يجب أن نأخذ في الاعتبار أن المستشرقين ليسوا على درجة واحدة، لا كمًّا ولا كيفًا، من حيث مواقفهم من الإسلام، والقرآن، ورسول الله صل الله عليه وسلم وأمته، وتعد المستشرقة (كارن أرمسترونغ) واحدة من أبعد هؤلاء من التطرف والافتعال، إذ تركت الرهبنة، وتخصصت في علم الدين المقارن، وهي عضو في الحلقة الدراسية عن عيسى عليه السلام، ومن أقوالها: "كل التقاليد العظيمة تقول تقريبًا الشيء نفسه بالرغم من الاختلافات السطحية"، وجدير بالذكر أنها ردت على البابا بنيديكت بقوة وانفعال[1] قائلة: نحن لا نستطيع تحمل إبقاء هذا الإجحاف القديم ضد الإسلام! سيرتها الذاتية:
هي كاتبة أكاديمية بريطانية الجنسية من أصل أيرلندي، متخصصة في علم الدين المقارن، ولدت في 14 نوفمبر 1944، وفي أواخر مرحلة المراهقة، أصبحت راهبة في مجتمع الطفل المقدس، وتقدمت بطلب للتعليم فيما بين 1962–1969، ودخلت سلك الرهبنة، ثم أُرسلت إلى كليّة سان آن، بأكسفورد، لدراسة اللغة الإنجليزية، وواصلت الدراسة حتى سجلت رسالة الدكتوراه في الشاعر تينيسن لكنها أخفقت في الحصول عليها من قبل ممتحنها الخارجي[2]. في هذا الوقت أصيبت بالمرض، بالإضافة إلى تغير صعب حدث في حياتها، إذ أصبحت في 1976 معلمة إنجليزية في مدرسة بنات، لكن مرضها جعلها تتغيب عن العمل كثيرًا، لدرجة أنها تركت التدريس آخرًا في 1982، وفي هذه السنة نشرت كتابها: من خلال البوابة الضيقة Through the Narrow Gate، الذي منحها قوة على آلامها، وفي 1984 كلفت أرمسترونغ من قبل القناة الرابعة بالمملكة المتحدة أن تكتب وتقدم برنامجًا تلفزيونيًّا وثائقيًّا حول حياة القديس سان بول.
مقالاتها:
انطلقت في عالم الكتابة، تركز على مقارنة الأديان، وعندما زارت القدس في 1996، تفهمت الكثير، فتغيرت مواقفها، وبدأت تعرف الإسلام على غير ما قرأت، وفي ذلك الوقت نشرت كتابها: القدس مدينة واحدة وثلاث معتقدات 1996، وكتبت في الجارديان[3] أن معاناة المسلمين في جوانتنامو، وأبو غريب، وفلسطين أدت إلى تضامن الناس والعدالة، وبسبب انشغالنا بما يسمى بصراع الحضارات، حدث هذا التوتر الداخلي. وصار هذا قضية دينية للمسلمين عندما يرون إخوانهم وأخواتهم يضطهدون اضطهادًا منظما ويذلون حتى يشعر البعض بالجرح، كالمسيحي الذي يرى التوراة يُبصق عليها أو المضيف القرباني eucharistic host قد انتهك.
يتجاوز العلمانيون الجدد هذا، يقول ديفيد هيوم[4]: إن دفاعها ضد العلمانية ونقدها ضد العلمانيةsecularization، تزعم العلمانية أن الإله الواحد الأحد ميت God Is Dead، ويزعمون أن الدين خاطئ، وأن الدين ما زال سبب المشكلة، وأن الله هو مصدر كل الوحشية الإنسانية، ويصر الملحدون الجدد أن الله ليس للفقراء والجاهلين God is not for the poor and ignorant واتهمت في نفس المقال الملحدين الجددNew Atheists بأنهم بخلاء جدًّا، وأنهم متغطرسون جدًّا arrogant، وأضافت أن بعض الناس مخطئة بحق الله والدين. قامت بكتابة المقالات غير أن هناك خططًا إعلامية مستهدفة تحجم من حجمها وأثرها، وانتقدت كثيرًا من خبراء الدراسات الإسلامية في مقالتها[5]. تقول كارن أرمسترونغ إن ريتشارد داوكين، وكرستوفر هيتشنز، يحمّلان الدين أي الإسلام مسؤولية الوحشية الإنسانية، والمفاجأة أنني أدركت أن كلا منهما أبله!
