من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور.
كاتب الموضوع
رسالة
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الثلاثاء 05 مارس 2019, 3:54 pm
في المعتاد وبطبيعة الحال، لا يتمتع المسؤولين الأتراك بنفس الثقل والزخم الإعلامي الذي يصاحب رئيس الجمهورية "رجب طيب أردوغان"، وهو زخم يرافق تصريحاته سواء تلك التي تنطلق من خلفية حقيقية على أرض الواقع أو تلك التي تصنف في الإطار الدبلوماسي البحت، ورغم تلك الحقيقة البديهية إلا أنه لا يمكن لأحد تجاهل خط سير الدبلوماسية التركية التصاعدي خلال فبراير/شباط الحالي تجاه قضية أقلية "الإيغور"، وهو خط سير أتت أحدث إضافاته يوم الاثنين الموافق 25 فبراير 2019 على لسان الوجه الرسمي للدبلوماسية التركية "مولود أوغلو" وزير الخارجية، في كلمته بافتتاح الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مطالبًا الصين بـ «احترام حقوق الإيغور في خضم تقارير الانتهاكات المثيرة للقلق»، مع إقرار أنقرة بما أسماه «حق الصين في مكافحة الإرهاب».
منذ عام 2017، بدأت التقارير الصحافية والحقوقية تتوالى عن قيام الصين باحتجاز الآلاف من الأقلية المُسلمة المنتمية للعرق التركي والمعروفة باسم "الإيغور"، والمتمركزة بإقليم "شينجيانغ" شمال غربي الصين، في مراكز احتجاز ضخمة أقيمت خصيصا لأجل ما تسميه بكين بـ «إعادة تأهيل الإيغور»، وهي مراكز تعتبرها الصين «تعليمية» بينما يراها الإيغور على أنها مراكز "تغيير عقل وهوية"، حيث تقوم الحكومة الصينية فيها بحسب شهادات بعض الناجين بتجريدهم من ثقافتهم وتراثهم الإسلامي الخاص لأجل إنتاج صورة جديدة يُعرّفون أنفسهم من خلالها كصينيين أولا وقبل كل شيء.
وبالرغم من توالي التقارير الحقوقية التي تُفيد بأن عدد الإيغور المحتجزين بمثل هذه المراكز قد وصل تقريبا لمليون فرد يخضعون لعملية "غسل مخ" منظمة، تتضمن التعذيب والإكراه على بعض العادات المخالفة لعقيدة الإيغور الإسلامية، كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير وترديد العبارات المؤيدة للحزب الشيوعي الصيني، رغم ذلك فإن الإدانة الدولية النادرة لمراكز الاحتجاز الصينية لم تكن على قدر كبير من التأثير مع قلتها وخفوتها، إلا أنه وفي التاسع من فبراير/ شباط الحالي أعلنت إحدى الصحف التركية عن وفاة(1) الفنان "عبدالرحمن هييت" بأحد مراكز الاحتجاز الصينية المذكورة.
أُلقي القبض على "هييت" عام 2017 في مدينة أورومتشي، عاصمة شينجيانغ، على خلفية اتهامات تتعلق بإحدى أغنياته والمسماة بـ "Atilar" أو "الأجداد"، وبالرغم من أن كافة أغاني هييت كانت قد نالت موافقة(2) الحكومة الصينية، كما صرحت الفنانة الإيغورية "رحيمة محموت"، فإن أحدا لا يدري على وجه الدقة السبب الذي من أجله تم القبض على هييت والحُكم عليه بالسجن لثماني سنوات، كان قد قضى اثنتين تقريبا منها، قبل الإعلان غير المؤكد عما إذا كان قد توفي بالفعل أم لا. وكان الخبر ليمر مرور الكرام على اعتبار عدم بروزه مقارنة بأخبار الساحة الدولية الأخرى، لولا بيان أصدرته وزارة الخارجية التركية في اليوم التالي مباشرة تُدين فيه ما أسمته بـ «سياسة الإدماج المنهجي التي تمارسها السلطات الصينية على الإيغور الأتراك»، وأضافت الوزارة التركية أنها ترى في تلك السياسة «إحراجا كبيرا للإنسانية»، حد وصف(3) المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية "هامي أكسوي".
لسنوات طويلة ماضية، اُعتبرت تركيا هي المدافع الأول عالميا عن حقوق الأقلية الإيغورية بالصين، ولأسباب معدودة، ذكرتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، يأتي على رأسها صلة القرابة التي يرتبط بها القوميون الأتراك مع الإيغور الصينيين معتبرين إياهم جزءًا لا يتجزأ من عائلة تركية عرقية كبيرة ممتدة عبر الحدود، ضمن النطاق الجغرافي المعروف بـ "أوراسيا" والذي يضم دولا من أوروبا وآسيا تنتشر فيها أقليات الإيغور عبر الحدود، وتجمعهم الديانة الإسلامية واللغة القريبة من التركية (تعد إحدى لهجاتها).
لكن تلك العلاقة بين تركيا والإيغور واجهت العديد من التحديات على مر السنوات الماضية، خاصة مع النمو المتزايد للعلاقات التركية-الصينية التي تجعل من البديهي التساؤل عما سيكون الموقف التركي عليه مستقبلا حينما تتعارض مصالحها الاقتصادية والسياسية مع موقفها من الإيغور «أبناء العشيرة» كما يطلق الأتراك عليهم، وهو موقف واجه تحديا صعبا منذ عامين بالفعل، وبالتحديد حينما أعلنت الحكومة التركية عن القبض على اثنين من الإيغور الصينيين يشتبه في تورطهما بعملية تفجير ملهى إسطنبول الشهيرة، ليلة رأس السنة عام 2017، إلا أن الموقف التركي الدبلوماسي والفعلي مازال يستحق الرصد والاستشراف، خاصة مع الموقف السعودي المفاجئ وغير المعتاد والذي عبر عنه ولي عهد المملكة "محمد ابن سلمان" أثناء زيارته للصين منذ أيام قليلة، وهو موقف صدم الإيغور الذين انتظروا الكثير ممن يُعد "خادم الحرمين الشريفين" القادم -حتى الآن- في خضم معاناتهم مع قبضة النظام الصيني «القمعية».
تأسيس: متى بدأت معاناة الإيغور؟ كانت أقلية الإيغور قبائل متفرقة تعيش في منغوليا(4) قبل أن يستقر بهم المقام في القرن الثامن الميلادي في إقليم شينجيانغ الصيني، وهو إقليم ظل لقرون لاحقة محل صراع وسيطرة متبادلة(5) بين سلالة تشينغ و"أمراء الحرب" الصينيين. إلا أنه وفي مطلع العام 1940، وبمساعدة الاتحاد السوفيتي، استطاع الإيغور التمرد وفرض سيطرتهم على الإقليم وإعلان قيام دولة "تركستان الشرقية" المستقلة عن الصين.
لم يتجاوز عمر الدولة الناشئة حديثا خمس سنوات أو أقل قليلا قبل أن تستعيد بكين مرة أخرى سيطرتها على الإقليم بمساعدة سوفيتية أيضا، وكان الاختلاف الذي حدث حينها هو أن الصين قد أصبحت تحت زعامة "ماو تسي تونج"، الرئيس الشيوعي التاريخي ومؤسس الصين الشعبية الحديثة، وهو الذي وضعت سياساته الإيغور وأقليات أخرى تحت المطرقة الأمنية الثقيلة للحكومة الشيوعية الجديدة.
تسببت السياسات الشيوعية في هروب الآلاف من "الإيغور" للدول المجاورة، وهي دولٌ كانت جزءً من الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، وأتى النزوح الجماعي نتيجة لمحاولة الصين القضاء على الثقافة الإيغورية بكل ما يعنيه هذا من طمس للغتهم وعاداتهم وتراثهم وعقيدتهم الدينية. ثم بدأت مرحلة جديدة من محاولات فرض السيطرة الشيوعية على إقليم شينجيانغ، وتمثلت المحاولات في تنظيم هجرة "الهان" الصينيين إلى تركستان الشرقية لإقامة أغلبية عرقية تتجاوز الإيغور في الإقليم المعروف بأهميته الحدودية للصين، كما هو معروف أيضًا بثرواته الطبيعية من فحم ونفط وغاز طبيعي.
كيف ارتبط الإيغور الصينيون بتركيا؟ لم تتوقف علاقة الأتراك مع الإيغور عند حدود القرابة فقط، فعند انفصال تركستان الشرقية طويل المدى عن الصين في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، كانت أنقرة هي الحليف الأهم(6) للإيغور حينها بمحاولة مساعدة الدولة الناشئة على الوقوف والاستمرار، وإن لم يدم الأمر طويلا في تلك الفترة، فقد استمرت تركيا فيما بعد ذلك بتقديم ملاذ آمن للإيغور الهاربين من الاضطهاد العرقي في الصين، وشمل ذلك قادة الإيغور من أمثال "عيسى يوسف ألبتكين" المعارض الذي تولى الدفاع عن قضية تركستان الشرقية محليا وعالميا حتى وفاته عام 1995 بالعاصمة التركية اسطنبول.
استمرت تركيا على حالها في استقبال الإيغور الفارين من الأوضاع الصعبة الصينية منذ مطلع الخمسينات تقريبا، وفي عام 1965 قامت بتأسيس مجتمع محلي للإيغور في مدينة "قيصري" حيث يتمركز أغلب الإيغور بتركيا الآن، وكان ذلك بعد أن أرسلت طائراتها لإنقاذ 200 من الإيغور على حدود العاصمة الأفغانية كابول، بعد أن هربوا من الصين لأفغانستان سيرًا على الأقدام.
بحلول التسعينات، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، بدأ الإيغور في اللجوء إلى دول الجوار المنفصلة عن السوفييت، والتي كانت تأوي بالفعل أقليات من الإيغور سواء نشأوا بها أو هربوا إليها من الصين، الأمر الذي جعل التخوف الصيني من انفصال إقليم شينجيانغ يزداد بتكون هذه المجتمعات الموالية له على حدودها، وهو ما ازداد معه بشكل طردي كلا من الهجرة المنظمة لـ "الهان" الصينيين للإقليم، وكذا الاضطهاد العرقي لأهالي الإقليم الإيغوريين، الأمر الذي كاد يصل لحرب أهلية جديدة في الصين بحلول عام 2009، وكاد كذلك أن يصيب العلاقات الصينية التركية، الناشئة في ذلك الوقت، في مقتل.
ماذا عن العلاقات الصينية التركية؟ في أغسطس/آب 1992 تم توقيع بروتوكول التعاون الصيني التركي المشترك(7)، والذي شكل حجر الأساس في نشأة العلاقات بين كلا الدولتين في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية فيما بعد، وفي العام نفسه تم تشكيل "مجلس الأعمال الصيني التركي" والذي يشهد اجتماعات دورية لرجال الأعمال من كلا الدولتين لأجل تحسين العلاقات التجارية بينهما، ولمناقشة المشكلات التي تقف عائقا أمام إنشاء تجارة حرة بينهما.
أخذت العلاقات بين الدولتين منحىً تصاعديًا منذ ذلك العام وما بعده، ففي عام 1995 زار الرئيس التركي حينها "سليمان ديميريل" بكين بمرافقة وفد من رجال الأعمال الأتراك، الأمر الذي تكرر بعد ذلك تقريبا في عهد كل رئيس تركي، مرورا بالرئيس السابق "عبدالله غول"، وليس انتهاءً بالرئيس الحالي "رجب طيب أردوغان" الذي زار تركيا كرئيس وزراء عام 2012، وهي زيارة أتت مقابل زيارة قبلها لتركيا في أوائل العام نفسه للرئيس الصيني الحالي تشي جين بينج، والذي كان نائب الرئيس الصيني حينها.
" سليمان ديميريل" رئيس تركيا التاسع من 1993 إلى 2000 (مواقع التواصل)
شكلت هذه الزيارات محورا لإقامة علاقات اقتصادية جعلت من الصين فيما بعد ثاني أكبر شريك تجاري( لتركيا عالميا، والأول في شرق آسيا، وبقيمة استثمارات كلية بلغت ما يعادل 26 مليار دولار أمريكي بحلول نهاية العام الماضي، في مجالات مختلفة كالطاقة والبنية التحتية والاتصالات والثروة الحيوانية، وهو رقم يستهدف البلدان رفعه للضعف مستقبلًا ليصل إلى 50 مليار دولار بشكل مبدئي.
وعلى الرغم من استمرار العلاقات التجارية بين الصين وتركيا بطريقة شبه مستقرة منذ نشأتها، فإن عدد من الأزمات كاد أن يصيب هذه العلاقات بالشلل، وفي مناسبات عدة كانت العلاقات التركية بالإيغور محورا رئيسًا لهذه الأزمات، وفي المقابل كان «القمع الأمني»، بوصف المنظمات الحقوقية الرئيسة الدولية والذي تمارسه الحكومة الصينية ضد الإيغور؛ كان ذلك القمع ليس فقط محلا لانتقادات الحكومة التركية بين حين وآخر، ولكنه أدى كذلك لإثارة انتقادات الإيغور(9) أنفسهم للعلاقات الناشئة بين موطنهم الآمن في تركيا وبين الصين، مع تساؤلاتهم عما إن كانت هذه العلاقات قد تحرمهم يوما من أبرز ملجئ آمن عالمي لهم.
وقد أتت واحدة من أهم الأزمات التي كادت أن تعصف بالعلاقات التركية الصينية عام 2009، عندما اشتعلت أحداث العنف(10) في إقليم شينجيانغ على خلفية مقتل اثنين من الإيغور في صدام جرى بينهم وبين صينيي الهان بأحد المصانع الصينية هناك، صدام تحول لمظاهرات وأحداث عنف قُتل فيها مائتي شخص تقريبا وأُصيب مئات آخرين. ووقتها، أجرت الحكومة الصينية تعتيما إعلاميا شبه كلي على حقيقة ما جرى بالفعل، مُتهمة الإيغور بـ «إشعال الخلاف» الذي تسبب في أعمال العنف، وإلى جانب العنف الأمني الصيني أثناء محاولات فض الاشتباك الحادث، فإن حملات الاعتقال الأمنية وأحكام الإعدام التي شهدتها شينجيانغ خلال الأحداث وبعدها كانت هي الأخرى لا تقل وطأة عما جرى، مما أطلق رد الفعل التركي الأكثر حدة على النظام الصيني وقتها عالميًا.
لم يكن المناخ التركي وقتها متساهلًا كثيرًا مع الصين، حيث قد أكثر من ستين عضوًا تركيًا في لجنة الصداقة الصينية-التركية استقالتهم اعتراضًا على ما يحدث، وطالب وزير الصناعة التركي وقتها بمقاطعة البضائع الصينية، أما أردوغان فقد صعّد من رد الفعل التركي بقوله إن الصين «ترتكب إبادة جماعية، ولا فائدة من وصف ما يحدث بأي وصف آخر»، وهو وصف وردود أفعال لم تتقبلهم الصين بصدر دبلوماسي رحب بطبيعة الحال، وسرعان ما خرجت افتتاحية التحرير لصحيفة "الصين اليوم"، الصحيفة الحكومية، لتطالب أردوغان بسحب تصريحاته منبهة إياه بألا «يلوي عنق الحقائق».
لم تقبل الحكومة الصينية أيضًا ما وصفته بـ «ازدواجية(11) المعايير» في إشارتها للانتقادات الدولية النادرة وفي القلب منها الانتقادات التركية الأعلى صوتًا، لكن الأمور بالنسبة للإيغور وقتها لم تتجاوز نطاق تلك الإدانة الدولية من بعض الحكومات ومنظمات حقوقية عدة حول العالم، ولم يكن مستبعدا في ظل أعمال العنف التي شهدتها الصين أن تزداد قبضتها الأمنية قوة على الإيغور بعد ذلك، وقد حدث ذلك بالفعل بعد أحداث الربيع العربي عام 2011 خوفا من امتداد موجة التظاهر للإقليم أو نشوء مطالبات جديدة بالانفصال، لكن ما لم تتوقعه الحكومة الصينية أو التركية حينها هو أن يترك بعض الإيغور كلاً من الصين وتركيا في طريقهم إلى «الجهاد» في سوريا والعراق وأفغانستان.
هل الإيغور «إرهابيون» حقًا؟ لم يترك النظام الصيني فرصة في أي مكان لإعلان أي شكل من أشكال تورط بعض الإيغور فيما يطلق عليه «الجهاد الإسلامي المسلح» في دول عدة تأتي سوريا على رأس قائمتها، لذا فقد أتت تفجيرات الملهى الليلي بإسطنبول مطلع عام 2017 كفرصة مثالية لبكين لدفع أجندتها الإعلامية المضادة، خاصة بعدما وضعت السلطات الأمنية التركية بعض أفراد الإيغور القاطنين بتركيا ضمن قائمة المشتبه بهم والتي ضمت حزب العمال الكردستاني وأقليتي القرغيز والتركمان، ثم أتى اعتقال بعض الإيغور بتركيا للاشتباه ليزيد من الترويج الصيني، رغم أن المشتبه به في النهاية والمنتمي لـ "تنظيم الدولة الإسلامية" كان أوزباكستانيًا.
لكن القبول الصحافي الغربي لفكرة انتشار «المد الجهادي» كما سمي من أطراف آسيا للشرق الأوسط ساعد كثيرًا في دفع الاتهامات الصينية للإيغور بشكل عام وبلا تخصيص للعناصر الاستثنائية المتمردة، ثم أتت الاعتقالات التركية المذكورة لتثير تساؤلات حول تغيرات عكسية محتملة في الفترة ما بين إعلان "أردوغان" مساندته للإيغور في زيارة 2012 للصين، وهي زيارة خصص جزءً منها لزيارة تركستان الشرقية، بجانب تاريخ الأتراك الحافل بمساندة الإيغور، وبين عام 2017 وما تلاه من قلق تركي شبه دائم من العمليات العنيفة المحتملة على أرضها بين المدنيين، وهي تساؤلات استغلتها الصين جيدًا في بناء أجندتها الدعائية المضادة بمساندة أحد أهم مشاريعها القومية المستقبلية: طريق الحرير"
لفهم الأمر أكثر، فقد بدأت بكين عام 2013 مشروعها العالمي لإحياء طريق الحرير القديم من جديد تحت شعار «حزام واحد-طريق واحد» (12)، وهو مشروع سيربط ثلاث قارات (آسيا وإفريقيا وأوروبا) بشبكة عملاقة من الطرق البرية والسكك الحديدية باستثمارات تبلغ عشرات المليارات من الدولارات في دول عدة بدأت بكين ببسط نفوذها فيها، واستغلت رغبة بعض الدول في أن تصبح جزءً من المبادرة العالمية لتحقيق بعضًا من مصالحها الخاصة، وهي مصالح أتى الإيغور كجزء رئيس منها، فضلًا عن ارتباط إقليم "شينجيانغ" نفسه بالمبادرة العالمية كونه جزءً هاما من طريق الحرير القديم وبالتبعية من الطريق المستقبلي الجديد، ما وضع الإيغور بين المطرقة والسندان.
بدأت الصين، وبموجب النفوذ الجديد الناشئ والمتصاعد ببطء، ضغطا عالميا(13) على دول الجوار السوفيتية سابقا وعلى دول أخرى كماليزيا وتايلاند والدول المرتبطة بمبادرة طريق الحرير عمومًا لأجل تسليم الإيغور النازحين إليهم، وأدت تلك المطالبات وبعض الاستجابات من تلك الدول بدفع الإيغور للبحث عن دول أخرى للفرار من القبضة الأمنية الصينية، ولما كانت الخيارات تكاد تكون منعدمة أدى ذلك بالفارين إلى أفغانستان ومنها إلى العراق وسوريا وغيرها من دول الصراع الشرق أوسطية.
أتت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة بتركيا عام 2016 لتمثل نقطة أخرى محورية في أزمة الإيغور بالصين
رويترز
وبرغم الاتهامات الصينية غير المثبتة بحال نظرًا لتعميمها على كامل الإيغوريين، فإن سُمعة أفراد الإيغور المعدودين بين الجماعات المسلحة في سوريا بالأخص يمكن وصفها بـ «الطيبة»، إذ أنهم «يهتمون بشؤونهم الخاصة ولا يفرضون الضرائب على الناس»، إضافة لكونهم «موضع قبول شعبي» عن المقاتلين من مناطق أخرى، كما يصفهم "مهند الحاج علي" في قطعته البحثية(14) على موقع مركز كارنجي للدراسات، وهي صورة تخالف بالكلية ما يحاول النظام الصيني الترويج له دائمًا حتى في إطار المنضمين للجماعات المسلحة بالفعل.
لم يكن طريق الحرير هو الوسيلة الوحيدة لبناء الأجندة الصينية الدعائية المضادة للإيغور، وقد أتت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة بتركيا عام 2016 لتمثل نقطة أخرى محورية في أزمة الإيغور بالصين، إذ أن المحاولة، والتي أعقبها فجوة في العلاقات التركية بالغرب(15) الذي تراوحت ردود أفعاله ما بين الصمت أو تأييد الانقلاب بشكل ضمني وعلى رأسه الولايات المتحدة؛ كانت تعني بطريقة أخرى توجه أنقرة بشكل أكبر ناحية بكين، لدرجة هددت معها الأولى في أكثر من مناسبة بسحب طلبها للانضمام للاتحاد الأوروبي مقابل أن تحصل على عضوية كاملة بمنظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة شرق آسيا الرئيسة والتي أصبحت تركيا شريكًا فاعلًا بها من غير الأعضاء عام 2012.
إذن تضغط الصين باستخدام أوراق لعب متعددة، بدءً من تعميم استثناءات إيغورية في الانضمام للجماعات المسلحة محاولة اسقاطها على كامل الإيغوريين بلا دلائل حقيقية، وهي استثناءات ربما لم تكن لتوجد لولا استعمال بكين لورقة ضغط طريق الحرير التي سدت بها أغلب منافذ نزوح الإيغور، ومرورًا باستغلالها لورقة الاستعداد الغربي الدائم لقبول نظرية انتشار أي مد "جهادي" في أي مكان وفي أي وقت، وهو قبول وصل في بعض أحيانه لاقتناع عدد لافت من الأمريكيين بوجود «مد للشريعة الإسلامية» ينتشر داخل الولايات المتحدة، وليس انتهاءً باستغلالها لورقة العلاقات المتوترة بين أنقرة والغرب في الثلاثة أعوام الأخيرة لتعميق الشراكات الثنائية مع الأولى مقابل الضغط عليها في ملف الدفاع عن الإيغور.
تركيا والإيغور.. إلى أين؟ ضمن تحقيق(16) أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وبالاستعانة بصور الأقمار الصناعية وبفريق قام بزيارة إقليم شينجيانغ محاولا استكشاف الحقيقة حول مراكز الاحتجاز الصينية، دون أن يصل الفريق إلى الكثير داخل الإقليم، فإن الصور قد أوضحت بناء العديد من المنشئات الضخمة ما بين أعوام 2015 و2018، وهي منشئات يرجح أنها مراكز احتجاز واعتقال وربما سجون عملاقة تتسع لما يقدر بـ 130 ألف معتقل، وأتى التحقيق ضمن طرق نادرة حاولت دحض الإنكار الصيني الرسمي لوجود مثل هذه المعتقلات.
ويعتقد أن هذه المعتقلات ليست سوى جزءً من منظومة متكاملة تسعى بها الصين لمحو هوية الإيغور بشكل كامل، وتتضمن تلك المنظومة أيضًا منع ارتداء الحجاب أو إطلاق اللحية(17)، وإغلاق المساجد وحظر الصلاة والصيام، وغيرها مما يتعلق بمحو كل ما يرتبط بالهوية الإسلامية من جهة وبالتراث الإيغوري من جهة أخرى، وفي ظل صمت الدول الإسلامية الكبرى مثل السعودية وباكستان عما يحدث للإيغور في الصين، خاصة بعدما أعلنها ولي العهد السعودي صراحة أثناء زيارته لبكين منذ أيام قليلة بأنه «من حق الصين مكافحة الإرهاب وتطهير الدولة من التطرف» حد تعبيره، بلا أي إشارة للإيغور الذين كانوا ينتظرون رد فعل سعودي واضح ومساند لهم، في ظل ذلك فإن تركيا تمثل ما يمكن اعتباره طوق النجاة الأخير لبعض الإيغور الذين بدأوا بالفعل منذ زمن في التوجه لدول كـ "سوريا"(18) لأجل إيجاد طريقة لتعلم الدفاع عن أنفسهم وممارسة العمل المسلح، وربما العودة إلى الصين فيما بعد لـ «مقاومة القمع الصيني» كما جاء في تقرير وكالة أسوشيتد برس الحصري.
لكن الدفاع التركي الدبلوماسي في معظمه لم يمنع ما وصفه بعض الإيغور بـ «خيبة الأمل» جراء اكتفاء أنقرة بإدانة الأفعال الصينية دون أن ترفع مستوى الإدانة لمستوى أعلى وأكثر تأثيرًا، وهو اكتفاء يرجع في جزء منه على ما يبدو كون الصين هي الملاذ الوحيد أمام أنقرة للنهوض من عثرتها الاقتصادية التي تلت انهيار الليرة في الأعوام التالية لمحاولة الانقلاب الفاشلة(19)، بالإضافة للارتباط التركي بطريق الحرير الجديد. ورغم كون الإدانات التركية تأتي كموقف سياسي مرتفع المستوى مقارنة بصمت العالم، إلا أنه وإن استمر على وتيرة الإدانة فقط فقد يُفضي بالإيغور في النهاية لعنف مضاد في مواجهة منظومة القمع الصينية، المنظومة التي وإن كانت تحتجز ما يقارب المليون إيغوري في مراكز الاحتجاز التي تقيمها كما تتوارد التقارير غير المؤكدة، فإنها تضع ما بين ثمانية ملايين -على الأقل- إلى 15 مليون إيغوري المتبقين في الإقليم، حسب التقييمات المحايدة، في مواجهة صفرية محتملة معها دون أن يكون لأي منهم ما يخسره مستقبلا.
عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الثلاثاء 17 ديسمبر 2019, 4:37 pm عدل 1 مرات
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الثلاثاء 17 ديسمبر 2019, 4:36 pm
معلومات عن أقلية الإيغور المسلمة
محتويات من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور.
يعاني ملايين المسلمين من الاضطهاد حول العالم ؛ حيث أن الإرهاب لا دين له ، وهو ما جعل بعض السلطات تعادي المسلمين في بعض المناطق ، وقد يصل الأمر إلى حد المجازر والتعذيب والمهانة والذل دون رحمة أو رفق ، وهو ما تعانيه الأقلية المسلمة من الإيغور في الصين ؛ حيث لم تدع السلطات الصينية أي وسيلة لاضطهادهم إلا واتبعتها.
من هم الإيغور هم شعوب من أصل تركي ، ويتركز وجودهم بشكل عام في منطقة تركستان الشرقية ، والمعروفة باسم شينجيانغ التي فرضت الصين السيطرة عليها ، وتبلغ مساحة هذه المنطقة نحو 1/6 مساحة الصين ، كما أن لهم تواجد في مناطق جنوب وسط الصين ، وهم شعوب ينتمون إلى الدين الإسلامي ويتحدثون اللغة الأويغورية ، وهم يمثلون واحدة من ضمن 56 عرقية بجمهورية الصين الشعبية ، ولكنهم يشكلون أغلبية من المسلمين ذي الأصول التركية في إقليم شينجيانغ ؛ حيث يبلغ عدد سكان هذا الإقليم 22 مليون نسمة ومن بينهم 9 مليون ينتمون إلى مسلمي الإيغور.
معاناة الإيغور لقد فُرض على مسلمي الإيغور العديد من القيود التي لم تُفرض على غيرهم من المسلمين الآخرين بالصين ؛ حيث يقوم الحزب الشيوعي الصيني بممارسة أنواع متعددة من الاضطهاد وفرض القيود على الإيغور ، ومن مظاهر هذا الاضطهاد هو حظر الصوم بالنسبة لأعضاء الحزب وموظفي الحكومة والطلاب والمدرسين خلال شهر رمضان المبارك ، كما فُرض حظر قسري على الأطفال كي لا يذهبوا إلى المساجد ، وتم كذلك فرض حظر لارتداء نساء الإيغور للحجاب بالأماكن العامة داخل الصين ؛ حيث تم فرض غرامة بلغت 353 دولار على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
ومن مظاهر الاضطهاد أيضًا القيام بقطع شبكة الإنترنت في كثير من الأحيان عن منطقة الإيغور ، كما تمت عملية إزالة لمواقع إلكترونية تابعة لناشطين من الإيغور ، وقد مُنع عنهم استيراد الكتب الإسلامية من خارج البلاد ، بالإضافة إلى منعهم من السفر من أجل الدراسة الدينية بالخارج ، وتثير هذه الانتهاكات الاحتجاجات والتي قد تتحول إلى صور عنيفة نتيجة للإجراءات الصارمة من قِبل الشرطة ، والتي تُخلّف العديد من الضحايا.
بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور لقد فرضت الصين سيطرتها على الإقليم الذي أطلقت عليه اسم شينجانغ منذ عام 1949م ، ويرجع تاريخ أعمال العنف بهذا الإقليم إلى سنوات عديدة مليئة بالصراعات ، أما عن أزمة فرض القيود ؛ ففي عام 2009م ظهرت احتجاجات مطالبة بالاستقلال عن الصين ، وقد راح أكثر من 200 شخص كضحايا لهذه المظاهرات الاحتجاجية ، وقد بدأت السلطات الصينية في فرض قيودها على الإيغور وتشديد الإجراءات الأمنية عليهم منذ ذلك الحين ، بالإضافة إلى أنها قامت بتفويض رجال الشرطة لقتل كل من يرونه إرهابي من وجهة نظرهم بهذا الإقليم ، وقد أتاحوا لرجال الشرطة استخدام كافة الوسائل التي تتاح لهم في مواجهتهم مع الإرهابيين كما يصفونهم ، وهو ما جعل الشرطة تسارع إلى قتل مسلمي الإيغور دون رحمة.
ومن الجدير بالذكر أن العلاقة بين الصينيين والإيغور قد أخذت طابع الكر والفر ، وذلك منذ أن تمكن الإيغور من إقامة دولة تركستان الشرقية ؛ حيث تمكنت من الصمود على مدار نحو عشرة قرون حتى انهارت قواها أمام الغزو الصيني خلال عام 1759م ، لتعود مرةً أخرى عام 1876م ؛ حتى لحقت بشكل نهائي بالصين الشيوعية عام 1950م ، وقد مرّ الإيغور بعدة ثورات طوال هذه المدة ؛ حيث أنهم نجحوا في بعض الأحيان في استعادة كيانهم ، ولكنهم سرعان ما سقطوا تحت سيطرة الصين ، ويُذكر أن مسلمي الإيغور قد واجهوا مجزرتين عظيمتين بالصين ؛ حيث قُتل منهم أكثر من مليون شخص عام 1863م ، ليرتكب النظام الشيوعي مجزرة أخرى عام 1949م راح ضحيتها أيضًا أكثر من مليون مسلم.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الجمعة 25 فبراير 2022, 7:32 am
[rtl]
تقرير يسلط الضوء على تاريخ طويل لحملات إبادة الإيغور بالصين
نشرت مجلة “نيو ستيتسمان” البريطانية تقريرا سلّطت فيه الضوء على التاريخ الطويل لحملات الإبادة الجماعية التي ترتكبها السلطات الصينية في حق مسلمي الإيغور.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، والذي يأتي ضمن سلسلة خاصة عن الإيغور، عملت عليها، كاتي ستولارد، إنهم ما يزالون متمسكين بعاداتهم وثقافتهم، برغم محاولة الحزب الشيوعي الصيني سلخهم عن ماضيهم.
وتاليا التقرير الرابع ضمن السلسلة بعنوان: “اعتقالات واغتيالات جماعية: التاريخ الطويل لحملات الإبادة بحق مسلمي الإيغور”:
إن افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين يوم 4 شباط/ فبراير انتهى بمشهد يطغى عليه التناقض والابتذال. واختارت الصين المتزلجة الصينية دينيجير ييلاموجيانغ ذات الأصول الإيغورية، والرياضي تشاو جياوين من عرقية الهان، لإضاءة الشعلة الأولمبية. كانت هذه الحركة لفتة بسيطة لكنها ذات معان قويّة وتبعث رسالة واضحة: ما هي الإبادة الجماعية؟
على امتداد السنوات الخمس الماضية، سجنت السلطات الصينية ما لا يقل عن مليون شخص من الإيغور وأشخاص من أقليات عرقية أخرى في المنطقة الشمالية الغربية من سنجان. وتعد عمليات الاحتجاز التي تنظمها من أكبر حملات الاعتقال الممنهجة لمجموعة دينية أو عرقية منذ معسكرات الاعتقال النازية في الحرب العالمية الثانية.
ولا نعرف ما تعتقده ييلاموجيانغ بشأن ما يحدث في سنجان لأنه لم يتم سؤالها. وقد نشرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية بعض التعليقات السريعة التي أدلت بها الرياضية حول مدى فخرها بأن تكون جزءا من هذه الفعاليات.
من جانبها، شجبت إليز أندرسون من “مشروع الإيغور لحقوق الإنسان”، وهي منظمة غير ربحية تقع في الولايات المتحدة، ما حدث في بكين باعتباره “حيلة سياسية تهدف إلى صرف انتباه المجتمع الدولي عن جرائم الدولة الحزبية الفظيعة الموثقة جيدا”.
بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، تعتبر سنجان منطقة حدودية يجب أن تظل تحت سيطرة مركزية قوية خشية أن تصبح قناة للتأثيرات الخارجية لتهديد الدولة الصينية الحديثة، أو الأسوأ من ذلك، فقدان السيطرة عليها تماما. يتشكل هذا الموقف جزئيا من خلال الجغرافيا السياسية. تقع سنجان على بعد أكثر من 2000 ميل غرب بكين وتحدها ثماني دول بما في ذلك أفغانستان وباكستان والهند وطاجيكستان وكازاخستان. إلى جانب التبت، المنطقة الواقعة مباشرة إلى الجنوب، تشكل المنطقتان ما يقرب من ثلث مساحة أراضي الصين.
الامتداد الضيق لحدود سنجان مع أفغانستان، والذي يشمل ممر واخان، يمثل مصدر قلق خاص. وفي حين أعرب المسؤولون الصينيون عن سعادتهم علنًا بالانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان السنة الماضية، تخشى بكين من المخاطر التي قد تجلبها دولة فاشلة على حدودها.
من المعروف أن مقاتلين من حركة تركستان الشرقية الإسلامية، الذين يتمثل هدفهم المعلن في إقامة دولة إيغور مستقلة في سنجان، ينشطون في أفغانستان ولديهم صلات بجماعات متطرفة أخرى. وكما كتب جون سيمبسون، يُعتقد أن ما يصل إلى 5000 من الإيغور قد انضموا إلى تنظيم الدولة في العراق وسوريا، مما يجعلهم من بين أكبر جماعات المقاتلين الأجانب هناك.
عندما نفذ تنظيم الدولة في خراسان تفجيرا انتحاريا في مسجد في مدينة قندوز الأفغانية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، زعم التنظيم أن الانتحاري كان من الإيغور وأن الهجوم استهدف علاقات طالبان المتنامية مع بكين. كما شنت جماعات الإيغور هجمات في الصين نفسها.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، دهست عائلة من الإيغور حشدا من السياح في ميدان تيانانمن بالسيارة، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة 38 آخرين. وفي شهر آذار/ مارس 2014، قتل متشددون يرتدون ملابس سوداء مسلحين بالسكاكين والمناجل 29 شخصا في محطة قطار في كونمينغ جنوب الصين، في هجوم شبهته وسائل الإعلام الحكومية “بهجمات الحادي عشر من سبتمبر في الصين”. وبعد شهرين، قُتل 31 شخصا على الأقل في تفجير انتحاري في سوق في أورومكي، العاصمة الإقليمية لسنجان.
المسؤولون الصينيون سارعوا إلى تبني لغة الحرب العالمية على الإرهاب لتأطير نهجهم تجاه سنجان. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2001، بعد شهر واحد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، جددت بكين مخاوفها بشأن الانفصاليين الإيغور باعتبارهم “تهديدا إرهابيا دوليا مرتبطًا بالقاعدة”، كما كتب الباحث شون روبرتس في كتابه الحرب على الإيغور (2020).
ضاعفت الحكومة حملتها للقضاء على ما أسمته بـ “الشرور الثلاثة” للانفصالية والتطرف الديني والإرهاب الدولي، مما جعل الدعوات لتقرير مصير الإيغور مرادفة لتهديد المتطرفين الإسلاميين. لقد كانت طريقة مريحة وأكثر استساغة من الناحية السياسية للحديث عن العامل الآخر الذي يقود سياسات الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة، ألا وهو الشك المستمر في سكانها.
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في سنة 1949، أرسل ماو تسي تونغ وفدا إلى موسكو لمناقشة مخاوفه بشأن سنجان مع جوزيف ستالين. واتفق الزعيم السوفيتي مع ماو على ضرورة احتلال وإخضاع المنطقة لسيطرة بكين في حالة محاولة القوى المتنافسة “تنشيط المسلمين” وزرع الفتنة. وكان ستالين قد أشار إلى “النفط والقطن في سنجان” ونصح بإرسال المستوطنين الصينيين لتطوير “هذه المنطقة الضخمة والغنية” وتعزيز حماية حدود الصين.
الحكام الصينيون المتعاقبون تعاملوا مع هذه المنطقة من منظور مماثل، باعتبارها موقعًا استراتيجيًا حيويًا للأمن القومي، ومع ذلك لا يمكن الوثوق بسكانها بشكل كامل. كانت هناك فترات من القمع على مدى عقود، لكن صعود شي جين بينغ إلى السلطة في سنة 2012 كان بمثابة بداية فصل جديد وأكثر عدوانية في نهج الحكومة المركزية.
في أعقاب الهجوم على محطة القطار في كونمينغ في سنة 2014، قام شي بجولة في سنجان ودعا السلطات إلى توجيه “ضربة ساحقة”. وحذر من أن استقرار البلاد كلها مهدد، داعيا إلى “حرب شعبية” للسيطرة على المنطقة. وفي السنوات التي تلت ذلك، تبنت السلطات نهجا مدمرا للعقاب الجماعي يستهدف السكان المسلمين في سنجان. وبنيت المئات من معسكرات الاعتقال ومورست رقابة خانقة على السكان. وحسب بعض التقديرات، تم احتجاز ما بين 10 و20 بالمئة من السكان البالغين في سنجان.
في سنة 2018، أظهرت لقطات مصورة بطائرة دون طيار مئات الرجال راكعين على الأرض في انتظار تحميلهم في القطارات. وكانوا حليقي الشعر ومقيدين ومعصوبي الأعين.
وفي ظل تسارع وتيرة الاعتقالات في سنة 2019، أعد المسؤولون المحليون في مدينة توربان في سنجان سيناريو للرد على التساؤلات الأكثر شيوعًا لدى الأقارب المذهولين، من قبيل “أين أفراد عائلتي؟”. ووفقا للوثائق المسربة، أخبروهم بأن أقاربهم متواجدون في “مدرسة تدريب” حكومية وليس هناك “ما يدعو للقلق”. وأوضحت الوثائق أن رسوم المدرسة مجانية، “وكذلك تكاليف الطعام والمعيشة، والمعايير عالية جدا”.
وفي ظل اختفاء البالغين الإيغور في المعسكرات، وثقت مجموعات حقوق الإنسان حالات إرسال أطفال إلى دور أيتام تابعة للدولة حتى عندما كان أقاربهم على استعداد لتبنيهم. وكانوا يتلقون تعليمهم في هذه المؤسسات بلغة الماندرين وفُصلوا عن جذورهم الإيغورية. وفي إطار ما يُعرف باسم حملة “أن تصبح من الأسرة”، يقضي مسؤولو الهان الليل مع عائلات الإيغور، بما في ذلك في المنازل التي تم فيها احتجاز الأقارب الذكور، مما يجعل النساء والفتيات عرضة لسوء المعاملة. كما تم تبني سياسات صارمة لتحديد النسل. وهناك تقارير تفيد بتزويد النساء قسرا بأجهزة داخل الرحم وتعقيمهن دون موافقتهن.
عموما، لا يعتبر ظهور رياضية من الإيغور في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية أمرا مطمئنا. وفي أحسن الأحوال، أظهر حفل إضاءة الشعلة أن الحكومة تهتم بما يكفي بالانتقادات الغربية لمحاولة إرساء الوهم القائل إنها تؤمن بالوحدة العرقية. وفي أسوأ الأحوال، كانت تلك الخطوة بمثابة رؤية للمستقبل حددتها الصين للإيغور، ألا وهي الابتسام، والامتثال والتزام الصمت. [/rtl]
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الجمعة 25 فبراير 2022, 7:45 am
الانتهاكات ضد الإيغور الأشد منذ الحرب العالمية أقلية الإيغور المسلمة تتعرض لانتهاكات صارخة في الصين- جيتي نشرت مجلة "ذي نيو ستيتسمان" البريطانية، تقريرا ضمن سلسلة تقارير خاصة تعمل عليها، كاتي ستولارد، وتنشرها "عربي21" تباعا تناوت فيه "ما يحدث وراء سور شي جين بينغ الفولاذي العظيم"، متحدثة عن العقاب الجماعي الذي تتعرض له أقلية الإيغور المسلمة من السلطات الصينية "بشكل لا يرحم أحدا".
وكتب جون سيمبسون، في تقرير من أصل أربعة ستنشرها المجلة حول ملف الانتهاكات الصينية بحق الإيغور، عن الإجراءات التمييزية التي فرضتها الصين، مستعرضا الانتهاكات الصراخة التي تتم، واصفا إياها بأنها "أشد سياسات العقاب الجماعي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
وقال سيمبسون الذي يعمل أيضا محررا للشؤون العالمية في "بي بي سي"؛ إن المسؤولين في الصين أمروا باستخدام "أدوات الدكتاتورية" ضد الإيغور بحجة محاربة الإرهاب.
وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":
يتعرض 12 مليونا من الإيغور الذين يقطنون مقاطعة شينجيانغ في الصين لواحدة من أشد سياسات العقاب الجماعي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في حملة صممت لتغييرهم كبشر وإعادة قولبة معتقداتهم والحد من عددهم.
في عام 2018 نقلت لجنة تابعة للأمم المتحدة عن تقارير تفيد بأن ما بين واحد إلى مليونين من الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة، تم احتجازهم في معسكرات سياسية. ويتعرض عدد أكبر من ذلك بكثير للقهر وسوء المعاملة بسبب انتمائهم الديني أو العرقي أو بسبب ما يحملون من أفكار.
وهذه ليست مجرد تجاوزات يرتكبها مسؤولون محليون أخذتهم الحمية، بل هي عناصر أساسية في سياسة وضعها شخصيا الرئيس شي جين بينغ.
في بداية الأمر، أنكر المسؤولون الصينيون كل شيء –وتكرر منهم ذلك الموقف في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020، عندما أصدر سفير الصين لدى الأمم المتحدة بيانا، زعم فيه أن "إنجازات الصين في تنمية حقوق الإنسان مشهود لها على نطاق واسع"، ثم راحوا من بعد يبررون السياسة التي كانوا قد أنكروها من قبل.
لقد كان هناك بالفعل تاريخ من الإرهاب الذي مارسه متطرفون إسلاميون وقوميون ضمن الإيغور، وثمة تقديرات تفيد بأن ما يقرب من خمسة آلاف ذهبوا للانضمام إلى تنظيم الدولة في العراق وسوريا، ما جعل الإيغور أكبر فرق من المقاتلين الأجانب ضمن صفوف داعش.
وفي عام 2009، نجم عن أعمال الشغب التي قام بها الإيغور في أورومقي، عاصمة شينجيانغ مقتل ما يقرب من مائتي شخص، معظمهم من عرقية الهان الصينية. الذين تم استهدافهم عمدا وتعرضوا للقتل على يد الرعاع.
بعد ذلك، بدأ الإرهاب ينتشر إلى ما بعد شينجيانغ، حيث قامت مجموعة من الإيغور في الأول من آذار/ مارس بمهاجمة محطة للقطارات في كانينغ، في إقليم يونان، ما أسفر عن مقتل واحد وثلاثين شخصا وجرح 141 آخرين.
وفي الشهر التالي زار شي جين بينغ، وفي سلسلة من اللقاءات السرية عقدها مع مسؤولي الحزب المحليين، أمرهم باستخدام "أدوات الدكتاتورية" من أجل محاربة الإرهاب والاختراق والانفصالية، وقال: "يجب أن نكون بقسوتهم نفسها، وألا يروا مني شفقة أو رحمة، فالحرية لن تصبح متاحة إلا عندما يتم استئصال هذا الفيروس من تفكيرهم".
كلمات زي معروفة تماما، لأن شخصا ما داخل المراتب العليا في الحزب الشيوعي الصيني قام في عام 2019 بتسريبها إلى وسائل الإعلام الغربية، ضمن 403 صفحات ووثائق تحتوي على تهديدات الرئيس وأوامره.
من الواضح أنه ليس كل المسؤولين في الصين يرون أن القهر الجماعي هو السبيل القويم للتعامل مع الإرهاب، بل إن بعضهم لديهم الاستعداد للمجازفة وتعريض أنفسهم للخطر في سبيل تقويض سياسة الحكومة. ورغم أن شي جين بينغ يتمتع بسلطات ضخمة، ويمكن أن يظل رئيسا مدى الحياة لو أراد، إلا أنه يوجد داخل الحزب معارضة واضحة المعالم، ولربما كانت منظمة.
ورد تأكيد ما يجري في شينجيانغ من مصادر كثيرة، منها عمل المراسلين الشجعان مثل مراسل البي بي سي جون سدوويرث، أو عمل المنظمات بما في ذلك التجمع الدولي للصحفيين الاستقصائيين، أو من خلال الشهادات الصادمة التي أفاد بها الناجون، أو من الأدلة المرئية في الأفلام التي التقطتها الأقمار الصناعية أو الطائرات المسيرة، والعدد الكبير المدهش من الوثائق الرسمية المسربة.
فقد غدا مستحيلا الحفاظ على سرية وجود هذه المعسكرات الكثيرة المنتشرة في نواحي مقاطعة شينجيانغ.
بعد إنكارها في البداية وجود مثل هذه المخيمات، تقول السلطات الصينية الآن إنها جزء من برنامج إعادة التعليم المهني، الذي ينفذ على نطاق واسع بهدف تخفيف حدة الفقر، وكذلك منع الإرهاب.
تم من خلال صور الأقمار الصناعية التي دقق فيها معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، الذي تموله جزئيا الحكومة الأسترالية، التعرف على ما لا يقل عن 380 مركز اعتقال في إقليم شينجيانغ، تتراوح ما بين مرافق ذات إجراءات أمنية مخففة، إلى ما يمكن اعتباره سجونا محصنة مجهزة بأبراج مراقبة وأسوار مرتفعة وأسلاك شائكة.
لاحظ خبراء المعهد الأسترالي بأن الكثير من المعسكرات تقع إلى جوار مناطق صناعية. لا يوجد أدنى شك في أن السجناء يستخدمون كعمالة قسرية في صناعات الملابس والنسيج والإلكترونيات واللوحات الشمسية.
وبحسب ما يقوله خبراء المعهد، فإن 83 ماركة أجنبية وصينية استفادت بزعمهم من العمالة القسرية لسجناء الإيغور، ومن بين هذه الماركات أبيل وأمازون وماركس أند سبنسر ونايك وأديداس وغيرها.
وتكررت المزاعم بأن جل إنتاج القطن في الصين يُزرع في شينجيانغ ويقوم على إنتاجه العمال المسخرون.
ويقول المسؤولون الصينيون إن هذه الاتهامات جزء من حملة من الأخبار الزائفة والدعاية الغربية، ويعمد رجال أعمال وأكاديميون من كثير من الأقطار حول العالم، ممن يعتمدون في معيشتهم على المنح والهبات الصينية، إلى إعادة نشر هذه الرسالة، ولكن عندما قام التجمع الدولي للصحفيين الاستقصائيين بتسليم البي بي سي والغارديان وغيرها من المنصات الإعلامية ملفا مسربا يحتوي على وثائق للحكومة الصينية، تم إخضاع هذه الوثائق للتدقيق من مختلف الخبراء الذين أعلنوا في النهاية أنها حقيقية.
تحدد هذه الوثائق التي تحمل توقيع زهو هايلون، الذي كان أعلى مسؤول أمني في شينجيانغ في ذلك الوقت، الظروف التي ينبغي أن يخضع لها أي شخص من الإيغور يشك في تعاطفه مع الإرهاب (وهو مصطلح فضفاض جدا).
يتوجب على نزلاء المعسكر أن يبقوا فيه عاما واحدا على الأقل قبل أن ينظر في أمرهم ويتقرر ما إذا كان يمكن إطلاق سراحهم؛ لأن الواحد منهم قد يظل رهن الاعتقال إلى الأبد. يوجد نظام نقاط بإمكان الواحد منهم أن يكسبها كلما حقق تحولا أيديولوجيا وأثبت تجاوبه والتزامه.
بعد ذلك يتم نقلهم إلى مخيم أدنى رتبة حيث يخضعون لستة شهور أخرى من التدريب على المهارات العمالية، التي كثيرا ما تعني تعلم تصنيع الماركات العالمية، وطوال ذلك الوقت لا يملكون من أمرهم شيئا، وتخضع حياتهم للسيطرة التامة.
ويبدو أن اغتصاب السجينات بات أمرا شائعا، سواء من قبل المسؤولين أو من قبل كل من لديه الاستعداد لدفع الثمن المطلوب للوصول إليهن. وتشير تقارير أخرى، على الدرجة نفسها من المصداقية، بأن السلطات المحلية تقوم قسرا بتركيب وسائل منع الحمل في النساء، في مسعى لتقليص معدلات الولادة بين الإيغور وخفض تعداد سكانهم.
في منطقة هوتان داخل شينجيانغ، التي يسود فيها الإيغور، أصدرت دائرة التعليم توجيها في عام 2017 يحظر استخدام لغة الإيغور في المدراس والجامعات. وفي السنة ذاتها حظرت مجموعة من الإجراءات الجديدة في شينجيانغ لباس النقاب وإطلاق اللحى الطويلة أكثر من اللازم، وبات مخالفة يعاقب عليها القانون رفض مشاهدة أو الاستماع إلى إذاعة وتلفزيون الدولة. وتعددت المزاعم بأن السجناء من الإيغور يجبرون من قبل سجانيهم الصينيين على أكل لحم الخنزير وشرب الخمر.
كان مردان جبار، البالغ من العمر واحدا وثلاثين عاما، عارضا ناجحا في شينجيانغ، وكان من بين من اجتاحتهم عملية الاعتقال الجماعي. في لحظة ما، وبمحض الصدفة، أعاد إليه السجانون بعضا من حاجياته التي كانت قد أخذت منه، بما في ذلك هاتفه الجوال، فاستغل جبار هذه الفرصة غير المتوقعة ليرسل إلى عائلته مقطع فيديو، صور فيه الأوضاع داخل المحبس وصور نفسه وهو مقيد بالأغلال إلى سريره.
وشمل المقطع شرحا لمشاهد رآها من الازدحام الشديد داخل المعتقل وصراخ المعتقلين الذين يتعرضون للضرب على أيادي سجانيهم، كما شرح لعائلته ما يسمى "البذلات المكونة من أربع قطع"، التي يجبر السجانون المحبوسين على ارتدائها إذا لم يبدو تعاونا، وهي: أغلال في اليدين، وأصفاد في الرجلين، وكيس أسود على الرأس. وبشجاعة منقطعة النظر، طلب جبار من عائلته نشر الفيديو وتعميمه على الناس، ففعلوا فوصلت الصور إلى سائر أرجاء المعمورة.
لم تسمع أخبار عن مردان جبار منذ شهر آذار/ مارس 2020، ويبدو أن السور الفولاذي العظيم الذي قال شي جين بينغ إنه بات مطلوبا لحراسة شينجيانغ قد أحاط به من كل جانب.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الجمعة 25 فبراير 2022, 7:46 am
الثقافة الإيغورية التاريخية تتعرض لتهديد وجودي
قالت مجلة "نيو ستيتسمان" البريطانية، إن الثقافة الإيغورية التاريخية تتعرض لتهديد وجودي، من قبل الحكومة الصينية.
وسلطت المجلة في سلسلة تقارير تنشرها "عربي21" تباعا، الضوء على التاريخ الإيغوري في الصين، والموروث الثقافي لهم.
وتحدثت عن منطقة كشغر الواقعة أقصى الحدود الغربية للصين، والموصولة بالسكك الحديدية، والمصانع التي تربط الجمهورية الشيوعية بمصانع العالم الكبرى.
ويقول التقرير الذي يأتي ضمن سلسلة خاصة عن الأيغور، تعمل عليها، كاتي ستولارد إنهم ما يزالون متمسكين بعاداتهم وثقافتهم، برغم محاولة الحزب الشيوعي الصيني سلخهم عن ماضيهم.
والتقرير الثالث ضمن السلسلة من عمل الصحفيين ريان ثوم وموسابير.
وتاليا نص التقرير كما ترجمته "عربي21:
يصعب على المرء ألا يلاحظ في مدينة كشغر القديمة عمال المعادن الإيغور. وسط ضجيج المطارق، تغري أباريق الشاي النحاسية بما تحلت به من تصاميم نباتية متشابكة السياح وتجذبهم إلى المحلات الزاخرة بالأواني والأوعية المزركشة. على مسافة ليست بعيدة منها يعكف الحدادون على طرق المفصلات ورؤوس المجارف وغير ذلك من أدوات الاستخدام اليومي على السنادين المنصوبة أمام دكاكينهم.
تقع كشغر داخل أقصى الحدود الغربية لجمهورية الصين الشعبية، وهي موصولة جيداً عبر خط للسكة الحديدية بالمصانع في الاقتصاد الصناعي الأكبر في العالم. على بعد بضعة أميال من محلات الحدادين، يمكن شراء المفصلات وأدوات الزراعة التي تنتجها تلك المصانع بكميات كبيرة وتباع بأقل الأسعار في العالم. إلا أن هذه الأشياء لا تبدو لا من حيث المظهر ولا الملمس مضاهية لمفصلات ومجاريف الحرفيين الإيغور، الذين تلقى تجارتهم الدعم من الزبائن المحليين في كشغر، إذ يرغب الكثيرون من هؤلاء الزبائن في أن تكون المعدات التي يقتنونها ذات مواصفات تليق بثقافتهم وذات قدرة على إنجاز ما هو مرجو منها.
تستشري مناعة هذا التميز الثقافي في مجتمع الإيغور على الرغم من الجهود التي يبذلها الحزب الشيوعي الصيني لإكراه الإيغور على تبني عادات وأذواق وأنماط إنتاج الأغلبية العرقية الصينية، الهان. تشاهد في مختلف أرجاء منطقة الإيغور أطلال المدن التاريخية القديمة التي عفا عليها الزمن، إلا أن الإيغور يشيدون منازل صممت على نفس الطراز في الضواحي الحضرية. في نهاية الستينيات من القرن الماضي تعرضت شبكة مواقع الحج المقدسة لدى الإيغور إلى الإغلاق وظلت كذلك لعقدين من الزمن، ثم عندما خففت القيود المفروضة في الثمانينيات، بعثت الحياة في تلك المقدسات من جديد. واليوم، يستخدم الموسيقيون الإيغور وظائفهم في مسارح الدعاية الحكومية لدعم الجهود الفنية التي يبذلونها.
بطريقة أو بأخرى، لا تختلف التجربة الشعورية الناتجة عن زيارة إلى الريف الإيغوري كثيراً عن رحلة يقوم بها المرء إلى أوزبكستان أو شمال أفغانستان. فحدائق الريف الغناء بما فيها من صفوف من الأعمدة الخشبية المنحوتة والمتداخلة فيما بينها، وهزيج الكلمات التركية الموشحة بمفردات مستعارة من الفارسية، والظل الرحب لأشجار الحور الفضية المائلة للخضرة على جانبي الطريق – كل ذلك يشهد بجغرافية وتاريخ تشترك فيهما آسيا الوسطى. وما لبث الإيغور يُحكمون مباشرة من قبل بكين لما يقرب من القرنين والنصف، ولكنهم ثقافياً ما زالوا يولون وجوههم غرباً.
بحلول القرن الحادي عشر، وقعت منطقة الإيغور، ومعها كذلك الأراضي المنخفضة – الجافة ولكن الخصبة في نفس الوقت – والتي تحتضن سلاسل الجبال العظيمة في آسيا، لحكم الشعوب التركية البدوية. وما أن تخلى الترك عن حياة البداوة، حتى اعتنقوا الإسلام وراحوا يمولون ويلتهمون الفنون المتطورة لدى النخب الأدبية والفكرية الناطقة بالفارسية.
في آداب الحقبة الوسيطة، عرف محمود الغزني (أو الغزنوي)، الزعيم التركي في القرن الحادي عشر، بولعه بغنائم الحرب – لدرجة أن إحدى الأساطير تتحدث عن أنه أمر بأن تعرض جميع مقتنياته من الكنوز أمامه بينما كان ممداً على فراش الموت. ولكنه كان أيضاً ينفق من ثروته لتمويل تأليف الشاهنامه، "كتاب الملوك" الفارسي، والذي يعتبر الآن مفخرة أدبية وطنية في إيران.
على الرغم من أن محمود كان يحكم انطلاقاً مما بات الآن أفغانستان، إلا أنه يبرز في قصائد الملاحم الإيغورية، وهو يبتعث الجنود لإلحاق الهزائم بعدوه البوذي. ويزعم الإيغور أنه يوجد في بلادهم قبر أكثر الشخصيات مأساوية في "كتاب الملوك"، البطل الإيراني سيافوش، الذي قضى نحبه قتلاً على يد والد زوجته المنحدر من أصول تركية.
على مدى العصور، اتخذ الإرث المشترك لشعوب آسيا الوسطى أشكالاً محلية متميزة في منطقة الإيغور، كما يشاهد في ضريح آفاق خوجه، الصوفي المسلم الذي حكم المنطقة في أواخر القرن السابع عشر. بقبته المبلطة فوق قاعة مجوفة ومآذنه التي تعانق السماء كالأبراج عند كل ركن من أركانه الأربعة، يحاكي الضريح النفائس المعمارية الفيروزية التي كسى بها قبل ثلاثة قرون من ذلك تيمورلنك، أشهر بنائي الإمبراطوريات في آسيا الوسطى، عاصمته سمرقند.
ولكن الذي حصل هنا أن التيموريات الزرقاء أضيفت إليها بلاطات بينية وصفراء وخضراء، فتشكلت منها مجموعات من القطاعات والرقاع وما يشبه لوحات الشطرنج. وتمتاز المآذن بالمتانة مع انتفاخ بسيط في الأعمدة الدورية، وحيثما نجت البلاطات من عوامل الطبيعة فلن تجد طوبة واحدة مكشوفة، حتى إن الضريح يشع في ضوء الشمس كما لو كان صندوقاً مطلياً بالمينا.
في النصف الأول من القرن العشرين، قبل أن تحول الحكومة الصينية الضريح إلى موقع سياحي، كانت الصبغة المحلية للمبنى أكثر سحراً وجاذبية. في الساحة الأمامية توجد قاعدة يقوم عليها برج من قرون الغنم الضخمة. وترفرف رايات الحجيج فوق صواري صنعت يدوياً تندفع منها أيضاً أذناب الياك. يأتي الناس من عرقية الهوي، وهم مسلمون ينطقون باللغة الصينية، من الأقاليم النائية، وقد تبنوا تقاليد الحج الإيغورية فساهموا هم أيضاً بوضع راياتهم بما عليها من أدعية وصلوات كتبت باللغة الصينية.
لا تكاد تخلو زاوية من الأرض الإيغورية من أضرحة الصالحين، وإن كان لا يوجد من بينها ما يضاهي المعلم المقام على ضريح آفاق خوجه. وبعيداً عن المدن، تتضاءل الفنون المعمارية، وفي المواقع الصحراوية النائية تهيمن الرايات والقرابين على المشهد. في بعض الأماكن المقدسة، تجد صواري الرايات قد ربطت معاً في حزم عظيمة كما لو كانت مكانس مقلوبة رأساً على عقب، ترتفع إلى عشرة أمتار أو أكثر في السماء. ولعل في تشابهها مع ما لدى البوذيين مما يعرف باسم لابتسه، أو معابد السهم الضيقة، في التبت المجاورة ما يشير إلى جذور ثقافية مشتركة.
كان الحجيج فيما مضى يتوافدون ليشاركوا في مهرجانات عظيمة تقام فوق ضريح آفاق خوجه وأضرحة غيره من الأولياء. وتقام حول ذلك الأسواق، وينشط الحكواتيون طمعاً في ما يجود به الآخرون عليهم من مكافآت، ويبتهل المؤمنون طلباً للكرامات وطمعاً في الغفران. هناك كانت تمتزج العبادة بالتجارة وبالترفيه. كان أهل المنطقة المحليون يتنافسون على الفوز بدفن موتاهم بالقرب من الأضرحة، وخاصة ضريح آفاق، ثم يعودون ليصلوا ويدعوا بجوار قبور ذويهم. أما اليوم، فسمعة آفاق خليط من أمور. فبينما يراه بعض الإيغوريين ولياً من أولياء الله الصالحين، يتذكره آخرون كرجل خائن. وذلك أنه زار التبت قريباً من العام 1679 وأقنع الدلاي لاما بمساندة الغزو المونغولي لمنطقة الإيغور. ثم بعد مرور أقل من قرن على ذلك، تعرض أولئك المونغوليون أنفسهم للغزو من قبل إمبراطورية القينغ، ووضع الإمبراطور الذي يحكم من بكين عينه على وطن الإيغور.
وما لبث إمبراطور القينغ أن عزز أطماعه الجديدة في منطقة الإيغور من خلال الغزو العسكري، فاستولى على مدينة كشغر الهامة في عام 1759. وفيما عدا بعض الحركات التمردية وبضعة من الدول المستقلة التي لم يطل عمرها، ما لبثت المنطقة تخضع لحكم الصين منذ ذلك الوقت. يوجه كثير من الإيغور اللوم للآفاق خوجه لأنه هو الذي بدأ هذه السلسلة من الحكم الأجنبي وينظرون إليه بشيء من التقزز. في السنوات الأولى من الألفية الحالية، قال مرشد سياحي كان في بعض الأوقات يعمل في ضريح آفاق متحدثاً لباحث يقوم بجولة في المكان: "إنني أطلب الغفران من الله في كل مرة أذهب فيها إلى هناك." وهكذا تخلد الجغرافيا ذكرى الأوغاد كما تخلد ذكرى الأبطال.
كما أن المشاهد والصروح تؤسس للأحياء ارتباطات مقدسة مع الأرض أيضاً. في رواية إيخيت توردي التي صدرت في عام 1999 بعنوان "سيرسان روح" (روح الصعلوك)، ينتحب زائر اسمه أكبر فرحاً وهو ينزل من طائرة هبطت فوق مدرج يغطيه الغبار في بلدته الأصلية كشغر. يميل المسافر بهامه إلى الأرض ليأخذ حفنة من رمل ويضعها في جيبه، ثم "يبدأ السير، ويشعر بأن جسده يتثاقل، يُجر إلى الأرض ويتسمر في المكان."
إعادة الارتباط بالأرض تمنح بطل الرواية شعوراً بالاستسلام والفرج. تحكي رواية "روح الصعلوك" حكاية أكبر ووالده آتيخان، وقد انطلقا في رحلة للحج إلى مكة في عام 1948 – في السنة التي سبقت استيلاء الحزب الشيوعي الصيني على منطقة الإيغور. بعد وصولهما إلى مكة يكتشفان أن حكام "الصين الجديدة"، والتي غدا موطنهم جزءاً منها الآن، قد أغلقوا كل الطرق إلى الوطن. يموت الأب في مصر بعد عقود من الحنين والتطلع إلى العودة بينما يعود أكبر في الثمانينيات عندما بدأت الصين في الانفتاح من جديد.
من المفارقات ذات العلاقة بقرابات الإيغور الواسعة عبر الحدود – ليس فقط مع بقية آسيا الوسطى، ولكن أيضاً مع الهند وبلاد فارس وبلاد العرب وتركيا – أن الصين، وطوال معظم السبعين عاماً الماضية، ندر أن تسمح للمواطنين العاديين من الإيغور بمغادرة وطنهم المقهور والمغلوب على أمره. راجت رواية "روح الصعلوك" في أوساط شعب الإيغور لأنها تتحدث عن التعطش لتجربة تجري في أراض بعيدة ولكنها أرض لشعب شقيق. حين يتابع القارئ أبطال الرواية عبر بلدان الجوار فإنه يتعلم عما كان يجري للحجيج حين يسلكون طريقهم التقليدي إلى مكة وعما كانوا يتحملونه من مشاق طوال تلك الرحلة إلى أن ينجزوا مهمتهم المقدسة.
في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، شهدت الصين بعض الإصلاحات الليبرالية التي انطلقت بعد وفاة ماوتسي تونغ في عام 1976، ومنها على سبيل المثال توسيع هوامش حرية التعبير وإطلاق عصر ذهبي سواء في ما يتعلق بآداب الإيغور الحديثة أو الحريات الشخصية لشعب الإيغور. كانت تلك الفترة القصيرة من الانفتاح السياسي هي التي أعادت أكبر إلى وطنه وهي التي سمحت لرواية "روح الصعلوك" بأن تصبح ممكنة. غدا إيخيت توردي، الذي كان نجل رجل مهني من مدينة كشغر، روائياً ترعاه الدولة في عام 1989، وكان حينها يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً. كان قبل ذلك قد عمل لسنوات محرراً في إحدى المجلات، وتمكن من السفر حول العالم في السنوات التي أعقبت وفاة ماوتسي تونغ وما شهدته تلك الفترة من تساهل وانفتاح، لإجراء مقابلات مع المنفيين الإيغور كجزء من البحث المطلوب لروايته. ثم نشر قصته عن العلاقة ما بين الثقافات عبر دار نشر مملوكة للدولة، تسمى مطبعة الإيغور في كشغر. أما اليوم، فمجرد إبداء الاهتمام بما تتحدث عنه رواية "روح الصعلوك" من وقائع في البلدان الأخرى يكفي لأن ينتهي المطاف بمن يفعل ذلك من الإيغوريين في معسكرات التلقين الصينية.
تتحدث رواية "روح الصعلوك" في نهاية المطاف عن حب الوطن. ورغم أنها قصة مغامرة تجري في أماكن بعيدة ومقدسة إلا أن خلاصتها بالنسبة لأبطالها وقرائها على حد سواء ترد في الصفحات الأولى منها، وتتمثل في ما جرى ذات صيف حارق في كشغر:
"كان منزله يقع في شارع جنان، وكانت ساحته الداخلية المنمقة والواسعة تدخل السرور إلى قلب كل من يلج إليها. تمتد الأغصان المتبرعمة لشجرة الطلح الغناء لتعانق سقف الرواق الواسع وحوافه الخشبية الجميلة متقنة الصنع. وعلى جانبي شجرة الطلح شتلتان، إحداهما تين والأخرى رمان. تظهر حبات التين هنا وهناك، تتألق كالبراعم الصفراء، بينما أينعت ثمار الرمان بلونها الأحمر القاني، تلمع بأشكالها المتفردة. بعد عودته إلى المنزل، احتسى أتيخان زبدية من الشاي البارد وتوجه إلى غرفة الاستقبال في الطابق العلوي. كان المنزل من داخله هادئاً بارداً ومظلماً، أرخى جوه المطمئن عليه ستاراً من السكون فراح يحلم في يقظته إلى أن عاجله النوم."
تقدم الرواية لقرائها ألم الحنين إلى مكان معظمهم لم يبرحوه، وقد لا يتاح لهم بتاتاً أن يبرحوه.
في خريف عام 2005، قرر إيميت، وهو مزارع في تاشميليق التي تقع في الجنوب من جينيانغ، استضافة أول مشرب لقريته ذلك الموسم داخل ساحة منزله، التي تتوسط البيت، تماماً كتلك التي جاء وصفها في رواية "روح الصعلوك". كان المشرب – وهو تجمع لأهل القرية تقام فيه مجموعة من الأنشطة الترفيهية – وسيلة جيدة للاحتفال بمولد ابنته الجديدة، وكذلك أيضاً فرصة لاستعراض أحدث ما اقتناه من مصنوعات خشبية وسجادات جميلة انتهت شقيقته آيشيم مؤخراً من نسجها.
قبل التحولات التي طرأت خلال السنوات الخمس الماضية كان المشرب مرتبطاً بالدورة الزراعية، والتي تحدد وتيرة حياة المزارعين الصغار الذين تتشكل منهم الأغلبية العظمى من السكان الإيغور. بعد الحصاد في آخر الصيف يقوم الناس بحفظ الأطعمة وادخارها لفصل الشتاء، ويبيعون الفائض عن حاجتهم منها في الأسواق الأسبوعية. ثم يأتي الخريف ليسدل الستار على مرحلة من العمل الزراعي المكثف، ويتطلع الناس إلى المشارب التي تساعدهم على عبور شتاء طويل وجاف.
طاف إيميت أرجاء القرية بحثاً عن الحكواتيين والموسيقيين والكوميديين الشهيرين حتى يشاركوا في فعاليات المهرجان. طوال شهور الشتاء الباردة، في "زمن المشرب"، يبحث الناس عن الأماكن التي سيشارك فيها أشهر الفنانين وذلك أنهم يتحملون نفقات الحفل عبر ما يدفعونه من مكافآت. يمضي بعض هؤلاء الفنانين شهور الصيف في رحلات روحية، يتنقلون بين الأماكن المقدسة حيث يلتقون بغيرهم من الفنانين ويتعلمون حكايات أو أغاني جديدة. ولكنهم يحرصون على العودة إلى قريتهم قبل الشتاء حتى لا يفوتهم موسم المشرب.
في قرية تاشميليق حيث يقطن إيميت، يبدأ المشرب في العادة برعاية من أحد أعيان القرية. يرقص الضيوف على ألحان تنبعث من فرقة تتكون من أعواد ذات وترين، البانجو الشبيه بالربابة، والطبول وغير ذلك من الآلات الموسيقية. تتشكل محكمة صورية بعض قضاتها من الكوميديين، تصدر أحكاماً على الضيوف بأن يستعرضوا مواهبهم أو أن يشاركوا في ألعاب هزلية. يتبادل صغار العشاق النظرات بينما ينهمك الحكواتيون في رواية حكايات من التراث حول الحرب والعشق. وقد ينظم مزاد علني لصالح إحدى العائلات المحلية التي ألمت بها ملمة أو تعاني من ظروف صعبة. حين يستمر الضحك والغناء إلى ساعة متأخرة من الليل يعلم المضيف أن مشربه حالفه النجاح.
أبدت الدولة الصينية اهتماماً في المشرب، والذي غدا الآن جزءاً أساسياً من صناعتها الثقافية في منطقة الإيغور. وفي عام 2010 حازت الحكومة الصينية على اعتراف من اليونسكو بالمشرب باعتباره واحداً من قائمة معالم التراث الثقافي غير المادي التي تحتاج إلى حماية ملحة. وتدعم الدولة الصينية العروض الباذخة التي تقدم في عاصمة الإقليم أورومقي وفي الأماكن التي يغشاها السواح مثل كشغر، وتقوم بتدريب الموسيقيين في معهد فنون جينيانغ على أداء العروض في نسخ رسمية مكتوبة من المشرب.
تتطفل هذه العروض على المشرب لتخرجه من سياقه المجتمعي لصالح المسارح الكبيرة. يتشكل الجمهور من غرباء دورهم المشاهدة بدلاً من المشاركة. وكل ما يعتبر ذا طبيعة دينية سواء كان مساعدة مجتمعية أو تفاعلاً اجتماعياً أو كلمات تغنى فإنه يستبعد تماماً. تحول "زمن المشرب" تحت ضوء القمر إلى زمن العروض المنوعة تحت أضواء المسارح.
واليوم غدا المشرب أمراً مستحيلاً في ضوء تقييد عدد من يسمح لهم بالتجمع من الإيغور حتى داخل الممتلكات الخاصة. هذا الفقد الذي مني به الإيغور لما كانوا متعودين عليه من فنون وحياة وثقافة في القلب من مجتمعاتهم المحلية عبرت عنه شعراً الخبيرة الإيغورية المتخصصة بتوصيف الأجناس البشرية راحيل داود، حيث تقول:
أختار يوم المشرب بديلاً عن عرشك الملكي أختار أغاني وأنغامي بديلاً عن رفاهيتك وترفك
بينما تشن الدولة الصينية حرباً غير مسبوقة على الإيغور، كثيراً ما يصف المسؤولون سياسات التذويب التي يعكفون عليها بأنها منحة الحداثة، حيث تُهدم القرى وتستبدل بها تجمعات متشابهة من المباني الخرسانية، ويجبر المزارعون على العمل في المصانع، ومن يعارضون يجدون أنفسهم داخل معتقلات جماعية توصف بأنها مراكز تدريب مهنية لإعداد الإيغور للعيش في حياة أكثر تحضراً.
جزء ضئيل من هذه الحداثة الصينية الإجبارية قد يكون جذاباً بالنسبة للإيغور ولكن الجزء الأكبر منها لا يغريهم. فالطرق الأفضل وسهولة الحصول على السيارات والأجهزة الإلكترونية على مدى العشرين عاماً الأخيرة لم تفض إلى كثير من الشكاوى. ولكن ثمن ذلك كان تدمير أهم المواقع التاريخية للإيغور، ووضع الأطفال في مدارس داخلية صممت لمنع التوارث الثقافي، وتجريم كل جانب من جوانب الحياة الإيغورية، وحتى إجبار الناس على إعادة ترتيب الأوضاع داخل بيوتهم بما يتناسب مع الأذواق الصينية.
لو أردنا أن نسترشد بما في التاريخ من تجارب، فلا شك أن نجاح حملة التذويب سوف يكون متفاوتاً، وفيما لو سمح للإيغور في أي وقت في المستقبل اختيار أعمالهم ومعتقداتهم وعاداتهم تارة أخرى، فسوف تبرز الخواص المميزة للإيغور. قد يكون اعتراها بعض التغيير ولكنها لن تكون منقطعة عن الماضي، ولعل في ذلك ما يواسي ويعوض ما تم تدميره حتى الآن.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الجمعة 25 فبراير 2022, 7:46 am
محنة الإيغور بالصين تعكس تبلد الغرب ولامبالاته
نشرت مجلة "نيو ستيتسمان" البريطانية تقريرا سلّطت فيه الضوء على انعكاس محنة أقلية الإيغور المسلمة في الصين على الغرب الذي وصفته باللامبالي والمتبلد.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، والذي يأتي ضمن سلسلة خاصة عن الإيغور، عملت عليها، كاتي ستولارد: "نعلم أن الطغاة الشعبويين يتقوون بالفظائع التي يرتكبها كل منهم، فكم يلزم المزيد من الإخفاءات حتى نقول إن الصين تجاوزت خطوط الغرب الحمراء؟".
وتاليا التقرير الرابع ضمن السلسلة بعنوان: "محنة الإيغور تثبت أن أكبر تهديد للديمقراطية يكمن في تبلد الغرب ولامبالاته"، من إعداد أليف شفق:
"لا شيء يعادل الخوف في عدواه"، هذا ما كتبه بريمو ليفي، الكاتب والمفكر اليهودي الإيطالي الذي نجا من فظائع أوشويتز، والذي ترك لنا تحذيرات متبصرة حول احتكار السلطة والعمل الممنهج لتجريد الآخرين من الكرامة الإنسانية. تتردد كلماته في رأسي حينما أتأمل فيما يمارس من تنكيل بحق الإيغور وغيرهم من الأقليات التركية الأخرى في الصين اليوم.
نعيش في عصر لدينا فيه الكثير جداً من المعلومات ولكن القليل من المعرفة، وقدراً أقل من الحكمة. فهذه المفاهيم الثلاثة ليست سواء، بل هي مختلفة تماماً. والحقيقة هي أن وفرة المعلومات وزيادتها عما هو مطلوب وما يرافق ذلك من شعور بالكبر والخيلاء، يغدو عقبة في طريق الحصول على المعرفة والحكمة الحقيقيين.
نتعرض يومياً لقصف بمقتطفات من الأخبار المتجهمة من كل أنحاء العالم. فهناك الأزمة الإنسانية المتفاقمة في أفغانستان حيث يواجه الملايين المجاعة، والمهاجرون واللاجئون البائسون الذين يلقون حتفهم غرقاً على حدود أوروبا، والاعتداءات على المدافعين عن حق الإجهاض في الولايات المتحدة، واستخدام الاغتصاب سلاحاً عسكرياً وسط التطهير العرقي الممارس ضد التيغرانيين في إثيوبيا، والانقلاب العنيف في ميانمار. وبالتزامن مع ذلك كله هنالك الأزمة المناخية المتفاقمة، والأزمة المالية الوشيكة، والأزمة المتربصة بالديمقراطية الغربية والتعددية السياسية.
يستدعي هذا السيل العرم من المعلومات استهلاكاً أسرع. ولكننا نتأرجح بين هذا الخبر وذاك، ونتعامل مع كل حادثة باعتبارها حدثاً ذرياً منفصلاً – حتى يصبح الأمر فوق قدرتنا على الاحتمال، وننزلق نحو حالة من الاكتئاب. وعندها، نتوقف عن سماع الأخبار وننكفئ على حياتنا. فحينما يحدث كل هذا، وبمعدل ضخم في اليوم الواحد، فإن الذي يخطر ببالنا هو التساؤل عما يمكننا فعله لتغيير أي شيء. وهكذا نخسر المعركة في النضال ضد السلطوية والطغيان.
دعونا إذن نعود إلى مذكرات أولئك الذين نجوا من أكثر فصول التاريخ حلكة، فهم الذين بإمكانهم أن يرشدونا بما أوتوه من حكمة وشجاعة. وكما حذرنا بريمو ليفي، وكان محقاً في ذلك، فإن الخوف شديد العدوى، والطغاة يدركون ذلك جيداً. إلا أن المستبدين والديماغوجيين يعرفون أن ثمة شيئاً آخر شديد العدوى كذلك، ألا وهو الخدر – ما يعترينا من لامبالاة وانفصال عن الحدث كمواطنين في هذا العالم. إذا كانت الحكومة الصينية تملك اليوم الاستمرار في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية من خلال تعاملها مع أقلية الإيغور، فما ذلك إلا لأنها تدرك كيف يعمل الخدر، فتعتمد عليه.
متى يعتبر انتهاك حقوق الإنسان "فظيعاً بما يكفي" لجذب انتباه الجمهور العالمي ويثير حفيظته؟ كم من الفظائع يتطلب الأمر حتى ترد الحكومات في الغرب على الإبادة الجماعية التي ترتكب في جزء آخر من العالم؟ كم من المزيد من الإخفاءات أو حالات التسخير القسري يحتاج الأمر قبل أن تتجاوز الصين خطوط الغرب الحمراء؟ كم من المزيد من الأطفال يحتاجون لأن يحولوا إلى دور الأيتام ولأن ينتزعوا من عائلاتهم، ولأن يجبروا على نسيان لغتهم وهويتهم؟ وكم من المزيد من النساء ينبغي أن يتعرضن للتعقيم قسراً أو للاعتداءات الجنسية؟
والحقيقة هي أننا بتنا الآن نعلم يقيناً ما الذي يجري في الصين. فقد بين تقرير منظمة هيومان رايتس واتش الذي صدر في نيسان/ إبريل من العام الماضي كيف أن الصين مسؤولة عن "سياسات الاعتقال الجماعي والتعذيب والتنكيل الثقافي." يزعم قادة الغرب وجود خطوط حمر – ومن هنا جاءت مقاطعة الولايات المتحدة الدبلوماسية لألعاب بيجينغ الأولمبية – ولكن ثمة شكوك حول ما إذا كانت ثابتة. ما من شك في أن الحكام السلطويين يستفيدون من مثل هذه الضبابية، ويكتسبون مزيداً من القوة كلما تحولت المطالب وتبدلت الشروط.
وبينما يواجه الغرب تبلده ولا مبالاته، يصم الآذان صمت البلدان ذات الأغلبية المسلمة – بما في ذلك بعض أغنى الدول في العالم – إزاء ما يتعرض له الإيغور من تنكيل واضطهاد. بل تجاوز الأمر مجرد الصمت: إنها مقايضة سافرة. ففي عام 2019، عندما وقعت مجموعة من البلدان الأوروبية في الأغلب على خطاب موجه إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة تنتقد فيه الصين وتندد بمعاملتها للأقليات، سارعت ثلاثون دولة أخرى نحو التوقيع على خطاب بديل. ومن خلال اللجوء إلى معلومات بديلة، راحت هذه الدول تشيد بإنجازات الصين الباهرة في مجال حقوق الإنسان. عندما تشوه الحقيقة فإن ذلك أيضاً يصب في صالح السلطويين.
علينا أن ندرك كيف يشجع القهر الذي يمارس في جزء من العالم ممارسة القهر في جزء آخر منه. يتقوى الديماغوجيون الشعبويون والطغاة بحضور بعضهم البعض وبما يمارسونه من فظائع. في شهر يونيو / حزيران من العام الماضي، وفي عملية اختطاف غير مسبوقة، أجبرت السلطات في روسيا البيضاء طائرة تقوم برحلة بين بلدين من بلدان الاتحاد الأوروبي على الهبوط اضطرارياً حتى يتسنى لها إلقاء القبض على صحفي منتقد للنظام. وبعد أيام قليلة، دفعت الحكومة التركية حلفاءها في حلف شمال الأطلسي نحو التخفيف من حدة ردهم على هذا الانتهاك المفزع لحقوق الإنسان، فما كان من روسيا البيضاء إلا أن شكرت تركيا علانية على موقفها الداعم لها.
بات هذا التدويل للأنظمة السلطوية أمراً نحتاج جميعاً لأن نقلق بشدة إزاءه. بينما يستمر كثير من الأمريكيين في الاعتقاد بالكلام الفارغ حول الاستثنائية التي تتمتع بها الولايات المتحدة وبينما تجهد دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة التيار الشعبوي المتصاعد فيها، فإن من المحزن أن نرى أن الطغاة يدركون قوة التعاون الدولي أكثر بكثير مما يدركه نظراؤهم الديمقراطيون.
في كل مرة نخفق في التحقيق فيما يرتكب من انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان، في كل مرة نغض الطرف عن الفظائع لأن لدينا صفقات تجارية أو تعاملات مالية، فإننا نراقب عن كثب ليس فقط من قبل حكومة البلد المعني بل وأيضاً من قبل الأنظمة السلطوية الأخرى حول العالم. فهم يعلمون أنه حينما يكون الخدر هو الرد على أحدها فإن الفائدة من ذلك ستعود عليها جميعاً.
وبهذه الطريقة تخسر الديمقراطية، ليس فقط هناك ولكن أيضاً هنا، وفي كل مكان.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الجمعة 25 فبراير 2022, 7:47 am
الصين تطبق نظاما مدمرا من العقوبات ضد الإيغور
سلطت مجلة "نيو ستيتسمان" البريطانية الضوء على محاولات الصين لتبييض صفحتها بشأن جرائمها ضد أقلية الإيغور المسلمة، من خلال دورة الألعاب الشتوية التي جرت مؤخرا في بيجين، مؤكدة أن البلد الشيوعي يطبق نظاماً مدمراً من العقوبات ضد الإيغور.
وقالت المجلة في سلسلة تقارير تعمل عليها، كاتي ستولارد وتنشرها "عربي21" تباعا، إنه لا ينبغي أن يطمئن أحد لظهور لاعبة واحدة من الإيغور في الألعاب الأولمبية الشتوية. وفي أفضل الأحوال، أثبت الاحتفال بإيقاد شعلة الألعاب أن الحكومة الصينية تزعجها الانتقادات الموجهة إليها في الغرب لدرجة أنها سعت إلى الترويج لأسطورة أنها تؤمن بالوحدة بين الأعراق.
وأكدت الكاتبة "كاتي ستولارد" في التقرير الثاني من أصل أربعة تقارير ستنشرها المجلة حول ملف الانتهاكات الصينية بحث الإيغور، أن السلطات الصينية سجنت على مدى السنوات الخمس الماضية ما لا يقل عن مليون من الإيغور ومن الأقليات العرقية الأخرى التي تقطن منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين.
وبلغ حجم شبكة معسكرات ومراكز الحبس والاعتقال من الضخامة ما مكن الباحثين من رسم خارطة لها بناء على الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية في الفضاء. ووصف بعض من تمكنوا من الهرب ممارسات من التعذيب الممنهج والتعقيم القسري والاعتداءات الجنسية، ضمن ما يعتبر أضخم عملية اعتقال لمجموعة دينية أو عرقية منذ مخيمات الإبادة أثناء الحرب العالمية الثانية.
وتاليا نص التقرير كما ترجمته "عربي21:
انتهى احتفال افتتاح ألعاب بيجين الشتوية في الرابع من فبراير / شباط بمشهد يجمع ما بين النشاز والابتذال، وذلك حين وقفت دينيجير يلاموجانغ، المتسابقة الشابة في رياضة التزلج لمسافة طويلة، على المنصة إلى جوار زهاو إيوين، التي تنتمي إلى أغلبية هان العرقية في البلاد، كلاهما مبتسمتان وتلوحان تحية للجمهور في زيهما الأحمر والأبيض الممثل للفريق الصيني، وترفعان فيما بينهما معاً مشعلاً متلألئاً لإضاءة الشعلة الأولمبية. كانت تلك إيماءة بسيطة، ولكن قوية، صممت كما هو واضح لتوجيه رسالة مفادها: وأين هي الإبادة الجماعية؟
لقد سجنت السلطات الصينية على مدى السنوات الخمس الماضية ما لا يقل عن مليون من الإيغور ومن الأقليات العرقية الأخرى التي تقطن منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين. بلغ حجم شبكة معسكرات ومراكز الحبس والاعتقال من الضخامة ما مكن الباحثين من رسم خارطة لها بناء على الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية في الفضاء. ووصف بعض من تمكنوا من الهرب ممارسات من التعذيب الممنهج والتعقيم القسري والاعتداءات الجنسية، ضمن ما يعتبر أضخم عملية اعتقال لمجموعة دينية أو عرقية منذ مخيمات الإبادة أثناء الحرب العالمية الثانية.
لا ندري ماذا يدور بخلد يلاموجانغ بشأن ما يجري في شينجيانغ، لأن أحداً لم يسألها عن ذلك. وكل ما نقلته وسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة عن الرياضية هو عبارات مقتضبة حول مدى اعتزازها بالمشاركة في الاحتفال. إلا أنها لم تظهر في الصباح التالي في المنطقة الإعلامية بعد أن أتمت مشاركتها في السباق، ولو أنها تمكنت من ذلك لرغب الصحفيون في توجيه بعض الأسئلة إليها.
نددت إليز أندرسون من مشروع حقوق الإنسان في الإيغور، وهي منظمة أمريكية غير ربحية، بالاحتفال باعتباره "بهلونة سياسية قصد منها صرف الناس عن الانتقادات الدولية، كما لو أن استعراض رياضية من الإيغور أمام الجمهور بهذا الشكل يمكن أن ينفي الجرائم الموثقة التي ترتكبها دولة الحزب." أخبرني المؤرخ جيفري وازرستورم بأن ذلك ذكره بخلل الأوضاع التي عبر عنها فيلم "ذي هنغر غيمز" (ألعاب الجوع)، "حيث يستخدم المتنفذون داخل العاصمة المتألقة المتنافسين من الأماكن التي تعاني من قسوة ظروف الحياة ومن القهر في سبيل تحقيق مكاسب سياسية".
شعب الإيغور في المجمل أقلية تركية مسلمة تعود جذور تاريخهم ووطن آبائهم وأجدادهم في المنطقة إلى ما يزيد عن ألف سنة. ولقد كانوا طوال معظم تلك الفترة يتمتعون باستقلال ذاتي إلى أن خضعت المنطقة التي يعيشون فيها إلى سيطرة إمبراطورية القينغ ثم بعد ذلك للجمهورية الشعبية الصينية. وفيما يتعلق بالثقافة واللغة، كما يبين ريحان ثوم وموسابير (وهو مؤرخ من الإيغور يكتب تحت اسم مستعار)، فإن الإيغور أقرب إلى وسط آسيا منهم إلى الأغلبية من عرقية الهان في الصين.
وكان القينغ هم من أطلق على هذه المنطقة اسم شينجيانغ، أي "التخوم الجديدة"، وهو اسم يرفضه الإيغور، وذلك بعد أن دمجوا الإقليم في المنطقة الخاضعة لهم عام 1884، وفي ذلك مؤشر على أهمية الحيز الذي كانت تحتله هذه المنطقة في خيالات حكام الإمبراطورية حينذاك وفي أذهان الزعامة الحالية في بيجين. وذلك أن شينجيانغ في نظر الحزب الشيوعي الصيني منطقة حدودية ينبغي أن تظل رهن السيطرة المركزية القوية لئلا تغدو قناة للمؤثرات الخارجية التي تهدد الدولة الصينية الحديثة، أو حتى لا تتمكن – وهذا هو الأسوأ – من الإفلات من قبضتهم بشكل نهائي.
تلعب العوامل الجيوسياسية دوراً ما في تشكيل هذا الموقف. تقع شينجيانغ على مسافة تبعد ألفي ميل عن بيجين ولها حدود مع ثمانية بلدان بما في ذلك أفغانستان والباكستان والهند وطاجيكستان وكازخستان. كما تشكل شينجيانغ مع التبت، وهي المنطقة التي تحاذيها مباشرة إلى الجنوب (وكلاهما يفترض تقنياً أنهما مستقلتان ذاتياً رغم أنهما لا تتمتعان بأي قدر من الاستقلال الذاتي)، تقريباً ثلث مساحة الأراضي الصينية. تساور الصين بشكل خاص مخاوف من الشريط الحدودي الضيق بين شينجيانغ وأفغانستان، بما في ذلك معبر واخان. وبينما عبر المسؤولون الصينيون عن اغتباطهم بالانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان في العام الماضي، إلا أن بيجين تخشى من الأخطار التي يمكن أن تنجم عن وجود دولة فاشلة على حدودها.
يُعرف عن المقاتلين من الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية، والذين يضعون نصب أعينهم هدف إقامة دولة إيغور مستقلة في شينجيانغ، أنهم ينشطون من داخل أفغانستان، حيث يرتبطون بعلاقات مع غيرهم من الجماعات المتطرفة. وكما كتب جون سيمبسون، يعتقد بأن ما يقرب من خمسة آلاف من الإيغور انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، مما حولهم إلى أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب هناك.
وعندما نفذ تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان تفجيراً انتحارياً في مسجد داخل مدينة قندز الأفغانية في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، زعمت المجموعة أن الانتحاري الذي نفذ العملية كان من الإيغور وأن الهجوم قُصد منه الرد على العلاقات المتنامية بين الطالبان وبيجين. كما وقعت هجمات قامت بها مجموعات من الإيغور داخل الصين نفسها.
ففي أكتوبر / تشرين الأول من عام 2013، داهمت عائلة من الإيغور بسيارة جمعاً من السياح في ميدان تيانانمين فقتلت اثنين وجرحت ثمانية وثلاثين آخرين. كما نفذ متشددون يرتدون ملابس سوداء هجوماً بالسكاكين والبلطات فقتلت تسعة وعشرين شخصاً داخل محطة قطارات في كانينغ، جنوب الصين، في مارس / آذار من عام 2014، في اعتداء قالت وسائل إعلام الدولة إنه كان بمثابة "الحادي عشر من سبتمبر الصيني". وبعد شهرين قتل ما لا يقل عن واحد وثلاثين شخصاً في تفجير انتحاري داخل سوق في أورومقي، عاصمة إقليم شينجيانغ.
سارع المسؤولون الصينيون إلى تبني لغة الحرب العالمية على الإرهاب لتبرير معاملتهم لإقليم شينجيانغ. في أكتوبر / تشرين الأول من عام 2001، أي بعد شهر واحد من هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، أعادت بيجين تعريف مصادر قلقها من الانفصاليين الإيغور معتبرة أنهم يشكلون "تهديداً إرهابياً دولياً مرتبطاً بالقاعدة"، كما ذكر شون روبرتس في كتابه "الحرب على الإيغور" الذي صدر في عام 2020.
لم تدخر الحكومة وسعاً في شن حملة شعواء لاستئصال ما أطلقت عليه "الشرور الثلاثة"، وهي الانفصال والتطرف الديني والإرهاب الدولي، الأمر الذي حول مطالبات الإيغور بحق تقرير المصير إلى مرادف للتهديد الذي يشكله المتطرفون الإسلاميون. كانت تلك طريقة ملائمة ومستساغة أكثر من أي شيء آخر للحديث عن العامل الآخر الذي يقف من وراء سياسات الحزب الشيوعي الصيني في المنطقة، ألا وهو الارتياب الدائم من المواطنين.
في فترة تأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 1949 أرسل ماوتسي تونغ وفداً إلى موسكو لمناقشة مخاوفه من شينجيانغ مع جوزيف ستالين. اتفق الزعيم السوفياتي مع ماو في أن المنطقة، التي كانت لفترة قصيرة دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع، يجب أن تُحتل وتوضع تحت سيطرة بيجين تحسباً من أن تسعى قوى منافسة إلى "تنشيط المسلمين" وزرع بذور الفتنة. وأشار ستالين إلى "الكميات الضخمة من النفط والقطن في شينجيانغ" ونصح بإرسال مستوطنين صينيين لتنمية "تلك المنطقة الضخمة والغنية" وتعزيز الحماية لحدود الصين.
لطالما توجه حكام الصين المتعاقبون إلى المنطقة بنفس النظرة – باعتبارها موقعاً استراتيجياً ذا أهمية بالغة للأمن القومي، إلا أن سكانها ليسوا ممن يمكن للمرء أن يثق بهم بشكل تام. شهدت المنطقة فترات من القمع تراوحت مستوياته ودرجاته على مدى العقود الماضية، إلا أن وصول شي جين بينغ إلى السلطة في عام 2012 شكل تحولاً بارزاً وبداية فصل جديد غدت فيه الحكومة المركزية أكثر عدوانية في تعاملها مع الإقليم. وبعد الهجوم على محطة القطارات في كانينغ في عام 2014، تجول شي جين بينغ في أرجاء شينجيانغ ودعا السلطات هناك إلى توجيه "ضربة ساحقة ماحقة". وحذر من أن استقلال البلاد بأسرها بات مهدداً، ودعا إلى "حرب شعبية" لفرض السيطرة على المنطقة.
منذ ذلك الحين والسلطات الصينية تطبق نظاماً مدمراً من العقوبات الجماعية التي تستهدف السكان المسلمين في شينجيانغ، بحيث غدا في عهد شي جين بينغ التوجه إلى المسجد أو إطلاق اللحية سبباً للريبة ومبرراً للاتهام. أرسلت الحكومة المركزية ما يزيد عن مليون موظف حكومي إلى الإقليم للتعرف على المسلمين "الذين ليسوا أهلاً للثقة"، كما دون ذلك دارين بايلر في كتابه "داخل المعسكرات" الذي صدر في عام 2021. ولقد تم إنشاء المئات من معسكرات الاحتجاز وأقيمت شبكة خانقة من تقنيات المراقبة والتجسس. وطبقاً لبعض التقديرات، فإن ما يتراوح بين عشرة وعشرين بالمائة من السكان البالغين في شينجيانغ تعرضوا للاعتقال.
أظهرت مقاطع مصورة التقطتها طائرات مسيرة مئات الرجال وهم راكعون على الأرض ينتظرون شحنهم على متن القطارات، وقد حلقت رؤوسهم، وصفدوا بالأغلال وعصبت أعينهم. عندما واجه المذيع أندرو مار ضيفه في استديو التلفزيون، سفير الصين في لندن ليو جيامينغ، بتلك اللقطات، أجاب السفير بأن "نقل السجناء" يحصل في كل البلدان، وأضاف: "يتمتع شعب الإيغور بتعايش سلمي وتوافقي مع غيرهم من المجموعات العرقية".
مع تسارع وتيرة الاعتقالات في عام 2019 وزعت على المسؤولين المحليين في مدينة طربان في إقليم شينجيانغ نصوص إجابات على الأسئلة التي كثيراً ما تطرح عليهم من قبل الأقارب المذهولين، مثل: "أين هم أفراد عائلتي؟" تشير الوثائق المسربة إلى أن الإجابة التي كان يفترض فيهم أن يقدموها تقول إنهم "موجودون في مدرسة تدريبية تابعة للحكومة" وأنه "لا يوجد ما يبعث على القلق" بشأنهم. كما تتضمن الإجابات الواردة التأكيد على أن "التعليم في تلك المدارس مجاني" وأن "تكاليف الغذاء والمعيشة كلها مدفوعة" وأن "مستويات التعليم راقية".
ولكن فيما لو ألح الأقارب وسألوا لماذا لا يتمكن الشخص المعني من العودة إلى بيته، يتخذ الحوار مساراً مشؤوماً، وتصبح لهجة الحديث أورويلية، وحينذاك تكون الإجابة المقررة شيئاً مثل "يبدو أنك ما تزال تسيء فهم كيف تجري عملية التعليم المكثف"، وأن الشخص المعني "أصيب بعدوى التفكير غير الصحي"، وأنه إلى أن يتم شفاؤه التام من هذا "الفيروس" ويتم "تغيير أفكاره بشكل كامل"، فلن يسمح له بالمغادرة حتى لا تنتقل العدوى منه إلى غيره.
وبينما يختفي الإيغور البالغون وينتهي بهم المطاف في المعسكرات، وثقت منظمات حقوق الإنسان حالات تم فيها إرسال الأطفال إلى دور أيتام تابعة للدولة حتى مع وجود أقارب لهم على استعداد لأخذهم ورعايتهم. وداخل تلك المؤسسات يفرض على الأطفال التعلم بلغة الماندرين وبذلك يُعزلون تماماً عن جذورهم الإيغورية. وتحت ما يسمى حملة "حتى نصبح عائلة" يبقى المسؤولون من عرقية الهان مع العائلات الإيغورية ويبيتون معهم، بما في ذلك داخل البيوت التي اعتقل رجالها، مما يعرض النساء والفتيات للانتهاك. كما يتم تطبيق سياسات صارمة بهدف منع الحمل، ووردت تقارير بأن النساء يرغمن على تركيب موانع حمل رحمية، صممت بحيث لا يمكن إزالتها إلا من خلال الجراحة، ويخضعن للتعقيم بدون موافقة منهن.
في نوفمبر / تشرين الثاني، قال متحف ذكرى المحرقة في الولايات المتحدة، والذي يسعى القائمون عليه لتقديم خدمة للغير حرم اليهود منها في أوروبا، إنه "قلق جداً" وحث على اتخاذ إجراء سريع ومنسق، محذراً من أن "مستقبل شعب بأكمله يتوقف على ذلك." في تلك الأثناء نددت وزارة الخارجية في الولايات المتحدة وكذلك برلمانات بريطانيا وكندا بالانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها السلطات على نطاق واسع داخل شينجيانغ، معلنة أنها إبادة جماعية.
لا ينبغي أن يطمئن أحد لظهور لاعبة واحدة من الإيغور في الألعاب الأولمبية الشتوية. في أفضل الأحوال، أثبت الاحتفال بإيقاد شعلة الألعاب أن الحكومة الصينية تزعجها الانتقادات الموجهة إليها في الغرب لدرجة أنها سعت إلى الترويج لأسطورة أنها تؤمن بالوحدة بين الأعراق. وفي أسوأ الأحوال، كان ذلك بمثابة تعبير عن رؤية الصين لمستقبل الإيغور: شعب باسم مطواع صامت. ومن هنا تأتي أهمية الأصوات التي تنبعث من هذا العدد من مجلة ذي نيو ستيتمان. إن الإيغور أكثر من مجرد ضحايا صامتين.
تسعى هذه المقالات إلى مركزة ثقافة وتاريخ وأدب الإيغور، وتصل ذروتها بقصائد من شعر الكاتبة الإيغورية المنفية فاطمة عبد الغفار صياح، التي تقول معبرة عن مشاعر الفقد والشوق تجاه عائلتها ووطنها "عديني أن تعودي إلي سالمة".
تلك هي حكاية المحاولات التي تسعى من خلالها الحكومة الصينية إلى إسكات شعب بأسره بل وإسكات كل من يرفضون الصمت إزاء ما يتعرض له من انتهاك.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الجمعة 25 فبراير 2022, 7:50 am
43 دولة تنتقد الصين بشأن الإيغور.. وغياب عربي
أعربت 43 دولة عن "قلقها" إزاء الانتهاكات التي يتعرّض لها الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني.
وطالبت الدول الـ43 بكين بـ"ضمان الاحترام الكامل" لحقوق هذه الأقليّة المسلمة، وذلك في بيان مشترك تلاه السفير الفرنسي في الأمم المتّحدة الخميس وسارع نظيره الصيني إلى التنديد به.
وكان لافتا غياب أي دولة عربية عن التوقيع على البيان المشترك.
وخلال اجتماع عقدته عبر الفيديو "اللجنة الثالثة" للجمعية العامة للأمم المتّحدة المتخصّصة بحقوق الإنسان، قال السفير الفرنسي نيكولا دي ريفيير: "نطالب الصين بأن تسمح بأن يصل إلى شينجيانغ، فوراً وبدون عوائق، المراقبون المستقلّون، بمن فيهم المفوضية العليا للأمم المتّحدة لحقوق الإنسان ومكتبها".
وأضاف: "نحن قلقون بشكل خاص إزاء الوضع في منطقة شينجيانغ الإيغورية ذات الحكم الذاتي"، مشيراً إلى أنّ معلومات جديرة بالثقة أكّدت أنّ الصين أقامت في هذه المنطقة "معسكرات لإعادة التثقيف السياسي يُحتجز فيها تعسّفياً أكثر من مليون شخص".
ووقّعت على هذا البيان المشترك 43 دولة من جميع القارّات، في مقدّمتها الولايات المتّحدة ودول أوروبية وآسيوية وسواها.
ووفقاً للبيان فإنّ أعمال تعذيب ومعاملة قاسية ولاإنسانية ومهينة، وعمليات تعقيم قسري، وأعمال عنف جنسي وجندري، وإجراءات فصل قسري لأطفال عن ذويهم، "تستهدف بطريقة غير متكافئة الإيغور وأفراد الأقليّات الأخرى". لكنّ السفير الصيني في الأمم المتّحدة تشانغ جون سارع إلى شجب هذه "الأكاذيب" والتنديد بـ"مؤامرة تهدف لإلحاق الأذى بالصين"، مؤكّداً أنّ كل ما ورد في البيان المشترك هو "اتّهامات لا أساس لها".
وشدّد السفير الصيني على أنّ "شينجيانغ تتمتّع بالتنمية، والشعب يحرّر نفسه كلّ يوم ويفخر بالتقدم الذي تمّ إحرازه".
ولقي موقف بكين دعماً بشكل خاص من كوبا التي انتقدت ما اعتبرته تدخّلاً في الشؤون الداخلية للصين. وهذه هي السنة الثالثة على التوالي التي تُصدر فيها مجموعة من الدول في الأمم المتّحدة بياناً مماثلاً، ففي 2019 تولّت بريطانيا قراءة البيان الذي وقّعته يومها 23 دولة، بينما قرأت ألمانيا في العام الماضي البيان الذي وقّعته 39 دولة. ووفقاً لمصادر دبلوماسية فإنّ من بين الدول التي انضمّت هذا العام إلى قائمة الموقّعين على البيان المشترك تركيا وإسواتيني والبرتغال وجمهورية التشيك. بالمقابل انسحبت من هذه القائمة هايتي وسويسرا.
وعزت مصادر دبلوماسية سبب عدم توقيع هايتي على البيان هذه السنة إلى العلاقات المعقّدة التي تربطها بالصين منذ اعترفت بور أو برنس بتايوان.
أما سويسرا فقال مصدر دبلوماسي إنّ موقفها المبدئي بشأن الإيغور لم يتغيّر لكنّها استضافت مؤخّراً اجتماعاً رفيع المستوى بين الولايات المتحدة والصين وقرّرت بالتالي إعطاء الأولوية للوساطة التي تقوم بها بين القوتين العظميين وعدم المخاطرة بخسارة هذا الدور إذا ما وقّعت على بيان سنوي يدعو لاحترام حقوق الإيغور.
ويؤكّد دبلوماسيون أنّ الصين تزيد ضغوطها كل عام لثني أعضاء الأمم المتّحدة عن التوقيع على هذا البيان المشترك، مشيرين إلى أنّها لا تتوانى في هذا الصدد عن التهديد بعدم التجديد لبعثة حفظ السلام في بلد معيّن أو منع بناء سفارة جديدة لبلد آخر على أراضيها.
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور. الجمعة 25 فبراير 2022, 7:54 am
الصين تصادر أصولا وممتلكات للإيغور بملايين الدولارات
قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن الصين صادرت عشرات الملايين من الدولارات من ممتلكات وأصول معتقلي أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ.
وذكرت الصحيفة أن محاكم شينجيانغ شمال غرب الصين صادرت ما لا يقل عن 150 أصلا، تتراوح من الأجهزة المنزلية إلى العقارات وأسهم الشركات، وعرضتها في مزاد علني على مواقع التجارة الإلكترونية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأصول المصادرة تعود إلى 21 شخصا من أقلية الإيغور، وتبلغ قيمتها الإجمالية 84.8 مليون دولار، فيما لم ترد حكومة شينجيانغ على طلب الصحيفة الأمريكية للتعليق.
في السنوات الأخيرة، فرضت الحكومة الصينية إجراءات صارمة على الإيغور المسلمين والأقليات العرقية الأخرى في شينجيانغ، حيث دمرت السلطات المساجد والمواقع الدينية الأخرى، واعتقلت مئات الآلاف من الأشخاص في معسكرات، وفقا لـ"وول ستريت جورنال".
وتتهم جماعات حقوق الإنسان ودول غربية عدة، بما فيها الولايات المتحدة، الصين بارتكاب أعمال إبادة جماعية في قمعها للإيغور وجماعات أخرى غالبيتها من المسلمين.
إلا أن بكين تنفي ذلك بشدة، وتؤكد أن المعسكرات تهدف لإعادة التأهيل ضمن حملة للقضاء على التطرف، بينما يؤكد الإيغور أن ثقافتهم تتعرض للتدمير.
ويمكّن القانون الصيني السلطات من مصادرة الأصول، وبيعها لبعض النزاعات المدنية والتهم الجنائية. وقالت مديرة مشروع الإيغور لحقوق الإنسان، نيكول مورجريت: "ربما يكون هذا مجرد غيض من فيض".
يشير تحليل "وول ستريت جورنال" لسجلات الشركات في مدينة هوتان -موطن العديد من مطوري العقارات الإيغور البارزين- إلى أن أوامر السلطات بتجميد أصول رواد الأعمال الذين ينتمون لهذه الأقلية، زادت بشكل حاد في عام 2018، بعد عام واحد من بدء سلطات شينجيانغ الحملة الجماعية ضد الأقليات المسلمة.
في السياق، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيتين تينسووي لي وي، وموو يشيو، قالتا فيه إن أفغانا من عرقية الإيغور يخشون أن تسلمهم أفغانستان للسلطات الصينية، بعد وصول طالبان إلى السلطة.
وقالتا في التقرير إن والدي "إبراهيم" فرا من الاضطرابات السياسية في الصين إلى أفغانستان منذ أكثر من 50 عاما. في ذلك الوقت، أطلق ماو تسي تونغ العنان للثورة الثقافية، وانقلبت الحياة رأسا على عقب بالنسبة للعديد من الإيغور، وهم مجموعة عرقية معظمها من المسلمين يعيشون في شينغ يانغ ينتمي إليها والدا إبراهيم.
وولد إبراهيم في أفغانستان. لكنه الآن يحاول أيضا الهروب من براثن الاستبداد الصيني، وكان هو وعائلته يخشون مغادرة منزلهم في أفغانستان منذ أن سيطرت طالبان، الشهر الماضي، وغامروا بالخروج لشراء الضروريات فقط.
وقال إبراهيم، الذي حُجب اسمه الكامل حفاظا على سلامته: "نحن قلقون للغاية ومتوترون.. أطفالنا قلقون على سلامتنا، لذلك طلبوا منا البقاء في المنزل".
ولسنوات، أصدر المسؤولون الصينيون دعوات للقادة في أفغانستان لقمع وترحيل الإيغور الذين زعموا أنهم كانوا يحتمون في أفغانستان. وقال المسؤولون إن المقاتلين ينتمون إلى حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي منظمة انفصالية تعتبرها بكين مسؤولة عن سلسلة من الهجمات الإرهابية في الصين منذ أواخر التسعينيات.
من هم الإيغور, معاناة الإيغور, بداية الأزمة بين الصينيين والإيغور.