفاطميَّة.
 
ويُعيد افتتاحه بشكل دائم للزَّائرين الاهتمام بمعرفة حجم تلك الأعمدة التي تحمل واحدًا من أشهر المباني الإسلامية في العالم، وببئر الزيت الذي كان يُضاء الحرم القدسي منه[23].
 
(4) المصلى المرواني:
ويقع في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد الأقصى، وكان يُعرف بالتسوية الشرقيَّة، أمَّا اليهود المعاصرون فيصرون على تسميته "بإسطبلات سليمان"، ويتكون المسجد من 16 رواقًا، وتبلغ مساحتها 3775 مترًا مربعًا؛ أي: ما يقارب 4 دونمات، وله مداخل عديدة: مدخلان من الجهة الجنوبية، وخمسةُ مداخل من الجهة الشمالية.
 
يرجع تاريخُ إنشائه إلى عهد الأمويين، وقد خصِّص هذا المكان في عهد عبدالملك بن مروان كمدرسة فقهية متكاملة، وعند احتلال الصليبيين للمسجد الأقصى استُخدم المكان مربطًا لخيولهم ودوابهم، ومخزنًا لذخيرتهم وأسلحتهم، وأطلقوا عليه من حينها "إسطبلات سليمان".
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods7
المصلى المرواني
ويعتقد كثيرٌ من الناس أنَّ هذا المكان من بناء نبي الله سليمان - عليه السَّلام - وهذا من التلبيس والدس الذي يستعمله اليهود، حتى تنسب لهم فيما بعد؛ لتكون شاهدًا على وجودهم على هذه البقعة منذ الأزل، والصحيحُ أنَّها من بناء الأمويين كما أثبت أهلُ الآثار، وتم افتتاح هذا المصلى لجمهور المصلين في 12/12/1996م بعد صيانته.
 
(5) جامع عمر بن الخطاب:
أقام المسلمون هذا الجامع في وقتٍ مُبكر بالمكان الذي صلى فيه الخليفة عمر بن الخطاب، وهو غيرُ المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب، والذي أقيم المسجد الأقصى على أنقاضه، وقد جدِّد هذا المسجد في العصر الأيوبي عام 589هـ/ 1193م من قبل الأفضل بن صلاح الدين، وأعيد بناء مئذنته في العصر المملوكي عام 870هـ - 1465م، وهي مئذنة مُربَّعة الشكل جميلة، يولج إلى هذا الجامع عبر مدخل تذكاري معقود، أكبر الظنِّ أنه بني في العصر العثماني، يتكوَّن الجامع من بيت للصَّلاة يقع في الجانب الجنوبي من الساحة المكشوفة، وهو عبارة عن بناء بسيطٍ مستطيل الشكل مُغطًّى بأقبية متقاطعة، وله محراب يتكون من حنية يعلوها نقش تذكاري، حالة البناء جيِّدة، إلاَّ أنه يحتاج إلى صيانة مستمرة[24].
 
(6) جامع النساء:
يتألَّف بناؤه من بيت للصلاة، يرتكز على جدار المسجد الأقصى الغربي في الزَّاوية الجنوبية الغربية من سور الحرم الشريف الغربي.
 
وقد أُنشِئ هذا الجامع ملاصقًا للمسجد الأقصى الناصر صلاح الدين الأيوبي في عام (590هـ / 1193م) بعد ترميم المسجد الأقصى.
 
ينقسم هذا المسجد ثلاثةَ أقسام حسب الوظيفة الحالية: القسم الأول، ويشغله المتحف الإسلامي، والقسم الثاني، وهو القسم الشرقي وتشغله لجنة إعمار المسجد الأقصى، أمَّا القسم الثالث وهو القسم الأوسط، فيشغله مصلى النساء.
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods8
مسجد النساء
يتألف الجامع بأقسامه الثَّلاثة من إسكوبين يقوم فوقها عددٌ من العقود المدبَّبة، وقد سقف ما بينهما بطريقة الأقبية المتقاطعة، له عددٌ من النوافذ في الجدار الجنوبي والجدار الغربي، يفتقر المُصلَّى إلى محراب، أمَّا مدخله فهو في الجهة الشمالية وهو عبارة عن مدخل صغير يُحيط به عمودان من الرخام حالته الحاضرة لا بأسَ بِها.
 
ولا يزال للحديث بقية، فإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.


ـــــــــــــــــــــ
[1] انظر للتفصيل: "الموسوعة الفلسطينية"، مرجع سابق، ص 533 - 542، ويحيى الفرحان، "قصة مدينة القدس"، مرجع سابق، ص 63.

[2] مصطفى مراد الدباغ، "بلادنا فلسطين"، بيت المقدس (1)، دار الطليعة، بيروت 1975م، ص199.
[3] د. عبد الفتاح حسن أبو علية، "القدس: دراسة تاريخية حول المسجد الأقصى والقدس الشريف"، دار المريخ، الرياض، المملكة العربية السعودية 2000م، ص 69.
[4] مجير الدين الحنبلي، "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل مكتبة المحتسب"، عمان 1973م (1/272)، ورائف نجم، "الإعمار الهاشمي في القدس"، دار البيرق، عمان 1994م، ص 40.
[5] عارف العارف، "تاريخ قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى"، طبعة القدس 1955م ص74 - 75، رائف نجم، "الإعمار الهاشمي في القدس"، ص 43.
[6] انظر: رفيق النتشة وزميليه، "تاريخ مدينة القدس"، دار الكرمل، ط (1) 1984م ص 19.
[7] انظر: علي رضا فوزي النحوي، "أضواء على أعمال الترميم في الحرم القدسي"، جامعة دمشق، كلية الآداب، قسم التاريخ، ص10، وهي دراسة مخطوطة، نقلاً عن ملحمة الأقصى، للدكتور عدنان النحوي، ص111،112.
[8] محمد بن أحمد المقدسي، "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"، تحقيق: غازي طليمات، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق 1980م ص 159.
[9] انظر: محمود العابدي، "الآثار الإسلامية في فلسطين والأردن"، من موضوع (المسجد الأقصى)، ود. عبدالفتاح حسن أبو علية، "بيت المقدس في ضوء الحق والتاريخ"، دار المريخ للنشر بالرياض 1981م، ص 43، 44، والقدس دراسة تاريخية حول المسجد الأقصى والقدس الشريف، ص 81.
[10] ابن مجير، "الأنس الجليل"، (2/11 ـ 12).
[11] مجير الدين، "الأنس الجليل"، (1/281).
[12] مصطفى الدباغ، "بلادنا فلسطين بيت المقدس (1)"، ص 226.
[13] عارف العارف، "المفصل في تاريخ القدس"، نشره فوزي يوسف صاحب مكتبة الأندلس في القدس، ط2، 1406/1986، ص 175 - 176.
[14] سعد زغلول كواكبي، "منبر المسجد الأقصى في دراسات وآثار فلسطين"، المجلد الأول، 1984، ص 101، وهي عبارة عن وقائع الندوة الأولى للآثار الفلسطينيَّة التي عقدت بجامعة حلب، أشرف على طباعة أعمال الندوة وتحرير موادها الدكتور شوقي شعث.
[15] ليتل دونالد، القدس تحت حكم الأيوبيين والمماليك في "القدس في التاريخ"، 1187 - 1516م، عمان 1992، ص 207، ترجمة الدكتور كامل العسلي.
[16] عفيف البهنسي، "الأصالة الإسلامية في عمارة القدس وزخارفها"، مقال منشور في الموقع الإلكتروني "القدس أون لاين".
[17] رائف نجم، "الإعمار الهاشمي في القدس"، ص 162، 163.
[18] نجم، "الإعمار الهاشمي"، ص 165.
[19] تحسين يقين، "القدس المحتلة عبير الروح"، مقال بمجلة العربي عدد 582 مايو 2007م، ص43.
[20] نجم، "الإعمار الهاشمي"، ص 163.
[21] مجير الدين الحنبلي العليمي، "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"، تحقيق: عدنان يونس عبدالمجيد نباته، مكتبة دنديس، عمان 1999م (2/33).
[22] المرجع سابق، (2/33).
[23] عن مقال بعنوان: "أسرار الأقصى القديم"، وهو منشور بموقع مؤسسة فلسطين للثقافة الإلكتروني.
[24] رائفنجم، "كنوز القدس"، ص 102، العسلي، "معاهد العلم"، ص 54، "ليتل"، ص 207، "العسلي في دراسات"، ص 190؛ "العارف في المفصل"، ص 179 - 180.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:46 am

..... تابع


تابع الآثار والمعالم الإسلامية في القدس






ومن أمثلة الأسوار والتحصينات:

(1) - أسوار القدس:

اختار اليبوسيُّون سكان القدس القديمة (يبوس) موقعها؛ نظرًا لحصانة الطبيعة؛ حيث تقع المدينة على أربعة جبال (موريا - النبي داود - أكرا - بزيتا)، ولم يكتفوا بتلك الجبال، وإنَّما قاموا بتشييد سورٍ حول المدينة؛ لحمايتها من إغارات القبائل والمدن من حولِها، وهو السور الذي فَشِلَ داودُ في اجتيازه، واضطر إلى دخول المدينة عَبْر أحد قنوات المياه الخاصة بها.

 

وطوال عهودها كان للقُدس أسوارٌ وتَحصينات حربيَّة، ويكفي للدلالة على أهميتها أن هذه المدينة وأسوارها تعرَّضت لاجتياحات حربيَّة أكثر من سبعَ عَشْرَةَ مرة خلال تاريخها.

 

وقد هدم السور القديم تمامًا خلال هجوم "نبوخذ نصر" البابلي على المدينة في عام 586 ق.م، وكان بعضه من إنشاء الملك (منس) الآشوري (691 - 639 ق.م) إبان احتلال الآشوريين للقُدس، وكان لهذا السور أربعةَ عشرَ برجًا.

وبعد عودة اليهود من السبي البابلي سمح الفرس لحاكم المدينة (نحميا) بإعادة تشييد سور القدس (440 ق.م)، ولكنَّ هذا السورَ تعرَّض للهدم خلال هجوم "بطليموس" على المدينة في عام 320 ق.م ودُكَّ مجددًا أثناء هجوم الملك السلوقي "أنطونيوس إبيفانوس"، الذي انتهى بدخول القدس في حوزة السلوقيِّين عام 168 ق.م، وأجهز "بومبي" الرُّوماني على بقيته الباقية في عام 63 ق.م، ولم يجد هيرود الكبير أمامه من سبيل لإعادة تحصين المدينة في عام 18 ق.م سوى تشييد بَعضِ الأبراج، إلى أنْ قام هيرود أغربيا (37 - 44م) أيام الرومان ببناء السور الثالث، ولم يكمل تشييده إلا وقتَ حصار "تيطس" للقدس في عام 70م، وقد قام هذا القائد الروماني بتدمير السور باستعمال الأبراج المتحركة والمقاليع، وحفر الخنادق أسفل السور؛ لزعزعة أساساتِه، وهدم السور مرة أخرى بعد أن قامت الحامية الرومانية بتجديده على يد قوات الإمبراطور الرُّوماني (هدريان) عام 135م الذي سَمَّى المدينة باسم (إيليا كابتولينا).

 

وخلال العصر البيزنطي قامت الملكة "أيدوكسيا" زوجة الملك (ثيودوسيس) (438 - 443م) ببناء سُورٍ جديد حول المدينة، ولكنَّه هدم خلال غزو الفرس للقدس في عام 614م، ويبدو أن البيزنطيِّين لم يقوموا سوى ببعض أعمال الترميم المحدودة، ولم يُسعفهم الوقت لأكثر من ذلك؛ إذ سُرعان ما قامت جيوش الفتح الإسلامي بحصار بيت المقدس، واستسلمت المدينة بعد اجتياح دفاعاتها[1].

 

ومن الجدير بالذكر أن القدس ظلت بلا أسوار طوال العصر الإسلامي إلى أنْ قام الفاطميُّون بتجديد الأسوار في غمار تجهزهم لمقاومة الغزوات الصَّليبية، ولكن هذا التجديد الذي جاء على عَجَل لم يفلح في إنقاذ المدينة من السقوط بأيدي الصليبيين، وقد قامت مملكة بيت المقدس الصَّليبية بإعادة بناء الأسوار، واعتنت كل العناية بتحصينها، ولكنَّ صلاح الدين الأيوبي نَجح في اقتحام هذه الأسوار، واستعاد المدينة المقدَّسة في عام 583ﻫ /1187م.

 

أعاد السُّلطانُ صلاح الدين بناء أسوار القدس أو ما تَخرَّب منها وتقويته عام 587هـ/ 1191م، وقد عمل هو بنفسه وجاراه في ذلك أولادُه وأمراؤه وعمالُه، خاصَّة بالمنطقة الممتدة بين باب العمود وباب الخليل، كما تَمَّ حفرُ الخندق حول السُّور في عهده، هذا وقد حرص الملوك الأيوبيُّون الذين جاؤوا بعد صلاح الدين على تقوية الأسوار باستمرار، حتى أصبح في عام 610هـ/ 1214م في غاية المنعة والقوة، إلا أنَّه في عام 616هـ/ 1217م اضطر الملك المعظَّم عيسى إلى هدمه؛ حتى لا يستفيد العدوُّ منه على نحو ما أسلفنا، وينقل العارف عن موفق الدين عبداللطيف البغدادي وصفًا لاهتمام صلاح الدين ببناء السور بقوله:

"وكان مهتمًّا في بناء سور القُدس وحفر خندق، يتولى بنفسه وينقل الحجارة على عاتقه وتأسَّى به جميع الناس، الفقراء والأغنياء والضُّعفاء والأقوياء، حتى العماد الكاتب والقاضي الفاضل، ويركب لذلك قبل طلوع الشَّمس إلى وقت الظهر، ويأتي موعد الطعام، ثم يستريح، ويركب العصر، ويرجع في المشاعل ويصرف أكثر الليل في تدبير ما يعمل نهارًا.[2]

 

وخلال العصر المملوكي تَمَّ ترميمُ أجزاء من السور في عهد السُّلطان الملك المنصور قلاوون، أمَّا السور الحالي، فقد قام بتشييده السلطان العثماني سليم القانوني (العظيم) خلال خمس سنوات (943 - 948ﻫ / 1536 - 1540م).

 

وصف الأسوار:

تَمتد أسوارُ القدس حول المدينة القديمة التي تبلغ مساحتها كيلو مترٍ مُرَبَّعٍ واحدًا، وتختلف ارتفاعاتُ السور وسماكةُ جدرانه من موقع إلى آخر حسب التضاريس الطبيعية للأرض، ومتوسط سمك الجدران (متران)؛ وذلك لتحقيق غرضين رئيسين: أولهما: مقاومة القذائف المدفعية، والثاني: استخدام أعلى السور كممرَّات علوية تسهل حركةَ الدِّفاع عن المدينة، وحراسة الأسوار أيضًا.

 

وقد استُخدمت الأحجارُ الجيرية في بناء السور الحالي، وبينما كانت المداميك السُّفلية من أحجار كبيرة استُخدمت حجارةٌ أصغرُ حجمًا في تشييد الأجزاء العلوية من البناء، وإضافةً إلى الأبراج التي تُشكِّل نقاطًا للحراسة والدِّفاع، فثَمَّة عناصرُ دفاعية أخرى منها مَرامٍ مستطيلة الأبعاد في أعلى السُّور؛ وذلك لإطلاق البنادق والأسلحة النارية، وهناك أيضًا (سقاطات) في بعض أجزاء السور تبدو مُتَّسعة من الدَّاخل لتوفير حرية الحركة للرُّماة، بينما تبدو ضيقة من الخارج لتوفير الحماية الكافية للمُدافعين عن الأسوار، ويبلغ مُحيطُ السور ميلَيْن ونصفَ الميل (الضلع الشمالي 3930 قدمًا، والشرقي 2754 قدمًا، والجنوبي 3245 قدمًا، والغربي 2086 قدمًا).

 

وفي هذه الأسوار عددٌ من الأبراج الدفاعية، والأبواب التي تتحكم في حركة الدخول إلى المدينة.

 

أ‌ - الأبراج: وهي متعددة أربعة وثلاثون برجًا، وأهمها[3]:

1- برج اللقلق: ويقع في الزَّاوية الشمالية الشرقية من السُّور، وقد أنشأه السُّلطان العثماني "سليمان القانوني" في عام (945ﻫ /1359م) بغرضِ توفير نقطة حصينة للدِّفاع عن جانب السُّور البعيد عن الأبواب، وكان البُرجُ مخصَّصًا لإقامة فرقة من الحامية المُدافعة عن السور، ويتألف البرج من طابقين، ويَقَع مدخلُه في الناحية الغربية، وقد شيدت الممرات المؤدية إليه على هيئة دهاليز منكسرة؛ وذلك لإعاقة المهاجمين إذا ما تَمكَّنوا من اقتحام الأسوار ومهاجمة البُرج من الداخل، وبعد الممرات المغطاة بأقبية طويلة نصلُ إلى حجرة البُرج التي فتحت في ثلاثة جدران، منها مرامٍ طويلة ضَيِّقة من الخارج، وفيها كان يقف الرُّماة لإطلاق النار على المهاجمين، وقد غطت حجرة البرج بقبو متقاطع.