محاضراتها:
الاهتمام العالمي المتزايد في النقاش حول تأثير الإسلام جعل من المستشرقة أرمسترونغ متكلمة ذات شعبية واسعة، وذات تأثير كبير نحو "هدف أكبر"؛ لأنها ساعدت في بناء وجهة نظر معتدلة إلى حد ما نحو الإسلام من قبل جمهور عريض في أوربا وأمريكا، لكن هذا لم يُرض اليهود، فتحركوا ضدها بحملات ضاغطة متواصلة، وعلى سبيل المثال اتهمها إفريم كارش[6] -المستشرق اليهودي–بتحريف الحقيقة، لموقفها الموضوعي من بني قريظة!. وحول الإسلام المتفاهم[7] ألقت محاضرة بعنوان "الإسلام المتعاطف Understanding Islam" في معهد جامعة أكسفورد للدراسات الأمريكية بإنجلترا، في ظل المخاوف والفرضيات الغربية، بالإضافة إلى مدى معاداة الإسلام السائدة في الغرب منذ 11 سبتمبر، أجابت في هذه المحاضرة وأكدت بأن المسلمين "لم يطلبوا منا التخلي عن نماذجنا وقيمنا، بل بالعكس"، كتيب أرمسترونغ الخاص: الإسلام المتعاطف، بيع منه أكثر من ربع مليون نسخة في الساحل الشرقي بالولايات المتّحدة وحدها، وجاءت الكثير من الأسئلة إلى أرمسترونغ في أثناء جولة محاضراتها، التي دلت على أنه ليس هناك إحساس وإرادة لمعرفة متعمقة حول الإسلام، لكن أيضًا هناك كم كبير جدًّا من الاعتراضات الإعلامية المتأصلة ضد الإسلام في الروح الأمريكية. تقول أرمسترونغ: إن أحداث 11 سبتمبر قسمت الأكاديميين الأمريكيين إلى معسكرين، المعسكر الأول تحت قيادة مارتن كرامر -رئيس دراسات الشرق الأوسط- الذي اتهمني، واتهم أكاديميين مثل جون إسبيسيتو -رئيس الحوار الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون- بأننا نخدع الناس حول الاعتقاد بأن الإسلام ما كان تهديدًا، وحجة كرامر التي ادعاها، ثبت خطؤها فقط بعد بضعة أسابيع من 11 سبتمبر، إذ كتب كرامر مقالة من أبراج عاجية بنيت على الرمل، ألقى باللوم فيها مباشرة على الأكاديميين للإخفاق في توقُّع الأعمال الوحشية، وإسكات الأصوات المعتدلة. توضح أرمسترونغ كثرة أجهزة الإعلام في الولايات المتّحدة التي حاولت إسكات الأصوات المعارضة بعد 11 سبتمبر، وعلى سبيل المثال كانت قد كُلّفت من قبل مجلة النيويوركر لكتابة مقالة عن الإسلام، لكن المجلة نشرت بحثًا للأكاديمي بيرنارد لويس بدلاً من أن تنشر مقالتي.
تقول: لقد اعتقدوا أنني قس للمسلمين!، لأن مقالتي كانت حول النبي محمد "صل الله عليه وسلم" كصانع سلام، وهذا لم يناسب جدول أعمالهم بقدر ما تناسبهم مقالة لويس، كل من لويس وكرامر صهاينة أوفياء يكتبون من واقع التحيز المتطرف، لكن الناس بحاجة لمعرفة أن الإسلام دين عالمي، وبأنه لا يوجد شرقي أو معادٍ للغرب جدًّا حوله، وأن الخط الذي انتهجه لويس، بأن الإسلام دين عنيف، أصلاً خط مغرض، ولقد زرت إسرائيل في الثمانينيات فصدمت من مدى العنصرية التي تمارس ضد الفلسطينيين.
