منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي   قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Emptyالخميس 28 مارس 2019, 9:50 pm

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي

السياسية في ظل الدولة؛ هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، تقع الاستفادة منها على عموم الشعب، نعم هنا يتجلى الفهم الحقيقي للسياسة للإمام والحاكم، يوم أن تكون الدولة مستقلة بقرارها؛ وليست مرتهنة بصفقات سياسية واتفاقيات أمنية، ناتجة عن تحالفات سياسية وعسكرية أو اقتصادية، هدفها تركيع الشعوب وتجويعهم ليبقى الحاكم على رأس الدولة، فمن الواجب ألّا يكون رأس الدولة ومؤسساته تابعة للنظام الدولي الجديد، لأن النظام الدولي الجديد صيغت أهدافه لإلغاء المصلحة العامة الذي يراها الراعي أو الحاكم فيها مصلحة لرعيته، فالأصل في سياسة الراعي، أن تكون المصلحة العامة والعليا تحقيق شؤون الرعية، وهي الهدف الأساسي بل جوهر سياسته ونظام حكمه.
لكن أي حاكم أو راعي فعل ذلك في وجود التغول للنظام الدولي الجديد، تناوبت عليه قوانين النظام الدولي الجائر، والتي تعتاش على الاستبداد والظلم والقمع؛ ليبقى كل قطر تحت السيطرة، فلابد أن تعمل أقطار الأمة حكاماً ومجتمعاً؛ على حالة الاستقلالية من التبعية للنظام الدولي المهيمن على مقدرات الأمة، وليعملوا كل الساسة على تدبير ورعاية وتأديب وإصلاح الأمر، إن رأس إصلاح الأمر اليوم يتجلى في الانعتاق من النظام الدولي الجديد والتي تحتله الحركة الصهيوأمريكية، إن السياسة وأنظمتها، وعلى رأسهم قادتها وحكامها، يجب أن تُعلي مصلحة شعوبها ورعايتها رعاية أمينة، وتعمل على أن تكون عباد لله ليس لليهود والأمريكان، وأن جُلَ إصلاحُ الأمر، أن تستقل استقلالٌ تامٌ بمصلحتها العامة عن مصلحة النظام الدولي الجديد، وأن تتطلع للمصلحة العامة؛ وإقامة العدل والإحسان، وعدم الظلم للمجتمع والشعب، فهي خطوة البداية في إصلاح الأمر.
إن النظام الجديد لا يعمل من أجل الأمة العربية والإسلامية، بل يعمل لتكريس سطوته على بلاد الإسلام والمسلمين، فمن أبرز أهدافه هو السيطرة على ثروات الأمة العربية والإسلامية، لذا يعتبر مقدرات الأمة الإسلامية وثرواتها هي ملكاً له، فيَعمُد النظام الدولي الجديد لإدارة الحروب في منطقتنا، ليتسنى له فرض الوصاية من خلال قرارات تجمع بالإجماع؛ أو أن يتم تمريرها بسطوة السلاح، أو التدخل الناعم ليجمع القوى الغربية لتؤيد ما يتم إقراره في الأمة، وعليه استطاع أن يفرض حالة من التبعية له في كثير من الدول العربية والإسلامية، واستطاع أن يقوم بتدريب مؤسسات الدولة الحامية لحكامها وأنظمتها، وخاصة المؤسسات الأمنية في الوطن العربي والإسلامي.
فيبرم النظام الدولي الاتفاقيات الأمنية السرية منها والعلنية؛ للحفاظ على مشروعه المسمى الصهيوأمريكي، من خلال أجهزة أمنية تفي بالدور المناط لها في المنطقة، فعلى سبيل المثال اختراع محاربة الإرهاب مصطلح فضفاض، يطول كل من يعي الحقيقة ويستند للفهم الإيماني للقرآن الكريم ولو بشيء قليل، ويطال كل من لم يرضى بالظلم والاستبداد من الراعي والحاكم، وكل من يرشد الأمة لمصلحتها العليا الذي جاء الحاكم أصلا بناء عليها، ليكون أجيرا عند شعبه؟
ليتحول الحاكم إلى دكتاتور يعمل من أجل بقائه على العرش ومتنفذ لدى شعبه، ويجعل الشعب خادمًا لمصالحه ومصالح بطانته، وهنا يستعين بمفاعيل القوى وعلى رأسها أمريكا الذي ترعى اليهود وتقدم حمايتهم في مشروع متكامل وخطة محكمة، فيلجأ للتحالف معها ليحافظ على عرشه وكرسيه، ومن ثم يدخل في الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين التي رسمت بإحكام لتقيد حكام العرب والمسلمين، ليصبحوا أسرى في النظام الدول الجديد، وهنا تكون مشروعية الحاكم باطلة لسقوط شرط مشروعيته وهو العمل لمصلحة شعبه وتحقيق العدل الذي جاء حاكم من أجله، فمشروعية أي حاكم اليوم لدى شعبه هو الانعتاق من النظام الدولي الجديد والانفلات من سطوة المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، ليحقق شرط مشروعيته في إدارة شؤون رعيته وشعبه.
يقول ابن القيم:”ومن له ذوق في الشريعة، وإطلاع على كمالاتها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها، وحسن فهمه فيها؛ لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة، فإن السياسة نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الشرعية، علمها من علمها وجهلها من جهلها’، إلى أن يقول: ‘فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعًا لمصطلحهم، وإنما هي عدل الله ورسوله”.

الخطة السياسية وعلاقتها بمكونات الفكر السياسي

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Political_protest_illustration
لا حظنا مما تقدم، أن الفهم السياسي وإدارة نظام سياسي، يحتاج لخطة سياسية واضحة، تبدأ من فهم عناصر ومكونات النظام السياسي*، والمتمثلة بالثابت (الشريعة) والمتحول (الواقع) والمتجول أو المتحرك (المعطيات السياسية)، الهدف منه المصلحة العليا العامة، ويقاس بإنشاء الخطة السياسية، والتي من أجلها يسوس السياسيون الأمر، فتتجلى الحكمة والمبادئ الإسلامية (الأخلاق) في ربط مكونات العملية، كفاصل لتحقيق مصلحة عامة، تضمن نتائج أفضل مما كان عليه حال الواقع، فالخروج عن استبعاد أي مكون من مكونات العملية السياسية المذكورة آنفاً، أو النظر للأهداف الشخصية، وترك الهدف العام كمصلحة جامعة وعامة، أو إتباع  الهوى النفسي لتعصب قومي، أو قطري، أو قبلي، أو حزبي أو التنظيمي، يشكل عامل ضار بالقرار السياسي؛ لما ينتجه من الإضرار العام بمصلحة المجتمع، فيكون ارتكب مخالفة للسياسة الشرعية، والتي تسبب إعطاء فرصة للعدو من التمكن وبسط سيطرته.
فالقرار السياسي يعتمد على أن يكون المتحول أي الواقع، يوافق نتائج الثابت أي الشريعة، على أن يستخدم المتجول أي المعطيات السياسية؛ في خطة سياسية محكمة، هدفها الأكبر ألّا يترتب مفسدة أكبر من الواقع الأصلي، ويتجلى هدفه في تحقيق المنفعة العامة كمصلحة رافعة لواقع الحال، مما ينتج متحرك جديد من المعطيات السياسية، والتي تستخدم في تطوير رافعة جديدة للمصلحة العامة، والتي تحقق إفشال جديد لخطط العدو، وبناء واقع يرقى على المواجه، وإسناد ذلك بكل العوامل لإنجاح الخطة السياسة، مما تنتج فعل سياسي يجابه تحديات العدو، والثبات على ما تم انجازه، كما أن الفعل السياسي هو الضامن لعدم الرجوع للخلف، وتدمير المنجز السياسي، وتكون أعمالنا تصب في مصلحة العدو، وهنا نحتاج لتقييم وتقويم.
فالشريعة الإسلامية، هي شريعة الله، مورد لمن شاء أن يرتوي إيماناً وخلقاً وحكماً، وهو مورد ظاهر معين لا يبعد على طالب، ولا ينأى عن راغب وهي طريق مستقيم، لا عوج فيه ولا أمت، فعليه تكون الشريعة الناظم بين المتحول (الواقع)، والمتحرك (المعطيات السياسية)، لتشكل الإطار الحامي للقرار السياسي، معتمداً على الخبرة، ودراسة الواقع الذي يسمى فقه الواقع، أي تفاصيل الواقع بكليته مع استنباط واستنتاج المعطيات السياسية؛ لكل واقع مدروس، أو ما نتج من معطيات غير محسوبة من طرف الأعداء؟
إن أعظم الخطط السياسية هي التي تبني نفسية عقلية، وآليات تفكير، تنصب نحو تحقيق الهدف العام؛ للمصلحة الجامعة بين شرائح المجتمع، والتي تكون أساسها إقامة العدل والإحسان، ويتجنب الفهم السياسي بناء النفسية العقلية المرتهنة بأهدافها الخاصة، أو تحقيق مصالحها الشخصية، هذا ما أطرحه؛ هو جوهر وحقيقة السياسة الشرعية، والتي تقف حائلاً لبناء نفسية عقلية لا تتساوق مع أهوائها، وإن حَدَثَ يكون تجاوز للفهم السياسي الشرعي، فلربما تنجز في وقت قريب، فسيكون انجازها عائقٌ في طريق تحقيق المصلحة العامة، بل لربما تكون انجازاتها  تصب في خدمة أعدائها، وفعلها السياسي الذي يحقق ممارستها السياسية تقع في طريق مسدود أو مصير مجهول تدفع ثمنه من دماء رعيتها.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي: “إن السياسة الشرعية هي السياسة القائمة على سياسة الشرع، وأحكامه، وتوجيهاته، فليس كل سياسة نحكم عليها بأنها شرعية، فكثيرٌ من السياسات تعادي الشرع، وتمضي في طريقها وفقًا لتصورات أصحابها وأهوائهم…”، ومن هنا وجب على حكام الدول العربية الإسلامية أن يستجيبوا لتصورات الدين وأحكام الشريعة ويبنوا سياستهم على أن تكون أهوائهم تبعاً لما جاء به سيدنا محمد صل الله عليه وسلم.