 

أما الطابق الثاني من البرج، فهو ساحة مكشوفة تشرف من أعلى السور على خارج المدينة، وقد خصِّصت للاستطلاع والمراقبة، وقد حرص المعمار على زيادة ارتفاع أجزاء سور البرج؛ لتكون بمَثابة استحكامات يتخفى المراقبون خَلْفَها، ويتَّصل الطابق الثاني ببقية أجزاء السور، وهو بذلك يلعب دورَ نقاطِ الاتصال بين المدافعين عن المدينة.

 

2- برج كبريت: وهو يتوسط المساحة بين باب المغاربة، وباب الواد في السور الجنوبي، وقد أنشأه أيضًا السلطان العثماني "سليم القانوني" سنة 947ﻫ (1540م).

 

ويتألَّف هذا البرج المتعامد الأضلاع من ثلاثة طوابق زودت جميعها بمرامٍ لإطلاق النار، وبينما شغل الطابقان الأول والثاني بحُجرات دفاعيَّة شغل الطابق الثالث بساحة مكشوفة، يقف فيها رجالُ الاستطلاع لمراقبة الحركة خارجَ الأسوار، وقد زِيدت ارتفاعاتُ بعض أجزاء البرج؛ لتكون بمثابة جدران دفاعية للمراقبين.

 

ب‌ - الأبواب:

تباينت أعدادُ الأبواب التي فتحت في أسوار القدس على مَرِّ العصور، وبعد إعادة بناء الأسوار في أيام العثمانيِّين أصبح للقُدس سبعةُ أبواب مفتوحة وأربعة مغلقة، كانت هذه الأبواب تغلق عند الغروب، ولا يُسمح للغرباء بدخول المدينة بعد إغلاقها، وظَلَّ ذلك أمرًا مرعيًّا حتى أواسط القرن الثالث عشر الهجري (19م)، وكان الفجرُ هو موعد فتح الأبواب لقُصَّاد المدينة، ولما اتَّسعت مدينة القدس، وتزايدت المباني خارجَ السور، فتحت الأبواب ولم تعد تغلق في أيِّ وقت من الليل أو النهار، وكان ذلك حوالي (1858م).

 

1- البوابة الذهبية (بابا الرحمة والتوبة):

وتقع في السور الشرقي، وهي من أقدم البوابات الباقية في القدس وهي مغلقة، وكان يؤدي إليها طريقٌ مُزدوج يقود الجنوبي منهما إلى بوابة تُعرَف باسم باب الرحمة، ويؤدي الشمالي إلى باب التوبة، ويعتقد بعضُ اليهود أنَّ السُّعداء من الناس سوف يدخلون الجنةَ عَبْر باب التوبة، بينما يأتي غير السعداء إلى عَدْن عبر باب الرحمة، ومن المسلمين مَن يعتقد أنَّ بابي الرحمة والتوبة أقيما تخليدًا لذكرى توبتي آدم وحواء حينما لم يطيعا أوامرَ الله في جنات عدن، وفي الوقت نفسه ذكرى رحمة الله بهما.

 

وتسمى البوابة الذهبية عند المسلمين ببوابة الأبدية ظنًّا منهم أنَّها ستفتح يوم القيامة، وأن المسلمين سوف يَمرُّون منها على الصراط إلى الجنة عبر وادي القدرون شرقي البوابة.

 

ولا يُعرَف على وجه التحديد الفترةَ التي شيدت فيها هذه البوابة، وإن كان واضحًا أنَّها قد جددت غير مرة في عهد "هيرود"، ثم في عهد "هرقل" عقب استعادة البيزنطيِّين المدينةَ من أيدي الفرس، ويقال: إنَّ الخليفة "عمر بن الخطاب" - رضي الله عنه - هو الذي أمر بإغلاق مدخلي هذه البوابة، فظلت مغلقة إلى اليوم، ولكن يبدو من تصميمها الشبيه بتصميم بعض أبواب الحرم القدسي أنَّها قد جُدِّدت خلال العصر الأموي، ويوجد عمودان كبيران داخل عمارة البوابة، ويعتقد بعضُ الناس أنَّ الملكة سبأ أحضرتهما للملك سليمان!


 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods00


بابا التوبة والرحمة


 

2- باب الأسباط:

ويقع في السور الشرقي من ناحية الشمال، وقد أنشأه السُّلطان العثماني "سليمان القانوني" سنة 945ﻫ (1539م)، ويُعرَف هذا الباب الذي يُعَدُّ من أبواب القدس القديمة بعِدَّة أسماء، فقد عرف قديمًا باسم باب القديس "استيفانوس"، ويعرف اليومَ أيضًا باسم (باب ستي مريم)، والباب عبارةٌ عن مدخلٍ شاهق متوج بعقد حجري مدبب، أمَّا فتحة الباب، فهي ذات عقد مُمتد، ويغلق عليها باب خشبي مصفح بالبرونز من مصراعَين، وبأعلى عقد الباب سقاطة حجرية بارزة عن سَمت السور؛ إذ تَحملها كوابيل حجرية بأسفلها فتحات لصب الزيت المغلي على المهاجمين، وذلك إضافةً إلى مزاغل للرُّماة المدافعين عن الباب، وقد وضع النص التأسيسي الخاص بهذا الباب في المسافة بين عقد الباب وعقد المدخل، وهي تَحوي كتابات بالعربية والتركية تشير إلى اسم السُّلطان "سليمان القانوني" وتاريخ البناء، وأيضًا اسم المشرف على عمارته (الحاج حسن آغا).

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods01


باب الأسباط


 

3 - باب العمود:

ويقع في السور الشمالي، وأيضًا أنشأه السلطان العثماني "سليمان القانوني"، سنة 944ﻫ /1538م، وهو أيضًا من أبواب القدس القديمة، ويُعْرَف باسم باب دمشق وباب النَّصر وباب شكيم، ويعتقد النصارى أنَّ المسيح قد صُلِبَ عند بوابة دمشق على التل المجاور لها، وأنَّه حين ذهب إلى مكان الصلب مَرَّ عبر بوابة دمشق، وقد قتل القديس "ستيفن" بعد ذلك بستِّ سنوات بالقُرب من هذه البوابة، ومِن ثَمَّ عرفت باسم بوابة "ستيفن".

 

وقد شيد "سليمان القانوني" هذا البابَ فوق الباب الرُّوماني القديم؛ حيث يبدو عقده في نهاية الخندق الذي يَعْبُر الناسُ قنطرةً تَمر فوقه للدُّخول من الباب، وتعد بوابة دمشق بمثابة المدخل الرئيس للقدس في العصر الحديث، وقد عرفت باسم باب العمود؛ لأنَّه كان بداخلها عمود خاص يقيس الرُّومان انطلاقًا منه مسافاتٍ بين القدس والمدن الأخرى، وقد اندثر الآن.

 

4- باب الساهرة:

ويقع في السور الشمالي للقدس، وقد أنشأه السُّلطان "سليمان القانوني" سنة 944هـ /1538م، وهذا الباب أيضًا من أبواب القدس القديمة، ويقال: إنَّه هو ذاته بوابة "هيرودس"، ويعرفها بعض الفلسطينيِّين باسم بوابة الزهر (تحريف للساهرة)، ولما كان الناس يجتمعون حول هذه البوابة، ومعهم أغنامهم؛ فقد أُطْلِقَ عليها في العصور القديمة اسمُ بوابة الغَنَم، وقد عرفت خلال الاحتلال الصليبي باسم باب هيرودس وباب مادلين، وباب "جب أرميا" أيضًا، ويتوج هذا البابَ عقدٌ حجري مدبب، بينما يعلو فتحة الباب عتب مسطح، ويغلق على هذه الفتحة بابٌ من مصراعين خشبيَّين صُفِّحَا بالنحاس، ويؤدي المدخل إلى دركات مُغطاةٍ بقبو مروحي، وهي تؤدي إلى ممر يتصل ببقية السور.

 

5 - باب الخليل:

ويقع في السور الغربي للمدينة، وأنشأه السُّلطان "سليمان القانوني"، عام 945ﻫ /1359م، وهو المعروف قديمًا باسم باب يافا، كما كان يعرف في العصور الوُسطى باسم باب محراب داود، وفي منتصف القرن التاسع عشر، وبعد أنْ أقيمت مساكنُ خارجَ السور الغربي للمدينة القديمة كانت بوابة يافا هي الوحيدة التي لا تغلق من الصباح إلى غروب الشمس، وكان يسمح لسُكان الضواحي بالدُّخول منها، وقد حرص اللورد "اللنبي" قائدُ الجيوش البريطانية التي دخلت فلسطين في عام 1917م على أنْ يدخلَ المدينة من هذا الباب بعد احتلاله للمدينة بيومين.

 

ويشبه باب الخليل أو باب حبرون بقيةَ الأبواب التي شيَّدها العثمانيون، فهو عبارة عن فتحة متوجة بعقد حجري مدبب، بداخلها فتحة المدخل التي جاءت على هيئة عقد مُمتد، ولهذا المدخل بابٌ من خشب مصفح بالنحاس مؤلف من مصراعين، وهو يُفضي إلى دركات بقبو مروحي، وتؤدي الدَّركاتُ إلى مدخل منكسر (باشورة)؛ لإعاقة المهاجمين وتقليل سُرعة اندفاعهم إلى داخل المدينة، وفوق عقد الباب سقاطة حجرية بأسفلها فتحات لصبِّ المواد المشتعلة على المهاجمين.

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods002


باب الخليل ويعرف بباب الغوانمة


 

6- باب النبي داود:

ويقع في السور الجنوبي للمدينة القديمة، وأنشأه السلطان "سليمان القانوني" عام (947ﻫ/1541م)، وتُعرَف هذه البوابة القديمة بهذا الاسم؛ لوجود قبر خارجَها يعتقد أنه للنبي داود، كما يُطلق عليها بوابة صِهْيَون؛ لأنَّ جبل داود المجاور لها يعرف بهذا الاسم أيضًا، ويَحتمل أن يكون قبرُ داود واقعًا أسفل الحجرة التي أقام فيها السيد المسيح لحواريِّيه العشاء الأخير، ولهذا الباب فتحة كبيرة مُتوَّجة بعقد حجري مُدبَّب بداخلها فتحة المدخل التي جاءت على هيئة عقد مسطح فوقه عقد عاتق؛ لتخفيف ثقل البناء عليه حتى لا ينفرط.

 

وللمدخل مصراعان من الخشب المصفَّح بالنحاس يغلقان عليه، ويؤدي المدخل إلى دركات مغطاة بقبو متقاطع في طرف منها مَمَر على هيئة منكسرة يؤدي إلى داخل السور.

 

وتوجد سقاطة حجريَّة محمولة على كوابيل بأعلى عقد المدخل، تُصَبُّ منها المواد المشتعلة على المهاجمين حال اقترابهم من الباب.

 

7- باب المغاربة:

ويقع في السور الجنوبي للقدس، ويعود تاريخُ إنشائه إلى عام 947ﻫ (1540م).

 

ويُسمَّى أيضًا باسم باب سلوان وباب الدباغة، وكان يعرف قديمًا باسم باب المغارة، أو باب القمامة (باب الدمن)، وتسمية الباب باسم باب المغاربة تعود إلى العصر الإسلامي؛ حيث اعتاد أهلُ المغرب الإقامةَ في حارةٍ قريبة من هذا الباب، وقد حلت مكان تسمية الباب باسم الزبل؛ إذ كانت الحيوانات تَمُرُّ عبر هذه البوابة حاملة السِّماد الطبيعي (فضلات الأنعام) من أورشليم؛ لتسمد بها حقول سلوان التي تقع أسفل البوابة.

 

ويَختلف هذا الباب عن غيره من أبواب السور العثماني، فهو عبارة عن فتحة مدخل يعلوها عتب مسطح فوقه عتب آخر زُيِّن أعلاه بعقد مُدبَّب، رُصِّت صنجاته على هيئة مخدات متلاصقة، ويرتكزُ هذا العقد على حجرين مربعين فوق عتب الباب، وداخل هذا العقد يوجد النصُّ التأسيسي للباب، ولا يُمكن رُؤية العتب الثاني إلاَّ من داخل الباب، وقد فقدت المصاريع الخشبية الخاصة بهذا الباب.

 

وإضافةً إلى هذه البوابات، فإنَّ هناك بواباتٍ مُغلقة منها بوابة عبدالحميد، وقد أغلقت؛ لأنَّها مُجاورة لمدينة القدس الجديدة الإسرائيلية، والباب الجديد في الركن الشمالي الغربي[4].

 

ثانيًا: القلعة:

تقع قلعة القُدس، في الجهة الشمالية الغربية للبَلْدَة القديمة، داخل باب الخليل، وهي تعدُّ من أهم معالم مدينة القدس، يطلق عليها اسم (القلعة) أو (قلعة باب الخليل)، ويُسمِّيها الصهاينة قلعة داود، وهو اسم حديث لها، أطلق عليها في أواخر العهد العثماني، من قبل جماعات غربيَّة، ولم يكن اختيارُ مكان القلعة اعتباطًا، فالقدس المحصَّنة بموانع طبيعيَّة من عدة جهات، تفتقر إلى ذلك في جهتها الشمالية الغربية.

 

والقلعة تُمثِّل نقطة الدفاع الرئيسة عن المدينة، وهي من القلاع القديمة، وقد عُنِيَ الرومان والبيزنطيون من بعدهم بتعميرها، وتعدُّ القلعة المهيبة نقطة التقاء بين بلدة القدس القديمة، والمدينة الحديثة التي تَمدَّدت خارجَ الأسوار، وأبرزُ معالِم القلعة هي مِئذنة مسجد القلعة، التي أضيفت في زمن السُّلطان سليمان القانوني، وتحديدًا في عام 1310م، وتتميَّز القلعة التي يُحيط بها خندقٌ كبير بأنَّها تطل على البلدة القديمة من أعلى نقطة في البلدة، ومنذ القرن الثاني قبل الميلاد والقلعة تقفُ بوَجْهِ الغُزاة مدافعةً عن القدس.

 

وبسبب أهميتها ولكونها رمزًا لمدينة القدس منذ مئات السنين، اهتم كلُّ حاكم بتحصينها، وتجديد بنائها؛ لكي يتفوق على من سَبَقه، وليجعلها مفخرة له.

 

ويوجد الآن في ساحة القلعة أقدم آثارها، وهي عبارة عن سور وبُرْجَين، والتي كوَّنتْ على ما يبدو حدَّ المدينة الغربيَّ في الفترة اليونانية.

 

وبعد الفتح الإسلامي للقدس سنة 638م اهتمَّ الفاتحون الجُدُد بالقلعة، وكشفت حفريات أجريت قبل سنوات عن قلعةٍ أصغرَ من الحاليَّة، ما زالت بقاياها تظهر في ساحة القلعة.

 

وتعود هذه القلعةُ الصَّغيرة إلى عهد الأُمَويين، واحتوت على أبراج دائرية، منها برج مستدير كان في زاويتها، وآثارُه ما تزال واضحةً في جنوب الساحة الداخليَّة للقلعة الحالية.

 

وظلت هذه القلعة موضعَ عناية المسلمين إلى أَنِ استولت القواتُ الصليبية على المدينة، وعَمَّرتها مرة أخرى؛ لتكون مقرًّا لإقامة القوى الضاربة في حرس المدينة، وهي بذلك تحتوي على أماكن للسكن والعبادة وعلى حواصل لتخزين المواد الغذائية والأسلحة أيضًا.

 

وبعد استرداد صلاح الدين لبيتِ المقدس عُنِيَ بترميم ما تَشَعَّتَ من بنائها أثناءَ القتال، واستمرت تؤدي وظيفتَها العسكرية في العهد الأيوبي، وقد ضَمَّت عددًا من الأبنية العامة، كأماكن سكن الجند والمسجد، جُدِّدت في العصر الأيوبي، وأضيف إليها عددٌ من الأبنية، فقد بنى الملك المعظم عيسى برجًا حربيًّا شديدَ المنعة، ويقع هذا البرج في وسطها في عام 610هـ/ 1213م، وتشير إلى ذلك كتابة موجودة على أحد جدرانه فوق حجر كلسي، هذا نصُّها: "بسم الله الرحمن الرحيم... لا إله إلا الله محمد رسول الله، عُمِلَ هذا البرجُ المبارك بأمر مولانا الملك المعظَّم شرف الدنيا والدين أبي المظفر عيسى ابن الملك العادل سيف أبي بكر محمد بن أيوب بن شادي، وتولَّى عمارتَه عزُّ الدين عمر ابن يغمور المعظمي في شهور سنة عَشْرٍ وستمائة، والحمد لله رب العالمين"، لقد كان عز الدين هذا متولِّيًا على القدس وينزل بالقلعة.