أنا أحاول أن أعمل هذا بكل الأديان وليس فقط بالإسلام، أنا عملت الشيء نفسه عندما كتبت تاريخ اليهودية، وأعمل الآن كذلك وأنا أكتب سيرة بوذا.
أرمسترونغ تعكف حاليًّا على دراسة تاريخ المرحلة من 800 قبل الميلاد إلى 200 لتأكيد أن الكثير من المعتقدات العالمية العظيمة جاءت إلى الوجود في هذا الوقت، والناس في أوربا حاولوا أن يتخلصوا من الأشكال البدائية من الدين، لكن في أغلب الأحيان يكون الذي نراه في الكنائس اليوم نوعًا من الدين يحاول هؤلاء الناس التخلص منه.
تقول أرمسترونغ: لو علم السيد المسيح بممارسات الكنيسة اليوم لارتاع، أنا أحب أن أبين له الكثير حول الفاتيكان، حيث المسيحيون لا يستطيعون الاشتراك في كنيسة واحدة، السيد المسيح سيروع من هذا، وعلى شدة محمد (صل الله عليه وسلم)، فإنه سيروع إذا عرف بأن الحادي عشر من سبتمبر عمل باسم الإسلام.
لا بد من تعليق هاهنا؛ إذ يشهد القرآن بما تتألم منه أرمسترونغ، من أشياء في المسيحية ليست من المسيحية، بجانب تنوع الكنائس وما أحدثته من تمزق، وأيضًا نعترض على قولها "على شدة محمد"، وهي التي تزعم أنها تتحلى بالموضوعية! أين هذه الشدة؟ بل لم ترزق الأرض بفاتحين أرحم من محمد "صل الله عليه وسلم"وأتباعه، وأما أحداث الحادي عشر من سبتمبر فليس من الإسلام.
دستور الرحمة Charter for Compassion:
إن دراسات المستشرقين كثيرًا ما تكون موجهة لخدمة أهداف مطلوبة، ترصد لها الملايين لتحقيق هذه البحوث، وهذا ما يجعل هذه الدراسات غير مبرأة من الغرض كدراسات روبرت سبنسر على سبيل المثال الذي يعمل مستشارًا خاصًّا حول الإسلام لبعض الأفراد والمجموعات، وقد طلب منه كتابة كتابه الأول: الإسلام المكشوف، لكي يصحح للبعض إساءةَ الفهم حول الإسلام التي كانت واسعة الانتشار في ذلك الوقت "يقصد بـ(يصحح) يشوه الفهم حول الإسلام".
عمل سبنسر مستشارًا بالقيادة المركزية الأمريكية USCC ووزارة الخارجية الأمريكية، ووزارة الخارجية الألمانية، وفي 2002 عين من قبل بول ويريش بمؤسسة الكونجرس الحرة، وطلب منه أن يكتب عن الإسلام، فكتب سلسلة الدراسات series of monographs عن الإسلام، غير أن حالة أرمسترونغ متفردة، وقد تعد الأقرب إلى الاعتدال، وأنا أتذكر بألم ما وصف به كثيرون المستشرق جاك بيرك بأنه معتدل، حتى شهد الشيخ القرضاوي بأنه أقرب هؤلاء إلى الاعتدال والإنصاف، وسجل هذا في كتابه الحركة الإسلامية، كنت أتحفظ كثيرًا من هذا الوصف، وأجد الحرج وأنا أحذر من الاعتدال الذي يمنح جزافًا لمجرد كلمة قيلت أو موقف اتخذ، إلى أن حدثت الكارثة، إذ قام بيرك بمباركة من البعض بترجمة القرآن في 1990، فأحدثت ترجمتُه ضجةً كبرى، حتى شكل الأزهرُ لجنة علمية بعد خمس سنوات في 1995 لمراجعة ترجمة جاك بيرك، وخلصت اللجنة إلى غلط ترجمته، واتهمته اللجنة بعدم الدقة وعدم الأمانة العلمية، وبالجهل باللغة العربية، بالرغم من عضويته بمجمع اللغة العربية بالقاهرة لمدة عشرين سنة!