الوعي السياسي وعلاقته بالفكر السياسي

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي D8b3d98ad8a7d8b3d8a9-d8a7d984d8b9d984d985-d8a7d984d8a3d985d98ad8b1d983d98a
إن الفكر السياسي الواعي، والذي يعتمد على جمع المعلومات وتفنيدها، ووضع خطة لتنفيذها، لا يختلف مع الاعتماد على الله، وأن النصر بيد الله، فأعتقد أن الارتباط بالواقع وفقهه، والاعتراف على الصعيد العقلي في واقعنا اليوم، بأن الموازين الدولية موجودة كالنظام الدولي العنصري، فإنه يساعد في عمل الخطة السياسية، والتي تعتمد على تفنيد الأحلاف، وتحديد المحايدين، واستهداف الأعداء، وتجنب بعض الخصوم، فهو وعي حقيقي لمكون أساسي وهو المتحول من الواقع وتحليل المعطيات السياسية، فهو قمة السياسة لحل القضايا… فنجد أن السياسة عند الإسلاميين، ما زالت لا تعي حقيقة المعادلة التي تم طرحها، وهي ادراكات الفهم لكل من الثابت والمتحول والمتحرك، فهناك من تعلم وهناك من بقي يجهل مقاصد السياسة الشرعية، فإذا ما طرحت قضية لم تكن في صالحنا، خونوا القائمين عليها وأصابتنا أمراض الاستعلاء والإقصاء، واحتقار الآخرين، مما زاد في تراكمية الفعل السياسي غير الناضج، والذي ينعكس بممارسات لا ترقى لتحقيق الهدف المنشود، واستزادة في فعل سياسي يمضي في طريق مسدود.
استطاع النظام الدولي الجديد، والحركة الصهيوأمريكية الأكثر استيلاء عليه، أن تستفيد من الإسلام السياسي؛ الذي يبنى الانفصال التام عن مكون الدين، ويبني نفسية عقلية بعدم تقبل المسلمين، على خلاف الفهم الذي نطرحه، بتعانق مكونات الفكر السياسي الذي يرقى بصون جميع حقوق عوام المسلمين، ليحقق المصلحة العامة! فالإسلام السياسي من أكبر مشكلاته لم يتجاوز الحزبية والفئوية.
في ظل اتحاد كامل لقوى التحالف الشرقي والغربي بقيادة صهيوأمريكية، لتنزع من عموم المسلمين صدقية الإسلام وفطرة العقيدة، الذي يعتبر أي تعدي على حقوق المسلمين، واجب على الكل الإسلامي الوقوف أمامه، والذي يرقى ليكون فعل سياسياً، مستندًا لفعل عملي هادر، يقلع كل من يسيء للمصلحة العامة للمسلمين، إن هذا الفهم يرقى ليوحد النموذج العام للفهم السياسي، الذي ينتج ممارسة سياسية، لا تقبل بالهيمنة والغطرسة للأعداء، وتبني فكراً سياسياً موحداً ضد العدو الرئيس، وتجمع كل معطياتها السياسية، للوقوف أمام الاستبداد الظالم والناخر في الأمة.
فعلى الجماعات الإسلامية ألّا تبني العقول على جزئيات فكرية، لها دلالات إسلامية سطحية، بل تبني على النظام الشامل المتكامل العميق المتكامل للإسلام… الذي يحفظ حق عموم المسلمين في المواجهة، لا يعمل على فصل الأمة عن أحقية الصراع، ولهذا يتطلب من الخطة السياسية، تفعيل طاقات وقدرات عموم المسلمين، لإيجاد فرصة التلاحم بالمعرفة والوعي، وإدراك خطة الفكر السياسي، وإدراك حقيقة العدو وأحلافه، حتى لا تقع فريسة التغرير لعملاء النظام الدولي الجديد، إن الإسلام السياسي تجرد من فهم المعادلة، والمنظومة الكلية التي نطرحها، وبالتالي لربما في لحظة من اللحظات يكون دوره وظيفياً ولاعباً أساسياً لصالح الأعداء، فاليقظة مطلوبة والتقييم والتقويم مهم.
وقال ابن تيمية:”قصة الخضر مع موسى لم تكن مخالفة لشرع الله وأمره ، … بل ما فعله الخضر هو مأمور به في الشرع بشرط أن يعلم من مصلحته ما علمه الخضر؛ فإنَّه لم يفعل محرما مطلقا، ولكن خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار؛ فان إتلاف بعض المال لصلاح أكثره هو أمر مشروع دائما ، وكذلك قتل الإنسان الصائل لحفظ دين غيره أمر مشروع … فهذه القضية تدل على أنَّه يكون من الأمور ما ظاهره فساد؛ فيحرِّمه من لم يعرف الحكمة التي لأجلها فعل، وهو مباح في الشرع باطناً وظاهراً لمن علم ما فيه من الحكمة التي توجب حسنه وإباحته…”، فالربط بين مكونات الخطة ومعرفة نتائجها شيء رئيس لتحديد النتائج الشرعية، والتي تغيب عن أذهان عموم المسلمين، وبالتالي يجب استحسان النتائج لتصب في مصلحة العموم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي   قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Emptyالخميس 28 مارس 2019, 9:53 pm

[rtl]العلاقة بين المجتمع والسلطة في الدولة الإسلامية[/rtl]

لطالما شكلت طبيعة العلاقة بين المجتمع والسلطة أكبر المشكلات المؤرقة لمختلف الدول والتوجهات الفكرية المرتبطة بتصورات معينة عن شكل الدولة، وتثار عندها التساؤلات التالية: هل المجتمع هو مالك الأمر في موضوع حكم الدولة فيعطي الحاكم أو الحكومة صلاحيات الحكم ويسحبها إذا أراد؟ وهل توجد منظومة يمكنها الضغط على الحكومة من شخصيات الشعب وتشكيلاته المختلفة؟ وما حدود تدخلات الحكومة في المجتمع، فهل تملك الحكومة منظومة التعليم ومنظومة الأخلاق ومنظومة الصحة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة؟
مبدئيًا، كلما زاد تدخل النظام السياسي في تفاصيل المجتمع تحول المجتمع إلى مجتمع هش ضعيف، وبالتالي تتمكن السلطة من الاستبداد والسيطرة على المجتمع؛ فالمجتمعات الاشتراكية عمومًا، والأنظمة المستبدة في الدول العربية بشقيها الملكي والجمهوري تميزت بتدخلها في تفاصيل المجتمع، والسيطرة على كل منظوماته؛ ما جعله مجتمعًا مشلولًا لا يستطيع التحرك في مواجهة الحكومة؛ فالدولة تملك المناهج التعليمية، وتملك منظومة الأخلاق، وتملك دور العبادة، وتتحكم في الموعظة على المنابر، ولا وسائل إعلام إلا إعلام الحكومة، ولا نقابات خارجة عن سيطرة الحزب الحاكم، ووصل الأمر إلى التحكم في السكان ومواليدهم، كما في قضية تحديد النسل في الصين مثلًا، والتحكم في أماكن توزيعهم في الدولة ومجال عملهم!
وموضوع هذه المقالة الرئيس في الحديث عن العلاقة في الدولة الإسلامية، من الناحية النظرية والنموذجية، وليس من ناحية الحوادث التاريخية القصيرة والمرتبطة بظروف معينة.
فما الظروف التي تحكم علاقة الرعية والحاكم (شكل العقد الاجتماعي)؟ وما دور العلماء في الدولة وعلاقتهم بالحكام؟ وكيف أدار المجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (منظومة الأخلاق)؟ وما دور نظام الأوقاف في بناء الحضارة الإسلامية: من امتلكه وكيف أداره؟ وماذا بخصوص المدارس المتعددة للمذاهب الفقهية المختلفة؟