 

وقد اهتمَّ المماليكُ بأمر قلعة القدس، فجعلوا لها نائبًا تدق له الطبول مثلما تدقُّ للسلطان المملوكي في قلعة الجبل بالقاهرة، وشُيِّد بها مسجدٌ للجنود خلال عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون كما رُمِّمت أسوارها، وجدد مدخلها، وكان ذلك في عام 710ﻫ (1310م)، ومع تراجُع الخطر الصليبي ورحيل آخر القوات الغازية عن البلاد تَراخى اهتمامُ المماليك بالقلعة.

 

وقد حرص السُّلطان سليمان القانوني على ترميم القلعة في إطارِ خُطَّة لتدعيم دفاعات القدس، وزود مسجدها بمئذنة في عام (938ﻫ/1531م)، ومن أهم ما أضافه للقلعة المدخل الجميل للبوابة الشرقية، والتي وقف عليها الجنرالُ اللنبي عندما هزم العثمانيِّين ودخل القدس؛ ليُلقي كلمته والتي ختمها بالقول "الآن انتهت الحروب الصَّليبية".

 

ومن بين مآثر العثمانيين في هذه القلعة: إقامةُ المسجد المفتوح من الجهة الشرقية، والأهمُّ هو مئذنة مسجد القلعة، والتي تبرز في سَماء القدس فوق سور البَلْدَة القديمة من الجهة الغربية، والتي تعدُّ الآن من رموز القدس الإسلامية.

 

وفي عام 1065ﻫ (1655م) أجريت أعمالُ ترميم مُهِمة بالقلعة، وجُدِّدَ حائط الخندق في سنة 1144ﻫ (1731م).

وعقب احتلال إسرائيل للقُدس في عام 1967م قامت قُوَّات الاحتلال بالاستيلاء على قلعة القدس، واعتبرتها ثُكْنَةً عسكرية إسرائيلية.

وفي شهر (أبريل) 1989 تَمَّ افتتاحُ مُتحف تاريخ القدس فيها؛ تجسيدًا لسيطرة الاحتلال عليها.

...... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:47 am

.... تابع


تابع الآثار والمعالم الإسلامية في القدس



ومن أمثلة الزوايا:

(1) الزاوية الجراحية:

حَمَلَتْ هذا الاسمَ نسبةً إلى واقفِها الأمير حسام الدين حسين بن شرف الدين عيسى الجراحي، أحد قادة السُّلطان صلاح الدين، وقد توفي هذا الأمير ودُفِنَ في هذه الزاوية، يذكرُها مجير الدين الحنبلي، ويقول: "إنَّها بظاهر القدس من الجهة الشمالية، أوقف عليها الواقفُ أوقافًا ورتب لها الوظائف"، والزَّائر لهذه الزاوية اليوم يَجد على جدارها الغربيِّ من الخارج كتابةً تأتي على ذكر الحسين بن عيسى الجراحي، تتألف هذه الزَّاوية من فسحة سماوية يُحيط بها عددٌ من الغرف المختلفة في الحجم والمساحة والتسقيف، أكبر غُرَفِها غرفُ الضريح، وهي عبارة عن بناء مربع الشكل بسيط التكوين تعلوه قبة، بها محراب، أضيف إليها حديثًا بيتٌ للصلاة عام 1313هـ - 1895م، ويلحق بها مئذنة تقوم في الزاوية الشمالية الغربية[5].

 

(2) الزاوية الخُتَنِيَّة:

أنشأها صلاحُ الدين الأيوبي عام 587هـ/1991، وأوقفها على الشيخ جلال الدين أحمد بن محمد الشاش، تضُمُّ الزاوية مدرسة أيضًا، وقد طرأت تغييرات كثيرة عليها، وقد هددت الحفرياتُ الإسرائيليَّة هذه الزاوية بالسُّقوط لولا تدارُك الأوقاف الإسلامية الأمر، يشغلها اليوم مكتب تابع للجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك، يعدُّها البعضُ مدرسةً أحيانًا، وأحيانًا أخرى يعدونها زاوية، وكان لها وقف بالقرن العاشر عبارة عن دار بخط القطَّانين[6].

 

المدارس الدينية في القدس:

لقد كان في القدس منذ القديم مدارسُ دينية عديدة، من أهمها: المدرسة الصلاحيَّة، والمدرسة الأشرفيَّة، والمدرسة التنكزية، والمدرسة الميمونية، والمدرسة المعظَّمية، والمدرسة البدرية، والمدرسة الدوادارية، والمدرسة الموصلية، والمدرسة الكريمية، والمدرسة الجاولية، والمدرسة الخاتونية، وغيرها[7].

 

وسنقف عند بعض المدارس؛ لبيان دَوْرِها في نشر العلم، وكمعالم من معالم الإسلام والحضارة الإسلامية في مدينة القدس.

 

(1) المدرسة الصلاحية:

أنشأها السُّلطان صلاح الدين عام 583هـ/ 1187م، ووقفها عام 588هـ/ 1192م في الكنيسة المعروفة بكنيسة صند حنة (القديسة حنَّة)، وكرسها لتدريس الفقه الشافعي، وكانت هذه المدرسة تتمتَّع بمكانة عظيمة بوصفها مقرَّ المذهب الفقهي السائد في العصرين الأيوبي والمملوكي، وذلك بعد شرائها من أصحابِها، فيما يذكر البعض أنَّها أقيمت في مكان دير للرَّاهبات، هجر مع رحيل الإفرنج، وقد فَوَّض السلطان التدريسَ فيها إلى القاضي بهاء الدين بن شداد.

 

وقد ضربها عام 1237هـ/ 1821م زلزالٌ فخرَّبَها، ثم أعطاها العثمانيُّون إلى الفرنسيِّين عام 1273هـ/ 1856م؛ لوقوفهم إلى جانبهم في حرب القرم، فأعادها الفرنسيُّون مدرسةً وكنيسة.

 

وفي عام 1915 استردها العثمانيُّون، وجعلوها كليةً لتدريس العلوم الدينية عُرِفَت باسم كلية صلاح الدين الأيوبي، وظَلَّت كذلك حتى عام 1917 حين أخذ الإنجليز البلاد، فأعادوها إلى الآباء البيض، الذين أقاموا بها مدرسةً تضُمُّ اليوم مدرسة ومكتبة ومتحفًا وكنيسة، يوجد على مدخلها بلاطة تدشين تشير إلى إنشائها.

 

أوقف عليها صلاح الدين أراضيَ البقعة بظاهر القدس، وبركة ( ماملا) بظاهر القدس، والحمام المعروف بالبطرك بالقدس، والقبو والحوانيت المجارة له[8].

 

(2) المدرسة الأشرفية:

تقع هذه المدرسة بالقرب من الرِّواق الغربي للحرم الشريف، قريبًا من باب السلسلة، في شماله.

 

بُدِئ العمل بإنشائها مكان الأشرفية التي هدمها الملك الأشرف قايتباي؛ بسبب عَدَمِ إعجابه بها، وذلك في سنة 885هـ الموافق 1480م، واستمرَّ العمل فيها ثلاثَ سنوات، والمدرسة قسمان: قسم داخل المسجد الأقصى المبارك، والآخر خارجَه، والذي داخله عبارة عن طابقين: يستخدم الطابق الأرضي - الأول - كمقرٍّ لمكتبة المسجد الأقصى، والثاني متهدم السقف، وهو مسجد المدرسة، وانهدامه كان إثرَ زلزال سنة 1346هـ الموافق 1927م، وهو جميل البناء، واشتملت عناصرُه على صفوف الحجارة المشهرة "الملونة باللونين الأحمر والأبيض المتتالية، وامتازت بغناها بالعناصر المعمارية والزخرفية.

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods03


المدرسة الأشرفية


 

ووصفت المدرسة بالجوهرة الثالثة في الحرم الثالث" بعد قبة الصخرة المشرَّفة والمسجد الأقصى المبارك.

 

وأمَّا الأول (المكتبة اليوم)، فهي مُصَلَّى الحنابلة في المسجد الأقصى المبارك في أصله، ثم جعلت مخزنًا حتى سنة 1397هـ الموافق 1967م إلى حين نقل المكتبة إليه، وفي القسم الجنوبي منها قبر الشيخ الخليلي[9].

 

(3) - المدرسة التنكزيَّة:

أنشأ هذه المدرسة الأمير سيف الدين تنكز بن عبدالله الناصري، ووقفها في سنة (729هـ /1328م)، كما يبدو في نقشٍ كتابي كتب على واجهتها الخارجيَّة فوق الباب الشمالي.

 

والمدرسة التنكزية من المدارس الشهيرة في القدس، وهي تقع عند باب المسجد الأقصى المعروف بباب السلسلة، ومبناها الذي لا يزال قائمًا حتى اليوم يُقدِّم أفضلَ الأمثلة على المدرسة ذات التخطيط المتميز، في مدينة القدس، واجهة المدرسة الشمالية تطلُّ على ساحة صغيرة بباب السلسلة، وواجهتها الشرقية تطل على رِوَاق المسجد الأقصى، والواجهة الجنوبيَّة تشرف على حائط البُراق، والواجهة الغربية على المباني المجاورة لها.

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods04


المدرسة التنكزية


 

وقد تجلَّى الفن المعماري المملوكي بصورة رائعة في بناء المدرسة، الذي حفل بالزخارف والمقرنصات التي تزين بوابته العالية والأحجار الملونة، وقد وصفها "مجير الدين الحنبلي" في (الأنس الجليل) بأنَّها مدرسة عظيمة ليس في المدارس أتقن من بنائها"[10].

 

ووقف الأمير "تنكز" الأوقاف الكثيرة على مدرسته هذه، والتي تضُمُّ خانقاهًا، ودارًا للحديث، ودارًا للقرآن، ومدرسة، وقد قامت هذه المدرسة بدَورها في الحركة العلميَّة في بيت المقدس، وتولَّى مشيختها والتدريس بها عددٌ من العلماء، وكان بعضُهم يدرس بالمدرسة الصلاحية والمعظَّمية، وذلك إلى جانب التدريس بالتنكزية، ومنهم القاضي "علاء الدين بن منصور المقدسي" (ت748هـ)، والشيخ "صلاح الدين أبو سعيد العلائي" (ت761هـ)، والشيخ "شمس الدين بن النقيب" (ت877هـ)، وغيرهم.

 

وفي عام 1969م قامت السُّلطات الإسرائيليَّة باحتلالها والمرابطة فيها[11].

 

ومن أمثلة القباب:

يوجد في ساحة المسجد الأقصى - عدا قبة الصخرة - عَشْرُ قبابٍ تعدُّ من المعالم البارزة فيه، نذكر منها:

(1) قبة المعراج:

تقع في الجهة الشَّمالية الشرقية من قبة الصخرة، ولا يُعرَف مَن بناها ولا تاريخ إنشائها، وهي مؤلَّفة من قبة خشبية مغطاة بالرصاص، ترتكز على مجموعة من الأقواس المغلقة، وتأخذ شكل المثمَّن، تُزَيِّن أضلاعَ المثمَّن أعمدةٌ من الرخام يبلغ عددُها نحو ثلاثين عمودًا، كل أربعة منها معًا، ما عدا الجهة الجنوبيَّة، ففيها كل ثلاثة أعمدة معًا، ولمبنى القبة باب في الجهة الشمالية، ومحراب في الجهة الجنوبية.

 

جُدِّد بناءُ هذه القبة عام 597هـ - 1200م على يد الأمير عز الدين عثمان بن علي الزنجبيلي متولي القدس الشريف في عهد السُّلطان العادل أبي بكر بن أيوب، وقد أقيمت قبل ذلك تخليدًا لمعراج النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى السماء، وتُشير إلى إنشائها أو ترميمها كتابةٌ مَوجودة في كتاب "فان برشيم" في الكتاب الذي أصدره حول نقوش القدس[12].

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods05


قبة المعراج


 

(2) قبة السلسلة:

تقع هذه القبة شرقي قبة الصخرة المشرَّفة ومحاذية لها، أهميتها من الناحية الأثرية، وليست من الناحية الدِّينيَّة، شكلها سُداسي، ولذلك فهي ليست نموذجًا لقبة الصخرة كما يعتقد البعض؛ لأنَّ قبة الصخرة المشرفة ثُمانِيَّة الشكل، كما أنَّ قبة السلسلة مفتوحة الجوانب، بينما قبة الصخرة المشرفة مقفلة تمامًا، وعلاوة على ذلك فإنَّ شكل قبة السلسلة يختلف كليًّا عن شكل قبة الصخرة المشرفة.

 

رُمِّمَت قبةُ السلسلة مَرَّات عديدة كان آخرُها في القرن السادس عشر، وكانت النية تتجه إلى إعادة ترميمها في العهد الأردني عندما رُمِّمَت قبة الصخرة المشرفة خلال الفترة (1956 - 1967م) إلاَّ أنَّ الاحتلالَ الإسرائيلي للقُدس وقف حائلاً أمام ذلك.

 

وفي عام 1980 وَجَدت لجنة إعمار المسجد الأقصى والصخرة المشرفة أنَّ وضع قبة السلسلة أصبح سيئًا، فقامت بمسح وتوثيق المبنى عن الطبيعة، كما تَمَّ تدعيمُ الركائز المتداعية، وجرى فكُّ البلاط القيشاني الملون الذي كان في حالةٍ سيئة من الأسطح الداخليَّة للقبة والأقواس، وتم تنظيفُه وتخزينه من أجل إعادة تركيبه في المواقع نفسها، ووضعت لجنة الإعمار المخصصات المالية اللازمة؛ لإيقاف الخطر الذي يهدِّد هذا المعلم الأثري[13].

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods06


قبة السلسلة


 

(3) القبة النحوية:

يقع مبنى القبة النحوية في الجهة الجنوبية الغربية لقبة الصخرة المشرَّفة، أنشأها الملك المعظَّم عيسى الأيوبي عام 604هـ - 1207م، وكَرَّسَها لتدريس اللغة العربية وعلومِها، مع التركيز على علم النحو، ولذلك سُمِّيت بالمدرسة النحوية، كان لها في عهد الملك عيسى إمامًا وشيخًا، وتتَّسع إلى خمسة وعشرين طالبًا، وفي عام 608هـ أنشأ لها قبةً، ومن هنا سُمِّيت بالقبة النحوية، اتَّخذها المجلس الإسلامي الأعلى مؤخرًا مقرًّا لمكتبته، ثُمَّ اتَّخذت مقرًّا للمكتب المعماري الهندسي لإصلاح قبة الصخرة المشرفة، وهي الآن مكتب من مكاتب لجنة إعمار المسجد الأقصى.

 

يتألف البناء العائد للقبة من غرفتين وصالة، تعلوه قبة، يقع البناءُ على طرف الصخرة من جهة القبلة بانحراف إلى الغرب.

 

يُزيِّن بناءَ القبة كتابةٌ ذكرها "فان برشيم" تشير إلى بناءِ القُبَّة من قبل المعظم عيسى في التاريخ المذكور أعلاه على يد الأمير حسام قيماز والي بيت المقدس[14].

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods07


القبة النحوية


 

(4) قبة يوسف:

أنشأها صلاح الدين عام 587هـ/ 1191م، وجددت عام 1092هـ/ 1681م في العصر العثماني، وتشير الكتابة التدشينية الموجودة عليها إلى ذلك.

 

بناء القبة عبارة عن بناء مربع طول ضلعه يبلغ مترين، تعلوه قبة محمولة من الجانب الشمالي على عمودين جميلين، وهي مَفتوحة من جميع جهاتِها باستثناء الواجهة الجنوبية، التي هي عبارة عن جداريَّة محراب صغير، بأعلى بناء القُبَّة كتابتان: إحداها: تعود إلى العهد الأيوبي، أما الثانية فتعود إلى العهد العثماني وهي موجودةٌ داخلَ البناء.

 

ويعتقد أنَّها سُمِّيَت قبة يوسف نسبة إلى اسم يوسف، الذي هو "صلاح الدين" تقع إلى الجنوب من فناء الصَّخرة بين القبة النحوية ومنبر "برهان الدين" عليها كتابة هذا نصها:

"بسم الله الرحمن الرحيم وصلواته على محمد النبي وآله، أَمَرَ بعمارته وحفر الخندق مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، خادم الحرمين الشريفين وهذا البيت المقدس: أبو المظفر يوسف بن أيوب محي دولة أمير المؤمنين، أدام الله كيانَه ونَصَر أعلامه في أيام الأمير الكبير سيف الدين علي بن أحمد أعزَّه الله سنة سبع وثمانين وخمسمائة للهجرة النبوية"[15].