في فبراير 2008 تقدمت أرمسترونغ لمنظمة تيد بمشروع دستور الشفقة Charter for Compassion، باسم مجلس قادة المسيحيين والمسلمين واليهود لرسم دستور للرحمة، فازت أرمسترونغ بمنحة قدرها 100,000$ من منظمة تيد TED -وهي منظمة خيرية تمنح منحها لكل مفكر يريد تغيير العالم إلى الأفضل- وذلك لوضع دستور الرحمة، وهو عبارة عن أولويات أخلاقية مشتركة في الأديان السماوية تحد من الصدام، وتنشد المحبة والسلام، تتبنى فهمًا عالميا لروح هذه القاعدة الذهبية.
في مايو 2008 منحت جائزة حرية العبادة بمعهد روزفيلت، وصرح المعهد بأن أرمسترونغ صارت صوتًا مهمًّا، يطالب بفهم متبادل في أوقات كثر فيها الهرج والمجابهة والعنف بين المجموعات الدينية، واستشهد بأن تركيزها الشخصي المثالي نحو السلام يمكن أن يوجد في الفهم الديني.
في نوفمبر 2009 كشفت عن دستور الشفقة في واشنطن، وكان من ضمن الموقعين عليه الأمير الحسن بن طلال، ورئيس أساقفة ديزموند، والسير ريتشارد برانسن، وتضمن شخصيات دينية غير الديانات السماوية، كـ(الدالاي لاما).
تعاليم الشفقة وتقدير المصادر الإيجابية الروحية تستعين في المجال الإسلامي بطارق رمضان، والشيخ على جمعة مفتي مصر.
وبالطبع قامت حملة ضارية ضد أرمسترونغ ومشروع الشفقة، وعلى طريقة شاكير مامي[8] كتبت مقالاً ناريًّا بعنوان كارن أرمسترونغ أم المجانين "لعطوفين"، اتهمتها بأنها مجنونة، ونقدت القرآن ضمن السياق مدعية أن القرآن لا يعرف هذه القاعدة الذهبية، وأنه لا توجد فيه أية آية تؤكد الشفقة والرحمة والتراحم، واستشهدت بقوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2]. وتجاهلت كثيرًا من الآيات التي تحث على الشفقة والرحمة، قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].
وأضافت أن المشروع سيطبق على مدرسة القادسية للبنات الخاصة بالجالية المسلمة في أمستردام، وهنا اعترض المستعرب (المستعرب مصطلح يعني أنه متخصص في الشؤون العربية) سايمون أدميرال وقال: صحيح أن القادسية Kadisia لم تكن مجرد معركة، بل كانت المعركة الحاسمة على الفرس، وأن المدرسة في أمستردام تسمى على اسم ذلك، إن لغة عدم الرحمة هي لغة الإسلام، ولا أحد حتى اليوم يتضايق من ادعاء الشفقة العظيمة day of great compassion bothered.
يقصد أن يستفز الناس ليعترضوا على إدراج الإسلام ضمن دستور الشفقة.
كتبها:
كتبت كارن أرمسترونغ كتبًا كثيرة في الأديان، ومن كتبها التي تهمنا:
1- الجهاد المقدس: الحملات الصليبية، وتأثيرها في العالم اليوم 1988.
2- محمد "صل الله عليه وسلم": سيرة النبي 1991.
3- المسعى 4000 سنة من اليهودية، والمسيحية، والإسلام 1993.
4- القدس: مدينة واحدة، وثلاث معتقدات 1996.
5- المعركة لأجل الله: الأصولية في اليهودية، والمسيحية، والإسلام 2000.
6- الإسلام: موجز تاريخي 2000.
7- الإيمان بعد 11 سبتمبر 2002.
8- محمد "صل الله عليه وسلم" أي نبي لعصرنا 2006.
جولة في كتاب
(محمد صل الله عليه وسلم، أي نبي لعصرنا)
إنه كتاب من أهم الكتب الحديثة، كتاب لم يكتب مثله في عصره، إنه كتاب (محمد "صل الله عليه وسلم" أي نبي لعصرنا) للمستشرقة كارن أرمسترونغ، لقد نجح الكتاب في إحداث صدى إيجابي واسع بين مثقفي الغرب عامة، لتكتمل الرؤية، حول مكانتها، وعملها.
