صك الانتداب من عصبة الأمم
صك الانتداب البريطاني على فلسطين والأردن ) ؟؟؟ من الأفضل لنا أن نعود إلى التاريخ القريب لتوضيح الكثير من اللبس والغموض والنسيان أو التناسي وربما الجهل ,في ظل هذا الجدل البيزنطي العقيم الدائر بين ظهرانينا , حول الهوية والمواطنة والجنسية , والوطن البديل , في ظاهرة اقرب إلى العجز والقبول بالأمر الواقع الذي أملته علينا المؤامرة الكبرى والظروف السياسية القاسية التي مرت بها بلادنا ومازالت , بحيث استطاعت أن تنسينا ثوابتنا الدينية والقومية والوطنية , وتغرقنا في القطرية , بحيث أصبحنا نقنع أنفسنا بأننا أصبحنا شعوبا وقبائل , خصوصا نحن الذين ارتضينا أن نقسم أنفسنا إلى فلسطيني وأردني . فمن هو الذي يستطيع أن يفصل بين التاريخ الأردني و التاريخ الفلسطيني المشترك ,أو يميز بين الشعب العربي ذو النسيج الواحد المتجانس , المتداخل , المتمازج , المتواجد على هذه الأرض المباركة منذ الأزل , ومن يستطيع أن ينكر أن خارطة الأردن وفلسطين الحالية , هي من نتاج( صك الانتداب البريطاني على فلسطين والأردن سنه1920), فلقد كان الأردن قبل هذا التاريخ ومنذ العهود البيزنطية مرورا بالعهود الإسلامية وحتى نهاية الدولة العثمانية يضم أجزاء كبيرة من شمال فلسطين , وكانت فلسطين كذلك تضم أجزاء كبيرة من الأردن الحالي من ضمنها ( عمان ) التي بقيت إبان العهد العثماني تتبع ( سنجقية نابلس ) التابعة لولاية دمشق أحيانا , و لولاية بيروت أحيانا أخرى طبعا مع بعض التعديلات الإدارية الطفيفة بين حين وأخر , حسب التقسيم العرضي وليس الطولي , وحسب تجانس السكان وحراكهم شرقا وغربا حسب الظروف الأمنية السائدة , وإنهما أي فلسطين والأردن كانا يواجهان معا نفس الإخطار والمشاكل , ويتوليان دائما الدفاع عن بعضهما البعض ضد أي غزو أجنبي حدث ذلك مثلا في أوائل القرن التاسع عشر حين قام إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا بغزو الشام . وكلنا يعرف تاريخ الحركة الصهيونية وأطماعها في بلادنا , وإطماع بريطانيا وفرنسا في بلادنا حسب ( اتفاقية سايكس – بيكو السرية بينهما عام 1916) التي تمخضت أخيرا عن وعد بريطانيا لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين على لسان بلفور وزير خارجيتها عام 1917 , الذي كان يشمل كما هو معروف أيضا الأردن وفلسطين معا , وقامت بريطانيا بإدراج ذلك في معاهدة الصلح قبلت بها تركيا العثمانية (معاهدة سيفر 1920) التي وقعت في مدينة سيفر القريبة من باريس ,عقب الحرب العالمية الأولى بين الدولة العثمانية وقوات الحلفاء المنتصرة , والتي جاء فيها قبول تركيا خضوع المناطق التي كانت تابعه لها في سوريا( المقصود سوريا الكبرى بما فيها فلسطين والاردن ) والعراق للانتداب , وفي نفس العام 1920 تم توقيع( معاهدة سان ريمو) في مدينة سان ريمو الإيطالية،بين بريطانيا وفرنسا , التي حددت بموجبها مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي فقد تم وضع سورية و لبنان تحت الانتداب الفرنسي ,ووضع العراق تحت الانتداب الإنكليزي. ووضع فلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب الإنكليزي مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور. وهنا نلاحظ الإصرار على الالتزام بتنفيذ وعد بلفور في فلسطين والأردن , فبمجرد توقيع هذه الاتفاقية حتى عمدت بريطانيا والحركة الصهيونية, إلى اخذ الشرعية الدولية من (عصبة الأمم المتحدة- الذي كانت تهيمن عليها دول الحلفاء المنتصرة بالحرب ) بالحصول على صك يخول بريطانيا من الانتداب على الأردن وفلسطين ،حيث صادق عليه مجلس عصبة الأمم، ووضع موضع التنفيذ في 29 أيلول 1923, وبموجبة قامت بريطانيا بفرض انتدابها وحكمها, معتبرة أن صك الانتداب تفويض دولي من عصبة الأمم يلزمها بإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين , (وللتذكير فقط , فماهو رأيكم بما قاله الجنرال الانجليزي أللنبي حين احتل القدس قولته المشهورة ... الآن انتهت الحروب الصليبية.... وما قاله الجنرال الفرنسي غوروا عند قبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق....ها قد عدنا يا صلاح الدين ). احتوى صك الانتداب على مقدمه تحتوي على نص (تصريح بلفور)، ومصادقة عصبة الأمم على انتداب بريطانيا على فلسطين والاردن مع تخويلها مسؤولية تنفيذ التصريح، وتأكيد "الصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، والأسباب التي تدعو إلى إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد"، كما احتوى على 28 مادة ,منها المواد( 2 و 4 و 6 و 7 و 11 و 22 ) التي اختصت بإنشاء الوطن القومي اليهودي، من حيث تشجيع هجرة اليهود وإعطائهم الجنسية وشكلت مخططا متكاملا لتحقيق ذلك من النواحي السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية, فمثلا نصت المادة الثانية على أن (تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي وفقا لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك وترقية مؤسسات الحكم الذاتي وتكون مسؤولة أيضا عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين). وأما المواد (1 و3 و21 و17) فقد تناولت المصالح البريطانية ,حيث جردت الأكثرية العربية الساحقة من حقوقها السياسية، وأعطت بريطانيا السلطة التامة في التشريع والإدارة، وتشجيع الحكم المحلي بقدر ما تراه هي موافقاً، والإشراف على العلاقات الخارجية لفلسطين، وتنظيم القوات اللازمة للمحافظة على السلام والدفاع عن البلاد، واستخدام طرق فلسطين وسككها الحديدية ومرافئها لتحركات القوات المسلحة. أما بخصوص المادة (25 ) من صك الانتداب التي تتحدث عن (شرق الأردن) وتستثنيها من وعد بلفور(الوطن القومي اليهودي),وتخويل بريطانيا مسؤولية الانتداب على شرقي الأردن، رغم أن شرقي الأردن كان جزءا من ولاية دمشق (أو سورية) إلى نهاية العهد العثماني، وجزءاً من سورية الداخلية إلى آخر العهد الفيصلي. , ونص المادة (25 ) على ما يلي ( يحق للدولة المنتدبة بموافقة مجلس عصبة الأمم أن ترجئ أو توقف تطبيق ما تراه من هذه النصوص غير قابل للتطبيق على المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والحد الشرقي لفلسطين كما سيعين فيما بعد بالنسبة للأحوال المحلية السائدة في تلك المنطقة وان تتخذ ما تراه ملائما من التدابير لإدارة تلك المنطقة وفقا لأحوالها المحلية بشرط ألا يؤتي بعمل لا يتفق مع أحكام المواد 15، 16، 18). فصك الانتداب يتجاهل بشكل فاضح واقع فلسطين التاريخي والقومي والسكاني آنذاك ، حيث كان العرب يشكلون الأغلبية المطلقة , فكان صك الانتداب عمل غادر جبان من قبل بريطانيا مثله مثل اتفاقية سايكس بيكو السرية بينها وبين حليفتها فرنسا لتقسيم المشرق العربي بينهما , كذلك الحال ينطبق على وعد بلفور واتفاقيه سان ريموا , وخرقا لكل الاتفاقات والوعود التي قطعتها بريطانيا من خلال مراسلات الحسين مكماهون , والتي تعهدت بريطانيا بموجبها باستقلال البلاد العربية بعد الحرب، وهو مخالفة صريحة للمادة (22) من ميثاق عصبة الأمم( الذي جعل من رغبة السكان الأصليين الحق في اختيار الدول المنتدبة، والعرب، كسكان أصليين ، لم يختاروا انجلترا كدولة منتدبة ) وهنا بجدر بنا أن نذكر بأن صاحب الفضل الأول في هذا الاستثناء , بانتزاع الأردن من فم الوحش الصهيوني المتربص,, بسبب الجهود الكبيرة الشاقة التي بذلها وحيدا رغم شح الإمكانيات , الذي كان احد قادة الثورة العربية الكبرى وهو سمو الأمير عبدا لله بن الحسين ( الملك الشهيد عبدا لله الأول ) رحمه الله, الذي جعل الأردن إمارة عربية هاشمية ,بل دوله عربيه قوميه عصريه تقوم على إرث ومبادئ الثورة العربية الكبرى , بحيث