قبائح اليهود ومخازيهم عبر التاريخ
الحمد لله مُعزّ من أطاعه مذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صل الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد
معاشر المؤمنين عباد الله اتقوا الله تعالى فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه عباد الله إنّ من يتأمَّل التاريخ على طول مداه ويتأمل في أحوال الأمم وأخلاقها ومعاملاتها يجد أن أسوء الأمم خُلقا وأشرَّها معاملة أمّةُ اليهود تلك الأمة الغضبية الملعونة أمّة الكذب والطغيان والفسوق والعصيان والكفر والإلحاد أمّة ممقوتة لدى الناس لفضاضة قلوبهم وشدّة حقدهم وحسدهم ولعظم بغيهم وطغيانهم أهل طبيعة وحشية همجيّة لا يباريهم فيها أحد كلّما أحسوا بقوة ونفوذ وتمكن وقدرة هجموا على من يعادونه هجوم السبع على فريسته لا يرقبون في أحد إلا ولا ذمة ولا يعرفون ميثاقا ولا عهدا لا يُعرف في الأمم جميعها أمة أقصى قلوبا ولا أغلظ أفئدة من هذه الأمة قد التصق بهم الإجرام والظلم والعدوان والجور والبهتان من قديم الزمان يقول الله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13] ويقول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74].
عباد الله:
ومن قسوة قلوب هؤلاء أنهم قتلوا بعض أنبياء الله الذين جاءوا يحملون إليهم الهداية والصلاح والسعادة والفلاح وهكذا شأنهم دائما وأبدا يقتلون الذين يصلحون في الأرض قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ﴾ [المائدة: 70] وقال الله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 155] وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21] وهذه القسوة التي وصفهم الله بها في القرآن ملازمةٌ لهم على مر العصور واختلاف الأزمان إلى زماننا هذا عباد الله ثم هم مع ذلك أهل مكر وخديعة وخبث وكيد وقد عان المسلمون الأوّل من صفة اليهود هذه الشيء الكثير ولا يزال المسلمون يعانون الويل من جراء مكر اليهود وكيدهم والله تعالى يقول ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120] عباد الله وقد دأب اليهود من قديم الزمان على الغدر والخيانة ونقض العهود والوعود يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُون ﴾ [الأنفال: 55- 56] لقد عاش اليهود طوال حياتهم بؤرة فساد في المجتمعات وأساس كل منكر وفحشاء ينشرون الرذيلة ويشيعون الفساد وقد كانوا عبر التاريخ مصدرا للمنكر والفحشاء فهم أصحاب بيوت الدعارة في العالم وناشرو الانحلال الجنسي في كل مكان يبتزون أموال الشعوب ثم يسخرونها في إشاعة الرذيلة بينهم ليحطِّموا بذلك قيمهم ويخلخلوا إيمانهم ويضعفوا قوتهم وليكونوا بذلك فريسة سهلة لهم.
