معركة وادي المخازن .. والخيانة الموروثةمعركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة أو معركة القصر الكبير كلها أسماء لمسمى واحد، كلها ألقاب ليوم من أيام الله التي انتصر فيها أهل الإسلام على عدوين، عدو صليبي غاشم من الخارج طامع في ثرواتنا، وعدو من بني جلدتنا خائن يبيع دينه وأهله بعرض من الدنيا قليل.
سبب التسمية
إن اختلاف اسم المعركة راجع إلى اختلاف ما سميت من أجله، فتسمية الملوك الثلاثة تعود إلى القادة الملوك الذين شاركوا فيها وهم الملك البرتغالي الصليبي دون سيبستيان، الذي استعان به الخائن محمد المتوكل ضد عميه الملك عبد الملك المعتصم بالله الشهيد بإذن الله المتوفى سنة 986هـ/1578م، وأحمد بن منصور الملقب بالذهبي، ملوك وأمراء الدول السعدية التي ملكت المغرب الأقصى قرنًا من الزمان. أما تسمية وادي المخازن فهي ترجع إلى وادي المخازن الذي يقع في منطقة المخازن التي تحمل نفس اسم الوادي وهو أحد روافد نهر اللوكس. وهذه المنطقة تقبع على أطراف مدينة السواكن شمال مدينة القصر الكبير الإسم الثالث لهذه المعركة، وهي تقع على بعد 25 كم عن مدينة العرائش في شمال المغرب.
أحداث المعركة
دارت أحداث هذه المعركة في عصر شهد صراع دولي كبير بين ثلاث قوى فاعلة: إسبانيا-البرتغال-الدولة العثمانية، فأرادت كل واحدة منها أن تبسط نفوذها على شمال إفريقيا التي وقع جزؤه الأكبر بين يدي العثمانيين وذلك بعد استنجاد أهل الجزائر بالإخوة بربروس–أصحاب اللحى الحمراء-ضد التدخلات العسكرية الإسبانية، وكذلك تونس بعد سقوط إمارة الحفصيين ودخول ليبيا في حكمهم. غير أن السعديين حكام المغرب الأقصى أبوا أن يكونوا إلا مستقلين بحكمهم عن سلطة العثمانيين العجم لكونهم من أهل بيت النبي صل الله عليه وسلم الشريف. فلم يسمح لهم شرف نسبهم أن يكونوا أتباعًا. ورث محمد المتوكل الحكم عن أبيه الغالب بالله، إلا أن سيرته السيئة في الرعية حثت عمه أبا مروان عبد الملك الملقب بالغازي الأمير الفقيه العالم، بالتصرف حيال ظلم هذا الطاغية. فعزله من كرسي العرش وكان ساعده الأيمن في ذلك أخوه أحمد المنصور الذهبي الذي ورث الحكم بعد استشهاد أخيه. فرضيت العامة والخاصة بحكمه و بايعوه على السمع والطاعة.
خسة وخيانة
إلا أن خسة المتوكل الذي نفذت منه جميع الحلول الممكنة لاسترجاع ملكه قادته للاستنجاد بملك البرتغال الدون سيبستيان، فكان اللقاء في وادي المخازن بالقصر الكبير، بعد أن استدرج عبد الملك قوات “الدون” إليها، فخيم بها مقطوعًا عن الإمدادات العسكرية والمؤن وحتى عن البحر الذي يسهل له الهروب عبره. فجاءت أوامر عبد الملك لأخيه أحمد بنسف جسر الوادي المنفذ الوحيد، فكانت إيذانًا بانطلاق المعركة يوم الإثنين في اليوم الرابع من أغسطس عام 1578. ورغم تدهور صحة الملك الصالح الذي لفظ أنفاسه الأخيرة مشيرًا بسبابته على فمه ألا ينشروا خبر وفاته حتى يتم النصر، فكانت الأوامر تأتي للجنود من حاجبه وأخيه أحمد المنصور باسمه حتى لا يقع اضطراب في صفوف المجاهدين للظفر بمعركة دامت لساعات كانت سببًا في تأخير دخول الصليبيين من الجهة الغربية للبحر المتوسط إلى المنطقة ثلاثة قرون، شهد فيها مصرع الملك البرتغالي ودحر الجيش الصليبي، وموت الخائن محمد المتوكل واستشهاد الملك أبو مروان عبد الملك السعدي رحمه الله.
