الأطماع الألمانية في قناة السويس
التداعيات السياسية
كانت تداعيات أزمة طابا الأولى عميقة الأثر في استكمال أسباب عزلة مصر، وفي استكمال أسباب القطيعة بين مصر والمشرق العربي، وامتدت آثارها بشكل مباشر على الشأن الداخلي المصري، فقد تنازعت مصر تيارات فكرية متوازية ما بين التيار التقليدي القائم على مفهوم التضامن الإسلامي، بهدف مقاومة خطر التغلغل الاستعماري الأوروبية في العالم الإسلامي، ووسيلة المقاومة هي التكتل تحت راية السلطان العثماني وتحت مظلة دولة الخلافة الإسلامية، وفي إطار الجامعة الإسلامية. وفي ظل هذا التيار التقليدي ظهر تيار فكري شديد الالتحام بالتيار الأصلي حيث يؤكد حركة الجامعة الإسلامية تحت لواء السلطان التركي، ولكنه ينادي بالاستقلال الذاتي المحلي ويطالب بجلاء القوات البريطانية عن مصر. وكان هذا التيار التقليدي مدعوما من السلطان التركي، وممولا من قبل المعتمد التركي في مصر، وبتأييد وتحالف مع الخديوي عباس الثاني.
أما التيار الفكري الآخر فقد كان تيارا وطنيا تحريريا له ايديولجية مختلفة تماما، ويمكن أن نطلق عليه حركة وطنية موجهة ضد الاستعمار البريطاني في مصر، وهيمنته على سياسة ومقدرات مصر. كان لهذه الحركة الوطنية مرتكزات مهمة منها عملية حراك سياسي وحراك اجتماعي ثقافي. كان هدف الحراك السياسي هو القضية الوطنية والتي سرعان ما تحولت إلى حركة وطنية يقودها المتعلمون والمثقفون أمثال أحمد لطفي السيد، ومحمد حسين هيكل، وقد حسم الأمر لصالح التيار الوطني بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر في 1914 لعدة أسباب يمكن ذكر بعض منها:
شحوب الوجود العثماني في مصر منذ قدوم الحملة الفرنسية 1798.
الدولة المركزية القائمة على تحديث الأنظمة الاقتصادية والتعليمية والادارية والعسكرية، ارتبطت بالثقافة الأوروبية التي تمد الايديولوجية الوطنية، وأن من حق كل قومية أن يكون لها وطن مستقل.
اضمحلال الحزب الوطني بسبب:
أدرك الخديوي عباس الثاني أنه لا فائدة من التعويل على الباب العالي لمقاومة الاحتلال البريطاني، وبالتالي فترت العلاقة بين المركز والوسيلة.
لم يستطع تفسير موقفه تجاه رغبته في التنازل عن أرض مصرية إرضاء لدولة الخلافة الإسلامية على حساب حق الاقليم الأصيل في كامل أراضيه.
لم يستطع الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل أن يعترف بأن الدولة العلية والغازي مختار باشا، كانا يمدانه بالمال للقيام بالدعاية ضد الاحتلال البريطاني.
انهيار الحزب الوطني بوفاة زعيمه مصطفى كامل، مقابل ظهور أحزاب سياسية ذات برامج وطنية أكثر تحررا وانفصالا من الجامعة الاسلامية.
تنامي مشاعر الوطنية في مصر وتأكيد هويتها القطرية، في ضوء الانقلاب الدستوري العثماني وما أعقبه من التحول من الجامعة الإسلامية إلى الجامعة الطورانية.
حادثة دنشواي في 13 يونيو 1906 التي نبهت الشعور الوطني تنبيها عنيفا ضد سلطات الاحتلال في مصر. وأدرك الشعب المصري أن الحادثة كانت مظاهرة للقوة، ولترويع الشعب المصري، حتى ينكفئوا على ذاتهم ويؤثرون السلامة. فهم - ولم يستكن - الشعب المصري أن كل من يتحدى السلطات المحتلة يكون أمثولة لإدخال الخوف والفزع في نفوس المصريين.
خلع الخديوي عباس الثاني عن عرش مصر، بعدما فقدت السلطات البريطانية في مصر الثقة فيه، على إثر اطلاعهم على المراسلات السرية بينه وبين السلطان العثماني أثناء أزمة طابا، فكانت فرصة سفره ونشوب الحرب العالمية الأولى فرصة مواتية.
