كيف سيكون “الاحتفال الختامي” لرئيس السلطة الفلسطينية؟أربعة رؤساء وزراء وسبعة وزراء دفاع عايشهم أبو مازن في أثناء الـ 17 سنة من ولايته كرئيس للسلطة الفلسطينية، ولا تزال اليد ممدودة، إذا أخذنا في الاعتبار الأزمة العميقة التي تعيشها الساحة السياسية في إسرائيل.
لكن ليس في ذلك ما يدل على متانة مكانة أبو مازن أو السلطة التي يقف على رأسها. فمنذ سنين وهو “حاكم حاضر – غائب”، مجال حكمه الحقيقي لا يمتد إلى ما وراء المقاطعة (مكان مقره) في رام الله.
تمكن أبو مازن من جعل ضعفه وانعدام صلته بما يجري في الميدان، مصدر قوة. فلا يزيد الشارع الفلسطيني ولا ينقصه شيء إذا ما واصل الجلوس على كرسي رئيس، لهذا فإن الفلسطينيين لا يبدون اكتراثاً أو اهتماماً بذلك ولا يخرجون ضده بجموعهم. بينما تقف إسرائيل وبإسناد كامل حيال من هم قادرون على إسقاط أبو مازن، وعلى رأسهم رجال حماس، إذ ترى فيه “أهون الشرور”، بل وحتى شريكاً مرغوباً فيه للحفاظ على الوضع الراهن في يهودا والسامرة.
بعد كل هذا، يقف أبو مازن على رأس سلطة تدحرج مليارات الدولارات، ويضيع بعضها في الطريق في جيوب كبار المسؤولين والمقربين من الصحن.
يعمل في أجهزة السلطة عشرات الآلاف الذين هم وعائلاتهم متعلقون في عيشهم ببقائه. إسرائيل هي الأخرى تعرف أن الهدوء الاقتصادي يترجم بشكل فوري إلى هدوء أمني أيضاً. لذا فمصلحتها ليس فقط في بقاء السلطة، بل في ازدهارها أيضاً.
وإلى جانب حماس وخصوم آخرين من الداخل والخارج، نجد أبو مازن في سباق مع عمره المتقدم، فالرجل ابن 86، وليس في أفضل حال صحي. وهو يمتنع عن تعيين خلف له كي لا يغطي عليه ثم يقصيه عن منصبه في نهاية المطاف، وينجح بذلك في الحفاظ على الهدوء في القيادة الفلسطينية. ولكن السنين تفعل فعلها.
الوضع الصحي لأبو مازن يعطي الإشارة لبدء السباق على الخلافة. في هذه الأثناء يتصدر حسين الشيخ، الذي عين مؤخراً في منصب أمين سر اللجنة التنفيذية في م.ت.ف. وإلى جانبه يذكر أيضاً رئيس المخابرات الفلسطينية العامة، ماجد فرج، وكذا محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، وإلى جانب هذين الاثنين يجدر بنا أن نذكر معرفتنا من غزة، محمد دحلان، وكذا مروان البرغوثي الموجود في السجن الإسرائيلي منذ سنوات طويلة.
تعمل السلطة في هذه الأثناء على تطوير التعليم العالي في المناطق تحت سيطرتها. في الوقت الذي يرفع فيه التلاميذ العرب في إسرائيل أعلام م.ت.ف ويهتفون “بالدم، بالنار، نفديك يا فلسطين”، فإن أجهزة الأمن التي في “يهودا والسامرة” تعالج كل طالب يتجرأ على رفع صوته ضد الزعيم. ففي جامعة النجاح في نابلس، أطلقوا النار حتى على الطلبة من مؤيدي حماس ممن تظاهروا ضد السلطة.
الطلبة، مثلما هي حال أبناء الجيل الفتي، يسيرون أسرى خلف شعارات حماس، وهذه تفوز في الغالب في الانتخابات في كثير من الاتحادات المهنية واتحادات الطلبة. لكن من أجل هذا بالضبط وجدت أجهزة أمن السلطة. فهذه تبدي قوتها أمام المحتجين على غلاء المعيشة المتعاظم، الذي يصل إلى المناطق بمثابة احتجاجات “ربيع عربي للفقراء” نشبت مؤخراً في عدة مدن في “يهودا والسامرة”.
وضع الفلسطينيين تحت أبو مازن في أسوأ حال، لكن التخوف في أوساط الجمهور الفلسطيني أن الحال سيكون بعده أسوأ بكثير. لا يدور حديث عن التقدم في طريق السلام، ولا عن طريق لبناء دولة حديثة وسليمة، لكن التخوف من الصراعات الداخلية بين المتنافسين على خلافة أبو مازن، أن تؤدي إلى فقدان السيطرة والفوضى.
هذا هو السيناريو الذي ينبغي أن يقلق إسرائيل أيضاً. لكن الحقيقة يجب أن تقال – أبو مازن ورفاقه ليسوا جزءاً من الحل، خصوصاً الحل بعيد المدى للواقع المركب السائد في “يهودا والسامرة”، بل هم جزء من المشكلة. المفتاح ليس في رام الله، ولا في يد أبو مازن ولا في يد من سيخلفه.
المفتاح في القدس، في يد إسرائيل. غير أنه لشدة الأسف، تمتنع الأخيرة عن التفكير خارج الصندوق والبحث عن حل دائم لهذا التحدي، بل تفضل استمرار المراوحة في المكان والحفاظ على ما هو قائم.