السلطان للأمة


قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Serveimage2-1024x683
تقوم فكرة العقد الاجتماعي في الدول الحديثة على رضا الشعب بوجود دولة في صيغة “سلطة”، مع إعطائها الحق في احتكار القوة، والحق في جباية الضرائب، مقابل رعايتها للمصالح العامة وإعطاء الناس حريتهم من خلال حكمهم بالدستور الديمقراطي المتفق عليه برأي الأغلبية.
لكن في فلسفلة الدولة في الإسلام ليس الناس من أوجدوا الدولة؛ لأن وجود السلطان هو ضرورة شرعية فرضها المشرع، وتكون القيمة العليا هنا في النظام هي إنفاذ حكم الشرع، وبالتالي ضرورة وجود سلطة تقيم هذا الشرع، وضرورة تطبيق القوانين استنباطًا من أحكام الشريعة.
إذا كانت الدولة وقوانينها قائمة بأمر الشرع لا بقرار الناس، فأين يكون معنى القاعدة المعروفة “السلطان للأمة”؟ السلطان للأمة في تنصيبها للحاكم من خلال البيعة بما يضمن إقامة أحكام الشرع، فيكون العقد هنا: “نبايعك إمامًا ما أقمت فينا الشرع”. وقد ظهر هذا المفهوم جليًا في خطبة صديق الأمة:
اقتباس :
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.

وبالتالي، يحافظ هذا المفهوم على أن المجتمع هو صاحب السلطة، وهو من أعطاها وجودها الشخصي بعناصر الحكومة، رغم أنه ليس صاحب الوجود المعنوي أو الاعتباري للدولة، ويكون للأمة الحق في الاعتراض على قرارات السلطة ومراقبة عملها دون أن يكون لها الحق في مطالبته بتنفيذ أحكام تعارض الشريعة.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


يمثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منظومة الإسلام الأخلاقية، فتكون هذه المسؤولية الجماعية هي الضامن للحفاظ على القيم الإسلامية داخل المجتمع، قال تعالى:
اقتباس :
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

ويبين حديث رسول الله: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان” أن حالة ردع المنكر مسؤولية جماعية تقع على كل فرد داخل المجتمع بعينه، وتقع على العامة في اجتماعهم، وعلى الحاكم وحكومته؛ فيحفظ الحاكم المجتمع ويمنع انتشار المنكر المؤدي لضياع المقاصد الشرعية، ويمنع الفرد المنكر في أسرته، ويمنع المعلم المنكر في تلاميذه، وهكذا دواليك حتى يتحقق حفظ المجتمع ككل.
وعليه، يمنع الناس فساد الإمام؛ فيأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر ويراقبون أحكامه وأحكام عماله وقضاته، ويمنع الحاكم انتشار الفساد بالمجتمع من خلال محاربة أي مظاهر منكرة باستخدام السلطة المخولة لديه.
ونستنتج هنا أن منظومة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجعل المجتمع قويًا بذاته، يحفظ بنيانه ويتعامل مع الأفكار الدخيلة من تلقاء نفسه، فيبقى المجتمع قويًا ببقاء منظومته الأخلاقية، وإن غابت السلطة أو انهارت، أو حتى في حالة فساد الحاكم وجوره.

الحضارة الإسلامية: هبة نظام الأوقاف


قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Serveimage-1024x439
حظي المجتمع الإسلامي بذلك النظام الفريد المسمى «الأوقاف»، والذي كان أحد أهم أسرار قوته، من خلال ما يوفره هذا النظام من مداخيل مالية كبيرة توجه كلها في رعاية الضعفاء والفقراء، وفي بناء المكتبات والمدارس، ورعاية طلبة العلم وعابري السبيل، والقيام على المستشفيات، وغيرها من مؤسسات المسؤولية الاجتماعية.
هذا النظام، وما يشمله من تفرعات مثل الصدقات الجارية، شكّل عماد الحضارة الإسلامية، وسر تفوق النظام الإسلامي على الاشتراكية والرأسمالية؛ فتبقى أملاك الناس لهم دون أن تسلبهم الدولة حقوقهم. ويشكل نظام الأوقاف داعمًا للاحتياجات الاجتماعية، تعوض عن الدعم الحكومي إذا نقص، أو تكون أكبر منه في الأساس.
وهذا شكل اللبنة التي بُنيت عليها الحضارة الإسلامية ومعالمها المعروفة؛ فالمساجد والمكتبات والتكيات ودور الطعام للفقراء وطلبة العلم وعابري السبيل هي من صنعت العمران الإسلامي الذي نفاخر به، وهي من صنعت العلوم والمعارف الإسلامية، لذلك يقال: “الحضارة الإسلامية هبة نظام الأوقاف”.
كما أن ما يحفظ لهذا النظام روحه وسر قوته بقاءه بعيدًا عن سيطرة الدولة، فيكون شيئًا من المجتمع يرتكز عليه الفقراء، ويكون ملكًا لعامة الرعية يتوارثونه ويعملون على تنميته وإكثاره.

العلماء والبلاط


في النظام الإسلامي علاقة معقدة بين الحكام والعلماء، فالدولة ليست وكيلة على الدين ولا تشكل مؤسسته الأولى والوحيدة، والعلماء في الأصل ليسوا موظفين عند الحاكم، وإن كانت مهمة الحاكم حراسة الدين.
وقد اختلفت العلاقة عبر التاريخ بين مفرطين في السعي حول البلاط بحثًا عن رضى الحكام، وبين علماء يبتعدون عن البلاط إلى حد المبالغة في ذم الدخول على الحكام، وآخرين مفرطين في معاداة الحكام إلى حد الخروج.
والتاريخ الإسلامي غني بأمثلة عن الحالات السابقة لا يتسع المقام للخوض فيها، لكن الهدف هنا البحث عن غاية وجود منظومة العلماء والشيوخ داخل الدولة. فالأصل أن النظام يحتوي، من ضمن ما يحتويه، العلماء بمذاهبهم المختلفة، وتلاميذ كل مذهب ورواد كل مدرسة، ومعاهد ومساجد تنقل هذا العلم وتقدم ما ينتج عنه من مؤلفات ومعرفة غنية، وصولًا لأن يصبح كل ما سبق منظومة متكاملة مستقلة بذاتها.
ولا تكون بأي حال من الأحوال العلاقة بين المنظومتين علاقة هرمية، تكون السلطة بها في أعلى الهرم والعلماء في أدناه، ولا تكون منظومة العلماء هي السلطة المتحكمة بالرعية.
كما أنه ليس من المنطق أن يبتعد العلماء عن الحياة العامة منصرفين إلى العلم البحت بما يعزلهم عن المجتمع والتأثير فيه، فيصبحوا بلا قيمة تذكر بالنسبة لعامة الناس وحاجاتهم اليومية. فالحالتان السابقتان تفسدان العلماء، فيكونوا مطية للحاكم في حال اتباعه، يوظفوهم بما يخدم سلطته ويوسعها، أو يكونوا هامشيين منعزلين عن الناس في حالة الانصراف إلى العلم وترك التدخل في السياسة.
ولكن الأصل أن تكون العلاقة بين المنظومتين علاقة أفقية، بحيث يحتويهم النظام دون أن يدخلوا مباشرة داخل جهاز الدولة؛ فيكون لهم تعليقهم على السياسات والقرارات الحكومية، ويملكون القوة للتحشيد ضد القرارات التي يعارضونها من خلال شعبيتهم وعلاقتهم المباشرة والوثيقة مع العامة، فيشكلون بذلك جماعة ضاغطة تكون لها دور غير مباشر في تعيين وعزل الحكام، وفي تمرير القرارات والسياسات العامة، ويشكلون بذلك جزءًا مما يسمى جماعات الضغط.
فيكون العلماء مراقبين على الحكام وحراس الدين الحامين لقيم النظام الإسلامي، دون أن يدخلوا في شؤون الحكم ومكاسبه ومطامعه بطبيعة الحال؛ ما يؤدي إلى فسادهم وحرفهم عن غاية وجودهم الأساسية.