تغير السياسة البريطانية إزاء مصر لاستيعاب الرأي العام.
تحولات داخلية تلبية للرأي العام المصري المطالب بنظام يكفل اشتراك الأمة مع الحكومة في ادارة شؤونها الداخلية، أي انشاء نظام دستوري.
القضاء على نفوذ المندوب التركي في مصر، مقابل الهيمنة البريطانية، إلى أن اضطرت سلطات الاحتلال في أول عهد وزارة بطرس غالي باشا إلى الاعتراف لمصر بحقها في ادارة شؤونها وتخويل مجلس شورى القوانين سلطات البرلمان مع حقه في مراقبة أعمال الحكومة.
رغم مواقف اللورد كرومر الجيدة في أزمة طابا، فإن حادثة دنشواي وتنامي المشاعر الوطنية كانت من أهم أسباب إقالة الرجل من منصبه.
كان الحراك السياسي، والحراك الاجتماعي - الثقافي من معين التيارات الفكرية الوطنية التحررية، وإن كان الحراك السياسي يتسم بالفاعلية والنشاط، فإنه على النقيض من الحراك الاجتماعي لأنه يواجه مشكلات شديدة التعقيد، إضافة إلى أنه يتسم بالبطئ الشديد، ويواجه بمقاومة عنيفة بسبب المتراكم العقائدي المغلوط والموروث الثقافي مع ضيق أفق الحياة الاجتماعية التي ترفض التغيير لما سيترتب عنه من تغير الأنساق الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى موقف سلطات الاحتلال لكل ما يتعارض مع مصالحها في مصر. كان الحراك الاجتماعي-الثقافي متمثلا في:
الدعوة إلى التفكير الحر، وفتح باب الاجتهاد في المسائل الدينية.
دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة، وحقها في التعليم ورفع الحجاب والمشاركة في الحياة العامة.
الدعوة إلى مراجعة النظم السياسية وكتاب الشيخ علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم".
الدعوة إلى إنشاء جامعة مصرية أهلية.
الدعوة إلى تعريب التعليم في مراحله المختلفة.
تلك بعض ملامح الحراك السياسي والحراك الاجتمااعي التي انعكست نتيجة حدة الصراح الذي احتدم بين الدولة العثمانية التي لها حق الملكية وبين سلطات الاحتلال البريطاني الذي يمثل السلطة الفعلية، والتي سرعان ما تحولت إلى تيارات فكرية ساعدت المجتمع المصري على التحول الجذري، وبالفعل أتت ثمارها.
لا شك في أن لأزمة طابا الأولى 1906 انعكاساتها على الحياة السياسية والقوى السياسية والاجتماعية في مصر، تلك الأزمة التي وضعت بذور نشوء القومية المصرية - دون العربية - والانتماء المصري والولاء الوحيد لمصر، أو بعبارة أخرى، تحديد الذات والهوية والشخصية المصرية بعيدا عن الهيمنة العثمانية التي سيطر عليها عامل الدين أو عامل الجامعة الدينية. أيضا للأزمة انعكاساتها في المجال الدولي، فقد كانت الأزمة احدى وسائل تكريس وتطبيق الاتفاق الودي الإنجليزي الفرنسي 1904، فقد كانت محك الاختبار لبيان صلاحيته، ومصداقية أطرافه، إضافة ألى قياس مدى المكاسب التي يمكن جنيها من تضامنها.
وانعكست الأزمة على العلاقات العثمانية-الألمانية، فبالرغم من أن الأزمة بدأت بسبب رغبة ألمانيا استخلاص أراضي في المشرق العربي لمشروعها سكة حديد الحجاز، إلا أن ألمانيا من مساندة الدولة العثمانية في مواجهة التحالف الفرنسي-الروسي، والاتفاق الودي الفرنسي الإنجليزي، وهذا الموقف سيدفع تركيا للانضمام لدول الوسط "ألمانيا والنمسا" في مواجهة تكتل دول الوفاق عام 1914 مع بداية الحرب العالمية الأولى.
أيضا أوضحت أزمة طابا - دوليا - أن الدولة العثمانية التي تبدو متشددة، هي دولة ضعيفة في ذاتها، أشد ضعفا في مواجهة التحالفات الأوروبية، أن هذا الضعف الواضح والبادي للعيان، أثار دول البلقان التي كانت لا تزال خاضعة للنفوذ العثماني لفتح باب حروب البلقان للتخلص من السيطرة العثمانية لاسترداد حريتها واستقلالها.