 

ومن أمثلة البيمارستانات:

(1) البيمارستان[16] الصلاحي:

أقامه السُّلطان صلاح الدين عام 583هـ/ 1187م؛ أي: عقب تَحرير القدس بقليل، وقد أوقف عليه أوقافًا كثيرة، وعيَّن له كبار الأطباء، وأصبح من أشهر البيمارستانات في تلك الفترة، كما افتتح مدرسةً للطب يتدرب الأطباء فيها.

 

كان البيمارستان مقسمًا عِدَّةَ قاعات خُصِّصَت كل قاعة لنوع من الأمراض على نحو ما هو مألوف في بيمارستانات ذلك العصر، تُغطِّي قاعاتِه سقوفٌ ذات أقبية متقاطعة أو سقوف برميليَّة.

 

تعرض البناءُ لزلزال عام 1458م، فتهدَّمت على أثره أجزاء كثيرة من البيمارستان، وهو اليوم عبارة عن مكان لسوق محلي[17].

 

ومن أمثلة الخوانق:

(1) الخانقاه[18] الصلاحية:

أنشأه السُّلطان صلاح الدين عام 583هـ/1187م في المقر السابق لبطريرك القدس المجاور لكنيسة القبر المقدس من الناحية الشمالية، وقد أوقفه السُّلطان على فقراء الصوفية من عرب وعجم، مقابلَ أن يشاركوا بتلاوة آي الذِّكر الحكيم في حفلات الذِّكر، وأن يقوموا بالدعاء للسلطان صاحب الحبس، كان لهذا الخانقاه دَوْرٌ في الحياة الفكرية بالقدس الشريف، وكانت مشيخته من الوظائف المهمَّة بالدولة الأيوبية، والخانقاه يضُمُّ مسجدًا وغرفًا للسكن ومرافق عامة، وقد تَابَعَ وظيفتَه في العهد المملوكي، كما تُشير بعضُ البقايا المعمارية فيها، وفي عام 820هـ/ 1417م أنشأ الشيخ برهان الدين بن غانم شيخها منارة لها، ويذكر الحنبلي عن الشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ عبدالله البغدادي أنَّه لَمَّا قصد الشيخ برهان الدين بن غانم بناء المنارة المذكورة شَقَّ ذلك على النصارى؛ لكونِها على كنيسة القيامة، فدفعوا للشيخ مالاً كثيرًا على أن يترك بناءَها فلم يقبل[19].

 

السُّبُل أو الأسبلة:

جمع مفرده: سبيل، ويقصد به المكان المعد لجمع الماء للسَّقي، وكانت تسمى في العصر الأيوبي (سقاية)، وكانت الأسبلة تحتوي على طابقين.

 

الأول: بئر محفورة في الأرض لتخزين مياه الأمطار، وأمَّا الطابق الثاني، فيرتفع عن سطح الأرض حَوَالَيْ مترٍ واحد وتوجد فيه المزملة لتوزيع الماء، وأسبلة المسجد الأقصى عديدة أهمُّها[20]:

(1) سبيل سليمان: يقع شمالي ساحات المسجد الأقصى المبارك، وعلى طرف مصطبة سليمان في جنوبها، يعود إنشاؤه إلى عهد السُّلطان سليمان القانوني، في سنة 943هـ الموافق 1536م، وباسمه دُعِي، دعاه صاحب كتاب (كنوز القدس) باسم سبيل السِّلسلة وسبيل العتم.

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods08


سبيل سليمان


 

(2) سبيل قايتباي:

يقع هذا السبيل في طرف مصطبة قايتباي الشمالي، وهما واقعان ما بين باب المطهرة وطرف صحن الصخرة.

 

أنشأ السبيل الملك الأشرف "قايتباي" مكانَ سبيلٍ متهدم، في سنة 887هـ الموافق 1482م، ودُعِي باسمه، عليه شريط كتابي منقوش، ويحمل اسم بانيه والسنة التي أنشئ فيها، وامتازت قبته بزخارف نباتية جميلة، جدده العثمانيون سنة 1330هـ الموافق 1882م.

 

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Kods09


سبيل قايتباي


 

والسبيل بناءٌ عظيم، مرتفع وجميل، دخلت فيه فنون العمارة، وزانته زخرفتها، وجملته الحجارة الملونة الدَّاخلة في بنائه، فأتى بقدر عليٍّ وأهمية بالغة، حتى قيل: إنَّها الوحيدة من نوعها في فلسطين قاطبة.

 

والسبيل عامر في أيامنا، يستفاد من مياهه المثلَّجَة عن طريق ثلاجة وضعت داخله، تعمل طيلة ساعات النهار في فصول السنة الثلاثة عدا الشتاء[21].

 

والآثارُ والمعالم الإسلامية كثيرة وعديدة لا يتَّسِع المقام في هذا البحث لحصرها، وإنَّما ذكرنا منها شواهدَ تَخدم قضيتنا، وهي أنَّ هذه المعالم الأثرية ستبقى شاهدًا آخر، وأفقًا من آفاق التحدي يضاف إلى التاريخ والجغرافيا والدين يصرخ في ضمير العالم؛ ليؤكد عروبة القدس، وأنَّ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية كانت ولا تزال أنسبَ حضارة لهذه المدينة التي هي رمزٌ للوحدة الدينية.

 

وأخيرًا: فإنَّ القدس تعدُّ مدرسةً للفن المعماري الإسلامي تُغطي مرحلةً ليست قصيرة من العصور الإسلامية، ابتداءً بالأمويين، ثُمَّ العباسيين والفاطميين والأيوبيِّين والمماليك والعثمانيين، ويَجب ألاَّ يسمح العالَم المُتَمدِّن للإسرائيليين بتغيير معالم المدينة، وطمس هذه الحضارة الإنسانية.

 

لقد أصبح التُّراث المعماري الإسلامي في القدس مُهَدَّدًا بالخطر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يَألُ جهدًا بالضَّغط على السكان العرب؛ لتفريغ المدينة منهم واستبدال سكان غرباءَ عنها بهم، بعد هدم الأبنية العربية التاريخية الأثرية الغنيَّة بفن العمارة الإسلامية، وإنشاء عمارات جديدة لا تَمُتُّ بصلة إلى البيئة أو المجتمع، وفي ذلك اعتداءٌ على التاريخ والإنسانية والثقافة والفنون، ولإيقاف هذا الخطر في سبيلِ الحفاظ على هذا التُّراث العربي الإسلامي للمدينة العربية يَجب مَسْحُ وتوثيقُ كامل أبنية المدينة المقدسة، واعتماد خطة واسعة فنية ومالية للترميم والصيانة، وتأمين الجهاز الفني ذي الخبرة في هذا المضمار بعد أنْ تَمَّ تسجيل المدينة المقدسة في اليونسكو عام 1982م ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر[22].


 

وللحديث بقية، فإلى حلقة أخرى قادمة إن شاء الله تعالى.

 



ـــــــــــــــــــ

[1] د. أحمد الصاوي: "القدس مقدسات لا تُمحى وآثار تتحدى"، ص 168 - 170.


[2] بهنسي عفيف: "في دراسات بتاريخ فلسطين"، م1 - ص 133، العارف في المفصل، ص 180 - 181.
[3] د. أحمد الصاوي: "القدس مقدسات لا تمحى وآثار تتحدى"، ص 170 - 180.
[4] انظر: د. أحمد الصاوي: "القدس مقدسات لا تمحى وآثار تتحدى"، ص 168 – 178.
[5] د. شوقي شعث: "التراث المعماري في القدس الشريف بالعهد الأيوبي ووسائل صيانته وترميمه"، مقال منشور بشبكة المدهش الإلكترونية.
[size][size]
[6] العارف في "المفصل"، ص 178 - 179، الحنبلي: المصدر السابق، جـ2 - ص 47.
[/size]
[/size]
[7] عبدالله نجيب سالم: "المجد المنيف للقدس الشريف"، نشر ملتقى أهل الحديث، منقول عن: موقع شبكة رنيم الإلكتروني، ص171.
[size][size]
[8] نجم: "كنوز القدس"، ص 100، العارف في "المفصل"، ص 180.
[/size]
[/size]
[9] أحمد فتحي خليفة: "دليل أولى القبلتين"، مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، فلسطين 2001م، ص31.
[size][size]
[10] مجير الدين الحنبلي: "الأنس الجليل"، (2/35).
[/size]
[/size]
[11] جمعية إحياء التراث الإسلامي، لجنة العالم العربي: "القدس لنا"، إصدار بمناسبة أسبوع الأقصى الثاني، من 4 - 10 نوفمبر 2000م، ص 26 - 27.
[size][size]
[12] رائف نجم: "الإعمار الهاشمي في القدس"، ص 47.
[13] انظر: رائف نجم: "الإعمار الهاشمي في القدس"، ص 47.
[/size]
[/size]
[14] عفيف بهنسي: "المنشآت الأثرية في الحرم الشريف: تاريخ إنشائها وتجديدها في دراسات في تاريخ وآثار فلسطين"، ص 128، رائف نجم: "الإعمار الهاشمي"، ص 50، "كنوز القدس"، ص 101، د. شوقي شعث: "التراث المعماري في القدس الشريف بالعهد الأيوبي ووسائل صيانته وترميمه"، مقال منشور بشبكة المدهش الإلكترونية.
[size][size]
[15] كامل العسلي: "معاهد القدس"، ص 100 - 103.
[/size]
[/size]
[16] البيمارستان معناه: دار المرضى، أو ما يطلق عليه في عصرنا (مستشفى)، والكلمة مُعَرَّبة؛ "تاج العروس"، (16/500).
[size][size]
[17] العارف في "المفصل"، ص 175، رائف نجم في "كنوز القدس"، ص 71 - 72، وكذلك انظر ما ورد في الهامش رقم 26.
[/size]
[/size]
[18] الخانقاه: هو رباط الصُّوفية ومتعبدهم، والكلمة أصلها فارسي (خانه كاه)، انظر: الزبيدي: "تاج العروس"، (36/374)، ط/ دار الهداية، تحقيق: مجموعة من المحققين.
[19] دونالد ليتل: "القدس تحت حكم الأيوبيين والمماليك"، (1187 - 1516)، في القدس في التاريخ، عمان، 1992، عرَّبه د. كامل العسلي: "معاهد العلم في بيت المقدس"، 1981م، ص 207، رائف نجم:"كنوز القدس"، ص 92، الحنبلي في "الأنس الجليل"، جـ2 - ص 49.
[20] عبدالله نجيب سالم: "المجد المنيف للقدس الشريف"، نشر ملتقى أهل الحديث، منقول عن: موقع شبكة رنيم الإلكتروني، ص162.
[size][size]
[21] أحمد فتحي خليفة: "دليل أولى القبلتين"، مرجع سابق، ص72.
[22] رائف يوسف نجم: "الإعمار الهاشمي في القدس"، دار البيرق، عمان، 1994م، ص 38.
[/size]

[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:53 am

مخططات السيطرة على أرض الأقصى قديمًا وحديثًا



لا تعد الهجمة الصهيونية الحالية الأولى التي تتعرض لها مدينة القدس، فقد تعرضت لعشرات الهجمات من الشرق (التتار قديمًا)، ومن الغرب (الصليبيين قديمًا، والاحتلال البريطاني في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين).
 
فبالعودة إلى تاريخ القدس والمسجد الأقصى، نجد أنه في عام 1109م، وقعت القدس في قبضة الصليبيين، واستطاع الناصر صلاح الدين أن يحررها عام (583هـ / 1187م)، ثم قامت صراعات محلية في بلاد الشام بعد حملات التتار، أدت إلى تخريب القدس عام 1265م، ولكن دولة المماليك التي حكمت مصر والشام، تمكنت من الحفاظ على القدس عربية إسلامية حتى مطلع القرن السادس الميلادي، وخاصة المحافظة على الأماكن المقدسة ببناء القلاع في ساحة المسجد الأقصى، والمدارس الإسلامية، وشبكات المياه العذبة، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد السكان العرب والمسلمين.
 
ويُذكَر أن دولة المماليك استطاعت عبر حُكامها الأقوياء أن تقضي على الخطر المغولي بدحر المغول في موقعة عين جالوت في الشام عام 658هـ، ثم أنهوا بقايا الصليبيين في بلاد الشام على يد الظاهر بيبرس، ثم سيف الدين بن قلاوون، ثم ابنه الأشرف خليل بن قلاوون الذي أسقط مملكة عكا عام (690هـ / 1291م)[1].
 
وقد استمر الحكم الإسلامي لفلسطين والقدس تحت سيادة دولة الخلافة العثمانية التي صانت فلسطين، واستمرت في رعاية المقدسات في القدس، وحمايتها من أطماع اليهود، منذ سيطرتهم على الشام عام 1516م، حتى فرض الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1917م، وعمومًا استمر الحكم الإسلامي لفلسطين نحو 1200سنة، وكان المسلمون مثالاً في التسامح الديني وحماية المقدسات للأديان في القدس خاصة، وسائر أنحاء فلسطين [2].
 
لقد كانت القدس والمسجد الأقصى بالنسبة للدولة العثمانية يَعنيان الكثير، لا لاعتبارات دينية فحسب، وإنما لاعتبارات إستراتيجية وسياسية واقتصادية، فمن أجل ذلك شعرت الحركة الصهيونية باحتمال مقاومة السلطات العثمانية التي لم يكن أن تنظر بعين العطف إلى مجتمع غريب يقام على جزء مهم من أراضي الدولة العثمانية لإنشاء وطن يهودي [3].
 
زار هرتزل الأستانة في يونيو عام 1896م، واجتمع بالرجال المؤثرين في البلاط العثماني، وقد جاء حاملاً عرضًا مغريًا للسلطان العثماني، يتضمن عشرين مليون ليرة تركية، منها مليونان مقابل فلسطين، وبالثمانية عشرة ميلونًا تتحرر تركيا من بعثة الحماية الأوروبية التي تتحكم في سياساتها المالية، ولكن جاء رد السلطان عبدالحميد الثاني صاعقةً عليه، ووَفقًا لما ذكره هرتزل في مذكراته، قال السلطان: "لا أقدر أن أبيع قدمًا واحدًا من البلاد؛ لأنها ليست لي، بل لشعبي، ولقد حصل أبناء شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم، وقد غذوها فيما بعد بدمائهم، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا...، الإمبراطورية التركية ليست لي، وإنما للشعب التركي - (يقصد المسلمين الذين تحكمهم الخلافة) - لا أستطيع أبدًا أن أعطي أحدًا أي جزء منها، ليحتفظ اليهود ببلايينهم، فإذا قسمت الإمبراطورية، فقد يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل، إنما لن تقسم إلا جثثنا، ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان" [4].
 
حاول هرتزل ثانية تغيير العرض، فحافظ على المبلغ المالي المعروض، في مقابل عدم حصول اليهود على دولة مستقلة في فلسطين، وإنما يصدر السلطان العثماني "دعوة كريمة إلى اليهود للعودة إلى أرض آبائهم، وسيكون لهذه الدعوة قوة القانون، وتُبَلَّغ بها الدول مسبقًا"، ولكن السلطان أصر على الرفض التام[5].
 
فلجأ هرتزل إلى طريق مُلتوٍ من تحت الأرض؛ حيث تكونت جمعية الاستعمار اليهودي التي توسعت في شراء الأراضي بأساليب غير قانونية، معتمدة على شراء مساحات شاسعة من الإقطاعيين اللبنانيين، وبأسلوب الرشوة مع بعض موظفي الإدارة التركية في فلسطين؛ كي يتغاضوا عن عملية الشراء، وكانوا يتفاوضون مع عائلة لبنانية أرثوذكسية (من الروم)، يمتلكون حوالي 3 % من أرض فلسطين، وهو ما يعادل زمام (97) قرية فلسطينية، وكان أفراد العائلة يعيشون في باريس، يُضيِّعون أموالهم على موائد القمار، وتَم الشراء بحوالي سبعة ملايين فرنك [6].
 
وهذا رد واضح على مَن يتهمون الفلسطينيين ببيع أراضيهم إلى اليهود مسبقًا.
إن السلطان عبدالحميد الثاني كان يميز بين اليهود والصهاينة، فقد عامل اليهود معاملة حسنة، وأنعم على زعماء طوائفها في مصر بالأوسمة، بينما كان شديد الحذر من الصهاينة، وهذا نابع من فهمه للإسلام الذي يعدل بين أهل الكتاب، إلا أن اليهود في الدولة العثمانية كانوا شديدي التحالف مع الصهاينة[7]، فلم يكف حاخامات اليهود المقيمين في بلدان الدولة العثمانية على الدعوة إلى هجرة اليهود إلى فلسطين واستيطانها، وكانت توجد في القسطنطينية جمعية تُدعى: "جمعية موظفي فلسطين في القسطنطينية"، وقد موَّلت عمليات الهجرة وشجَّعت عليها، وانتشر مبعوثو هذه الجمعية في الدولة العثمانية من أجل هذا الهدف، وكان كثير من اليهود المهاجرين إلى فلسطين من يهود تركيا واليونان، وذلك خلال القرن الثامن عشر [8].
 
