في نهاية المطاف ستكون لنا هنا دولة واحدة
في المقال الذي نشره هذا الأسبوع في هذه الصحيفة، وصفني جدعون ليفي، استناداً إلى الأقوال التي قلتها في مقابلة مع آري شبيط في العام 2004 بـ «باحث طرح خيارين، تطهير عرقي أو إبادة شعب» («رد على نبي الغضب»، 13/1). الحديث يدور عن تناول ما حدث في العام 1948. القارئ الساذج يمكنه أن يفهم من أقوال ليفي أن اليهود اختاروا بدل إبادة العرب، طردهم. ولكن هذا ليس ما قلته. لقد قلت في حينه وأقول الآن إن اليشوف اليهودي في 1948 وقف أمام خيارين: إما أن يقوم العرب بتنفيذ إبادة شعب ضده ـ بالنسبة لي لا يوجد شك في أن انتصار عربي في 1948 كان سينتهي بأعمال ذبح جماعية ضد اليهود ـ أو أن اليهود، من أجل الدفاع عن أنفسهم، يقومون بطرد العرب، أو على الأقل منع عودة الذين هربوا وطردوا. اليهود اختاروا ألا يذبحوا، وبحق. ولكن أيضاً «تطهير عرقي»، بمعنى المفهوم الذي ترسخ في العقود الأخيرة على قاعدة أفعال الصربيين في التسعينيات في البوسنة، التي شملت قتلاً متعمداً واغتصاباً للآلاف، لم ينفذ هنا. ما حدث هنا كان صراعاً بين شعبين ادعيا حقهما على نفس قطع الأرض.
بين تشرين الثاني 1947 وآذار 1948 هاجمت مليشيات من عرب إسرائيل، الذين بعد ذلك تمت تسميتهم فلسطينيين، المستوطنات اليهودية. وفي نيسان ـ أيار 1948 هزمت هذه الملشيات على أيدي الهاغاناة. في أعقاب ذلك، في أيار ـ حزيران 1948، غزت جيوش الدول العربية المجاورة أرض إسرائيل وهاجمت دولة إسرائيل. وهؤلاء أيضاً في نهاية الأمر هزموا. أثناء تلك الحرب احتلت القوات اليهودية 400 قرية عربية، التي استخدمت كقواعد للمليشيات الفلسطينية، وبعد ذلك استضافت الجيوش الغازية (مثلما شكلت البلدات اليهودية قواعد للقوات اليهودية)، ومعظم سكانها هربوا، وتم حثهم على الهرب، وطردوا ـ نفس «الخطأ الأول» الذي يتحدث جدعون ليفي عنه.
عدد من العرب الذين نزحوا غادروا في أعقاب نصيحة أو ضغط أو تعليمات من زعماء عرب، مثلما حدث في حيفا في نيسان 1948. أثناء الحرب تبلورت لدى حكومة إسرائيل سياسة استهدفت منع عودة اللاجئين الذين حاولوا تخريب اليشوف اليهودي؛ وهذه السياسة نفذت على الأرض، لكن لم تكن هناك سياسة لـ «طرد العرب»، لذلك بقي في حدود الدولة التي تشكلت 160 ألف عربي، ما يعادل خُمس عدد سكان الدولة. كان هناك ضباط طردوا العرب (يغئال الون واسحق رابين)، وكان هناك من لم يطردوا (بن دونكلمان، موشيه كرمل). ولكن الأغلبية هربوا أو أجبروا على الهرب. وهذا ليس بالضبط تطهيراً عرقياً.
خلال الحرب نفذ الطرفان أعمال قتل ضد المدنيين وضد أسرى الحرب. المذبحة الأولى في الحرب حدثت في كانون الأول 1947 عندما قتل العرب 39 يهودياً في مصفاة التكرير في حيفا. ولكن خلال الحرب، الطرف اليهودي قتل عدداً أكبر من العرب، مقارنة مع عدد اليهود الذين قتلهم الجانب العربي (حتى لو جاء ذلك فقط بسبب أن اليهود سيطروا على مئات القرى العربية، في حين أن العرب سيطروا على أقل من عشر بلدات يهودية ـ والفلسطينيون لم يسيطروا على أي مستوطنة يهودية، في المكان الذي شارك فيه فلسطينيون مسلحون إلى جانب القوات الأردنية، وفي احتلال مستوطنة يهودية، في كفار عصيون، 13 أيار 1948، نفذت المذبحة الأكبر لليهود خلال الحرب).
قصة العدوان العربي على اليشوف اليهودي ـ في جولات العنف في 1920 و1921 و1929 و1936 ـ 1939 و1947 ـ 1948 ـ اختفت تماماً في مقال ليفي.