أي أن أزمة طابا الأولى 1906 كانت نموذجا لتعاون القوى الكبرى ضد الدولة العثمانية، وكانت بمثابة انكشاف لضعف هذه الدولة مما أدى إلى:
حروب البلقان، أي تراجع النفوذ التركي من أوروبا.
محاربة مشروع الجامعة الإسلامية لتفتيت الممتلكات التركية.
في حقيقة الأمر، فإن موقف بعض التيارات السياسية المصرية المؤيدة لمشروع الجامعة الإسلامية، وما بدا من أن الوطنيين المحليين يفضلون في البلاد الإسلامية التضحية ببلادهم وحقوقهم في أراضيهم، من الوقوف موقف العداء من دولة الخلافة الإسلامية، مما أظهر تلك الحركات أو التيارات السياسية الوطنية على أنها ليست حركات سياسية تحررية، إنما هي حركات دينية مبنية على الولاء الديني، مما سهل على الدول الاستعمارية (إنجلترا وفرنسا) ضرب الحركات الوطنية، وضرب فكرة الجامعة الإسلامية بحجة مقاومة التعصب الديني، وبنتا سياستهما في العالم العربي على هذا الأساس مما ثبت وقوى نفوذهما ووجودهما لفترة طويلة في المنطقة العربية.
وما يخص موضوع الدراسة، أنه نتيجة للحياة السياسية ودور القوى السياسية المصرية، إضافة إلى سياسة سلطات الاحتالال التحكمية، فإن الخط الفاصل الذي لم يرق إلى مرتبة حدود دولية بحكم وضعية مصر القانونية واستمرار تبعية مصر الاسمية للدولة العثمانية، قد أخذ يزداد صلادة حتى عام 1914، وتحول الخط إلى حدود دولية في شرق مصر بعد أعلان الحماية البريطانية عليها.
ورغم تحوطات الدولة العثمانية في استمرار تبعية مصر لها كاحدى ولاياتها بحق الملكية، فإن حكومة لندن كانت تتحين الفرصة الملائمة ل:
خلع الخديوي عباس من خديوية مصر.
الاستئثار بمصر كمستعمرة بريطانية.
شل فاعلية المندوب السامي التركي في مصر.
وبالفعل مع نشوب الحرب العالمية الأولى في يوليو 1914، وأثناء وجود الخديوي عباس الثاني في الأستانة لقضاء الصيف كعادته كل عام، فقد رفضت الحكومة البريطانية مساعدته في العودة إلى مصر، ونصحته بالاتجاه إلى بلد محايد وليكن إيطاليا. والواقع أن بريطانيا لم ترغب في مساعدة الخديوي في العودة إلى مصر لأنه لم يكن في توجهه السياسي بالنسبة لبريطانيا ما يشجعها على أجابة طلبه، خشيت أن يزداد مركزها حرجا في هذه الظروف خلال فترة الحرب، فقررت عزله وعينت بدلا منه السلطان حسين كامل في 19 ديسمبر 1914.
وقد عينت الحكومة البريطانية مندوبا بريطانيا ساميا وهو السير هنري مكماهون، وبدلت اسم الوكالة البريطانية بدار الحماية البريطانية، وقد طرح السيد ملن شيتهام نائب الحكومة البريطانية في القاهرة سياسة حكومة لندن في عهد مصر الجديد في ظل الحماية البريطانية من خلال بلاغ أرسله إلى البرنس حسين كامل. من تحليل مضمون هذا البلاغ يمكن تحديد التالي بالترتيب وفق ما جاء بالبلاغ:
أن نشوب الحرب ودخول تركيا إلى جانب دولتي الوسط، نتج عنه تغير في مركز مصر.
أن بريطانيا ودول الحلفاء حريصون على عدم انتهاك حقوق الدولة العثمانية. إلا أن تركيا أعلنت الحرب واجتازت الحدود المصرية، وهاجم الأسطول التركي الموانئ الروسية بقيادة ألمانية.
لدى حكومة لندن الادلة الكافية على أن الخديوي عباس قد انضم إلى أعداء بريطانيا منذ نشوب الحرب.
سقوط جميع حقوق سلطان تركيا والخديوي عباس على مصر، وآلت إلى البرنس حسين كامل الذي اعطته لقب سلطان مصر.
جيوش بريطانيا هي المعنية الوحيدة بمسئولية الدفاع عن مصر.