وكانت هناك خطة منظمة قام بوضعها شخص يهودي يدعى "مونتفيري" في القرن التاسع عشر، تضمنت تنظيم رحلات جماعية إلى فلسطين لإقامة أحياء يهودية عام 1827هـ، وبناء 27 مستعمرة يهودية بدءًا من العام 1843م، وقام بإجراء أول إحصاء لليهود في القدس عام 1839م [9].
 
وهذا يعني أن فلسطين - كوطن قومي - كان في نفسية اليهود قبل حركة هرتزل، لدوافع دينية واستيطانية، وجاءت الصهيونية لتؤكد هذا المنحى من خلال "هرتزل".
 
وشهدت فلسطين نشاطًا ضخمًا للاستيطان والهجرة خلال القرن التاسع عشر، ثم القرن العشرين، وتوالَى إنشاء المدارس والمستشفيات في أوساط المستوطنين في نفس الوقت الذي كانت الحركة اليهودية في تركيا تتأسَّس وتقوى بعد نجاح ثورة تركيا الفتاة، وفضَّل اليهود البقاء في القسطنطينية من أجل دعم اليهود في فلسطين، وعمِلوا على تأسيس الصحف المؤيدة لهم، وظهرت دعوة في أوساطهم لمزيد من الاندماج في المجتمع التركي، حتى يقوى نفوذهم [10]؛ مما يدل على التحالف الوثيق بين يهود تركيا وصهيوني فلسطين.
 
ودليل آخر على هذا التحالف أن أعضاء جمعية الاتحاد والترقي التركية، وحركة "تركيا الفتاة"، كانوا من أصول يهودية رغم اعتناقهم الإسلام ظاهريًّا، وهؤلاء كان لهم الأثر الأكبر في خلع السلطان عبدالحميد الثاني عن الحكم، ثم إلغاء الخلافة كلها[11]، وتحويل تركيا إلى دولة شديدة الغلو في العلمانية.
 
وهذا لم يمنع الدولة العثمانية بعد ذلك من مقاومة الوجود اليهودي في فلسطين، فخلال ما يسمى الثورة العربية الكبرى التي تزعمها الشريف الحسين بن علي (1916م) ضد الخلافة العثمانية، وبتحريض من بريطانيا - لم ترضَ الإدارة العثمانية المحلية في فلسطين أن يستغل اليهود هذه الثورة من أجل تثبيت ملكهم في فلسطين؛ حيث أبعدَ "جمال باشا" الحاكم العثماني اليهودَ في القدس عن المدينة، وألقوا القبض على عصابة يهودية تجسُّسية، وعلموا منها قدرًا كبيرًا من المعلومات والخطط التي أعدها اليهود لفلسطين [12].
 
وقد ظهر خلال الثورة العربية الكبرى مدى البعد الديني المتأثر بالصهيونية لدى "لويد جورج" رئيس الوزراء البريطاني؛ حيث أعلن بعد سقوط القدس في أيدي البريطانيين - وذلك في احتفالات عيد الميلاد - ما نصه:" قُمنا بتحرير أقدس مدينة في العالم "، وكتب بعد ذلك: "لقد تمكن العالم المسيحي من استرداد أماكنه المقدسة" [13].
 
وقد اعترف اليهود فيما بعد أنهم نفذوا "خطة داليت" لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتبعًا لما ورد في هذه الخطة، فإن القرى الفلسطينية التي قاومت العملية يجب تدميرها وطرد سكانها خارج حدود الدولة اليهودية، وكذلك المدن الفلسطينية، وكشف باحث يهودي يُدعى "بيني موريس" عن وثيقة مؤرخة في يونيو 1948م، أعدَّها قسم الاستخبارات اليهودية في الجيش اليهودي - توضِّح أن الرحيل الجماعي للعائلات الفلسطينية كان بسبب العمليات الحربية العدائية اليهودية، وما قامت به عصابات "الأرغون" التابعة لمناحم بيغين، وقد تَم ارتكاب حوالي (34) مجزرة خلال حرب (1948م)، بِمَدَنيين فلسطينيين أثناء عملية التهجير، وأشهرها مذبحة (دير ياسين)، وقد اعترفت إسرائيل فيها بمقتل (254) من الرجال والنساء والأطفال [14].
 
لقد أثبتت الأيام صحة المرويات العربية عن مذابح اليهود ضد المدنيين العُزَّل، وظهر الآن تيار جديد في إسرائيل يُدعى "المؤرخون الجدد"، وهم يُعيدون تقويم الدولة أخلاقيًّا وتاريخيًّا، ويتماشون مع نتائج أبحاث علماء الآثار الذين نفوا أي وجود دائم لليهود في فلسطين، ولم يَعثروا على أي أثر مادي يَنِمُّ عن الهيكل أو غيره، وبذلك تسقط شرعية الدولة علميًّا وتاريخيًّا، وتصبح أساطيرها وادِّعاءاتها على المحك.




[1] فلسطين: دراسات منهجية في القضية الفلسطينية؛ د. محسن محمد صالح، منشورات: مركز الإعلام العربي، القاهرة، ط1 / 1424 هـ، 2003م، ص24، 25.
[2] السابق، ص25.

[3] انظر:موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، م س، ص118.
[4] المرجع السابق، ص122، وفقًا لما ذكره هرتزل في يومياته.
[5] المرجع السابق، ص123.
[6] موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص124.
[7] انظر: المرجع السابق، ص310.
[8] اليهود في البلدان الإسلامية، (1850 – 1950م)، صموئيل أتينجر، ترجمة: د.جمال أحمد الرفاعي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1995م، ص 263.
[size]
[9] حاضر العالم الإسلامي: الآلام والآمال؛ د. توفيق الواعي، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، ط1،1421هـ، 2000م، ص123، 124.
[/size]
[10] انظر: موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية، ص268، 269.
[11] راجع: السابق، ص311، وما بعدها، والمعروف أن هاتين الحركتين كانتا على صلات وثيقة بالحركة الماسونية في أوروبا، وقد كان جلُّ المجموعة التي قدمت إقالة السلطان عبدالحميد الثاني عام 1908 من اليهود، ويذكر أن يهود الدونمة في تركيا لعِبوا دورًا مؤثرًا للغاية في النواحي المالية والسياسية، وكانوا وراء الاضطرابات الكثيرة التي نادت بسقوط السلطان عبد الحميدالثاني، راجع الكتاب ص 314.
[12] سلام ما بعده سلام: ولادة الشرق الأوسط (1914 – 1922)؛ دافيد فرومكين، ترجمة: أسعد كامل إلياس، منشورات: رياض الريس، لندن - قبرص، ط1، 1992م، ص344، 345.
[size]
[13] سلام ما بعده سلام، م س، ص349.
[14] راجع: فلسطين: دراسات منهجية في القضية الفلسطينية، م س، ص104.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:54 am

المسجد الأقصى

والانحراف عن الطريق



كثيرًا ما نُفرِّط في أمر الاعتقاد ونقول دعونا من تصحيح الإيمان، المسلمون ُيذبحون وأنتم تجلسون في المساجد وتقولون للناس قولوا لا إله إلا الله، المسلمون تستباح أعراضهم وأنتم تقولون للناس لا تنذر إلا لله، ولا تدع إلا الله، ويقولون نريد أن نجمع كلمة المسلمين وأن نوحد صفهم، وأن نواجه عدوهم، فهذه أموال المسلمين يتحكم فيها الكفار، لا بد أن ننبه المسلمين لينتزعوها حتى لا يتقوى بها عدوهم، ليس هذا هو طريق المسجد الأقصى، ولا هو طريق عز المسلمين، ولا طريق عودة مجدهم، ولا طريق التمكين لهم؛ لأن المسلمين ما انتصروا في يوم من الأيام بعدد وفير، ولا بعُده كثيرة إنما النصر من عند الله رب العالمين، ينصر من يشاء، وينبغي أن نتساءل عن كل بقعة أصاب المسلمين فيها ذل فسفكت دماؤهم واستبيحت أموالهم، وهتكت أعراضهم، وشردوا من ديارهم، هل أصاب المسلمين الذل والهوان أولًا؟ أم أنهم تركوا التمسك بدينهم وإيمانهم أولًا؟!!
 
إنه مما لا شك فيه ولا مراء أنهم إنما تركوا دينهم وإيمانهم أولًا، ثم نتذكر أن الله عز وجل قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ ، فلماذا نريد أن يغير الله عز وجل واقعنا من ذل إلى عز، ومن هزيمة إلى نصر بغير أن نغير من أنفسنا من معاصي وشركيات ومخالفات إلى طاعة وتوحيد وإيمان، لا بد أولًا أن نعرف الله رب العالمين، لا بد أن نعلم أن رب العزة ينـزل إلى السماء الدنيا إذا بقي ثلث الليل في كل ليلة وينادي: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فهل غلبنا شهوة النوم وقمنا نصلي لله بجباه ساجدة، وبأعين دامعة، نضرع إلى رب العالمين نسأله النصر والتمكين، هل تغلبنا على شهوة النوم، فقمنا استجابة لله وهو ينادينا من يسألني.. من يدعوني، أم غلبتنا شهوة النوم فنحن في نوم عميق؟!!
 
إن للنصر أسبابًا وضعها رب العزة سبحانه، وأهم أسباب النصر:
1- الإيمان.
2- الدعاء.
3- توحيد الله ومعرفته.
4- القيام بأوامره.
 
مثال صارخ:
في رجب من سنة 1388 الموافق سبتمبر سنة 1968 انعقد المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بالقاهرة من أجل مؤازرة الكفاح ضد إسرائيل وقد قال أمين المجمع: قدم الأعضاء لمجمع البحوث إنتاجًا علميًا جليل القدر عظيم النفع يرتبط أوثق الارتباط بالحياة العلمية والعملية للمسلمين.
 
وقد شهد المجمع اثنان وثمانون من العلماء أعضاء المجمع ومن الممثلين للإسلام في بلاد الدنيا، وقدم أحد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية كلمة عنوانها: مكانة بيت المقدس في الإسلام، قال في آخرها:
كيف تقابلون وجه الله يوم القيامة؟ وهل تتركون الكعبة المشرفة وقبر الرسول صل الله عليه وسلم عرضة للغزو والدمار؟ يا سيدي يا رسول الله يا أبا القاسم، إني أتوجه إليك في هذه الساعة الحرجة من تاريخ أمتك، وقلبي يقطر دمًا، أغثنا يا رسول الله، املأ قلوبنا بالإيمان وحِّد صفوفنا، إنا نبايعك على أرواحنا وأولادنا وأموالنا، إن مسراك ومعراجك وقبلتك الأولى، ومساجد يذكر فيها اسم الله واسمك تشكو وتستغيث:
على قبة المعراج والصخرة التي القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Space

تفاخر ما في الأرض من صخرات القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Space

مدارس آيات خلت من تلاوة القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Space

ومنزل وحي مقفر العرصات القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Space
 
فشد عزائمنا يا رسول الله، إنا نريد أن نموت ليعلو اسم الله ولترفع تكبيرات المؤمنين على المآذن بـ (الله أكبر... الله أكبر).
 
يا أبا القاسم يا رسول الله، أغثنا لا تتخل عنا فنحن لن نتخلى عنك قدنا إلى الجهاد، خير لنا أن نموت دفاعًا عن مقدساتنا وأعراضنا وأوطاننا التي انتهكت من أن نحيا عبيدًا أذلاء:
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]. ا. هـ.
 
انظر إلى هذه الكلمة من هذا العضو في مجمع علمي، وتدبر كيف يكون النصر. شهد هذه الكلمات علماء الأزهر وشيخه ووفود بالمئات وهو يدعو من دون الله دعاء هو عين الشرك الأكبر الذي بعث الله الرسل للقضاء عليه، فهل يعود بيت المقدس بذلك، وإن عاد أفتكون عودته للإسلام والمسلمين أم أنها للشرك الصريح. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
نعلم إخوة الإسلام أن النصر لا يكون إلا بالأيدي المتوضئة وبالجباه الساجدة وبالإيمان القويم بالذين يعلمون أن الرزاق هو الله: تذكروا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته" فالنصر رزق عزيز من الله الرزاق ذي القوة المتين، لا شك إنه ليس إلا عند الله رب العالمين، وقد استبطأنا النصر أن يأتينا وإن كان ذلك العمر الذي وقعت فيه الهزيمة في عرف الزمان قليل لكننا قد استبطأناه، والنبي صل الله عليه وسلم يقول: "ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله".
 
فلا بد أن تتجمع الوفود تحت كلمة الله لا تحت تراب نتداعى إليه ولا تحت شعارات ليس لها في الإسلام من نصيب. لو عاد المسجد الأقصى بهذا فكأنه ما عاد، بل قد بقي سليبًا، ونتذكر مرة أخرى أن الله أنـزل: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [سورة الفتح]، ولم يكن المسجد الأقصى يومها من ديار المسلمين ولا تحت سيطرتهم ولا دخل إلا والمسلمون في عز وتمكين، فو الله إني لأعجب من عمر والذي فتح الله له بيت المقدس وغيره من البلاد يرسل إليه عمرو بن العاص رسالة يطلب فيها أن يركب المسلمين البحر ليغزو بلاد الكفر فيما وراء البحر فيرسل عمر إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله صف لي البحر، هذا عمر خليفة المسلمين لا يعرف البحر، نعم إنه لا ينتصر بمعرفة البحار، إنما ينتصر بمعرفة الله رب البحار رب السماوات والأرض وما فيهن، فعمر إن كان لا يعرف البحر، فإنه يعرف رب البحر، إنما ينتصر بمعرفة رب العالمين يسجد له، يعرف أن النصر ليس إلا من عند الله فهو يصلي له ويعبده يعلم أن رب العالمين سبحانه وتعالى ينصر الجند بالإسلام ينصر الجند بالإيمان وبالتقوى ويعمل الصالحات.
 
قوة الإيمان:
إخوة الإسلام، إن رب العزة سبحانه وتعالى وعده حق وصدق، ولكن لا بد أن نحقق الشرط في أنفسنا فالنبي صل الله عليه وسلم يقول: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله،ولا تعجز.. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكن كذا وكذا، ولكن قل: قدر لله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان". هذا الحديث المبارك فيه إرشاد كريم وتعليم قويم، لكن ما هي القوة المطلوبة في هذا الحديث: المؤمن القوي، تعني القوي في إيمانه الذي يستعد بما استطاع من قوة مادية (قوة بدن، وعدد، وسلاح)؛ لأنها أمر من أوامر الدين، والإيمان لا لأنه ينتصر بقوة السلاح ولا لأنه ينتصر بالعدد والعدة، بل لأن النصر من عند الله ينصر رسله وينصر المؤمن، فالعدة الأساسية هي الإيمان.
 
إخوة الإسلام، اعلموا أنه لا يرجع بيت المقدس، ولا المسجد الأقصى إلا بجباه ساجدة، وقلوب موحدة، قلوب تعرف ربها فتلجأ إليه، وتضرع وتعلم أن العدة سبب، وأن العدد سبب، وأن الله إن شاء جاء بالنصر ولو مع قلة في هذه الأسباب، وإنما الذي علينا أن نعلم أن الله غني عن جهاد المجاهدين،و أن من جاهد فإنما يجاهد لنفسه، اقرأ قول الله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ﴾ [التوبة: 40]، واعلم أنها جاءت من الله تهديدًا للمسلمين إذا قعدوا عن الجهاد مع النبي صل الله عليه وسلم فالله ينصره. وكذلك الله ينصر الإسلام بنفسه، ولو قعدنا عن نصره، يعني: إن بقينا في معاصينا مخلدين وإن بقينا في غينا سادرين، وإن بقينا لا نعني بالتعرف على الله رب العالمين، إن بقينا نهجر التوحيد، ونهجر الطاعات، فإن رب العزة سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].
 
فالمسجد الأقصى عائد ولا بد، ولكن بيد من؟ بيد المتوضئين، بيد المصلين، بيد الموحدين؛ لأن النصر موعود الله لهم: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾ [النور: 55]، وهي مفسرة بالآية الأخرى: ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، الإسلام الذي بعث به الرسول صل الله عليه وسلم.
 
إخوة الإسلام، الجراح شديدة والآلام كثيرة، ولكنني أخاف على هذه الجراح أن تنسينا دعوة الإيمان، وأن نظن أن دعوة التجمع والوحدة ودعوة الإكثار من السلاح والعدد والعدة هي سبب النصر، وننسى أن نصر رب العالمين إنما يقع بالإيمان، أقول المقولة التي تنسب إلى بعض الكافرين:
• (ينتصر المسلمون ويفتحون بيت المقدس إذا ساوى عدد من يصلون الفجر الذين يصلون الجمعة).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 10:58 am

حريق المسجد الأقصى عام 1969م




في شهر أغسطس عام 1969م، حدث حريق المسجد الأقصى، الذي يعد الحلقة الأشد في مسلسل استهداف المسجد الأقصى، ومن المهم التوقف عنده بشكل تفصيلي، لمعرفة حجم الكارثة، ومدى التآمر اليهودي فيها.
 