أصبحت موئلا يتجمع فيها,أحرار العرب الرافضين للاستعمار ومن أهل الأردن الأحرار , و من مفكري وقادة وجنود الثورة العربية الكبرى الأبطال ومناصريها ,فتكون مركزا للإشعاع الفكري الثقافي القومي , ومنطلقا للتحرير من الاستعمار ومركزا للوحدة العربية , من خلال ما طرحه رحمه الله ,من مشاريع سوريا الكبرى التي أفشلتها مؤامرات من بعض الدول العربية لأسباب سياسية مصلحيه, واتحاده مع الجزء المتبقي من فلسطين ( الضفة الغربية ) بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1948م, وحسب رغبة أهلها الطبيعية الواقعية في الوحدة التي كانت بالفعل موجودة منذ الأزل , وكان التواصل طبيعي والحدود مفتوحة ومخترقه رغم وجود الاحتلال البريطاني , رغم معارضه الدول العربية أيضا , للوحدة بين الضفتين لنفس الأسباب , وكأنها تفضل أن تحتل الضفة الغربية من قبل اليهود على أن تنظم للأردن. وكان للتدخلات العربية الأثر الكبير في توتر العلاقات بين الاردنين والفلسطينيين, خصوصا بعد تشكيل منظمه التحرير الفلسطينية عام 1964, إلا أن الوحدة بين الضفتين بقيت قائمه كما هو معروف حتى بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967م , التي بقيت على حالها ,أراضي أردنية تحت الاحتلال , إلي أن قرر العرب في مؤتمر قمة الرباط عام 1974م, اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي و(الوحيد ) للفلسطينيين , في إشارة واضحة لأبعاد الأردن من القيام بهذا الدور , الذي وافق على ذلك على كرة منه انصياعا لرغبة العرب والفلسطينيين , وكم شعرنا نحن الاردنين بمقدار الألم الذي كان ينتاب المرحوم جلاله الملك الحسين بن طلال وهو يعلن لنا ذلك , وعلى الرغم من هذا القرار , لم يتخلى الأردن عن دورة العربي القومي والوطني في دعم الأشقاء في الضفة الغربية بكل ما يملك , ولا حتى بعد قرار فك الارتباط القانوني والإداري بين الأردن والضفة الغربية عام 1988م , وما يزال كذلك . في ظل هذا الواقع السياسي والعسكري الشائك , نعم لإظهار الهوية الفلسطينية مقابل الصهيونية , دون المساس بالحقوق الأساسية للمواطنة , بحيث نقف جميعا ضد التهجير, والوطن البديل , وضد مقوله الدولة اليهودية الخالصة , ونعم لبقاء الأردن العربي حرا مستقلا سيدا , كان وسيبقي موئلا وملاذا لأحرار العرب , ووارثا لمبادئ الثورة العربية الكبرى , ونعم لعودة الوحدة بين الأردن وفلسطين كأرض وشعب واحد , ولكن بعد أن يرضى الشعب الفلسطيني بحل يضمن له الاستقلال والسيادة . وأود أن أقول في الختام لكل الذين يدفنون رؤوسهم بالرمال كالنعام من الطرفين ,بل لكل الأطراف العربية المتنازعة في المنطقة, مذكرا لهم بقول احمد شوقي (إلاما الخلف بينكما إلاما ...وهذه الضجة الكبرى علاما )( وفيما يكيد بعضكم ببعض..... وتبدون العداوة والخصاما ) , إنكم غير مدركين للإخطار المحدقة بكم وبوطنكم شرقي النهر وغربة , فالعدو الصهيوني مازال يريد تنفيذ (وعد بلفور ) المشؤوم بحذافيره ويتربص بنا جميعا ويعمل على ذلك بخطوات مدروسة , غير مكتفي بما أعطاه إياه ( صك الانتداب ),وانتم متلهون عن ذلك كله , ببث الكراهية والأحقاد وبذور الفرقة , , فاتقوا الله في أنفسكم ,وفي شعبكم وأمتكم , وتذكروا دائما وأبدا , أواصر القربى,والتاريخ الغارق في القدم, وعوامل الوحدة الازليه بينكم, فلا مناص لكم إلا أن تبقوا متيقظين لعدوكم , متوحدين في مواجهته , لاننسى جذور الصراع معه , وقداسه الأهداف التي ضحى من اجلها أبائنا وأجدادنا , علينا أن لاننسى أبدا , فعدونا رغم مرور الآلاف السنين على مزاعم الأرض الموعودة بقي يعلم أولادة ترديد مقوله ( شلت يميني أن نسيتك يا أورشليم ) , وننسى نحن في اقل من مائه عام , على بدء هذا الصراع , القدس وفلسطين وما تمثله لنا , ليس فقط نحن الأردنيين والفلسطينيين ولكن كل العرب والمسلمين ....