عباد الله:
إن عِداء اليهود للإسلام عداء قديم منذ فجر الإسلام الأوّل وعداءهم وحقدهم على أهله معروف لدى الخاص والعام في قديم الزمان وحديثه لأن الإسلام عباد الله عرى حالهم وكشف أمرهم وفضح مخازيهم وأظهر قبائحهم وشنائعهم فبات أمرهم معلنا بدل أن كان سرا وباديا لكل أحد بعد أن كان خفيا وجاءت آيات القرآن الكريم آية تلوى الأخرى معرية أمر هؤلاء مجلية حقيقة أمرهم كاشفة كل مكرهم وكيدهم وخداعهم والله جل وعلا يقول: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 55] لا غرابة عباد الله أن كان عداء اليهود للإسلام شديدا فالإسلام جاء هادما لكل ما لديهم من بهتان مبطلا ومناقضا لكل ما عندهم من جنوح وانحراف ضلال الإسلام يدعو إلى الإيمان والتوحيد والإخلاص واليهود يدعون إلى الكفر والإلحاد والتكذيب والإعراض الإسلام يدعو إلى المثل العليا والقيم الرفيعة والرحمة والإحسان واليهود يدعون إلى القسوة والإجرام والوحشية والعدوان والظلم والبهتان، الإسلام يدعو إلى الحياء والستر والحشمة والعفاف واليهود يدعون إلى الرذيلة والفساد والمكر والبغي، الإسلام يحفظ الحقوق ويحترم المواثيق ويحرِّم الظلم واليهود لا يعرفون حقّا ولا يحفظون عهدا ولا ميثاقا ولا يتركون الظلم والعدوان، الإسلام يحرم قتل النفس بغير الحق ويحرم السرقة والزنا واليهود يستبيحون سفك دماء غير اليهود وسرقة أموالهم وانتهاك أعراضهم. عباد الله:
ورغم كل هذا الضلال الذي هم فيه فإنهم يعتقدون في أنفسهم أنهم شعب الله المختار وأنهم أبناء الله وأحباؤه وأن أرواحهم متميزة عن بقية أرواح البشر بأنهم جزء من الله وأنه لو لم يخلق اليهود لانعدمت البركة من الأرض ولما نزلت الأمطار ولا وجدت الخيرات ويعتقدون فيمن سواهم أنهم أشبه بالحمير وأن الله خلقهم على صورة الإنسان ليكونوا لائقين لخدمة اليهود ألا شاهت وجوه الأخسرين ولعنة الله على المجرمين الظالمين المعتدين. عباد الله:
يجب أن ندرك جميعا أن عدوان اليهود على المسلمين في فلسطين ليس مجرد نزاع على أرض وأن ندرك أن قضية فلسطين قضيةٌ إسلامية يجب أن يؤرق أمرها بال كل مسلم ففلسطين عباد الله بلد الأنبياء وفيها ثالث المساجد الثلاثة المعظمة وهي مسرى رسول الله صل الله عليه وسلم وقبلة المسلمين الأولى وليس لأحد فيها حقّ إلا الإسلام فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
ويجب علينا عباد الله أن ندرك أن تغلب هذه الشرذمة أن تغلب هذه الشرذمة المرذولة والفئة المخذولة وتسلطهم على المسلمين إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي وإعراض كثير من المسلمين عن دينهم الذي هو سبب عِزهم وفلاحهم ورفعتهم في الدنيا والآخرة ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]فلا بد من عودة صادقة وأوبة حميدة إلى الله جلّ وعلا فيها تصحيح للإيمان وصلة للرحمن وقيام بطاعة الله جلّ وعلا وبعد عن الفسوق والعصيان لينال المؤمنون العزّة والتمكين والنصر والتأييد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ﴾ [النور: 55- 56] بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صل الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
عباد الله اتقوا الله تعالى ثم اعلموا رعاكم الله أن المؤمن في كل أحواله وفي جميع شؤونه في شدته ورخائه وفي سرائه ضرائه لا مفزع له إلا إلى الله ولا ملجأ له إلا إلى ربِّه وسيده ومولاه ولهذا عباد الله فإنا نتوجه إلى الله جل وعلا شاكين إليه ما أصابنا داعينه سبحانه بما ألم بنا فتوجهوا عباد الله بقلوبكم إلى الله.
