يوم الأرض
يوم الأرض هو يوم الانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت في 30/3/1976 على شكل اضراب شامل ومظاهرات شعبية في جميع القرى والمدن والتجمعات العربية في فلسطين المحتلة منذ عام 1948 احتجاجا على العسف الصهيوني وسياسة التمييز العنصري ومصادرة الأراضي التي تمارسها سلطات الكيان الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني الصامدين على أرض الوطن منذ عام 1948 وتحاول السلطات الاسرائيلية اقتلاعهم من أراضيهم وتمزيقهم إلى مجموعات صغيرة منعزلة والتضييق عليهم بمختلف الوسائل والأساليب القمعية. وقد شارك في أحداث يوم الأرض الشعب العربي الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1967. وبذلك أصبح يوم الأرض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية ورمزا لوحدة الشعب العربي الفلسطيني التي لم تقل منها كل عوامل القهر وسنوات الغربة والتمزق.
والسبب المباشر لأحداث يوم الأرض كان اقدام السلطات الاسرائيلية يوم 29/2/1976 على مصادرة نحو 22 ألف دونم من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل الأوسط منها عرابة* وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها لتحصينها لاقامة المزيد من المستعمرات الصهيونية في نطاق مخطط تهويد الجليل (رَ: الجليل، انتفاضة) ومحاولة انزاعه من سكان العرب الذين يشكلون نحو نصف مجموع السكان هناك. وكانت السلطات الاسرائيلية قد صادرت بين 1948 و1976 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى الغربية في الجليل والمثلث بالاضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي العربية التي اضطر أصحابها المهجرة إلى خارج فلسطين المحتلة عام 1948 نتيجة العدوان الصهيوني.
وقد جاءت أحداث يوم الأرض تتويجا لتحركات ونضالات جماهيرية طويلة تكفلت بشكل خاص في الشهور التسعة التي سبقت ذلك اليوم. ففي 29/7/1975 عقد اجتماع في حيفا* حضره مبادرون لتنظيم حملة الاحتجاج على مصادرة الأراضي العربية بعد أن أعلمت سلطات الكيان الصهيوني عزمها على مصادرة 21 ألف دونم من أراضي نحو 12 قرية عربية. وقد ضم الاجتماع عددا من رؤساء المجالس المحلية العربية وشخصيات وطنية مختلفة من مجاهدين وأطباء ومثقفين ورجال دين وفلاحين. وتقرر في هذا الاجتماع تشكيل لجنة للدفاع عن الأراضي العربية. وقد دعت هذه اللجنة إلى عقد اجتماع شعبي موسع في الناصرة* بتاريخ 15/8/1975 وتقرر فيه الدعوة إلى مؤتمر شعبي عام للمطالبة بوقف مصادرة الأراضي. وصدر عن الاجتماع نداء موجه إلى الرأي العام يدعوه إلى المشاركة في الحملة ضد سياسة مصادرة الأراضي. وقع على هذا النداء آلاف المواطنين وجميع الهيئات الشعبية والمجالس المحلية العربية. وعقدت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية بعد ذلك عشرات الاجتماعات الشعبية في الجليل والمثلث. وكان المؤتمر الشعبي العام الذي عقد في الناصرة بتاريخ 18/10/1975 وتقرر فيه الدعوة إلى مؤتمر شعبي عام للمطالبة بوقف مصادرة الأراضي. وصدر عن الاجتماع نداء موجه إلى الرأي العام يدعوه إلى المشاركة في الحملة ضد سياسة مصادرة الأراضي. ووقع على هذا النداء آلاف المواطنين وجميع الهيئات الشعبية والمجالس المحلية العربية.
وعقدت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية بعد ذلك عشرات الاجتماعات الشعبية في الجليل والمثلث. وكان المؤتمر الشعبي العام الذي عقد في الناصرة بتاريخ 18/10/1975 أكبر مؤتمر شعبي يعقد في فلسطين المحتلة عام 1948 حتى ذلك الحين. وفي هذا المؤتمر تقرر اعلان الاضراب العام وتنظيم مظاهرات أمام الكنيست* الاسرائيلي اذا لم تتراجع الحكومة الاسرائيلية عن مخططات مصادرة الأراضي العربية وتهويدها. ولكن السلطات الاسرائيلية تجاهلت ذلك وضربت بمطالب العرب عرض الحائط. فلما قررت الحكومة الاسرائيلية مصادرة الأراضي (21 ألف دونم) التي سبقت الاشارة اليها دعت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية بالاشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية العربية إلى اجتماع موسع عقد في الناصرة بتاريخ 6/3/1976 وحضره أكثر من 70 مندوبا يمثلون مختلف القرى والتجمعات العربية في المثلث والجليل. وفي هذا الاجتماع اتخذ القرار التاريخي باعلان الاضراب العام يوم 30 آذار عام 1976. ولكن السلطات الاسرائيلية استمرت في تنفيذ مخططها.
ففي يوم 19/3/1976 أصدر وزير المالية الاسرائيلي – استنادا إلى قوانين الطوارى* لعام 1945 وقرار الحكومة الاسرائيلية الصادر في 29/2/1976- أمر مصادرة الأراضي. وحاولت الحكومة الاسرائيلية بكل ما في وسعها من وسائل الترهيب والترغيب والخداع شق الاجماع العربي وكسر الاضراب. فأوعزت بعقد اجتماع في شفا عمرو* يوم 25/3/1976 لبعض رؤساء المجالس المحلية المقربين منها فاتخذ هؤلاء قرارا بتأجيل الاضراب.كما أعلنت المؤسسات الاقتصادية الاسرائيلية في حيفا والناصرة العليا وبقية مناطق الجليل أنها سوف تسرح العمال الذين يتغيبون عن أعمالهم يوم 30 آذار من دون تعويضات. وعمم على الدوائر والمؤسسات الاسرائيلية بيان يقضي بعدم اعطاء اجازات لعمال العرب في ذلك اليوم. ووزعت وزارة التعليم الاسرائيلية تعميما على المدارس في المدن والقرى الغربية شددت فيه على ضرورة منع الاضراب.وأعلنت مؤسسات الهستدروت* بأنها لن تقدم الحماية المهنية لأي عامل عربي يتعرض لاجراءات بسبب تغيبه عن عمله في يوم الأرض. وقررت الحكومة الاسرائيلية تجنيد قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود والجيش وحشدها في القرى والمدن العربية. وداوم وزير الشرطة الاسرائيلي في مدينة الناصرة منذ 29/3/1976 ليشرف بنفسه على أعمال هذه القوات. ولم يبق جهاز في الكيان الصهيوني الا شارك في محاولة كسر الاضراب. وفي المقابل قررت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية والقوى الوطنية الأخرى المضي قدما في الاعداد للاضراب والدخول في صراع قاس مع الحكومة الاسرائيلية.
وفي يوم الثلاثين من آذار أضربت مدن وقرى الجليل والمثلث العربية عن بكرة أبيها. وحاولت السلطات الاسرائيلية كسر الاضراب بالقوة فأدى ذلك إلى الصدام بين المواطنين العرب والقوات الاسرائيلية. وكانت أعنف الاصطدامات في قرى سخنين وعرابة ودير حنا وبدت وكأنها عملية احتلال اسرائيلي محددة للمناطق العربية. وشمل الاضراب والمظاهرات كذلك القرى التي عارض رؤساء مجالسها المحلية الاضراب مثل الطيبة* والطيرة* في المثلث، وتمرة في الجليل.
بلغت حصيلة أحداث يوم الأرض ستة من الشهداء العرب الأبرار الذين رووا بدمائهم الظاهرة أرض الآباء والأجداد وسقطوا دفاعا عن أرضهم وحقهم، بالاضافة إلى حوالي 49 جريحا ونحو 300 معتقل. وجرح من الاسرائيليين 20 شرطيا. والشهداء هم:
خير ياسين (من عرابة) وخديجة قاسم شواهة (من سخنين) ومحسن طه (من كفركنا*) ورجا أبو ريا (من سخنين) وخضر خلايلة (من سخنين) ورأفت علي زهيري (من مخيم نور شمس بالضفة الغربية واستشهد في الطيبة).
وقد اتفق المراقبون في تقويمهم “يوم الأرض” على أنه شكل اضافة نوعية إلى نضال الجماهير العربية في فلسطين المحتلة منذ 1948، وكان هزة عنيفة تلقاها المجتمع الاستيطاني الاسرائيلي وسلطته الصهيونية واختبار قوة لطرفي النزاع.
وقد صار يوم الثلاثين من آذار من كل عام مناسبة وطنية يحيها عرب 1948م رمزا لتمسكهم بالأرض