فقد قام شاب استرالي الجنسية، مسيحي الديانة يدعى "دنيس مايكل روهان" على إحراق المسجد الأقصى في وضح النهار، بسكب مواد حارقة في أماكن متعددة في المسجد: القبة، منبر صلاح الدين، السلالم، وامتدت النيران إلى الأعمدة والمفروشات بسرعة، ولولا مسارعة العرب حول الأقصى بإطفاء الحريق، وحضور سيارت إطفاء من الخليل ورام الله، لقضى الحريق على المسجد بأكمله. خاصة أن سيارات الإطفاء الإسرائيلية وصلت بعد الحريق بساعة، في حين أن المسجد يقع في وسط المدينة. وعندما وصلوا لم يكن لديهم أجهزة إطفاء حديثة لمكافحة الحرائق ولا المواد الكيميائية المطفئة لهذا النوع من الحرائق وما أكثرها في إسرائيل! فاستعملوا وسائل الإطفاء العادية وهي خراطيم المياه.
 
لقد انتشى اليهود سعادة بعد سماعهم نبأ الحريق، وأسرعوا إلى ارتياد المسجد الأقصى شبانا وفتيات بالملابس الخلاعية، حيث أخذوا يرقصون ويلتقطون الصور. في حين ارتبكت السلطات اليهودية بادئ الأمر، حيث ادّعوا أن الحريق ناتج عن تفاعل الأسلاك الكهربائية في المسجد، وهو ما اتضح زيفه لأن الأسلاك معزولة تماماً طبقاً لتقارير هندسية، وأن المسجد به احتياطات فنية ضد كل حريق.
 
وتبين بعد ذلك حجم المهزلة التي صنعتها إسرائيل، وكيف أنها صاغت فصولًا من هذه الدراما المصنوعة من أجل إيهام العرب أنها بعيدة تماما عن هذا الفعل. فقد صرّح مفتي القدس الشيخ " سعد الدين العلمي " أن السلطات الإسرائيلية أخذت منه بالقوة مفتاح أحد أبواب المسجد، في فترة سابقة، وثبت بعد ذلك أن الفاعل " دنيس " دخل المسجد بفتح أحد أبوابه، كما أن تعدد أمكنة الحريق في المسجد، يدل على أن هناك أشخاصاً آخرين كان مشتركين في الحادث، وذكر شهود عيان أنهم خمسة وليس واحدًا.
 
وقد اشتدت ثورة العرب في القدس وما حولها، مما دفع السلطات الإسرائيلية أن تعلن أنها قبضت على الفاعل بعد سويعات من الحادث وكأنها كانت على علم مسبق به. وأعلنت الشرطة أن الفاعل مسيحي من استراليا، وأنه حضر إلى إسرائيل وأقام بها منذ خمسة أشهر في إحدى المستعمرات وهي مستعمرة "كيبوتس أولبان " التي تبعد أربعة وستين كيلومتراً إلى الشمال من تل أبيب، وأنه مختل عقلياً، ويعاني من هوس ديني بسبب تأثره بأفكار متشددة من بعض جماعات اليهود وتدعى كنيسة الله، وكان عمره ثمانية وعشرون عاما وقتئذ، وقد صرّح والده في استراليا أن ابنه لم يكن على علاقة بأي حزب أو جماعة دينية أو سياسية طيلة حياته. وفي المحاكمة تظاهر " دنيس " بالجنون، وراح يتحدث عن أشياء خيالية، وروايات دينية، وزعم أنه أحرق الأقصى تنفيذا لأمر من الله، وزعم أنه عضو نظامي في كنيسة الله منذ ثلاث سنوات، ويؤدي لها عشرة بالمئة من دخله المادي، وهي ضريبة توراتية، وراح يسرد روايات طويلة من التوراة عن قبائل إسرائيل العشر الموزعة الآن في العالم، وغيرها من الأساطير. رغم أن هذا الكلام يضاد ما ذكره السفير الاسترالي عن " دنيس "، وما ذكره والد دنيس عن ابنه. وقامت هيئة المحكمة بتحويل المتهم إلى أطباء نفسيين إسرائيليين، فأصدروا تقارير تثبت وجود حالة من الشذوذ النفسي والانحراف في شخصية دنيس (ازدواج شخصيته)، مما استدعى وضعه في إحدى المصحات للعلاج، وجاء حكم المحكمة بأن دنيس غير مذنب، ويوصى بوضعه في مستشفى للأمراض العقلية [1].




[1] راجع تفصيلا: حريق المسجد الأقصى، م س، ص38 - 45، ضمن روايات موثقة عن جرائد عربية وأجنبية، مثل: المحرر (بيروت)، الغارديان (بريطانيا)، الأهرام (القاهرة)، لوموند (باريس) وغيرها.








الاعتداء على المسجد الأقصى



أيها الناس: الحيدة عن منهج الله تعالى سبب للتخبط والضياع، وتعطيل شريعته عنوان الفشل والنزاع. والعرب أمة ما اجتمعت إلا في الإسلام، ولا يفرقها إلا تركه، ولا حلول لمشكلاتها إلا بشريعته. ولقد كان كافيا للأمة ما تجرعته خلال العقود الماضية من تجارب مخزية مرة، واستجلاب حلول مستوردة ما زادت المسلمين إلا ضعفا وذلا وتفرقا.
 
وقضية المسجد الأقصى هي القضية الفاضحة التي فضحت عجز المسلمين في هذا العصر عن حلها، وأبانت عن ذلهم وهوانهم على أعدائهم؛ إذ ظلوا نصف قرن وزيادة ألعوبة بين الدول الكبرى، والمنظمات الأممية، يتقاذفون قضيتهم كما يتقاذف الصبيان كرتهم!! وفي هذه الأيام يضج العالم الإسلامي، وتحذر دوله ومنظماته من مساس اليهود بالمسجد الأقصى وقد بدأت جرافاتهم تعمل عملها في محيطه؛ إذ يشهد جسر باب المغاربة القريب من حائط البراق بالمسجد الأقصى المبارك عمليات هدم وتغيير، ويذكر أن الهدف الحقيقي من هذه العملية اليهودية هو بناء كنيس داخل الحائط الغربي للمسجد، بما يعني تحويل مسجد البراق إلى كنيس للمصليات اليهوديات.وليس هذا هو الاعتداء الأول على المسجد الأقصى؛ إذ سبقه اعتداءات كثيرة منذ الاحتلال هدفها النهائي: هدم مسجد المسلمين الذي أسس على التوحيد، وصلى فيه كل الأنبياء عليهم السلام، وتحويله إلى هيكل يهودي يبنى على الشعائر الشركية، والنبوءات الخرافية.
 
والدولة اليهودية الصهيونية ما زرعت في فلسطين إلا لأجل هذا الهدف الذي يلتقي عليه صهاينة اليهود مع صهاينة النصارى، وأذيبت في سبيله الخلافات التاريخية، والنزاعات الدينية بين الأمتين الضالتين: اليهود والنصارى.

إن الأرض المباركة في الشام التي بوركت بالمسجد الأقصى لها تاريخ طويل من النزاع حول هذه البقعة، تقاتلت لأجله جيوش، وفنيت في سبيله أمم، وتنازع عليه أمة الحق وأمم الباطل منذ فتحه إلى يومنا هذا، والملاحم الكبرى في آخر الزمان ستكون في الأرض المباركة وفي أكناف بيت المقدس.
 
لقد كانت حادثة الإسراء والمعراج، وإمامة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام في المسجد الأقصى إعلانا بأحقية المسلمين بهذه الأرض المباركة؛ لأن دينهم هو دين الأنبياء عليهم السلام، والأرض المباركة هي أرض الأنبياء، فكان أتباع الأنبياء عليهم السلام أحق بها من أعداء الأنبياء عليهم السلام، وأعداء الأنبياء هم اليهود والنصارى، وكل من لم يؤمن برسالة محمد صل الله عليه وسلم؛ ذلك أن كل الأنبياء عليهم السلام قد أقروا له بالرسالة، وصلوا خلفه، وأُخذ عليهم الميثاق لو بعث وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرونه ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 81، 82].

فوصف الله تعالى من تولى عن الإيمان برسالة محمد صل الله عليه وسلم بالفسق، فهل يستحق أهل الفسق أن يبقوا في البلاد التي باركها الله تعالى؟!
 
ولأجل ذلك سعى المسلمون في السنوات الأولى من الخلافة لفتح بيت المقدس وتطهيره من رجس عبدة الصليب وشركهم، وسُيرت الجيوش للشام في عهد عمر رضي الله عنه، حتى سقطت في أيدي المسلمين، فسافر الخليفة من المدينة لاستلام مفاتيح الأرض المقدسة، ولم يُنِبْ عنه أحدا في هذه المهمة الجليلة؛ مما يدل على ميزة هذا الفتح عن غيره من الفتوح الإسلامية الكثيرة.
 
لقد فتحت في عهد عمر رضي الله عنه سوريا وهي عاصمة هرقل عظيم الروم، وأكبر دولة في الأرض آنذاك، وما سار الخليفة إليها لاستلامها رغم أهميتها آنذاك، وفتحت المدائن عاصمة الفرس، التي شُهرت بالحضارة والعمران، وامتلأت بالأموال والخيرات، وما سار الخليفة إليها بل نقلت نفائسها وكنوزها إليه في المدينة، وفتحت بلاد كثيرة ما خرج إليها الخليفة، ولكنه خرج إلى الأرض المقدسة، وصلى فيها، وعاد بعد أن استلمها وأدخلها في حظيرة الإسلام.
 
ولما انتزع الصليبيون بيت المقدس في القرن الخامس ما هنئ المسلمون بعيش حتى أعادوها على يد صلاح الدين رحمه الله تعالى بعد ما يقارب تسعين سنة من احتلالها.
 
وظلت الأرض المقدسة مستقرا لكثير من العلماء التي جاوروا في أرضها، وموئلا للمسلمين يشدون رحالهم إليها لزيارة مسجدها، وإذ ذاك كانت أعين أهل الكتاب ترمقها، يريدون الانقضاض عليها، وسلبها والاستيطان فيها فسيروا الحملات الصليبية تلو الحملات لاحتلالها ولكنهم فشلوا.
 
وفي القرن الماضي بلغ ضعف المسلمين وتفرقهم مداه، في الوقت الذي تشكلت فيه المؤسسة الصهيونية الحديثة، وأخذت تطالب بعودة اليهود إلى الأرض المقدسة لإحياء النبوءات التوراتية المحرفة، وتآزرت في سبيل تحقيق هذا الهدف الخبيث الصهيونية النصرانية مع الصهيونية اليهودية، ورفع الخلاف الديني التاريخي بين اليهود النصارى إلى أجل غير مسمى لمواجهة المسلمين، وانتزاع الأرض المقدسة منهم، وتم لهم ذلك؛ إذ دخلت جحافل المستعمرين من صهاينة النصارى بلاد الشام، وأخضعت الأرض المقدسة لانتدابها، وأبى قائدهم إلا أن يُفصح عن الهدف الديني الصهيوني لهذا الاستعمار حين قال (الآن انتهت الحروب الصليبية). ووقف جنرال آخر على قبر صلاح الدين رحمه الله تعالى، وضرب الضريح بسيفه قائلاً: (أنا من أحفاد الصليبيين، فأين أحفادك يا صلاح الدين؟!).
 
ودخلت الأمة النجسة الأرض الطاهرة المقدسة،والمسجد الأقصى لا يزال تحت حكم المسلمين، وأشعلت الحروب تلو الحروب على هذا المسجد المبارك حتى كانت النكسة التي هزمت فيها جيوش العرب فدخل المسجد الأقصى تحت حكم الصهاينة وسيطرتهم لأول مرة في تاريخ المسلمين، وفرح اليهود بذلك أشد الفرح، وهتفوا بثارات خيبر، ونادوا باستعادة يثرب، وأنشدوا نشيدا مزق أكباد أصحاب الغيرة والنخوة من المسلمين؛ إذ كانوا يرتجزون قائلين: (محمد مات وخلف بنات) يرددونها بالعربية والعبرية.
 
ولكن بقي المسلمون المقادسة محافظين على المسجد الأقصى رغم خضوعه لحكم اليهود وسلطانهم، يفدونه بأرواحهم، ويتناوبون على حراسته وحمايته، ويرممون ما تلف من أجزائه، ولا تزال أعين الصهاينة من اليهود والنصارى على هدم المسجد المبارك، وبناء هيكلهم مكانه، ولكنهم يجسون نبض المسلمين في ذلك، ويحاولون إماتة شعورهم تجاه المسجد المبارك، بأعمال الحفر والهدم لحريمه وشوارعه وجسوره، وتسليط متعصبتهم على الاعتداء بالحرق والهدم والتفجير لبعض أجزائه؛ رجاء أن يسقط من جراء ذلك.
 
وفي ما يسمى بالنكبة قبل أربع وخمسين سنة، وإبَّان إعلان اليهود عن قيام دولتهم في الأرض المباركة، وجعل القدس عاصمة لها؛ حاول الأنجاس هدم المسجد الأقصى فألقت عليه قواتهم خمسا وخمسين قنبلة ولكن الله تعالى سلم.
 
وفي ما يسمى بالنكسة قبل ما يقارب أربعين سنة قصف اليهود المسجد المبارك بمدافع الهاون ولكن الله تعالى حفظه.
 
وعقب ذلك بسنتين أقدم السائح اليهودي مايكل دينيس على إحراق منبر صلاح الدين وأجزاء كبيرة من المسجد، وتباطأ المحتلون في إخماد النيران، وأعاقوا جهود المقادسة المسلمين الذين هبوا لإخمادها فتضرر المسجد بذلك.
 
أما مخططات نسف المسجد الأقصى فهي أكثر من أن تحصر، والمنظمات الصهيونية التي أنشئت لهدم المسجد وبناء الهيكل تزيد على عشرين منظمة، والمحاولات الفردية والجماعية العدوانية على المسجد باحتلاله أو حرقه أو تفجيره أو إرهاب المصلين فيه تعد بمئات المحاولات، وما عمليات الهدم في حريم المسجد وشوارعه إلا واحدة من تلك المحاولات الكثيرة، التي لم يملَّ اليهود من تكرارها، وهم مصرون على النجاح في واحدة منها.
 
وقصة هدم المسجد الأقصى المبارك في العقلية اليهودية ترتبط في هذا العصر بثالوث خطير يقنعهم يوما بعد يوم بالاقتراب كثيرا من مخططهم الإجرامي لتحقيق النبوءات التوراتية، وأول أركان هذا الثالوث يتمثل في تسلط قوى الاستكبار العالمي على المسلمين وبلدانهم، ودعمها المطلق للمشاريع الصهيونية، مع عجز الدول الإسلامية عن إيقاف ذلك، وإشغالها بنفسها عن مقدسات المسلمين ومساجدهم.
 
وثاني أركان هذا الثالوث يتمثل في انتشار المدارس والمعاهد الدينية اليهودية التي تنفخ نار الأحقاد في قلوب الشبيبة اليهود على المسلمين وقدسهم، وتقوي عزائمهم على بناء الهيكل مكان المسجد، وأنه لا قيمة لدولتهم بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل، وتوجد معاهد ومدارس صهيونية تخرج الآلاف مختصة بالهيكل، وتتسمى به.
 
وثالث أركان الثالوث يتمثل في النبوءات التوراتية التي أحياها البرتستانت في العصر الحديث، وأزالوا بسببها العداء بين الأمتين اليهودية والنصرانية. ولإيمانهم المطلق بتلك الخرافات، وسعيهم الحثيث لتحقيقها وطنوا اليهود في الأرض المباركة؛ليكونوا وسيلة لنزول المخلص،ومن ثم إبادة المسلمين عن بكرة أبيهم في هرمجدون حسب معتقداتهم.

لقد تحول اعتقاد اليهود في الهيكل من مجرد حلم يرون ضرورته لحكم الأرض كلها إلى عقيدة يعتقدون بموجبها أن كل بلاء يحيط باليهود في فلسطين وخارجها إنما كان بسبب تباطئهم في هدم المسجد وبناء الهيكل، وأنهم إن فعلوا ذلك زال عنهم ذلك البلاء من تفجير الفلسطينيين لهم، ومن إخلاء مستوطناتهم، وغير ذلك. وفي هذا المعنى يرى الحاخام مردخاي الياهو: أن بقاء جبل الهيكل تحت السيطرة الإسلامية يضعف وبشكل مستمر إمكانية (إسرائيل) في التعاطي والتعامل مع مشكلاتها والضغوط النازلة عليها، سواء كانت هذه المشاكل أو الضغوط محلية أو خارجية.
 