سقطت الدولة، وبقي المجتمع!


قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Serveimage-1
تسقط الإمبراطوريات عمومًا بسقوطها السياسي باحتلال عاصمتها أو مدنها المهمة، وأحيانًا تنهار الإمبراطوريات وينتهي دورها الحضاري بموت الحاكم المؤسس أو الحاكم القوي؛ فلا يبقى منها إلا بعض الحجارة الأثرية، أو بعض المواريث المعرفية مما أنتجته تلك الحضارة، ولا يكون لها أمل في نهضة أخرى أو حياة جديدة.
ويبقى بذلك المعيار الفاصل لبقاء الحضارة أو فنائها هو بقوة المجتمع الذي تشكل داخلها، من خلال قيمة السلطة في عقله الجمعي: باعتبارها مبرر وجوده على هذا المبدأ والسبب الوحيد لوجود حضاراته؟ أم أن دورها -أي السلطة- وظيفي فقط، يبقى المبدأ الجامع قبلها وبعدها؟
وفي التاريخ الخبر والمثال الحي على ذلك، فقد سقطت الدولة الإسلامية فعليًا لا نظريًا بسقوط العاصمة بغداد بيد التتار، فنُهِبت العاصمة ودُمِّر عمرانها وأُغرِقت الكتب، لكن يمكن قراءة هذه الحادثة التاريخية من زاوية أخرى بسؤال ما الذي حصل للمجتمع الإسلامي في حينها؟
تمكن ذلك المجتمع الصلب من استجماع قواه في سعي المسلمين للدفاع عن العقيدة -المبدأ العام الذي تقوم عليه حضارتهم ودولتهم-؛ فاستجمعوا قواهم دون وجود الدولة وأعلنوا الجهاد ضد المغول، حتى كانت كل مدينة تجاهد لوحدها بما أوتيت من عدة ورجال. لكن الأهم هنا هو القدرة العجيبة للمنظومة على الاحتواء؛ حيث تمكن المجتمع من الحفاظ على عقيدته في مواجهة العقيدة الدخيلة، حتى دخلت أعداد كبيرة من التتار في الإسلام! ومن ثم، عادت الحياة للحضارة الإسلامية بحكام جدد، وبذات المجتمع الصلب.
وفي العصر الحالي، وبعد مرور حوالي قرن على زوال الجسم السياسي للدولة الإسلامية، بقيت أمواج الاستعمار تلاطم المسلمين، وتهزهم الفتن، ويبطش بهم الحكم الجبري، ورغم ذلك بقي مجتمعهم قائمًا ببقاء أجزاء من منظوماته وفساد أخرى، وظلوا محافظين على أواصر الوصل مع حضارتهم وتاريخهم، هائمين بحثًا عن طريقة تعيد الأمور لنصابها، وتعيد لهم منظومتهم التي فقدوها.
وختامًا، ليس المقصود من هذه المقالة رسم صورة وردية عن التاريخ الإسلامي الذي يبقى -بلا شك- تاريخًا بشريًا يحمل ما يحمل من أوزار وأخطاء، لكنها محاولة للبحث عن أصل العلاقات داخل الدولة في الإسلام، وعن روح المنظومة الإسلامية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي   قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Emptyالخميس 28 مارس 2019, 9:57 pm