إلهنا إليك المشتكى وأنت حسيبنا يا من مجيب المضطر إذا دعاه ويجبر الكسير إذا ناداه ويفرِّج هم المهموم إذا ذل له ورجاه إلهنا إن اليهود تسلطوا على إخواننا المسلمين في فلسطين قتلا وتشريدا وعلى بيوتهم هدما وتخريبا وعلى حرماتهم هتكا وإفسادا وعلى بيوتهم هدما وتخريبا وعلى حرماتهم هتكا وإفسادا فكم من بيوت هدمت وكم من أعراض هتكت وكم من نساء رمِّلت وكم من دماء أريقت وكم من أطفال يتموا لقد تفاقم من اليهود الطغيان وتزايد السطو والإجرام وعظم الجبروت العدوان إلهنا يا من النّصر والعز منه يستمنح يا من أبوابه وخزائنه لمن دعاه تفتح يا مزلزل عروش الظالمين يا قاسم ظهور الجبّارين يا مبطل كيد المجرمين اللهم عليك باليهود المعتدين اللهم عليك باليهود المعتدين اللهم عليك باليهود المعتدين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم مزقهم شر ممزق اللهم اجعل تدبيرهم تدميرا عليهم يا ذا الجلال والإكرام اللهم لا مفر لنا إلا إليك ولا ملجأ إلا إليك اللهم انصر المسلمين على اليهود يا ذا الجلال والإكرام اللهم وأبطل كيدهم يا حي يا قيوم يا من بيده أزمة الأمور اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وأرضى اللهم عن صحابة نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بنو إسرائيل
في قوله تعالى: ﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين .. ﴾
﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 4 - 8].
"قضى": قضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه.
﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ﴾؛ أي: أعلمناهم، وأوحينا إليهم وحيًا جازمًا.
و"الكتاب" يعني به سبحانه: الكتاب المكنون، وهو الذكر، وهو اللوح المحفوظ المكتوب فيه، والكتب والرسالات المنزلة كلها على الأنبياء والمرسلين جميعًا عليهم الصلاة والسلام، بما فيها من علوم وعقائد وشرائع، وأوامر ونواهٍ، ونذر وعِبر، بالإخبار عن الماضين، وعن عواقب المهتدين إلى الصراط المستقيم، وعواقب المغضوب عليهم والضالين، في الدنيا والآخرة، وهو الكتاب الذي كتب الله فيه كل شيء، وهو كائن إلى يوم القيامة.
وقد ذكر الله هذا "الكتاب" في مواضع كثيرة من آي القرآن، منها قوله سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الرعد: 38، 39] يعني: من رسالة الرسول السابق، مما انقضى الزمن الذي يناسبه، ﴿ وَيُثْبِتُ ﴾، يعني: يثبت في رسالة الرسول الحاضر من رسالة الرسول السابق ما يناسب الأمة المبعوث إليها، ﴿ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾، يعني: كل الرسالات، كما نزلت - السابق واللاحق - عنده في الذكر، واللوح المحفوظ.
أو أن ربنا سبحانه يعني بالكتاب "التوراة" التي أنزلها على موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فإن جميع الرسالات والكتب من عند الله العليم الحكيم، لهداية الإنسان وخيره وسعادته.
وقال الله تعالى في وصف التوراة، وبيان ما فيها من الهدى، وأنها فرقان بين الحق والباطل، والشرك والتوحيد، والمتقين والفجار: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 3، 4].
هذا، وجائز أن يكون ربنا قد عنى الكتابين جميعًا: الكتاب المكنون عنده فوق العرش، والكتاب المنزل على موسى؛ فإن ما في التوراة من التفصيل لكل شيء، والهدى والرحمة، والفرقان والتبيان، والوعد والوعيد، والوصايا والشرائع والأوامر، والنذر والتخويف من الكفر والفسوق والعصيان عن أمر الله؛ بذكر العواقب والتذكير والعبر - إنما نزل من الكتاب المكنون الذي سماه الله "أم الكتاب"؛ أي: الجامع لكل ما في الكتب المنزلة، وكتب الأعمال، والذي كتب فيه كل شيء قبل خلق السموات والأرض.
وقوله: ﴿ لَتُفْسِدُنَّ ﴾: أصل "الفساد" في لغة القرآن - لغة العرب - نقيض "الصلاح"، والشيء يصلح حين يستكمل الصفات والشروط والأسباب، التي باستكمالها يؤدي المقصود منه، ويبلغ الغاية المرْجُوَّة؛ فالفساد: عدم حصول هذه الصفات والشروط والأسباب كاملة على الوجه المطلوب للشيء، فلا يؤدي المقصود منه.