في المقال المعتدي دائماً هو اليهودي والضحية هي دائماً العربي. العربي هو دائمًا الموضوع وليس الذات. هو ليس مسؤولاً عن أي شيء. ليفي صدق الرواية العربية، التي تعتبر العودة إلى صهيون عملية غزو جماعي، لا يوجد لها أي منطق أو عدالة. لذلك، يعتبر العنف ضدها دفاعاً شرعياً أمام معتد. مثل العرب، ليفي يتجاهل تماماً أولاً، العلاقة التاريخية اليهودية مع أرض إسرائيل التي توجد في أساس الصهيونية وتبريرها.
ثانياً، حاجة اليهود إلى ملجأ من القتل التاريخي للأغيار ضدهم، بالأساس المسيحيون، لكن أحياناً من المسلمين. اليهود حسب رواية العرب هم ببساطة مجموعة لصوص، الذين لسبب ما قرروا سرقة أرض إسرائيل من أيدي سكانها العرب.
بنظرة إلى الماضي فإن ليفي أيضاً يتجاهل حقيقة أن القيادة الصهيونية في 1937 و1947 و1978 و2000 و2007 و2008 وافقت على حل يرتكز على تنازل جغرافي في حين أن القيادة الفلسطينية ـ بقيادة الحاج أمين الحسيني وياسر عرفات ومحمود عباس ـ رفضت دائماً وبتصميم كل عروض المصالحة التي قدمها البريطانيون والأمم المتحدة والولايات المتحدة وحكومات إسرائيل. (طالما أن عباس يرفض الموافقة على صيغة «دولتين للشعبين»، ويضلل عندما يقول إنه يؤيد حل «الدولتين»، بدون أن يذكر الشعبين، الفرق بين الرئيس الفلسطيني الحالي وأسلافه هو هامشي).
الحاضر:
صحيح أن القيادة في إسرائيل اليوم أيضاً ترفض حل الدولتين للشعبين، ولهذا تزيد الاستيطان في المناطق ـ أحد أسباب سعادتي إذا سقط حكم نتنياهو (هناك أسباب أخرى كثيرة، التهويد، ومحاولة تقييد وإفساد الديمقراطية، والفساد الشخصي وما أشبه). لم أؤيد في أي يوم نتنياهو الذي لا يثير سلوكه لدي سوى الاشمئزاز. ليفي، إذا كنت فهمت الأمر بشكل صحيح، يؤيد استمرار حكم نتنياهو، ربما على أساس المنطق الثوري السخيف الذي يقول إنه كلما زاد الوضع سوءاً فهذا سيفيد في المستقبل. ربما مثل شريكه في تحرير «هآرتس»، بني تسيفر، سحر بالرجل وشخصيته. أو ربما أنه فهم أن سياسة نتنياهو بالضرورة تؤدي إلى دولة واحدة تكون فيها أكثرية عربية، أي نهاية دولة إسرائيل كدولة يهودية.
ليفي يصف حكم الاحتلال الإسرائيلي في الضفة بالديكتاتورية العسكرية. من أكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم. هذا مبالغة مجنونة. دائماً عارضت الاحتلال أخلاقياً. الاحتلال مفسد. ربما لاحظ ليفي أنه خلافاً للكثير من زملائه، قد مكثت قليلاً في السجن بسبب معارضتي للاحتلال، ولم أحسب في أي يوم على الذين يعتبرون الاحتلال الإسرائيلي في المناطق «متنور» (انظروا الأوصاف المفصلة في كتابي «ضحايا»). الاحتلال دائماً كان قائماً على العنف (بواسطة الجيش والشباك والشرطة)، وعلى السجن وعلى طرد المعارضين. وهنا وهناك أيضاً على قتل معارضي الاحتلال الذين يصفهم القادة لدينا بالمخربين، وإن كان معظمهم في السنوات الأخيرة يوجهون السكاكين نحو المستوطنين والجنود ورجال الشرطة). ولكن ديكتاتورية عسكرية من أكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم اليوم، ألم يسمع ليفي عن أفعال نظام جارنا بشار الأسد؟ أو الجيران الأبعد قليلاً، آيات الله في طهران (أو أنظمة دول كثيرة في إفريقيا وآسيا)؟.
صحيح أنه في الغرب لا توجد شعوب تحكم شعوباً أخرى، وحكم كهذا يعتبر وبحق غير أخلاقي. ولكن صحافي مثقف يجب عليه أيضاً أن يفحص من جهة كيف وجدت إسرائيل نفسها في هذا الوضع ـ التطويق والتهديد في أيار ـ حزيران 1967 وخلال رفض م.ت.ف صنع السلام، وسعيها إلى القضاء على إسرائيل، وتملصها من اقتراحات التسوية الجغرافية. ومن جهة أخرى، من يتذكر الإشكالية الأمنية التي اكتنفت نقل المناطق إلى حكم عربي (انظروا ماذا حدث في غزة بعد انسحابنا من هناك في 2005).