آلية تولي السلطة في الإسلام




قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي 7_184


هذه قضیة تشغل الكثیرین، ویراها البعض معضلة لا حل لها، ویظن آخرون أن النظام الدیمقراطي الفاشل هو الذي حلها وعالجها وأتى بالخلاصة فیها! وهذا الموضوع حتى تفهمه بعمق أطلب منك أن تقرأه من بدایته حتى آخره بتركیز شدید وأن تنتبه لتسلسل الأفكار فیه جیدا : بدایة كي تفهم الأمر بعمق یجب أن تعرف أن السلطة هي واقع یحصل على الأرض، فالشخص لا یوصف بأنه حاكم أو سلطان إلا إذا كان بالفعل له سلطة وقدرة على أرض الواقع، هذا وصف مجرد لا یعني المدح ولا الذم، فنحن نصف الشخص بأنه صاحب سلطة بعیدا عن كونه صالحا أو غیر صالح، مسلما أو غیر مسلم، وبعیدا عن كوننا نعترف بشرعیة سلطته أو لا نرى له شرعیة، سواء كنا نحاربه ونواجهه أو لا، سواء تولى السلطة بالقهر أو تولاها بالرضا، كل هذا لا یؤثر في وصف الواقع بأنه سلطان أو حاكم، وهذا واضح بمدلول اللغة نفسها، فالسلطان هو من له سلطة، والحاكم هو الذي یحكم، ومجرد استحقاقك للسلطة لا یعني أنك قد أصبحت سلطانا على أرض الواقع، وإنما تصبح سلطانا إذا تملكت السلطة والقدرة فعلیا على الأرض.
كل المجتمعات البشریة لا تخلو من وجود سلطة تجمعهم في سیاق واحد وإلا لن یكونوا مجتمعا بل سیكونون أشتاتا وأفرادا، والسلطة في المجتمعات البشریة نوعان : (سلطة ثابتة – وسلطة متغیرة).
السلطة الثابتة هي ما یمكن التعبیر عنها بمراكز القوة على الأرض، وهي ما تمثل “النظام” في الشكل الحدیث للدولة، هذه السلطة سمیناها ثابتة لأنها لا تتغیر بمجرد تغییر رأس النظام، فقد یموت رأس النظام أو یُخلع أو یتنحى وتظل هذه السلطة قائمة ومتحكمة في الأوضاع، فرأس النظام هو “سلطة متغیرة” ولا یكتسب سلطته إلا من خلال اعتراف مراكز القوة به، وفي الحقیقة إذا لم تذعن مراكز القوة له ولم تعترف به فلن یتمكن من الحكم الحقیقي!
في “الجزائر” في أوائل التسعینات عندما اكتسح الإسلامیون الانتخابات البرلمانیة، قررت مراكز القوة ألا تمكن الإسلامیین من السلطة المتغیرة (البرلمان) ونجحت لأنها صاحبة السلطة الثابتة في البلاد، وفي مصر تركت مراكز القوة مرسي یتولى ظاهرا السلطة المتغیرة (الرئاسة) ولكنها لم تكن مذعنة له ولا معترفة به فأصبح رئیسا صوریا بلا قدرة ولا سلطة، إلى أن قررت هذه السلطة الثابتة عزله عن الرئاسة الصوریة فتم عزله بخطاب واحد، وأما في “الثورة” الرومانیة فقد أسقطت الجماهیر الغاضبة الدكتاتور تشاوتشیسكو رئیس الجمهوریة وزعیم الحزب الشیوعي بل وأعدمته في الشوارع، وبعدما أسقطوا ( السلطة المتغیرة ) التفوا حول (السلطة الثابتة) المتمثلة في جنرالات الجیش وبعض رجال الحزب نفسه، متناسین أن هؤلاء لیسوا سوى النظام الذي كان یعطي الشرعیة لتشاوتشیسكو!!
أجرت هذه السلطة انتخابات برلمانیة فاز فیهما رجال الحزب الشیوعي القدامى تحت اسم جدید بأغلبیة مطلقة، وأصبح رئیس الجمهوریة هو ( إیون إلیسكو ) أحد كوادر الحزب الشیوعي نفسه ! وهذا مطابق لما حدث في مصر بالضبط بعد ٢٥ ینایر عندما تنحى رأس النظام، لیلتف الناس هاتفین للنظام نفسه بهتاف ( الجیش والشعب إید واحدة ).
وأما في تشیلي ففي عام 1970 وصل الزعیم الاشتراكي سلفادور أللیندي إلى السلطة بانتخابات دیموقراطیة ثم قامت السلطة الثابتة بزعامة بینوشیه بخلعه والانقلاب علیه عام ١٩٧٣ وتم قتله داخل قصره وتولى بینوشیه نفسه الرئاسة، وهكذا الأمثلة التاریخیة والمعاصرة لا تعد ولا تحصى، كلها تبین أن مربط الفرس كله في “السلطة الثابتة”.
بل حتى في أكثر الدول دیمقراطیة توجد (سلطة ثابتة) في ضوئها یتم اختیار الناس للسلطة المتغیرة (الرئیس والبرلمان) .. هذه السلطة الثابتة قد تأخذ شكل اللوبیات وجماعات الضغط في بعض الدول، أو تأخذ شكل الهیئات والمؤسسات ( كالجیش والقضاء والشركات) في دول أخرى، وفي أفضل الأحوال تمثل الجماهیر نسبة قلیلة من هذه السلطة الثابتة، وحتى هذه النسبة القلیلة یمكن الاستحواذ علیها بالإعلام الموجه للجماهیر!
فالجیش والقضاء والشركات الرأسمالیة والإعلام یمثلون سلطة ثابتة في هذه المجتمعات مهما تغیرت الوجوه السیاسیة، ولو افترضنا مثلا افتراضا تخیلیا أن هذه الهیئات واللوبیات اجتمعت على قلب رجل واحد وقررت علنا عدم الاعتراف بسلطة رئیس بعینه فلن یصبح رئیسا على أرض الواقع، بل حتى لو قرروا أن یعزلوه بالقوة فسیعزلونه مهما اعترض الشعب وثار واحتج، فهم محتكرو القوة، فالرؤساء یمثلون فقط السلطة المتغیرة والتي یعطى فیها للشعب مساحة أكبر لاختیارهم كنوع من التخدیر الدیمقراطي، بینما الجمیع یعلم أنه في أمریكا نفسها على سبیل المثال هناك خریطة للسلطة تتجاوز الرئیس الأمریكي بكثیر، ویكفیك أن تكتب في محركات البحث ( من یحكم أمریكا ) وستجد مئات الكتب والأبحاث التي تناقش هذه النقطة تحدیدا، ومهما اختلفت هذه النظریات فیما بینها إلا أنها كلها تتفق على حقیقة لا یمكن لأحد أن ینكرها وهي أن الرئیس الأمریكي أضعف حلقة في السیاسة الأمریكیة!
السلطة الثابتة هي سلطة تفرزها الأحداث والمواقف المتتالیة حتى تتحول إلى أمر واقع یعیشه الناس، فهي تتكون عبر الوقت لتصبح مراكز قوة في المجتمع ولا تأتي بالاختیار والانتخاب السریع، بل عملیة (الاختیار) أصلا لا یمكن أن تتم بدون وجود سلطة ثابتة تنظم هذا الاختیار، كما حدث في مصر بعد ٢٥ ینایر فقد تمت كل العلمیات الانتخابیة تحت مظلة السلطة الثابتة (العسكر) ، بمعاونة (القضاء) أحد أذرع هذه السلطة الثابتة في مصر، وقد قالها الجیش صراحة وعلى الملأ أنه یمثل ” الشرعیة المسلحة ” ، وفي مرة أخرى قال أنه یمثل ” شرعیة الأمر الواقع ” یقصد أنها شرعیة فوق الاختیار، وكان هذا هو الواقع الموجود فعلا!
لا یوجد أحد قرأ في كتب السیاسة الشرعیة لم یمر علیه مصطلح (أهل الحل والعقد) .. في الحقیقة ( أهل الحل والعقد ) هو مصطلح یعكس الواقع الذي شرحناه، ولیس اختراعا طرحه علماء المسلمین كما یظن البعض، أهل الحل والعقد موجودون في أي مجتمع وفي كل الأمم، وموجودون في نموذج الدولة الحدیثة، أهل الحل والعقد هم ببساطة مراكز القوة أو السلطة الثابتة في المجتمع بعض الناس یظن أن ( أهل الحل والعقد ) هو مصطلح یشیر إلى العلماء وأصحاب الدین والاستقامة والرأي حتى ولو لم یكن لهم سلطة ولا شوكة ولا قدرة، وسبب هذا الظن الخاطئ هو ما یقرأه في كتب علماء المسلمین عن شروط أهل الحل والعقد وأوصافهم.
كما قال الماوردي: والشروط التي یجب أن تتوافر فیهم ثلاثة ..
اقتباس :
1 – العدالة الجامعة لشروطها.
2 – العلم الذي یتوصل به إلى معرفة من یستحق الإمامة على الشروط المعتبرة في الإمام.
3 -الرأي والحكمة المؤدیان إلى اختیار من هو للإمامة أصلح، وبتدبیر المصالح أقوم وأعرف.
نعم العلماء یتحدثون هنا باعتبار ما یجب أن یكون علیه الوضع، الواجب أن تكون السلطة الثابتة في ید من توفرت فیهم هذه الشروط، فلا شك أن المجتمع المستقیم هو المجتمع الذي یسود فیه (العدول العقلاء الأكفاء أصحاب الرأي والفهم) لیكونوا مراكز القوة وأصحاب السلطة الثابتة، وهذا یضمن صلاح السلطة المتغیرة، ولكن هل هذا هو الواقع دائما؟
للأسف في الواقع قد یكون العلماء والفضلاء والعقلاء وأصحاب الدین والرأي والتخصص والكفاءة ومن توفرت فیهم كل الشروط المذكورة هم أضعف من في المجتمع!!
هل حینها وهم لا یملكون ذرة من القدرة والشوكة والمنعة یمكن تسمیتهم أهل الحل والعقد؟ لا طبعا، لا واقعا ولا لغة ولا شرعا! وهذا ما شرحناه في أول الكلام، أن السلطان لقب على من له السلطة بالفعل على أرض الواقع ولیس على من یستحقها، والحاكم هو من یحكم بالفعل، وكذلك أهل الحل والعقد هم من یستطیعون بالفعل أن یحلوا ویعقدوا أي لهم السلطة والقدرة والشوكة، ولو وجد من یستحقون أن یكونوا أهلا للحل والعقد ولكنهم بلا سلطة ولا قدرة ولا شوكة على أرض الواقع فلن یكون اسمهم ” أهل حل وعقد” بل هم مجرد أشخاص فضلاء في مجتمع لا یعرف قیمتهم، أو مقهور على عدم معرفة قیمتهم!!
ولنأخذ الواقع المصري مثالا وأرجو ألا تضحك من الواقع المنحط :- ( أهل الحل والعقد ) في الواقع المصري منذ ١٩٥٢ هم بلا شك المؤسسة العسكریة ویأتي بعدهم مراكز قوى أخرى تتبادل الأدوار بحسب الظروف السیاسیة، ففي زمن مبارك صار لرجال الأعمال حظ كبیر من السلطة والتحكم فیها وهو ما كان یغضب المؤسسة العسكریة، إلا أنني أعتقد أنه بعد ٢٥ ینایر أصبحت المؤسسة العسكریة متفردة بالسلطة مرة أخرى ومعها كذلك القضاء مدعوما منها، وطبعا كلاهما تحت إشراف الخارج، لیصبح أهل الحل والعقد منذ ٢٥ ینایر ( أصحاب السلطة الثابتة ) في الواقع المصري هم : ( الجیش والقضاء بإشراف من الغرب) ، فمن اتفق الجیش والقضاء على تسمیته رئیسا صار رئیسا، ومن اتفقوا على خلعه صار مخلوعا، وما اتفقوا على حله صار منحلا، وهو ما یعلمه كل المصریین بلا خفاء ولا یستطیع أحد أن ینكره!
وهنا یجب إضافة ملاحظتین مهمتین جدا :
١ – أن السلطة الثابتة في بلادنا هم ضمانة الحفاظ على مصالح أمریكا وقواعد النظام العالمي، وهم من تسمح أمریكا ببقائهم السلطة الثابتة، وتقویهم وتمدهم بالسلاح والمعلومات وسائر الدعم السیاسي والاقتصادي، ولا یمكن للسلطة المتغیرة مادامت قد قبلت المجيء تحت سیطرتهم أن تخرج عن هذا الإطار التي ترسمه وتحمیه تلك السلطة الثابتة.
٢ – أن مقولة ( الجیش حمى الثورة ) یمكن وضعها في قائمة أغبى ١٠ جمل في التاریخ!
فالجیش ضحى بمن كانوا في السلطة المتغیرة حینها لیضمن بقاء السلطة الثابتة في یدیه، والسلطة الثابتة هي من تحمي وتحفظ مصالح أمریكا وقواعد النظام العالمي كما قلنا، فالنتیجة یمكن تلخیصها في أن الجیش حمى مصالح أمریكا والنظام العالمي في مصر ولیس الثورة، وإذا كانت الثورة عند البعض هي مجرد تغییر الأشخاص في “السلطة المتغیرة ” فما الفارق إذن بین الثورة وبین أن یموت الرئیس بقضاء لله وقدره!
والآن نجد أنفسنا أمام سؤال مهم : في حالة فساد وعمالة أهل الحل والعقد، أي في حالة وجود السلطة الثابتة في ید مراكز قوة فاسدة مفسدة مجرمة لیست منا وولاؤها لأعدائنا كما هو واقعنا الآن، 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي   قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Emptyالخميس 28 مارس 2019, 9:59 pm