وهي في كل شيء - الإنسان والحيوان والنبات، والهواء والماء وغيرها - بحسبه، وبحسب خلقه، وما خلق له.
وصلاح الإنسان: إنما يتحقق باستكمال الصفات والأسباب والشروط التي جعلها الله العليم الحكيم - بالفطرة وبالعلم والمعرفة من سنن الله الكونية، أو من وحيه ورسالاته المنزلة - فإن الله سبحانه جعلها مؤدية بالإنسان إلى الصلاح والإنتاج النافع والإثمار الثمار الطيبة الصالحة لجعل حياته طيبة، تتوفر له فيها أسباب الفلاح والفوز والسعادة، وطيب العيش ورغده، وتبعد عنه النكد والشقاء في أولاه وآخرته.
وفساد الإنسان: بفقدان ذلك أو بعضه؛ فبفقده وتضييعه، يثمر لنفسه ولمن حوله ثمرات فاسدة خبيثة، وينتج نتائج ضارة له ولمجتمعه، منغصة لحياته وحياتهم، فيشقى بذلك في الأولى والأخرى.
وصلاح أعمال الإنسان وأخلاقه: باستكمال الأسباب والصفات والشروط التي تجعل أعماله وأخلاقه مثمرة له ولمجتمعه الثمرات الطيبة النافعة، التي توفر لهم رضوان الله وتوفيقه وتسديده، وتؤدي للإنسان ما يرجوه بفطرته التي فطره الله عليها، وما يسمو إليه - جاهدًا وكادحًا - من الفلاح والفوز ببلوغه كل ما يأمله ويتمناه، من الخير والعافية والطمأنينة، ويكون الإنسان الكريم الذي رضي عن ربه، ورضي ربه عنه.
وذلك إنما يتم له بالعلم الصحيح بنعم الله عليه، ومزاياها وصفاتها وأوضاعها، وكيفية استعمال كل نعمة على وجهها، وفي وقتها، وبمقدارها، للانتفاع بها والاستفادة منها، وتقديره لهذه النعم - بعد هذا العلم، الذي يجب أن يكون عن قصد وتفكر، للعمل به والحاجة الضرورية إليه، لا على أنه صناعة وحرفة لجذب لقمة العيش، أو الجاه والسمعة، وأخذ الشهادة الفنية به - وإحسانه الانتفاع بها - بالتحري التام، واليقظة الصادقة - في وضع كل نعمة موضعها الذي خلقها الله، وجعلها به نافعة صالحة ورحمة للإنسان.
فلا بد - لأجل ذلك - أن يكون حريصًا على إنسانيته الكريمة - العاقلة المفكرة المميزة السميعة البصيرة - التي كرَّمه الله بها وميَّزه، وحريصًا أشد الحرص على العلم النافع اليقيني المُقَوِّمِ للنفوس، والمحيي للقلوب، من سنن الله ومن رسالات الله، ليَتم له الإحسان في وضع كل نعمة موضعها على وجهها، فيثمر ذلك الثمرات الطيبة له ولمجتمعه في الأولى والآخرة.
وصلاح المجتمع: باستكمال العناصر الصالحة، والصفات والشروط التي جعلها الله العليم الحكيم مؤدية بالمجتمع إلى الصلاح والأمن والطمأنينة والعافية، والقوة والعزة والتمكين في الأرض، ونفاذ السلطان، فيسعد المجتمع، ويؤدي ما خلق له، من الخير والنفع، وصلاح الأرض التي استخلفه الله فيها، فيزيده الله قوة وعزة ونفاذ سلطان، ويُمكِّن له دينه الذي ارتضاه له، كما وصف الله تعالى سلفَنا الصالح رضي الله عنهم بقوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 110].