وهذا التحول في القناعات عند أئمة اليهود يشكل أكبر خطر على المسجد الأقصى في تاريخه كله؛ إذ ما عادت المسألة متعلقة بنبوءات مستقبلية ينتظرونها، ويسعون خطوة خطوة لتحقيقها. بل أضحى هدم المسجد وبناء الهيكل سببا للقضاء على مشاكلهم، وبطؤهم في ذلك هو ما يسبب كل المشكلات لهم، ويسعى أئمتهم لإقناع عوامهم بعقيدتهم تلك.
 
حمى الله تعالى المسجد الأقصى والأرض المباركة، وسائر مساجد المسلمين ومقدساتهم من كيدهم ومكرهم، وردهم على أعقابهم خاسرين خائبين، إنه سميع قريب.
 
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...


الخطبة الثانية


الحمد لله وحده، نحمده ونشكره، ونستعين به ولا نكفره، ونخلع من يفجره، هو ربنا ومعبودنا عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.



أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا المعاصي فإنها سبب كل شر وبلاء وعذاب، وما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة؛ فتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.


أيها المسلمون: يطيب لكثير من الكتاب والمفكرين توصيف الصراع بين المسلمين وأعدائهم على أنه صراع أرض ومصالح دنيوية فحسب، ويتشنجون حين ينبري بعض المسلمين لبيان الخلفيات الدينية والتاريخية لهذا الصراع الطويل. إن كثيرا من هؤلاء الكتاب والمفكرين قد نبذوا دينهم وراءهم ظهريا، ويحللون الأحداث تحليلا ماديا بحتا، بل حتى التاريخ أسقطوا عليه تحليلاتهم المادية فأفسدوه وزوروه، ويظنون أن المفكرين والسياسيين من اليهود والنصارى قد نبذوا دينهم مثلهم، وأن معتقداتهم لا تُسَيِّرُ كثيرا من سياساتهم، ولا تُبنى عليها استراتيجياتهم، ونظرتهم القاصرة هي التي أوردت الأمة المهالك، وأوصلتها لهذا الذل العظيم، وضيعت أكثر قضاياها، فلا حفظوا للمسلمين دنياهم كما يعدون، ولا أبقوا لهم دينهم ومقدساتهم.





وكثيرا ما سمعناهم، وقرانا لهم يصيحون بالمسلمين زاعمين أن زعماء اليهود والنصارى علمانيون مثلهم، وأن النبوءات الدينية لا تمثل أي شيء عندهم، ولا ترسم سياساتهم.





ولتعلموا - أيها الإخوة - أن اليهود ما غُرسوا في فلسطين إلا لأهداف دينية توراتية اجتمع على الاعتقاد بها صهاينة النصارى الإنجيليون مع صهاينة اليهود التوراتيين، وإلا فإن المشكلة اليهودية لما تفاقمت في أوربا إبَّان الثورتين الصناعية والتجارية، وطالب كبار اليهود بدولة لهم اقْتُرِحَت عدةُ دول لم تكن فلسطين ضمنها، فاقْتُرِحَت موزمبيق ثم الكونغو، كما اقترحت الأرجنتين وقبرص وسيناء ثم أوغندا، ولكنَّ هذه الدول رُفِضت كموطن لليهود؛ لأن العقائد الأصولية البروتستانتية مع العقائد اليهودية التوراتية لا تلتقي فيها، فاختيرت فلسطين لأنها مجمع عقائدهم، ومنتهى آمالهم.





والعجيب - أيها الإخوة - أن هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية المعاصرة الذي يجمع العلمانيون العرب على أنه علماني صرف، ولا يؤمن بالخرافات التوراتية ما دفعه لتأسيس حركته تلك إلا رؤيا دينية رآها في منامه، وقد سجل ذلك في يومياته، فهل هم أعلم به من نفسه، أم أنهم يخدرون المسلمين ويخدعونهم بإبعاد الدين عن ميدان المعركة.


يقول هرتزل في مذكراته عن رؤيا رآها: (ظهر لي المسيح على صورة رجل مسن في مظهر العظمة والوقار، فطوقني بذراعيه، وحملني بعيداً على أجنحة الريح...والتقينا على إحدى تلك الغيوم القزحية بصورة موسى، فالتفتَ المسيح إلى موسى مخاطباً إياه: من أجل هذا الصبي كنت أصلي، إلا أنه قال لي: اذهب وأعلن لليهود بأنني سوف آتي عما قريب لأجترح المعجزات الكبيرة، وأسدي الأعمال العظيمة لشعبي وللعالم ).





ومن المعلوم أن عقيدة (المسيح المنتظر) محور يدور حوله المسلسل التاريخي اليهودي القديم والمعاصر، وهي عقيدة لا يستطيع أحد أن يدعي بأنها فكرة علمانية! وفي الصفحة الأولى من يومياته نجد هرتزل يتحدث عن (الأرض الموعودة) التي اتخذها عنواناً لرواية عقد العزم على كتابتها، وهي التي قرر بعد ذلك أن يترجمها إلى برنامج عملي. تمثل هذا البرنامج في قيام دولة اليهود في الأرض الإسلامية المباركة.





ثم توسعت هذه الدولة حتى ابتلعت القدس، ورزح المسجد الأقصى تحت حكمها، ولا يزال الصهاينة طامعين في توسيعها لتشمل كل الدول التي بين النيل والفرات، ولن يتحقق ذلك لهم إلا ببناء الهيكل على أنقاض المسجد المبارك.






وإن وقع ذلك لا قدر الله فإنه عار وأي عار على المسلمين أن يعجزوا عن الدفاع عن مقدساتهم، ولو نجح الصهاينة فلن يوقفهم عن باقي أطماعهم أي شيء؛ فواجب على المسلمين إنْ أرادوا حفظ دينهم ودنياهم، وصيانة مقدساتهم وبلدانهم أن يسعوا بكل الطرق والوسائل لإفشال مخططات أهل الكتاب فيما يتعلق بالأرض المباركة؛ فهي للمسلمين أجمعين، وليست لأهل فلسطين وحدهم، وليعلموا أنهم إن تخلوا عن إخوانهم اليوم فستقف غدا جحافل المستعمرين على أطراف بلدانهم، ولن ينفعهم أن يقولوا حينذاك: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 11:00 am

لماذا تبكون القدس؟

هكذا ضاعت، وهكذا تعود

 
الغناء للقدس اليوم جريمة، وقرض الشعر جريمة.. ومطالبة الأنظمة بالتصرف وتحمل مسؤولياتها خروج من العقل والواقع.. فوظيفتها لشيء غير ما تظن!
 
فإن كان يقتات على لافتة القدس (سبّوبة) فليظل يبكي أو يقرض الشعر أو يغني كما يريد، ليرجع صداه الى نفسه ويذرف دموعاً لا تطهره أبداً، ولن تطهر أحداً..
 
أما إذا كان المهتم بالقدس جادًّا فله حديث آخر..
 
لقد ضاعت القدس عبر مسار ولأسباب، فإن عولجت رجعت وغيّر الله تعالى الحال.. هكذا قال تعالى؛ إذ قال في التغير السلبي بسلب النعمة ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.. وقال في التغير الإيجابي بالخروج من الحال السيء ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
 
وعندما تقال للناس هذه الحقائق، في الارتباط بين الأفعال البشرية وبين ما يترتب من أقدار، تذهب أذهانهم جهة الوعظ العام غير محددِ المعالم.. لكننا هنا نوضح كيف كان طريق الضياع ومن ثم كيف تكون العودة..
 
1) في وضع متراجع لأسباب داخلية في الأمة، الأمة الإسلامية - ولأسباب خارجية - تم فرض وتشريب والتدريس لصالح فكرة القومية، القومية الجنسية (العربية والطورانية التركية والكردية والإفريقية والبربرية الأمازيغية وغيرها)، والقومية القُطرية القائمة على حدود الأرض... يجمع هذان الخياران: (إما تخوم الأرض وإما نعرات الجنس).
 
والأمر إما في إطار وضع الرابطة القومية على حساب الإسلام وهو مناقض لأصل الدين وعقيدة الإسلام؛ فيتأخر الولاء الإسلامي والهوية الإسلامية الجامعة للأمة منذ نشأتها في صورة (أمة) على يد رسول الله صل الله عليه وسلم حتى تم تنحيتها في هذا القرن المشؤوم..
 
وإما في إطار التعصب المحرم والتفاخر الجاهلي وخذلان المسلمين..
 
ترتب على هذا: التشظي والانتقال للصياح بالعروبة ثم الانكفاء القُطري ثم التعصب للقُطر ثم تقديم ولائه على ولاء الإسلام وولاء الأمة.. ثم المفاضلة بين (فلسطين) وإسرائيل فكانت الكفة الراجحة لإسرائيل..!
 
وفي حالة وصفها رسول الله لأحد أصحابه إذ قال له (كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم) فإذا بأي إعلامي مأجور يغير اتجاه الملايين أن الخطر في المقاومة وأن الصهاينة شرفاء فيتبعه الناس كما يتبعون الدجال.. ولهذا جاء اليهود وعاشوا.
 
2) ثم أصبح المسلمون، خصوصا العرب منهم، بين مشروعين، مشروع يزعم المقاومة وهو مشروع إيراني صفوي يتستر مناصروه بالقومية والعروبة ليمارس الاستبداد والفساد والتبعية الحقيقية والتوافق مع المشروع الصهيو أمريكي متستراً بلافتة الممانعة الكاذبة..
 
والمشروع الآخر هو مشروع الانبطاح المباشر والعلني الفجّ والعداء الواضح للمقاومة الحقيقية..
 
وكلا أصحاب المشروعين يحتج على الآخر بمؤشرات كذِبه، وهي حقيقية وكثيرة، ليرسخ مشروعه الهدّام، وكلاهما هدّام، فلا الرافضة ستحرر القدس لأنه لا عداء حقيقي لها مع الصهيونية ولا الصليبيبة بل هو تنازع مصالح.. ولا الانبطاح للمشروع الصهيو أمريكي سيحرر شيئًا لأنه سمسار ينفذ المراد، وهو يرى خطورة في المقاومة السنية لأنها توجه إسلامي، وكره السماسرة للإسلام لا حدود له.
 
(وهذا لا ينفي وجود مقاومة حقيقية وشريفة كحماس تحاول الاستفادة من تناقضات الواقع الأليم للاستمرار).
 
3) ومع ضياع الهوية يحدث الاغتراب وفقدان الانتماء وتحدث خلخلة في البوصلة حتى أن البعض يقف على الحياد بين الصهاينة والمسلمين..!
 
من ثم تصبح القضية هي قضية (الفلسطينيين) مع (الإسرائيليين)، وتصبح القدس والمسجد الأقصى هو خلاف بين طرفي الصراع (الفلسطينيين) و(الإسرائيليين).. لهذا جاء اليهود ولهذا عاشوا ولهذا وينجحون حتى اليوم.
 
4) وفي حالة التراجع كانت تنحية الشريعة التي هي جملة القوانين التي أنزلها الله تعالى..
 
فغاب النظام الإسلامي المرتبط بعقيدة المسلمين والذي ظل حاكماً منذ بعثة رسول الله صل الله عليه وسلم.
 
وجود الشريعة وحاكميتها يعني أن يترجم الناس عقيدتهم الى نظام يحيونه، وأن يمارس الناس شريعتهم المرتبطة بهويتهم في أحكامهم وقوانينهم، فتمثلهم وتمثل وجودهم وتحمي مجتمعاتهم من انهيارات كبرى وتزداد ثقتهم بدينهم ويمارسون فرائضه، ومنها الجهاد في سبيل الله ضد العدو (الكافر) لصد عدوانه على البلاد؛ ولا يكلف بالجهاد مَن هم قبالة العدو فقط على أنها قضيتهم التي لا تخص بقية الأمة، بل يكلفون بالمواجهة ابتداء فإن عجزوا وجب على من يليهم وهكذا حتى يجب على الأمة كلها، بالمال والنفس.
 
فلا يبقى العدو ظاهراً على الأرض يغتصبها بحجة أنها قضية (الفلسطينيين) مع (عدوهم) (الإسرائيلي)، فإن عجزت بقية الأمة فعلى الأقل لا يتآمرون على جزء من بلاد الإسلام، لأن هذا يخالف مقتضى عقيدة المسلم.
 
5) في وجود الإسلام وهيمنته وحاكميته وشيوع قيمه والتربية عليها؛ لا ينظر المسلمون للعدو بانبهار بل هو كافر نجس متخلف ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾.. والفارق المادي لا يمثل هزيمة للمسلمين..
 
كما أنه من الإثم الشرعي بقاء هذا الفارق؛ إذ إن هذا الدين يوجب استدراك الفارق المادي والتنظيمي والإداري الحضاري لامتلاك القوة وليكون المسلمون على نفس المستوى العالمي وأفضل..
 
هكذا كان (المسلمون) كل مرة يأتيهم العدو، فكانوا أعلى من عدوهم واستدركوا ما فاتهم من قوة أو فارق دنيوي كما فعلوا أمام الصليبيين وأمام التتار.
 
ملحوظة: (كان الصليبي المقيم في الشام لفترة يرى الصليبي الذي يأتي بعده متخلفاً همجياً، وذلك بعد اختلاط الأول بالمسلمين وحضارتهم).
 
6) وفي حالة (حثالة من الناس قد مرجت عهودهم) جاء الاستبداد مرحَّباً به تغني له الآلاف وتخسر شرفها من أجله وتلغي عقولها، وهي تعاني من الجوع والإذلال وهتك العرض من هذه الأنظمة المستبدة، وكلما ملّوا من مستبد أخرجوا له من (الباترينة) نموذجاً لمستبد بـ (فيونكة أو زِر جديد) فيقبلون الموديل الجديد..!
 
وفي النهاية يقع المستبدون في العمالة في مقابل تكديس الأموال، كما يُبتزون بجرائمهم، ومن أجل الاستمرار والتوريث تزداد عمالتهم.. فيزرعون ويحمون اسرائيل إرضاء للسيد الغربي، بل ويقتلون شعوبهم من أجل هذا مع تغيير مناهج التعليم والخطاب الإعلامي ليناقض العقيدة والتاريخ والواقع.
 
7) وفي ظل تبديل الشرائع تكون الإباحية بالقانون، تُحمى ويُحمى صانعوها ومنتجوها والقائمون بها، بأي اسم كان، من الفن للأدب لغيره.. وبالتالي حالة من الإنهماك في الحرام وشيوع الفساد المالي والأخلاقي، ويدافع الفساق عن حرية الإنحراف بالدفاع عن الأوضاع الفاسدة..
 
في ظل الاستبداد يكون الخوف، ومع التخلف والتبعية يكون الفقر والجهل..
 
وهذه المتلازمة من الخوف والفقر والفسق والتحلل الأخلاقي تتلف الخامة البشرية وتتلقى من الإعلام ما يغيب به الوعي، وتتبع من القتلة والمستبدين ما تأنف منه الفطرة السوية..
 
Cool في مثل هذه الحالة بينما تحلم بالقدس وتربط أحلامك به، وبالشهادة عند أبوابها دفاعاً عنه وفتحاً له.. فلقد نتجت أجيال أقصى حلمها مصيف في مارينا، أو في أوروبا أو شرق آسيا.. لتتعرى أجسادها بعد أن تعرت نفوسها..
 
نتاج الاغتراب عن الهوية والشريعة مع الاستبداد والإباحية والفساد هو تلف الخامة البشرية للإنسان وشيوع الفساد، ولا بد أن ينتج التخلف والتبعية والإحتياج الى السلاح والغذاء والدواء من العدو نفسه الذي زرع اسرائيل ويرعاها..!!
 
هل يستطيع أمثال هؤلاء المواجهة؟ هل يدافع فاسق موغِل أو مستبد أو علماني أو فاسد أو.. عن المسجد؟ هل يهتم به؟ هل يعرف قيمته؟ بل هل يعرف أين هو؟! هل يتحمل عبء هذا وتكلفته لو حاصره عدوه أو منع عنه أي دواء؟
 
من هنا تعلم قيمة الخطاب الإسلامي وأنه ليس نشيداً أو أغنية، بل هو عقيدة وقيم ومواقف وتنمية، وتغيير حقيقي يخشاه منافقون وحاقدون وفساق وقوًى معادية وتاريخية..
 
إن المسافة ليست بعيدة، بل علينا أن نعرف الطريق..
 
إن الطرح الإسلامي ليس تعصباً أو (دروشة) بل هو الطريق الواضح المتوافق مع هوية الأمة..
 
الإسلام والعقيدة الصحيحة تقدم الولاء الإسلامي الذي يتقدم على ما عداه، ويحرم ولاء الكافرين، فتؤكد الإنتماء للأمة الواحدة بمسؤولياتها، ويحرم التآمر عليها وتفتينتها، كما فتت السودان والعراق وفلسطين قبلهما.. ويُخشى على بقية أقطار المسلمين ما لم تُفِق الأمة قبل ذلك.
 