ضرورة تشكيل حكومة جديدة في ظل الوضعية الجديدة بعد استرداد حقوق السيادة وجميع الحقوق الاخرى.
أن خير وسيلة للدفاع عن مصر هو إعلان الحماية البريطانية، واعتبار مصر محمية بريطانية، ولكن سيظل حكم مصر في أسرة محمد علي.
أن بزوال السيادة العثمانية، تزول جميع القيود المفروضة بمقتضى الفرمانات والخاصة بعدد الجيش المصري، وحق السلطان في منح الرتب والنياشين.
إلغاء وزارة الخارجية المصرية، لأن دار الحماية البريطانية هي المعنية بشؤون العلاقات الدولية.
فيما يخص ادارة البلاد الداخلية، فإن التدرج في إشراك المحكومين في الحكم مشروط بمقدار ما تسمح به حالة الأمة من الرقي السياسي، وأن حكومة بريطانيا ترى أن تحديد مركزها في مصر سيؤدي إلى التقدم سريعا نحو الحكم الذاتي.
تؤكد على احترام العقائد الدينية ومذاهبها، مع التأكيد على أنه لا علاقة بين الروابط السياسية والروابط الدينية.
ضرورة اجراء اصلاحات لتهيئة المصريين لتسهيل مهمة قائد الجيوش البريطانية المكلف بحفظ الأمن داخل البلاد وبمنع كل عون للعدو.
هذا البلاغ يحتوي على أمور متعددة ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام، فالقسم الأول يتناول تبريرا وتوضيحا لما طرأ على وضعية ومركز مصر. يوضح البيان أنه بسبب دخول تركيا الحرب في جانب ألمانيا، أي الجبهة المعادية لإنجلترا وحلفائها، وبسبب اجتياز القوات التركية الحدود الشرقية المصرية، والاعتداء عليها ودخول سيناء، لذا سقطت جميع حقوق تركيا في مصر.
وأيضاً بسبب الأدلة التي تؤكد انحياز الخديوي عباس إلى ألمانيا منذ نشوب الحرب، فقد سقط عنه حق حكم مصر وتم عزله، واستبداله بالبرنس حسين كامل، الذي منح لقب سلطان مصر. فقد رفضوا استخدام لقب خديوي باعتباره مسمى تركياً ويشير بشكل ما إلى الدولة العثمانية، لذا استبعدوا استخدام هذا المسمى لإزالة أي لبس أو أي شكل من أشكال الارتباط بالدولة العثمانية، وكذلك لم يخلعو عليه لقب ملك مصر، حتى لا يتساوى جلالة ملك مصر مع جلالة ملك بريطانيا العظمى. ولكن حافظت حكومة لندن على أن يكون الحكم من أمراء العائلة الخديوية طبقا للنظام الوراثي المعمول به.
أما القسم الثاني من البلاغ، فقد كان بهدف إعلان الحماية على مصر، أي أن مصر مستعمرة بريطانية، وأن القوات البريطانية لها لحق ومسئوله - وحدها - عن الدفاع عن أمن مصر. وكذلك معنى الحماية أن جميع الرعايا المصريين مشمولون بحماية حكومة ملك بريطانيا: لاشك في أن هذه العبارة الأخيرة هي من قبيل الأساليب الدبلوماسية الفارغة المضمون، وهو ما ستشهد به الأحداث حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952.
وأيضاً بتضمين هذا القسم، أن وكيل الحكومة البريطانية هو فقط المعني بالعلاقات الخارجية، وبالتالي لا داعي لوزارة الخارجية المصرية، فهناك الوكيل المعني بتمثيل مصر دولياً.
ويشير القسم الثاني من البلاغ، على ضرورة طرح ومناقشة المعاهدات الدولية المعروفة بالامتيازات الأجنبية فيما بعد أن تضع الحرب أوزارها.
أما القسم الثالث، والقسم الذي يكمل الصورة الاستعمارية في أسوأ صورها، حيث تدعى أن بريطانيا وتقاليدها السياسية الراسخة وبالاتحاد مع حكومة مصر سوف تضمن الحرية الشخصية، وترقية التعليم، وإنماء مصادر ثروة البلاد الطبيعية، واتقدم الوعد بالتدريج - فيما بعد - في إشراك الشعب في الحكم ولكن الامر مشروط بدرجة الرقي السياسي للشعب المصري حتى يكون قادرا على ادارة الحكم وصولا إلى الاهدف وهو الحكم الذاتي. أن صياغة البيان ليس بجديد على الدول الاستعمرياة، فهي وسيلتها كمحاولة لتبرير وجودها غير الشرعي، وسيلة قد يصدقها البعض لحين، ومن أسوأ الصياغات هي الوعد بمنح مصر الحكم الذاتي، رغم رؤيتها لنمو الحركة الوطنية، وتزايد مشاعر الوطنية، والمطالبة بالاستقلال التام، لم تكن تهدف إلى الوصول إلى الحكم الذاتي تحت اشراف هيمنة بريطانية، وإنما يريدون عودة الوطن إلى أهله الأصليين.
وفي إطار البلاغ، يؤكد ملن شتيهام أن حرية واحترام العقائد والمذاهب مكفولة، مع التأكيد على أن اخلاص المسلمين المصرييين للخلافة لا علاقة له البتة بالروابط السياسية التي تربط بين مصر والأستانة.
وكذلك يطلب البلاغ من سلطان مصر حسين كامل اجراء اصلاحات داخلية من شأنها تسهيل مهمة قائد الجيوش البريطانية، ومنع كل عون للعدو، كان المقصود بالعدو الأول تركيا حيث المشاعر الدينية التي تجذب المواطنين البسطاء.
والعدو الثاني ألمانيا والنمسا، حتى لا تنجذب إليها قوى سياسية مصرية مؤيدة لألمانيا باعتبارها الدولة القوية المنتصرة التي تجتاح أوروبا، مما يسبب بلبلة في الشأن الداخلي، ويفتت الجبهة المصرية باعتبارها محمية بريطانية لابد أن تلعب دور المؤيد والمساند والمعاون لها.
أي أن الأمر تراوح ما بين التهيئة الداخلية، وما بين التهديد وهو ما يعني أن الأمر يحتاج إلى اجراءات استثنائية وفرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية وفرض الرقابة على المطبوعات، إضافة إلى اجراءات أمنية مشددة داخل البلاد.
تلك طبائع الأمور في حالة دولة مستعمرة من قرون عديدة، وتواجه مستعمراً جديدا يطمع في فرض سيطرته على البلاد ومقدراتها، ولكن يظل البلاغ هو الصيغة الاستعمارية بادعاءاتها، التي تكرر نفسها حتى يومنا هذا.
وأهم ما يخص موضوع الدراسة، أنه سقطت حقوق الدولة العلية في مصر، ولم يعد الخط الاداري الفاصل في إطارة حوزة الدولة العثمانية، ولكنه أصبح حداً دولياً، ويتأكد ذلك من خلال مجموعة اجراءات مهمة تمت فيما بين الحرب العالمية الأولى 1914-1918، ثم في فترة الانتداب على فلسطين 1923-1948، ثم فيما بعد حرب 1948.
عندما احتلت تركيا طابا واعتبرتها أملاكاً تركية، في مطلع عام 1906، صرح السلطان العثماني عبد الحميد الثاني: "أن شبه جزيرة سيناء تتبع الدولة العثمانية." واحتلت قوة تركية مدينة طابا. فاعترضت الحكومة الانجليزية علي هذا الفرمان. كتب مصطفى كامل فى افتتاحية جريدة اللواء (22/4/1906) | "مصر لا ولاية لها على سيناء، وأنّ الفرمانات التى تـُعطى لمصر سلطة إدارة سيناء إجراءات مؤقتة لا تؤثر فى الحق العثمانى الأصيل. | |
وفى عدد 8 مايو 1906 كتب مقالا آخر قال فيه إنّ
| حادث طابا يجب أنْ يُنظر إليه على أنه خلاف بين دولة مُحتلة بالاغتصاب هى بريطانيا، ودولة هى صاحبة السيادة على مصر هى تركيا. | |
أما أحمد لطفي السيد فهاجم الاحتلال التركي لطابا وقال: " سيناء أرض مصرية ومصر للمصريين فقط. " وكتب في صحيفة الجريدة: | "مصر ليست جزءاً من دولة الخلافة ويجب ألا تتبع تركيا، لأنّ سيادة تركيا لا تجلب لمصر منفعة ولا تدفع عنها مضرة ولا تستطيع أنْ تـُنقذها من الاحتلال البريطانى الذى لا يمكن الخلاص منه إلاّ بالاعتماد على أنفسنا. وأنّ مصر يجب أنْ تكون للمصريين، لا للإنجليز ولا للعثمانيين. |