وإن من يقرأ تواريخ الأمم الغابرة، لَيجِدُ حقًّا، أن سلفنا الصالح رضي الله عنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس في فتوحهم، وتقويضهم صروح البغي والكفر والفساد، وإقامتهم صروح العدل والرحمة، وصالح الأعمال والأقوال والعقائد والأخلاق، ويجد أن بني إسرائيل كانوا أشد خلق الله كفرًا بأنعم الله، وفسوقًا عن أمره، وانتهاكًا لحرماته، وأبعد خلقِ اللهِ عن الرحمة والعدل والإحسان؛ فقد قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام، وقتلوا غيرهما من أنبياء الله والذين يأمرون بالقسط من الناس، وكم آذَوا موسى الذي جعل اللهُ نجاتَهم من ظلم فرعون وسوء عذابه على يديه وبرسالته.
ولقد رموا عيسى رسول الله عليه السلام، وأمَّه الصديقة رضي الله عنها - بأفحش الفاحشة، وأنكر المنكر، واتهموها بالزنا مع يوسف النجار، وأن عيسى ابن زنا، وما أفِكوا هذا الإفك العظيم إلا بعد بلوغ عيسى الأربعين من عمره، وهو يعيش بينهم موقَّرًا محترمًا.
فلما أرسله الله إليهم، ودعاهم إلى إقامة العمل بالتوراة، وانتهاج نهجها القويم، ليتخلصوا من الفساد والبغي، وحياة البؤس والذلة، قام شيوخهم من الأحبار والرهبان بعدائه أشد العداء، وافتروا عليه وعلى أمه الصديقة البتول هذه الفِرية التي لا تليق إلا بهم، وبرقابهم الغليظة، وقلوبِهم التي هي أشد قسوة من الحجارة، ولم يعبأ عيسى عليه السلام، ولا العقلاء الذين اتبعوه، بإشاعتهم هذه الفاحشة، بل ثابر في الدعوة إلى ربه، وبذل الجهد في تخليصهم، فلما رأوا أن تلك الفرية لم تكُفّ عيسى عن تبليغ رسالة ربه، سعوا بكل ما استطاعوا عند الملك الروماني الوثني، حتى حكم على عيسى ابن مريم عليه السلام بالقتل والصلب، ووكَّل إلى أحبارهم ورهبانهم تنفيذ هذا الحكم، ليحملوا وزره...
ولولا أن الله طهر عبده ورسوله عيسى من أيديهم الأثيمة الرجسة، ورفعه إليه، وألقى شبهه على واحد منهم، لنفذوا فيه الحكم القاسي أشد القسوة، وهم إلى الآن يعتقدون أن الذي قتلوه وصلبوه هو عيسى رسول الله عليه السلام، ثم أغروا النصارى باعتقاد ذلك، وباعتقاد قداسة قتله وآلة قتله، والخشبة التي عُذِّب عليها، فلا شك أنهم يحملون إثم قتل عيسى بما يعتقدون ويدينون إلى اليوم وبعد اليوم.
فعاقبهم الله على كفرهم الشنيع، وبغيهم الفظيع في قتل زكريا ويحيى من قبلهما، ومَن بعدهما من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، بأن سلط عليهم الآشوريين والكلدانيين، مرة هؤلاء ومرة أولئك، ﴿ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ﴾؛ أي: لم يتركوا مدينة ولا قرية إلا دخلوا قصورها ودورها ومعابدها، يقتلون وينتهكون الأعراض، ويأسرون ويغنمون، ولم يتركوا أرضًا زراعية، ولا بستانًا ولا مصنعًا، إلا خربوه وسلبوا ما فيه من آلات ومنتوجات، وقتلوا وأسروا من فيه.
﴿ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً ﴾، حقق الله به ما وعدهم على كفرهم وفسوقهم، وعصيانهم وتمردهم، واستكبارهم على الله ربهم، وعلى هداه وشرائعه ووصاياه، فلم يُغْنِ عنهم أحبارهم ولا رهبانهم ولا أموالهم، ولا غرورهم بما كانوا يزعمون من علومهم التي فرحوا بها، والتي بها حقَّروا رسالات الله وأبغضوها ومقتوها، فقد فعل الله بهم هذا العذاب، بتسخير الكلدانيين والآشوريين وغيرهم؛ تحقيقًا لوعده الذي لا يتخلف.
ولا تزال - ولن تزال - الذِّلة والصغار مكتوبين عليهم، ولازِمين لهم، إلى يوم القيامة، إلا بحبل من الله، لمن آمن منهم الإيمان العلمي الصادق، وتاب وأناب وعمل عملاً صالحًا، تنفيذًا لشرائع الله المرسَلة، المختتَمة برسالةِ مَن بشَّر به موسى وعيسى، وغيرهما من أنبياء الله، وأخذوا عليهم العهد بالإيمان به واتِّباعه وطاعته، ونصره وتعزيره، واتباع النور الذي أُنزِل معه - محمد رسول الله صل الله عليه وسلم، أو بحبل من الناس.
وإن ربك لبالمرصاد، وكان وعد الله مفعولاً، وكان حقًّا على الله نصر المؤمنين، الذين يحمون حِمَى رُسُل الله، وينصرونهم ويعزرونهم، ويعملون جاهدين لتعيش الإنسانية في سلام وأمن وعافية من مكايد الصهيونية الأثيمة التي يبغضها الله ويمقتها أشد المقت؛ لِما يعلم من عدائها له ولرسله، ولكل خير وطمأنينة يحبها الإنسان، لتبقى شمس رسالة الله مشرقة تهدي الإنسانية إلى الحياة الآمنة المطمئنة، والعيشة الرَّضِيَّة في الأولى والأخرى، والله عليم حكيم، رحمن رحيم.
والقرآن مليء بآياتِ توبيخِهم وتقبيح فِعَالهم، ومؤكد أن الله أعطاهم من النعم والإكرام كثيرًا، وآتاهم الملك والحكم، وجعل لهم دولة عظيمة دخلت مصر وملكتها، وملكت بلاد الآشوريين وغيرها، وامتحنهم الله بذلك وغيره ليشكروه، وليحسنوا فيما آتاهم، لكنهم كفروا أشد كفر وأطغاه وأشنعه، فسلط عليهم من جاسوا خلال ديارهم، وتبروها تتبيرًا، فأهلكوا كل شيء، وأخسروهم خسارًا كبيرًا؛ إذ قتلوا الرجال، وسَبَوا الذرية والنساء، وخربوا بيت المقدس، وبعد فترة من الزمان، امتحنهم الله، فردَّ لهم الكَرَّة عليهم، وأمدَّهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرًا؛ أي: أعطاهم من الصحة وقوة الأجسام وكثرة العدد والثراء والغنى لما جعل عدد جيشهم الذين ينفرون للحرب كثيرًا، يُظن أنهم يغلبون عدوهم، وذكرهم ما صنع بهم كفرُهم وبغيهم وفسوقُهم ومعاصيهم في الماضي، وحذرهم العاقبة الوخيمة.
وقال لهم: ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾؛ أي: إن أحسنتم أخذ النعمة - في الغنى والقوة وأسباب الملك، وفي الشرائع والوصايا - بقوة وحزم، وقصد جازم إلى الشكر والانتفاع، والاستقامة على السبيل السوِيّ الذي رسمه الله لكم، وتبتم عن فجوركم وبغيكم، وذكرتم ربكم بالتفكر والتأمل في آياته الكونية في الأنفس والآفاق، وبالتفقُّه والتدبر لرسالاته وطاعته، وتحري الاتباع لها، زكت نفوسكم، ورقّت قلوبكم، وكنتم خير الناس لأنفسكم وللناس، فمكَّن الله لكم في الأرض، ومَدَّ في نفوذ سلطانكم، وإلا فالله غني عنكم وعن أعمالكم، فلن تضروه بكفركم وإفسادكم في الأرض شيئًا، ولن تنفعوه بطاعتكم وإيمانكم، والله غني عن العالمين.
﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾؛ أي: كما أسأتم وأفسدتم في الأرض، فسيسلط الله عليكم من هو أقوى وأشد بطشًا، ويذيقكم من العذاب الدائم والذلة الملازمة، ما يسيء وجوهكم، ويكسوها الخزي والذلة والمقت، وهو الذي سماه في الآيات الأخرى: "خِزْي الدنيا"، ﴿ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ﴾؛ يعني: يخربوا بلادكم، ويهلكوا دولتكم وسلطانكم أشد التخريب والإهلاك، فتخسرون كل شيء في الأولى والأخرى.
فلم يحسنوا الانتفاع بنعم الله، وفي أخذ شرائع الله، بل بغوا وطغوا، وفسقوا وعصوا، وأساؤوا أشد الإساءة، وأفسدوا في الأرض أشد الإفساد، كما وصف الله ذلك في كتابه، واتبعوا أهواءهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه، فازدادت قلوبهم قسوة، ونفوسهم رجسًا، فأخذهم الله بذنوبهم، وسلّط عليهم مرة أخرى مَن صَنع مثل صنيع الأولين وأشد.
ولا يزالون إلى اليوم وبعد اليوم في التَّبَار والذُّل والصَّغار؛ لأنهم لا يزالون أشد الناس إفسادًا في الأرض؛ فقد حاولوا قتل رسول الله صل الله عليه وسلم بإلقاء حجر رحى عليه من عَلُ - وكان ذلك سببَ غزوة بني النضير وإجلائهم - ثم سَمُّوه في خيبر، ثم في خلافة عمر رضي الله عنه، وأجلاهم عن جزيرة العرب، كونوا "الجمعية الباطنية" الإرهابية، برياسة كعب الأحبار، فاغتالت عمر رضي الله عنه، ثم ألَّبت على عثمان رضي الله عنه حتى قتلته، ثم أغرت بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما، حتى كانت وقعة صفين التي أريقت فيها دماء أربعين ألفًا من المسلمين، وشغلتهم عن الفتوح الإسلامية، ثم قتلت عليًّا، ثم ابنه الحسين، ثم عملت مع أبي مسلم الخراساني حتى قضت على الدولة الأموية العربية، وأتت بالعباسيين؛ لتكون الدولة في كفالة الفرس عبدة النيران، وفي حضانة الفلسفة الفارسية واليونانية؛ لتزيغ القلوب، بعد أن تُحجَب عنها شمس القرآن، ثم ما زالت تعمل جاهدة، حتى قضت على الخلافة العباسية بدسائس ابن العلقمي، الذي كان وزير آخر خليفة عباسي، وأحد أعضاء "الجمعية الباطنية"، ليملك التتار.
ومن قبل، ذهب فرعٌ منها إلى الغرب، فكانت دولة بني عبيد، الذين ادعوا أنهم فاطميون، وكذبوا؛ فما هم إلا يهود نسبًا، وعقيدة وعملاً، وحالاً وعَداءً للإنسانية، فضلاً عن الإسلام، بل كانوا أكفر من اليهود والنصارى، كما ذكر ذلك أبو بكر الباقلاني وغيره من محققي علماء المسلمين، وما زالت دولة العُبَيْدِيِّين تَقْوَى وتَقْوَى في غفلة الناس وجاهليتهم التقليدية وترَفِهم المفسِد، حتى ملكت مصر، وأقامت فيها دعوة الوثنية والإلحاد، الواضحة في "رسائل إخوان الصفا" وغيرها، وفيما أقامت من قباب على القبور، وموالد وأعياد لعبادة المقبورين، وأقامت من دور ومنابر تلعن فيها وعليها وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهما: الصديق رفيقه وأنيسه في الغار؛ أبا بكر، والفاروق الذي أعز الله به الإسلام؛ عمر، وتلعن الصِّدِّيقة ابنةَ الصِّدِّيق، التي نزل جبريل بصورتها في سَرَقَة من حرير للنبي صل الله عليه وسلم، وقال له: ((هذه زوجتك))، رضي الله عنها وعن أبيها وعن كل الصحابة.
وما زالت كفرياتهم باقية في أغلب البلاد، وفي بعضها لا تزال الألسنة والأقلام الكافرة الفاجرة الحاقدة على الإسلام تلعن الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وتعلن على المنابر أن عائشة رضي الله عنها الزانية، وقد برأها الله أعظم براءة، في آيات تُتلى في المحاريب، كفر بها أولئك الذين لا يلعنون إلا أنفسهم.
ثم وسَّعت "الجمعية الباطنية" دائرتها - بعد أن ظفرت بما ظفرت به في البلاد الإسلامية - فتسمَّت باسم "الجمعية الماسونية"، وأخذت تعمل جاهدة لإقامة الدولة الصهيونية؛ ببث أنواع الفساد، وأسباب العداء، بترويج الربا وأكل الأموال بالباطل، والصد عن سبيل الله، بين البشر شرقًا وغربًا، حتى أتيحت لها الفرصة، فأوقدت نار الحرب العالمية الأولى، وأمدتها بالحطب والوقود من خزائنها التي ملأتها من الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وأخذت منها "وعد بلفور" الفاجر، ثم عملت جاهدة حتى أوقدت الحرب الثانية، وأججتها وغذتها، حتى خرجت منها بتخريب وتقتيل آلاف الدور وملايين البشر، ما شفى غيظَها، وأرضى قلبها القاسي من الشعوب التي تمردت فلم تَدِن لإسرائيل بالعبودية.
وخرجت من هذه الحرب الثانية بإسرائيل التي لن تبقى، ولا بد أن تزول قريبًا، وتُطهَّر البلاد الإسلامية منها، وتكون القاضية على الصهيونية المفسدة في الأرض كلها، ويستريح العالم من شرورها وإفسادها، وإيقادها نار العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة الإنسانية، والله لا يحب المفسدين.
وقوله: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ﴾؛ أي: إنما عاملكم هذه المعاملة بعلمه وحكمته ورحمته؛ لعلكم تتعرضون - بالتوبة وتطهير القلوب من أسباب الشرور والفتن - لرحمته، وتتَّقُون غضبه وسخطه ولعنته، ولكنهم عادوا وعادوا، ولا يزال شأنهم قسوة القلوب وغِلظ الرقاب، يعتقدون زورًا وبهتانًا أنهم شعب الله المختار، وأنهم أحق الناس بالملك والسلطان، وأن مِن أشد الظلم لهم ألا تكون الأرض بمن فيها وما فيها مِلكًا لهم، حتى عاقبهم الله العقاب العادل الحكيم، وحكم عليها حكمًا أبديًّا لا نقض فيه ولا استثناء إلى يوم القيامة ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 167].
ولن يخلف الله وعده، ولو اجتمع الجن والإنس فلن يقدروا على نقض حكمه الذي تأذن به وأعلنه في أهل السماء والأرض، وأنهم لم يستطيعوا أن يضعوا أقدامهم المجرمة في أرض فلسطين، إلا نتيجةَ غفوةٍ من العرب والمسلمين، امتحانًا من الله وابتلاءً، وهو العليم الحكيم، وهم لا بد مستيقظون، بل استيقظوا، وأخذوا في أسباب القوة.
وها هي الأحداث هنا وهناك تؤكد أن حبلهم قد درس... ليستطيع الإنسان أن يهنأ بالعيش الآمن في سلام، ويطمئن في سِربه، وينام آمنًا في أهله، وتعُود العرب خيرَ أمة أُخرِجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، والله غالب على أمره، وإن جند الله لهم المفلحون، وإن حزب الصهيونية - حزب الشيطان - لَهُمُ الخاسرون.