الإسلام هو المخرج.. ليس أغنية تقال، بل هي عودة الهوية لأمة واحدة، اختلفت الأقطار لكنها أمة واحدة، شريعة بها تحقق ذاتها وربانيتها، حرية في اختيار القيادات وممثلي الشعوب، وتحرير لهوية الشعوب واختياراتها، وهويتها هي الإسلام واختياراتها رفض التبعية للغرب.. تصميم على اجتياز الفجوة الحضارية وامتلاك العلوم والتكنولوجي الذي يضع المسلمين على مستوى مكافيء للأمم المتقدمة ماديا.
 
مَن بقبالة العدو بالأقصى، في الضفة وحولها فرض عينه أن يقف بجسده وحجارته ورباطه وتحركاته الشعبية الجارفة، كما هو دأب هذا الشعب الكريم الأبيّ..
 
وبقية الأمة لا مفر من الزحف لحماية الأقصى، وأن يسقطوا في الطريق ما فرّق الأمة وما غيبها عن هويتها وشريعتها، وأن يسقطوا الاستبداد والفساد وما أفقدهم حريتهم وسلكهم في سلك التخلف، وعندها سنجد في أيدينا من أوراق القوة الكثير والكثير، على الأقل لوقف صلف الصهاينة ومنع تمددهم وإدخالهم جحورهم.
 
هذا الطريق الى القدس، وقد تسقط اسرائيل بقوة من حولها، كما أن انتفاشتها اليوم بضعف وتفرق وخيانة من حولها.. قد يتحلل هذا الكيان العفن أو يحتاج الى ضربة من فرسان الإسلام.. وهم عندئذ جاهزون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Empty
مُساهمةموضوع: رد: القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)   القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور) Emptyالجمعة 18 يناير 2019, 11:19 am



عرض كتاب



معاناة القدس والمقدسات تحت الاحتلال الإسرائيلي




يؤكِّد الدكتور محسن صالح - في كتابه الصادر حديثًا عن مركز الزيتونة للدراسات ببيروت، تحت عنوان: "معاناة القدس والمقدَّسات تحت الاحتلال الإسرائيلي" - أنَّ سِلْم واستقرار القدس دَلالة على صحة الأُمَّة ومَنعتها وقوَّتها، أمَّا احتلالها من أعدائها، فدَلالة على ضَعف الأُمَّة وتَخَلُّفها وتَشَرذمها.


ويضيف أنَّ الصهاينة سَيْطروا على شطر القدس الغربي سنة 1948م، وسيطروا على شطرها الغربي سنة 1967م، وعاثوا فيها فسادًا ودمارًا، وأمْعنوا في تشويه أرضها وإنسانها ومعمارها، واستجلبوا أخلاط المستوطنين؛ ليحلوا مكان أبنائها الأصليين.


حملة تهويد محمومة:


لقد تميَّزتِ العقليَّة الصِّهْيَونية بثلاث صفات في حُكْمها للقدس وباقي الأرض المحتلة:

أولها: أنها عقليَّة إلغائيَّة تَسعى إلى إلغاء الآخر، أيًّا كان؛ فلسطينيًّا عربيًّا، مسلمًّا أو مسيحيًّا، كما سَعتْ في سرقة تاريخه وآثاره وماضيه، فضلاً عن مُصَادرة حاضره ومستقبله.


وثانيها: أنها عقليَّة انعزاليَّة "جيتويَّة" مُنغلقة، فشِلتْ في التعايُش الْحُرِّ المنفتح المتسامح العادل مع الآخر، وحَكمتها عقليَّةُ الشكِّ والخوف والعَداء.


وآخرها: أنَّها عقليَّة استعلائيَّة، نظرتْ إلى الآخر نظرة دونيَّة، وتعامَلَتْ معهم من خلال عقليَّة "الشعب المختار"، وسعتْ إلى استغلاله أو انتزاع حُقُوقه، دون مبالاة لِمُعاناته وآلامِه.


إنَّها العقليَّة المانعة التي لا ترى إلا نفسَها، والقائمة على الصدام وسَفْك الدماء وارتكاب الظلم، وهي عقليَّة لا يُمكن أن تَصْلحَ لإدارة أرضٍ مقدَّسة مباركة، تستوعب الأديانَ والمذاهب والطوائفَ والأعراق، وهي عقليَّة قابلتها العقليَّة التي قدَّمتها الحضارة العربية الإسلامية، وهي العقليَّة الجامعة القائمة على التسامُح واستيعاب الآخر، وإقامة العدْل وإعطاء الحقوق والحريَّات للجميع.
 


إنَّ معاناة القُدس والمقدَّسات في فلسطين تحت الاحتلال هائلة وواسعة؛ لأن الاحتلال الصِّهْيَوني يَعْكِس صورته البشعة في ممارسته ضدَّ الأرض والمقدَّسات، وهي معاناة تمسُّ كافة نواحي الحياة.
 


لقد كان التركيز على القدس مسألة مركزية في الفكر اليهودي الصِّهْيَوني؛ لِمَا تمثِّله من أبعاد دينيَّة وتاريخيَّة، وقبل أنْ ينشأَ الكِيان الإسرائيلي بحوالي خمسين عامًا، قال "تيودور هيرتزل" مؤسِّس المنظَّمة الصِّهْيَونية العالمية: "إذا حصلْنا على مدينة القدس، وكنتُ لا أزال حيًّا وقادرًا على القيام بأيِّ عملٍ، فسوف أزيل كلَّ شيءٍ ليس مقدَّسًا لدى اليهود فيها، وسوف أحرق جميعَ الآثار التي مرَّتْ عليها قرون".

ورغم كَثرة القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، منها القرار رقم 58/22 بتاريخ 3/12/2003، والذي ينصُّ على أنَّ قرار إسرائيل فرض قوانينها على مدينة القدس لاغٍ وباطل، غير أنَّها وإنْ كانتْ تعترف بحقوق الفلسطينيين، إلاَّ أنَّها تفتقر الْجِديَّة والآلية اللازمة لإرغام الكِيان الصِّهْيَوني على احترام القرارات الدوليَّة.

وقد قامت السلطات الإسرائيليَّة بحملة لتهويد الأرض والإنسان في القدس، وسعتْ إلى طمْس هُويَّتها العربيَّة والإسلاميَّة، فصادرتِ الأراضي والممتلكات، وبَنَتِ الأحياء الاستيطانيَّة والمستعمرات، واستقدمتِ اليهود من كلِّ مكانٍ، ووضعتِ الْمَقْدِسيين في أحوال بائسة وقاسية وفي بيئة طاردة، ضاربة بعُرْض الحائط كافَّة الشرائع والمواثيق الدوليَّة.


دعم أمريكي:

وقد قامَ الكِيان الصِّهْيَوني بتوسيع نطاق بلدية القدس تدريجيًّا؛ ليتمكَّن من ضمِّ مناطقَ أخرى من الضفة الغربية نهائيًّا إلى كِيانه، وليقوم بعمليَّة تهويد القدس على نطاق مبرمج أوسع، فعندما احتلَّتْ إسرائيل القدس عام 1967، كانتْ مساحة شرقي القدس 6,5 كم2، ومساحة غربي القدس 24 كم2، فقامتْ بتوسيع نطاق البلدية إلى 104كم2، اقتطعتْها من أراضي تابعة لـ 28 قرية فلسطينية في محيط مدينة القدس، ويقعُ معظمُها شرقي المدينة؛ أي: في الضفة الغربية، ثم تابعتْ إسرائيل توسيعَ الحدود البلدية للقدس خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين؛ حتى وصلتْ إلى 126كم2، يقعُ 72 كم2 منها شرقي القدس، بينما يقع 54 كم2 غربي المدينة.

وتُخَصِّص إسرائيل ميزانية سنويَّة لبلديَّتها بالقدس، تُقَدَّر بـ 857 مليون دولار، وتقرُّ كذلك سنويًّا ميزانية طارئة لبلديَّة القدس، يُقَدَّر مُعَدَّلها بـ 162 مليون دولار، وهو ما يعني أنَّ القيمة الحقيقية لميزانية بلديَّة القدس لسنة 2009 تُقَدَّر بـ 1,019 مليار دولار، هذا عدا الموازنات المختصة؛ كوزارة الإسكان والتطوير العمراني، ووزارة الأشغال، والدوائر الحكومية الأخرى.

ويقوم الأثرياء اليهود والمسيحيون الصهاينة من خارج إسرائيل - وخصوصًا الولايات المتحدة - بتمويل مشاريع الجمعيات الاستيطانيَّة الناشطة في القدس، كجمعية ATERET COHANIM، أو تاج الكَهنة، ومؤسسة العاد الاستيطانيَّة، وجمعيَّة الْحِفاظ على تراث الحائط الغربي، وجمعية أُمناء جبل المعبد، وغيرها.

وفي كلِّ الأحوال، فإنَّ هذه الجمعيَّات تنفِّذ في القدس بحسب التقديرات مشاريعَ لا تقلُّ موازناتها عن 150 مليون دولار سنويًّا، وهناك أيضًا جمعيات ومؤسَّسات أهليَّة، كمؤسَّسة "يد سارة"، ومؤسَّسة القدس اليهودية التي تقدَّر ميزانيتها السنوية بـ 30 مليون دولار، تُجْمَع معظمُها من الولايات المتحدة، وكندا وألمانيا.

تهويد السكان:
تُشير الإحصاءات الرسميَّة الإسرائيلية إلى أنَّ خريطة الكثافة السكانية في البلدة القديمة تَشمل 89,042 من المسلمين، و8,042 من المسيحيين في حارة الأرمن، و9,625 من المسيحيين في حارة النصارى، و8,232 من اليهود في حارة الشرف، أو ما يُسَمَّى: "حارة اليهود".

ويؤكِّد الكتاب على أنَّ الهاجِسَ الديموغرافي سَيْطَر على الاحتلال الإسرائيلي منذ استيلائه على كامل القدس، ومنذ ذلك الحين يَسعى الاحتلال لتحقيق أغلبيَّة ديموغرافية يهوديَّة حاسمة في المدينة، بوصفها عاصمةَ إسرائيل، وقد كان عددُ سكان القدس - شرقها وغربها - بُعيد الاحتلال ما مجموعه 266,3 ألفًا، منهم 197,7 ألف يهودي (74,24 %)، و68,6 ألف عربي (25,76 %)، وقد سُنَّ في سبيل ذلك عام 1973 قانون يُحدِّد نسبة الفلسطينيين في المدينة بـ 22 %، إلاَّ أنَّه لَم يتمكَّنْ من تحقيق هذه النسبة أبدًا.

وقد واجهتْ دولةُ الاحتِلال في القدس مُشكلة أساسيَّة تتمثَّل في أنَّ مدينة القدس تُعَدُّ مدينة طاردة للسكان اليهود، فخلال السنوات 1980 - 2008، كان عددُ اليهود المهاجرين من المدينة أكثرَ من عدد المهاجرين إليها، بما يزيد على 100 ألف مهاجر.

وكان ميزان الهجرة اليهودية للمدينة سالبًا في كلِّ السنوات خلال تلك الفترة ما عدا سنة 1986، ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين، هما: ارتفاع الأسعار في مدينة القدس، وخصوصًا أسعار المساكن بسبب إقبال الأثرياء اليهود من أنحاء العالَم على شراء المنازل في المدينة، والصِّراع الدائم بين اليهود المتدينين والعلمانيين، والذي يؤثِّر في بعض الأحيان على مستوى الْخِدمات المقدَّمة للسكان، وعلى طريقة عيْشهم، وعلى مستوى تعليمهم أيضًا.

لذا فقد تراوَحَ النموُّ السكاني العربي في القدس في العقد الأول من القرن الـ21 من 3 % إلى 3,7 %، أما النمو السكاني اليهودي للفترة نفسها، فقد تراوَحَ من 0,9 % إلى 1,6 %، ومن المتوقَّع أن تَصِل النسبة إلى 40 % سنة 2020، إذا ما واصَل الفلسطينيون والإسرائيليون نسب النمو نفسها.

ولمواجهة هذا الأمر صادقتْ حكومة الاحتلال في عام 2007 - بمناسبة مرور 40 عامًا على احتلال كامل القدس - على خُطة بقيمة 200 مليون دولار، تَهدف لِجَذْب السكان اليهود إلى الانتقال والعيْش في مدينة القدس.

وقد شملتْ هذه الْخُطة عددًا من المشاريع؛ منها: تسهيلات وتخفيضات ضريبيَّة، وبناء أكاديمية خاصَّة لتدريس تاريخ وتراث القدس، وتشييد مركز قضائي ضخْم، ومَنْح البلديَّة دعمًا استثنائيًّا بقيمة 50 مليون دولار، ونقْل كافَّة المؤسَّسات الخدميَّة للشرطة وعشرات الدوائر الحكومية إلى مدينة القدس؛ مِمَّا يعني نقْلَ حوالي عشرة آلاف موظَّف إلى المدينة خلال ثماني سنوات، كما شملتْ أيضًا مشروعًا لترميم أسوار القدس الشرقيَّة وأزقَّتها القديمة، وبناء مكاتب عملٍ.

وفي المقابل ومن أجْل تحقيق الهدف المنشود، وهو تقليص الوجود العربي في مدينة القدس إلى أقلِّ عددٍ مُمكن، عمدتْ بلديَّة القدس إلى التهرُّب من تقديم الْخِدْمات البلديَّة لأهالي القدس الأصليين، وانطلاقًا من قانون منْح الْهُويَّة الإسرائيلية لسكان القدس، أصبَح واجبًا على سكان القدس من الفلسطينيين دفْعُ كامل المستحقات للبلدية والدولة، كضريبة الدخل والتأمين الصحي، وكذلك ضريبة الأملاك، وذلك على الرغم من انخفاض دخْلهم وتدنِّي مستوى الْخِدمات التي يتلقونها مقارنة باليهود؛ مما زادَ وضْعَ أهالي القدس العرب سوءًا.

كما لم تَسْلم أوقافُ المسلمين ومقدَّساتهم من عدوان الصهاينة عليها، ومُصَادرتها ومُحاولة مَحْو آثارها، ففلسطين مليئة بالمقدَّسات والأراضي التي وقفَها أصحابُها لخدمة المسلمين وحاجاتهم؛ كالفقراء والمساكين وطَلَبة العِلم، وعابري السبيل وخدمة المساجد، وتشكِّل الأوقاف في فلسطين نحو مليون و680 ألف دونم (6,25 % من مساحة فلسطين)، وهي تمثِّل 10 % من مُجْمل الأراضي الصالحة للزراعة، وهناك في فلسطين 340 قرية تُعَدُّ وقفًا كليًّا أو جزئيًّا؛ مثل قرى: بورين، وبيت فوريك، وشطا، وسعسع.

فيما تعرضتْ مساجد الضفة الغربية المحتلة خلال العام 2009 لـ 15 اعتداءً، تركَّز معظمُها في مدينة الخليل ضد المسجد الإبراهيمي، وكان أعنفُها الاعتداءَ الذي وقَع فجر يوم الجمعة 11/12/2009 في قرية "ياسوف"، حين أضرمَ المستوطنون النار بمسجد "حسن خضر" الكبير شرقي مدينة "سلفيت" شمال الضفة؛ مما أدَّى إلى احتراق جزءٍ كبير منه.

وخلال العدوان الصِّهْيَوني على قطاع غزة أوائل عام 2009، استهدفتْ قوات الاحتلال 152 مسجدًا، دمَّرَتْ 45 منها بشكل كاملٍ، وألْحَقَتْ أضرارًا جزئيَّة بـ 107 مساجد.


ويختتم المؤلف كتابه بالقول:

لن تستطيعَ كلُّ مساحيق التجميل في الدنيا أن تُجَمِّل الوجْه القبيح للصِّهْيَونية وممارستها في القدس والأرض المقدسة، وعلى الرغم من كل هذه المعاناة، فإنَّ ابنَ القدس صامدٌ في أرضه مُتَمسِّك بها، وما زال إصرارُه وثباته مصدرَ فخْرٍ واعتزاز لكلِّ فلسطيني وعربي ومسلم، غير أنَّ هذا الصُّمود يجبُ أن يجدَ ما يسنده ويدعمه ممن يقفون إلى جانب قضيته العادلة، وعلى الجميع أن يتجاوزوا لغة الشعارات والآمال إلى لغة البرامج والأفعال، التي تُنفَّذ على أرض الواقع، إنها معركة الإرادات التي لا ينفع معها إلا حُسنُ الإعداد ومزيدٌ من العمل والصبر والتضحية والثبات.







كتاب معاناة القدس والمقدسات تحت الاحتلال الإسرائيلي 



http://www.asharqalarabi.org.uk/markaz/k-m12-2010.pdf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
القدس وآفاق التحدي (ملف كامل عن مدينة القدس والمسجد الاقصى مدعم بالصور)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: قصة قضية فلسطين :: تاريخ فلسطين قديما-
انتقل الى: