منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالخميس 16 مايو 2019, 1:32 am

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية

تحميل الكتاب 
http://www.saaid.net/book/1/380.zip


او

https://www.4shared.com/zip/iCVX7Bmnda/_____.html
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالأحد 15 سبتمبر 2019, 9:23 am

قراءة في موسوعة "اليهود واليهودية" للأستاذ عبدالوهاب المسيري

الحركات الباطنية اليهودية الحديثة (1)

الحركة الفرانكية[1]



نسبة إلى جيكوب فرانك، التي تعود نشأتُها إلى عام 1759م، حين تَنصَّر فرانك هو ومجموعة من أتباعه على الطريقة المارانية[2]؛ أي: أظهروا النصرانية، وأبطنوا عقيدتهم الغنوصية.
 
ومنظومة فرانك الحُلُولية يصل الحُلُولُ فيها إلى مُنتهاه؛ إذ يحل الإلهُ في المادة، ويَموت وتصبح وحدة وجود ماديَّة كاملة، المادة فيها مقدَّسة تمامًا، والإنسان فيها إله، ومِنْ ثَمَّ فهي أيضًا النقطة التي تَسقُط فيها كلُّ الحدود، ويتساوى فيها المطلق والنسبي، والمقدَّس والمدنَّس، والمُحرَّم والمُباح، وتنقلب القيم رأسًا على عَقِب، ويتساوى الخير والشر، والوجود والعدم؛ لذا منظومة فرانك أكثر حداثة وجذرية من منظومة نيتشه على سبيل المثال.
 
ويتحدَّد إسهام فرانك في أنه خلَّص القبَّالاه من رموزها الكونيَّة المترابطة المركبة، ووضعها في مُصطلح شعبي مُزخرف، وفي إطار أُسطوري، بل طَعَّمها بصور نصرانية مألوفة لدى يهود شرق أوروبا، الذين اختلطوا بالفلاحين السُّلاف في الريف، وابتعدوا عن مراكز الدراسة التلمودية في المدن، وقد تأثَّر الفرانكيُّون بالفرق الأرثوذكسية الرُّوسية المنشقَّة، وخصوصًا الدوخوبور والخليستي.
 
وتدور العقيدةُ الفرانكية حول ثالوث جديد يتكوَّن مما يلي:
1 - الإله الخيِّر أو الأب الطيب، وهو إلهٌ خَفِيٌّ يَختبئ وراء ثاني أعضاء الثالوث، ولا علاقةَ له بعملية الخلق أو المخلوقات، فهو لم يَخلق الكون، فلو أنَّه خلق الكون، لأصبح هذا الكون خالدًا وخيِّرًا، ولكانت حياة الإنسان أبدية، وهو مقابل "الإين سوف" في العقيدة القبَّالية.
 
2 - الأخ الأعظم أو الأكبر، ويُسمَّى أيضًا: "هذا الذي يقف أمام الإله"، وهو الإله الحقيقي للعقيدة، الذي يُحاول العبد التقرب منه، ومن خلال الاقتراب منه يستطيع العابد أنْ يحطم هيمنة حكام العالم الثلاثة: قيصر روسيا، والسلطان العثماني، وحاكم إحدى القُوى العظمى الأخرى، ولعلها النمسا أو ألمانيا، الذين يُهيمنون على العالم، ويفرضون عليه شريعة غير ملائمة، والأخ الأعظم المقابل "للتفئيريت" أو الابن، ولبعض التجليات الأخرى - مرتبط بالشخيناه التي هي الأم التي يُقال لها (علماه).
 
3 - الأم (علماه)، أو العذراء (بتولاه)، أو (هي)، وهي خليط من الشخيناه والعذراء مريم، والواقع أنَّ صورة الأنثى في الثالوث الفرانكي جعلت العنصرَ الجنسي الكامن في القبَّالاه اللوريانية، أو في الحركة الشبتانية - عنصرًا أكثر وضوحًا، وقد استخلص الفرانكيُّون أنَّ التجربة الدينية الحقة لا بُدَّ أن تأخذ شكل مُمارسة جنسية، ولن يصل العالم إلى الخلاص إلا باكتمال الثالوث الجديد السابق، وهذا الثالوث أقربُ إلى شخصيات المنظومة الغنوصية: الإله الخفي "الديوس أبيسكونديتوس"، والمخلص "الكريستوس"، والحكمة "صوفيا".
 
وشبتاي تسفي نفسه - حسب التصور الفرانكي - ليس إلا أحد تجليات الإله، فهو تجسيد جديد للأَخِ الأعظم، ولكنه تَملَّكه الضَّعف، وهو بَعُدَ في منتصف الطريق، فلَمْ يستطع تحقيق أي شيء.
 
ووصولاً إلى الخلاص لا بُدَّ أن يظهر ماشيَّح جديد يُكمِّل الطريق، ولا بُدَّ أيضًا أن تظهر العذراء كتجسيد للعنصر الأنثوي، وحتى يتحقَّق الخلاص ينبغي أنْ يَسير المؤمن بالعَقيدة الفرانكية في طريق جديد تَمامًا، لم يطرقه أحدٌ من قبل، وهو طريق عيسو "أدوم"، الذي يُشار إليه في (الأجاداه) بلفظ "أدوم"، ويُستخدَم اللفظ نفسه للإشارة إلى "روما"؛ أي: القوى الكاثوليكية.
 
فعيسو رمز تَدفُّق الحياة، الذي سيُحرر الإنسان والحياة، فهو قوة لا تَخضع لأيِّ قانون، حالة سيولة كونية ورحمية.
 
وقد جاء في التوراة (تكوين 33/14) أنَّ يعقوبَ قال: إنَّه سَيَزُورُ أخَاه، ولكنه لم يفعل؛ لأنَّ الطريق كان صعبًا عليه، وقد حان الوقت لأَنْ يسيرَ الماشيَّح في ذلك الطريق، الذي يُؤدي إلى الحياة الحَقَّة، التي تَحمل كُلَّ معاني الحرية والإباحية، ولنلاحظ هذا الارتباطَ بين حالة السيولة الرحمية، والإباحيَّة الجنسية، وهو أمر مُتكرر في الأنماط الحلولية.
 
فالطريقُ الجديد يؤدي إلى عالَمٍ لا توجد فيه قوانين ولا حدود، عالَم تَمَّ فيه التجرُّد من كل الشرائع والقوانين والأديان، لكنه عالم ليس فيه حدود، وتُصبح العدمية والتخريب هما طريق الخلاص.
 
فهذا العالم الشِّرير لم يخلقه الإله الخفيُّ، وهو مادة دنيئة تَقِفُ في وجه وصول الإنسان إلى الأخ الأعظم، ويُلاحَظ هنا الأثر العميق للغنوصية.
 
وحتى يتم إنجاز هذا الهدف لا بُدَّ أن تُحطَّم كل القوانين والتعاليم والمُمارسات، التي تعوق تدفُّق الحياة؛ يقول مُؤسس الحركة: "لقد أتيتُ لأُحرر العالَم من كلِّ الشرائع والعادات الموجودة فيه، إنَّ مُهمتي هي إزالةُ كلِّ شيء؛ حتَّى يستطيعَ الإلهُ أنْ يكشفَ عن نفسه".
 
ثُم تظهر العدمية الدينية بشكلٍ أوضح في الحديث عن الطَّريق إلى الحياة الجديدة، فهو طريق جديد تمامًا، وكما يقول فرانك: "أينما كان يَخطو آدم، كانت تنشأ مَدينة، لكن أينما أضع أنا قدمي، يَجب أن يُدمَّرَ كلُّ شيء، فقد أتيت إلى هذا العالم؛ لأُدمِّر وأبيد".
 
والطريقُ الجديد طريقٌ غير مرئي، لا يكون إلاَّ في الخفاء؛ لذا يتعيَّن على المؤمنين أنْ يرتدوا رداءَ عيسو (أي: النصرانية)، فعليهم أنْ يتظاهروا بالتنصُّر، والواقع أنَّ التظاهر بدين واعتناق دين آخر من أهمِّ مُمارسات جماعة الدوخوبور من النصارى الرُّوس المنشقين.
 
والمؤمن الحق يَختبئ تحت "عباءة الصَّمت"، يَحمل الإلهَ في قلبه الصَّامت، فيعتنق الديانات الواحدة تِلْوَ الأخرى، ويُمارس شعائرها، لكن التغلُّب على الأديان الأخرى وتدميرها يتطلَّب من الفرد أنْ يكونَ صَامتًا تَمامًا ومُخادعًا: "فالإنسان الذي يرغب في غزو حصنٍ لا يفعل ذلك بالكلام والإعلان، بل يتسلَّل إليه في صمتٍ وسكون، لقد تَحدَّث الأجداد كثيرًا، لكنهم لم يفعلوا شيئًا؛ لذلك يَجب الآن تَحمُّل الصمت، وحينئذ لن يكونَ الفرد في حاجة إلى الدين"، ويتَّضح هنا أثر يهود المارانو المتخفِّيِين.
 
وحينما يُمارس المؤمنُ طقوس الديانات الأخرى، فدون أنْ يتقبل أيًّا منها، بل يُحاول أن يُحطمها من الداخل، فهو يؤسس الحرية الحَقَّة؛ إذ الواقعُ أنَّ الديانة المنظمة على أساس مؤسسي، التي يعتنقها اليهوديُّ المتخفي - ليست سوى عباءة يرتديها المرء، كرداء يُلقي به (فيما بعد) في طريقه إلى المعرفة المقدَّسة، وهي المعرفة الغنوصية بالمكان، الذي تُحطَّم فيه كل القيم التقليدية في تيار الحياة، في طريقٍ غيرِ مُرتَبِط بأي قانون، وإنَّما مُرتبط بإرادة فرانك وحدَه.
 
وإذا كان الإفصاحُ عن الإيمان بالنصرانية ضروريًّا، فإنَّ الاختلاط بالنصارى وكذلك الزواج منهم مَحظور.
 
وفرانك نفسه - في المنظومة الفرانكية - تجسيدٌ آخر للأخ الأعظم تقمَّصته الروح القدس، سمَّى نفسه "سانتو سنيورا"؛ أي: "السيد المقدَّس"، وروَّج للمفهوم القبَّالي اللورياني للشر، وهو مفهوم يرى أنَّ الشر ليس حقيقيًّا، وكل شيء - وضمن ذلك الشر نفسه - هو خير أو علقت به شرارات إلهية على الأقل.
 
ومن هنا، فقد أعلن فرانك أنَّ ظهور الماشيَّح أضفى القَداسة على كلِّ شيء في الحياة حتى الشر، وبهذا بَرَزت فكرة "الخطيئة المقدَّسة"، التي ترى أنَّه ينبغي الوقوع في "الخطيئة الكبرى"؛ حتى ينبثقَ عالَم لا مكان فيه للخطيئة، عالم هو الخير كله.
 
ولكي يصعد الإنسانُ، يَجب عليه أن يهبطَ أولاً: "إنَّني لم آتِ إلى هذا العالم؛ لكي أصعدَ بكم، بل لأهبط بكم إلى قاع الهوة؛ حيثُ لا يستطيع الإنسانُ أنْ يصعدَ بقُوَّته الذاتية"، أمَّا النُّزول إلى تلك الهوة، فهو لا يقتضي فقط ترك كلِّ الأديان والمعتقدات، بل يوجب أيضًا اقتراف أعمال آثمة غريبة.
 
وهذا يتطلب أنْ يتخلَّى الإنسان عن الإحساس بذاته، إلى درجةٍ تُصبح معها الوقاحة والفجور هما ما يقود إلى إصلاح الأرواح، وقد عَيَّن فرانك اثني عشر من الإخوة أو الحواريِّين أو الرُّسل، هم تلاميذه الأساسيون، مثل حواريي المسيح، ولكنه عَيَّن أيضًا اثنتي عشرة أختًا كُنَّ في واقع الأمر خليلاتِه، فمن الواضح أنَّ فرانك استمر في الممارسات الجنسية، التي كان يُمارسها بأروخيا، وأعلن أنه سيخلص العالم من كل النواميس الموجودة، وسيتجاوز كُلَّ الحدود، فقضى ببطلان الشريعة اليهودية، ورغم أنَّ الإله أرسل رسلاً إلى جماعة إسرائيل، فإنَّ التوراة تتضمن شرائع يصعُب مراعاتها، وثبت عدم جدواها، والشريعة الحقَّة هي إذًا "التوراة الروحية"، أو "توراة الفيض"، التي أتى بها شبتاي تسفي.
 
وشن فرانك حربًا شعواء على التلمود، وأعلن أنَّ الزوهار هو وحدَه الكتاب المقدَّس؛ لذا الفرانكيون يُدْعَوْن باسم "الزوهاريِّين"، ومع هذا وصلت العدمية بفرانك إلى مُنتهاها؛ إذ طلب من أتباعه التخلِّي عن الزوهار نفسه، وعن كل تراث قبَّالي.
 
كانت كل هذه الأفكار تعمل على إعداد أتباعه للتَّنصُّر الماراني الظاهري؛ حيث كان لهم شرط أساسي هو الاحتفاظُ بشيء من هُويتهم اليهودية العلنيَّة، كأَنْ يَمتنعوا عن حلاقة سوالفهم، وأنْ يَرتدوا الثيابَ الخاصة بهم، ويُبقوا أسماءَهم اليهودية إلى جانب أسمائهم النصرانية الجديدة، وألاَّ يأكلوا لحم الخنزير، وأن يستريحوا يوم السبت، ولعلَّ من المفارقات أن مثل هذه الشعائر السطحية كانت كلَّ ما تبقَّى من اليهودية بالنسبة للبعض.
 
كما طالبوا بإعطائهم رقعةَ أرض في شرق جاليشيا، تستطيعُ جماعتُهم أنْ تؤسِّس فيها حياتها الجديدة، وخصوصًا أنَّ مسرح الخلاص في الرؤية الفرانكية هو بولندا وليس صهيون.
 
هذا مع وضع برنامج لتحويل اليهود إلى قطاع مُنتج، وأكَّد فرانك أهميةَ الجوانب العسكرية في تنظيمه، ونادى بأن يترك اليهود الكتب والدراسات الدينيَّة، وأنْ يتحولوا إلى شعب مُحارب، وكان معظم أتباعِ فرانك من الفقرَاء، أو من اليهود الذين يشغلون وظائف هامشية لم يَعُد لها نفع، وكان هؤلاء قد فقدوا علاقتهم بالمؤسسة الحاخامية، وزادت علاقتهم بالفلاحين السلاف، حتى إنَّهم تأثَّروا بفكرهم ومعتقداتِهم، كما انضمَّ إليه عدد كبير من صِغَار الحاخامات، الذين لم يُحققوا ما كانوا يَطْمَحون إليه من نَجاح، وكانت الحركة تضُمُّ غير قليل من كبار التجار الأثرياء.
 
دواعي ظهور الحركة:
ظهرت الفرانكية تعبيرًا عن أزمةٍ كان يَجتازها كلٌّ من اليهود واليهودية:
1 - أما اليهودية، فمن المعروف أنَّها كانت قد وصلت مع انتصاف القرن الثامنَ عَشَرَ إلى طريق مسدود، فقد تَحولت إلى عبادة عقليَّة جافَّة، سيطر عليها الحاخامات بدراساتِهم التلمودية المنفصلة عن أيِّ واقع، وتَمثَّلت فيما يُشبه التمارين المنطقية، ورُبَّما كانت العدمية الواضحة في فكر فرانك تعبيرًا عن الملل والسَّأم من هوية يهودية دينيَّة قد تآكلت.
 
2 - بدأت الدراسات القبَّالية تحل محلَّ الدراسات التلمودية، ولكن القبَّالاه التي سادت كانت القبَّالاه اللوريانية بنَزعتها المشيحانية المتفجرة واتِّجاهها الحلولي المتطرف؛ لهذا لم تَصلُح كإطارٍ لحركة تَجديد وإصلاح اجتماعية.
 
3 - تَعرَّض اليهود لهجمات شميلنكي، ثم الهايدماك والفلاحين القوزاق، ولهجمات سكان المدن البولندية والكنيسة الكاثوليكيَّة، فلاذوا بمنطقة كانت تتنازعُها الدول المجاورة، وكانت مُقاطعة بودوليا، التي نشأت فيها الفرانكية وغيرها من الحركات - تابعة للدَّولة العُثمانية بعض الوقت، ولا شكَّ في أن هذا الوضع السياسي القلق سبَّب للجماهير اليهودية كثيرًا من الخوف وعدم الاطمئنان، جعلها تبحث عن مخرج.
 
4 - بدأت الجماعات اليهودية تَفقِدُ دَورها كجماعة وظيفية وسيطة تعمَل بالتجارة والوظائف الأخرى، وذلك بظهور عناصر بولندية محليَّة أخذت تَحل مَحلَّها ودورها، وبدأ وضع اليهود الاقتصادي يسوء تبعًا لذلك، وتنعكس الأزمةُ الاقتصادية للجماعة اليهودية في أزمة (القهال)، الذي تحوَّل إلى مُؤسسة مدنية تثقلها الأعباء المالية، وزادتِ التوتُّرات الاجتماعية بين اليهود، بدلاً من أن تكون مؤسسة لحلها.
 
5 - وبرغم تفاقُم الأزمة، فلم تظهر فرص اقتصادية بديلة، كما لم تظهرْ أشكال اجتماعية، داخل الجماعة اليهودية أو خارجَها، تحل لها أزمتها وتُساعد أعضاءَها على الاندماج في المجتمع مرة أخرى، من خلال الاضطلاع بوظيفةٍ إنتاجية مُحددة، توجد داخل المجتمع نفسه لا في مَسامِّه؛ لذا كانت الصيغة الشبتانية المارانية صيغةً مُلائمة للاندماج ولحل الأزمة، فما كان يقترحه فرانك هو تكوين جماعات (يهودية نصرانية)، تتساوى في الحقوق مع المواطنين كافَّة، ويُمكنها أن تذوب فيهم، وهدف هذه الصيغة التقليلُ من آلام الانتقال، فجماعة (يهودية نصرانية) تعيش داخل منطقة زراعية مقصورة عليها يُمكنها التكيُّف والاندماج، وفي نهاية الأمر الانصهار في المجتمع الأكبر، دون أنْ تضطر إلى تَبنِّي الأشكال النصرانية البولندية دفعة واحدة، والفرانكية تشبه في هذا الرُّبوبية والماسونية، وهما حركتان تستخدمان خطابًا دينيًّا يُخبئ مضمونًا عَلمانيًّا لتخفيف آلامِ الانتقال من عقيدة إلى أخرى.
ــــــــــــــــــ
[1] "ملخص مع تصرف من موسوعة اليهود واليهودية"، لعبدالوهاب المسيري.

[2] نسبة ليهود المارانو بالأندلس، وهم مثل المورسكيين المسلمين الذين أجبروا على التنصُّر عنوة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 9:49 pm

الحركات الباطنية اليهودية الحديثة:

الحركة الشبتانية (يهود الدونمة) منبت الصهيونية العالمية 

  
التعريف: الشبتانية أتباع شبتاي تسفي (1626 - 1676م) Shabettai Tzevi، ماشيّح دجال، وُلد في أزمير لأبٍ إشكنازي يشتغل بالتِّجارة، وكان إخوته أيضًا من التجار الناجحين، وأبوه مندوب لشركتين تِجاريَّتين: إحداهما: بريطانية، والأخرى: هولندية، تلقَّى تسفي تعليمًا دينيًّا تقليديًّا، فدرس التوراةَ والتلمود، ولكنَّه استغرق في دراسة القبالاه؛ وخصوصًا القبالاه اللوريانية بنزوعها الغنوصي.
 
تتزامن الفترةُ التي وُلد ونشأ فيها تسفي مع بداية تعاظُم نفوذ الرَّأسمالية البريطانية والهولندية (البروتستانتية)، وبدايات مشروعهما الاستعماري العالمي، وبداية حلولهما محل المشروع الاستعماري الإسباني والبرتغالي (الكاثوليكي).
 
وحياته النفسيَّة لم تكن سوية، مثله مثل حياة جيكوب فرانك - الماشيَّح الدجال - الذي جاء بعده، فقد كان مُحبًّا للعزلة، كثير الاغتسال والتعطُّر، حتى إنَّ أصدقاءه الشبان كانوا يعرفونه برائحته الزكية، ويَظهر عليه ما يُسمَّى في علم النَّفس بالسيكلوثاميا، وهي حالةُ نشاط وهيجان بالغَيْن يعقبُهما انقباضٌ وقنوط، وقد صاحَبَتْه هذه الحالة حتى الأيام الأخيرة من حياته، وكثيرًا ما كان يتغنَّى بالأشعار، وينشد المزامير في حالة نشاطه، ولتلقيه تعليمًا دينيًّا تلموديًّا كاملاً؛ لم يتهمه أحدٌ قطُّ بالجهل.
 
تزوَّج فتاة بولندية يهودية حسناء تُدعى سارة، تربَّت في أحد الأديرة الكاثوليكية، أو ربَّما في منزل أحد النُّبلاء البولنديين، وأبوها من يهود الأرندا؛ أي: يعمل "وكيلاً ماليًّا" للنبيل في منطقة أوكرانيا، وكانت سَيِّئة السمعة، وقيل: إنَّها عاهرة؛ إذ كانت تدَّعي أنَّها لن تتزوج إلا الماشيَّح؛ لذا فإنَّ الإله قد أعطاها رخصة أنْ تُعاشر مَن تشاء جنسيًّا، إلى أن يظهر الماشيَّح، ويعقد نكاحه عليها، كان أبواها من ضحايا انتفاضة شميلنكي، ثم قابلها تسفي في القاهرة، أو ربَّما سمع عنها، فأرسل إليها وتزوجها.
  
ظروف ظهور الحركة: شهد عام 1648م أخطر الأحداث في تاريخ الجماعات اليهودية في الغرب:
:diamonds: انتهاء حرب الثلاثين عامًا (1618 - 1648م)، وهي حربٌ استفاد منها أعضاء النخبة من يهود البلاط، وعانت منها الجماهير اليهودية أيَّما معاناة، ونهاية الحرب نفسها كانت بداية تدهور الشبكة التجارية اليهودية العالمية، وتَدنِّي وضع النخبة اليهودية؛ بسبب تصاعد عملية تَركُّز السلطة في يد الدولة القومية المركزية، الذي أدَّى إلى الاستغناء عن اليهود كجماعة وظيفية.
  
:diamonds: انتفاضة فلاحي أوكرانيا والقوزاق تحت قيادة شميلنكي (1648م)، التي هزَّت قواعد التجمُّع اليهودي في بولندا، أكبر تَجمُّع يهودي في العالم آنذاك، وبه "مجلس البلاد الأربعة" أهمُّ مؤسسة يهودية تتمتَّع بشرعية لم تُحققها مؤسسةٌ يهودية أخرى منذ زمنٍ بعيد، وكان للانتفاضة أعمقُ الأثر في يهود العالم كافَّة.
ومن الطريف أنَّ كتاب الزوهار - حسب بعض التفسيرات - تنبَّأ بوصول الماشيَّح عام 1648م، وقد أعقب ذلك كله حروب عام 1655م (بين روسيا والسويد) في مناطق تَركُّز اليهود في بولندا، ثم هجمات القوزاق الهايدماك، تُعرَف هذه الفترة من تاريخ بولندا باسم "الطوفان"[1].
  
:diamonds: شهدت هذه الفترةُ إرهاصاتِ "الفكر الصهيوني" بين النصارى في إنجلترا، وبداية الاهتمام باليهود، واسترجاعهم كشرطٍ أساسيٍّ للخلاص؛ لنبوءةٍ تسري في الأوساط النصرانية، البروتستانتية الصِّهيونية في إنجلترا وبعض فرق المنشقِّين النصارى في روسيا - بأنَّ عام 1666م هو بداية "العصر الألفي"، الذي سيتحقق فيه استرجاعُ اليهود لفلسطين، ولا شكَّ في أن مثل هذه النبوءات الاسترجاعية ذات علاقة قوية بالجوِّ الاستعماري والاستيطاني النَّشيط في تلك المرحلة، مع تزايُد نشاط مَحاكم التفتيش في إسبانيا والبرتغال، وظهور الإصلاح المضاد في إيطاليا بنزعته المعادية لليهود.
  
:diamonds: وفي هذا الجوِّ من الإحباط والثورات والتردِّي الحضاري والاقتصادي، حقَّقت القبَّالاه اللوريانية انتشارًا غير عادي، ويرى جيرشوم شوليم أنَّ الفترة بين عامي 1630 و1640م هي التي حقَّقت فيها القبَّالاه اللوريانية الهيمنة الكاملة التي جعلت اليهودَ مركزًا لعملية الخلاص الكَونيَّة، وإن كان شبتاي قد عدَّل هذه الصياغة؛ بحيث يتمُّ الخلاص من خلال شخصية الماشيَّح؛ أي: إنَّه جعل شخص الماشيَّح مركز الحلول الإلهي، بدلاً من الجماعة اليهودية.
 
:diamonds: ومن العوامل الأخرى الأساسية التي هيأت الجوَّ للانفجار المشيحاني: انتشارُ يهود المارانو في كثير من موانئ البحر الأبيض المتوسط والمدن التِّجارية، فقد كانوا يَحملون فكرًا قبَّاليًّا، كما أنَّهم كانوا يُعانون الضيقَ بعد أنْ شهدوا أيَّامهم الذَّهبية في الأندلس، وكانوا يعيشون أيضًا خارج نطاق السُّلطة، وبعيدًا عن مراكز صُنع القَرار، الأمر الذي جعل من العسير عليهم تَقبُّل الوضع القائم.
كلُّ هذا هيَّأ الجوَّ لتصاعُد الحُمَّى المشيحانية، وقامت أعدادٌ كبيرةٌ من اليهود بالإعداد لوصول الماشيَّح، وبدأت الإشاعاتُ تنتشر عن جيشٍ يهودي جرَّار يَجري إعدادُه في الجزيرة العربية؛ ليخرج منها ويفتح فلسطين[2].
في هذا المناخ ظهر شبتاي تسفي، وقام بخرق الشريعة عامدًا عام 1648م، فأعلن أنه الماشيَّح، ونطق باسم يهوه، الأمر الذي تُحرمه الشريعة اليهودية، وأعلن بُطلان سائر النواميس والشريعة المكتوبة والشفوية، ولتأكيد مشيحانيته، طلب أن تُزَفَّ التوراة إليه، فهي عروس الإله.
 
:diamonds: ردود الفعل على دعوة المسيح الدجال: رَفَض الحاخاماتُ الاعترافَ به، فطُرد من أزمير، فتنقَّل لعشرة أعوام تالية في مدن اليونان، فذهب إلى سالونيكا وغيرها، وقضى بضعة أشهر في إستانبول، وقام بخرق الشريعة مرة أخرى في هاتين المدينَتين؛ إذ نَظَّم أدعيةً أو ابتهالات تُتلى في الصلوات للإله؛ ليحلل ما حرَّم، ثم زار القاهرة، وانضم إلى حلقة من دارسي القبَّالاه، كان من أعضائها رئيسُ الجماعة اليهودية روفائيل يوسف جلبي - مدير خزانة الدولة - ثم رحل إلى فلسطين عام 1662م.
 
وبشَّر به نيثان الغزاوي الإشكنازي عام 1664م، على أنَّه الماشيَّح الصادق الموعود، وأنَّه ليس مجرد المسيح ابن يوسف، وإنَّما هو المسيح بن داود نفسه، وأعلن أنه هو نفسه النبي المرسل من هذا الماشيَّح، وكتب عدة رسائل لأعضاء الجماعات اليهودية يُخبرهم فيها بمَقدم الماشيَّح الذي سيجمع الشّرارات الإلهية، التي تبعثرت أثناءَ عمليَّة الخلق، والذي سيستولي على العرش العثماني ويخلع السُّلطان، وهذه من الأفكار الأساسية للقبَّالاه اللوريانية[3].
 
دخل شبتاي القدس في مايو عام 1665م، وأعلن أنَّه المتصرف الوحيد في مصير العالم كلِّه، وركب فَرسًا، كما هو مُتوقع من الماشيَّح، وطاف مدينةَ القدس سبعَ مَرَّات هو وأتباعه، وقد عارضه الحاخامات وأخرجوه من المدينة، ولكنه أعلن عام 1666م أنَّه سيذهب إلى تركيا ويخلع السلطان، فزاد ذلك حِدَّة التوقعات المشيحانية بين يهود أوروبا وزاد حماسهم، ووصلت الأنباء إلى لندن وأمستردام وهامبورج، وصارت الجماهير اليهودية تحمل بيارق الماشيَّح في بولندا وروسيا، حتى مؤسسة "مجلس البلاد الأربعة" اكتسحتها الحُمَّى المشيحانية، فأرسلت مندوبين عنها للحديث معه والاعتراف به، ولم تُصدر هذه المؤسسة قَرَارًا بطرده إلا عام 1670م بعد تردُّد طويل، وحينما حاول حاخامات أمستردام الاعتراض على رسائل تسفي، كادت الجماهير تفتكُ بهم، وباع بعض الأثرياء كلَّ ما يَملكونه استعدادًا للعودة، واستأجروا سفنًا؛ لتنقلَ الفقراء إلى فلسطين، واعتقد البعضُ الآخر أنَّهم سيُحمَلون إلى القدس على السَّحاب، وسيطرت الهستريا على الجماهير، فكان أتباعه يُغشَى عليهم ويرونه في رُؤاهم مَلِكًا مُتوَّجًا، وانقسم كثير من الجماعات اليهودية بصورة حادة.
 
وتَمادى تسفي في دَوره، وبدأ في توزيع الممالك على أتباعه، وألغى الدُّعاء للخليفة العثماني، الذي كان يُتلى في المعبد اليهودي، ووضع بدلاً من ذلك الدعاء له هو نفسه كملك على اليهود ومخلِّص لهم، وأخذ يُضفي على نفسه ألقابًا يوقع بها رسائلَه، منه "ابن الإله البكر" و"أبوكم إسرائيل"، و"أنا الرب إلهكم شبتاي تسفي".
 
توجَّه تسفي إلى إستانبول في فبراير عام 1666م؛ حيث أُلقي القبضُ عليه[4]، وسُجِن في قلعة جاليبولي المخصَّصة للشخصيات المهمة، فتحوَّل السجنُ بالتدريج إلى بلاط ملكي لشبتاي تسفي، فكان يَحتفظ بعدد كبير من الحريم، ومع هذا كانت له تصرفات تنمُّ عن ميول نحو الشذوذ الجنسي، فقد كان مخنثًا.
 
وكان الحُجَّاج يأتونه من كلِّ بقاع الأرض، وكُتبت الأناشيدُ الدينية تسبيحًا بحمده، وأُعلنت أعياد جديدة وطقوس جديدة، فألغى صيامَ اليوم السابعَ عَشَر من تموز من التقويم اليهودي، وألغى صيامَ التاسع من آب وجعله عيدًا لميلاده، وأعلن نيثان أنَّ التغييرات الحادة التي تَطْرَأُ على مزاج الماشيَّح تعبيرٌ عن الصراع الدَّائر داخل نفسه بين قوى الخير والشر.
 
:diamonds: نكسة الحركة الشبتانية: في سبتمبر 1666م، جاء الحاخام القبَّالي نحميا من بولندا لزيارة شبتاي، وقضى ثلاثةَ أيام في الحديث معه رَفَضَ بعدها دعواه بأنه الماشيَّح، بل أخبر السُّلطات التركية بأنه يُحرض على الفتنة، فقُدِّم للمحاكمة، وخُيِّر بين الموت أو أنْ يعتنقَ الإسلام، فأشهر إسلامه وتعلَّم العربيةَ والتركية ودرس القرآن، وأسلمت زوجتُه من بعده، ثم حذا حَذْوَه كثيرٌ من أتباعه الذين أصبح يُطلَق عليهم اسم (دونمه)، ولكنَّه مع هذا لم يقطعِ الأملَ في أنْ يستمِرَّ في قيادة حركته، وظل كثيرٌ من أتباعه على إيمانهم به؛ لأن الماشيَّح في التصور القبَّالي "سيكون خَيِّرًا من داخله، شريرًا من خارجه"، ويتضح هنا تأثُّر تسفي بتفكير يهود المارانو في ضرورة أن يُظهر المرءُ غير ما يُبطن، ثم نقل العثمانيون تسفي في نهاية الأمر إلى ألبانيا؛ حيث مات بوباء الكوليرا عام 1676[5].
 
:diamonds: تفسير انتشار حُمَّى "الظاهرة الشبتانية": ظهور شبتاي تسفي تعبيرٌ عن الأزمة العميقة التي كانت تَخوضها اليهودية الحاخامية؛ بسبب تَآكُل العالم الوسيط في الغرب بل نِهايته، وهو العالم الذي نشأت فيه، والتي فَشِلَتْ في التعامل مع العالم الجديد.
 
ويشبه شبتاي تسفي في هذا معاصره إسبينوزا، فكلاهما تعبيرٌ عن أزمة واحدة، وكلاهما تَحدَّى الشريعةَ (هالاخاه)، وطرح رُؤية ذات جوهر عَلماني تُرَكِّز على هذا العالم المادي، وبينما تَحدَّاها تسفي من الداخل، تَحداها إسبينوزا من الخارج، وكلاهما كان يُؤمن بنسق حلولي يَصدُر عن رؤية حلولية كونية واحدية، أخذت طابعًا دينيًّا عند تسفي، وطابعًا فلسفيًّا لا دينيًّا عند إسبينوزا.
 
ويُمكن القول بأنَّ تسفي يُمثل وحدة الوجود الرُّوحية؛ أي: أَنْ يَحلَّ الإله في الطبيعة والتاريخ، ويظل محتفظًا باسم الألوهية، أمَّا إسبينوزا فيمثل مرحلةَ وَحْدة الوجود المادية؛ حيثُ يصبح الإله هو قوانين الحركة، ولكنه مع هذا كان من الدهاء؛ بحيث أبقى اسم الإله، ولكنه قال: إن الإله هو الطبيعة، ولذا يُشار إلى إله إسبينوزا بأنه الإله/ الطبيعة[6].
 
:diamonds: نتائج ظهور الشبتانية: وتُعَدُّ حركةُ شبتاي تسفي أهمَّ الحركات المشيحانية على الإطلاق، فقد هَزَّت اليهودية الحاخامية من جذورها، حتى لم تقُم لها قائمة بعد ذلك، وانتشر أتباعُ تسفي في كل مكان، وانتشر معهم الفكرُ الشبتاني حتى بَيْنَ بعضِ القيادات الحاخامية، ويتضح ذلك في المناظرة الشبتانية الكُبرى التي ظهر خلالها أنَّ الحاخام جوناثان إيبيشويتس - وهو من أهمِّ العلماء التلموديين في عصره - كان شبتانيًّا، وبعد ذلك ظهرت الحركتان الحسيدية والفرانكية اللتان رفضتا القيادةَ التقليدية التلمودية، وأخيرًا ظهرت الصهيونية، التي ورثت كثيرًا من النزعات المشيحانية.
 
وثَمَّةَ رأيٌ يذهب إلى أن تسفي بهجومه على اليهودية الحاخامية التقليدية مَهَّدَ الطريقَ للصهيَونية، التي ترفض القيود الدينية، كما تَرْفض الأوامر والنواهي، وتُعلِّي الذات القومية على كل شيء، وتَوجُّه تسفي للعمل على العودة الفوريَّة إلى فلسطين يُشبه - في كثير من النواحي - المشيحانية الصهيونية العَلمانية، التي ترفض الموقف الديني التقليدي الذي ينصح اليهود بالانتظار، بل تُبادِر إلى الإسراع بالنِّهاية؛ ليبدأَ "العصر المشيحاني" دون انتظار مشيئة الإله، وقد كان تيودور هرتزل معجبًا للغاية بتسفي، وكان يفكِّر في كتابة أوبرا عنه؛ لتمثيلها في الدولة الصهيونية بعد إنشائها[7].

ـــــــــــــــــ
[1] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، عبدالوهاب المسيري، ج14 ، ص327.
[2] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، عبدالوهاب المسيري، ج 14، ص 328.
[3] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، عبدالوهاب المسيري، ج 14، ص 330.
[4] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، عبدالوهاب المسيري، ج 14، ص 331.
[5] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، عبدالوهاب المسيري، ج 14، ص 332.
[6] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، عبدالوهاب المسيري، ج 14، ص 333.
[7] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"، عبدالوهاب المسيري، ج 14، ص 334.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 9:51 pm

أساطير اليهود (1)

أسطورة الوعد؛ أرض موعودة أم أرض مغتصبة؟!

 
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صل الله عليه وسلم.
 
أما بعدُ:
فقد أخذ اليهود في الظهور كقوةٍ اقتصادية كبرى في أواخر القرن التاسع عشر، وراحوا يحيكون الفتنَ، ويدسون الدسائس في البلدان الإسلاميَّة؛ وبدؤوا في تهييج البلاد - غير الإسلامية - الخاضعة للدولة العثمانية، مثل: بلاد اليونان والقبارصة، والصرب والبلغار، وكانوا إذ ذاك من الأقليات غير المسلمة التي تعيش في كنف الدولة العثمانية، فأثاروا الفتن والقلاقلَ في هذه البلاد، وعرَّضوا الدولة العثمانية لمخاطر شتى، وراحوا يحرضون كلاًّ من بريطانيا وفرنسا وروسيا للتدخل لحماية هذه الأقليات، ومن ثَمَّ تهييج العالم الأوروبي ضد الدولة العثمانية، وهذا ما حدث بالفعل، فبدأت هذه الدول تدخل مع الدولة العثمانية في نزاعات شديدة، وراحت تُحرِّض هذه الشعوب على الثورات والتمرد ضد سياسة الدولة العثمانية، وتعرَّضت دولة الخلافة لأزمات طاحنة، وبدأت أوصالها تتقطَّع، فانفصلتْ بلاد اليونان، وبلدان شبه جزيرة البلقان، وبدأ صرْح الدولة العثمانية في الانهيار، أضف إلى ذلك الحروب التي خاضتها دولة الخلافة مع قوى الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر، والتي أنهكتْ قواها العسكرية؛ مما جعلها تَفقد السيطرة بعض الوقت على ثورات الثائرين في البلدان التابعة لها.
 
بدأ اليهود يخطبون ودَّ الدولة العثمانية، فراح "هرتزل" يعرض على السلطان عبدالحميد الثاني عروضًا مغرية لأخذ فلسطين، وجعلها وطنًا قوميًّا لليهود؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:
• تسديد كل ديون الدولة العثمانية.
• بناء أسطول وجيش قوي يضاهي أساطيل وجيوش الدول الاستعمارية الكبرى.
• إخماد كل الثورات والفتن المشتعلة في شتى البلدان التابعة للدولة.
• إنعاش خزينة الدولة العثمانية بملايين الجنيهات الذهبية، بل بمئات الملايين.
 
لكن السلطان عبدالحميد رفض كل هذه الإغراءات، وقال: لن نفرط في شبرٍ من بلاد الإسلام، هذه هي القوة والشجاعة والعزَّة، فما أشبه اليوم بالبارحة! لكم الله يا أهل غزَّة!
 
بدأ اليهود في الالتفاف حول الدول الاستعمارية الكبرى، وعقدوا المؤتمرات في العديد من الدول الأوروبية، مثل مؤتمر "بازل" بسويسرا، والذي تمَّ من خلاله تأييد الدول الاستعمارية لليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
 
أخذت الهجرات اليهودية تتدفق كالسيل الجارف على أرض فلسطين، وراحت بريطانيا تحمي تلك الهجرات، تحت ما يسمى بالانتداب البريطاني، وتحقق لليهود ما أرادوا؛ فأقاموا وطنًا لهم في فلسطين بعد حروب ومذابح شتى لمسلمي فلسطين.
 
لكن اليهود بمكرهم ودهائهم خدعوا العالمَ بأساطير أوهموا العالم من خلالها أنهم أصحاب حق في فلسطين، ونالوا الكثير من التأييد والمساعدات من دول الغرب النصارى الحاقدين، من هذه الأساطير، ما هو آتٍ:
أولاً: الأساطير اللاهوتيَّة:
1 - أسطورة الوعد؛ أرض موعودة أم أرض مغتصبة؟!
"لنسلِكَ أعطِ هذه الأرضَ من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"؛ "سفر التكوين": (15-18).
 
القراءة المتطرفة للصِّهْيَونية السياسية:
• يقول الجنرال موشي ديان: "إذا كنا نمتلك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نَمتلك جميع الأراضي التوراتية"؛ جيروزاليم بوست، 10 أغسطس 1967.
• في 4 نوفمبر 1994 قَتَلَ الطبيب "باروخ جولد شتين" 27 مسلمًا من العرب وهم يصلون في الحرم الإبراهيمي.
• وفي 4 نوفمبر 1995 اغتال "إيجال عامير" "إسحاق رابين" بأمر من الرب - كما يزعمون - ومن جماعته المسلحة التي تنادي بإعدام كل مَن يُفرط في الأرض الموعودة "ليهودا وسامرا" - الضفة الغربية حاليًّا - ويُسلمها للعرب.
 
أ- أسطورة الوعد في التفسير النصراني:
يوجز "ألبيردي بوري" - أستاذ العهد القديم في كلية اللاهوت البروتستانتيَّة في جنيف - رسالته للدكتوراه: "الوعد الإلهي والخرافة الشعائرية في أدبيَّات يعقوب"، والتي ناقش فيها كبار المؤرخين والمفسرين المحدثين، وخاصة "ألبرخت آلت، ومارتن نوت" على النحو الآتي:
• إن الموضوع التوراتي لِهِبَةِ البلاد يستمد أصوله من "الوعد الأول"؛ أي: الوعد الإلهي لإبراهيم بحسب المأثور في سفر التكوين، فأقاويل سفر التكوين تنقل لنا في مرات عديدة وبأشكال مختلفة: أن الله وعد الآباء وذرياتهم بملكية الأرض التي كانوا في سبيلهم إلى التوطُّن فيها، وهذا الوعد يبدو أنه يَنطبق قبل كل شيء على الأراضي الواقعة حاليًّا في الضفة الغربية.
 
ويعرض القصاصون التوراتيون علينا تاريخ أصول إسرائيل، كسلسلة من العصور المحددة تحديدًا دقيقًا؛ فهم يدخلون كل الذكريات والتواريخ والخرافات والحكايات والأشعار التي وصَلتهم، والتي نقَلها لنا التراث الشفهي - ضمن إطار محدد للأنساب والتأريخ، ويتفق معظم المفسرين المحدثين على أن هذه الصورة التاريخية ما هي إلا صورة وهمية إلى حدٍّ كبير.
 
وقد برهنت أعمال "ألبرخت آلت، ومارتن نوت" - وعلى وجه الخصوص - أن التقسيم إلى عصور متوالية - الآباء، السخرة في مصر، غزو كنعان - هو تقسيم اصطناعي.
 
وفي معرض إيجازها لأعمال التفسير المعاصرة وفقًا لمقولة "ألبيردي بوري"، كتبت السيدة "فرنسواز سميت"، عميدة كلية اللاهوت البروتستانتية في باريس، تقول: "إن البحوث التاريخية الأخيرة توصَّلت إلى تقليص العروض الكلاسيكية للخروج من مصر وغزو كنعان، والوحدة القومية الإسرائيلية قبل المنفى، وصوَّرتها على أنها قصة خرافية، فعلم التاريخ التوراتي لا يخبرنا بما يقصه علينا، بل يخبرنا عمن كتبوه"؛ انظر: "فرنسواز سميت": البروتستانت والتوراة وإسرائيل منذ عام 1948، مجلة "لالتر"، نوفمبر 1984، رقم 313، ص 23.
 
كما قدمت هذه السيدة توضيحًا شديدًا لأسطورة الوعد في كتابها: "الأساطير غير الشرعية، دراسة حول الأرض الموعودة"، لابور وفيديس، جنيف 1994.
 
ويستطرد "ألبيردي بوري" قائلاً: إنَّ معظم المفسرين قد أخذوا الوعد المعطى للآباء بمعناه الكلاسيكي، على أنه إضفاء للشرعية على الغزو الإسرائيلي لفلسطين، أو على أنَّه امتداد للسيادة الإسرائيلية في عهد داود - عليه السلام - بعبارة أخرى، فقد أُدْخِل الوعد في أحاديث الآباء؛ بغية اتخاذ هذه الملحمة السلفيَّة كتمهيدٍ وإعلان عن العصر الذهبي لليهود في عَهْدي داود وسليمان - عليهما السلام.
 
في التفسير اليهودي للنبوءات:
يقول الحاخام "ألمر برجر" - الرئيس السابق لرابطة: "من أجل اليهودية": إنَّه من غير المقبول من أي إنسان الادِّعاء بأنَّ إنشاء دولة إسرائيل حاليًّا هو تحقيق لنبوءة توراتية، ومن ثَمَّ فإن كل الأفعال التي قام بها الإسرائيليُّون لقيام دولتهم والإبقاء عليها هو تنفيذ لإرادة الرب!
 
ويتعيَّن علينا البحث في عنصرين أساسيين لإرث النبوءات:
أ- عندما تحدث الأنبياء عن استعادة صِهيون، فهذا لا يعني الأرض التي كانت لها في حد ذاتها صفة القداسة.
فالمحك المطلق الذي لا يقبل النقاش بشأن مفهوم نبوءة الخلاص، هو استعادة العلاقة بالرب، في وقت كانت فيه هذه العلاقة قد قُطِعت من جانب الملك وشعبه.
 
وقد قال "ميشا" ذلك بكل وضوح: "استمعوا إذًا يا رؤساء بيت يعقوب، وقادة بيت إسرائيل، يا من تكرهون الخير وتحبون الشر، يا من تبنون صِهيون وسط حمامات من الدم والقدس بجرائمكم، إنه صهيون سيحرث كالحقل، وستصبح القدس "أورشاليم" كومة من الأطلال، وسيصبح جبل المعبد مكانًا لعبادة الأصنام"؛ ميشا الثالث، 1 - 12.
 
ب- ليست الأرض وحدها هي التي تتوقَّف عليها مراعاة العلاقة مع الرب والإخلاص لها؛ فإن الشعب الذي أعيد توطينه في صهيون يخضع لنفس مقتضيات العدالة والاستقامة والإخلاص التي للعلاقة مع الرب.
 
ولا يمكن لصهيون أن ينتظر إعادة شعب يعتمد على المعاهدات والتحالف وعلاقات القوة العسكرية، أو على هيراركيَّة حربيَّة تحاول أن تَفرض تفوُّقها على جيران إسرائيل.
 
وتوضح تقاليد النبوءات بجلاء أن قداسة الأرض لا تتوقف على تُرْبتها، ولا على شعبها، ولا على الوجود الوحيد لهذا الشعب على هذه الأرض.
 
ومع ذلك، فإنَّ دولة إسرائيل الحالية ليس لها أي حق في ادِّعاء تحقيق النية الإلهية من أجل عصر نصراني، فهذه هي محض غوغائية التربة والدم!
فلا الشعب بمقدس، ولا الأرض بمقدسة، وهما ليسا جديرين بأي امتيازات روحية في العالم.
 
إن النزعة الشمولية الصِّهْيَونية التي تسعى إلى إخضاع كل الشعب اليهودي، حتى ولو بالعنف والقوة، تجعل من هذا الشعب شعبًا من بين الشعوب الأخرى وشبيهًا بها"؛ الحاخام ألمر برجر: "النبوءة والصِّهْيونيَّة ودولة إسرائيل"، محاضرة أُلْقِيَتْ في جامعة ليدن "هولندا"، في 20مارس 1968.
 
ولم يكن إيجال عامير، قاتل إسحاق رابين، بعربيد أو مجنون، ولكنَّه النتاج الخالص للتربية الصِّهيونية؛ فهو ابن حاخام، وطالب ممتاز في الجامعة الإكليركية بأرعيلان بالقرب من تل أبيب، وتشبَّع بتعاليم المدارس التلمودية، وجندي من جنود الصفوة في الجولان، ويحتفظ في مكتبته بسيرة "باروخ جولدشتين" الذي اغتال منذ عدة شهور في الخليل 27 من العرب وهم يصلون!
 
وهو لا شك قد شاهَد في التليفزيون الرسمي الإسرائيلي العرض الكبير الخاص بجماعة "إيال" (محاربو إسرائيل)، وهم يحلفون على قبر مؤسس الصهيونية السياسية: "تيودور هرتزل": بأن "يعدموا أي شخص يفرط للعرب في أرض الميعاد في يهودا وسامرا"، (الضفة الغربية) حاليًّا.
 
ويندرج اغتيال الرئيس رابين، والاغتيالات التي اقترَفها جولدشتين ضمن المنطق الضيق لمثيولوجية المتطرفين الصِّهيونيين، وكما يقول عامير: "إن الأمر بالقتل جاءه من الرب كما كان يحدث في عهد يشوع"؛ لموند، 8 نوفمبر 1995.
 
وهو لَم يكنْ على المجتمع الإسرائيلي: فإن المستوطنين في قرية "إربا"، و"حبرون"؛ (الجليل)، كانوا يرقصون فرحًا يوم اغتيال رابين، وهم يرددون مزاميرهم المحرفة حول الضريح المُقام على شرف باروخ جولد شتين؛ جريدة ألبيس، "إسبانيا"، الصادرة في 7 نوفمبر 1995، ص4.
 
"لقد كان إسحاق رابين هدفًا رمزيًّا، وليس كما ادعى بيل كلينتون عند تشييع جنازته، من أنه قد حارب طوال حياته من أجل السلام"، وهو الذي قاد جيوش الاحتلال في بداية الانتفاضة، وأعطى الأوامر بكسر عظام أيدي أطفال الأراضي الفلسطينية الذين لم يكن يملكون شيئًا آخر سوى الأحجار للدفاع عن أراض أجدادهم".
 
"ولكن إسحاق رابين، وبكثير من الواقعية قد فهم - كما حدث للأمريكيين في فيتنام، والفرنسيين في الجزائر - أن أيَّ حلٍّ عسكري نهائي غير ممكن، إذا ما اصطدم الجيش، ليس بجيش آخر ولكن بشعبٍ بأكمله".
 
ومن ثمَّ، فإنه سار مع ياسر عرفات على طريق الحل الوسط: استقلال ذاتي إداري لجزء من الأراضي التي شجَبتْ قرارات الأمم المتحدة احتلالها، مع الإبقاء على الحماية العسكرية الإسرائيلية على المستوطنات المسروقة من الأهالي الأصليين، والتي أصبحت كالخليل معاقل للتعصُّب والحقد.
 
لقد كان رابين ضحية أسطورة أرض الميعاد، كما حدث لآلاف من الفلسطينيين، وهي ذريعة أليفة للاستعمار الدموي.
 
ولا ننسى أن اليهود لا يعرفون السلام، وليس لهم إلا ضرب السيف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 9:53 pm

قراءة في كتاب "أساطير الصهيونية"

لطالما سعتْ دولةُ "إسرائيل" عن طريق الدعاية والإعلامِ وسائر الوسائلِ المتاحة لديها، إلى أنْ تُقنِعَ العالم من حولها بأنَّها دولةٌ بريئة عفيفة، تقيةٌ نقية، حالها كحالِ الطفل بين وحوشٍ وذئاب، لا يأْلون الجهدَ في اقتناص الفرصة المواتية لافتراسه، وقدْ استطاعت إلى حدٍّ كبير أن تحقِّقَ ما سعتْ إليه دهرًا طويلاً.
 

عددٌ كبير من المؤلِّفين تحدَّثوا بين إيجازٍ وإسهاب عمَّا تدَّعيه الصِّهيونية من حقوقٍ تاريخية وجغرافية في "فلسطين" وغيرِ "فلسطين"، منهم المفكِّر الفرنسي "روجيه جارودي" في كتابه "الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية"[1]، و"بول فندلي" في كتابه "الخداع"[2].
 

وكان ممن ضَرَبَ بسهم وافر في هذا المجال، وقام بتفكيك الرِّواياتِ والدعائمِ الصِّهيونية "جون روز" John Rose في كتابه: "أساطير الصِّهيونية" The Myths of Zionism.؛ (نشر بلوتو برس: لندن 2004م، 232 صحيفة).
 

"جون روز" كاتبٌ يهودي بريطاني، من نقَّاد الصِّهيونية البارزين، يدرِّس علمَ الاجتماع في "ساوث وورك كوليج"، وجامعة "لندن ميتروبوليتن"، من كتبه "إسرائيل: الدولة الخاطفة: المراقب الأمريكي في الشرق الأوسط"
Israel: The Hijack State: America's Watchdog in the Middle East. (Socialist Worker's Party, 1986).
 

ينقض المؤلفُ في كتابِه "أساطير الصِّهيونية" الدعاماتِ والأُسسَ التاريخية والسياسية التي بَنَى عليها المشروعُ الصِّهيوني أساطيرَه وخرافاتِه.
 

فهو يقدِّم للقارئ نقدًا تحليليًّا لجذور الصِّهيونية، ويكشِف عوارَها وكذبَها وتحريفَها، وتشويهها للحقائق.
 

والأساطير التي تناولها "جون روز" بالنقد والتحليل قسمان: أساطيرُ قديمة تتعلَّقُ باليهودِ فيما خلا من الزَّمان، وأساطير جديدة تتعلَّق بيهود العالم المعاصِر.
 

بدأتْ فكرةُ الكتاب في صيف 2002 بعد أن أطلقَ "إيهود باراك" عدةَ تصريحاتٍ عنصرية، منها أنَّ الكذب صفةٌ جوهرية في ثقافةِ العرب؛ مع أنَّ باراك نفسه ممن يتقنون فنَّ الكذب والتضليل!
 

يتحدث المؤلف في الفصل الأول (التوراة هي عهْدنُا) عن أسطورةٍ في غاية الخطورة والتأثير، روَّج لها "ديفيد بن غوريون"، صانعُ الأساطير، وهي أنَّ التوراة أعطته وغيرَه عهدًا، بموجبه يحقُّ لإسرائيل أنْ تقيمَ دولةً في "فلسطين"، وقد خصَّصَ المؤلفُ عدَّة صفحاتٍ للحديث عن تخرُّصات "بن غوريون" واستخدامه النصوصَ التوراتية لدعم المشروعِ الصِّهيوني، وينقل استشهاداتٍ مهمة تبرهنُ على أنَّ الآثار الإسرائيلية ليس فيها ما يدْعَمُ الدَّعاوى الصِّهيونية حول "إسرائيل" القديمة Ancient Israel، أو ما يُسمَّى أحيانًا الملَكيَّة المتحدة لداود وسليمان The United Monarchy of David and Solomon التي يُزعَمُ بأنَّها وُجِدتْ من 1000 إلى 922 قبل الميلاد، يقول المؤلِّفُ "جون روز": "إنَّ العهدَ القديم مليءٌ بالكلمات المقدسة التي تمدُّ بالهدايةِ الروحية للشعب اليهودي بوصفِه شعبًا متدينًا، بالطبع هذه الكلمات هي مكتوبةٌ مع معانٍ معقدة إلى حدٍّ كبير، وتزود بنظامٍ عميق من اللاهوت والأخلاق، ما يزال يُلْهِمُ الملايين من النَّاس في العالَم المعاصر، لكنَّه ما يزال يجب علينا أنْ نكشفَ عن أي أثرٍ لكلمات مكتوبة في فترة الملكيَّة المتحدة لداود وسليمان "إسرائيل" القديمة، تمامًا تحت ثلاثةِ آلاف عام مضتْ وتلك هي المشكلةُ، تشيرُ الكلمةُ المكتوبة إلى تقدُّم مجتمعٍ ما من ناحيةِ حضارته، و"إسرائيل" القديمةُ موصوفة بأنها نوعٌ متقدِّم من الحضارة، لكن أين كلماتُها؟ وَفْقًًا لـ "فنكلستين"Finkelstein و"سلبيرمن" Silberman مؤلِّفَي الكتاب الرَّائد "الكتاب المقدَّس المكتشَف: رؤيةُ علمِ الآثارِ الجديدةِ لإسرائيل القديمة، وأصل نصوصها المقدَّسة" The Bible Unearthed: Archaeology’s New Vision of Ancient Israel and the Origin of its Sacred Texts، إنَّه ما من أثرٍ واحد لنشاطٍ أدبي إسرائيليٍّ في القرن العاشر قبلَ الميلاد قد اكتُشِف على الإطلاق"[3].
 

ويتحدث الفصل الثاني عن (أسطورة النُّزوح)، بوصفِها الصفة المميِّزة لليهود، ويبيِّن كيف أنَّه حتَّى سقوط الهيكل في القدس منذُ ألفَيْ عام، كان جلُّ اليهودِ يعيشون خارج "فلسطين"، متفرِّقين في أنحاء الإمبراطورية الرومانية وما وراءَها، خصوصًا "بابل".
 

أمَّا الفصل الثالث فيناقش أسطورةَ الآلام والمآسي والاضطهادات المريرة التي تعرَّض لها اليهودُ لفترةٍ دامت ثمانية عشر قرنًا! ويوازنُ هذه الصورة الواسعة الانتشار بنشوء التَّاجر اليهودي في أوروبا الوسيطة، ويشير المؤلفُ إلى أنَّ الدور الاقتصادي لليهود في أوروبا يمكنُ أنْ يزيدَ سوءَ قضيةِ العداء المسيحي للسَّامية، كما أنَّه ينشطها، غير أنَّ الصهيوينة لا تتحدثُ إلا عن جانبٍ واحد من القصَّة، كان الحكَّام المسيحيون في الغالب مستعدين لحمايةِ رعاياهم اليهودِ النشيطين اقتصاديًّا، فاليهودُ كانوا وسطاءَ تجاريين بين مصادرِ الإنتاجِ في الأراضي النَّائية وبين الملوك والنُّبلاء، وباحتكارِهم للتجارة وبوجهٍ خاص البضائع الثمينة، أصبح اليهودُ عاملاً لا غنيةَ عنه للطبقات المسيحية، ومنحتهم هذه الخاصِّيةُ الكثيرَ من المزايا، وقدرًا كبيرًا من الاستقلالية، لكنْ شهد القرنانِ الرابع عشر والخامس عشر منافسةً تجارية، تقودها طبقاتٌ مسيحية في إسبانيا وفرنسا وإنكلترا، عملتْ على نزعِ هذه الخاصيةِ من اليهود، بل على أكثر من ذلك، وهو طردُهم من البلاد، كما حصل في إسبانيا عام 1492م.
 

وفي الفصلين الرَّابع والعاشر يلقي المؤلفُ الضوءَ على (العلاقاتِ العربية - اليهودية)؛ ففي الرَّابع يتحدَّثُ عن هذه (العلاقاتِ في ظلِّ الدولة الإسلامية بين القرن العاشر والثالث عشر الميلاديين)، وفي الفصل العاشر يصِفُ (العلاقةَ المعاصِرَة بين العرب واليهود)، يريدُ المؤلِّف من خلال هذين الفصلين أنْ يفنِّدَ دعوى الصِّهيونية؛ وهي أنَّه من غيرِ الممكن للعربِ واليهود - بحجَّة الاختلافِ والبون الشاسع بينهم - أن يعيشوا معًا في وئامٍ وسلام، ويدعم المؤلفُ اعتقادَه بإمكانيةِ العيش المشترك بين اليهودِ والعربِ بنقلٍ موسَّع ومهم عن إحدى الدراسات للبروفسور "جويتين" Goitein، فقد اكتُشِفتْ في نهاية القرن التاسع عشر غرفةٌ في معبدٍ في القاهرة، يعود إلى القرن الحادي عشر، هذه الغرفةُ مليئةٌ بالوثائق والكتاباتِ لتجَّار وعلماء وحرفيين يهود، تحتوي الوثائقُ على معلوماتٍ تاريخية مهمةٍ جدًّا، تبرزُ بوضوحٍ أنَّ اليهودَ في تلك الفترة كانوا جزءًا أساسيًّا من النَّسيجِ والثقافة الإسلاميين[4].
 

أمَّا الفصلان الخامس (أرض بلا شعب)، والسادس (لشعب بلا أرض) فيهدفانِ إلى تفكيك العنوانين اللَّذَيْن يحملانهما، يتحدَّثُ المؤلف بالتفصيل عن الزِّراعة المزدهرة التي قام بها العربُ في الأراضي الفلسطينية قبل أن تغتصبَها يدُ الصِّهيونية في القرن التاسع عشر.
 

ويخصص المؤلِّفُ في الفصلين السابع والتاسع الحديثَ عن أسطورةِ أنَّ الدعاوى الصِّهيونية من أجل التحرير والاستقلال الوطني لليهود يمكِنُ موازنتُها بنضالِ الشُّعوب المقهورة في أجزاء أخرى من العالمِ في القرن العشرين، لكن الصِّهيونية في حقيقةِ الأمر إنْ هي إلا حركةٌ تسير في الاتجاهِ المعاكِسِ، فبعد الحربِ العالميةِ الأولى ساعدتِ الصِّهيونية في تَوْطيدِ دعائمِ حكمِ بريطانيا الاستعماري على العالمِ العربي، وبعد الحربِ العالمية الثانية غدتِ الدولة اليهودية حليفًا استراتيجيًّا لا غنًى عنه للولايات المتَّحدة، ذاتِ المصالح والرؤى الاستعماريةِ في المنطقة، وفي كلتا الحالتين يقول المؤلف: كانت الصِّهيونية تعتمد اعتمادًا كليًّا على القوى الاستعمارية الغربية، ويجدُ القارئ في الفصل السابع حديثًا مهمًّا حَوْل ادِّعاءٍ فحواه: أنَّ الدافعَ الأساسيَّ وراء وعد "بلفور" كان اعتقادُ مجلسِ وزراء الحرب البريطاني أنَّ النفوذ اليهودي في بريطانيا وروسيا يمكن أنْ يساعدَ في تعزيز موقفِ الحلفاء في الحرب مع ألمانيا.
 

ويتحدَّى الفصل الثامن أسطورةَ أنَّ المحرقة النازية التي صلي بها اليهودُ تتيحُ حالةً لا نقاش فيها، من حيث الدفاع عن الصِّهيونية، نعم "الهولوكست" واحدةٌ من الجرائم التاريخية البشعة؛ لكنها لا تسوِّغ بحالٍ إيجادَ دولةٍ يهودية مبنيةٍ على الإقصاء العنيف لشعبٍ آخرَ من وطنه، وهذا ما حصل تمامًا عام 1948م.
 

إنَّ العمى أو التعامي عن محاولةِ فَهْم الحقائقِ السياسية للشَّعب الفلسطيني، هو بحدِّ ذاتِه أمرٌ كافٍ لرؤية الصِّهيونية حركةً متطرِّفة، تستخدم جميعَ وسائل العنف ضدَّ الشعب الفلسطيني، مما لم يَعُد يخفى على ذي إنصافٍ وبصيرة أيًّا كانت نحلتُه أو ملَّتُه.
 

في الختامِ يقولُ المؤلِّف: "الصِّهيونية هي المشكلةُ، وإزالتها شرطٌ سابق للسَّلام في الشرق الأوسط، إنه شرط سابق من أجل المصالحة بين العرب واليهود في "فلسطين"، تلك هي الخاتمةُ الوحيدة الممْكِنة لهذا الكتابِ، أنا لستُ بحاجةٍ إلى أنْ أُقنعَ القرَّاءَ العرب بهذا؛ لأنَّ الغالبيةَ العظمى من العرب تؤمنُ بهذا الحقِّ البدهي، جلُّ النَّاس في أوروبا وأمريكا الشمالية ليسوا مقتنعين بهذا الأمر، ومع أنَّ الدعوى من أجلِ العدالة للفلسطينيين مسموعةٌ بصورةٍ عالية أكثرَ من ذي قبل، إلا أنَّه ما يزالُ هناك اعتقادٌ متلكِّئ بأنَّ دولةً يهودية في "فلسطين" مسوغةٌ أيضًا، وأنه يمكن بطريقةٍ ما للطرفين أنْ يكون بينهما تصالحٌ"[5].
 

أعتقد أنَّ "جون روز" في كتابه "أساطير الصِّهيونية" استطاع بخبرتِه الأكاديمية ومعرفتِه الدقيقة، واستشهاداتِه المهمة أنْ يعرِّي الصِّهيونيةَ من الحقوقِ التاريخية والسياسية والجغرافية التي زعمتْها لنفسِها، وأنْ يخلعَ عنها حجابَ الفضيلة والحق والصدق، وغيرها من الخصال التي طالما قاتلَ لأجلِها وروَّج لها دعاةُ الصِّهيونية ومؤسسوها، وعلى رأسهم "ثيودور هرتزل" و"ديفيد بن غوريون"، إنه بحقٍّ كتابٌ نفيس، وجديرٌ به أن يُترجَمَ للقارئ العربي إنْ لم يكن ترجم من قبل.




[1] نشر دار الشروق: القاهرة، ط 1، 1998م.

[2] شركة المطبوعات للتوزيع والنشر: بيروت 1993م.
[3] Rose, John. The Myths of Zionism. (London: Pluto Press, 2004) p. 20.

[4] المرجع السابق، ص 65 وما بعد.
[5] المرجع السابق، ص 201.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 9:54 pm

أسطورة "الإسرائيليون الأوائل" تحت مجهر التأريخ الوثائقي

عرض: أحمد فتحي

تُعتبر دولة الكيان الغاصب واحدة مِن أهم نقاط التماس الحضاري بين الإسلام والغرب، فدولة الكيان الغاصب هي ربيبة الغرب بصفة عامة، غير أن صلتها بألمانيا صلةٌ ذات طبيعةٍ خاصةٍ؛ فهي دولة النازي الذي أحرق اليهود في "الهولوكست"، تلك المحرقة التي يتخذ الغرب منها مبررًا أخلاقيًّا لِمُساندة اليهود؛ حيث يتم تصوير اليهود في الغرب على أنهم ذلك الشعب الذي ذاق ويلات الاضطهاد والتعذيب في شتى بقاع الأرض، والذي آن الوقت ليمتلك أرضًا ووطنًا.

حرصت دولة الكيان الغاصب - وما تزال - على صُنع صورةٍ أسطوريةٍ لتاريخها، سواء وهي تدَّعي الاضطهاد والتشتُّت، أو وهي تدعي البطولة التي صنعها المشردون في أنحاء الأرض، وهم يبنون دولتهم الجديدة، ويمتلكون الجيش الذي لا يُقهر، الأساطير هي ماء الحياة لدولةٍ لا تقوم على حقائق الواقع، تلك الأساطير "المؤسسة لدولة الكيان الغاصب" - على حد التعبير الذي شاع عن المفكر الفرنسي روجيه جارودي - تجد لها آذانًا صاغيةً في المجتمع اليهودي داخل دولة الكيان الغاصب، وفي داخل دول الدَّعْم الغربي الأوروبي والأمريكي.

"توم سيجيف" - المولود في ا / مارس/ عام 1945 في القدس - هو صحافي في جريدة "هآرتس"، ومؤرِّخ صِهْيَوْني ذائع الصيت داخل دولة الكيان الغاصب وخارجها، وهو واحدٌ من أهم رواد ما يسمى باتجاه "المؤرخين الجدد"، وهم مجموعة من المؤرخين يحاولون إعادة تقييم تاريخ الصهيونية، وتاريخ دولة الكيان الغاصب بالوثائق الواقعية، بعيدًا عنْ آلة الترويج والدعاية اليهودية، قدم "توم سيجيف" من خلال كتبه ومقالاته مشروعًا فكريًّا هدفه الرئيس هو كتابة تاريخ دولة الكيان الغاصب، بعيدًا عن توجيهات الأيديولوجية الصهيونية، يُمَثِّل الكتاب الذي بين أيدينا الآن الحلقة الأولى في تكوين دولة الكيان الغاصب، وعنوانه الكامل: "الإسرائيليون الأوائل: بدايات الدولة اليهودية"، الكتاب تمت ترجمته من العبرية إلى اللغة الألمانية في بداية عام 2008 بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لقيام دولة الكيان الغاصب.

يرسم سيجيف الذي سقط والده في حرب 48 لوحاتٍ تفصيلية للجيل الأول من دولة الكيان الغاصب بكل تناقضاته، وقد نجح بأسلوبٍ متوازنٍ وغير عاطفي أن ينقل نتائج أبحاثه الصادمة التي عايشها بنفسه والتي دعمها بالوثائق المعتمدة والرسمية في أغلب الأحيان، فقد بين سيجيف كيف كان احتفال اليهود عظيمًا عندما أعلن ديفيد بن جوريون في 14 من مايو عام 1948 تأسيس دولة الكيان الغاصب، ومع ذلك فقد نشبتْ في هذه الليلة الحرب العربية الصِّهْيونية الأولى، وكان وجود ذلك العدو المتفوق في العدد مجرد واحدٍ من التحديات الكبرى التي واجهت الدولة الجديدة، كان على الآلاف من المهاجرين أن يندمجوا فيقيموا المستوطنات والمؤسسات التعليمية والمصانع ودور الرعاية الصحية العامة.

"لَم يكن هذا هو ما تعلمته في المدرسة"، هذه هي النتيجة التي يجعلها سيجيف عنوانًا كبيرًا لمجموعةٍ من الحقائق التي توصل إليها حول حقيقة تاريخ دولة الكيان الغاصب، بعدما اطلَع على الوثائق المفرج عنها من الأرشيفين الصهيوني والأمريكي حول الفترة التي كان الصهاينة الأوائل يؤسِّسون فيها دولتهم.

لقد أثبت هشاشة الأسطورة المصنوعة حول دولة الكيان الغاصب، بوصْفها مجتمعًا اشتراكيًّا عادلاً بُني على عدم التمييز بين اليهود، والتلاحُم الكبير بينهم، والبطولات العامة التي تدور حول انتصاراتها الساحقة على أعدائِها في كل مكان، لقد أثْبت سيجيف بالوثائق كيف تم ترك 100000 يهودي من بُلدان عربية في العراء، في حين أن اليهود البولونيين كانوا يعاملون معاملة مختلفة تمامًا.

يُبَيِّن سيجيف في كتابه تلك الانقسامات الحادة داخل دولة الكيان الغاصب إبان تأسيسها، كانتْ هذه الدولة تمثل وفق تعبير سيجيف "مجتمع أزمة"، يُعاني سكانه من انقسامات عميقة بين الناجين من الهولوكست، والمستوطنين الأوائل، وبين الصهاينة النفْعيين والأُصُوليين المتعصِّبين، كما لا ينبغي أن ننسى أن أرض الميعاد هذه لم تكنْ خالية، فقد كان يسكنها ما يقرب من 100000 فِلَسْطيني.

يلغي توم سيجيف كثيرًا من الأساطير، ويوضِّح أن قصة نجاح دولة الكيان الغاصب الرائعة كانت "أقل شرفًا وبطولةً" مما تعلنه القراءة الرسمية للأحداث، كان هناك قادة يتمتعون بالشعبية؛ مثل: بن جوريون، ساعدوا في بقاء دولة الكيان الغاصب على قيد الحياة، ونفذوا مهمة البناء الصعبة، وقد ارتكب هؤلاء القادة أنفسهم سلسلة من الأخطاء الفادحة التي يرى سيجيف أنها كانت السبب في أن الصراعات في الشرق الأوسط - وبالأخص مع الفلسطينيين - تبدو مستعصية على الحل.

يسوق سيجيف أدلته الموثقة حول تجاهُل الصهاينة الأوائل للتفاوُض مع العرب، على عكْس ما كان يزعم قادة دولة الكيان الغاصب في ذلك الوقت، كما يصف سيجيف ذلك العمى السياسي الذي جعل بن جوريون نفسه يتلاعب بطريقة سافرة أثناء محادثات السلام عام 1949، فضلاً عن تجاهُله تلك القوة الناشئة من النفي والحنين للوطن، تلك القوة التي جعلت الآلاف من الفلسطينيين الذين فرُّوا أو تم إجلاؤهم بوحشِيَّة يُحاربوننا حتى الآن بلا هوادة.

كتابات توم سيجيف والمؤرخين الجدد بوجْهٍ عام أثارتْ ضجَّة كبيرةً في دولة الكيان الغاصب، وقامتْ مراكز أبحاث يهوديَّة بحَشْد كمٍّ منَ الدراسات للرَّدِّ على دعاوى توم سيجيف حول التاريخ اليهودي الحديث، إلاَّ أن ترحيبًا غربيًّا بهذا الاتجاه ما يزال يزداد؛ بسبب المصداقية والوثائق الرسمية التي تعضِّد وجهة نظر الكاتب.

تعليق:
الاهتمام بالصراع والخِلاف اليهودي جُزء غاية في الأهمية من الصراع مع العدو الصهيوني، خاصة إذا كان هذا الصراع له تأثيره في القارئ الغربي، وإذا كان هذا الخلاف حول الحقائق التاريخية، فإنَّ هذا من شأنه أن يبين كثيرًا منَ الحقائق التي يريد اليهود إخفاءها، ولعل في كتب هؤلاء المؤرخين الجدد من الوثائق ما لم يطلع عليه كثير من المسلمين، ولا سبيل إلى اطلاعهم عليه، غير أنه من الإفراط في حُسن الظن أن يعتقد المرء أن مؤرخًا يهوديًّا صهيونيًّا يُمكن أن ينسلخَ تمامًا من دينه وتوجهه السياسي وبيئته التي تربى بها، ولكنها اختلافات داخل البيت اليهودي، يجب على المسلم المهتم بهذا الشأن أن يكونَ على دراية بتفاصيلها؛ فإنهم لا يألون جهدًا في معرفة أدقِّ تفاصيل واقع المسلمين، مع ما فيه المسلمون منَ الدَّعة والضعف، يحسبون لكل صغيرة حسابًا، فيفرقون من محجبة هنا أو ملتزم هناك، بل إنَّ من أوجُه الاستفادة منَ الاطلاع على حجج هؤلاء المؤرخين إيقاظ الواهمين مِن أمَّتنا الذين ما يزالون في حاجةٍ إلى مزيد منَ التدْليل على خُبث اليهود وخيانتهم، وفيها تثبيت لكلِّ مَن يؤمن بما جاء في كتاب ربِّنا عن اليَهُود؛ ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ﴾ [النساء: 122].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 9:57 pm

قبائح اليهود ومخازيهم عبر التاريخ

 
الحمد لله مُعزّ من أطاعه مذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صل الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد
معاشر المؤمنين عباد الله اتقوا الله تعالى فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه عباد الله إنّ من يتأمَّل التاريخ على طول مداه ويتأمل في أحوال الأمم وأخلاقها ومعاملاتها يجد أن أسوء الأمم خُلقا وأشرَّها معاملة أمّةُ اليهود تلك الأمة الغضبية الملعونة أمّة الكذب والطغيان والفسوق والعصيان والكفر والإلحاد أمّة ممقوتة لدى الناس لفضاضة قلوبهم وشدّة حقدهم وحسدهم ولعظم بغيهم وطغيانهم أهل طبيعة وحشية همجيّة لا يباريهم فيها أحد كلّما أحسوا بقوة ونفوذ وتمكن وقدرة هجموا على من يعادونه هجوم السبع على فريسته لا يرقبون في أحد إلا ولا ذمة ولا يعرفون ميثاقا ولا عهدا لا يُعرف في الأمم جميعها أمة أقصى قلوبا ولا أغلظ أفئدة من هذه  الأمة قد التصق بهم الإجرام والظلم والعدوان والجور والبهتان من قديم الزمان يقول الله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13] ويقول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74].

عباد الله:
ومن قسوة قلوب هؤلاء أنهم قتلوا بعض أنبياء الله الذين جاءوا يحملون إليهم الهداية والصلاح والسعادة والفلاح وهكذا شأنهم دائما وأبدا يقتلون الذين يصلحون في الأرض قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ﴾ [المائدة: 70] وقال الله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 155] وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21] وهذه القسوة التي وصفهم الله بها في القرآن ملازمةٌ لهم على مر العصور واختلاف الأزمان إلى زماننا هذا عباد الله ثم هم مع ذلك أهل مكر وخديعة وخبث وكيد وقد عان المسلمون الأوّل من صفة اليهود هذه الشيء الكثير ولا يزال المسلمون يعانون الويل من جراء مكر اليهود وكيدهم والله تعالى يقول ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120] عباد الله وقد دأب اليهود من قديم الزمان على الغدر والخيانة ونقض العهود والوعود يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُون ﴾ [الأنفال: 55- 56] لقد عاش اليهود طوال حياتهم بؤرة فساد في المجتمعات وأساس كل منكر وفحشاء ينشرون الرذيلة ويشيعون الفساد وقد كانوا عبر التاريخ مصدرا للمنكر والفحشاء فهم أصحاب بيوت الدعارة في العالم وناشرو الانحلال الجنسي في كل مكان يبتزون أموال الشعوب  ثم يسخرونها في إشاعة الرذيلة بينهم ليحطِّموا بذلك قيمهم ويخلخلوا إيمانهم ويضعفوا قوتهم وليكونوا بذلك فريسة سهلة لهم.

عباد الله:
إن عِداء اليهود للإسلام عداء قديم منذ فجر الإسلام الأوّل وعداءهم وحقدهم على أهله معروف لدى الخاص والعام في قديم الزمان وحديثه لأن الإسلام عباد الله عرى حالهم وكشف أمرهم وفضح مخازيهم وأظهر قبائحهم وشنائعهم فبات أمرهم معلنا بدل أن كان سرا وباديا لكل أحد بعد أن كان خفيا وجاءت آيات القرآن الكريم آية تلوى الأخرى معرية أمر هؤلاء مجلية حقيقة أمرهم كاشفة كل مكرهم وكيدهم وخداعهم والله جل وعلا يقول: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 55] لا غرابة عباد الله أن كان عداء اليهود للإسلام شديدا فالإسلام جاء هادما لكل ما لديهم من بهتان مبطلا ومناقضا لكل ما عندهم من جنوح وانحراف ضلال الإسلام يدعو إلى الإيمان والتوحيد والإخلاص واليهود يدعون إلى الكفر والإلحاد والتكذيب والإعراض الإسلام يدعو إلى المثل العليا والقيم الرفيعة والرحمة والإحسان واليهود يدعون إلى القسوة والإجرام والوحشية والعدوان والظلم والبهتان، الإسلام يدعو إلى الحياء والستر والحشمة والعفاف واليهود يدعون إلى الرذيلة والفساد والمكر والبغي، الإسلام يحفظ الحقوق ويحترم المواثيق ويحرِّم الظلم واليهود لا يعرفون حقّا ولا يحفظون عهدا ولا ميثاقا ولا يتركون الظلم والعدوان، الإسلام يحرم قتل النفس بغير الحق ويحرم السرقة والزنا واليهود يستبيحون سفك دماء غير اليهود وسرقة أموالهم وانتهاك أعراضهم.

عباد الله:
ورغم كل هذا الضلال الذي هم فيه فإنهم يعتقدون في أنفسهم أنهم شعب الله المختار وأنهم أبناء الله وأحباؤه وأن أرواحهم متميزة عن بقية أرواح البشر بأنهم جزء من الله وأنه لو لم يخلق اليهود لانعدمت البركة من الأرض ولما نزلت الأمطار ولا وجدت الخيرات ويعتقدون فيمن سواهم أنهم أشبه بالحمير وأن الله خلقهم على صورة الإنسان ليكونوا لائقين لخدمة اليهود ألا شاهت وجوه الأخسرين ولعنة الله على المجرمين الظالمين المعتدين.

عباد الله:
يجب أن ندرك جميعا أن عدوان اليهود على المسلمين في فلسطين ليس مجرد نزاع على أرض وأن ندرك أن قضية فلسطين قضيةٌ إسلامية يجب أن يؤرق أمرها بال كل مسلم  ففلسطين عباد الله بلد الأنبياء وفيها ثالث المساجد الثلاثة  المعظمة وهي مسرى رسول الله  صل الله عليه وسلم وقبلة  المسلمين الأولى وليس لأحد فيها حقّ إلا الإسلام فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.

ويجب علينا عباد الله أن ندرك أن تغلب هذه الشرذمة أن تغلب هذه الشرذمة المرذولة والفئة المخذولة وتسلطهم على المسلمين إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي وإعراض كثير من المسلمين عن دينهم الذي هو سبب عِزهم وفلاحهم ورفعتهم في الدنيا والآخرة ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]فلا بد من عودة صادقة وأوبة حميدة إلى الله جلّ وعلا فيها تصحيح للإيمان وصلة للرحمن وقيام بطاعة الله جلّ وعلا وبعد عن الفسوق والعصيان لينال المؤمنون العزّة والتمكين والنصر والتأييد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ﴾ [النور: 55- 56] بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صل الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين  وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد:
عباد الله اتقوا الله تعالى ثم اعلموا رعاكم الله أن المؤمن في كل أحواله وفي جميع شؤونه في شدته ورخائه وفي سرائه ضرائه لا مفزع له إلا إلى الله ولا ملجأ له إلا إلى ربِّه وسيده ومولاه ولهذا عباد الله فإنا نتوجه إلى الله جل وعلا شاكين إليه ما أصابنا داعينه سبحانه  بما ألم بنا فتوجهوا عباد الله بقلوبكم إلى الله.

إلهنا إليك المشتكى وأنت حسيبنا يا من مجيب المضطر إذا دعاه ويجبر الكسير إذا ناداه ويفرِّج هم المهموم إذا ذل له ورجاه إلهنا إن اليهود تسلطوا على إخواننا المسلمين في فلسطين قتلا وتشريدا وعلى بيوتهم هدما  وتخريبا وعلى حرماتهم هتكا وإفسادا وعلى بيوتهم هدما  وتخريبا وعلى حرماتهم هتكا وإفسادا فكم من بيوت هدمت وكم من أعراض هتكت وكم من نساء رمِّلت وكم من دماء أريقت وكم من أطفال يتموا لقد تفاقم من اليهود الطغيان وتزايد السطو والإجرام وعظم الجبروت العدوان إلهنا يا من النّصر والعز منه يستمنح يا من أبوابه وخزائنه لمن دعاه تفتح يا مزلزل عروش الظالمين يا قاسم ظهور الجبّارين يا مبطل كيد المجرمين اللهم عليك باليهود المعتدين اللهم عليك باليهود المعتدين اللهم عليك باليهود المعتدين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم مزقهم شر ممزق اللهم اجعل تدبيرهم تدميرا عليهم يا ذا الجلال والإكرام اللهم لا مفر لنا إلا إليك ولا ملجأ إلا إليك اللهم انصر المسلمين على اليهود يا ذا الجلال والإكرام اللهم وأبطل كيدهم يا حي يا قيوم يا من بيده أزمة الأمور اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وأرضى اللهم عن صحابة نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





بنو إسرائيل

في قوله تعالى: ﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين .. ﴾


﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 4 - 8].
 
"قضى": قضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه.
 
﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ﴾؛ أي: أعلمناهم، وأوحينا إليهم وحيًا جازمًا.
 
و"الكتاب" يعني به سبحانه: الكتاب المكنون، وهو الذكر، وهو اللوح المحفوظ المكتوب فيه، والكتب والرسالات المنزلة كلها على الأنبياء والمرسلين جميعًا عليهم الصلاة والسلام، بما فيها من علوم وعقائد وشرائع، وأوامر ونواهٍ، ونذر وعِبر، بالإخبار عن الماضين، وعن عواقب المهتدين إلى الصراط المستقيم، وعواقب المغضوب عليهم والضالين، في الدنيا والآخرة، وهو الكتاب الذي كتب الله فيه كل شيء، وهو كائن إلى يوم القيامة.
 
وقد ذكر الله هذا "الكتاب" في مواضع كثيرة من آي القرآن، منها قوله سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الرعد: 38، 39] يعني: من رسالة الرسول السابق، مما انقضى الزمن الذي يناسبه، ﴿ وَيُثْبِتُ ﴾، يعني: يثبت في رسالة الرسول الحاضر من رسالة الرسول السابق ما يناسب الأمة المبعوث إليها، ﴿ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾، يعني: كل الرسالات، كما نزلت - السابق واللاحق - عنده في الذكر، واللوح المحفوظ.
 
أو أن ربنا سبحانه يعني بالكتاب "التوراة" التي أنزلها على موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فإن جميع الرسالات والكتب من عند الله العليم الحكيم، لهداية الإنسان وخيره وسعادته.
 
وقال الله تعالى في وصف التوراة، وبيان ما فيها من الهدى، وأنها فرقان بين الحق والباطل، والشرك والتوحيد، والمتقين والفجار: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 3، 4].
 
هذا، وجائز أن يكون ربنا قد عنى الكتابين جميعًا: الكتاب المكنون عنده فوق العرش، والكتاب المنزل على موسى؛ فإن ما في التوراة من التفصيل لكل شيء، والهدى والرحمة، والفرقان والتبيان، والوعد والوعيد، والوصايا والشرائع والأوامر، والنذر والتخويف من الكفر والفسوق والعصيان عن أمر الله؛ بذكر العواقب والتذكير والعبر - إنما نزل من الكتاب المكنون الذي سماه الله "أم الكتاب"؛ أي: الجامع لكل ما في الكتب المنزلة، وكتب الأعمال، والذي كتب فيه كل شيء قبل خلق السموات والأرض.
 
وقوله: ﴿ لَتُفْسِدُنَّ ﴾: أصل "الفساد" في لغة القرآن - لغة العرب - نقيض "الصلاح"، والشيء يصلح حين يستكمل الصفات والشروط والأسباب، التي باستكمالها يؤدي المقصود منه، ويبلغ الغاية المرْجُوَّة؛ فالفساد: عدم حصول هذه الصفات والشروط والأسباب كاملة على الوجه المطلوب للشيء، فلا يؤدي المقصود منه.
 
وهي في كل شيء - الإنسان والحيوان والنبات، والهواء والماء وغيرها - بحسبه، وبحسب خلقه، وما خلق له.
 
وصلاح الإنسان: إنما يتحقق باستكمال الصفات والأسباب والشروط التي جعلها الله العليم الحكيم - بالفطرة وبالعلم والمعرفة من سنن الله الكونية، أو من وحيه ورسالاته المنزلة - فإن الله سبحانه جعلها مؤدية بالإنسان إلى الصلاح والإنتاج النافع والإثمار الثمار الطيبة الصالحة لجعل حياته طيبة، تتوفر له فيها أسباب الفلاح والفوز والسعادة، وطيب العيش ورغده، وتبعد عنه النكد والشقاء في أولاه وآخرته.
 
وفساد الإنسان: بفقدان ذلك أو بعضه؛ فبفقده وتضييعه، يثمر لنفسه ولمن حوله ثمرات فاسدة خبيثة، وينتج نتائج ضارة له ولمجتمعه، منغصة لحياته وحياتهم، فيشقى بذلك في الأولى والأخرى.
 
وصلاح أعمال الإنسان وأخلاقه: باستكمال الأسباب والصفات والشروط التي تجعل أعماله وأخلاقه مثمرة له ولمجتمعه الثمرات الطيبة النافعة، التي توفر لهم رضوان الله وتوفيقه وتسديده، وتؤدي للإنسان ما يرجوه بفطرته التي فطره الله عليها، وما يسمو إليه - جاهدًا وكادحًا - من الفلاح والفوز ببلوغه كل ما يأمله ويتمناه، من الخير والعافية والطمأنينة، ويكون الإنسان الكريم الذي رضي عن ربه، ورضي ربه عنه.
 
وذلك إنما يتم له بالعلم الصحيح بنعم الله عليه، ومزاياها وصفاتها وأوضاعها، وكيفية استعمال كل نعمة على وجهها، وفي وقتها، وبمقدارها، للانتفاع بها والاستفادة منها، وتقديره لهذه النعم - بعد هذا العلم، الذي يجب أن يكون عن قصد وتفكر، للعمل به والحاجة الضرورية إليه، لا على أنه صناعة وحرفة لجذب لقمة العيش، أو الجاه والسمعة، وأخذ الشهادة الفنية به - وإحسانه الانتفاع بها - بالتحري التام، واليقظة الصادقة - في وضع كل نعمة موضعها الذي خلقها الله، وجعلها به نافعة صالحة ورحمة للإنسان.
 
فلا بد - لأجل ذلك - أن يكون حريصًا على إنسانيته الكريمة - العاقلة المفكرة المميزة السميعة البصيرة - التي كرَّمه الله بها وميَّزه، وحريصًا أشد الحرص على العلم النافع اليقيني المُقَوِّمِ للنفوس، والمحيي للقلوب، من سنن الله ومن رسالات الله، ليَتم له الإحسان في وضع كل نعمة موضعها على وجهها، فيثمر ذلك الثمرات الطيبة له ولمجتمعه في الأولى والآخرة.
 
وصلاح المجتمع: باستكمال العناصر الصالحة، والصفات والشروط التي جعلها الله العليم الحكيم مؤدية بالمجتمع إلى الصلاح والأمن والطمأنينة والعافية، والقوة والعزة والتمكين في الأرض، ونفاذ السلطان، فيسعد المجتمع، ويؤدي ما خلق له، من الخير والنفع، وصلاح الأرض التي استخلفه الله فيها، فيزيده الله قوة وعزة ونفاذ سلطان، ويُمكِّن له دينه الذي ارتضاه له، كما وصف الله تعالى سلفَنا الصالح رضي الله عنهم بقوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 110].
 
وإن من يقرأ تواريخ الأمم الغابرة، لَيجِدُ حقًّا، أن سلفنا الصالح رضي الله عنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس في فتوحهم، وتقويضهم صروح البغي والكفر والفساد، وإقامتهم صروح العدل والرحمة، وصالح الأعمال والأقوال والعقائد والأخلاق، ويجد أن بني إسرائيل كانوا أشد خلق الله كفرًا بأنعم الله، وفسوقًا عن أمره، وانتهاكًا لحرماته، وأبعد خلقِ اللهِ عن الرحمة والعدل والإحسان؛ فقد قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام، وقتلوا غيرهما من أنبياء الله والذين يأمرون بالقسط من الناس، وكم آذَوا موسى الذي جعل اللهُ نجاتَهم من ظلم فرعون وسوء عذابه على يديه وبرسالته.
 
ولقد رموا عيسى رسول الله عليه السلام، وأمَّه الصديقة رضي الله عنها - بأفحش الفاحشة، وأنكر المنكر، واتهموها بالزنا مع يوسف النجار، وأن عيسى ابن زنا، وما أفِكوا هذا الإفك العظيم إلا بعد بلوغ عيسى الأربعين من عمره، وهو يعيش بينهم موقَّرًا محترمًا.
 
فلما أرسله الله إليهم، ودعاهم إلى إقامة العمل بالتوراة، وانتهاج نهجها القويم، ليتخلصوا من الفساد والبغي، وحياة البؤس والذلة، قام شيوخهم من الأحبار والرهبان بعدائه أشد العداء، وافتروا عليه وعلى أمه الصديقة البتول هذه الفِرية التي لا تليق إلا بهم، وبرقابهم الغليظة، وقلوبِهم التي هي أشد قسوة من الحجارة، ولم يعبأ عيسى عليه السلام، ولا العقلاء الذين اتبعوه، بإشاعتهم هذه الفاحشة، بل ثابر في الدعوة إلى ربه، وبذل الجهد في تخليصهم، فلما رأوا أن تلك الفرية لم تكُفّ عيسى عن تبليغ رسالة ربه، سعوا بكل ما استطاعوا عند الملك الروماني الوثني، حتى حكم على عيسى ابن مريم عليه السلام بالقتل والصلب، ووكَّل إلى أحبارهم ورهبانهم تنفيذ هذا الحكم، ليحملوا وزره...
 
ولولا أن الله طهر عبده ورسوله عيسى من أيديهم الأثيمة الرجسة، ورفعه إليه، وألقى شبهه على واحد منهم، لنفذوا فيه الحكم القاسي أشد القسوة، وهم إلى الآن يعتقدون أن الذي قتلوه وصلبوه هو عيسى رسول الله عليه السلام، ثم أغروا النصارى باعتقاد ذلك، وباعتقاد قداسة قتله وآلة قتله، والخشبة التي عُذِّب عليها، فلا شك أنهم يحملون إثم قتل عيسى بما يعتقدون ويدينون إلى اليوم وبعد اليوم.
 
فعاقبهم الله على كفرهم الشنيع، وبغيهم الفظيع في قتل زكريا ويحيى من قبلهما، ومَن بعدهما من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، بأن سلط عليهم الآشوريين والكلدانيين، مرة هؤلاء ومرة أولئك، ﴿ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ﴾؛ أي: لم يتركوا مدينة ولا قرية إلا دخلوا قصورها ودورها ومعابدها، يقتلون وينتهكون الأعراض، ويأسرون ويغنمون، ولم يتركوا أرضًا زراعية، ولا بستانًا ولا مصنعًا، إلا خربوه وسلبوا ما فيه من آلات ومنتوجات، وقتلوا وأسروا من فيه.
 
﴿ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً ﴾، حقق الله به ما وعدهم على كفرهم وفسوقهم، وعصيانهم وتمردهم، واستكبارهم على الله ربهم، وعلى هداه وشرائعه ووصاياه، فلم يُغْنِ عنهم أحبارهم ولا رهبانهم ولا أموالهم، ولا غرورهم بما كانوا يزعمون من علومهم التي فرحوا بها، والتي بها حقَّروا رسالات الله وأبغضوها ومقتوها، فقد فعل الله بهم هذا العذاب، بتسخير الكلدانيين والآشوريين وغيرهم؛ تحقيقًا لوعده الذي لا يتخلف.
 
ولا تزال - ولن تزال - الذِّلة والصغار مكتوبين عليهم، ولازِمين لهم، إلى يوم القيامة، إلا بحبل من الله، لمن آمن منهم الإيمان العلمي الصادق، وتاب وأناب وعمل عملاً صالحًا، تنفيذًا لشرائع الله المرسَلة، المختتَمة برسالةِ مَن بشَّر به موسى وعيسى، وغيرهما من أنبياء الله، وأخذوا عليهم العهد بالإيمان به واتِّباعه وطاعته، ونصره وتعزيره، واتباع النور الذي أُنزِل معه - محمد رسول الله صل الله عليه وسلم، أو بحبل من الناس.
 
وإن ربك لبالمرصاد، وكان وعد الله مفعولاً، وكان حقًّا على الله نصر المؤمنين، الذين يحمون حِمَى رُسُل الله، وينصرونهم ويعزرونهم، ويعملون جاهدين لتعيش الإنسانية في سلام وأمن وعافية من مكايد الصهيونية الأثيمة التي يبغضها الله ويمقتها أشد المقت؛ لِما يعلم من عدائها له ولرسله، ولكل خير وطمأنينة يحبها الإنسان، لتبقى شمس رسالة الله مشرقة تهدي الإنسانية إلى الحياة الآمنة المطمئنة، والعيشة الرَّضِيَّة في الأولى والأخرى، والله عليم حكيم، رحمن رحيم.
 
والقرآن مليء بآياتِ توبيخِهم وتقبيح فِعَالهم، ومؤكد أن الله أعطاهم من النعم والإكرام كثيرًا، وآتاهم الملك والحكم، وجعل لهم دولة عظيمة دخلت مصر وملكتها، وملكت بلاد الآشوريين وغيرها، وامتحنهم الله بذلك وغيره ليشكروه، وليحسنوا فيما آتاهم، لكنهم كفروا أشد كفر وأطغاه وأشنعه، فسلط عليهم من جاسوا خلال ديارهم، وتبروها تتبيرًا، فأهلكوا كل شيء، وأخسروهم خسارًا كبيرًا؛ إذ قتلوا الرجال، وسَبَوا الذرية والنساء، وخربوا بيت المقدس، وبعد فترة من الزمان، امتحنهم الله، فردَّ لهم الكَرَّة عليهم، وأمدَّهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرًا؛ أي: أعطاهم من الصحة وقوة الأجسام وكثرة العدد والثراء والغنى لما جعل عدد جيشهم الذين ينفرون للحرب كثيرًا، يُظن أنهم يغلبون عدوهم، وذكرهم ما صنع بهم كفرُهم وبغيهم وفسوقُهم ومعاصيهم في الماضي، وحذرهم العاقبة الوخيمة.
 
وقال لهم: ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾؛ أي: إن أحسنتم أخذ النعمة - في الغنى والقوة وأسباب الملك، وفي الشرائع والوصايا - بقوة وحزم، وقصد جازم إلى الشكر والانتفاع، والاستقامة على السبيل السوِيّ الذي رسمه الله لكم، وتبتم عن فجوركم وبغيكم، وذكرتم ربكم بالتفكر والتأمل في آياته الكونية في الأنفس والآفاق، وبالتفقُّه والتدبر لرسالاته وطاعته، وتحري الاتباع لها، زكت نفوسكم، ورقّت قلوبكم، وكنتم خير الناس لأنفسكم وللناس، فمكَّن الله لكم في الأرض، ومَدَّ في نفوذ سلطانكم، وإلا فالله غني عنكم وعن أعمالكم، فلن تضروه بكفركم وإفسادكم في الأرض شيئًا، ولن تنفعوه بطاعتكم وإيمانكم، والله غني عن العالمين.
 
﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾؛ أي: كما أسأتم وأفسدتم في الأرض، فسيسلط الله عليكم من هو أقوى وأشد بطشًا، ويذيقكم من العذاب الدائم والذلة الملازمة، ما يسيء وجوهكم، ويكسوها الخزي والذلة والمقت، وهو الذي سماه في الآيات الأخرى: "خِزْي الدنيا"، ﴿ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾؛ يعني: يخربوا بلادكم، ويهلكوا دولتكم وسلطانكم أشد التخريب والإهلاك، فتخسرون كل شيء في الأولى والأخرى.
 
فلم يحسنوا الانتفاع بنعم الله، وفي أخذ شرائع الله، بل بغوا وطغوا، وفسقوا وعصوا، وأساؤوا أشد الإساءة، وأفسدوا في الأرض أشد الإفساد، كما وصف الله ذلك في كتابه، واتبعوا أهواءهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه، فازدادت قلوبهم قسوة، ونفوسهم رجسًا، فأخذهم الله بذنوبهم، وسلّط عليهم مرة أخرى مَن صَنع مثل صنيع الأولين وأشد.
 
ولا يزالون إلى اليوم وبعد اليوم في التَّبَار والذُّل والصَّغار؛ لأنهم لا يزالون أشد الناس إفسادًا في الأرض؛ فقد حاولوا قتل رسول الله صل الله عليه وسلم بإلقاء حجر رحى عليه من عَلُ - وكان ذلك سببَ غزوة بني النضير وإجلائهم - ثم سَمُّوه في خيبر، ثم في خلافة عمر رضي الله عنه، وأجلاهم عن جزيرة العرب، كونوا "الجمعية الباطنية" الإرهابية، برياسة كعب الأحبار، فاغتالت عمر رضي الله عنه، ثم ألَّبت على عثمان رضي الله عنه حتى قتلته، ثم أغرت بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما، حتى كانت وقعة صفين التي أريقت فيها دماء أربعين ألفًا من المسلمين، وشغلتهم عن الفتوح الإسلامية، ثم قتلت عليًّا، ثم ابنه الحسين، ثم عملت مع أبي مسلم الخراساني حتى قضت على الدولة الأموية العربية، وأتت بالعباسيين؛ لتكون الدولة في كفالة الفرس عبدة النيران، وفي حضانة الفلسفة الفارسية واليونانية؛ لتزيغ القلوب، بعد أن تُحجَب عنها شمس القرآن، ثم ما زالت تعمل جاهدة، حتى قضت على الخلافة العباسية بدسائس ابن العلقمي، الذي كان وزير آخر خليفة عباسي، وأحد أعضاء "الجمعية الباطنية"، ليملك التتار.
 
ومن قبل، ذهب فرعٌ منها إلى الغرب، فكانت دولة بني عبيد، الذين ادعوا أنهم فاطميون، وكذبوا؛ فما هم إلا يهود نسبًا، وعقيدة وعملاً، وحالاً وعَداءً للإنسانية، فضلاً عن الإسلام، بل كانوا أكفر من اليهود والنصارى، كما ذكر ذلك أبو بكر الباقلاني وغيره من محققي علماء المسلمين، وما زالت دولة العُبَيْدِيِّين تَقْوَى وتَقْوَى في غفلة الناس وجاهليتهم التقليدية وترَفِهم المفسِد، حتى ملكت مصر، وأقامت فيها دعوة الوثنية والإلحاد، الواضحة في "رسائل إخوان الصفا" وغيرها، وفيما أقامت من قباب على القبور، وموالد وأعياد لعبادة المقبورين، وأقامت من دور ومنابر تلعن فيها وعليها وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهما: الصديق رفيقه وأنيسه في الغار؛ أبا بكر، والفاروق الذي أعز الله به الإسلام؛ عمر، وتلعن الصِّدِّيقة ابنةَ الصِّدِّيق، التي نزل جبريل بصورتها في سَرَقَة من حرير للنبي صل الله عليه وسلم، وقال له: ((هذه زوجتك))، رضي الله عنها وعن أبيها وعن كل الصحابة.
 
وما زالت كفرياتهم باقية في أغلب البلاد، وفي بعضها لا تزال الألسنة والأقلام الكافرة الفاجرة الحاقدة على الإسلام تلعن الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وتعلن على المنابر أن عائشة رضي الله عنها الزانية، وقد برأها الله أعظم براءة، في آيات تُتلى في المحاريب، كفر بها أولئك الذين لا يلعنون إلا أنفسهم.
 
ثم وسَّعت "الجمعية الباطنية" دائرتها - بعد أن ظفرت بما ظفرت به في البلاد الإسلامية - فتسمَّت باسم "الجمعية الماسونية"، وأخذت تعمل جاهدة لإقامة الدولة الصهيونية؛ ببث أنواع الفساد، وأسباب العداء، بترويج الربا وأكل الأموال بالباطل، والصد عن سبيل الله، بين البشر شرقًا وغربًا، حتى أتيحت لها الفرصة، فأوقدت نار الحرب العالمية الأولى، وأمدتها بالحطب والوقود من خزائنها التي ملأتها من الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وأخذت منها "وعد بلفور" الفاجر، ثم عملت جاهدة حتى أوقدت الحرب الثانية، وأججتها وغذتها، حتى خرجت منها بتخريب وتقتيل آلاف الدور وملايين البشر، ما شفى غيظَها، وأرضى قلبها القاسي من الشعوب التي تمردت فلم تَدِن لإسرائيل بالعبودية.
 
وخرجت من هذه الحرب الثانية بإسرائيل التي لن تبقى، ولا بد أن تزول قريبًا، وتُطهَّر البلاد الإسلامية منها، وتكون القاضية على الصهيونية المفسدة في الأرض كلها، ويستريح العالم من شرورها وإفسادها، وإيقادها نار العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة الإنسانية، والله لا يحب المفسدين.
 
وقوله: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ﴾؛ أي: إنما عاملكم هذه المعاملة بعلمه وحكمته ورحمته؛ لعلكم تتعرضون - بالتوبة وتطهير القلوب من أسباب الشرور والفتن - لرحمته، وتتَّقُون غضبه وسخطه ولعنته، ولكنهم عادوا وعادوا، ولا يزال شأنهم قسوة القلوب وغِلظ الرقاب، يعتقدون زورًا وبهتانًا أنهم شعب الله المختار، وأنهم أحق الناس بالملك والسلطان، وأن مِن أشد الظلم لهم ألا تكون الأرض بمن فيها وما فيها مِلكًا لهم، حتى عاقبهم الله العقاب العادل الحكيم، وحكم عليها حكمًا أبديًّا لا نقض فيه ولا استثناء إلى يوم القيامة ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 167].
 
ولن يخلف الله وعده، ولو اجتمع الجن والإنس فلن يقدروا على نقض حكمه الذي تأذن به وأعلنه في أهل السماء والأرض، وأنهم لم يستطيعوا أن يضعوا أقدامهم المجرمة في أرض فلسطين، إلا نتيجةَ غفوةٍ من العرب والمسلمين، امتحانًا من الله وابتلاءً، وهو العليم الحكيم، وهم لا بد مستيقظون، بل استيقظوا، وأخذوا في أسباب القوة.
 
وها هي الأحداث هنا وهناك تؤكد أن حبلهم قد درس... ليستطيع الإنسان أن يهنأ بالعيش الآمن في سلام، ويطمئن في سِربه، وينام آمنًا في أهله، وتعُود العرب خيرَ أمة أُخرِجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، والله غالب على أمره، وإن جند الله لهم المفلحون، وإن حزب الصهيونية - حزب الشيطان - لَهُمُ الخاسرون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 9:59 pm

عقيدة اليهود في الإله من خلال العهد القديم

دراسة نقدية في ضوء القرآن الكريم



مفردات البحث:
• معنى الإله.
[b]• اسم الإله.[/b]
[b]• صفات الإله.[/b]
[b]• خوصية الإله.[/b]
[b]• التوحيد.[/b]
[b]• الوثنية.

اسم الإله عند اليهود:[/b]
إن المطلع على القرآن الكريم يجد لله سبحانه وتعالى أسماء كثيرة وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالحسن بقوله سبحانه : ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180] وجميعها تدل على صفات كمال لله سبحانه وتعالى، وجاء في السنة المطهرة قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)) ولا يعني ذلك حصرها في هذا العدد المحدد ، بل أسماؤه سبحانه ليست محصورة بعدد معين، ودل على ذلك قوله (صل الله عليه وسلم): ((أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك))، وإنما المراد بالحديث بيان شيء وما يترتب عليه من الأجر.

وأما عقيدة اليهود فقد انحرفت في أسماء الله كما انحرفت في جوانب أخرى من العقيدة ، فقد ورد في العهد القديم أسماء متعددة للإله في حين أن بعضاً منها يوحي بالخصوصية لهم، كما أن بعضها أيضاً يفيد المرحلة، بمعنى أنه اسم لله عرفوه في فترة من الزمن وقبل ذلك كان خافياً عنهم، والأسماء التي وردت هي:

الله:
تطالعنا الترجمة العربية من العهد ومن بداية الأسفار بتكرار الاسم (الله ) كثيراً ، وهو نفس الاسم الذي يرد أيضاً في القرآن الكريم. ويرى شندة إلى أن الاسم (ألوهيم ) هو الذي تم ترجمته إلى (الله) وهو لفظ في صيغة لكمع بالعبرية ، ومعناه الدقيق في تلك اللغة هو (الآلهة)[b][1] وذهب بعض الباحثين (سهيل ديب ) إلى أن هذا الاسم هو الذي أطلقه التعدديون الذين اعتبروا التوحيد إنما هو انصهار جميع الآلهة مع بعضها لتشكل إلهاً واحداً[2].

العلي:[/b]
جاء في المزامير ((لأنهم عصوا كلام الله وأهانوا مشورة العلي)) [المزمور 107 ، 11]. وفي صموئيل الثاني : ((أرعد الرب من السماوات والعلي أعطى صوته)) [اصح22، فق14] . 

[b]أدوني:
[/b]
منذ أواخر القرن الرابع قبل الميلاد رأى كهنة اليهود وعلماؤهم أنهم يرددون اسم (يهوه) في كثير من الاستهانة والاستهتار بما لا يليق بلفظ الجلالة ، فحرموا على الجميع النطق بهذا الاسم فلم يعد يحل لأحد أن ينطق به إلا رئيس الكهنة وحده أثناء الصلاة في الهيكل ، ومن ثم أصبحوا حين يريدون أن ينطقوا باسم الله يقولون (أدوني) أي السيد أو الرب، وهما اللفظان اللذان وردا في الترجمات العربية.

وقد نسب اليهود إلى اسم (أدوني ) بعض أسمائهم ، ومن ذلك (أدوني صادق ) [يشوع : 10/1] أي الرب عادل . و(أدونيا ) [صموئيل الثاني :3/4] أي (الرب هو الله) [b][3].

الرب:[/b]
جاء في المزامير : (( احمدوا الرب)) [المزمور: 107/ 1] .

[b]السيد 
[b]يرد هذا الاسم كثيراً في التوراة ، ومن ذلك ما جاء في سفر إشعيا : ((لذلك يقول السيد رب الجنود عزيز إسرائيل إني استريح من خصمائي وأنتقم من أعدائي)) [اصح1، فق24] . وما جاء في سفر الخروج : (( فقال موسى للرب استمع أيها السيد .. )) [اصح4، فق10]. ومن ذلك ما نقله ابن حزم من قولهم : ((وعند ذلك مجد موسى وبنو إسرائيل بهذه السورة وقالوا مجد بنا السيد فإنه يعظم ويشرف وأغرق في البحر الفرس وراكبه قوتي ومديحي للسيد وقد صار خلاصي هذا الهي أمجده واله أبي أعظمه السيد قاتل كالرجل القادر)) . وفي السفر الخامس ((اعلموا أن السيد إلهكم الذي هو نار أكول)) .

[b]القدير:
[/b][/b][/b]
جاء تسمية الله بالقدير ، كما في سفر أيوب : ((أإلى عمق الله تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي)) [صح11، فق 12].

يهوه:
هذا الاسم هو الذي يشغل حيزاً كثيراً عند الباحثين عند الحديث عن آلهة اليهود لما فيه من غموض وإشكال[b][4]، وقد ورد هذا الاسم بلفظ آخر من المادة نفسها في نفس النص بلفظ (أهية) كما في النص ((فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم * فقال الله لموسى أَهْيَهِ الذي أَهْيَهِ . وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهيه أرسلني إليكم * وقال الله أيضاً لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم هذا اسمي إلى الأبد))[5]. وهذه الكلمات بالعربية ليس لها معنى، وليست من أسماء الله سبحانه وتعالى ولا من صفاته، ولا تحمل معنىً حسناً يليق بالله سبحانه وتعالى. إلا أن زكي شنودة ذهب إلى أنه لفظ عبري معناه (الموجود) أو (الكائن) أو (الذي كان) لأنه مشتق من اللفظ العبري (هيه) أو (هوه) الذي يفيد الوجود أو الكينونة ، وقد أطلقت التوراة اسم (يهوه) على الله في المواضع التي اعتبرته فيها إله اليهود وحدهم ، وهو الذي أعلن نفسه بهذا الاسم لموسى، في حين أن هذا الاسم كان خافياً عنهم قبل ذلك[6].

وفسرها الدكتور عرفان عبد الحميد فتاح (أهيه الذي أهيه) بـ (أنا من أنا) وهذا المعنى لا يتناسب مع سياق الكلام؛ لأنه قال بعد ذلك: أهيه أرسلني إليكم . فدل على أن (أهيه) اسم . وقال : (يهوه) هو اسم الإله القومي لإسرائيل، إله الآباء الأول إبراهيم وبنوه، ونسبة إليه جاءت التسمية باليهودية [7].

كما تؤكد أن (يهوه) هو اسمه إلى الأبد بمعنى لا يدعى بغيره. ويحاول العقاد بيان اشتقاقه فيقول العقاد: (( إن اسم (يهوه) لا يعرف اشتقاقه على التحقيق، فيصح أنه من مادة الحياة، ويصح أنه نداء لضمير الغائب (يا هو) لأن موسى علَّم بني إسرائيل أن يتقوا ذكره توقيراً له، وأن يكتفوا بالإشارة إليه))[8].

ويرد هنا سؤال: أليس (يهوه) كلمة عبرية معناها (الله) باللغة العربية ؟ يجيب على هذا السؤال أحمد شلبي فيقول: ((إن الإجابة على هذا السؤال تجيء بالنفي القاطع؛ لأن الصفات التي ذكرها اليهود لـ(يهوه) تبعُدُ كل البعد عما يتصف به الإله عند أي جماعة من جماعات المتدينين، وتجعله هذه الصفات لا مرشداً ولا هادياً، وإنما تجعله يمثل انعكاساً لصفاتهم واتجاهاتهم … فهو ليس خالقاً لهم بل مخلوق لهم . وهو لا يأمرهم، بل يسير على هواهم، وكثيراً ما يأتمر بأمرهم، وفي يهوه صفات الحربية إن هم حاربوا، وصفات التدمير لأنهم مدمرون، وهو يأمرهم بالسرقة إن أرادوا أن يسرقوا، ويتعلم منهم ما يريدونه أن يعلم))[9].

وكان اليهود ينسبون إلى اسم (يهوه) أسماءهم أو أسماء مدنهم أو المواضع المقدسة لديهم ، فمن الأسماء (يهو ياداع ) [صموئيل الثاني: 8/18] أي الله يعرف . ومنها (يهو ياريب ) [أخبار الأيام الأول : 24/7] أي الله يحارب . ومنها 0يهوياقيم) [الملوك الثاني: 23/34] أي الله يقيم.

ومن أسماء مدنهم (يهوه شمة) [الخروج 48/35] أي: الله هناك.

ومن أسماء مذابحهم (يهوه شلوم) [القضاة : 6/24] أي: الله سلام .

ومن أسماء المواضع المقدسة لديهم (يهوه يرأه) [التكوين : 22/14] أي (الله يرى) ويختصرون أحياناً اسم (يهوه) في اول الاسم الذي ينسبونه إليه فيقولون (يوحنان) [الملوك الثاني : 25/23] أي (الله حنون) . و (يوصاداق) [عزرا: 3/2] أي (الله عادل). كما يختصرون الاسم في آخره فيقولون : (بناياهو) [صموئيل الثاني : 23/20] أي (الذي بناه الله)[10].

إيل:[/b]
هذا الاسم الذي كان معروفاً عند اليهود م قبل أن يعرفوا اسم (يهوه) الذي علمهم موسى إياه ، ومعناه بالعبرية (الله) ويقال أنها التسمية التي استخدمها الموحدون الحقيقيون.وستخدم هذا السم إيضاً في تسمياته المختلفة في الأشخاص والأماكم والمقدسات وغيرها ، فيضعونه أحياناً في أول الاسم وأحياناً أخرى في آخره ، ومن ذلك (أليداع) [صموئيل الثاني: 5/16] أي (من يعرف الله) . و(أليعازر) [تكوين: 15/2] أي (الله معين ) . و(إيل بريث) [قضاة : 9/46] أي (إله العهد).

وكانوا يضيفونه في آخر الاسم فيقولون (إسرائيل) [تكوين :32/28] أي (الذي جاهدمع الله . و (ميخائيل) [العدد : 13/13] أي ( من مثل الله) . و (جبرائيل) [دانيال :8/16] . أي (رجل الله) . و(بيت إيل ) [التكوين : 12/8] . أي بيت الله.


وربما اختصروا الاسم فقالوا (دانيال) [دانيال : 1/6] أي الله قضى . و(حزقيال) [حزقيال :1/3] أي (الله يقوى).

وكثيراً ما يرد الاسم مع صفة من صفات الله مثل (إيل عليون) أي كما جاء في الأصل العبري أي (الله العلي ) . و (إيل شداي) كما جاء في الأصل العبري كذلك ، أي (الله القدير ) [b][11]
.

إيلوهيم:[/b]
أي الآلهة بصيغة الجمع ، وهي الصيغة التي أطلقها التعدديون الذين اعتبروا أن التوحيد إنما هو انصهار جميع الآلهة مع بعضها لتشكل إلهاً واحداً ، وهذا هو الاسم الدارج عند اليهود اليوم .[12].

[b]الأول والآخر:
[/b]
من الأسماء التي وردت لله سبحانه وتعالى (الأول ) والآخر) كما في سفر إشعيا : ((هكذا يقول الرب .. أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري)) [اصح44، فق6] إلا هذين الاسمين يندر إطلاقهما على الله سبحانه وتعالى في العهد القديم .

وهذا الاسمان من الأسماء التي جاء القرآن الكريم بإثباتها ، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3].

[b]الاعتقاد بوجود عدة آلهة مع الله:
[/b]
انحرف مفهوم التوحيد عند اليهود في كتبهم المحرفة ، فتجد الحديث أحياناً عن إله واحد ، وأحياناً أخرى عن آلهة متعددة ، ومن ذلك نسبتهم إلى الله قوله : هذا آدم قد صار كواحد منا في معرفة الخير والشر والان كيلا يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة ويأكل ويحيى إلى الدهر فطرده الله من جنات عدن.

قال ابن حزم في رده عليهم : حكايتهم عن الله تعالى أنه قال هذا : (( آدم قد صار كواحد منا )) مصيبة من مصائب الدهر وموجب ضرورة أنهم آلهة أكثر من واحد ولقد أدى هذا القول الخبيث المفتري كثيرا من خواص اليهود إلى الإعتقاد أن الذي خلق آدم لم يكن إلا خلقا خلقه الله تعالى قبل آدم وأكل من الشجرة التي أكل منها آدم فعرف الخير والشر ثم أكل من شجرة الحياة فصار إلهاً من جملة الآلهة نعوذ بالله من هذا الكفر الأحمق ونحمده إذ هدانا للملة الزهراء الواضحة التي تشهد سلامتها من كل دخل بأنها من عند الله تعالى . (الفصل 1/207 ).

وفي موضع آخر : في المزمور الرابع والأربعين : ((عرشك يا الله في العالم وفي الأبد قضيت العدل قضيت ملكك أحببت الصلاح وأبغضت المكروه من أجل ذلك دهنك الهك بزيت الفرح بين أشراكك   قال أبو محمد رضي الله عنه هذه سوءة الأبد ومضيعة الدهر وقاصمة الظهر وإثبات إله آخر على الله تعالى دهنه بالزيت إكراما له ومجازاة له على محبته الصلاح وإثبات إشراك لله تعالى وهذا دين النصارى بلا مؤنة ولكن إثبات إله دون الله وقد ظهر عند اليهود هذا علانية . (الفصل 1/307).

ويذكرون رباً مع الله ، ففي المزمور الموفى مائة وسبعا[b][13] قال الرب لربي أقعد على يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك . قال أبو محمد رضي الله عنه هذا كالذي قبله في الجنون والكفر ورب فوق رب ورب يقعد عن يمين رب ورب يحكم على رب ونعوذ بالله من الخذلان (الفصل 1/307).

وفي من المزمور الحادي والثمانين قام الله في مجتمع الآلهة وقف إله العزة في وسطهم يقضي وهذه حماقة ممزوجة بكفر سمج مجتمع الألهة وقيام الله بينهم ووقوفه في وسط أصحابه ما شاء الله كان إلا أن هذا أخبث من قول النصارى لأن الآلهة عند النصارى من ثلاثة وهم عند هؤلاء السفلة الأرذال جماعة ونعوذ بالله من الخذلان . (الفصل 1/307).

دعوى الخصوصية:[/b]
يزعم اليهود في كتبهم الحرفة أن الله خاص بهم دون غيرهم ، جاء في سفر الخروج: ((فقال الرب إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم فنـزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة. إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً إلى مكان الكنعانيين [b][14] والحثيين [15] والأموريين [16] … والآن هو ذا صراخ بني إسرائيل قد أتى إلي ورأيت أيضاً الضيقة التي يضايقهم بها المصريون * فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر )[17].

وجاء أيضاً في السفر نفسه : ((وبعد ذلك دخل موسى وهارون وقالا لفرعون هكذا يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبي ليعبدوا لي في البرية … ))[18]
[/b]

. وفي موضع آخر ((فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون فتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر)) [b][19]
. وهذكذا نجد التوراة في مواضع كثيرة تؤكد على هذا المعنى .

وجاء القرآن الكريم مشيراً إلى هذا التخصيص عندهم بقوله تعالى : ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 80].

يقول تعالى إخبارًا عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم من أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ثم ينجون منها فرد الله عليهم ذلك بقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا ﴾ [البقرة: 80] أي بذلك فإن كان قد وقع عهد فهو لا يخلف عهده ولكن هذا ما جرى ولا كان ولهذا أتى بأم التي بمعنى بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه. قال محمد بن إسحق بن سيف عن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار وإنما هي سبعة أيام معدودة فأنزل الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾  [البقرة: 80] إلى قوله: ﴿ خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 81] ثم رواه عن محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس بنحوه وقال العوفي عن ابن عباس ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾[b] [البقرة: 80] 
اليهود قالوا: لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة زاد غيره وهي مدة عبادتهم العجل وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة وقال الضحاك قال ابن عباس زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم التي هي ثابتة في أصل الجحيم وقال أعداء الله إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك. فذلك قوله تعالى "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" وقال: عبدالرزاق عن معمر عن قتادة "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" يعني الأيام التي عبدنا فيها العجل وقال عكرمة خاصمت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لن ندخل النار إلا أربعين ليلة وسيخلفنا فيها قوم آخرون يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم فقال رسول الله - صل الله عليه وسلم - بيده على رءوسهم " بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم فيها أحد " فأنزل الله عز وجل ﴿ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ﴾  [البقرة: 80] الآية. (تفسير القرآن العظيم).[/b][/b]




[1] اليهودية ، زكي شنودة ص 292 .
[2] التوراة بين الوثنية والتوحيد ، سهيل ديب ص 223 .
[3] اليهودية ، زكي شنودة ص 394 .
[4] انظر على سبيل المثال : التوراة بين الوثنية والتوحيد ، سهيل ديب ص 223 وما بعدها .
[5] سفر الخروج 3/13-15 .
[6] اليهودية ، زكي شنودة ص 293 .
[7] اليهودية : عرض وتاريخ ص 22 ، 31 .
[8] الله ص 113 .
[9] اليهودية ص 189، 190 .
[10] اليهودية ، زكي شنوده ص 393، 394.
[11] انظر : اليهودية ، زكي شنوده ص 394 ، 395 .
[12] الدكتور محمد أحمد الحاج ، مقدمة هداية الحيارى ص 205 .
[13] في الترجمة العربية في المزمور 110 .
[14] كان مسكن الكنعانيين من بحيرة طبريا إلى البحر الأبيض من الغرب، وكانت حكومتهم من أقوى الحكومات في أرض فلسطين عند دخول بني إسرائيل فيها . (الأعظمي، اليهودية والمسيحية ص 18 . وانظر: عمر رضا كحالة، معجم قبائل العرب 3/1001) .
[15] من الشعوب الهندوأوربية القديمة، كانت مملكتهم من شمال سوريا إلى البحر الأبيض المتوسط إلى جبال لبنان. (الأعظمي، اليهودية والمسيحية ص 18
[16] الأموريون نزحوا في القرن الثلاثين قبل الميلاد من جنوب غربي آسيا واستولوا على بابل . كما استولوا على أجزاء من من سوريا وفلسطين، وقبل خروج بني إسرائيل من مصر افتتحوا ما وراء الأردن من نهر أرنون في الجنوب إلى جبل جرمان في الشمال . (الأعظمي، اليهودية والمسيحية ص 18) .
[17] سفر الخروج 3/1-10 .
[18] سفر الخروج 5/1-5
[19] سفر الخروج 3/10.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 10:00 pm

فِرَق اليهود



العنانية (القراؤون):
نُسبوا إلى رجل يقال له: عنان بن داود من بغداد في أواخر القرن الثامن بعد الميلاد، على عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور (754-775)؛ أي: بعد موسى عليه السلام بنحو عشرين قرنًا، ومعنى القراؤون أي المتمسكون بالكتاب وحده، ولا يزال لهذه الفرقة أتباع كثيرون في الوقت الحاضر.

عقائدهم:
1- التمسُّك بما جاء في أسفار العهد القديم.
2- عدم الاعتراف بتعاليم اليهود.
3- عدم الاعتراف بسلطة الحاخامات.
4- يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد.
5- ينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد، يذبحون الحيوان على القفا.
6- يُصدقون عيسى عليه السلام في مواعظه وإشاراته، ويقولون: إنه لم يخالف التوراة البتة؛ بل قرَّرها ودعا الناس إليها، وهو مِن بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة، ومِن المُستجيبين لموسى عليه السلام؛ إلا أنهم لا يقولون بنبوَّته ورسالته.
7- ومِن هؤلاء مَن يقول: إنَّ عيسى عليه السلام لم يدَّعِ أنه نبيٌّ مُرسَل، وليس مِن بني إسرائيل، وليس هو صاحب شريعة ناسخة لشريعة موسى عليه السلام؛ بل هو مِن أولياء الله المخلصين العارفين بأحكام التوراة، وليس الإنجيل كتابًا أُنزِل عليه وحيًا مِن الله تعالى؛ بل هو جمع أحواله مِن مبدئه إلى كماله، وإنما جمعَه أربعةٌ مِن أصحابه الحواريين؛ فكيف يكون كتابًا منزلًا؟! قالوا: واليهود ظلموه حيث كذَّبوه أولا ولم يعْرفوا بَعْدُ دعْواه، وقتلوه آخرًا ولم يعْلموا بعد محله ومغزاه. وقد ورد في التوراة ذكر "المشيحا" في مواضع كثيرة، وذلك هو المسيح، ولكن لم ترِد له النبوة ولا الشريعة الناسخة، وورد "فارقليط" وهو الرجل العالم، وكذلك ورد ذكره في الإنجيل فوجب حمْله على ما وُجد، وعلى مَن ادَّعى غيرَ ذلك تحقيقه وحده.

العيسوية:
نُسبوا إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، وقيل: إن اسمه: عوفيد الوهيم؛ أي: عابد الله، كان في زمن المنصور، وابتدأ دعوته في زمن آخِر ملوك بني أمية مروان بن محمد الحمار، فاتبعَه بشرٌ كثير من اليهود.

معتقداتهم:
1- نَسبوا إلى أبي عيسى آيات ومعجزات، وزعموا أنه لما حُورب خَطَّ على أصحابه خطًّا بعُود آس، وقال: أقيموا في هذا الخط فليس ينالكم عدوٌّ بسلاح. فكان العدوُّ يَحْملون عليهم حتى إذا بلغوا الخط رجعوا عنهم خوفًا مِن طلسم أو عزيمة ربما وضعها، ثم إن أبا عيسى خرج من الخط وحْده على فرسه، فقاتل وقَتَل مِن المسلمين كثيرًا، وذهب إلى أصحاب موسى بن عمران الذين هم وراء النهر المرمل؛ ليُسمِعهم كلام الله. وقيل: إنه لما حارب أصحاب المنصور بالري قُتل وقُتل أصحابه.

2- وهم يقولون بنبوَّة عيسى بن مريم، ومحمد صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إن عيسى بَعَثَه اللهُ عز وجل إلى بني إسرائيل على ما جاء في الإنجيل، وأنه أحدُ أنبياء بني إسرائيل، ويقولون: إن محمدًا صل الله عليه وسلم نبي أرسله الله تعالى بشرائع القرآن إلى بني إسماعيل عليهم السلام، وإلى سائر العرب، كما كان أيوب نبيًّا في بني عيص، وكما كان بلعام نبيًّا في بني موآب بإقرار مِن جميع فِرَق اليهود.

3- زعم أبو عيسى أنه نبي، وأنه رسول المسيح المنتظر.

4- زعم أن للمسيح خمسةً مِن الرسل يأتون قبْله واحدًا بعْد واحد.

5- زعم أن الله تعالى كلَّمه، وكلَّفه أن يخلِّص بني إسرائيل مِن أيدي الأمم العاصين، والملوك الظالمين.

6- زعم أن المسيح أفضل ولد آدم، وأنه أعلى منزلة مِن الأنبياء الماضين، وإذ هو رسولُه فهو أفضل الكل أيضًا، وكان يجب تصديق المسيح، ويعظم دعوة الداعي، ويزعم أيضًا أن الداعي هو المسيح.

7- حرَّم في كتابه الذبائح كلها، ونهى على أكل كُلِّ ذي روح على الإطلاق طيرًا كان أو بهيمة.

8- أوجب عشر صلوات، وأمر أصحابها بإقامتها، وذكر أوقاتها.

9- خالف اليهود في كثير مِن أحكام الشريعة الكثيرة المذكورة في التوراة، وتوراة الناس هي التي جمعها ثلاثون حبرًا لبعض ملوك الروم حتى لا يتصرف فيها كل جاهل بمواضع أحكامها. والله الموفق.

المقاربة واليوذعانية:
نُسبوا إلى يوذعان مِن همدان، وقيل: كان اسمه يهوذا، كان يحثُّ على الزهد، وتكثير الصلاة.

معتقداتهم:
1- كان يوذعان ينهى عن اللحوم والأنبذة.

2- وفيما نقل عنه تعظيم أمر الداعي.

3- وكان يزعم أن للتوراة ظاهرًا وباطنًا، وتنزيلًا وتأويلًا، وخالف بتأويلاته عامة اليهود.

4- وخالفهم في التشبيه.

5- مال إلى القدَر، وأثبَت الفعل حقيقة للعبد، وقدَّر الثواب والعقاب عليه، وشدَّد في ذلك.

6- ومنهم الموشكانية؛ أصحاب موشكان، كان على مذهب يوذعان، غير أنه كان يوجب الخروج على مخالفيه، ونصب القتال معهم، فخرج في تسعة عشر رجلًا فقُتل بناحية قم.

7- وذُكر عن جماعة من الموشكانية أنهم أثبتوا نبوَّة المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام الى العرب، وسائرِ الناس سوى اليهود؛ لأنهم أهل ملَّة وكتاب.

8- وزعمتْ فرقة مِن المقاربة أن الله تعالى خاطب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بواسطة ملَك اختاره، وقدَّمه على جميع الخلائق، واستخلفه عليهم، وقالوا: كل ما في التوراة، وسائر الكتب مِن وصف الله تعالى فهو خبرٌ عن ذلك الملَك، وإلا فلا يجوز أن يوصف الله تعالى بوصف، قالوا: وإن الذي كلَّم موسى عليه السلام تكليمًا هو ذلك الملَك، والشجرة المذكورة في التوراة هو ذلك الملَك، ويتعالى الرب تعالى أن يكلِّم بَشَرًا تكليمًا، وحمل جميع ما ورد في التوراة مِن طلب الرؤية، ومشافهة الله، وجاء الله، وطلع الله في السحاب، وكتَب التوراة بيده، واستوى على العرش استقرارًا، وله صورة آدم وشعر قطط ووفرة سوداء، وأنه بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وأنه ضحك الجبار حتى بدتْ نواجذه... إلى غير ذلك على ذلك الملَك، قال: ويجوز في العادة أن يبعث ملَكا روحانيًّا مِن جملة خواصِّه، ويُلقي عليه اسمه، ويقول: هذا هو رسولي، ومكانه فيكم مكاني، وقوله قولي، وأمره أمري، وظهوره عليكم ظهوري.

كذلك يكون حال ذلك الملَك، وقيل: إن أرنوس حيث قال في المسيح: إنه هو الله، وإنه صفوة العالم أخذ قوله مِن هؤلاء، وكانوا قبل أرنوس بأربعمائة سنة، وهم أصحاب زهد وتقشُّف، وقيل: صاحب هذه المقالة هو بنيامين النهاوندي وقرر لهم هذا المذهب، وأعلَمَهم أن الآيات المتشابهات في التوراة كلها مؤولة، وأنه - تعالى - لا يوصف بأوصاف البشر، ولا يشبه شيئًا مِن المخلوقات، ولا يشبه شيئًا منها، وأن المراد بهذه الكلمات الواردة في التوراة ذلك الملَك العظيم، وهذا كما يحمل في القرآن المجيء والإتيان على إتيان ملَك من الملائكة، وهو كما قال تعالى في حق مريم عليها السلام: ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ﴾ [الأنبياء: 91]، وفي موضع آخر: ﴿ فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ﴾ [التحريم: 12]، وإنما النافخ جبريل عليه السلام حين تمثَّل لها بشَرًا سويًّا ليهَبَ لها غلامًا زكيًّا.

السامرة:
السامرية، وهم يقولون: إن مدينة القدس هي نابلس، وهي من بيت المقدس على ثمانية عشر ميلًا، ولا يعرفون حرمة لبيت المقدس، ولا يعظِّمونه، ولهم توراة غير التوراة التي بأيدي سائر اليهود، ويتقشَّفون في الطهارة أكثر مِن تقشُّف سائر اليهود.

معتقداتهم:
1- أثبتوا نبوَّة موسى وهارون ويوشع بن نون عليهم السلام، وأنكروا نبوة مَن بَعدَهم مِن الأنبياء إلا نبيًّا واحدًا، وقالوا: التوراة ما بشَّرَت إلا بنبيٍّ واحدٍ يأتي من بعد موسى يُصدِّق ما بين يديه من التوراة، ويحكُمُ بحكمها ولا يخالفها البتة.

2- ظهر في السامرة رجل يقال له: الألفان، ادَّعَى النبوة، وزعم أنه هو الذي بشَّرَ به موسى عليه السلام، وأنه هو الكوكب الدري الذي ورد في التوراة أنه يضيء ضوء القمر، وكان ظهوره قبل المسيح عليه السلام بقريب من مائة سنة.

3- افترقت السامرة الى دوستانية وهم الألفانية، وإلى كوستانية، والدوستانية معناها: الفرقة المتفرقة الكاذبة، والكوستانية معناها: الجماعة الصادقة، وهم يُقِرُّون بالآخرة والثواب والعقاب فيها، والدوستانية تزعم أن الثواب والعقاب في الدنيا (أي: لا يقرُّون بالبعث)، وبين الفريقين اختلاف في الأحكام والشرائع.

4- قبلة السامرة جبل يقال له: غريزيم، بين بيت المقدس ونابلس.

5- وهم بالشام لا يستحلون الخروج عنها.

6- قالوا: إن الله تعالى أمر داود أن يبني بيت المقدس بجبل نابلس، وهو الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، وتحول داود إلى إيلياء وبنى البيت ثمَّة، وخالف الأمر فظلم، والسامرة توجهوا إلى تلك القبلة دون سائر اليهود، ولغتهم غير لغة اليهود.

7- زعموا أن التوراة كانت بلسانهم وهي قريبة من العبرانية، فنُقلت إلى السريانية.

قال ابن حزم: بأيدي السامرية توراة غير التوراة التي بأيدي سائر اليهود، يزعمون أنها المنزلة، ويقطعون أن التي بأيدي اليهود محرفة مبدلة، وسائر اليهود يقولون: إن التي بأيدي السامرية محرفة مبدلة، ولم يقع إلينا توراة السامرية لأنهم لا يستحلون الخروج عن فلسطين والأردن أصلًا؛ إلا أننا قد أتينا ببرهان ضروري على أن التوراة التي بأيدي السامرية أيضًا محرفة مبدلة.

الصدوقية:
نسبوا إلى رجل يقال له: صدوق، وهو الكاهن الأعظم الذي كان في عهد سليمان، وأتباعها من المثقفين وطبقة الأغنياء.

عقائدهم:
1- يقولون من بين سائر اليهود: إن العزير هو ابن الله - تعالى الله عن ذلك.
2- لا تؤمن بالبعث والآخرة والحساب والجنة والنار، وترى أن الدنيا هي دار العمل وهي دار الجزاء، وأن النفس تموت مع الجسد.
3- تنكر وجود الملائكة والأرواح والشياطين والعالم الآخر.
4- تنكر القضاء والقدر وتؤمن بحرية الإنسان.
5- تنكر ظهور المسيح ولا تنتظره.
6- تؤمن بأسفار العهد القديم ولا ترى لها القدسية المطلقة، وتنكر الإيمان بالتلمود وتعاليمه.

الربانيون (الفريسيون):
يقسِّم ابن القيِّم اليهود إجمالاً إلى فرقتين: قراؤون وربانيون؛ فالربانيون هم أكثر عددًا وفيهم الحخاميم الكذابون على الله، الذين زعموا أن الله كان يخاطب جميعهم في كل مسألة بالصوت الذي يسمونه بث قول، وهذه الطائفة أشد اليهود عداوةً لغيرهم من الأمم، فإن الحخاميم أوهموهم بأن الذبائح لا يحل منها إلا ما كان على الشروط التي ذكروها، فإن سائر الأمم لا تعرف هذا، وأنه شيء خُصُّوا به وميزوا به عمَّن سِواهم، وأن الله شرَّفهم به كرامة لهم؛ فصار الواحد منهم ينظر إلى مَن ليس على نِحلته كما ينظر إلى الدابة، وينظر إلى ذبائحه كما ينظر إلى الميتة.

وأما القراؤون فأكثرهم خرجوا إلى دين الإسلام، ونفَعهم تمسُّكهم بالظواهر، وعدم تحريفها إلى أن لم يبق منهم إلا القليل؛ لأنهم أقرب استعدادًا لقبول الإسلام لأمرين: أحدهما إساءة ظنهم بالفقهاء الكذابين المفترين على الله، وطعنهم عليهم. الثاني تمسُّكهم بالظواهر وعدم تحريفها وإبطال معانيها.

وأما أولئك الربانيون فإن فقهاءهم وحخاميمهم حُصِروا في مثل سم الخياط بما وضعوا لهم مِن التشديدات والآصار والأغلال، المضافة إلى الآصار والأغلال التي شرعها الله عقوبة لهم، وكان لهم في ذلك مقاصد، منها: أنهم قصدوا بذلك مبالغتهم في مضادة مذاهب الأمم حتى لا يختلطوا بهم، فيؤدي اختلاطهم بهم إلى موافقتهم والخروج من السبت واليهودية. القصد الثاني: أن اليهود مبدون في شرق الأرض وغربها وجنوبها كما قال تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 168].

فهذه أشهَر فِرقهم هم الكبار، وانشعبتْ منهم الفِرق إلى إحدى وسبعين فرقة، وهم بأسرهم أجمعوا على أن في التوراة بشارة بواحد بعد موسى، وإنما افتراقهم إما في تعيين ذلك الواحد، أو في الزيادة على ذلك الواحد، وذكر المشيحا وآثاره ظاهر في الأسفار، وخروج واحد في آخر الزمان هو الكوكب المضيء الذي تشرق الأرض بنوره أيضًا متَّفق عليه، واليهود على انتظاره، والسبت يوم ذلك الرجل، وهو يوم الاستواء بعد الخلق، وقد اجتمعت اليهود عن آخرهم على أن الله تعالى لما فرغ مِن خلق السموات والأرض استوى على عرشه، مستلقيًا على قفاه، واضعًا إحدى رجليه على الأخرى، وقالت فرقة منهم: إن ستة الأيام التي خلق الله تعالى فيها السموات والأرض هي ستة آلاف سنة؛ فإن يومًا عند الله كألف سنة مما تعدون بالسير القمري، وذلك هو ما مضى مِن لدُن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، وبه يتمُّ الخلق، ثم إذا بلغ الخَلق إلى النهاية ابتداء الأمر، ومِن ابتداء الأمر يكون الاستواء على العرش، والفراغ مِن الخلق، وليس ذلك أمرًا كان ومضى؛ بل هو في المستقبل إذا عددنا الأيام بالألوف.

الفرق الحديثة:
ذكر حسن ظاظا في كتابه (الفكر الديني اليهودي) عددًا مِن الفِرق اليهودية، منها القديم والحديث، وهي على النحو التالي:
1- السامرة.
2- الفريزيون.
3- الصدوقيون.
4- العنانيون.
5- الأسينيين.
6- الأبنيون.
7- الغنوصيون.
 
8- اليودجانية: وهي فرقة نشأت على عهد الدولة الأموية، على يد مؤسسها يودجان الذي ادعى النبوة.
9- القراؤون.
10- المارانوس: ظهرت في أسبانيا والبرتغال منذ القرن الخامس عشر الميلادي.
 
11- الدونمة أو الدومنة؛ وهي كلمة تركية عامية مركبة من (دو) أي اثنين، و (نمة أو منة) أي نوع، وهي الفِرقة القائمة على أصلين: يهودي وإسلامي. وقد لجأت هذه الفرقة إلى تركيا بعد الاضطهاد الذي حصل على اليهود من الأوربيون.
 
12- الإصلاحيون: الريفورميست، ظهرت في القرن الثامن عشر مضادة لفِرقة الحسيديم، وهم اليهود المتصوِّفة.
 
13- الفلاشه: طائفة صغيرة تعيش في الحبشة، نُقلوا سِرًّا إلى فلسطين، ويتبعون الشريعة الموسوية بصفة خاصة.
 
14- بنو إسرائيل: فرقة تعيش في الهند.
 
15- الحسيديم (لم يذكرها حسن ظاظا): فرقة ظهرت في القرن الثامن عشر الميلادي، والمقصود بها: (التقي) (المخلص للدين...) وهم مِن اليهود الأرثوذكس؛ إلا أنهم يختلفون عنهم في الممارسات الدينية والعادات والتقاليد، وهم ينقسمون إلى مجموعات لكل مجموعة مرشد ديني يسمى: (صديق)، وهم اليوم في أمريكا وإسرائيل، وبدأت هجرتهم إلى فلسطين في القرن الثامن عشر، ولهم مستوطنات خاصة بهم ككفر حسيديم، وينقسمون إلى فِرق متعددة مثل: بلز، بوباو، غر، اللوبافتش، الستمار. والستمار لا يشاهدون التلفزيون، ولا يقنونه حتى الراديو لا يسمعونه، ويقولون: إنه يسمع أصواتًا لا تشجع على عبادة الله. وهم في هذا متناقضون فهم يرقصون ويغنون وهذا عندهم من العبادة.

وهناك تقسم آخر لليهود إلى قسمين:
1- الإشكيناز (اليهود الغربيون).
2- السفرديم (اليهود الغربيون).

الأحزاب السياسية الإسرائيلية:
راجع كتاب "الأحزاب السياسية في إسرائيل" عرض وتحليل، هاني عبد الله.
وكذلك كتاب "الأحزاب والحكم في إسرائيل" غازي السعدي، وفيه:
1- خارطة التجمع العمالي (المعراخ) ص 249.
2- خارطة حزب الليكود ص 278.
3- خارطة الأحزاب الدينية ص 314.
4- ثم بعد ذلك ذكر كتل وأحزاب سياسية أخرى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 10:01 pm

صفات اليهود

 
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله، وأشْهُد أن لا إله إلَّا الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله.
وبعدُ:
قال تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: 82].
فأَخبَر جلَّ وعلا أنَّ اليهود من أشد الناس عداوة وحربًا على المسلمين، كما أخبر أنهم يُشعلون الفتن والحروب ضد المسلمين؛ قال تعالى: ﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64].
 
واليهود لم يَسلَمْ مِن شرِّهم أحدٌ؛ بل إنَّهم تطاوَلوا على ربِّ العالمين سبحانه فقالوا بأنَّ لله الولد؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30].
 
ومنها قولهم: إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنِياء؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: 181].
 
وبهذه الأقوال الكفريَّة الشَّنيعة وغيرها من الأعمال؛ كالكذِب على الله، والصَّدِّ عن سبيلِه، استحقُّوا غضَب الله ولعْنته إلى يوم القيامة، وجعَل اللهُ منهم القِرَدة والخنازير عقوبةً لهم؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ﴾ [المائدة: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ [الأعراف: 167].
 
وقد اشتُهِر اليهود بصِفاتٍ ذميمة، ذَكَرها اللهُ في كتابِه عنهم، وهذه الصِّفات متأصِّلة في جميع اليهود إلى يوم القيامة، وعلى المسلم أن يكون على حذَرٍ منها.
 
فمنها: الغدْر والخيانة، ونقْض العُهُود والمواثيق؛ قال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 13]، والتَّاريخ يشهد بنقضهم العهود والمواثيق؛ فقد نقضوا العهد مع رسولِ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم، وحاوَلوا قتْلَه أكثرَ مِن مرَّة، وفي آخرِها وضعوا له السُّمَّ في الشَّاة، وقدَّموها هديَّة، فمضغ منها مضغة، ثمَّ مكث يُعاني سنوات عديدة مِن هذا السُّمّ[1].
 
وما يحصُل لإخوانِنا في فِلَسْطين أكبرُ شاهدٍ على نقْض العهود، واليهود لا تنفع معهم العهود والمواثيق والاتِّفاقيات، وإنَّما يَعرفون لغةَ الشِّدَّة والقوَّة؛ ولذلِك لمَّا نقضوا العهد مع النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم حاصرَهم عليْه الصَّلاة والسَّلام، ونزَلوا على حُكْم سعدٍ، فأَمَر أن تُقْتَل المقاتِلة، وأن تُسْبَى النِّساء والذُّريَّة، وأن تُقسم الأموال؛ فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((لقدْ حكمْتَ فيهِم بِحُكم الملك))[2].
 
ومن صفاتهم الذَّميمة: أنَّهم قتَلَة الأنبياء عليْهِم السَّلام؛ فقد قتلوا يحيى وزكريَّا وغيرَهُما مِن الأنبياء والمرسلين؛ قال تعالى: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 112]، روى الإمام أحمد في مسنده، من حديث عبد الله بن مسعود رضِي اللَّه عنْه؛ أن النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: ((أشدُّ النَّاس عذابًا يوم القيامة رجُل قتلَه نبيٌّ، أو قَتل نبيًّا))[3].
 
ومن صفاتِهم الذَّميمة: عصيانُهم لله، واعتِداؤهم على الخلْق، وأنَّهم لا يَتناهَون عن المنكرات فيما بينهم؛ قال تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].
 
ومنها: أكْل أمْوال النَّاس بالباطل؛ قال تعالى: ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 62، 63]؛ ولذلِك يَحرص اليهود على السَّيطرة على البنوك والاقتِصاد العالمي؛ ليتحكَّموا في مصير الأُمَم والشعوب.
 
ومنها: كِتْمان العِلْم الَّذي أَمَرَهم الله بتبليغه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187]، فأَخبَر جلَّ وعلا أنَّهم يكْتُمون العِلم اغتياظًا من إظهاره بعرَض الدنيا الزَّائل.
 
ومنها: الحسَد؛ قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].
 
ومنها: الجبن الشَّديد من مقاتلة المسْلمين في ساحات المعارك؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحشر: 14]، وقال تعالى: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [آل عمران: 111]، قال ابن كثير: (وهكذا وقع؛ فإنَّهم يومَ خيبر أذلَّهم الله وأرْغَمَ آنافهم، وكذلك مَن قبلهم مِن يهود المدينة: بني قينقاع، وبني النَّضير، وبني قُرَيظة، كلَّهم أذلَّهم الله)[4]؛ اهـ.
 
وأكبر شاهدٍ على ذلك من الواقِع أنَّك تُشاهد الطِّفل الفِلَسطيني ومعه الحجَر، يُقابِل الجنديَّ اليهوديَّ المدجَّج بالسِّلاح، وهو يفرُّ هاربًا منه خوفًا على حياتِه.
 
ومن صفاتِهم الذَّميمة:
نشْر الفساد في الأرْض؛ ينشُرون المخدِّرات والمسْكرات، ويُشيعون الفواحش والرَّذائل في أوْساط الشُّعوب، فهم تجَّار الرَّذيلة، وسماسِرة البغاء، ويسيْطِرون على الإعْلام بقنواته الفضائيَّة المتعدِّدة، الَّتي تَنشر الأفلام الإباحيَّة الخليعة، وتنشر كذلك الكُفر والإلحاد، وتُشكِّك المسلِمين في عقيدتِهم ودِينهم، فهم يَسعَون إلى الإفساد في الأرْض بكلِّ وسيلة يَملكونَها، وصدَق الله إذ يقول: ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64].
 
ومنها: أنَّهم من أحْرصِ النَّاس على الحياة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 94 - 96].
 
ومعنى الآيات:
أي: "إنْ كنتم تعتقِدون أنَّكم أولياء لله مِن دون النَّاس، وأنَّكم أبناء الله وأحبَّاؤه، وأنَّكم من أهل الجَنَّة ومَن عداكُم مِن أهل النَّار، فباهِلوا على ذلك وادَّعوا على الكاذبين منكم أو مِن غيركم، واعلموا أنَّ المباهلة تستأْصِل الكاذب لا مَحالة، فلمَّا تيقَّنوا ذلك وعرفوا صِدْقَه، نكلوا عن المباهلة؛ لِما يعْلمون مِن كذِبِهم وافتِرائهم وكتْمانهم الحقَّ مِن صفة الرَّسول صلَّى الله عليْه وسلَّم ونعْتِه كما يعرفون أبناءَهم، وسمِّيت هذه المباهلة تمنِّيًا؛ لأنَّ كلَّ محقٍّ يودُّ لو أَهلَك اللهُ المبطلَ المناظرَ له، وكانت المباهلة بالموْت؛ لأنَّ الحياة عندهم عزيزة عظيمة؛ لما يَعلمون مِن سوء مآلِهم بعد الموت، وهم أحْرَص مِنَ المشركين الَّذين لا كتاب لهم، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة"[5].
 
قال ابن عبَّاس رضي الله عنْهما: (لو تمنَّوُا الموتَ لَشَرِقَ أحدُهم بِريقِه)، وقال أيضًا: (لو تمنَّى اليهودُ الموتَ لماتوا)[6].
ومنها: البُخل: فهم قاتَلَهم الله اتَّهَموا اللهَ بالبُخل، فعندما نزل قول الله تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، قالوا: يا محمَّد، افتقَر ربُّك فسأل عبادَه القرْض؟! فعاقبهم الله بنفْس الصِّفة الذَّميمة الَّتي اتَّهموه بها؛ قال تعالى: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 64]؛ لذلك فاليهودُ مِنْ أشدِّ الناس بخلًا، وأقلِّهم إنْفاقًا وبذْلًا.
 
ومنها: صفة الذُّل؛ قال تعالى: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 112]، قال ابنُ جرير الطَّبري: (أُلْزِمَ اليهودُ المكذِّبون لمُحمَّد صلَّى الله عليْه وسلَّم الذلة أيْنما كانوا مِن الأرْض، وبأيِّ مكانٍ كانوا مِن بِقاعِها مِن بلاد المسلمين والمشركين، ﴿ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾؛ أي: بعهْد مِن الله وعهْد مِن النَّاس لهم، والمراد بالحَبْل السَّبب الَّذي يأْمنون به على أنفُسِهم مِن المؤْمنين، وعلى أموالهم وذراريهم؛ مِن عهْدٍ وأمان تَقَدَّم لهم عقدُه قبل أن يثقفوا في بلاد الإسلام)[7].
 
وهم الآن تحت حماية النَّصارى الأمريكان، وهُم في ذلَّة، وإنْ ملكوا الأسلحة النَّوويَّة، والطَّائِرات، والدَّبَّابات المتطوِّرة، وتفوَّقوا على المسلمين في القوَّة العسكريَّة، ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].
 
والحمد لله ربِّ العالَمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحْبِه أجْمعين.




[1] صحيح البخاري: ص 1131 برقم 5777.

[2] صحيح البخاري: ص 723 برقم 38، وصحيح مُسلم: ص 734 برقم 1768.
[3] (6 /413) برقم 3868، وقال محقِّقو المسند: إسناده حسَن.
[4] "تفسير ابن كثير": (3 /159).
[5] "تفسير ابن كثير": (1 /497) بتصرُّف.
[6] "تفسير ابن كثير" (1 /494)، وقال: هذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس.
[7] "تفسير ابن جرير" (3 /394).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية   كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية Emptyالسبت 21 سبتمبر 2019, 10:05 pm

أمراض اليهود المستعصية

اليهودي يشبه الناس خلقاً لا خُلُقاً، ولا ريب في أن انفراده هذا كوّن منه إنساناً – أو مخلوقاً – ينفرد بصفات هي أمراض كلما مرت الدهور وكرت العصور تضاعفت قوتها وطغى شرها، أمراض كثيرة حسبنا الآن منها:

1 – مرض الجشع:
لليهود أسلوب يستحيل على سواهم إتقانه، فقد كانوا سبياً ببابل منذ 26 قرناً، فزعموا للملك أن خيرات الأرض والزروع والثمار والأمطار ومَوْر الرياح لا يهبها الله لأي إنسان إلا ببركتهم إذ هم شجرة الورد والأمم إلى جانبها أشواك، والأرض ومن عليها لهم.
ولذا عليهم أن ينتزعوها ويبيدوا الشعوب التي تجرّأت على اختلاس ما ليس لها، ليضعوا أيديهم على زمام ومقادير العالم ويصرّفوا سياسته عملاً بما خطط العهد القديم الذي رشحهم لهذا بقوله:
"ينزلون نقمتهم بالأمم وتأديباتهم بالشعوب ويأسرون ملوكهم واشرافها بأغلال من حديد وينفذون فيهم الحكم المطلوب"[1].
وحيث أن العالم كله يعيش بمال وأرض اليهود فسرقة مال أي شخص من الأمميين (وهم كل من ليس يهودياً) واجبة، واعادة اللقطة له محرّمة، وحبه جريمة وإبادته عبادة.

على هذه النظرية التي ألحقوها بكتبهم وشرحوها بتلمودهم وخيلوا للعامّة وحياً غير مكتوب، أقام فيلسوفهم (موسى بن ميمون) تفاسيره فرأى الزنا محرماً لكن باليهودية والسرقة محرمة لكن من اليهودي... قياساً على الوحي الذي أباح الربا من سوى اليهودي وحرّمه من اليهودي[2].
إله إسرائيل – كما صوّروه بعهدهم وتلمودهم – يحتكر الذهب والفضة ويأنس بالدم، وهو (طبعاً) قدوة شعبه المختار المتحفز المتربص الحريص على اغتيال الناس بكل ظفر وناب، المصمم على إبادة جميع العالم – وفي مقدمتهم المصريون – حرصاً على استمراره وسيادته وبعثاً لعفريت الأنانية الذي قبع في وسطه قروناً وأخذ الآن يحاول الانطلاق مجسّداً.
إله إسرائيل في الوحي الذي ألصقوه به، كوّن منهم أذكياء وعباقرة لكن في انتزاع لقمة الخبز اليابسة من أفواه البائسين، إذ الأمم جمادات غير جديرة بالتملّك.
إن جميع الأمم ترى الزهد بما في أيدي الناس فضيلة والكف عن ضررهم ديناً، أما اليهودي فيرى سلبهم واجباً وزلفى[3].
ولئن أطلق العهد القديم على الأمم – جميع الأمم سوى اليهود – كلمة (حيوانات) فقد أضاف التلموديون لهذا الاطلاق اجتهاداً جديداً هو كلمة (شيء) أي جمادات لأن الحيوان يحس ويتألم ويشعر وقد يدجنه صاحبه ويستلزم العطف.
أما سوى اليهود فلم يبلغوا درجته إذ هم حجارة تحطمها الذرّية المختارة وحطب تحرقه وحديد تصهره.

ألا يا مساكين!
يا من كنتم في العهد القديم حيوانات فأصبحتم بالتلمود أشياء، لا تظنوا أن هذا منهاج تيودور هرتزل صاحب كتاب (الدولة اليهودية)، ولا منهاج الصهيونية التي يكذب عليكم المسممون ويزعمون أنها شيء واليهودية شيء آخر، بل منهاج العهد القديم نفسه، إذ هو فاتح باب استعباد الأمم.
لا خداع بعد اليوم، إن الصهيونية هي يهودية العهد القديم نفسها، إذ هو جذور ما ترون من لؤم، أما ساقه وأغصانه فالتلمود والصهيونية والبروتوكولات وأما ثماره فما تشاهدون.
الا، لقد فاتكم – إلا أفراداً – إن القوم ما زالوا يبالغون بالتحالف مع الشيطان حتى أصبحوا حزبه، إذ حظه من الأمم مجموعها ومنهم جميعهم مع التفاوت إذ (منهم أمة مقتصدة) أي أقل لؤماً من سواها.
الا، تعلموا أصول الفقه من التلمود، إذ يرى الأيمان الكاذبة لهضم حقوق الحيوانات أو الأشياء واجبة بل فضيلة لا سيما إذا أفضت لنفع اليهود فردياً أو جماعياً، وها هو يمدنا بهذا النص:
1 - ((احلف عشرين يميناً كاذباً لتوصل فلساً واحداً ليهودي)).
2 - ((إذا قتلت غير يهودي احلف انك ما قتلت انساناً لأنك قتلت خنزيراً)).

مرض التعالي والأنانية:
من نافذة هذا المرض تخيلوا أنفسهم شعباً مختاراً رغم أن المسيح حاول شفاءهم وأفهمهم ان الله قادر على أن تخلق من الحجارة أولاداً لإبراهيم، بل شاهدوا جميع العالم ليس شعوباً بل حيوانات سائمة خلقها الله لخدمة الشعب الجليل المختار.
لا إنسانية في هذا المرض ولا أناسي إذ هما كلمتان لا تعنيان إلا اليهود.
هذا المرض دفعهم لاستباحة أموال الناس وكراماتهم وازدراء وازدراء كل ما يراه الناس مُثُلاً عليا.
هذا المرض ساعدهم على عدم احترام العهود والمواثيق لأن إله إسرائيل نفسه أمر بنقض أي عهد وميثاق مع سواهم[4] وأرادهم أفعى تمتص دم الشعوب.
على أسس هذا المرض أقاموا علاقاتهم بالشعوب وبيّنوا ما يدك مجدها، لأنها ليست شعوباً ولأن أديانها ليست أدياناً إذ لا دين جدير بالحياة والاستمرار إلا ما يحتفظ به العهد القديم والتلمود.
هذا ما يضمرون، وما يتناثر من فلتات ألسنتهم وأقلامهم، ولئن جاملوا سعياً وراء الصيد والافتراس فقد فضح الواقع أسرارهم وأذاع دواخلهم، وذكّرنا بقول الشاعر:
ثوب الرياء يشف عما تحته        فإذا التحفت به فإنك عار
مرض احتكار الله!
اليهود، احتكروا الله ووحيه ورسالاته، إذ سواهم من الأمم ليست جديرة بتلقي الوحي لأنها ليست شعوباً بل حيوانات وأشياء.
هذا الاحتكار مدخل لمرض خطير، أقامهم ويلاً على الأمم.
احتكروا الله وأظهروه بثوب المتحيّز الذي يرسل أشعة شمسه على بعض عباده دون بعض. لقد خلقوا هذا المرض وزركشوه بثوب من دين وأضافوه – كعادتهم – إلى الله نفسه! لقد قالوا ولا يزالون يقولون (قلوبنا غلف) أي يعلوها غطاء يحول بين السمع والوعي.
اتسع خيالهم الاحتكاري حتى وصل إلى مناصبة جبريل العداوة، لأن يهوه الله أمره بحصر الوحي باسرائيل فخالف ومنحه شخصين من الناصرة ومكة.
ضحكوا ولا يزالون يضحكون على ضعيفي العقول بأن الذبيح اسحق وأن إسماعيل محروم لأنه ابن جارية[5].
تآمروا على المسيح بقصتي (مريم المجدلية) و(اعطوا ما لقيصر لقيصر) وكلموا محمداً كلاماً مبطناً مثل كلمة (راعنا) التي تعطي معنيي الرعاية والرعونة، وكلمة (السام عليكم).
احتكروه (تعالى) وتمردوا عليه ورأوه مغلوباً مستسلماً أما يعقوب[6] وصوروه يقرأ التلمود واقفاً إذ الحق مع التلموديين دونه!
ظنوا أن الله لا يجازيهم لأنهم أبناؤه وأحباؤه ولكنه ضربهم بيد (شيشق) ملك مصر و(بنهدد) ملك دمشق وبيد الفرس والرومان والروم واليونان والأدوميين، ورغم هذا ثابروا على الاحتكار.
قالوا عن المسيح (يتعلم الحيل من بعلزبول) وعن محمد (يتعلم الوحي من عدّاس)، ونادوا (نؤمن بما أنزل علينا)، ولكنهم سطوا على ما انزل عليهم.
غرقوا بمستنقع الاحتكار ورأوا شمس الله تشرق على ذرية إسرائيل وحده ونسوا أن عهدهم بشعيب وهو مدياني وبيونس وهو آرامي وبأيوب وهو عربي.

ارتدوا ثوبين: أحدهما يخاطبون به الأقوياء، إذ طالما رأيناهم يخاطبون ملوك مصر بكلمة (عبدكم)، وآخر للتعالي إذ ألصقوا بالوحي أنه اختارهم وأنبت لهم قروناً لينطحوا العالم ويبدأون بمصر.
ولا عجب من منهاج الاحتكار هذا فهم – كما وصفهم المسيح – عميان يقودون عمياناً وكنيف مبيض وروث مغفض[7].

المبررات التي أعدّوها لتبرير انغماسهم بهذه الأمراض:
بكل جزم وتصميم وتحدٍ نقول:
لا يوجد بين يدي اليهود كُتب تعود لعهد موسى، إذ كل ما لديهم الآن يعود لعصر عزرا وما بعده، وبين هذا وبين موسى أحد عشر قرناً.
لقد كتبوا ما شاءوا – كما شاءوا – فجاء ما كتبوه تبريراً للنفسية الدنيئة التي يحملونها، مثلاً:
1 - ليبرروا إبادة سكان فلسطين أولاً صوروا الله ينفذ قانون الإبادة بكنعان.
2 - ليبرروا السطو على أعراض الناس صوروا موسى عشيقاً لامرأة كوشية وأقاموا الله محامياً عنه.
3 - ليبرروا التجارة بالأعراض صوروا إبراهيم يقدّم زوجته لملك النقب ليكسب بقراً وجمالاً وحميراً.
4 - ليبرروا الاغتيال والتآمر، صوروا داود يتآمر على قائده (أوريّا) ويظفر بزوجته فتلد سليمان على فراش غير شرعي.
5 - ليبرروا السرقة صوروا إسرائيل يسرق صنم خاله الذهبي.
6 - ليبرروا الاحتيال صوروا يعقوب يحتال على أبيه ويقدّم له رشوة من أكلة العدس!
7 - ليبرروا التعالي والغطرسة صوروا الله ذليلاً بين يدي إسرائيل.
8 - ليبرروا اعتناق أديان الناس بقصد هدمها صوروا سليمان يسجد للأصنام.
9 - ليبرروا إبادة العرب زعموا أن إيليا قتل من أطفال الفلسطينيين خمسة وأربعين طفلاً كي ينجيهم وذراريهم من عذاب القيامة (رغم أن اليهود لا يعتقدون بالقيامة).
10 - ليبرروا الإجهاز على ضفتي الأردن زعموا أن لوطاً زنا بابنتيه فأنسلتا شعب الأردن، وأن الله أمر بإبادته كفارة عن خطيئة لوط.
11 - ليبرروا إبادة العرب، وفي مقدمتهم المصريون، زعموا أن لنوح ولداً يدعى كنعان، وأن هذا مطرودٌ بأمر الله، والطرد يقتضي الإبادة.
12 - ليبرروا مذهب العري والرقص العاري، صوروا داود يرقص أمام التابوت عارياً.
13 - ليبرروا السجود للذهب صوروا هارون يعبد عجلاً ذهبياً.

أما تبريرهم قتل الأطفال بنصوص العهد القديم فحسبنا أن نعرض طرفاً من أخبار ((الخنّاقين)) و(جمعية سر الام المكتوم) وهذا ما نعالجه بكلمة آتية (بحول الله).
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] سفر المزامير، فصل 149.
[2] إباحة الربا من سوى اليهودي راجعها في العهد القديم:
1 – سفر اللاويين 25 – 35.
2 – سفر الثنية 23 – 19.
3 – سفر الخروج 22 – 25.
وقد صرح القرآن الكريم بأن وحي موسى منزه عن هذا الوضع فقال تعالى: "وأكلهم الربا وقد نهوا عنه" أي حذفوا النهي وأدخلوا الإباحة.
[3] أواه، لو شاطرني القارئ نعمة الاطلاع على درجات الماسونية الرفيعة ليرى تعليقها على الشعب الجليلي الذي أعده إله إسرائيل لسيادة العالم.
[4] راجع فصول 7 و10 و12 من سفر يشوع تر إله إسرائيل يأمر بنقض العهود، وراجع سفر نحميا فصل 2 و4 و20 و21 فترى رد الفعل العربي الكنعاني الذي دفع قاسماً العربي قائد العرب منذ أربعة وعشرين قرناً لقتال إسرائيل وحرمانه من تجديد الهيكل. وراجع 1 و6 و7 و11 و20 و21 و32 من سفر التثنية فتر اسرائيل لصاً يحمل ضبطاً موقعاً بتوقيعه يدينه بالجرم المشهود.
[5] كثيراً ما قال المبشرون أمامي: اسماعيل محروم لأن البكورية لابن الزوجة الأولى، وما أن قلت لهم: إن سليمان ابن الزوجة السبعمئة من زوجات داود حتى كانت هذه ختام الجلسة!؟
[6] العهد القديم يصور الله مستسلماً ليعقوب.
[7] لهذا مراجع كثيرة جداً في الانجيل.









عقيدة القتل عند اليهود


إن ما رآه العالَمُ من أحداث دمويَّة، وجرائمَ بربرية، اقْتَرَفَتْها أيدي الوُحُوش الصهاينة بحق أهلنا الصامدين في غزة - إنما هي أفعالٌ ناجمةٌ عن مبادئَ عقديَّة، ودوافع دينية، وثمراتٌ للنبْتِ الصِّهْيَوْنِي النامي من جذورٍ توراتيَّة وتلمودية خبيثة، افتراها قَتَلةُ الأنبياء والمرسلين وصدقوها، وصارت نبراسًا لأجيالِهم، ومنطلقًا لأفعالِهم، فهم - كما يأفكون - شعبُ الله المختار، وأبناءُ الله وأحباؤُه، وما عداهم حيوانات في صور آدمية، خُلقوا لخدمتِهم، ووُجدوا ليكونوا عبيدًا لهم، لا إنسانية فيهم، ولا حرمة لهم، ولا قيمة لأرواحهم ولا لدمائهم، ولا لأعراضهم وأموالهم.


لقد حكى الله - تبارك تعالى - عنهم ذلك بقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18].



وقد ورد في توراتهم الباطلة: أنتم أولادٌ للرب إلهِكم.



وقال الله عنهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 75].

وقد افتَرَوا في التوراة عنْ أفضليتهم:


- ولكن الرب إنما التصق بآبائك ليحبهم، فاختار من بعدهم نسلهم، الذي هو أنتم فوق جميع الشعوب.


- حين تقرب من مدينة لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشَّعْب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستَعبَد لك.

- ونسبوا إلى النبي حزقيال: لا تشفق أعينكم، ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، واقتلوا للهلاك.

- وقالتْ توراتهم: العدل أن يقتل اليهودي بيده كافرًا؛ لأن مَن يسفك دم الكافر يقدم قربانًا لله. 



- وجاء في سفر إرميا: ومَلعونٌ مَنْ يَمنَعُ سَيفَهُ عَنِ الدم.



- وجاء في سفر يشوع: وأخذوا المدينة وحرموا كل ما في المدينة - أي: قتلوهم - من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف.

- وجاء في سفر التثنية: وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا، التي ليست في مدن هؤلاء الأمم هنا، أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا، فلا تستبقِ منهم نسمة، بل تُحرمها تحريمًا: الحثيين، والأموريين، والكنعانيين، والفرزيين، والحويين، واليبوسيين، كما أمرك الرب إلهك.



- وجاء في سفر التثنية: فضَرْبًا تضربُ سُكان تلك المدينة بحد السيفِ، وتُحرمُها بكلِّ ما فيها مع بهائمها بحدِّ السيفِ، واجْمَع كل أمتعتها إلى وسطِ ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتِها كاملة للرب إلهك، فتكون تلاًّ إلى الأبد لا تُبنى بعدُ.

- وجاء في سفر صموئيل الأول: فالآنَ اذهَبْ واضرِبْ عَماليقَ، وحَرِّمُوا كُل ما له، ولا تَعْفُ عنهم؛ بلِ اقْتُلْ رَجُلاً وامرأة، طفلاً ورضيعًا، بقرًا وغنمًا، جملاً وحمارًا.



واليوم، إذا أردنا أن نعودَ من غياهب الإفك التوراتي، إلى العدوان الوحشي الصِّهْيَوْنِي، فإنَّنا نجدُ أنه خلال أحداث غزة الأخيرة أفتى الحاخام "يسرائيل روزين"، رئيس معهد "تسوميت": أنه يجب تطبيق حكم "عملاق"، على كل من تعتمل كراهية إسرائيل في نفسه، ويصرح بتحديد "عملاق هذا العصر"، بقوله: "إنهم الفلسطينيون".

ويقول: "مَن يقتل الطلاب، وهم يتلون التوراة، ويطلق الصواريخ على مدينة سديروت فيثير الفزع في نفوس الرجال والنساء، من يرقص على الدماء - هو عملاق، يجب أن نرد عليه بكراهية مضادة، وعلينا أن ننزع أي أثر للإنسانية في تعاملنا معه، حتى ننتصر".



وقد أيَّد عدد من كبار الحاخامات فتوى ذلك الحاخام المجرم؛ منهم:


- الحاخام "مردخاي إلياهو": الذي يعدُّ المرجعيةَ الدينية الأولى للتيار الديني القومي في الكيان العبري، والذي شغل في الماضي منصب الحاخام الشرقي الأكبر - يؤيِّد تطبيق الحكم، بل إنه دائمًا يشير إلى إحدى العبارات التي وردتْ في الحكم، وتقول: "اذكر عدوك وأبِدْه".

- والحاخام "شلوموا إلياهو": الحاخام الأكبر لمدينة صفد، الذي كتب مقالاً مؤيدًا لتطبيق حكم العماليق؛ حيث قال: "لا توجد أية مشكلة أخلاقية في سحق الأشرار".

- والحاخام "دوف ليئور": رئيس مجلس حاخامات المستوطنات في الضفة الغربية، فيقول قاصدًا الفلسطينيين: "كل من يريد تدمير إسرائيل، يجب تطبيق حكم عملاق فيه".

- وأما الحاخام "أوري لبيانسكي": رئيس المجلس البلدي اليهودي في القدس المحتلة، فقد قال في كلمته في جنازة طلاب المدرسة الدينية، الذين قتلوا في عملية إطلاق النار التي نفذها الشهيد علاء أبو دهيم: "إنه يستذكر اللحظات التي سبقت صدور حكم التوراة في العماليق".

- إلا أن الحاخام "اليعازر الهارستون": مدير المدرسة الدينية في مدينة حولون قال: "إنه من ناحية عملية لن يكون بوسع اليهود قتل الأطفال والعجائز والنساء".


ولنُدققْ في قوله: "من ناحية عملية"، ولنفرق بينها وبين النواحي الإنسانية، أو الدينية.

- وقبل تلك الفتوى بأشْهُر، دعا "مجلس الحاخامات" في فِلَسْطين المحتلَّة الحكومة اليهودية إلى إصدار الأوامر بقتْل المدنيين في غزة، مشيرًا إلى أن "التوراة" تجيز قتْل الأطفال والنساء في زمن الحرب.



وهذه أقوال لبعض شياطينهم:


- قال الحاخام الأكبر للكيان اليهودي: "إبراهام شابير" في رسالة وجَّهها لمؤتمر شبابي صِهْيَوْني، عقد في "بروكلين"، في الولايات المتحدة: "نريد شبابًا يهوديًّا قويًّا أو شديدًا، نريد شبابًا يهوديًّا يدرك أن رسالته الوحيدة هي تطهير الأرض من المسلمين، الذين يريدون منازعتنا في أرض الميعاد، يجب أن تثبتوا لهم أنكم قادرون على اجتثاثهم منَ الأرض، يجب أن نتخلَّص منهم كما يتم التخلص من الميكروبات والجراثيم".

- وصرح الحاخام "مردخاي إلياهو"، الحاخام الشرقي الأكبر للكيان الصِّهْيَوْني سابقًا، في خطاب أمام عدد من منتسبي المدارس الدينية العسكرية: "لنا أعداء كثيرون، وهناك مَن يتربَّص بنا وينتظر الفرصة للانقضاض علينا، وهؤلاء بإمكاننا - عبر الإجراءات العسكرية - أن نواجههم، لكن ما لا نستطيع مواجهته هو ذلك الكتاب الذي يسمونه "قرآن"، هذا عدونا الأوحد، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته".



- وقال الحاخام "إسحاق بيريتس"، أمام عدد من المجندين الجدد: إذا استمر ارتفاع الأذان الذي يدعو المسلمين للصلاة كل يوم خمس مرات في القاهرة وعمان والرباط، فلا تَتَحَدَّثُوا عن السلام.

- وجاء في "كُتَيبٍ"، نشرته قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الصِّهْيَوْنِي عام 1973م: "ينبغي عدم الثِّقة بالعربي في أي ظرف من الظروف، حتى وإن أعطى انطباعًا بأنه متمدن، ففي الحرب يسمح لقواتنا وهي تهاجم العدو بل إنها مأمورة بـ(الهالاخاه)"، وهو النِّظام القانوني لليهودية الحاخامية، المستمدة منَ التلمود البابلي بقتل حتى المدنيين الطيبين.

- وأفتى الكولونيل الحاخام "أفيدان زيميل" في كتاب: "طهارة السلاح في ضوء الهالاخاه" بـ: "أنَّ اليهودي الذي يقتل أحد الأغيار، يكون قد ارتكب معصية غير قابلة لعقوبةٍ صادرة عن محكمة".

- وأما الحاخام "عوفاديا يوسف"، الزعيم الروحي لحزب "شاس"، اليهودي الشرقي، فقد قال عن العرب: "إنهم أسوأ من الثعابين، إنهم أفاعٍ سامة".
وقال: "هؤلاء الأشرار العرب تقول النصوص الدينية: إن الله ندم على خلقه أبناء إسماعيل هؤلاء، وإن العرب يتكاثرون كالنمل، تبًّا لهم، فليذهبوا إلى الجحيم".

- وقد أشاد الحاخام "بورج" بالمجرم "باروخ جولد شتاين"، منفِّذ مجزرة المسجد الإبراهيمي بمنتصف رمضان 1994 م بالخليل بقوله: "إن ما قام به باروخ جولد شتاين تقديسٌ لله، ومنَ الواجبات اليهودية الدينية".

- وكان قد بارك حاخام الكيان اليهودي الأكبر: "إسرائيل مئيرلاو" سياسة شارون في تصفية زعماء المقاومة الفلسطينية بقوله: "إن الأسلوب الوقائي واعتراض الناشطين الفِلَسْطينيين مُبرر تمامًا من ناحية التقليد الديني اليهودي، وإن إسرائيل تخوض حربًا من حروب الوصايا، تقتضي الشريعة في إطارها ليس فقط الدفاع، وإنما أيضًا المبادَرة والإقدام".

وقديمًا قال "مناحيم بيجين"، في كتابه "الثورة": "ينبغي عليكم - أيها الإسرائيليون - ألا تلينوا أبدًا عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي ألا تأخذكم بهم رحمة، حتى ندمر ما يسمى بـ"الثقافة العربية"، التي سنبني على أنقاضها حضارتنا". وقال أيضا: "الفلسطينيون مجرد صراصير، يجب سحقها".



وفي مقابل هذا الظلام، وهذا الإرهاب الأعمى الحاقد، تقف تعاليم إسلامنا العظيم منارة وضَّاءة؛ تضيء للإنسانية كلها سُبُلَ الخير والهداية، والحضارةِ والرقي.

فها هو الرَّسول الأعظم - صل الله عليه وسلم - يقول موجِّهًا أصحابه في الحرب: ((انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً ولا صغيرًا، ولا امرأة، ولا تَغُلوا، وضُموا غنائمَكم، وأصلحوا، وأحسِنوا إن اللهَ يُحب المحسنينَ))؛ رواه أبو داود.

وهذا هو سيدنا أبو بكر الصديق يُوصي بعضَ جيوش فتح الشام بالوصية العظيمة، التي أخرجها ابن عساكر في "تاريخه"، عن عبدالرحمن بن جبير، وفيها: وإني مُوصيكم بعشر كلماتٍ فاحفظوهن: لا تقتلُنَّ شيخًا فانيًا، ولا ضرعًا - ضعيفًا - صغيرًا، ولا امرأة، ولا تهدموا بيتًا، ولا تقطعوا شجرًا مثمرًا، ولا تعقرُن بهيمة إلا لأكلٍ، ولا تحرقوا نخلاً.








من أجل هذا لُعن اليهود

إن مَن يقرأ سورة البقرة يعتقد - بلا أدنى ريب - أن اليهود قوم جحود، والجحود - كما يفسره المعجم العربي - هو الإنكار مع العلم، فلقد جحد اليهود نِعَم الله – تعالى - وكذبوا بآلائه التي أخرجتهم من ظلمات الباطل إلى نور الحق المبين، وأنجتْهم من سوء عذاب سامهم إياه أعداؤهم.

وقد تجسَّدت تلك النعم في معجزات وخيرات عاينها اليهود، ونعموا بآثارها الطيبة، ولكنهم - برغم ذلك - جحدوها جحودًا لم يأتِ بمثله قومٌ من قبلهم أو من بعدهم.

ونرى دلائل الجحود حين نقرأ في سورة البقرة عن نِعَم غامرة، جحدها اليهود وكذَّبوا بها، وهم يعلمون سوء فعلهم، لقد نجاهم الله - تعالى - من آل فرعون الذين ساموهم سوء العذاب، فذبَّحوا أبناءهم، واستحْيَوْا نساءهم، ففلق الله - تعالى - لهم البحر، حتى ظهرت لهم الأرض اليابسة، فمشوا عليها، وبذلك نجوا من آل فرعون الذين تتبعوهم يريدون الفتك بهم، ورأوا بأعينهم آل فرعون وهم يغرقون، ثم أنعم الله عليهم بأن واعَدَ موسى أن يعطيه التوراة بعد أربعين ليلة، وفيها هدى لهم ورحمة، ولكنهم جحدوا تلك النعم، فاتَّخذوا العجل إلهًا حين ذهب موسى للقاء ربه، وبرغم ذلك الجحود عفا الله عنهم؛ لعلهم يشكرون: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 49 - 52].

وأنزل الله - تعالى - من أجل اليهود وهدايتهم كتابًا على موسى، وآتاه السلطان الذي يفرق به بين الحق والباطل، ونصحهم موسى فأخلص لهم النصح، وذكَّرهم بظلمهم حين اتخذوا العجل إلهًا، وذكَّرهم أيضًا بفضل الله عليهم حين تاب عليهم، ولكنهم جحدوا، فأعلنوا لموسى أنهم لن يؤمنوا له إلا بعد أن يرَوُا اللهَ جهارًا، فلما تطلعوا يريدون رؤية الله - سبحانه - أخذتْهم صاعقة من السماء وهم ينظرون، ثم بعث الله - تعالى - أولئك الذين أرادوا رؤيته بعد أن أحرقتهم الصاعقة، وتفضل الله عليهم بعد ذلك بالمَنِّ - إفراز حلو المذاق، تفرزه بعض الأشجار - وبالسلوى - الطائر المعروف بالسمان - ليَقِيهم الهلاك جوعًا في بيئة مجدبة؛ ولكنهم جحدوا أيضًا كل هذه النعم؛ {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 53 - 57].

ويذكِّر الله - تعالى - اليهود بما تفضَّل عليهم بعد خروجهم من تِيهٍ وضياع في صحراء سيناء، إذ أمرهم بدخول بيت المقدس وهم ساجدون، يسألون الله أن يَحطَّ عنهم ذنوبهم، ويغفر لهم عنادهم، ووعدهم - سبحانه - بالمكافأة وحسن الجزاء، إن فعلوا ما أمرهم به، ولكنهم لم يستغفروا ربهم؛ بل انهمكوا في الشهوات، ولما عطشوا في التيهِ، تفضل الله عليهم بتكليف موسى أن يضرب بعصاه حجرًا، فتفجرت منه عيون بقدر عدد قبائلهم، لكل قبيلة عين خاصة يأخذون منها حاجتهم، ولا يشاركهم فيها غيرهم، ولكن اليهود - بعد كل هذه النعم - أعلنوا السأم مما هم فيه من نعم؛ بل طلبوا من موسى أن يطلب لهم من ربه أن يرزقهم مما تُنْبت الأرض، من بقل، وقثاء، وثوم، وعدس، وبصل، وتعجَّب موسى من استعاضتهم الأردأ بالأحسن من الطعام، فهذا يدل على عدم ثباتهم على الحق، وهم يعلمون أنه حق؛ {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 58 - 61].

وتمضي آيات الذكر الحكيم في سورة البقرة تذكِّر اليهود بآلاء الله، حين أخذ عليهم العهد أن يعملوا بما بأمر به في التوراة، وهدَّدهم - سبحانه - بمعجزة رفع الجبل فوق رؤوسهم، ولكنهم - برغم هذا - أعرضوا وعاندوا، ولولا فضل الله عليهم لباؤوا - جزاء إعراضهم وعنادهم - بخسران مبين.

وأمرهم الله - تعالى - أن يتفرغوا يوم السبت للعبادة؛ ولكنهم احتالوا، فاستباحوا الصيد في يوم السبت، فاستحقُّوا أن يمسخهم الله قردة منبوذين؛ ليكونوا عبرة لمعاصريهم وللأجيال من بعدهم؛ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 63 - 66].

ويبلغ اليهود في جحود نِعَم الله مدى بعيدًا في قصة البقرة، ذلك أن رجلاً منهم قتل رجلاً، وبادر القاتل بشكوى لموسى، فبحث موسى عن القاتل، فلم يهتدِ إليه، فأمرهم الله - تعالى - أن يذبحوا بقرة، فجادلوا موسى جدالاً شديدًا، متسائلين عن لون البقرة، وشكلها، وسِنِّها، وكلما شدَّدوا شدَّد الله عليهم، حتى صارت نادرة، فتعبوا في الحصول عليها، وبعد جهد جهيد، حصلوا على بقرة لا مُسِنَّة ولا فتيَّة، صفراء خالصة الصفرة، ليست بصعبة، تهيج الغبار إذا تحركت، تسقي الزرع، سليمة من العيوب، في جلدها قطعة لونُها يخالف لونه.

وهذه الصفات إنما طلبها الله - تعالى - نتيجة لطول لَجاجهم وتشددهم، وقد حصلوا على بقرة تتوافر فيها هذه الصفات بضعف ثمن مثلها، وذبحوها بعد أن قاربوا ألاَّ يفعلوا ما أُمِروا به.

وأرشدهم الله أن يضربوا جثة القتيل ببعض أعضاء تلك البقرة، فعاد إلى الحياة وأخبرهم عن قاتله، وفي هذه القصة آية من الله لعلهم يعقلون، ولكن قلوبهم - برغم هذه المعجزة البينة - قَسَت حتى صارت كأنها الحجارة أو أشد؛ {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 67 - 74].

على أن اليهود يبلغون قمة الجحود حين يزيِّفون أعظم ما يعتز به كل ذي قلب سليم، حين يزيفون العقيدة، مبرِّرين سوء فعلهم بعذر أقبح من الذنب، وهو أن قلوبهم مغلقة، لا تصلح لإدراك العقيدة الصحيحة، البعيدة عن الزيف، فلقد أنزل الله - تعالى - على موسى التوراة، وأرسل من بعده رسلاً إلى أمم كثيرة، حتى جاء دور عيسى ابن مريم، فآتاه الله الآيات الواضحات، وشدَّ أزره بجبريل، ولكن اليهود استكبروا عن اتِّباع أولئك الرسل؛ لأنهم لم يجيئوا بما يوافق هواهم، فكذبوا فريقًا من الرسل، وقتلوا الفريق الآخر، ولما انتهت الرسالة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعاهم، وأكَّد لهم أن قلوبهم ليست مغلقة، ولكن الله أبعدهم عن قبول الخير بسبب كفرهم، فقليلاً ما يؤمنون بحقيقة، ومصداق ذلك أنه جاءهم القرآن من عند الله مصدقًا للتوراة التي معهم، وموافقًا لها، وكانوا من قبل نزوله يطلبون النصر على أعدائهم بحرمة النبي المنتظر، الذي كانوا يتوقعون مبعثه، ويُمَنون أنفسهم بالمبادرة إلى اتِّباعه، فلما جاءهم محمد – صل الله عليه وسلم - وفيه العلامات التي عرفوها مِن كُتُبهم، قابلوه بالكفر به، وجحود النعمة العظمى التي جاء بها، نعمة العقيدة الصحيحة، البعيدة عن الزيف، وبذلك استحقوا اللعنة التي وصم الله بها الكافرين؛ {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 87، 88].

هكذا استحقَّ اليهود اللعنة؛ لأنهم جحدوا آلاء الله ونعمه، وجعلوا أصابعهم في آذانهم حين ناداهم الحق - تعالى - مذكِّرًا ومحذرًا: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 40 - 42].


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
كتاب موسوعة اليهود واليهودية و الصهيونية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: كتب-
انتقل الى: