دعوة إماراتية لبيع فلسطين بأموال خليجية
علي الصالح
«أكاديمي» إماراتي ومستشار سابق لمحمد بن زايد، من تلاميذ مدرسة الواقعية السياسية، الذين لا يمارسون واقعيتهم هذه إلا على الفلسطينيين فحسب، لتصل بهم الوقاحة حد دعوة الشعب الفلسطيني للتنازل عن وطنه مقابل المال.
هذا الأكاديمي يطالب الفلسطينيين ببيع الضفة الغربية والقدس لإسرائيل، وإسقاط حقوق اللاجئين والتخلي عن منازلهم وأراضيهم ومعاناتهم، وتشريدهم في مخيمات اللجوء لأكثر من سبعة قرون، بمبلغ زهيد مقداره25 مليار دولار، متجاهلا الحق الفلسطيني في فلسطين التاريخية، الذي كما يبدو جاد به مجانا من عنده. تضاف إلى الـ 25مليارا 40 مليارا أخرى تدفع لمصر والأردن ولبنان، ثمنا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين والانخراط في ما يسمى «صفقة القرن الترامبية». وهذه التصريحات، كما يبدو، إعلان انطلاق حملة الترويج لهذه الصفقة.
والمضحك أنه لن يكون مطلوبا من إسرائيل تسديد فاتورة احتلالها للأرض ولا ثمن الاحتفاظ بها. ولن تتكفل بدولار واحد من هذه المليارات، فإدارة ترامب تتبرع بذلك من الجيوب العربية الخليجية «المليانة»، فالرئيس ترامب ينظر إلى الإمارات ودول خليجية اخرى، كجرة مليئة بالمال يغرف منها حتى آخر درهم، قبل كسرها لتصبح رمادا منثورا. هذه هي الأرقام التي طلبها المبعوثان الأمريكيان والسياسيان الهاويان جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، من الدول الخليجية التي زاراها خلال جولتهما التي أعقبت مؤتمر وارسو/ نتنياهو الفاشل. وحسب المعلومات المسربة فإن كوشنر وغرينبلات عادا بخفي حنين من جولتهما.
ولا يكتفي هذا «الاكاديمي»، بمطالبة الفلسطينيين ببيع وطنهم بالرخيص، والتخلي عن حلمهم في دولة فلسطينية، وهو حلم ظلوا ولا يزالون متمسكين به على مدى أكثر من قرن، وقدموا من أجله مئات آلاف الشهداء، والجرحى والأسرى والآلام والمعاناة، بحفنة من دولارات أولياء أمره، بل يحذرهم من مغبة رفض هذا العرض المغري الذي إن رفضوه لن تتأتى فرصة من بعده، وسيخسرون الضفة بدون مقابل. ولم يجرؤ حتى الآن أي مسؤول عربي أن يردد علنا ما قاله هذا «الأكاديمي»، وربما يحاول بن زايد جس نبض الشارع الإماراتي والعربي والفلسطيني، قبل أن يقدم على الخطوة التالية. والأكاديمي الإماراتي الذي نتحدث عنه هو عبدالخالق عبدالله، الذين يطلع علينا بين الحين والآخر بتغريدات مثيرة للجدل، حتى يظل طافيا على سطح الماء. ولا أعتقد أن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى شخص مثله، حتى إن كان من حملة الدكتوراه، ففي فلسطين من هؤلاء عشرات الآلاف، ليعرِّفوا هذا الشعب بحقوقه ومصلحته.
فماذا يقول المستشار السابق لمحمد بن زايد في تغريدة، تطاول فيها على أسياده، وربما على معلميه وأساتذته، وهاجم فيها السلطة الفلسطينية، وصائب عريقات، وانا لست بصدد الدفاع لا عن السلطة ولا عريقات: «صفقة القرن ستحول الضفة لقطاع إداري، تحت حكم وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، شبيه بوضع هونغ كونغ، في علاقتها مع الصين». وأضاف: «المعضلة الكبرى، إذا لم تقبل السلطة بالصفقة، فسيصدر العدو الإسرائيلي تشريعا، بضمها كليا ونهائيا. مع الأسف عنتريات صائب عريقات، لن تفيد القضية». وأحسن عريقات الرد في تغريدة قال فيها «الواقعية السياسية لا تعني القبول بأن تكون القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة تحت سيادة سلطة الاحتلال، ولا تعني اضفاء الشرعية على الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، الذي يعتبر وفقا للقانون الدولي جريمة حرب، ولا تعني الواقعية إسقاط حق اللاجئين بالعودة. هذا استسلام وليس واقعية». وأضاف «الذين يصدّرون الخوف، ويقولون إن لم يقبل الفلسطينيون عرض الرئيس ترامب، سوف تضيع فلسطين، نقول لهم لن تضيع فلسطين وفيها شعب يؤمن بأن قبول السيادة الاسرائيلية على المسجد الأقصى يعنى إنكار الإسراء والمعراج، وإنكار وجود الرسول محمد صل الله عليه وسلم. وتطبيع أي دولة عربية مع إسرائيل استباحة للدم الفلسطيني».
ترامب ينظر إلى الإمارات ودول خليجية أخرى، كجرة مليئة بالمال يغرف منها حتى آخر درهم
ونضيف على ما قاله عريقات لـ»الأكاديمي»، الكريم يجود بوطنه لا بأوطان الآخرين يا دكتور، هذا أولا. وثانيا أنت تتحدث عن شعب يبدو أنك تجهله وتجهل تاريخه الطويل، تاريخ عريق، جذوره ضاربة في عمق الأرض، لا شعبا مصطنعا حديث العهد. وثالثا أنت تطلب من شعب فشلت كل المؤامرات والجرائم والمجازر الإسرائيلية والاستعمارية والتشريد، وعلى مدى أكثر من قرن، في زحزحته عن تمسكه بأرضه ووطنه، فهو متمسك بهما ويتزايد عددا ونوعا. ورابعا مقارنتك يا دكتور العلوم السياسية، مع اعتذاري لمن يحملون هذه الشهادة، فلسطين وإسرائيل بالصين وهونغ كونغ تعكس جهلا. ونترك الرد لكلثم الغانم وهو أحد الذين تصدوا لتغريدتك، «هونغ كونغ أرض صينية احتلتها بريطانيا واستأجرتها99 عاما واسترجعتها الصين، وفق معادلة سياسية، بعد استفتاء السكان. أما فلسطين فهي أرض عربية احتلتها بريطانيا وسلمت جزءا منها لليهود، وبسبب رفض شعب فلسطين للاحتلال دارت حروب قسمت في ضوئها فلسطين بين العرب واليهود. رغم عدم اعتراف الشعب الفلسطيني بالتقسيم.
من أنت يا «دكتور عبد الخالق» حتى تعطي لنفسك الحق في إعطاء النصيحة للفلسطينيين للتنازل عن وطنهم؟ واعتقد أنك لا تعرف معنى الوطن ولا الانتماء لوطن ولا الهوية الوطنية، فالوطن في نظرك دولارات فحسب، وأنت مقتنع كما يبدو بأن كل شيء قابل للبيع والشراء حتى الأوطان. لماذا لم توفر نصيحتك لوزير دولتكم للشؤون الخارجية أنور قارقاش حول موضوع الجزر الثلاث، التي لا تزال إيران تحتلها، وهي طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى، وإذا كنت لا تدري فقد احتلت هذه الجزر العربية زمن الصديق الشاه. وقارقاش يصف الاحتلال الإيراني بغير قانوني وغير شرعي وغير معترف به». والأهم في ما قاله إن «قضية الجزر المحتلة مثال واضح على أن منطق الاحتلال والقوة والأمر الواقع، لا يصنع شرعية دولية ولا يقنن الاحتلال». وإذا كان هذا ينطبق على الإمارات فإنه بالتأكيد لا ينطبق على فلسطين.
وأخيرا أود أن أعرفك يا دكتور بالفلسطينيين من خلال ما كتبه الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي في وصفه لهم: «يبدو أن الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم (أواخر الستينيات والسبعينيات) الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمر بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم، وإذا بجيلهم الشاب يفجّر انتفاضة الحجارة عام 1987. أدخلناهم السجون وقلنا سنربيهم، وبعد سنوات، وبعد أن ظننا أنهم استوعبوا الدرس، إذا بهم يعودون إلينا بانتفاضة مسلحة عام 2000، أكلت الأخضر واليابس، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم سنين طويلة، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها، رغم الحصار والدمار، فأخذنا نقيم الجدران وننصب الأسلاك الشائكة، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض وعبر الأنفاق، حتى أثخنوا فينا قتلاً في الحرب الماضية. حاربناهم بالعقول، فإذا بهم يستولون على القمر الصناعي عاموس ويدخلون الرعب إلى كل بيت في إسرائيل». وأضيف على قوله: لم يثنهم جيش الاحتلال وأجهزة مخابراته عن مواصلة النضال، وابتكار الأساليب الجديدة في الضفة وغزة، فابتدع اهل الضفة حرب السكاكين والخناجر، ما أثار الرعب في نفوس جنود الاحتلال قبل مستوطنيه، وابتكروا حرب الدهس.
أما في غزة المحاصرة منذ 12 عاما فكان لها حصة الأسد في ابتكار أساليب النضال، فبدأوا بحرب الإطارات فالطائرات الورقية فالبالونات الحارقة ثم «الإرباك الليلي» واخيرا البالونات المتفجرة. ووصل ليفي إلى القول، «يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم « وهذا ما سيحصل يا دكتور الواقعية السياسية، لن يبيع الفلسطينيون وطنهم لا بأموال الإمارات ولا بكل أموال دول الخليج مجتمعة،
ونصيحة مجانية أن تمارس واقعيتك السياسية بعيدا عن شعب فلسطين شعب الجبارين، وركز اهتمامك على إبداء النصائح والمشورات لمحمد بن زايد.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»