هذه باختصار قصة الملكين الذين مثلا طرفي نقيض في المسألة، أحدهما مخلص لله ولدينه، والآخر عميل خائن زائغ أزاغ الله قلبه. وإن كانت المعركة قد حدثت في القرن العاشر هجري، غير أن المأساة لا تزال سائرة في المسلمين إلى عصرنا هذا الذي شهد أكبر هجمة صليبية قابله ضعف للدول الإسلامية في قرارها السياسي أولًا، وفي إمكانياتها، التي تجعل منها قوة تردع بها أي قوة غازية. وليس المراد من ذكرنا هذه الأخبار لنسلي على الناس أو نثبط من عزيمتهم، بل لنضع إسقاطات ونقيس بواقعنا المعاصر.
التاريخ يعيد نفسه
لهذا فإن أمثال عبد الملك كثيرون في زماننا وأمثال المتوكل كذلك، فالمجاهدون المخلصون الماضون في سبيل الله في بلداننا يقدمون أغلى ما يملكون منتقلين من بلد حرب إلى أخرى زرافات ووحدانا، مقدمين أروع صور البطولة والشهامة والإباء لتحرير أرض إسلامية وإخراج صليبي كافر أو إرغامه على الخروج، أو حتى إضعافه وإنهاكه عسكريًا واقتصاديًا بتوالي الحروب عليه.
غير أن أحفاد المتوكل كثيرون لا كثرهم الله قد أعطوا خلاصة أن الدخن في أمة محمد صل الله عليه وسلم صار كبيرًا و استشرى أمره واستفحل خطره حتى صار علامة مميزة لكل من اعتلى كرسيًا، وأخص بالذكر منهم هؤلاء الذين ملؤوا صدورهم بالنياشين! هؤلاء الذين سموا أنفسهم بالجنرال والأميرا وقائد الأركان. هؤلاء الذين جثموا على صدورنا ومنعونا أن نتنفس هواء الحرية، هؤلاء الذين كذبوا على الأمة فأوهموا السذج من القوم لخمس عقود من الخروج من ربقة الاحتلال الصليبي أنهم قادة بحق وأن الأوسمة هذه ما هي إلا ثمرة جهد مضني في سبيل الوطنية والقومية والوحدة العربية التي ما جاءنا الدمار إلا من خلالها، فكانت غطاءً لما اقترفت أيديهم من البلايا والرزايا.
فكلما رأوا أن الإسلام قد خطا خطوة لتحقيق نصر أو فتح نافذة أمل إلا وسارعوا لأسيادهم باكين محذرين بأن زوالهم زوال لهم وأن هذا الدين وأهله إن قضى عليهم وعلى عروشهم فسوف تكون نهاية سيطرتهم على المنطقة، فيأتي الصليبي ملبيًا طلبهم يجلب على المؤمنين بخيله ورجله يحاول فينا أن يستأصلنا من جذورنا ويبعدنا قدر الإمكان عن مصدر قوتنا حتى يخلو الأمر لعملائه.
متى تنتهي المعركة؟
لقد دامت معركة وادي المخازن سويعات قليلة، لأن في الناس قائد مثل أبي مروان ونائبه أخوه أحمد، وأن الناس رضوا بأن يكون هذان أميرين عليهم، هذان الأميران اللذان كانا على قدر كبير من العلم الشرعي والثقافة التي أهلتهما ليكونا قائدين محنكين يعرفان مواجهة الصعاب ورد مكائد الأعداء، أما معركتنا فستدوم لعشرات السنين لنقيض الأسباب التي وجدت في ذاك الزمان الغابر. فالحكام خونة والعملاء من الرعية كثر بل حتى من لم يكن عميلًا فهو راض بعمالة غيره، بل تعدى المرض إلى سكوت الصالحين ورفضهم الخوض في أمور الأمة وجعلوها من صلاحيات ولي الأمر الذي لا يجوز الخروج عن رأيه قيد أنملة
وفرضوا على الأمة علمانية مقيتة، علمانية في الحكم أن تركوا للحكام حرية التربع واستيراد القوانين الوضعية مهما كانت مخالفتها لأصول الإسلام وعلمانية في السلوك والنهج في الرد على تصرف هؤلاء و الكبح من شهواتهم التي أتت على الأخضر واليابس.