محمد صل الله عليه وسلم أي نبي لعصرنا:
هذا الكتاب المهم، الذي نشر في وقت مهم، نحن أحوج ما نكون؛ ليس فقط إلى مطالعته، ولكن أيضًا لمعرفة الصدى الذي أحدثه هذا الكتاب، الذي نجح في توضيح بضعة جوانب من عظمته صل الله عليه وسلم الإنسانية، لمن يحاولون أن يجردوه من إنسانيته، ولن أقوم بالتعليق عليه، بل اخترت بعضًا من التعليقات الجديرة بالاطلاع على الخلفيات الغربية الثقافية محل الاهتمام.
1- أول تعليق على هذا الكتاب لـ إد لويس[9] وهو علماني لا يؤمن بالدين: التقطت هذا الكتاب، بالرغم من أنني ملحد ظللت بدون تعاطف؛ ما سبق أن كان عندي أي تعاطف لأي دين، بالرغم من أنني أحترم حقوق الآخرين في اعتقاداتهم، فقد كنت أبحث عن المعلومات؛ لأنني قلق من انتشار دعاية الحقد ضد المسلمين في أجهزة الإعلام، وإذا أخبروني بأنني يجب أن أكره شيئًا، فإنني أُريد أن أعرف لماذا؟
كتاب غني بالمعلومات المفيدة ومقدمته متعاطفة تجاه النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، ومن خلال سياق الكتاب أيضًا، نلاحظ أن كارين آرمسترونغ مؤرخة دينية، تكتب هنا سيرة النبي "محمد صل الله عليه وسلم" ثاني مرة، في هذا الوقت، بنيةٍ واضحة لمقاتلة رُهاب الإسلام المنتشر في الغرب.
تتتبع آرمسترونغ ارتفاع الإسلام في بلاد العرب في القرن السابع، تنظر سريعًا في ارتفاع التوحيد في المدن الصاعدة حديثًا، خصوصًا مكة، وظهور الإسلام من تلك البقعة، كما أن معجزات محمد "صل الله عليه وسلم" كان لها الفضل مع القرآن في توحيد العرب، تصف آرمسترونغ الصراع لمدة عقد بين مكة والمدينة المنورة، بأنه كان كفاحاً اقتصاديا وسياسيا، أخذ الشكل الديني، والنصر النهائي لمسلمي المدينة المنورة.
ثم تعارض آرمسترونغ، برد محتمل ومقنع، ما يذكره العلمانيون من السمات الدينية التاريخية، ويقررونه من أن الحروب والتغيير بالسيف أمور ضرورية لانتشار الدين، لكنها تؤكد أنها ليست أجزاء ضرورية في انتشار الإسلام، وتصف محاولة بيدلار بأنها وصمة وادعاء نابع من الخوف والحقد.
أي نظرة مطلوبة بشدة نحو رجل معاصر جدًّا. كتاب كارن آرمسترونغ يعطينا مقدمة مختصرة لحياة محمد "صلى الله عليه وسلم"، وفي النهاية تعرض حافزها: "إذا كنا نريد أن نتفادى كارثة مدمرة، بين العالم الإسلامي والمسيحي، فإنه يجب أن نتعلم؛ ليس مجرد أن نتحمل، ولكن أن يقدر كل منا الآخر"، شكرًا لكارن آرمسترونغ على ملخص نظرة صافية من الفكر، وحذرة في حياة محمد "صل الله عليه وسلم" وأصول الإسلام.
3- تعليق سيسيليا كورديرو إنغيلز[11]: محمد كارن آرمسترونغ: أي نبي لعصرنا، كتاب يخاطب النزاع المركزي في عصرنا مباشرة، "يرى بعض المفكرين المسلمين أن الجهاد ضد كفار مكة كان أهم أعمال محمد (صل الله عليه وسلم) وينسى ملاحظة أنه شجب الحرب في النهاية، وتبنى السياسة السلمية"، تقصد العفو النبوي: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
يستمر النقاد الغربيون أيضًا في رؤية نبي الإسلام كرجل حرب، ويخفقون في رؤية أنه عارض التكبر والغرور الجاهلي، وهذا لا يثير عدوان عصره فقط، بل كثير من الأدلة تؤكد أن بعض الزعماء الغربيين والمسلمين اليوم متشابهون.
كارين تخرج عن طريقتها لتقديمه، وتوازن من منظور عادل في حياة محمد (صل الله عليه وسلم)، بإسناد سيرته على ما فعله ضد الجاهلية Jahiliyah، توضح كارين أنه يرفض كل هذه الميزات الجاهلية، لدرجة أن أتباعه كانوا في ذعر عظيم منها، وتستشهد بالآية الكريمة: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63].
تصف الوحي بأنه لم يكن دائمًا رؤيا، وتصف حالته صلى الله عليه وسلم في أثناء الوحي بأنه كان يتفصد عرقًا، تأخذ المعنى من حديث رواه البخاري في كتاب بدء الوحي: عنْ عائشة أُمّ الْمُؤْمنين -رضي الله عنها- أنّ الْحارث بْن هشامٍ -رضي الله عنه- سأل رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسُول اللّه كيْف يأْتيك الْوحْيُ؟ فقال رسُولُ اللّه صل الله عليه وسلم: "أحْيانًا يأْتيني مثْل صلْصلة الْجرس، وهُو أشدُّهُ عليّ، فيُفْصمُعنّي وقدْ وعيْتُ عنْهُ ما قال، وأحْيانًا يتمثّلُ لي الْملكُ رجُلاً فيُكلّمُني فأعي ما يقُولُ". قالتْ عائشةُ رضي الله عنها: ولقدْ رأيْتُهُ ينْزلُ عليْه الْوحْيُ في الْيوْم الشّديد الْبرْد، فيفْصمُ عنْهُ وإنّ جبينهُ ليتفصّدُ عرقًا.
تكشف كارين حالة تعجل محمد (صل الله عليه وسلم)، ووصف الوحي لهذه الحالة، والأهمية الكاملة التي أصبحت واضحة، وتستشهد بالآية الكريمة: ﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].
كارين مثل الآخرين، تلاحظ أن القرآن نفسه نظم كشعر عربي عالي المستوى، وتأثير القرآن على مشاهديه العرب تأثير مركزي، وتغيب هذه النقطة كليا من قبل المشاهدين الغربيين، وأنت يمكن أن تحصل على بعض الإحساس بالاستماع عند سماع ترتيل جيد للآيات، لكنه تأثير ضحل في أحسن الأحوال، تصف كارين كيف أن الاستماع إلى اللغة الثرية، وإيقاعات القرآن ساعد المسلمين لإبطاء عملياتهم العقلية، ودخلوا في نمط مختلف من الوعي".
كارين تصور، من خلال السيرة، رؤية القرآن المشتركة لـ"أهل الكتاب"، وأن المفهوم الإسلامي يدل على أن التوحيد واحد في الإسلام، والنصرانية، واليهودية، وتستشهد بالآية الكريمة: ﴿ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].
بالإضافة إلى أن "لا إله إلا الله" أمر مشترك بين هذه الأديان الثلاثة العظيمة، ولذلك تستحق التحمل، والحريةلمزاولة الإيمان: قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [المائدة: 69]. وقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].
شكويان يسيرتان أقدمهما لكارين، إذ كنت أتمنى أن تستعمل الأسماء القرآنية لجبريل عليه السلام، وإبراهيم عليه السلام، وعيسى عليه السلام، وموسى عليه السلام.
المشكلة الأخرى: حرر الكتاب بإهمال في بعض المواضع، وعلى سبيل المثال صفحة 43، في الهامش يبدأ بتوضيح "أن العرب يستخدمون عنوانًا فخريا معروفا بالكنية kunya بشكل مألوف [...] محمد كان معروفا بـ" " ولم تذكر لقبه "صل الله عليه وسلم" ((أبو القاسم))، والهامش ينتهي هناك، وفقد في مكان ما بين معالج نصوص كارين، وآلة الطباعة.
سيرة كارين: محمد "صل الله عليه وسلم" تكشف عن نبي إنساني جدًّا، فهو رجل كافح بإيمانه وثقافته ضد أعدائه، وتوازن بين التعليمات "السهلة" للإسلام (التحمل، الكرم، إلخ)، والتعليمات "الصعبة" (الجهاد)، لأن أكثر العقول المسيحية تفضل التفادي.
تنهي كارين الكتاب ببعض النصائح الجيدة "إذا كنا نريد أن نتفادى الكارثة بين العالم الإسلامي والغرب، فيجب أن نتعلم أنه ليس المطلوب مجرد التحمل، بل كذلك تقدير كل منا للآخر".
هذه السيرة تجعلنا ننبهر بحياة محمد "صلى الله عليه وسلم" وأصول الإسلام، إذ تسمح المؤلفة لنا أن نتصور الحياة والمجتمع في بلاد العرب في أثناء عصر النبي "صلى الله عليه وسلم"، والإنجازات الكبيرة التي استطاع أن يطورها في مدة قصيرة جدًّا، قصة زعيم رائع، ديني وسياسي. وأهم إضافة لآرمسترونغ خلال هذه السيرة في رأيي أنها تبرز محمدًا "صل الله عليه وسلم" في صورة إنسانية جدًّا، مجردة من كل إغراء أسطوري، وغير ملوثة بالإجحاف التاريخي، فهي قراءة مفيدة جدًّا في أوقاتنا الحالية؛ لأنها تعطي الفرصة لفهم أفضل للإسلام.
5- تعليق أبكاريا[13] كتاب انعكاس، ليس كتاب تاريخ: أشارت المؤلفة إلى حوادث مثل الآيات الشيطانية Satanic verses، وظروف زواجه "صلى الله عليه وسلم" بزينب Zaynab، ومجسم من الجص لمريم والسيد المسيح، تزعم Martin Lings biography of the Prophet أن النبي "صل الله عليه وسلم" تركه في الكعبة، ولم يمسه بعد أن فتح مكة.
وهذه الروايات لم يقبلها أغلبية العلماء المسلمين، وأعتقد أن الكتاب أنجز أهدافه، من تقديم نبي الإسلام إلى الغرب بأسلوب يساعدهم على أن يروا كم يمكن لهم أن يتعلموا ويستفيدوا من مثاله، شكرًا لك كارن.
إفريم كارش -المؤرخ اليهودي، ورئيس دراسات حوض البحر الأبيض المتوسط في كلية الملك بلندن- يتهم كتاب أرمسترونغ بالتحريف، بسبب موضوعيتها في معالجة قضية بني قريظة، تلك المعالجة التي لم تعجبه، وخشي من الصدى الإيجابي للكتاب لدي المسيحيين في الغرب، فثار غضبه عليها.
[1] We cannot afford to maintain these ancient prejudices against Islam Armstrong's response to Pope Benedict.www.guardian.co.uk/comment/ story. [2] Armstrong, Karen. The Spiral Staircase: My Climb Out Of Darkness. New York: Random House, 2004. [3] Karen Armstrong Violent Islamic radicals know they are hereticalExtremists are proud of their deviance, and moderate Muslims can't be held responsible The Guardian, Saturday 8 July 2006.
[4] David Hume Truth springs from argument amongst friends." Karen Armstrong needs to Think Clearer Tuesday, October 20, 2009. [5] Karen Armstrong versus Sam Harris: Playing the Socrates card Paul Fidalgo January 9,2010,www. Secularism Examiner .com. [6] The Perfect Surrenderwww.nysun.com/article/40266. [7] Omayma Abdel-Latif East-West Dialogue Blog March 8, 2007 Islam and the West--Karen Armstrong [interview with Karen Armstrong; discusses MES in US universities]. [8] sheikyermami Karen Armstrong, the mother of ‘compassionate’ crackpots on November 26, 2009 Moe’s Jihad Watch. [9] Ed Lewis (Australia) A useful short history, November 13, 2006. [10] Wayne Beckham (Fontana, CA USA), July 5, 2008. [11] Cecilia Cordeiro Engels, August 10, 2007. [12] Gogol (England), Not bad but stick with Watt and Lings, April 10, 2007. [13] abcarea (Boston, MA), A book of reflection, but not a book of history, January 1, 2007.