تاريخ ونشأة الصحافة الفلسطينية !!!
تعد فلسطين من أقدم الدول العربية التي عرفت الطباعة حيث دخلتها عام 1830م على يد " اليهودي " نسيم باق ومرت بتجاربها المبكرة ويعود ذلك إلى مركزها الديني المهم بإعتبارها مهبط الديانات وأن هذا الإهتمام بالطباعة يعكس الإهتمام بالصحافة بإعتبارها الأداة الإعلامية المتاحة والصوت المعبر عن آراء الجماهير والطوائف من ناحية والحكومات من ناحية أخرى وكان هذا الاهتمام ابتداء من عام 1876م .
ولقد عرفت فلسـطين الصحافة في وقت مبكر مع العالم العربي التي تنطوي تحت لوائه واحتلت المركز الخامس وهذا في حد ذاته يعد خير شـاهد على معرفتها للصحافة مبكراً بعد مصر والتي عرفتها عام 1798م ولبنان التي عرفتها عام 1858م وسوريا عام 1865م والعراق عام 1869م .
و لقد ارتبطت نشأة الصحافة الفلسطينية بنشأة الصحافة العربية فلم تتطور الصحافة في فلسطين خلال النصف الثاني من القرن التاسع كما تطورت في البلاد العربية الأخرى لاعتماد الفلسطينيين على الصحف السورية واللبنانية والمصرية التي سبقت في نشأتها الصحافة الفلسطينية .
وتشير معظم الدراسات التي قام بها الباحثون والمهتمون بتاريخ ونشأة الصحافة الفلسطينية إلى أن بداية الصحافة الفلسطينية كانت عام 1876م حيث كان صدور صحيفة القدس الشريف في هذا العام وكانت في ذلك الوقت تحت إشراف الحكومة العثمانية وتصدر باللغتين العربية والتركية وكان يحرر القسم العربي فيها الشيخ علي الريماوي ، أما القسم التركي فكان يحرره عبد السلام كمال وكانت الصحيفة الرسمية الأولى باسم الحكومة وتصدر بصفة شهرية . ومنذ نشأتها مرت الصحافة الفلسطينية بالعديد من المراحل المختلفة حيث تأثرت كل مرحلة بالظروف السياسية والإجتماعية والعسكرية المختلفة والمتعاقبة على فلسطين لذا فإن السمة الغالبة على الصحافة الفلسطينية هي سمة التعبئة الجماهيرية والتحريض والدفاع عن الأرض ولقد مرت الصحافة الفلسطينية بمراحل خمسة بداية من العهد العثماني وحتى الان:
المرحلة الأولى / مرحلة النشأة في ظل الحكم العثماني وتبدأ من 1876 – 1918
لم يكن دخول الصحافة إلى الولايات العربية الخاضعة للحكم العثماني منحة من سلطان يرى فيه رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه بل كان نتيجة تظافر عوامل عدة لتفرض على السلطة العثمانية القبول بدخول الطباعة وما تلى ذلك من ظهور للصحافة في الولايات العثمانية لا سيما في فلسطين حيث صدرت أول صحيفة في فلسطين بعنوان ( القدس الشريف ) وذلك عام 1876م بإشراف الحكومة العثمانية حيث صدرت باللغتين العربية والتركية وكانت تنشر الفرمانات والأنظمة والأوامر الحكومية ويحرر القسم العربي فيها علي الريماوي ويساعده راغب الحسين ، وهي جريدة شهرية وتعتبر الجريدة الرسمية الأولى في البلاد ،
وفي نفس العام صدرت في مدينة القدس صحيفة " الغزال " وهي شبه رسمية يحررها على الريماوي ، ومن الملاحظ أن هاتين الجريدتين لم تصدران بشكل منتظم ، وفي هـذه الفترة جرت محاولتان متواضعتان لإصدار مجلة "مدرسة صهيون"عام 1906م، ومجلة "الترقى" 1907م إلا أن عام 1908م يعتبر نقطة انطلاق للصحافة في فلسطين بعد إعلان الدستور العثماني الذي نص على جواز إصدار الصحف ، وأطلق بعض الحريات أمام إصدار الصحف وقد بلغ عدد الصحف الصادرة في فلسطين حتى مطلع الحرب العالمية الأولى ستاً وثلاثين صحيفة منها : السياسية،والأدبية،والهزلية،صدر أكثرها أسبوعياً أومرتين في الأسبوع
ولقد أجاز إعلان الدستور في 11 تموز 1908م حرية التعبير فهب أصحاب رأس المال الوطني وهب معهم حملة الأقلام وبدءوا الخطوة الأولى في رحلة الصحافة الفلسطينية الشاقة في الطريق الطويلة الوعرة نحو النصر والاستقلال الوطني .
والواقع أن هذا العدد من الصحف في بلد قليل السكان ونسبة الأمية كانت مرتفعة يفترض أنه ظاهرة سلبية إلا أنه يعكس في حقيقة الأمر رغبة جماهيرية نحو التحرر والتطور الاجتماعي والتقدم
ومـن الصـحف السـياسية التي صـدرت في القـدس عام 1908 م " القدس" و" الصحف " ، و" الإنصاف " ، و" النجاح " و" النفير " و " الكرمل " في حيفا ، وفي عام 1909م صحيفة يافا ومنها " الاعتدال " ، و" الأخبار " و " الأسبوعية " ، و" فلسطين " عام 1911م للأخوين عيسى ويوسف العيسى ، و" المنادى " 1914م بالقدس لسعيد الجار الله ومحمد موسى المغربي الذي أصدر أيضاً " المنهل " الأدبية عام 1913م ولم يقتصر النشاط الصحفي في العهد العثماني على الصحف السياسية بل ظهرت عدة مجلات أدبية عالجت شئون السياسة وقد صدر بين عامي 1906- 1914م أربعة عشر مجلة أدبية من بينها أربعة مدرسية وكانت مجلة الدستور من أهم المجلات المدرسية وصدرت عام 1910 لخليل السكاكيني وحررها جميل الخالدي.
وكانت الشئون الصحفية في هذه الفترة مرتبطة بالنظارة " وزارة المعارف " ونظارة الداخلية في اسطنبول ، والرقابة كانت أحد السيوف المسلطة على رقاب الصحافة والعاملين فيها وخصوصاً في أوقات الحروب فيراقبها مراقب المطبوعات " المكتبجي " في الولاية وفق مزاجه الذي كان يصل أحياناً إلى حد العقاب الجسدي يضاف إلى ذلك تعقيدات ومصاعب الحصول على رخصة إصدار صحيفة وعدم التزام الموظفين بالقرارات الإدارية طمعاً في الحصول على الرشاوي من مقدمي الطلبات ، وقامت الصحافة الفلسطينية في تلك القترة بخدمة الحاجات المحلية في البلاد وأدت إلى تقوية الروح المحلية والإحساس بالوعي فكانت الصحف منبراً لرجال الإصلاح ، و حاملي لواء الوطنية وسعي أصحاب الصحف إلى معالجة المشكلات التي كانت تشكو منها البلاد حتى أصبحت الدعوة إلى الإصلاح من أهم مواردها ،
وتوقفت معظم الصحف عن الصدور لاندلاع الحرب العالمية الأولى ولمدة أربع سنوات وظل الحال كذلك حتى بداية الانتداب البريطاني عام 1917م لتبدأ الصحافة الفلسطينية مرحلة جديدة في ظروف سياسية وإقتصادية جديدة ، تهافت الناس على قراءة الصحف فيها مما حملته من حوادث ذات صلة بمستقبلهم ومستقبل بلادهم .