ما نفعله في حال فساد أهل الحل والعقد

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Revolution


تحدثنا في التدوينة السابقة عما يجب أن نفعله في حال ثبات السلطة في يدّ الفساد .. في هذه الحالة لا یوجد إلا حل واحد فقط وهو نزع تلك السلطة من أیدیهم نزعا، وتجریدهم منها تماما وأما المجيء تحت سیادتهم وإشرافهم وشرعیتهم فبعیدا عن كونه أصلا اعترافا بهم، إلا أنه في الوقت نفسه لا ینزع منهم صفة أهل الحل والعقد في الواقع، بل سیظلون هم الحكام، فأهل الحل والعقد قد “یعقدون” السلطة المتغیرة لأحد الیوم، و”یحلونها” عنه غدا، والواقع خیر شاهد، وهو ما یعني أنك ستظل تدور في حلقة مغلقة یتلاعب بك فیها ( أهل الحل والعقد ) الفاسدون وأنه لن یستمر أحد في السلطة إلا إذا سار وفق أهوائهم !
ولهذا نقول في واقعنا ( الثورة قبل السلطة)، والثوارت الناجحة هي تلك الثورات التي تفرز سلطة ثابتة جدیدة تمثل قیم الثورة ومنهجها وأفكارها كما حدث في الثورة روسیة أو الكوبیة أو الإیرانیة، وهو ما حاول البعض عمله في “ثورة ینایر” الفقیدة عندما طالب المجلس العسكري بتأسیس “مجلس رئاسي مدني”، هكذا بهذه البساطة ! وهو الشيء الذي لم یقبله الجیش قطعا لأنه یعرف أنها خطوة بمثابة انتزاع السلطة الثابتة منه، وقد كان الجیش یعرف أن الثورة أضعف من أن تنتزع هذه السلطة منه، فهي لیست كالثورات القویة التي تبرز قیاداتها وتكوّن مجلسا ثوریا للقیادة، مجلسا یمثل فكر ومنهج ورؤیة الثورة، هذه الثورات القویة تُحدث عملیة تغییر مجتمعي كاملة، وتفرز قادتها عبر المعارك والمواقف فیصبحون هم السلطة الجدیدة في المجتمع، وهو ما یُسمى سیاسیا “الشرعیة الثوریة”، وبالطبع فإن عملیة انتزاع السلطة من مراكز القوة القدیمة تتطلب حتما قوة ولا یمكن تحقیقها بمجرد الهتاف والاعتصام السلمي.
ملاحظة هامشیة: بعض الذین طالبوا بالمجلس الرئاسي المدني هم أنفسهم الذین یخرجون في الإعلام یسخرون من مصطلح “أهل الحل والعقد” ولا یدرون أن ما طالبوا به كان هو “أهل الحل والعقد” بالضبط، الفارق الوحید عما طرحه علماء المسلمین القدامى هو أنهم رشحوا شخصیات لا تستحق مطلقا أن یكونوا كذلك، كما أنهم لم ینتبهوا لموازین القوة فظنوا أن السلطة الثابتة یُمكن أن یتم الحصول علیها بالمطالبة الرقیقة الهادئة، ولا أدري كیف تكون هذه ثورة!
وبذلك تفهم أن المعركة كلها تكمن في انتزاع السلطة الثابتة وتكوین سلطة جدیدة في المجتمع، وهي عملیة طویلة تحتاج إلى صبر ومصابرة، تحتاج إلى فكر ورؤیة ونشر وعي، كما تحتاج إلى قوة وحسم وحزم ومواجهة، فهي عملیة بناء مجتمعي، وعملیة تغییر فكري للمجتمع ولیس تغییرا مادیا فقط، وهذه إحدى وظائف الثورة الأساسیة، فإذا تمت عملیة التغییر المجتمعي تلك وتشكلت كذلك السلطة الثابتة المستقیمة سواء كانت في صورة أشخاص أو هیئات تم تأسیسها فقد نجحت ثورتك، وقد ضمنت حینها استقامة السلطة المتغیرة وأصبح الحدیث عن آلیة تولي السلطة المتغیرة أمرا هامشیا مادامت قیم النظام الجدید قد ترسخت، ومادامت السلطة الثابتة قد استقامت، درب طویل لیس بالسهل أي نعم، لكن لادرب غیره! ، وفي النظام السیاسي في الإسلام أي وسیلة لاختیار السلطة المتغیرة ستحقق هذه الاعتبارات الثلاث فقد حققت الشكل النموذجي لتولیها :
[list="box-sizing: border-box; margin-bottom: 1rem; padding-right: 0px; list-style: none; margin-top: 10px !important; line-height: 28px !important; font-size: 18px !important;"]
[*]توافر شروط الحكم في الشخص ( كالإسلام والذكورة والحریة والعدالة والاجتهاد والكفاءة).

[*]أن یحكم بالحق لا یتجاوزه، وقد شرحنا ماهو المعیار في ذلك عند حدیثنا عن النظام السیاسي في الإسلام، وهذا الاعتبار یمیز السلطة في الإسلام عن السلطة في الدیمقراطیة، فمنهج الحاكم في الحكم یؤثر على شرعیته في الإسلام، وقد تسقط الشرعیة عن الحاكم بسبب منهج حكمه الفاسد سواء كان بتضییع الدین أو الدنیا ولا قیمة هنا لاختیار الناس له لأن السیادة للحق فوق الحاكم والشعب، وهذا بخلاف الدیمقراطیة التي تجعل شرعیة الحاكم مصدرها اختیار الأغلبیة فقط أیا كان طریقة حكمه.

[*]أن یحصل الاجتماع بوجوده، فلا یكون وجوده مدعاة للتنازع والشقاق والخلاف والفتن والتقاتل ( وهذا یحدث واقعیا باتفاق مراكز القوى ” أهل الحل والعقد ” ، ویُراعى فیه رضا الناس العام حتى لا یكون مجیئه قهرا).

[/list]

هذه الاعتبارات التي تكسب الحاكم شرعیته، وفي صدر الإسلام كانت السلطة الثابتة مستقیمة، فهي سلطة تشكلت على مدار ٢٣ سنة من دعوة وهجرة وجهاد وتزكیة، متمثلة في المجتمع الإیجابي الذي تكون، وفي العلماء والمجاهدین وأصحاب الرأي من كبار الصحابة الذین أفرزتهم المعارك والأحداث الصادقة، فهؤلاء كانوا أهل الحل والعقد، ولذلك لم یكن هناك أي معضلة أبدا في آلیة اختیار “السلطة المتغیرة”، ولذا ستجد سبلا مختلفة لتولي الخلفاء “السلطة المتغیرة“، فأبو بكر كان ترجیح عمر، وباختیار عمر له حصل الاجتماع وموافقة مراكز القوة في المجتمع ( أهل الحل والعقد )، وعمر كان وصیة أبي بكر وبسبب كونه وصیة أبي بكر لم یحصل تنازع وحصل الاجتماع والموافقة من مراكز القوة ( أهل الحل والعقد) ، أما عثمان فكان واحدا من ستة اختارهم عمر حتى یتشاور المسلمون ویختاروا منهم واحدا، فوكلوا عبد الرحمن بن عوف لیستشیر الناس ثم یختار، فاختار (عثمان بن عفان) وبهذه الآلیة حصل الاجتماع، هذه آلیات مختلفة لمجيء الحاكم لكنها كلها – بلا استثناء – تمت تحت موافقة أهل الحل والعقد ( مراكز القوة ) المستقیمین حینها وراعت الاعتبارات الثلاثة التي تم ذكرها.
یلخص ما قلناه كله حول السلطة شیخ الإسلام ( ابن تیمیة ) فیقول: (وأما نفس الولایة والسلطان فهو عبارة عن القدرة الحاصلة، ثم قد تحصل على وجه یحبه الله ورسوله، كسلطان الخلفاء الراشدین، وقد تحصل على وجه فیه معصیة، كسلطان الظالمین)
ولو قدر أن عمر وطائفة معه بایعوه (أي: أبا بكر)، وامتنع سائر الصحابة عن البیعة، لم یصر إماما بذلك، وإنما صار إماما بمبایعة جمهور الصحابة، الذین هم أهل القدرة والشوكة.
ولهذا لم یضر تخلف سعد بن عبادة؛ لأن ذلك لا یقدح في مقصود الولایة، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذین بهما تحصل مصالح الإمامة، وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك، ویقول أیضا: (فإنه لا یشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذین یقام بهم الأمر بحیث یمكن أن یقام بهم مقاصد الإمامة, ولهذا قال النبي – صلى لله علیه وسلم -: “علیكم بالجماعة، فإن ید لله مع الجماعة” “إن الشیطان مع الواحد وهو من الاثنین أبعد”) وبذلك تعرف أن حدیث العلماء عن (أهل الحل والعقد) تحدیدا هو حدیث عن الواقع الذي لا فكاك منه، حدیث عن مراكز القوة التي بیدها السلطة، لیس اختراعا، ولا نظریة مبتكرة، ولا شیئا مبتدعا، هذا ببساطة الذي سیحدث في الواقع شئنا أم أبینا، لن یصبح الحاكم حاكما إلا بإقرار ورضا من أهل الحل والعقد ( مراكز القوة في المجتمع) ، كما هو حاصل في واقعنا رغم أنوفنا.
ورفضنا لمراكز القوة وأهل الحل والعقد الحالیین لا یجعلنا نتجاوز الواقع وننكر هذه الحقیقة، بل یجعلنا نتحرك بكل طاقتنا لانتزاع السلطة منهم انتزاعا ووضعها في ید من یستحقها، وإنما الذي أضافه العلماء استنباطا من الدین هو الشروط التي حددوها لأهل الحل والعقد في المجتمع المستقیم من عدالة وعلم وتخصص واجتهاد وحسن عقل ورأي وتدبیر لیتحقق مقصود الإسلام بهذه السلطة ” سیادة الحق ” وهو الشيء الذي نسعى إلي إیجاده الیوم بثورتنا.

