قاده معاوية بن أبي سفيان في عهد
عثمان بعدما رفضه عمر..
قصة أول أسطول بحري في الاسلام
به فتحت جزيرة قبرص
وحديث النبي صل الله عليه وسلم عنه
https://www.wise.edu.jo/sites/default/files/3_3.pdfأول أسطول بحري في الإسلام، به فتحت جزيرة قبرص بقيادة معاوية بن أبي سفيان في عهد الخليفة عثمان بن عفان
كان لمعاوية بن أبي سفيان شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبه رسول الله صل الله عليه وسلم المشاركين فيها بالملوك على الأَسِرَّة، وقال فيهم: “أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا”، أي وجبت لهم الجنة.
كانت قبرص ولايةً بيزنطيةً عاصمتها قنسطنطيا “سلاميس القديمة”، ويدين سكان قبرص بالعقيدة النصرانية الأرثوذكسية.
وكان معاوية بن أبي سفيان يرى فتحها حماية للثغور البحرية التي فتحها المسلمين، وبداية لامتداد الفتح الإسلامي ليشمل الدولة البيزنطية نفسها.
لماذا فكر معاوية بن أبي سفيان في غزو البحر؟
عندما فتح المسلمون الثغور البحرية، أضحت عرضةً لهجمات البيزنطيين المنطلقين من الجزر القريبة، ونظرًا لأن الصراع العسكري بين المسلمين والبيزنطيين كان بأحد وجهيه بحريًّا.
أدرك معاوية بن أبي سفيان أهمية بناء أسطول إسلامي بهدف: تأمين السواحل، غزو الجزر البحرية المواجهة لساحل بلاد الشام، الدفاع عن المناطق الداخلية المفتوحة.
واستمرار العلاقات التجارية الخارجية مع دول البحر المتوسط، وبخاصَّةٍ أنَّ هذا البحر كان لا يزال تحت قبضة البيزنطيين.
حدث في أواخر أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان رافض لغزو المسلمين البحر، وأوائل عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه أن استعاد البيزنطيون بعض المدن الساحلية.
كما استردوا مدينة الإسكندرية، فأدرك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه لا بد من إنشاء أسطول إسلامي للتصدي للخطر البيزنطي.
وفتح الجزر البحرية التي ينطلق منها العدو، واتخاذها قواعد انطلاق لغزو القسطنطينية وهو الهدف الأسمى للمسلمين.
نجح معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في إقناع عثمان بن عفان بـ غزو البحر، وسمح له بغزو قبرص على أن يحمل معه امرأته “فاختة بنت قرظة” وولده.
حتى يعلم أن البحر هين كما صوره له، وأمره بعدم إجبار الناس على الركوب معه إلا من اختار الغزو طائعًا.
لماذا رفض عمر بن الخطاب غزو البحر بينما وافق عثمان بن عفان؟
عندما كان معاوية بن أبي سفيان واليًا على الشام في عهد خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب، كانت فكرة غزو البحر مسيطرة عليه، إلا أن الفاروق رفض الفكرة تمامًا خوفًا على المسلمين، ولذلك حكاية.
لاحظ معاوية بن أبي سفيان، وهو ينازل الروم باستمرار، أن قوتهم في البحر هي العامل الأساسي في بقائهم.
وأن التهديدات البرية للروم لا قيمة لها إذ إن المدن الساحلية في الشام معرضة باستمرار للتهديد؛ لذا فلابد من إقامة قوة إسلامية بحرية توقف سلطان الروم البحري عند حده.
وأحب قبل القيام بهذا المشروع استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فكتب له: “يا أمير المؤمنين إن بالشام قرية يسمع أهلُها نباحَ كلاب الروم وصياح ديوكهم، وهم تلقاء ساحل من سواحل حمص فإن أذنت بركوب البحر”.
فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما ليصف له البحر، فأجابه: “إني رأيت خلقًا عظيمًا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء، إِنْ ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، إن مال غرق، وإن نجا برق”.
فلما قرأ عمر هذا الوصف كتب إلى معاوية: “لا والذي بعث محمدًا بالحق لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا.. وتاللهِ لمسلمٌ أحبُّ إليَّ مما حَوَتِ الروم، فإياك أن تعرض لي، وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقي العلاء مني، ولم أتقدم إليه في مثل ذلك”.
بعد استـ.ـشهاد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتولي عثمان بن عفان خلافة المسلمين، استمر معاوية واليًا للشام.
وظلت فكرة غزو البحر تؤرقه، فأرسل للخليفة عثمان بن عفان يستأذنه، فرفض، فلم يزل به معاوية حتى عزم على ذلك، ولكن قال له: “لا تنتخب الناس ولا تُقْرِعْ بينهم، خيِّرهم فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه”.
ففعل واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف بني فزارة، وأصبحت السفن تُبنى في عكَّا وصور وطرابلس على سواحل بلاد الشام.
لماذا وجد معاوية بن أبي سفيان حماسة من المسلمين لغزو البحر؟
لما انتدب معاوية المسلمين لغزو البحر، خرجوا معه وكأنهم مشتاقين لهذه الغزو، والسبب في ذلك حديث لرسول الله صل الله عليه وسلم، يبشر أول جيش للمسلمين يغزو البحر بالجنة.
روى البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: “نام النبي صل الله عليه وسلم يومًا قريبًا مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحك؟
قال: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين”.
وفي رواية أخرى، أخرجها البخاري أيضًا، من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: “أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا”.
قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟، قال: أنتِ فيهم، ثم قال النبي صل الله عليه وسلم: “أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر ـ أي القسطنطينية ـ مغفور لهم”، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا).
ومعنى أوجبوا: أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة، فخرجت بنت ملحان مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية رضي الله عنه.
فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام، فَقُرِّبَت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.
أول أسطول بحري في الإسلام وفتح قبرص
عندما وافق خليفة المسلمين الثالث عثمان بن عفان على غزو البحر، بدأ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في إعداد أول أسطول بحري في عهد الإسلام.
فقام بإصلاح المراكب التي استولى عليها المسلمون من البيزنطيين، وتقريبها إلى ساحل حصن عكَّا الذي أمر بترميمه، كما رمَّم ثغر صور.
وكتب معاوية إلى أهل السواحل أن يستعدوا لغزو قبرص التي اختارها هدفًا عسكريًّا لنشاط الأسطول الإسلامي؛ بفضل وضعها الجغرافي المتميز آنذاك كقاعدةٍ لغزو القسطنطينية فيما بعد.
خرج معاوية على رأس حملته الأولى على جزيرة قبرص في عام “28هـ/ 649م”، وتألَّف الأسطول الإسلامي من مائةٍ وعشرين مركبًا بقيادة عبد الله بن قيس رضي الله عنه.
وخرج معه جمعٌ من الصحابة منهم أبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وزوجته أم حرام، والمقداد بن الأسود وغيرهم رضي الله عنهم.
صادف الأسطول الإسلامي -وهو في طريقه إلى قبرص- بعض المراكب البيزنطية المحمَّلة بالهدايا، وقد بعث بها ملك قبرص إلى الإمبراطور قنسطانز الثاني، فاستولى المسلمون عليها.
وعندما وصل الأسطول الإسلامي إلى قبرص رسا على ساحلها، وأغار الجنود المسلمون على نواحيها، وغنموا الكثير من أهلها.
واضطر ملك قبرص في ظلِّ عجزه عن المقاومة إلى طلب الصلح، فصالحه معاوية بن أبي سفيان على أن: يؤدي أهل الجزيرة جزيةً سنويةً مقدارها سبعة آلاف دينار، كما يُؤدُّون للبيزنطيين مثلها، وليس للمسلمين أن يحولوا بينهم وبين ذلك.
أيضًا من شروط معاهدة الصلح ما بين معاوية وملك قبرص: يمتنع المسلمون عن غزو الجزيرة.
ولا يُقـ.ـاتلون عن أهلها من أرادهم من ورائهم، يُعلم أهلُ الجزيرة المسلمين بتحركات البيزنطيين المعادية لهم، يُعيِّن المسلمون على أهل الجزيرة بطريقًا منهم.
جدير بالذكر أن هذه المعاهدة خُرقت من قبل القبرصيين عام “32هـ/ 653م”، حين ساعد أهلُ الجزيرة البيزنطيين في حربهم ضدَّ المسلمين، وأعطوهم بعض المراكب من أجل ذلك، فنقضوا الصلح المبرم بينهم وبين المسلمين.
قام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بغزو الجزيرة للمرَّة الثانية في عام “33هـ/ 654م” ففتحها عنوة، وأخذ السبي منها وأقرَّ أهلها على صلحهم.
وعمد إلى تمصيرها واستقرار المسلمين فيها، فبعث إليها اثني عشر ألفًا من أهل الديوان المكتتبين فبنوا بها المساجد، كما نقل إليها جماعة من أهل بعلبك، وبنى بها مدينة، وأقاموا يُعطون الأعطيات إلى أن تُوفي.