المستقبل:
بخصوص المستقبل ما زلت أؤمن بأن حل «الدولتين للشعبين» والتقسيم الجغرافي هو القاعدة الوحيدة لحل يعطي شيئاً من العدل للشعبين (عدل مطلق لطرف ينفي بالضرورة أي احتمالية لعدل للطرف الآخر). ولكن أنا أؤمن مثل ليفي أن هذا الحل غير قابل للتنفيذ الآن. وربما حتى لن يكون قابلاً للتنفيذ في المستقبل بشكل مطلق. ولكني أضيف: دائماً شككت بمستوى واقعية تقسيم أرض إسرائيل الانتدابية بحيث إن اليهود يحصلون فيها على 78 ـ 80 في المئة من الأراضي، والعرب يكتفون بـ 20 ـ 22 في المئة منها. حتى لو وجد زعماء فلسطينيون يوقعون على اتفاق كهذا فإن الشعب الفلسطيني بقيادة حماس وفتح سيرفض هذا الاتفاق تماما ولن يصمد طويلاً.
الاتفاق الذي يقوم على حل الدولتين سيحتاج إلى منح الفلسطينيين فضاء للعيش يمكنهم من استيعاب مئات آلاف اللاجئين من لبنان وسوريا. فضاء كهذا يجب أن يشمل 95 في المئة من أراضي الضفة الغربية (اقتراح بيل كلينتون في كانون الأول 2000)، وقطاع غزة وشرقي القدس وكذلك شرقي الأردن وأراض في سيناء. بدون هذا الفضاء الجغرافي فإن اتفاقاً قائماً على حل الدولتين غير قابل للحياة.
اتفاق سلام قائم على تقسيم البلاد لا يبدو منطقياً ضمن المعطيات القائمة، وما الذي يقترحه ليفي بدلاً من ذلك؟ «دولة كل مواطنيها»، «دولة ديمقراطية واحدة بين النهر والبحر». هذا يبدو جيداً، لا سيما إذا كنت تجلس في مقهى في باريس أو لندن. لكننا نعيش في غابة الشرق الأوسط، محاطين بدول ناجحة مثل سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن والسعودية، باختصار، دول عربية إسلامية، تكون قيم الديمقراطية والتسامح والليبرالية بعيدة عنها.
أليس الفلسطينيون عرباً ومسلمين (ربما 5 في المئة منهم مسيحيين)؟ هل حكم حماس في غزة وحكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية هي أنظمة ليبرالية ومتسامحة وديمقراطية؟ هل هناك أساس للاعتقاد بأن الفلسطينيين سيتصرفون بشكل مختلف عن أخوتهم العرب في أماكن أخرى؟ باختصار، هل الفلسطينيون يشبهون النرويجيين؟
حل الدولة الواحدة لليهود والعرب هو وصفة للعنف والفوضى، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى دولة فيها أكثرية عربية وأقلية يهودية مقموعة، ستبدل كل جهدها للهرب من هنا مثلما هربت الجاليات اليهودية من الدول العربية عندما قام جيرانهم بالتنكيل بهم في الأعوام 1948 ـ 1965.
في عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي كان هناك القليل من اليهود في إطار تحالف سلام وهيئة وحدة أيدت فكرة الدولة ثنائية القومية. هذه الفكرة لم تنجح، اليهود بأغلبيتهم الساحقة رفضوها، لكن الفكرة وجدت عدداً أقل من المؤيدين في أوساط العرب. اليهود القلائل أيدوا فكرة لم تنجح في حل المشكلة الديمغرافية، المشكلة التي وضعها أمامهم الواقع، أكثرية عربية وأقلية يهودية بين النهر والبحر. إذا أصبحت الدولة ديمقراطية وإذا كانت فيها أكثرية عربية فستكون هناك أغلبية ستقرر طابع الدولة ونشاطها، واليهود سيدفعون إلى الهامش وبعد ذلك إلى الخارج.
إذا عدنا إلى أرض الواقع للحظة، يبدو لي أن ما كان هو ما سيكون: سلطة الاحتلال ستستمر، والعرب سيعانون واليهود أيضاً سيعانون (بشكل أقل بقليل). ربما يكون جدعون ليفي محقاً، وهذا يمكن أن يستمر مئة سنة أخرى، حتى لو كنت أشك بذلك.
في نهاية العملية ستتبلور هنا الدولة الواحدة. اليهود سيسيطرون فيها إلى أن تزداد العقوبات الدولية والتمرد العربي وضغط الجيران عليهم. وستدار هنا دولة بحكم عربي مع أقلية يهودية آخذة في التناقص.
الدولة العربية الـ 24 ستنضم إلى جامعة الدول العربية، ودولة فلسطين ستختفي بالتدريج في رمال الشرق الأوسط إلى جانب جيرانها، بعد أن تفرغ آبار النفط في شبه الجزيرة العربية.
مقال مور التشولر («إذا كان الأمر كذلك فإن نتنياهو في أزمة»، هآرتس، 15/1) يهاجمني أيضاً ويهاجم ليفي. وهو لا يستحق الرد. فالجهالة ليس لها حدود.
بني موريس
هآرتس 18/1/2019