اضغط هنا لتحميل كتاب معركة الأحرار كاملًا PDF – الطبعة الثانية




قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Marakt-Alahrar-Samir-pdf-dorarr.blogspot.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي   قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي Emptyالخميس 28 مارس 2019, 10:09 pm

الخروج على الحكام بين الشريعة الإسلامية والواقع الضبابي


لم تعرف الأمة الإسلامية في تاريخها قضية شائكة اختلفت فيها الآراء، وسُلت فيها السيوف، وأريقت فيها الدماء كما عرفت مع مشروعية الحاكم، وجواز الخروج عليه، وشروط ذلك، وسلك المسلمون في ذلك مسالك شتى حتى صار موقفهم من الحاكم علامة لتمييز فِرق منهم عن الأخرى. واندلعت فتن الحكم وتصارع الحكام، وكان القرآن وسنة الرسول صل الله عليه وسلم زاد العلماء ينهلون منهما ما يهديهم إلى قول الفصل وسبيل الحق. تشابه حال الحكام وتشابهت أحكام العلماء فيهم، حتى ابتلى الله المسلمين بسقوط آخر معاقل الإسلام، وهي الخلافة العثمانية، ودخول الاستعمار الذي لم يغادر أرض المسلمين حتى استخلف فيهم حكامًا فجرة ظلمة لا يحكمون بما أمر الله، يُميتون السنة ويُحيون البدعة، شرائعهم أحكام الغرب الوضعية، أسيادهم الكفار الذين تولوهم؛ فاختلف العلماء فيهم، بين مكفر ومرجئ، ومهادن.
حريٌ بنا إذاً أن نستطلع موقف علماء الأمة المتقدمين من الخروج على الحكام، وأن نتدبر حال حكام اليوم ونقارنه بحال حكام الأمس، وننظر رأي العلماء المتأخرين فيهم.

موقف العلماء المتقدمين في قضية الخروج على الحاكم

إن الخلاف القائم في مسألة الخروج على الحاكم الظالم قديم قدم الطوائف الإسلامية، فبينما يرى الخوارج والمعتزلة وجوب الخروج على الحاكم الظالم، وجعلوا ذلك فرعًا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما يرى أهل السنة والجماعة عدم جواز الخروج على الحاكم الظالم. عموماً ولا يخرج حال الحاكم عند علماء السنة عن أحد ثلاثة: مسلم عادل، أو مسلم جائر، أو كافر.
أما الإمام المسلم العادل، الذي أقام شرع الله وسعى في تحقيق العدل بين رعاياه، ولم يأخذ منهم مالاً إلا بحقه ولم يعطل الجهاد، فيُحرَم الخروج عليه مطلقاً وباتفاق العلماء، حتى ولو وُجِد بعد إبرام بيعته من هو أفضل وأكمل شروطاً منه، بل تجب مناصرته ومقاتلة من خرج عليه يبغي عزله إذا لم يفئ إلى أمر الله.
والحاكم الكافر لا ولاية له على المسلمين كما أجمع على ذلك علماء الأمة، بل يجب على المسلمين الخروج عليه وقتاله، وإن لم يجدوا قدرة على ذلك وجب عليهم السعي في إعداد العدة لقتاله، وسلوك أقرب الطرق لعزله وتخليص المسلمين من شره. يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: “وإذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها، كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: (بايعنا رسول الله -صل الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان).
أما الحاكم الظالم، فقد اختلفت في شأنه آراء العلماء، بين من يعتبر الخروج عليه واجباً، وبين من يحرم ذلك، أما الذين يقولون بوجوب الخروج عليه فهم الخوارج والمعتزلة، ويرون أن ذلك سبيل الأمة الوحيد لتتمكن من رفع المنكر، ويرون وجوب نصرة الخارجين عليه، وعدم مناصرته، يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في كتابه شرح نهج البلاغة: “وعند أصحابنا أن الخروج على أئمة الجور واجب، وعند أصحابنا أيضاً أن الفاسق المتغلب بغير شبهة يعتمد عليها لا يجوز أن يُنْصَر على من يخرج عليه ممن ينتمي إلى الدين، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بل يجب أن ينصر الخارجون عليه، وإن كانوا ضالين في عقيدة اعتقدوها بشبهة دينية دخلت عليهم، لأنهم أعدل منه وأقرب إلى الحق”. وقد وافق بعض علماء السنة الخوارج والمعتزلة في ذلك، فهذا إمام الحرمين الجويني يقول في كتابه «الإرشاد»: “وإذا جار والي الوقت (يعني الحاكم)، وظهر ظلمه وغشمه ولم يرعوِ عما زجر عن سوء ضيعه بالقول، فلأهل الحل والعقد التوطؤ على درئه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب”، كما قال ابن حزم في كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل: “والواجب إنْ وقع شيء من الجور وإن قل، أن يكلم الإمام في ذلك ويمنع منه، فإن امتنع وراجع الحق وأذعن للقود من البشرة أو من الأعضاء، ولإقامة حد الزنا والقذف والخمر عليه، فلا سبيل إلى خلعه، وهو إمام كما كان لا يحل خلعه. فإن امتنع من إنفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع، وجب خلعه وإقامة غيره ممن يقوم بالحق، لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِر وَالتقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوُاْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدوَانِ﴾، ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع”.
واستدل القائلون بوجوب الخروج على الحاكم الظالم بالآيات والأحاديث الكثيرة الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثل قول الله سبحانه في سورة البقرة، الآية 124: ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾، أو الآية 9 من سورة الحجرات: ﴿فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله﴾. أما الأحاديث فكثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: “لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف” رواه مسلم، وقوله صل الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: “على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية؛ فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”.
أما ما ذهب إليه غالب أهل السنة والجماعة فهو القول بحرمة الخروج على أئمة الظلم والجور بالسيف ما لم يصل بهم ظلمهم وجورهم إلى الكفر البواح، أو ترك الصلاة والدعوة إليها، أو قيادة الأمة بغير كتاب الله تعالى، بل وجوب طاعته مطلقًا سواء أمر بالمعروف أو أمر بالمنكر، وهذا هو مذهب الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة بين علي ومعاوية، وهم: سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأبو بكرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وهو مذهب الحسن البصري وأحمد بن حنبل، وعامة أهل الحديث. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “ولهذا كان مذهب أهل الحديث ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة والصبر على ظلمهم إلى أن يستريح بر، أو يستراح من فاجر”. ويقول أحمد بن حنبل في رسالة ألفها لبيان عقائد أهل السنة: “السمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومَنْ ولى الخلافة، فأجمع الناس ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف، ويُسمى أمير المؤمنين”. ويقول الشيخ أبو جعفر الطحاوي الحنفي في كتابه الشهير «شرح العقيدة الطحاوية»: “ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة.. إلى أن قال: ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعات الله عز وجل فريضة علينا مالم يأمروا بمعصية”، وقد استدلوا على ذلك بعديد الأحاديث النبوية، من ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عُبَادَةَ بن الصامِتِ قال: “دَعَانَا النبي -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ، فقال: فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا على السمْعِ وَالطاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إلا أَنْ تروا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ من اللهِ فيه بُرْهَانٌ”، وما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ومن رَأَى من أَمِيرِهِ شيئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عليه؛ فإنه من فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ إلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيةً”، كما روى مسلم عن أم سلمة عن النبي صل الله عليه وسلم أَنهُ قال: “إنه يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ من رضي وَتَابَعَ، قالوا: يا رَسُولَ اللهِ، ألا نُقَاتِلُهُمْ؟ قال: لَا، ما صَلوْا”، فالإمام الجائر واجبٌ طاعته ونصحه والإنكار عليه، مأجورٌ الصبر على أذاه، محرمٌ الخروج عليه إلا أن يُرى فيه كفراً صريحاً لا تأويل فيه.

