مدفع رمضان في القدس: إرث لم يخمد صوته منذ 130 عاما
ورث رجائي صندوقة مهمة ضرب مدفع «رمضان» في مدينة القدس، بهدف إخبار السكان بمواعيد بدء الصيام وانتهائه، أباً عن جد منذ أكثر من 130 عاماً.
وهو يقوم بهذه المهمة منذ 30 عاماً، ويقول إنه حريص على نقل مهمته المستمرة منذ 130عاماً إلى أولاده.
ومنذ 130 عاماً يتم استخدام مدفع، لإطلاق صوت انفجار، يعتمد عليه سكان القدس في معرفة مواعيد الصيام والإفطار، بالإضافة إلى الأذان من المساجد.
وقال، وهو يقف إلى جانب المدفع في تلة مرتفعة في شارع صلاح الدين الشهير في المدينة: «أنا مسؤول عنه منذ 30 سنة، ورثته عن والدي، ووالدي ورثه عن جدي، فالعائلة مسؤولة عن المدفع منذ ما يقارب 130 سنة، أي منذ العهد العثماني».
التلة، التي كانت خالية قبل 130 عاماً، وتطل على البلدة القديمة، أصبحت الآن مقبرة إسلامية تحمل اسم «مقبرة المجاهدين». ويتواجد المدفع في جانب من المقبرة التي يمكن رؤية أسوار البلدة القديمة منها.
يقول صندوقة إن فكرة مدفع رمضان بدأت من العاصمة المصرية القاهرة، ومنها انتقلت إلى العديد من الدول العربية بما فيها فلسطين.
وقال: «أصل فكرة المدفع هو أن سلطاناً مملوكياً في القاهرة تلقى هدية عبارة عن مدفع، وطلب من معاونيه أن يجربوه».
وأضاف: «صعد معاونوه على تلة وأطلقوا المدفع، والناس في حينه سمعت الصوت الذي كان جديداً عليهم، وتفاجأت، وسألوا السلطان عنه؛ وفي حينه برزت فكرة استخدام صوت واحد لإسماع كل المدينة، لأنه لم تكن هناك مكبرات صوت». وتابع صندوقة: «انتشر مدفع رمضان لاحقاً في العالم الإسلامي وقد وصلنا إلى هنا في فلسطين خلال العهد العثماني». وكانت عائلته قد تولت مهمة ضرب المدفع منذ البداية، وما زالت تتوارث هذه المهمة. وقال صندوقة :»كان جدي الحاج أمين يطلقه من هذه المنطقة».
وأضاف: «في حينه، كان هناك مدفع أيضاً في كل مدن فلسطين واستمر حتى سنوات التسعينيات حيث منع الاحتلال تصنيع مادة البارود المستخدمة في المدفع وبالتالي توقف المدفع في المدن بما فيها نابلس والخليل وبيت لحم، ولكنه تواصل في القدس بعد إصرار منا». وفي البداية، بررت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عدم السماح باستخدام البارود في إطلاق المدفع بدوافع أمنية. لكنّ صندوقة أصر على إيجاد طريقة تسمح له بمواصلة المهمة.
وقال: «أصررت على مواصلة الحفاظ على هذا الإرث من أجدادي خاصة وأن القدس تتعرض للتهويد في الكثير من المناحي، ففي ظل الظروف التي تمر بها المدينة كان يجب أن أحافظ على هذا الإرث».
وأضاف: «قبل 21 عاماً، وبعد عناء طويل، توصلت إلى اتفاق مع سلطات الاحتلال على استخدام قنابل صوتية بدلاً من البارود من أجل إطلاق المدفع».
ويكمل: «بالنسبة لي، فإنه لا يهمني المادة التي تستخدم في إطلاق المدفع بقدر اهتمامي بإطلاق المدفع ذاته من أجل مواصلة الحفاظ على هذا الإرث». وأضاف: «الحمد لله تمكنت وما زلت من الحفاظ على إطلاق مدفع رمضان في مواعيده». ويصل صندوقة إلى موقع إطلاق المدفع مرتين يومياً، الأولى عند موعد بدء الصيام، والثانية عند موعد انتهاء يوم الصيام إيذاناً بالإفطار. ومنذ 30 عاماً، وفي جميع أيام شهر رمضان لا يتمكن صندوقة من التواجد مع أفراد عائلته على مائدة الإفطار بسبب انشغاله بمهمة إطلاق المدفع.
ويستلم صندوقة قنابل الصوت من السلطات الإسرائيلية يومياً، حيث ينتظر عناصر من الأمن الإسرائيلي خارج المقبرة التي يتواجد فيها المدفع للتأكد من أنه قد استخدم قنابل الصوت فعلاً في إطلاق المدفع. ويبدي هو سعادة من تمكنه من مواصلة الإرث الذي بدأ به جده على الرغم من مشقة القدوم للقيام بهذه المهمة بشكل تطوعي.
وقال صندوقة: «زمان كنّا أيضاً نطلق مدفع رمضان في الأعياد بما فيها عيد الفطر وعيد الأضحى والمناسبات الإسلامية مثل الإسراء والمعراج والمولد النبوي الشريف ورأس السنة الهجرية».
واستدرك في إشارة إلى السلطات الإسرائيلية «ولكنهم منعونا وقالوا هذا مدفع رمضان ويستخدم فقط في رمضان».
ومدفع رمضان الذي يستخدمه صندوقة اليوم هو ليس المدفع الذي بدأ به جده هذه المهمة في العهد العثماني. وعن هذا يقول: «مدفع رمضان التركي القديم الذي كان يستخدمه جدي تم استبداله في العهد الأردني، وتم وضعه في المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى واليوم نحن نستخدم مدفعاً آخر».
وبرغم تغيير المدفع وتغيير المواد المستخدمة في إطلاقه، فإن هذا الإرث ما زال جزءاً من معالم رمضان في مدينة القدس.