خطاب “حالة الاتحاد” بأميركا.. معلومات وضرورات
خطاب حالة الاتحاد واجب دستوري وتقليد رئاسي أميركي عريق، يلقي خلاله رئيس البلاد خطابا سنويا أمام مجلسيْ الكونغرس يستعرض فيه حالة الولايات المتحدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويقترح جدول أعمال تشريعيا للسنة المقبلة، إضافة إلى شرح مقاربته الشخصية للشعب الأميركي.
ينص الدستور الأميركي في البند الثالث من مادته الثانية على قيام الرئيس بإطلاع الكونغرس “من وقت لآخر” على ما يجري، لكن بسبب أن مضمون المادة لم يكن محددا بدقة فقد أصبح التقليد يتجسد في إلقاء الرئيس خطابا سنويا بمقر الكونغرس (الكابيتول) في جلسة مشتركة بين إدارة البيت الأبيض ومجلسيْ النواب والشيوخ، بحضور قضاة المحكمة العليا.
فعندما يوجه رئيس مجلس النواب دعوة رسمية إلى رئيس البلاد لإلقاء خطاب حالة الاتحاد قبل أسابيع من موعدهالمحدد والذي يكون عادة في مساء أحد أيام يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط من كل سنة؛ يقوم الرئيس باستدعاء ضيوف خصوصيين (إضافة إلى زوجته) يصل عددهم إلى 24 شخصا لحضور الخطاب، وهو نفس العدد الذي يمكن لرئيس مجلس النواب استدعاؤه.
وتتنوع في العادة مشارب الضيوف المدعوين لحضور خطاب حالة الاتحاد ومجالاتهم، إذ يكون من ضمنهم طلبة ونشطاء حقوقيون، وجنود أميركيون سابقون ولاجئون إلى الولايات المتحدة وسجناء سابقون، ورجال أعمال، ورياضيون وغيرهم.
وتعين الإدارة الأميركية -قبل اجتماع خطاب حالة الاتحاد، وعلى غرار كل اجتماع يحضره الرئيس وقادة البلاد- عضوا من الإدارة ليظل في مكان مغلق بعيد عن الاجتماع ويكون مكلفا بضمان استمرارية عمل الحكومة في حال وجود طارئ، كما يطلب من بعض أعضاء الكونغرس عدم حضور الخطاب ليكونوا قادرين على تولي السلطة في حال حدوث أي طارئ.
يتم بث الخطاب -الذي تكون مدته حوالي ساعة- على عدة قنوات إذاعية وتلفزية أميركية (بلغ عدد التلفزية منها 13 قناة عام 2016)، وقدر عدد متابعي خطاب الرئيس باراك أوباما عام 2015 بحوالي 31.7 مليون مشاهد، مقابل 52.4 لخطابه عام 2009 ، و33.3 مليون مشاهد لخطابه عام 2012.
مسار تاريخي:
بدأ تقليد خطاب حالة الاتحاد 1790 عندما ألقى جورج واشنطن (أول رئيس أميركي) “رسالته السنوية” أمام الكونغرس في مدينة نيويورك التي كانت آنذاك عاصمة مؤقتة للبلاد، ثم تبعه في ذلك خلفه جون آدمز.
لكن الرئيس الثالث توماس جيفرسون عارض هذا التقليد معتبرا أنه يتسم بطابع شبيه بالأنظمة الملكية ولا يليق بديمقراطية جديدة، واستبدله بإرسال رسالة خطية سنوية إلى الكونغرس بدلا من المثول أمامه، وهو الأمر الذي اتبعه الرؤساء اللاحقون طوال أكثر من قرن.
وأحيا الرئيس وودرو ويلسون تقليد إلقاء الخطاب شخصيا أمام الكونغرس إثر دخول البلاد عهد ثورة الإعلام الجماهيري عبر الإذاعة في مرحلة أولى ثم التلفزيون، حيث أصبح الأميركيون مع انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1932 يستمعون إلى الرؤساء عبر الإذاعة ويشاهدونهم في الأفلام الإخبارية بقاعات السينما.
وفي عام 1945 أصبحت هذه الرسالة الرئاسية السنوية تعرف رسميا بـ”خطاب حالة الاتحاد” وتذاع مباشرة في الإذاعات والتلفزة بعد انتشار أجهزتها في خمسينيات القرن الماضي. وقد غير الرئيس ليندون جونسون موعد إلقاء الخطاب من فترة الظهيرة إلى المساء لإتاحة متابعته من قبل أكبر عدد من المشاهدين.
ظهر الرد التقليدي المتلفز للمعارضة على خطاب حالة الاتحاد عام 1966 عندما أدلى نائبان جمهوريان في الكونغرس (أحدهما جيرالد فورد الذي أصبح لاحقا رئيسا للبلاد) برد للجمهوريين على خطاب الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون عن حالة الاتحاد.
ورد الحزب الديمقراطي عام 1970 على خطاب الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون وكذلك على خطابه عام 1973، كما رد الحزب على خطابات الرئيس الجمهوري رونالد ريغان عاميْ 1982 و1985، إضافة إلى رده لأول مرة باللغة الإسبانية عام 2004 على خطاب الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن.
وفي عام 1997 قدم الحزب الجمهوري رده على خطاب الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، وفي عام 2011 قدم حزب الشايبدوره رده على خطاب الرئيس الديمقراطي باراك أوباما.
خطابات بارزة
ألقيت خطابات عن حالة الاتحاد على مدى عقود لإعلان أو تسجيل لحظات تاريخية أو الدفاع عن أفكار أو مواقفسياسية مصيرية، لكن الخطاب الذي مهد لإعلان استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون من منصبه ظل فريدا في تاريخ أميركا.
ففي خطاب عام 1974 عن حالة الاتحاد أمر نيكسون بوضع حد للتحقيقات في قضية “ووترغيت” -التي أرّخت لفضيحة سياسية كبرى تورطت فيها إدارته- معتبرا أن “سنة على وقع الفضيحة تكفي”، لكنه اضطر إلى تقديم استقالته من منصبه بعد سبعة أشهر من إلقاء خطابه.
وفي عام 1964 أعلن الرئيس ليندون جونسون في خطاب حالة الاتحاد “حربا غير مشروطة على الفقر”، وهو ما شكل القاعدة الأولى لبرامج مثل “ميدي كير للرعاية الصحية”، وبرنامج “دعم المواد الغذائية للطبقات المعوزة”.
وظل خطاب الرئيس إبراهام لنكولن عام 1862 -الذي اعتبر أول خطاب من نوعه قدم بطريقة شفهية، بعد أن اعتاد الرؤساء قبل ذلك تقديم نص مكتوب لخطاب حالة الاتحاد- عالقا بأذهان الأميركيين، خاصة الجزء الأخير منه الذي تطرق فيه لتحرير العبيد.
وألقى الرئيس بيل كلينتون عام 1996 خطابه الذي تضمن عبارة “ولّى زمن الحكومات الكبيرة”، والتي اعتبرت إشارة ضمنية لمشروعه الانتخابي والحملة التي كان مقبلا عليها لإعادة انتخابه رئيسا للبلاد.
ومن بين أبرز الخطابات التاريخية عن حالة الاتحاد ذلك الذي ألقاه الرئيس جورج بوش الابن عام 2002 بعد أشهر معدودة من هجمات 11 سبتمبر 2001، وتحدث فيه عن دول “محور الشر” (إيران والعراق وكوريا الشمالية) محذرا من “الخطر المتزايد الذي يشكله سعي أنظمة هذه الدول لحيازة أسلحة الدمار الشامل”
المصدر : الجزيرة