حال حكام اليوم وموقف العلماء منهم

إن المتأمل في حال الحكام اليوم لا يخفى عليه أنهم شرُ مَن ولِي أمر هذه الأمة؛ فحكام عصر الخلافة أين كان للإسلام دولة، مهما بلغ بهم ظلمهم للمسلمين مبلغه، فإنهم لم يحيدوا يوماً عن شريعة الله منهاجاً للحكم بين الناس، ولإدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية. أما حكام ما بعد الاستعمار فهم فريقان: فريق التزم تحكيم شرع الله بين رعاياه لكنه حاد عنه في سياسته الخارجية، فهو في موالاة عمياء للكفار يشاركهم حروبهم على أهل الإسلام ويمنحهم أرضه يقيمون فيها القواعد ويسلمهم خيراته وينقذهم من أزماتهم الاقتصادية ويدعمهم لاستدامة سطوتهم على مقدرات الشعوب، فهم في ذلك سيف مُسلط على رقاب المسلمين، يؤولون الدين حتى صار عندهم منهجاً للاستكانة والاستسلام، ويحاربون كل جهد مبذول لنهضة الأمة والتصدي للكفار.
أما الفريق الثاني فهو أشنع وأقذر؛ فلا هم حكّموا الشرع في شعوبهم، ولا في سياساتهم الداخلية والخارجية، فمن الناحية الاقتصادية عوضت الدولة أسباب جمع المال في الدولة الإسلامية كالزكاة والجزية والخراج وغنائم الغزوات، بأسباب أخرى كالربا والميسر والتجارة بالخمور والسياحة، وغيرت طرق صرفها وأحكام النفقة والحَجْر ونصاب الفقراء والمعوزين. ومن الناحية التعليمية أهملت التعليم الديني، وحلت محله مناهج الرقص والموسيقى، وهمشت الهوية الإسلامية وحلت محلها الأخوة الإنسانية، واختفى أعلام الأمة وصار الرويبضة والكفار قدوات الأطفال والشباب، أما من الناحية الاجتماعية فحدِّث ولا حرج فالطلاق والعقوق والجريمة والاغتصاب والإدمان كلها ثمرات القوانين الوضعية التي شتتت الأسر وهدمت قدسية الزواج والعلاقات الاجتماعية الأخرى، فقضاؤهم تبنى الأحكام الوضعية، واستعاضت محاكمهم عن الصفة الشرعية بالمدنية فأحلت ما حرم الله من الصغائر والكبائر، كالزنا والخمر والقمار والتبني والربا، وحرمت ما أحل الله كالجهاد وزواج المسلم بأربعة نساء، وولاية الرجل على المرأة.
ولا بد لهذا الواقع أن يحرك المياه الراكدة، ويشكل ساحة جدل جديدة بين علماء الأمة؛ فذهب معظمهم إلى تكفير من حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أنه يجوز ذلك وأنه أفضل من حكم الله، يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، في كتابه «عمدة التفسير»: “إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس؛ هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداراة”، وجاء في الفتوى رقم 5236 من فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية: “لا يجوز للمسلم أن يتحاكم إلى حكومة غير مسلمة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة:44]، وهذا واضح ولله الحمد”. أما من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله أكمل وأفضل، إنما فعل ذلك خوفاً أو طمعاً، فحكمه الكفر الأصغر، أو كفر دون كفر كما يقول ابن باز. لكن لسائل أن يسأل: هؤلاء الحكام المتشبهون بالكفار في كل شؤونهم العامة والخاصة، الذين اتخذوا العلمانيين أرباب مدارس الكفر بطانة سوء، يمنحونهم السلطة على المناصب التربوية والثقافية الحساسة، ويربون النشأ على أفكارهم المنحرفة، ولا يتورعون عن وصف أحكام الإسلام بالتخلف، أو في أحسن الأحوال بأن زمنها قد ولى وأنها لا تصلح لهذا العصر، هل نقول إن هؤلاء يعتقدون أن حكم الله أعدل وأقوم؟، وماذا عن الذين عطلوا عبادة الله، فأقاموا الحرس على أبواب المساجد، ومنعوا الاعتكاف والصلاة في الساحات، وأماتوا السنن وأحيوا البدع، إن فعلهم هذا لا يدل فقط على استحلال الحكم بالشرع الوضعي، إنما أيضاً السعي إلى إماتة الشرع الرباني، فهم إلى الكفر البواح أقرب، كما أن القائلين بمسألة الكفر الأصغر يرجعون قولهم ذاك إلى ابن عباس، وصحة أسانيد هذا الأثر عن  ابن عباس مختلف فيها، ويقول الشيخ الخطيب الإدريسي في كتابه «أنباء خاتم النبيين»: “ونرد على القائلين بأن من لم يحكم بما أنزل لا يكفر إلا بالاستحلال، أن هذا باطل؛ لأن الإيمان قول وعمل، فمن كفر قولاً أو عملاً، لا ينفعه إيمانه وإن ادعاه؛ ﻷن السرائر موكلة إلى الله”.

الخروج وشرط القوة

أما في قضية الخروج عليهم  فقد ربط بعضهم الخروج بالقدرة على إزاحتهم، وهذا رأي ابن باز إذ يقول: “الخروج على الحكم محل نظر، فالنبي ﷺ قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان، وهذا لا يكون إلا إذا وجدت الأمة قوة تستطيع إزالة الحكم الباطل، أما خروج الأفراد والناس العامة الذين يفسدون ولا يصلحون فلا يجوز خروجهم، هذا يضرون به الناس ولا ينفعونهم”. فيما قال آخرون بوجوب طاعتهم، وهذا رأي غريب، وهذا رأي المداخلة أو السلفية العلمية كما اصطُلِح على تسميتهم ومن رموزهم محمد سعيد رسلان، أما التيار الجهادي، ومن رموزه أبو مصعب السوري وأبو محمد المقدسي، فيرى وجوب محاربتهم وإضعاف شوكتهم، ويعتبرون ذلك فرض عين على المسلمين، لكنهم يرون وجوب التركيز على قتال الكفار الأصليين، ويجعلون ذلك أولوية لديهم. حتى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الذي سرعان ما دخل في خلاف مع بقية التيارات الجهادية، خلاف بلغ أوجه بعد الثورة السورية أين برز إلى السطح قائد التنظيم أبو بكر البغدادي وأعلن نفسه خليفة على المسلمين، كما ظهر أبو محمد العدناني كشرعي وناطق رسمي باسم التنظيم، وأعلن صراحة أن قتال الحكام المرتدين أولى من قتال الدول الكافرة فيما سمي بنظرية قتال العدو الأقرب التي يتبناها تنظيم الدولة الإسلامية.
إن الواقع المرير الذي تتخبط فيه أمتنا اليوم هو الذي فرض عليها هذا الافتراق، فأمتنا التي لا تكاد تجتمع على كلمة سواء في أبسط الأمور ما كان لها أن تجتمع على أعقد قضية في تاريخها، خاصة مع ما يمكن أن ينجر من تبعات عن المواقف التي تتخذ في هذا الخصوص، هذا الواقع يعتبر السبب الرئيس في حالة الهوان التي نعيشها؛ ففي حديث صححه الألباني، يقول رسول الله صل الله عليه وسلم: “يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القَطْر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
قراءة في محددات شرعية النظام الحاكم ودور الوعي في الفكر السياسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: مواضيع ثقافية عامة :: مقالات :: مقالات في السياسة الدولية-
انتقل الى: